مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
عشرة مواقف لفاطمة الزهراء عليها السلام يكفي الواحد منها لمن كان له قلب !/الموقف الاول / يوم بكت وابكت اباها رسوالله(ص)/ العقائد الاسلامية
+ = -

عشرة مواقف لفاطمة الزهراء عليها السلام يكفي الواحد منها لمن كان له قلب !

۱ ـ يوم بكت وأبكت أباها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم !

كان ذلك أكثر من مرّة ، في مجالس شهدها الصحابة ونطق فيها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بالغيب ، فكانت نوراً نبويّاً تلقاه رواة أهل البيت عليهم السلام ونقلوه بأمانة.

روى الخزاز في كفاية الأثر ص ۱۲٤ عن عمّار قال : « لما حضرت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الوفاة دعا بعلي عليه السلام فسارَّه طويلاً ، ثمّ قال : يا علي أنت وصيّي ووارثي قد أعطاك الله علمي وفهمي ، فإذا متُّ ظهرت لك ضغائن في صدور قوم وغصب على حقد ! فبكت فاطمة وبكى الحسن والحسين فقال لفاطمة : يا سيّدة النسوان ممّ بكاؤك ؟ قالت : يا أبة أخشى الضيعة بعدك ! قال : أبشري يا فاطمة فإنّك أوّل من يلحقني من أهل بيتي ، ولا تبكي ولا تحزني فإنّك سيّدة نساء أهل الجنّة ، وأباك سيّد الأنبياء ، وابن عمّك خير الأوصياء ، وابناك سيّدا شباب أهل الجنّة ، ومن صلب الحسين يخرج الله الأئمّة التسعة ، مطهّرون معصومون ، ومنّا مهدي هذه الأمّة ».

وروى الصدوق في كمال الدين ص ٦٦۲ ، عن سلمان قال : « كنت جالساً بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في مرضته التي قبض فيها فدخلت فاطمة عليها السلام فلمّا رأت ما بأبيها من الضعف بكت حتّى جرت دموعها على خدّيها ، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ما يبكيك يا فاطمة ؟ قالت : يا رسول الله أخشى على نفسي وولدي الضيعة بعدك ! فاغرورقت عينا رسول الله بالبكاء ثمّ قال : يا فاطمة أما علمت أنّا أهل بيت اختار الله عزّ وجلّ لنا الآخرة على الدنيا ، وأنّه حتم الفناء على جميع خلقه ، وأنّ الله تبارك وتعالى اطَّلع إلى الأرض إطلاعة فاختارني من خلقه فجعلني نبيّاً ، ثمّ اطلع إلى الأرض إطلاعة ثانية فاختار منها زوجك ، وأوحى إليَّ أن أزوّجك إيّاه ، واتّخذه ولياً ووزيراً ، وأن أجعله خليفتي في أمّتي. فأبوك خير أنبياء الله ورسله ، وبعلك خير الأوصياء ، وأنت أوّل من يلحق بي من أهلي.

ثمّ اطَّلع إلى الأرض إطلاعة ثالثة فاختارك وولديك ، فأنت سيّدة نساء أهل الجنّة وابناك حسن وحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبناء بعلك أوصيائي إلى يوم القيامة كلّهم هادون مهديّون ، وأوّل الأوصياء بعدي أخي علي ، ثمّ حسن ، ثمّ حسين ، ثمّ تسعة من ولد الحسين في درجتي ، وليس في الجنّة درجة أقرب إلى الله من درجتي ودرجة أبي إبراهيم ! أما تعلمين يا بنيّة أنّ من كرامة الله إيّاك أن زوّجك خير أمّتي ، وخير أهل بيتي ، أقدمهم سلماً وأعظمهم حلماً ، وأكثرهم علماً.

فاستبشرت فاطمة عليها السلام وفرحت بما قال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم … الحديث وهو طويل ». انتهى.

« ورواه القاضي النعمان في شرح الأخبار : ۱۲۲ / ۱ ، عن أبي سعيد الخدري ، والطبري الشيعي في المسترشد ص ٦۱۳ ، بتفصيلات أخرى .. الخ. ».

يا رسول الله أخشى على نفسي وولدي الضيعة بعدك !

ممّن ؟ من هؤلاء الجالسين حول أبيها ، الذين حدّثها بما هم فاعلون !

فاغرورقت عينا رسول الله بالبكاء ! ممّن ؟ من زعماء قريش الجالسين حوله ! الذين أخبره ربّه أنّ عاصفتهم بالباب ، تنتظر أن يغمض عينيه لتعصف بالإسلام وبالترتيبات الربانيّة له ! وأنّ بيت فاطمة عليها السلام سيكون أوّل هدفهم فيهدّدونهم بإحراق البيت على من فيه ، إن لم يعترفوا بشرعيّة إمام بطون قبائل قريش !!

لقد أعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أهل بيته فاطمة وعلياً والحسنين عليهم السلام لمرحلة ما بعده .. فلا تنقصهم المعلومات ولا التوجيهات ، ولا اليقين بما سيكون ، فقد حكاه الله لنبيّه مفصلاً فحكاه لهم ، فآمنوا به على مستوى الحسّ لا الحدس ، وأخذ عليهم النبي العهد والميثاق أن يصبروا ويعملوا لإنقاذ ما يمكن ، وأعطوه العهد على ذلك عن إيمان ورضا ، ووطنوا أنفسهم على العطاء لله من حقّهم وكرامتهم حتّى يرضى !

لكن هذا اليقين لا يمنع فاطمة عليها السلام أن تستشرف صور الفتنة ، وعواصفها المزمجرة ، كلّما اقتربت أيّام وصولها ، فتبكي لأبيها العطوف الحنون ، لكي يشاركها بدمعة قبل أن يرحل ! ويقول لهؤلاء في أنفسهم قولاً بليغاً ، فيسمع موقفه من أصحابه من لم يسمعه ، لعلّ ذلك يخفّف من موج العاصفة !

أخبرها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّ الله تعالى قضى على هذه الأمّة كما قضى على الأمم السابقة ، أن يعطيها الحريّة لاختيار الضلال إن شاءت ، ما دامت لم ترتفع إلى مستوى من التقوى فتفرق عمليّاً بين القيادة المعيّنة من الله تعالى ، والمعيّنة من القبائل المتغلّبة ! وأنّ امتحان العترة قريب ! وأنّ عاصفة قريش الطلقاء لا تبعد أكثر من ساعة عن وفاته حتّى تزمجر ! فقد ذهبا إلى السقيفة يتعاديان ليصفق عمر على يد أبي بكر ويعلنه خليفة ، بعد أن ناقشا لنصف ساعة أو أقلّ سعد بن عبادة المريض وبضعة نفر حوله ! ثمّ جاء دور ألوف الطلقاء الذين حشدوهم في المدينة لثبيت السلطة الجديدة ، وتنفيذ اضطهاد آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم !

أخبرها أنّهم سيفتحون عليهم باب الإضطهاد حتّى يضجّ منه التاريخ ! فيعيشون وشيعتهم مظلومين مقهورين ، ما بين مقتول ومسموم ومسجون ومشرد وخائف على دمه ، حتّى يظهر مهديّهم الموعود.

بكى النبي لبكاء فاطمة ، وقال لها نعم سيكون ما تخشين ، لكن ربّنا عزّ وجلّ أكرمنا وفضّلنا ، وعلينا أن ندفع ضريبة العبوديّة الكاملة له ، وهي ضريبة لأيّام قليلة تعقبها راحة طويلة. إن عمر الدنيا القصير يسهل الأمر ، يا بنيّة !

كانت فاطمة ترى الأمور تسير نحو الكارثة على الاسلام وعترة نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم بمجرّد أن يغمض النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عينيه ويلاقي ربّه !

فأيّدها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وبكى لها ، وهدَّأها ، طمأنها بأنّ ذلك ضريبة عبوديّة هذه الأسرة المصطفاة لربّها عزّ وجلّ ، ففرحت الحزينة ! تقول في فرحها لنعم الله : سمعاً وطاعة يا أبتاه .. تدمع العين ويحزن القلب ، ولا نقول إلّا ما يرضي الربّ فرضا الله رضانا أهل البيت ، وليقترف الناس ما هم مقترفون !

أما رواة الحكومات ، فرووا من هذا المشهد النبوي البليغ نتفاً مبتورة وصحّحوا بعضها ! ورووا منه فقرات طويلة ولم يضعفها أحد غير الذهبي تحكماً وتعصّباً فاتّبعوه وغطّوا عليه ! رواه الطبراني في الكبير : ۳ / ٥۷ ، والصغير : ۱ / ٦۷ ، وابن عساكر : ٤۲ / ۱۳۰ ، والطبري في ذخائر العقبى ص ۱۳٥ ، وابن الأثير في أسد الغابة : ٤ / ٤۲ ، والهيثمي في مجمع الزوائد : ۸ / ۲٥۳ ، وقال : « وهو بتمامه في فضل أهل البيت ، رواه الطبراني في الأوسط والكبير وفيه الهيثم بن حبيب ، وقد اتّهم بهذا الحديث ! ورواه في : ۹ / ۱٦٤ ، وقال : رواه الطبراني في الكبير والأوسط ، وفيه الهيثم بن حبيب ، قال أبو حاتم منكر الحديث وهو متّهم بهذا الحديث » !

ولا يتّسع المجال لتفصيل تهافتهم وتعصّبهم في هذا الحديث ، فيكفي أن تعرف أن الهيثمي نفسه قال في الزوائد : ۳ / ۱۹۰ : وأمّا الهيثم بن حبيب فلم أر من تكلم فيه غير الذهبي « القرن الثامن » اتّهمه بخبر رواه ، وقد وثّقه ابن حبان ». انتهى.

وهو يقصد قول الذهبي في ميزان الإعتدال : ٤ / ۳۲۰ : « الهيثم بن حبيب عن سفيان بن عيينة بخبر باطل في المهدي ، هو المتّهم به. رواه أبو نعيم ، عن الطبراني ، عن محمّد بن رزيق بن جامع عنه ». انتهى.

وواضح أنّ اتّهام الذهبي لهذا الراوي بالوضع ، لا حجّة له إلّا أنّ الحديث لم يعجب الذهبي المتعصّب ، لأنّه يكشف سقيفة قريش ، وينصّ على إمامة علي والحسنين وبقيّة العترة إلى المهدي عليهم السلام ! ولا بدّ أنّ الذهبي رأى أنّ الهيثم من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام الموثّقين عندنا وعندهم ! فازداد غيظاً !

أمّا قول الهيثمي : « قال أبو حاتم منكر الحديث » فهو خطأ أو كذب ! لأنّ أبا حاتم وثّق ابن حبيب بنصّ الذهبي في ميزان الإعتدال : ٤ / ۳۲۰ قال : « فوثقه أبو حاتم ». وفي تهذيب التهذيب : ۱۱ / ۸۱ : أنّ أبا عوانة وثّقه وقال : « قال لي شعبة : إلزم الهيثم الصيرفي. وقال الأثرم : أثنى عليه أحمد وقال : ما أحسن أحاديثه وأسدّ استقامتها ، ليس كما يروي عنه أصحاب الرأي. وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين : الهيثم بن حبيب الصراف ثقة. وقال أبو زرعة وأبو حاتم : ثقة في الحديث صدوق ، وذكره ابن حبان في الثقات ». انتهى. وكذا في تهذيب الكمال : ۳۰ / ۳٦۹ ، وفي سؤالات الآجري لأبي داود : ۱ / ۱۹۱ : سألت أبا داود عن الهيثم بن حبيب ، قلت : يتقدّم عبد الملك بن حبيب ؟ قال : نعم. وقد روى شعبة عنهما. وفي شرح مسند أبي حنيفة للقاري ص ۳۹۸ : الهيثم بن حبيب الصرفي أحد التابعين الأجلاء ».

لكن لا تعجّب من هرب إمامهم الذهبي الشركسي من هذا الحديث وهجومه عليه وارتكابه الكذب من أجله ، ولا من حذوهم حذوه وتغطيتهم عليه ! لأنّ نصّ الحديث ثقيلٌ على أعصابهم وأعصاب بطون قريش ، مع أنّهم حذفوا منه ذكر بقيّة الأئمّة الإثني عشر عليهم السلام ! وهذا نصّه من مجمع الزوائد :

« عن علي بن علي الهلالي عن أبيه قال : دخلت على رسول الله (ص) في شكاته التي قبض فيها فإذا فاطمة رضي الله عنها عند رأسه ، قال فبكت حتّى ارتفع صوتها فرفع رسول الله (ص) طرفه إليها فقال : حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك ؟ فقالت : أخشى الضيعة بعدك ! فقال : يا حبيبتي أما علمت أنّ الله عزّ وجلّ اطَّلع إلى الأرض اطلاعةً فاختار منها أباك فبعثه برسالته ، ثم اطَّلع إلى الأرض اطلاعةً فاختار منها بعلك وأوحى إلى أن أنكحك إيّاه ! يا فاطمة ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم تعط لأحد قبلنا ولا تعطى أحداً بعدنا : أنا خاتم النبيين وأكرم النبيين على الله ، وأحبّ المخلوقين إلى الله عزّ وجلّ وأنا أبوك ، ووصيّي خير الأوصياء وأحبّهم إلى الله وهو بعلك ، وشهيدنا خير الشهداء وأحبّهم إلى الله وهو عمّك حمزة بن عبد المطلب وعمّ بعلك ، ومنّا من له جناحان أخضران يطير مع الملائكة في الجنّة حيث شاء وهو ابن عمّ أبيك وأخو بعلك ، ومنّا سبطا هذه الأمّة وهما ابناك الحسن والحسين وهما سيّدا شباب أهل الجنة وأبوهما والذي بعثني بالحقّ خير منهما.

يا فاطمة والذي بعثني بالحقّ إن منهما مهدي هذه الأمّة ، إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً ، وتظاهرت الفتن ، وتقطعت السبل ، وأغار بعضهم على بعض ، فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقر كبيراً ، فيبعث الله عزّ وجلّ عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً ! يقوم بالدين آخر الزمان كما قمت به في أوّل الزمان ، ويملأ الدنيا عدلاً كما ملئت جوراً.

يا فاطمة لا تحزني ولا تبكي ، فإنّ الله عزّ وجلّ أرحم بك وأرأف عليك منّي وذلك لمكانك من قلبي ، وزوّجك الله زوجاً وهو أشرف أهل بيتك حسباً وأكرمهم منصباً ، وأرحمهم بالرعيّة وأعدلهم بالسويّة وأبصرهم بالقضيّة ، وقد سألت ربّي عزّ وجلّ أن تكوني أوّل من يلحقني من أهل بيتي !

قال علي رضي الله عنه : فلمّا قبض النبي (ص) لم تبق فاطمة رضي الله عنها بعده إلّا خمسة وسبعين يوماً ، حتّى ألحقها الله عزّ وجلّ به (ص). انتهى.

إنّها واحدة من الححج النبويّة التي أفلتت من سيطرة رواة قريش ! فلا ينفعهم أن الذهبي في القرن الثامن غضب منها ، وسعى في خرابها !