مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
سلسلة حلقات نحو مجتمع فاطمي عفيف/بقلم الشيخ الدكتور ثائر العقيلي/مدير مركز الدراسات الفاطمية في البصرة/الحلقة العاشرة
+ = -

مركز الدراسات الفاطمية

    البصرة   –  العراق

سلسلة حلقات نحو مجتمع فاطمي عفيف

مجموعة الدراسات المرسلة الى اللجنة التنسيقية

هلال فاطمية أستراليا سدني

 الحلقة العاشرة

المواقف الاجتماعية العامة في سيرة السيرة الفاطمية.

شكلت سيرة السيدة فاطمة (عليها السلام ) في معطياتها المختلفة جدلية ثنائية بين المنصف والمجني عليها في مسارات معينة ، ونحن في هذا الدرس سوف نناقش لنتثبت خلاف من يرى من الباحثين عدم تدوين مصادر السيرة والتاريخ ادوار اجتماعية في الأبعاد الحركية العامة للسيدة فاطمة(عليها السلام ) ، لنثبت مسارات تتلخص في أمرين الأول :الدفاع عنها (عليها  السلام) والثاني: الرد على من يتبنى ذلك ضمن متبنياته الفكرية.ومن الجدير بنا الإشارة إن المعطيات الأساسية التي نعتمد عليها في الدرس تنطلق من المواقف الاجتماعية العامة للسيدة فاطمة (عليها السلام ) ، وليس الخاصة بما يرتبط في منظومة اجتماعية أسرية خاصة ، لذلك تكون الدرس من محورين هما:

المحور الأول :المواقف الاجتماعية العامة للسيدة فاطمة (عليها السلام) في المرحلة المكية .

عاشت السيدة فاطمة (عليها السلام) في المرحلة المكية ([1])، قرابة ثمانية أعوام ، ولم نجد المصادر التاريخية ، تشير إلى مواقفها الاجتماعية العامة ، ألا النزر اليسير ، ولعل هذا راجعاً إلى صغر عمرها الشريف في هذه المرحلة فولادتها على المشهور كانت بعد البعثة بخمسة  أعوام([2]) ، عاشت أكثرها في أيام المقاطعة الاقتصادية لبني هاشم ومعتنقي الدعوة . ودون أدنى شك تجرعت في هذه المرحلة الآلام والجوع والعوز.عاصرت السيدة فاطمة (عليها السلام) الظروف القاسية التي مرت بها الدعوة الإسلامية وخصوصاً بعد وفاة ابي طالب (رضوان الله عليه) ، الذي شكلت وفاته ، مساراً جديداً في مسارات المواجهة القرشية ، اذ نالت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بألوان الأذى ،  وهذه ما يوضحه قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ((ما زالت قريش كاعة عني حتى مات أبو طالب )) ([3]).

وفي هذه المرحلة كان للسيدة فاطمة (عليها السلام) موقفاً مهماً ، نستطيع إن نقرأ منه قراءات عديدة ، أبرزها القراءة الاجتماعية وهو ما روي عن عبد الله بن مسعود إن قال: (( ان النبي( صلى الله عليه واله وسلم) كان يصلى عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس إذ قال بعضهم لبعض أيكم يجئ بسلا جزور بنى فلان يضعه على ظهر محمد إذا سجد ،فانبعث أشقى القوم فجاء به ،فنظر حتى إذا سجد النبي (صلى الله عليه وسلم) وضعه على ظهره بين كتفيه ،وإنا انظر لا أغنى شيئا لو كان لي منعة، قال فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم على بعض، ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) ساجد لا يرفع رأسه حتى جاءته فاطمة فطرحت عن ظهره ،فرفع رأسه ثم قال :اللهم عليك بقريش ثلاث مرات ،فشق عليهم إذ دعا عليهم قال- وكانوا يرون إن الدعوة في ذلك البلد مستجابة ثم سمى اللهم عليك بأبي جهل وعليك بعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وعد السابع لم نحفظه قال فو الذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عد رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى في القليب)) ([4]).

  بدأت الهجرة الفاطمية بعد هجرة  النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، الذي خرج من مكة متوجهاً إلى يثرب بعد علمه بأمر قريش وتدابر اغتياله([5]). وهذا المخطط القرشي أشار له القران الكريم في قوله تعالى: ((øŒÎ)ur ãä3ôJtƒ y7Î/ z`ƒÏ%©!$# (#rãxÿx. x8qçGÎ6ø[ãŠÏ9 ÷rr& x8qè=çGø)tƒ ÷rr& x8qã_̍øƒä† 4 tbrãä3ôJtƒur ãä3ôJtƒur ª!$# ( ª!$#ur çŽöyz tûï̍Å6»yJø9$#))([6]) .

بعد هجرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم)  متوجها إلى المدينة  عهد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام ) ، للقيام بعدد من الوظائف كان من بينها إرجاع الأمانات التي كانت بعهدته إلى أصحابها والهجرة بالفواطم وقد تصدد قريش إلى هذه الهجرة العلوية العلنية فأرسلت عدد من مقاتليها لمنعة( عليه السلام ) وقد واجه هذا الموقف  الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام )، بشجاعته فريدة وصلابة كبيرة فما كان منهم إلا العودة خائبين([7]) .                          

لم تكن الهجرة في فكر وعقيدة السيدة فاطمة(عليها السلام) ، انتقالاً جغرافياً من مكة إلى يثرب ، بل كانت تدرك إن الهجرة مرحلة من مراحل تأسيس الدولة المحمدية التي سوف تعمل على نشر الدعوة الإلهية إلى جميع أنحاء العالم . قضى أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام )،  ليلته تلك مع الفواطم يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم حتى طلع الفجر فصلى بهم صلاة الفجر ثم سار حتى قدم المدينة وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم : )الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار* فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ((([8]). وقد ذهب الطوسي وابن شهر أشوب أن المقصود في الذكـر الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والأنثى السيدة فاطمة (عليه السلام) ([9]). 

   إن هذه الآية الشريفة ترسم أحدى أهم المحطات المهمة والرئيسة في حياة السيدة فاطمة (عليها السلام ) ،ذات المنهج الحركي الذي طرزت ملامحه منذ البدايات الأولى على التعرض للصعاب ،والسير في المنهج الإلهي والمحمدي وعند الوقوف مع الآية نستقرأ دلالاتها والتي أبرزها الأتي.

1-الذكر الإلهي الدائم لأمير المؤمنين والسيدة فاطمة(ع) بقرينة القيام والقعود وهذا يرسم لنا حجم الارتباط مع الله والذوبان في ذاته المقدسة.

2-التفكر في خلق السموات والأرض من قبلهما (عليهم السلام) والتي كانت ابرز نتائج ذلك التفكير الإقرار بعظمة صنع الخالق سبحانه وتعالى .

3-الإقرار في الميعاد الإلهي الموعود الذي ابرز لوازمه العقدية الإقرار بيوم القيامة والجنة والنار.

4-ألاستجابة الإلهية لهما لجميع فعالياتهم  العبادية والعقدية بقرينة (أعمالهم) التي توحي إلى الإطلاق .

5- يحتمل إن هذا النص القرآني يمثل النص الأول في تاريخ السيرة الفاطمية الذي يؤرخ لعدد من الجوانب في المنظومة الفكرية الفاطمية، والتي بدورها ترسم حجم ومقام السيدة فاطمة (عليها السلام في هذه المرحلة.

 وقد وصل (صلى الله عليه وآله وسلم)  إلى يثرب في الثاني عشر من ربيع الأول . وأقام في بني عمرو بن عوف حتى وصول أمير المؤمنين (عليه السلام) ، الذي استخلفه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لإرجاع الودائع لأهالي مكة ، وجلب الفواطم والتي كانت السيدة فاطمة (عليها السلام) ابرز الفواطم المهاجرة فوصلت (عليها السلام) إلى يثرب ودخلت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان منتظر وصولها مع زوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فنزلت مع أبيها في دار أبي أيوب الأنصاري([10]).

  أن الانتظار النبوي الشريف للسيدة فاطمة وأمير المؤمنين (عليهما السلام) يحمل عدد كبير من الرسائل التأسيسية للأمة الإسلامية التي بدورها رسمت بصورة واضحة لمكانتهما في مفهوم النبوة  وأنهما اذرع المشروع الإلهي الذي بدأ منذ دخوله (صلى الله عليه واله وسلم) إلى داخل المدينة .

المحور الثاني : المواقف الاجتماعية العامة للسيدة فاطمة (عليها السلام ) في المرحلة المدنية .

  نلاحظ إن الحياة الاجتماعية العامة للسيدة فاطمة (عليها السلام) في هذه المرحلة تعد أثرى من المرحلة المكية ، وهذا نجده واضحاً من خلال وقوفنا على عدد من الأدوار التي غالباً ما غيب المؤرخين عنها تاريخ وقوعها ، لذلك سوف نشير إلى هذه المرحلة بلحاظ المصدرية الفكرية عبر قسمين مهمين هما .

أولاً : النص القرآني .

 لقد أرخ النص القرآني في عدد من آياته الشريفة، بعض المواقف الاجتماعية العامة للسيدة فاطمة (عليها السلام ) في العهد المدني منها قوله تعالى : ((tbqèùqム͑õ‹¨Z9$$Î/ tbqèù$sƒs†ur $YBöqtƒ tb%x. ¼çn•ŽŸ° #ZŽÏÜtGó¡ãB* tbqßJÏèôÜãƒur tP$yè©Ü9$# 4’n?tã ¾ÏmÎm7ãm $YZŠÅ3ó¡ÏB $VJŠÏKtƒur #·ŽÅ™r&ur * $oÿ©VÎ) ö/ä3ãKÏèôÜçR Ïmô_uqÏ9 «!$# Ÿw ߉ƒÌçR óOä3ZÏB [ä!#t“y_ Ÿwur #·‘qä3ä© * $¯RÎ) ß$$sƒwU `ÏB $uZÎn/§‘ $·Böqtƒ $U™qç7tã #\ƒÌsÜôJs% * ãNßg9s%uqsù ª!$# §ŽŸ° y7Ï9ºsŒ ÏQöqu‹ø9$# öNßg9¤)s9ur ZouŽôØtR #Y‘rçŽß ur  )) ([11]). ([12]).

    وروي كذلك في قوله تعالى :((ويؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة)) ([13]). أنها نزلت في السيدة فاطمة(عليها السلام) وأمير المؤمنين (عليه السلام) فقد روي : (( إن رجلاً جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فشكى أليه الجوع ، فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بيوت أزواجه فقلن: ما عندنا الا الماء فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : من لهذا الرجل الليلة ؟ فقال علي بن ابي طالب (عليه السلام) : انا يا رسول الله فأتى فاطمة (عليها السلام) ، فاعلمها .فقالت ما عندنا الا قوت الصبية ، ولكنا نؤثر به ضيفنا فقال : (عليه السلام) ، نومي الصبية وأطفئ السراج ،فلما أصبح غداً على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .فنزل قوله تعالى (ويؤثرون …)) ([14]).

ثانياً:النص التاريخي .

    على الرغم إن النص التاريخي لم يقدم لنا الكثير من الإشارات التي تشير للأدوار الاجتماعية العامة ، للسيدة فاطمة (عليها السلام) ، إلا إن ما وصل ألينا نستطيع من خلاله رسم الملامح العامة لها ، وهذا ما نروم إثباته. وأول تلك الإشارات ما رواها ابن أبي الحديد بقوله: ((يغشاها نساء المدينة وجيران بيتها )) ([15]). ونجد في هذه الإشارة المهمة مدى حجم العلاقات الاجتماعية بين السيدة فاطمة (عليها السلام) ونساء المجتمع المدني سواء من القريبات من الناحية الجغرافية من مختلف طبقات سكان المدينة ، ويبدو إن هذه العلاقات كانت على مستوى كبير ، وهذا الأمر يعكسه ما روي عن الإمام الحسن المجتبى (عليها السلام) من انه شاهد والدته السيدة فاطمة (عليها السلام)، قال 🙁 رأيت أمي فاطمة ( عليها السلام ) قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ، ولا تدعو لنفسها بشئ ، فقلت لها : يا أماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك ؟ فقالت : يا بني ! الجار ثم الدار ) ([16]).

   ومن المواقف الأخرى التي تثبت دور السيدة فاطمة (عليها السلام) ما روى عن جابر بن عبد الله الأنصاري انه قال : (( إن رسول الله أدى صلاة العصر معنا …وإذا بشيخ عربي كان يجر إقدامه لشدة الجوع والفقر …..فسأله عن حاله فأجاب الشيخ : يا رسول الله انا جائع فأطعمني وعرياناً ، فاكسني ومسكيناً فيسر لى امري ، فأجاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) انا لا املك ألان شيئاً أساعدك به ولكني أدلك ، فالدال على الخير كفاعله ، اذهب إلى بيت من يحبها الله والرسول ويحب الله ورسوله ، ثم امر بلال بان يدله على دار فاطمة وحين بلغ باب الدار ، نادى بأعلى صوته : السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ….فأجابت فاطمة : وعليك السلام من أنت؟ فرد الشيخ : أعرابي ذهبت إلى أبيك سيد البشر وشكوت له حالي فدلني عليك فارحميني يرحمك الله …..عندما سمعت فاطمة بهذا خلعت قلادة كانت في رقبتها أهدتها إياها بنت حمزة بنت عبد المطلب أعطتها للأعرابي ، وقالت خذها ، وبعها ارجوا ان يكرمك الله بخير منها . اخذ الأعرابي القلادة إلى المسجد ، فوجد الرسول جالساً بين أصحابه …نهض عمار بن ياسر وقال : أتأذن لي يا رسول الله . ان اشتري هذه القلادة ؟أجاب الرسول : لا يعذب الله من يشتريها ، سال عمار الأعرابي : بكم تبيع هذه القلادة ، فأجاب : بما يشبعني خبزاً ولحماً وببرد يماني استر به نفسي ودينار أنفقه للوصل إلى أهلي . قال عمار بن ياسر . سأعطيك مئتي درهم وعشرين ديناراً ذهباً احمر ، وسأكسوك ببرد وسأوصلك على ناقتي إلى اهلك وسأشبعك من خبز الحنطة واللحم . قال الأعرابي : ما أكثر سخاءك كان لا يزال لديه بعض من غنائم خيبر التي أعطاها إياه الرسول ، فاصطحب الأعرابي وأوفى بما وعده به ، … بعد ان اشترى عمار تلك القلادة من الأعرابي عطرها بالمسك ، ولفها ببرد يماني وكان له عبد اشتراه من غنائم خيبر اسمه سهم استدعاه وسلمه القلادة ، وطلب اليه ، ان يأخذها إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال له : لقد وهبتك له ايضاً والرسول وهبها بدوره إلى فاطمة . جاء سهم إلى فاطمة وسلمها القلادة ، فأخذتها وأطلقته ، ضحك سهم ، فسألته عما يضحكه فقال : يا بنت رسول الله ، لقد أضحكتني بركة هذه القلادة ، فقد أشبعت جائعاً وكسيت عرياناً وأغنيت فقيراً وأركبت راجلاً، وأعتقت عبداً وعادت في النهاية إلى صاحبها)) ([17]).

  أن هذا النص يرسم لنا بوضوح حجم الدور الاجتماعي العام الذي تحتله السيدة فاطمة (عليها السلام )، في الأوساط المجتمعية وهو يسجل منقبة وكرامة كبيرة لها (عليها السلام)،وهي بدورها ترسل رسائل عديدة لجميع المسلمين ،للتعريف بها لتؤسس بل لتكرس لان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)،دون شك قد أشار في عدد من المواقف لمكانتها.

وننتقل من المواقف المادية إلى المواقف المعنوية للسيدة فاطمة (عليها السلام) من خلال الوقوف على عدد من الممارسات الاجتماعية العامة منها ما وقع بعد استشهاده حمزة بن عبد المطلب في معركة احد مع صفية بنت عبد المطلب يبكيانه ، وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يبكي لبكائها ، ولم تفارق زيارة قبره فيما بعد ، إذ أنها كانت تزوره مع باقي قبور الشهداء غداة كل سبت([18])

   ومن الشواهد الأخرى التي تحمل المواساة الاجتماعية المعنوية ما روي عن أسماء بنت عميس قالت : (( أصبحت في اليوم الذي أصيب فيه جعفر وأصحابه فأتاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) …فقال يا أسماء أين بنو جعفر ؟  فجئت بهم إلية فضمهم وشمهم ثم ذرفت عيناه فبكى ، فقلت : اي رسول الله لعله بلغك عن جعفر شيء ، قال : نعم قتل اليوم … فخرج رسول الله حتى دخل على ابنته فاطمة وهي تقول : وأعماه ….ثم قال رسول الله : اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم )) ([19]).

    وفي السنة الثامنة من الهجرة ، توجه ابي سفيان للمدينة ، للحيلولة دون نقض صلح الحديبية ، الذي عقد في السنة السادسة للهجرة مع رسول الله (صلى الله عليه وآل وسلم) ، وبعد وصوله اخذ البحث عمن يجيره ، فطلب من السيدة فاطمة (عليها السلام) ، إن تجيره الا انها رفضت قائله : (( لا يجرأ احد على رسول الله )) ([20]). و0هذا الموقف يعكس مكانتها الاجتماعية في داخل الأوساط المكية والمدنية .

  روي عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قال:(( حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فقالت : إن لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شئ ، وقد بعثتني إليك أسألك ، فأجابتها فاطمة (عليها السلام ) عن ذلك ، فثنت فأجابت ثم ثلثت إلى أن عشرت فأجابت ثم خجلت من الكثرة فقالت : لا أشق عليك يا ابنة رسول الله ، قالت فاطمة : هاتي وسلي عما بدا لك ، أرأيت من اكترى يوما يصعد إلى سطح بحمل ثقيل وكراه مائة ألف دينار يثقل عليه ؟ فقالت : لا . فقالت : اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤا فأحرى أن لا يثقل على …)) ([21]).

  وفي آخر الشواهد الاجتماعية التي تثبت المواقف الاجتماعية العامة ، ما روى عنها من أمر خروجها مع لمه من حفدتها ونساء المدينة ، بعد منع ابي بكر حقوقها الاقتصادية([22].والتي شكلت بدورها نهضة تأسيسية بكل المقاييس في ذلك العصر اذ كيف خرجت امرأة تطالب بحقوق اقتصادية لأهداف عقدية مع تخلي جميع المسلمين عن موقف ثوري مناصر لأل بيت النبوة ، وعندما نقرأ تلك الخطبة المباركة نجدها تحمل إبعادا اجتماعية وعقدية وفكرية وتاريخية وأدبية وبلاغية ولغوية متنوعة ،حتى أصبحت مادة ثرية لكثير من الباحثين لينهلوا منها حسب اختصاصاتهم([23]).

  والمهم لدينا في هذه الجزئية من البحث الوقوف على الأبعاد الحركية التي الاجتماعية التي تحملها الخطب الفاطمية  الكبرى والصغرى ([24]). ويمكن تقسيم ذلك إلى قسمين هما:

الأول : الخطبة الكبرى ( الفدكية).

قالت السيدة فاطمة (عليها السلام ) : (( وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ ) ، مُذْقَةَ الشّارِبِ  ، وَنُهْزَةَ الطَّامِعِ ، وقبسه العَجْلانِ ، وَمَوْطِئَ الأَقدامِ ، تَشْرَبُونَ الطَّرْقَ ، وَتَقْتَاتُونَ القِدَّ أَذِلّةً خَاسِئِين، تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النّاس مِنْ حَوْلِكُمْ ، فَأَنْقَذَكُمُ اللّـهُ تَبَارَكَ وتعالى بِأَبِي مُحَمَّدٍ (ص)بَعْدَ اللَّتَيَّا والَّتي … )) ([25]). وقالت السيدة فاطمة (عليها السلام ) كذلك: ( فَلَمَّا اختَارَ اللّـهُ لِنَبِيِّهِ دَارَ أَنبِيَائِهِ ، وَمَأوَى أَصْفِيائِهِ ، ظَهَرَ فِيكُم حَسْكَةُ النِّفَاقِ ، وَسَمَلَ جِلبَابُ الدِّين ، وَنَطَقَ كَاظِمُ  الغَاوِينَ )) ([26]). وبعد التفاتها إلى الناس قالت ( عليها السلام) 🙁 مَعَاشِرَ المُسلِمِينَ المُسرِعَة إلى  قِيلِ البَاطِلِ ،  المُغْضِيَةَ عَلَى الفِعْلِ  القَبِيحِ الخَاسِرِ ،  أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا  ؟ كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِكُم مَا أَسَأْتُم مِنْ أَعْمَالِكُم… )) ([27]).

 الثاني: الخطبة الصغرى .(خطبة نساء المهاجرين والأنصار).

  قالت السيدة فاطمة (عليها السلام ): ((أَصْبَحْتُ واللهِ عائِفةً لدُنياكُنَّ ، قَالِيَةً لِرِجَالِكُنّ…  وَيْحَهُمْ أَنَّى زَعْزَعُوهَا عَنْ رَوَاسِي الرِّسالة ، وَقَوَاعِدِ النُّبوَّةِ والدَلالَة ، وَمَهْبِطِ الرُوح الأَمِين، والبطِبينِ بأُمورِ الدُّنيا والدِّين… وَمَا الّذي نَقِمُوا مِنْ أَبِي الحَسَنِ (عليه السلام)، ؟! نَقِمُوا واللهِ مِنْهُ نكيرَ سَيْفِهِ ، [ وَقِلَّةَ مُبَالاتِهِ لحتفِهِ ] ، وَشِدَّةَ وَطْأَتِه، وَنَكَالَ وَقْعَتِهِ ُ…. لَيْتَ شِعْرِي إلى أيِّ سِنادٍ استندُوا ؟! وإلى أيِّ عِمادٍ اعتمَدُوا ؟! وبأيّةِ عُرْوَةٍ تَمَسَّكُوا…)) ([28]).


-[1]يرد العاملي على من يرى عدم وجود مواقف او ادوار اجتماعية للسيدة فاطمة ( عيها السلام) وهو يرد عليهم .للمزيد ينظر مأساة الزهراء،94،1 وما بعدها.

[2]-الكليني :الكافي :1 ،457 /الخصيبي :الهداية الكبرى : 175 /المسعودي : مروج الذهب ومعادن الجوهر: 2 ،295

[3]-الطبري : تاريخ الرسل والملوك ، 2، 50/ابن عساكر تاريخ مدينة دمشق :339،6 /الاربلي :كشف الغمة،16،1

[4]-البخاري :صحيح البخاري، 65،1 /مسلم ،صحيح مسلم،179،5 / النسائي،سن،161،1 /الذهبي،تاريخ الإسلام،161،1.

[5]-للوقوف على تفاصيل الهجرة ، ينظر العقيلي ، شخصية الرسول :285- 289 .

[6]-سورة الأنفال:آية 30 .

[7]– للوقوف على تفاصيل أكثر ينظر  الطوسي: الامالي 471 ؛ المجلسي ،بحار الأنوار،66/19

[8]-سورة آل عمران: آية 191 .

[9]-الامالي :  469-ـ 471 /المناقب :1،160

[10]-ابن هشام : السيرة النبوية ،426

[11]-سورة الدهر : آية 7- 11.

[12]– للوقوف على أسباب نزول الآية في أهل البيت ( عليهم السلام). ينظر ابن الفرات الكوفي : تفسير ابن الفرات ، 2، 526 – 527 .

[13]-سورة الحجر : آية 9.

[14]-الكراجكي : كنز الفوائد ، 508 .

[15]-ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة ، 1، 77 /الشيرازي ، كتاب الأربعين ،617

[16]-المجلسي : بحار الأنوار،82،43.

[17]-الطبري : بشارة المصطفى ، 108- 109 .

[18]-الصنعاني : المصنف ، 3، 550 / ابن ابي الحديد :شرح نهج البلاغة ، 15، 17 .

[19]-ابن سعد : الطبقات ، 8، 282 .

[20]-الطبرسي : الاحتجاج ، 1، 295 .

[21]-العسكري: تفسير العسكري،323 / المجلسي،بحار الأنوار،2،3

[22]-ابن راهوية :مسند ، 5، 17.

[23]-هذه أسماء رسائل جامعية حول السيدة فاطمة ( عليها السلام ) مثل : الدليمي ،أساليب الإنشاء في كلام السيدة الزهراء ،232،1/الناصر،خطاب الزهراء ،340،1

[24]-المسعودي :الاسرار الفاطمية ،470/الهمداني، فاطمة الزهراء ،23

[25]-أبن طيفور :بلاغات النساء ،18،17/الطبرسي ،الاحتجاج ،134،1

[26]-الطبرسي :الاحتجاج ،134،1/المجلسي ،بحار الأنوار،273،29

[27]-ابن شهر أشوب :مناقب ،50،2 /الطبرسي :الاحتجاج ،144،1

[28]– أبن طيفور:بلاغات النساء ،18،17/الطبرسي :الاحتجاج ،134،1