مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
سلسلة حلقات نحو مجتمع فاطمي عفيف/بقلم الشيخ الدكتور ثائر العقيلي/مدير مركز الدراسات الفاطمية في البصرة/الحلقة التاسعة
+ = -

مركز الدراسات الفاطمية

    البصرة   –  العراق

سلسلة حلقات نحو مجتمع فاطمي عفيف

مجموعة الدراسات المرسلة الى اللجنة التنسيقية

هلال فاطمية أستراليا سدني

الحلقة التاسعة

العفاف الفاطمي

العفاف الفاطمي

تشكل مفردة العفاف كمصطلح بمساراته الفكرية أهمية كبيرة جداً من خلال اختزاله منظومة تصحيح المسارات الشريعية والأخلاقية والعقدية للمكلف المسلم،فجميع مخرجاته العملية واللفظية ينطبق عليها هذا المصطلح أما إيجابا أو سلبا،ومن هنا جاءت هذه الأهمية لها المصطلح وخطورته في حياة المكلف، فيجب عليه إن يتخذه ميزاناً دائم ، لمعرفة ما يجب وما لا يجب عليه .

ولكن من المؤسف جداً غياب هذه المصطلح من حيث المفهوم والمصداق فظلاً عن الاستعمال والتداول اللفظي بين المجتمع المسلم ([1]).ونحن في هذا الدرس سوف ندرس فقط المصداق المادي عبر اربع محاور هما:

المحور الأول : دراسة المعنى اللغوي والاصطلاحي.

1-المعنى اللغوي:

الِعفةُ : الكَفُ عما لا يَحِلُ ويَجمُلُ، عَفَّ عفف : عن المَحارِم والأُطْماع الدَّنِية يَعِفُّ عِفَّةً وعَفّاً وعَفافاً وعَفافة ، فهو عَفِيفٌ وعَفٌّ ، أَي كَفَّ وتعفَّفَ واسْتَعْفَفَ وأَعفَّه اللَّه . وفي التنزيل : ولْيَسْتَعْفِف الذين لا يَجِدون نكاحاً ؛ فسَّره ثعلب فقال : ليَضْبِطْ نفسه بمثل الصوم فإنه وِجاء . وفي الحديث : من يَسْتَعْفِف يُعِفّه اللَّه ؛ الاسْتِعْفاف : طلَبُ العَفافِ وهو الكَفُّ عن الحرام والسؤال من الناس ، أَي من طلب العِفّة وتكلَّفها أَعطاه اللَّه إياها ، وقيل : الاستعفاف الصبْر والنَّزاهة عن الشيء ؛ ومنه الحديث : اللهم إني أَسأَلك العِفّة والغِنى ، والحديث الآخر : فإنهم ما علمت أَعِفّةٌ صُبُر ؛ جمع عَفِيف . ورجل عَفٌّ وعَفِيف ، والأُنثى بالهاء ، وجمع العَفِيف أَعِفّة وأَعِفّاء ، ولم يُكَسِّروا العَفَّ ، وقيل : العَفِيفة من النساء السيدة الخَيْرةُ . وامرأَة عَفِيفة : عَفّة الفَرج ، ونسوة عَفائف ، ورجل عَفِيف وعَفٌّ عن المسأَلة والحَرْصِ ، والجمع كالجمع ؛ قال ووصف قوماً : أَعِفّة الفَقْرِ أَي إذا افتقروا لم يغْشَوُا المسأَلة القبيحة . وقد عَفَّ يعِفّ عِفَّة واستعَفَّ أَي عَفَّ . وفي التنزيل : ومن كان غنيّاً فليَستعْفِفْ ؛ وكذلك تعَفَّفَ ، وتعَفَّفَ أَي تكلَّف العِفّة)) ([2]).

وقال ابن الاثير في مادة ( عفف ) : ((فيه ” من يستعفف يعفه الله ” الاستعفاف : طلب العفاف والتعفف ، وهو الكف عن الحرام والسؤال من الناس : أي من طلب العفة وتكلفها أعطاه الله إياها . وقيل الاستعفاف : الصبر والنزاهة عن الشئ ، يقال : يعف عفة فهو عفيف . ومنه الحديث ” اللهم إني أسألك العفة والغنى)) ([3])..

2-المعنى الاصطلاحي:

واصطلاحا : يطلق العفاف في العرف العام على شرف النفس ، فالعفيف كما في تعريف الجرجاني : من يباشر الأمور على وفق الشرع ، والمروءة ، ويطلق في الاصطلاح غالبا على ترك الزنى باستعفاف المسلم أو المسلمة عن الوطء الحرام فلا ينافي العفة – بالمعنى الاصطلاحي – الوطء الحرام لعارض الحيض أو الصوم أو الإحرام مثلا ([4]).

المحور الثاني: العفاف في السيرة الفاطمية.

بعد دراسة سيرة السيدة فاطمة (عليهاالسلام) استطعنا الوقوف على ثلاث نصوص مباشرة تشير إلى العفة محل الدراسة وهي الأتي.

1-النص القرآني:

قال تعالى :((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)) ([5]).

قال الطوسي : (( فالجلابيب جمع جلباب وهو خمار المرأة وهي المقنعة تغطي جبيتها ورأسها إذا خرجت لحاجة بخلاف خروج الإماء اللاتي يخرجن مكشفات الرؤؤس والجباه – في قول ابن عباس ومجاهد – وقال الحسن : الجلابيب الملاحف تدينها المرأة على وجهها ” ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ” ثم قال ” وكان الله غفورا رحيما ” اي ستار الذنوب على عباده ” رحيما بهم)) ([6]).

ومعنى ( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جلابيبهن ) : يُرخِينها عليهنَّ ويغطِّينَ بها وجُوهَهُنَّ وأَعْطَافَهُنَّ ، يقالُ إذَا زَلَّ الثَوبُ عن وجهِ المرأةِ : أدْنِي ثوبَكِ على وجهك . وذلكَ أنَّ النساءَ كُنَّ في أوَّلِ الإسلامِ على عادتهنَّ في الجاهلية مبتذَلاَت يَبْرزْنَ في درع وخمار ، لا فَرقَ بين الحرَّةِ والأَمَة ، وكانَ أهل الشَّطَارةِ والرِّيبةِ يتعرَّضُونَ للإِماءِ ، فَربَّما تعرَّضُوا للحرَّةِ بعلَّة الأمَة . فأُمِرْنَ أن يخَالِفْنَ بزيِّهِنَّ من زيِّ الإِماءِ لئلاَّ يَطْمَعَ فيهنَّ طَامِعٌ ، وذلكَ قولُهُ : ( ذلِكَ أدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ) أي : أَقْربُ إلى أن لا يتعرَّضَ لَهنَّ ولا يَلْقَيْنَ ما يَكرهْنَ . و ( مِنْ ) في : ( جَلَبِيبِهِنَّ ) للتَبعيضِ ، بمعنى : تَجَلْبَبْنَ ببعض جَلابيِبهِنَّ أو يُرخِينَ بعضَ جِلْبابِهِنَّ علَى الوجه ( وَكَانَ اللهُ غَفُوراً َّرحِيماً ) لِمَا سَلَفَ منهنَّ في ذلك  ([7]).

الجلابيب جمع جلباب وهو ثوب تشتمل به المرأة فيغطى جميع بدنها أو الخمار الذي تغطي به رأسها ووجهها . وقوله : ( يدنين عليهن من جلابيبهن ) أي يتسترن بها فلا تظهر جيوبهن وصدورهن للناظرين . وقوله : ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) أي ستر جميع البدن أقرب إلى أن يعرفن أنهن أهل الستر والصلاح فلا يؤذين أي لا يؤذيهن أهل الفسق بالتعرض لهن . وقيل : المعنى ذلك أقرب من أن يعرفن أنهن مسلمات حرائر فلا يتعرض لهن بحسبان أنهن إماء أو من غير المسلمات من الكتابيات أو غيرهن والأول أقرب  ([8]).

2-النص الروائي:

1-عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله أسر إلى فاطمة عليها السلام أنها أولى من يلحق به من أهل بيته ، فلما قبض ونالها من القوم ما نالها ، لزمت الفراش ، ونحل جسمها ، وذاب لحمها ، وصارت كالخيال ، وعاشت بعد رسول الله صلوات الله عليهما سبعين يوما ، فلما احتضرت قالت لأسماء بنت عميس : كيف احمل على رقاب الرجال مكشوفة ، وقد صرت  كالخيال ، وجف جلدي على عظمي ؟ قالت أسماء : يا بنت رسول الله ! إن قضى الله عليك بأمر فسوف أصنع لك شيئا رأيته في بلد الحبشة ، قالت : وما هو ؟ قالت النعش يجعلونه من فوق السرير على الميت يستره ، قالت لها : افعلي ، فلما قبضت صلوات الله عليها صنعته لها أسماء فكان أول نعش عمل للنساء في الإسلام). ([9]).

2-روى عبد الله بن الحسن  بإسناده عن آبائه (عليهم السلام) : إنه لما أجمع  أبو بكر وعمر على منع فاطمة عليها السلام فدكا وبلغها ذلك  لاثت خمارها  على رأسها ، واشتملت بجلبابها ، وأقبلت في لمة  من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة…)). ([10]).

3- وروى عن علي (عليه السّلام) قال : (( كنّا جلوسا عند رسول اللَّه( صلَّى اللَّه عليه وآله) فقال : أخبروني أي شيء خير للنساء ، فعيينا بذلك كلنا حتّى تفرقنا فرجعت إلى فاطمة عليها السّلام فأخبرتها الذي قال لنا رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وليس أحد منّا علمه ولا عرفه فقالت : ولكني أعرفه ، خير للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال ، فرجعت إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله فقلت : يا رسول اللَّه سألتنا أي شيء خير للنساء وخير لهنّ أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال ، قال : من أخبرك فلم تعلمه وأنت عندي ؟ قلت : فاطمة ، فأعجب ذلك رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وقال : إن فاطمة بضعة مني)) ([11]).

4-عن علي أنه كان عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال : (( أي شئ خير للمرأة فسكتوا فلما رجعت قلت لفاطمة أي شئ خير للنساء قالت لا يراهن الرجال فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال أنها فاطمة بضعة منى . رواه البزار وفيه من لم أعرفه وعلي بن يزيد أيضا)) ([12]).

5-وحدث موسى بن إسماعيل ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين ( عليه السلام ) : إن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) استأذن عليها أعمى فحجبته ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا فاطمة لم حجبتيه وهو لا يراك ؟ فقالت : يا رسول الله إن لم يكن يراني فأنا أراه وهو يشم الريح . فقال لها النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أشهد أنك بضعة مني)) ([13]).

6-عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن فاطمة ( عليها السلام ) قالت : ((دخل علي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وبه كآبة شديدة فقلت له : ما هذه الكآبة ؟ فقال : سألنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن مسألة لم يكن عندنا لها جواب . فقالت : وما هي المسألة ؟ قال : سألنا عن المرأة ما هي ، فقلنا : عورة ، فقال : متى تكون أدنى من ربها فلم ندر . قالت : ارجع إليه فاعلمه أن أدنى ما تكون من ربها أن تلزم قعود بيتها . فانطلق فأخبره . فقال له : ماذا من تلقاء نفسك . فأخبره أن فاطمة ( عليها السلام ) أخبرته فقال ( عليه السلام ) : صدقت إن فاطمة بضعة مني)) ([14]).

3-النص الدعائي.

دعاء يوم الخميس: (( اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والعمل بما تحب وترضى . اللهم إني أسألك من قوتك لضعفنا ، ومن غناك لفقرنا وفاقتنا ، ومن حلمك وعلمك لجهلنا . اللهم صل على محمد وآل محمد ، وأعنا على شكرك وذكرك وطاعتك وعبادتك ، برحمتك يا أرحم الراحمين )). ([15]).

4-الخطبة الفاطمية الكبرى.

لما اجمع أبو بكر وعمر على منع السيدة فاطمة (عليها السلام ) حتى دخلت على أبي بكر ثم التفتت إلى أهل المجلس  وقالت : ((انتم عباد الله نصب أمره ونهيه وحملة دينه ووحيه وأمناء الله على أنفسكم وبلغاءه إلى الأمم زعيم حق له فيكم وعهد قدمه إليكم وبقية استخلفها عليكم كتاب الله الناطق والقرآن الصادق والنور الساطع والضياء اللامع بينة بصائره منكشفة سرائره منجلية ظواهره……….. وترك السرقة إيجابا ً للعفة)) ([16]).

المحور الثالث:روايات أهل البيت (عليهم السلام) في العفاف.

روت مصادر أهل البيت (عليهم السلام) المختلفة روايات عديدة حول العفاف وبمختلف المصاديق ومن ابرز تلك الروايات الأتي.

1-قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، أنه قال : (( زكاة العلم نشره ، زكاة الجاه بذله ، زكاة الحلم الاحتمال … زكاة الجمال العفاف ،…))([17]).

2- قال أمير المؤمنين ( عليه السلام) : (( الحياء قرين العفاف )) ([18]).

3-عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، أنه قال: (( عليك بالعفاف ، فإنه أفضل شيم الأشراف )) ([19]).

4- قال أمير المؤمنين ( عليه السلام) :((على قدر الحياء تكون العفة)). ([20]).

5- قال أمير المؤمنين ( عليه السلام) :((سبب العفة الحياء)) ([21]).


[1]-حدد يوم الخامس من جمادى الأخر من كل عام يوم العفاف العالمي وهو يصادف ميلاد عقيلة الطالبيين (ع).

[2]ابن منظور ، لسان العرب ،253،9

[3] النهاية في غريب الحديث ،264،3                                    

[4] – عبدالمنعم ،معجم المصطلحات ،236،1

[5] -سورة الأحزاب ، الآية 59.

[6] التبيان ،361،8.

[7] الطبرسي، تفسير جوامع الجامع ،81،3.

[8] الطباطبائي ، الميزان ،339،16

[9]المجلسي ، بحار الأنوار ،283،43

[10] ابن طيفور ،بلاغات النساء ، 12/الطبرسي، الاحتجاج،132،1/المجلسي ، بحار الأنوار ،236،29.

[11] الشامي ، سبل الهدى ،45،11/ الفيض الكاشاني ، المحجة البيضاء،210،4

[12] ابن حجر الهيثمي،مجمع الزوائد ،255،4

[13] ابن المغازلي ،مناقب ،289/الراوندي ، النوارد ،118/ المجلسي ،بحار الأنوار ،91،43

[14] الشامي ،الدر النظيم ،457،المجلسي ،بحار الانوار ،93،34.

[15] –  المجلسي ، بحار الانوار ،339،78

[16] –  الطبري (الشيعي)،دلائل الامامة،113/ابن شهر اشوب ،مناقب ،198،2                                                           

[17]– الطبرسي ،مستدرك الوسائل ،46،7.

[18]– الواسطي ،عيون الحكم40.

[19]– الطبرسي ،مستدرك الوسائل ،274،11

[20]– الواسطي ، عيون الحكم،327

[21]– الواسطي ،عيون الحكم ،208