مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
                                               قراءات في سيرة الزهراء(ع):فاطمة الزهراء حوراء إنسية /م. عباس جاسم ناصر
+ = -

                                               قراءات في سيرة الزهراء(ع):

فاطمة الزهراء حوراء إنسية                                                                              

م. عباس جاسم ناصر

                                          مركز دراسات البصرة والخليج العربي-قسم الدراسات اللغوية والأدبية

المحور الأول: نشأة السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

    قال النبي صلى الله عليه وآله:  “لما عُرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل (عليه السلام) فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته، فتحول ذلك نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة (عليها السلام)، ففاطمة حوراء إنسية، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة” .

    هنا يتبادر سؤال إلى ذهن الإنسان وهو: لماذا اختصت السيدة الزهراء «عليها السلام» بهذه المنزلة والمنقبة، وهي أن طينتها تكونت من ثمر الجنة دون غيرها من الأنبياء والأوصياء والأئمة الطاهرين «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين»، فما هو السر وراء هذه المنقبة؟ والجواب عن ذلك يعود الى بحث فلسفي، وهو البحث عن علاقة النفس بالجسد، إذ ان هناك علاقة وثيقة بين النفس الجسد، بحيث إذا أصيب الجسد بمرض تتأثر الروح فيصيبها الإعياء، وكذلك الروح إذا أصابها الخوف أو القلق انعكس ذلك على الجسد، فتصيبه الحمرة، أو الصفرة نتيجة لما يعتلج الروح من قلق أو خوف.

    يذكر الفلاسفة أن سرّ هذه العلاقة يعود الى قاعدة فلسفية وهي: ان الحركة الجوهرية في الوجود الواحد تنقل هذا الوجود من صورة إلى صورة أخرى. ولتوضيح ذلك: أن حركة الإنسان من مكان إلى مكان تسمى: «حركة عرضية»، وهناك حركة أعمق وهي حركة الوجود في صميم ذاته، وهي ما يعبر عنها بـ (الحركة الجوهرية). مثلاً: البذرة تتحول إلى جذور ثم إلى أغصان ثم إلى شجرة مثمرة، هذه الحركة هي «حركة جوهرية»، بمعنى أن هذا الوجود النباتي المسمى بالبذرة يتحرك في صميم ذاته، ويتحول من صورة إلى صورة أخرى. مثال آخر: عند وضع الماء على النار فإن الحرارة التي يكتسبها الماء هي وجود واحد، ولكن له درجات متفاوتة، وكلما ترقى هذا الوجود وانتقل من درجة إلى درجة أخرى تغيرت صورة الماء من مائع إلى بخار، إذاً هذا الوجود المعبر عنه بالحرارة وجود يتحرك في صميم ذاته ويتحول من صورة إلى أخرى من صورة مائعة إلى صورة غازية، وهذا ما يطلق عليه: (الحركة الجوهرية).

    وكذلك الحال بالنسبة للإنسان، فإن النطفة عندما تعلق وتستقر في جدار الرحم، لا تتحرك حركة مكانية، وإنما «حركة جوهرية» أي أنها تتحرك في جوهرها وفي صميم ذاتها بخصائصها الفيزيائية المعينة وتتنقل من صورة إلى أخرى قال تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ «12» ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ «13» ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}.

    فإذا تسامت الحركة وبلغت أعلى درجاتها تحول هذا الوجود من مادة إلى طاقة، فالروح هي الطاقة، وكانت موجودة ضمن وجود النطفة، كما أن وجود الشجرة بأغصانها وثمرها وقواها كانت موجودة ضمن البذرة .

    الإنسان أيضاً بإنجازاته وبفكره كان موجوداً وجوداً إجمالياً ضمن تلك النطفة الصغيرة، إلا أن هذا الوجود أصبح يتحرك في داخله من درجة إلى أخرى إلى أن بلغ درجة من الحركة أن تحولت المادة إلى طاقة فأصبحت الروح كمالاً ودرجة من درجات ذلك الوجود المتحرك المسمى بالإنسان، إذاً: بما أن الروح مرتبة من مراتب الوجود فإنها تتأثر بصفات البدن كما يتأثر البدن بعوارض الروح.

    ولأجل هذا الامتزاج بين الجانب الروحي، والجانب البدني نعرف السر والحكمة في تكوُّن نطفة الزهراء (عليها السلام) من ثمر الجنة؛ لأنه أعد هذه الشخصية لأن تكون مجمعاً لنور النبوة ونور الإمامة، ومهداً لأحد عشر إماماً معصوماً طاهراً، فلأجل هذا الدرور المتميز جعل نطفتها متخلقة من ثمر الجنة.

    وهذا ما جعل لها مقاماً تتميز به عن نساء العالمين كما يروي صاحب كنز العمال: «انه دخل عليها رسول الله فقالت إني لوجعه، فقال لها: ما يؤلمكِ قالت: أن بدني يؤلمني فقال لها: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين وكانت إذا قامت إلى محرابها أزهر نورها لأهل السماء كما يزهر الكوكب الدري لأهل الأرض؛ فلذلك سميت (زهراء) .

المحور الثاني: الأدوار الرسالية لفاطمة الزهراء (عليها السلام)

1 ـ دور الزهراء كفتاة

   الفتاة إنسان، والإنسان شريك في بناء الحضارة، وفي بناء الحياة، فيجب إعدادها منذُ صغرها على أنها شخصية قادرة على بناء الحضارة، وبناء الإنسان، وبناء الحياة بشتى ألوانها إلى جانب الرجل، فإذا أعدت الفتاة من الأول على أن يكون لها قرار ورأي، تنشأ وهي تدرك موقعها، وحجمها في صراع الحياة وبناء الحضارة، ما دام دورها هو دور الإنسان قال تعالى: {أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ}.

    وهذا ما تعامل به النبي (صلى الله عليه وآله) مع فتاته الزهراء (عليها السلام)، إذ أقحمها في صراع الحياة، وفي ساحة الأحداث، وفي همومه وقضاياه، وفي دوره الرسالي ودعوته، مما جعل الزهراء عضداً للنبي (صلى الله عليه وآله) كما كانت أمها خديجة بنت خويلد. لذلك ذكر المؤرخون: إن أول من يستقبل النبي (صلى الله عليه وآله) عند رجوعه من سفره فاطمة، وآخر من يودعه فاطمة، فكانت تتحدث معه وتخفف آلامه وتمسح جراحه، تلتفت إلى كل مسيرته؛ لأنها لُقنت ورُبيت منذُ صغرها على أنها صاحبة دور، وصاحبة قرار، فأصبحت الزهراء كما لقبها المصطفى (أم أبيها).

2 ـ دور الزهراء كزوجة

   إن هدف كل فتاة وأملها المنشود هو أن تحصل على السعادة الزوجية، لكن ما هو المقياس في السعادة الزوجية؟ هنا توجد ثلاث نظريات:

النظرية الأولى: الشعور بالرضا والأُنس

   أول مرتبة من مراتب السعادة الزوجية هي الشعور بالرضا، بأن يرضى كل من الزوج والزوجة بكليهما، أو الشعور بالبهجة: وهو أن يشعرا بالأنس في حياتهما الزوجية.

النظرية الثانية: التوازن في إشباع الغرائز

    تذهب هذه النظرية الى أن التوازن في إشباع الغرائز هو الضابط في تحقيق السعادة الزوجية للمرأة، فعندما تشبع الغريزة الجنسية على حساب العلاقات العاطفية، وعلى حساب الحنان والعطف فإنها تصبح امرأة تعيسة، والعكس أيضاً صحيح.

النظرية الثالثة: تحقيق الأهداف من خلال بيت الزوجية

    تتلخص هذه النظرية في أن السعادة الزوجية أن تحقق المرأة أهدافها من خلال بيت الزوجية، فإذا حددت المرأة أهدافها قبل الزواج، واستطاعت أن تحقق أهدافها من خلال الأسرة وبيت الزوجية فإنها حصلت على السعادة الزوجية الحقيقة.

    بما إن المرأة إنسان تمتلك خصائص الإنسانية, التي تؤهلها لأن تقوم بدورها في بناء الحياة، في بناء الجيل، وفي بناء الحضارة الشامخة، فإن هدفها أن تكون شريكة للرجل في بناء الحياة، فإذا استطاعت أن تحقق هدفها هذا من خلال زوجها وأسراتها وبيتها، فإنها بلغت السعادة الزوجية، وهذا ما نراه في حياة السيدة الزهراء، فإنها حققت أهدافها من خلال بيت زوجها، فلقد عاشت الحياة المادية البسيطة لتعطي المرأة درساً أن الحياة الزوجية ليست من خلال الحدود المادية، بل هي أسمى وأعمق من ذلك، فهي عدم الغفلة عن القضايا الأساسية التي بنيت عليها الأسرة وهي الشراكة في بناء الحضارة والحياة، وعليه فلتتعلم المرأة من شخصية السيدة الزهراء (سلام الله عليها)، ولتتخذها قدوة لها في حياتها.