أحقية الزهراء عليها السلام بفدك
تأليف : علي سلمان طوق
مقدمة
قال تعالى : ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ))[1]
تعتبر القضايا التاريخية من القضية المهمة في الإسلام حيث أولاها رعاية خاصة وأسهب في التعرض لها في القرآن من خلال القصص القرآنية وذكر الأقوام السابقة ، وما ذكر القضايا التاريخية إلا لأهداف وأغراض أرادها المُشَرِّع لعموم الناس ، فلذا لا يمكن النظر إلى القضية التاريخية بما هي هي أي بما هي فترة زمنية انتهت من دون النظر إلى زوايا أخرى ، فالقضية التاريخية قضية مهمة جداً يجب على الباحث أن يقف عندها ويدرس أبعادها وسياقاتها والفترة الزمنية المحيطة بها ويحلِّلها تحليلاً عميقاً . فلذا الآية أعلاه وصفت أن هذه القصص عبرة وعظة ولكن ليس لكل شخص وإنما لفئة خاصة وهم أولي العقول ، فلذا قال الرزاي في تفسيره مفاتيح الغيب على هذه الآية ((الثالث: أنه ذكر في أول السورة نحن نقص عليك أحسن القصص [يوسف: 3] ثم ذكر في آخرها: لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب تنبيهاً على أن حسن هذه القصة إنما كان بسبب أنه يحصل منها العبرة ومعرفة الحكمة والقدرة. والمراد من قصصهم قصة يوسف عليه السلام وإخوته وأبيه، ومن الناس من قال: المراد قصص الرسل لأنه تقدم في القرآن ذكر قصص سائر الرسل إلا أنَّ الأولى أن يكون المراد قصة يوسف عليه السلام. فإن قيل: لِمَ قال: عبرة لأولي الألباب مع أن قوم محمد صلى الله عليه وسلم كانوا ذوي عقول وأحلام، وقد كان الكثير منهم لم يعتبر بذلك. قلنا: إن جميعهم كانوا متمكنين من الاعتبار، والمراد من وصف هذه القصة بكونها عبرة كونها بحيث يمكن أن يعتبر بها العاقل، أو نقول: المراد من أولي الألباب الذين اعتبروا وتفكَّروا وتأمَّلوا فيها وانتفعوا بمعرفتها، لأن (أولي الألباب) لفظ يدل على المدح والثناء فلا يليق إلا بما ذكرناه))[2]
ومن هذا المنطلق سوف نقف على حقبة تاريخية مهمة من حياة الزهراء عليها السلام بعد وفاة أبيها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ونحاول قدر الإمكان تسليط مزيد من الضوء والتحليل على قضية منازعة فاطمة الزهراء عليها السلام مع الخليفة الأول
قضية فدك ومنازعتها الخليفة الأول :
قصة فدك : إنه لما نزل قوله تعالى ( وآتِ ذا القربى حقه ) دعا فاطمة وأعطاها فدك[3] والروايات في المصادر الشيعية متعددة منها :
– أخرج الكليني في كتابه الكافي : علي بن محمد بن عبد الله، عن بعض أصحابنا – أظنه السياري -، عن علي بن أسباط، قال : لما ورد أبو الحسن موسى عليه السلام على المهدي رآه يرد المظالم، فقال : “يا أمير المؤمنين ما بال مظلمتنا لا ترد؟” فقال له : وما ذاك يا أبا الحسن؟ قال : “إنَّ الله تبارك وتعالى لمَّا فتح على نبيه صلى الله عليه وآله فدك وما والاها ، لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وآله: (وآت ذا القربى حقه) فلم يدرِ رسول الله صلى الله عليه وآله من هم، فراجع في ذلك جبرئيل عليه السلام، وراجع جبرئيل ربَّه، فأوحى الله إليه أنِ ادفع فدك إلى فاطمة عليها السلام، فدعاها رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال لها: يا فاطمة إنَّ الله أمرني أن أدفع إليك فدك، فقالت : قد قبلتُ يا رسول الله من الله ومنك…”[4].
والآية الخامسة قول الله عز وجل : ( وآت ذا القربى حقه ) خصوصيه خصهم الله العزيز الجبار بها واصطفاهم على الأمة فلما نزلت هذه الآية على رسول الله ( ص ) قال : ادعوا إلى فاطمة فدعيت له فقال : يا فاطمة قالت : لبيك يا رسول الله فقال : هذه فدك مما هي لم يوجف عليه بالخيل ولا ركاب وهي لي خاصه دون المسلمين وقد جعلتها لما امرني الله تعالى به فخذيها لك ولولدك فهذه الخامسة “[5]
أما كتب أهل السنة: فقد ذكروا روايات مطالبة الزهراء عليها السلام لفدك، ومطالبتها لفدك قضية يقينية لا يمكن نكرانها وسوف نسلط الضوء عليها مفصلاً بعد ذكر بعص الروايات في هذا الباب :
أخرج احمد في مسنده : حدَّثنا عبد الرزاق، قال: حدَّثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أنَّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر رضي الله عنه، يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهُما حينئذٍ يطلبان أرضه من فدك، وسهمه من خيبر، فقال لهم أبو بكر: إنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لا نورث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال” وإني والله لا أدع أمراً رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه إلا صنعته.[6]
أخرج البخاري في صحيحه : حدَّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام، أخبرنا معمر عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أنَّ فاطمة عليها السلام والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما، أرضه من فدك وسهمه من خيبر. فقال أبو بكر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال” والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليَّ أن أصل من قرابتي[7].
أخرج مسلم في صحيحه : حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد، قال ابن رافع: حدَّثنا، وقال الآخران: أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أنَّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من سول الله صلى الله عليه وسلم، وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك، وسهمه من خيبر. فقال لهما أبو بكر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق الحديث بمثل معنى حديث عقيل ( إنا معاشر الأنبياء لا نورث )[8]
فقضية مطالبة الزهراء بفدك قضية لا يمكن إنكارها عند عموم المسلمين واقتصرنا على ذكر بعض المصادر من كتب العامة وإلا فالقضية واضحة ومسلمة عند الجميع ، وهي أن الزهراء جاءت تطلب حقها في فدك ، ولابد أن نحلل قضية المنازعة ومن هو الطرف المحق في المنازعة ونسلط الضوء عليه تسليطاً علمياً فنقول :
وفي حديث آخر في صحيح البخاري أيضا قال «فإنما هي بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها»[10] ، فالحديث يتضمن منقبة عظيمة لفاطمة الزهراء حتى أن البخاري جعلها في باب المناقب للزهراء عليها السلام ولمزيد من التعميق نقول :
أشار النبي الأكرم عليه السلام إلى كون فاطمة عليها السلام بضعة منه أي جزء منه ومعلوم أن النبي الأكرم لا يتكلم من منطلقات عاطفية أو قبلية بل يتكلم بما هو مشرع ونبي مبعوث من قبل الله عز وجل فلذا قال الله عز وجل في كتابه ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )[11] فقرَّرت الآية الكريمة كون أن النبي لا ينطق عن أهواءه الشخصية وميولاته بل هو وحي من قبل الله عز وجل فلذا قال في آية أخرى : ( ولو تقوَّلَ علينا بعض الأقاويل (44) لأخذنا منه باليمين (45) ثم لقطعنا منه الوتين )[12].
فالآية واضحة أن النبي صلى الله عليه وآله لو نسب شيئاً لله عزَّ وجلَّ كذبا فسوف لن يُمهله لحظة واحدة لأنه يكون سبباً لضياع الرسالة وضلال الناس، وعليه فالنبي الأكرم لا ينطق من ميولاته الشخصية وأهوائه ولا يتكلم بشيء خارج حريم الشريعة والدين ولا ينسب للدين ما ليس فيه، فإذا حديث ” فاطمة بضعة مني ” لا يمكن أن يقال أن النبي يتكلم بعاطفته وميوله الشخصي لكون فاطمة عليها السلام، وعليه فالزهراء عليها السلام بضعة من النبي وجزء لا يتجزَّأ ، وكما هو معلوم فإن النبي الأكرم أفضل الخلق من لدن آدم إلى آخر مخلوق وبما أن فاطمة الزهراء بضعة من النبي فإنها تحمل جزءاً من خصائص النبي الأكرم وشمائله، فلذا كانت فاطمة الزهراء عليها السلام سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين فلذا أورد البخاري في صحيحه: «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة»[13] وأخرج في حديث آخر : عن مسروق، حدثتني عائشة أم المؤمنين، قالت: إنَّا كنَّا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده جميعاً، لم تغادر منا واحدة، فأقبلت فاطمة عليها السلام تمشي، لا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها رحَّب، قال: «مرحبا بابنتي» ثم أجلسها عن يمينه – أو: عن شماله – ثم سارَّها، فبكت بكاءً شديداً، فلمَّا رأى حزنها سارَّها الثانية، إذا هي تضحك، فقلت لها أنا من بين نسائه: خصَّكِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسِّرِّ من بيننا، ثم أنتِ تبكين، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها: عمَّا سارَّكِ؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سِرَّه، فلمَّا توفي قلت لها: عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما أخبرتني، قالت: أمَّا الآن فنعم، فأخبرتني، قالت: أما حين سارَّني في الأمر الأول، فإنه أخبرني: «أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة، وإنه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري، فإني نعم السلف أنا لكِ» قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارني الثانية، قال: «يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة»[14].
وأخرج الترمذي في سننه بسنده عن زر بن حبيش عن حذيفة قال : سألتني أمي متى عهدك؟ تعني بالنبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم فقلت : ما لي به عهد منذ كذا كذا ، فنالت مني فقلت لها : دعيني آتي النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم فاُصلي معه المغرب و أسأله أن يستغفر لي و لك ، فأتيت النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ، فصليت معه المغرب فصلى حتى صلى العشاء، ثم انفتل فتبعته فسمع صوتي فقال: من هذا، حذيفة؟
قلت : نعم .قال : ما حاجتك غفر الله لك و لأمك ؟ قال : إن هذا مَلَكٌ لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم علّي و يبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة و إن الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة ))[15]
فالحديث واضح أن فاطمة سيدة نساء المؤمنين بل سيدة نساء أهل الجنة والحديث من علامات النبوة لأنه إخبار عن عالم الغيب وبما سيحصل في المستقبل. فتحصل من جميع ذلك أن فاطمة بضعة النبي الأكرم وأنها سيدة نساء أهل الجنة وسيدة نساء المؤمنين وسيدة نساء هذه الأمة ، ثم يشير الحديث لمطلب آخر وهو ((فمن أغضبها أغضبني )) وفي حديث آخر ((يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها )) فيشير الحديث لوجود علاقة تلازمية بين غضب الزهراء وغضب النبي وان أذية الزهراء أذية للنبي الأكرم عليه الصلاة والسلام ، لا تنفك بأي حال من الأحوال ، فإذا الأمر كذلك فلننظر على أثر أذية النبي في القرآن الكريم :
والنتيجة أن أذية النبي تستوجب عدة أمور : العذاب الأليم ، واللعن والطرد من رحمة الله في الدنيا والآخرة ، والعذاب المهين .
وغضب الزهراء وأذيتها تستوجب غضب النبي وأديته فيكون الجزاء العذاب الأليم والطرد من رحمة الله في الدنيا والآخرة ، والعذاب المهين . فلذا قال ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري ((وفي الحديث تحريم أذى من يتأذى النبي صلى الله عليه وسلم بتأذيه لأن أذى النبي صلى الله عليه وسلم حرام اتفاقاً قليله وكثيره وقد جزم بأنه يؤذيه ما يؤذي فاطمة فكل من وقع منه في حق فاطمة شيء فتأذت به فهو يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة هذا الخبر الصحيح )) [18]
فنستخلص عدة أمور :
ونشير في هذا المقام إلى حديث أخر ،حيث أخرج مسلم في صحيحه بسنده إلى عائشة قالت عائشة خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) [19].
إن هذا الحديث يشير الى فضيلة ومقام من مقامات فاطمة عليها السلام وهي أنها من أهل البيت عليهم السلام الذين طهرهم الله وأذهب عنهم الرجس.
أن ما تملك هذه المقامات العالية التى هي بضعة النبي وأنها سيدة نساء أهل الجنة وأنها سيدة نساء المؤمنين وأن أذيتها وغضبها يستوجب غضب وأذية النبي الأكرم وأنها من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا لا يعقل أن تطالب بما ليس من حقها وخصوصا أن هذه القضية تتعلق بحقوق الآخرين . فهل يعقل في من يملك هذه المقامات أن يكون كاذبا أو غير محق في دعواه !!!
فهل يا ترى لو قلنا لإنسان عاقل خال من المرتكزات المذهبية أن النبي الذي لا ينطق عن الهوى قد قال في امرأةٍ أنها سيدة نساء العالمين وأنها سيدة نساء أهل الجنة وأنها من اهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وأن غضبها وأذيتها يستوجب غضب وأذية أفضل الخلق ثم قلنا له أن هذه المرأة طالبت بما ليس لها حق أو ان تكون غير محقة في دعواها !!!! فهل يقبل عاقل سوي بذلك !!!
وإن قيل إنها كان تتوهم أن لها حق فيه ولكن غفلت عن حديث ( لا نورث ما تركناه صدقة ) فان الأنبياء لا يورثون فتوهمت الزهراء أنها ترث ولم تكن تعلم بهذا الحديث ،
قلنا يكفي لرد هذه المقولة ما سبق ونضيف :
إنَّ النبي الأكرم كان يعلم بموته ولقد أسر هذا الشيء لفاطمة عليها السلام في آخر حياته وكان يعلم أنَّ أول أهل بيته لحوقاً به فاطمة عليها السلام فكيف لا يخبرها بهذا الأمر المهم للغاية؟
أخرج مسلم في صحيحه بسنده : أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا فاطمة ابنته فسارها فبكت ثم سارها فضحكت فقالت عائشة فقلت لفاطمة ما هذا الذي سارَّكِ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكيتِ ثم سارَّك فضحكتِ؟ قالت: سارَّني فأخبرني بموته فبكيت ثم سارني فأخبرني أني أول من يتبعه من أهله فضحكت )) [22] وأخرج أيضا بسنده عن عائشة (( قالت اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يغادر منهن امرأة فجاءت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مرحباً بابنتي فأجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم إنه أسرَّ إليها حديثاً فبكت فاطمة ثم إنه سارَّها فضحكت أيضاً، فقلت لها: ما يبكيك؟ فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن، فقلت لها حين بكت: أخصَّكِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه دوننا ثم تبكين، وسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قبض سألتها فقالت: إنه كان حدثني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة وإنه عارضه به في العام مرتين ولا أراني إلا قد حضر أجلي وإنك أول أهلي لحوقاً بي ونعم السلف أنا لك فبكيت لذلك ثم إنه سارني فقال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة فضحكت لذلك ))[23]
قال السيد الجلالي في مقدمة تحقيقه للشيخ المفيد ((ومع أن هذا خبر واحد ، لم يعرفه ولم يسمعه ولم يروه يومذاك غير أبي بكر ومع أن الأولى بسماعه وروايته – لو كان النبي صلى الله عليه وآله قاله – هم أهل بيته وابنته الزهراء بالأخص ، لأنهم هم محل ابتلاء مؤداه ، وهم بحاجة إلى معرفة حكمه ، فكان على النبي أن يبلغهم به ، لا أن يقوله لأبي بكر الذي لا يرث من النبي شيئا )) [24]
و يقول الشيخ الوحيد في كتابه منهاج الصالحين ((الرابع : أنه لو صحت هذه الرواية ( إنا لا نورث ما تركناه صدقة ) من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فهل يعقل أن يكتمها عن وصيه المتكفل لجميع شؤونه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وعن أقرب الخلق اليه بضعته الصديقة الطاهرة ( عليها السلام ) ، ويكون الذي بعثه الله لرفع المفسدة والاختلاف سببا – بهذا الإخفاء – للاختلاف والمفسدة والشقاق بين الأمة . ؟ !))[25]
( يوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ )[26]
( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ )[27]
( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا )[28]
فالآية الأولى عامة يشمل حكمها جميع المسلمين ومن ضمنها أبناء الأنبياء وأما الآيتين الأخريين فهما نصٌّ في خصوص أبناء الأنبياء من وراثة سليمان داوود وطلب نبي الله زكريا ولدا يرثه ويرث آل يعقوب . فكيف يدعى بأن معاشر الأنبياء لا يورثون ، فلذا قال الطبري في تفسيره على ذيل آية ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال : (( وقوله ((يرثني ويرث من آل يعقوب )) يقول : يرثني من بعد وفاتي مالي ، ويرث من آل يعقوب النبوة ، وذلك أن زكريا كان من ولد يعقوب ، وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل )) [29]
وهذا ما توضحه بعض الروايات :
أخرج مسلم في صحيحه : عن عروة بن الزبير، عن عائشة أنها أخبرته، أنَّ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المال»، وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، قال: فهجرته، فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلاً، ولم يُؤْذِنْ بها أبا بكر…[30].
فمن المصادر الشيعية
أخرج علي بن إبراهيم القمي في تفسيره : فإنَّه حدَّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عثمان بن عيسى وحمّاد بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لمّا بويع لأبي بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار، بعث إلى فدك، فاخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله منها، فجاءت فاطمة إلى أبي بكر، فقالت: يا أبا بكر! منعتني ]عن[ ميراثي من رسول الله وأخرجت وكيلي من فدك، وقد جعلها لي رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر الله؟! فقال لها: هاتي على ذلك شهوداً، فجاءت بأمّ أيمن، فقالت: لا أشهد حتى أحتجّ – يا أبا بكر – عليك بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله، فقالت: أنشدك الله يا أبا بكر، ألست تعلم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إنَّ أمّ أيمن امرأة من أهل الجنة؟ قال: بلى. قالت: فأشهد أنَّ الله أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله: (فآتِ ذا القربى حقَّه) فجعل فدك لفاطمة عليها السلام بأمر الله. وجاء علي عليه السلام فشهد بمثل ذلك، فكتب لها كتاباً ]بردِّ[ فدك ودفعه إليها، فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال أبو بكر: إنَّ فاطمة ادَّعت في فدك، وشهدت لها أمُّ أيمن وعلي، فكتبت لها بفد. فأخذ عمر الكتاب من فاطمة عليها السلام فمزَّقه وقال: هذا فيء المسلمين، وقال: أوس بن الحدثان وعائشة وحفصة يشهدون على رسول الله صلى الله عليه وآله بأنَّه قال: إنَّا معاشر الأنبياء لا نورِّث، ما تركناه صدقة، وإنَّ عليّاً زوجها يجرُّ إلى نفسه، وأمَّا أمُّ أيمن فهي امرأةٌ صالحة، لو كان معها غيرها لنظرنا فيه.
فخرجت فاطمة عليها السلام من عندهما باكية حزينة، فلمَّا كان بعد هذا جاء عليٌّ عليه السلام إلى أبي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار، فقال: يا أبا بكر، لِمَ منعت فاطمة عليها السلام من ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله وقد ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال أبو بكر: هذا فيء المسلمين، فإن أقامت شهوداً أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله جعله لها وإلّا فلا حقَّ لها فيه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا أبا بكر، تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟! قال: لا. قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادَّعيت أنا فيه، من تسأل البيِّنة؟ قال: إيَّاك كنت أسأل البيِّنة على ما تدَّعيه على المسلمين.
قال: فإذا كان في يدي شيء، وادَّعى فيه المسلمون، فتسألني البيِّنة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وبعده، ولم تسأل المسلمين البيِّنة على ما ادَّعوا عليَّ شهوداً كما سألتني على ما ادَّعيتُ عليهم؟! فسكت أبو بكر.
ثم قال عمر: يا عليُّ دعنا من كلامك، فإنَّا لا نقوى على حججك، فإن أتيتَ بشهودٍ عدول وإلَّا فهو فيء المسلمين، لا حقَّ لك ولا لفاطمة فيه.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا أبا بكر، تقرأ كتاب الله؟ قال: نعم. قال: فأخبرني عن قول الله تعالى (إنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فيمن نزلت، أفينا أم في غيرنا؟ قال: بل فيكم.
قال: فلو أنَّ شاهدين شهدا على فاطمة عليها السلام بفاحشةٍ ما كنتَ صانعاً؟
قال: كنتُ اقيمُ عليها الحدَّ كما أقيم على سائر المسلمين، قال: كنتَ إذاً عند الله من الكافرين. قال: ولِمَ؟ قال: لأنَّك رددت شهادة الله لها بالطهارة، وقبلت شهادة الناس عليها، كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل رسول الله صلى الله عليه وآله لها فدك وقبضته في حياته، ثمَّ قبلت شهادة أعرابي بوَّال على عقبيه عليها، وأخذت منها فدك، وزعمتَ أنَّه فيء للمسلمين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “البيِّنةُ على من ادَّعى، واليمين على من ادُّعِيَ عليه”، قال: فدمدم الناس وبكى بعضهم، فقالوا: صَدَقَ – والله – عليٌّ. ورجع عليٌّ إلى منزله…[31]
ورواه الصدوق في ( العلل ) عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام )[32]
ما ورد في نهج البلاغة :
ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدى به ويستضئ بنور علمه ، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ، ومن طعمه بقرصيه . ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد ، وعفة وسداد. فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا ، ولا ادخرت من غنائمها وفرا ، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا. بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء ، فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين . ونعم الحكم الله . وما أصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانها في غد جدث تنقطع في ظلمته آثارها ، وتغيب أخبارها …[33]
روى الطبرسي في كتاب الاحتجاج : «شقوا متلاطمات أمواج الفتن بحيازيم سفن النجاة ، وحطّوا تيجان أهل الفخر بجميع أهل الغدر ، واستضاؤا بنور الأنوار ، واقتسموا مواريث الطاهرات الأبرار ، واحتقبوا ثقل الأوزار ، بغصبهم نحلة النبي المختار ، فكأني بكم تتردَّدون في العمى ، كما يتردَّد البعير في الطاحونة»[34].
وأما المصادر السنية :
أخرج مسلم في صحيحه : حدَّثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي، حدَّثنا جويرية، عن مالك، عن الزهري، أنَّ مالك بن أوس، حدَّثه، قال: أرسل إلي عمر بن الخطاب، فجئته حين تعالى النهار، قال: فوجدته في بيته جالساً على سرير مفضياً إلى رماله، متكئاً على وسادة من أدم، فقال لي: يا مالُ، إنه قد دَفَّ أهل أبيات من قومك، وقد أمرت فيهم برضخ، فخذه فاقسمه بينهم، قال: قلت: لو أمرت بهذا غيري، قال: خذه يا مال، قال: فجاء يرفا، فقال: هل لك يا أمير المؤمنين في عثمان، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وسعد؟ فقال عمر: نعم، فأذن لهم فدخلوا، ثم جاء، فقال: هل لك في عباس، وعلي؟ قال: نعم، فأذن لهما، فقال عباس: يا أمير المؤمنين، اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن، فقال القوم: أجل يا أمير المؤمنين، فاقض بينهم وأرحهم، فقال مالك بن أوس: يُخَيَّلُ إليَّ أنَّهم قد كانوا قدَّموهم لذلك، فقال عمر: اتَّئدا، أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة»، قالوا: نعم، ثم أقبل على العباس، وعلي، فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا نورث ما تركناه صدقة»، قالا: نعم، فقال عمر: إن الله جل وعز كان خصَّ رسوله صلى الله عليه وسلم بخاصة، لم يخصِّص بها أحداً غيره، قال: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول} [الحشر: 7]- ما أدري هل قرأ الآية التي قبلها أم لا – قال: فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينكم أموال بني النضير، فوالله، ما استأثر عليكم، ولا أخذها دونكم، حتى بقي هذا المال، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منه نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي أسوة المال، ثم قال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، أتعلمون ذلك؟ قالوا: نعم، ثم نشد عباساً، وعلياً، بمثل ما نشد به القوم، أتعلمان ذلك؟ قالا: نعم، قال: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو بكر: أنا وليُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نورث ما تركناه صدقة»، فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم إنه لصادق بارٌّ راشد تابع للحق، ثم توفي أبو بكر وأنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولي أبي بكر، فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم إني لصادق بارٌّ راشد تابع للحق، فوليتها ثم جئتني أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد، فقلتما: ادفعها إلينا، فقلت: إن شئتم دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذتماها بذلك، قال: أكذلك؟ قالا: نعم، قال: ثم جئتماني لأقضي بينكما، ولا والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فرداها إلي ))[36]
أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس، قال: قال عمر رضي الله عنه: أقرؤنا أُبيٌّ، وأقضانا عليٌّ…[37]
أخرج أحمد في مسنده بسنده عن هبيرة: خَطَبَنا الحسن بن علي رضي الله عنه، فقال: لقد فارقكم رَجُلٌ بالأمس لم يسبقه الأوَّلون بعلمٍ ولا يدركه الآخرون، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثُه بالراية: جبريل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، لا نصرفُ حتى يُفتح له.[38]
وأخرج في مسنده بسنده عن عمرو بن حبشي قال: حَطَبَنا الحسن بن علي بعد قتلِ علي رضي الله عنهما، فقال: لقد فارقكم رجلٌ بالأمس ما سَبَقَه الأوَّلون بعلمٍ، ولا أدركه الآخرون، إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيَبْعَثُه، ويُعطيه الراية، فلا ينصرفُ حتى يُفتح له، وما تركَ صفراء ولا بيضاءَ، إلا سبعُ مئة درهمٍ من عطائه كان يَرْصُدها لخادمٍ لأهله.[39]
أخرج ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله بسنده عن أبي الطفيل قال: “شهدتُ علياً رضي الله عنه وهو يخطب ويقول: سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيءٍ يكون إلى يوم القيامة إلَّا حدَّثتكم به، وسلوني عن كتاب الله فوالله ما منه آية إلَّا وأنا أعلم بليلٍ نزلت أم بنهارٍ أم بسهلٍ أم بجبلٍ…[40]
قال ابن كثير في تفسيره : وثبت أيضاً من غير وجه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه صعد منبر الكوفة فقال: لا تسألوني عن آية في كتاب الله تعالى، ولا عن سُنَّةٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنبأتكم بذلك…[41]
إن هذه الروايات التي تبين جزءاً من مقامات أمير المؤمنين تشير إلى بعض المقامات :
إن من يملك هذه المقامات العالية والرفيعة التي تتحدث عنها كتب أهل العامة ، هل يعقل أن لا يتعقل قضية في الميراث ولا يعرفها وهو الذي يدعو الناس على منبر الكوفة أنه لا يسأل عن آية من كتاب الله أو سنة من رسول الله إلا ويحدثهم بها !! وهل يعقل أن شخصاً كهذا يكون جبريل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، لا ينصرفُ حتى يُفتح له يأتي ويطلب ما ليس من شأنه من أموال الآخرين وحقوق المسلمين ، أم أن شخصاً يعترف له الصحابة بأنه أقضاهم لا يعرف أن زوجته لا ترث شيئاً !!! ، أو أن شخصاً يعرف موارد النزول وفيمن نزلت سواءً في سهل أم جبل الذي هو إشارة على عمق إحاطته بالمعارف القرآنية وعظم التصاقه بالنبي الأكرم لا يعرف حديثاً ادعاه أبو بكر !!!
لو أن هذه المعارف ألقيت على عقل إنسان مجرد من الأهواء المذهبية وقلنا له إن شخصية تملك كل هذه المقومات المعرفية من الأفضلية في القضاء ومعرفة موارد النزول من الزمان والمكان وفيمن نزلت ، وأنه يرقى منبراً من منابر المسلمين ويدعو الناس أن يسألوه عن أية آية من كتاب الله أو سنة لرسول الله ويدعي أنه عالم بكل ذلك ومحيط به ، وأنه اذا حارب يكون جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله ولا ينصرف حتى يفتح له مع شخص لا يملك كل هذه المقومات بل شخص لا يعرف أبجديات الفقه !! ، أو نقول أنه يطالب بشيء مخالف للدين وللشريعة المقدسة هل يتعقلها إنسان بسيط فضلاً عن متأمل !!! أو ما شابه من الادعاءات الباطلة المزيفة !!!
الخاتمة
إن من ينظر بعين الإنصاف لكل ما ذكر من أدلة ، يدرك حجم المصائب التي وقعت أهل البيت عليهم السلام بعد وفاة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ، وحجم الظلامات التي أدت إلى غصب فدك التي كانت نحلة رسول الله مما أفاءه الله عليه من خيبر وما تبعه من ظلامات أخرى كالهجوم على الدار وغصب الخلافة حتى وصل الأمر بالبضعة الطاهرة أن توصي الأمير بأن يدفنها ليلاً وأن يعفي قبرها ، وأن لا يشهد جنازتها ولا يصلي عليها من ظلمها، وكأن وصية النبي الأكرم في أخر حياته عندما خطب في الناس في غدير خم قائلاً:
” ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به ” فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي”[42]
لم تكن شيئاً مذكورا ، وكأن الأحاديث في مقامات فاطمة الزهراء عليها السلام وأنها بضعة النبي المختار وأنها سيدة نساء العالمين ، وأنها سيدة نساء أهل الجنة وأن رسول الله صلى الله عليه يغضب لغضبها ويرضى لرضاها لم تكن بذات معنى عندهم !!!
اللهم ارزقنا شفاعة محمد وآل محمد ومحبة محمد وآل محمد ، وارزقنا شفاعة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام ومحبتها واحشرنا في زمرتها يا رب العالمين.
المصادر :
[1] سورة يوسف آية 111
[2] مفاتيح الغيب ( التفسير الكبير ) للفخر الرازي على ذيل اية 111 من سورة يوسف طبعة دار احياء التراث
[3] فدك واحة تقع في أطراف الحجاز قرب مدينة خيبر ، وتبعد عن المدينة المنورة 280 كم
[4] الكافي ج2 ص725، كتاب الحُجَّة، باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس وحدوده وما يجب فيه، رقم الحديث5.
[5] عيون أخبار الرضا ج1 ص 306، باب ذكر مجلس الرضا مع المأمون في الفرق بين العترة والأمة
[6] مسند أحمد ج1 ص188،رقم حديث 9
[7] صحيح البخاري ج3 ص290-291، كتاب المغازي، باب حديث بني النضير ومخرج رسول الله إليهم في دية الرجلين، رقم حديث 4035،4036
[8] صحيح مسلم ج5 ص 155،كتاب الجهاد والسير، باب قول النبي :”لا نورث ما تركنا فهو صدقة”
[9] صحيح البخاري ج3 ص188، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب فاطمة عليها السلام، رقم الحديث 3767.
[10] صحيح البخاري ج4 ص99، كتاب النكاح، باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف، رقم الحديث 5230.
[11] سورة النجم الآيتان 3-4.
[12] سورة الحاقة الآيات 44-46
[13] صحيح البخاري ج3 ص188، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب فاطمة عليها السلام.
[14] صحيح البخاري ج4 ص464-465، كتاب الاستئذان، باب من ناجى بين يدي الناس ومن لم يخبر بسر صاحبه فإذا مات أخبر به، رقم الحديث 6285، 6286.
[15] صحيح سنن الترمذي ج3 ص541 ، رقم الحديث 3781.
[16] التوبة الآية 61 .
[17] الأحزاب 57
[18] فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج11 ص682، كتاب النكاح، باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف.
[19] صحيح مسلم ج7 ص130، كتاب فضائل الصحابة – باب فضائل أهل البيت النبي صلى الله عليه وسلم.
[20] صحيح البخاري ج2 ص364، كتاب المظالم والغصب، باب أثم من ظلم شيئاً من الأرض، رقم الحديث 2454.
[21] صحيح البخاري ج2 ص364، كتاب المظالم والغصب، باب أثم من ظلم شيئاً من الأرض، رقم الحديث 2453.
[22] صحيح مسلم ج7 ص142، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل فاطمة بنت النبي عليها الصلاة والسلام.
[23] صحيح مسلم ج7 ص143-144، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل فاطمة بنت النبي عليها الصلاة والسلام.
[24]مصنفات الشيخ المفيد ج، رسالة حول حديث نحن معاشر الأتبياء لا نورث ص4
[25] مقدمة في أصول الدين ص288 الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام
[26] سورة النساء اية 11
[27] سورة النمل اية 16
[28] سورة مريم اية 5-6
[29] تفسير الطبري ج 15 ص459 على ذيل آية 5و6 من سورة مريم.
[30] صحيح مسلم ج5 ص153-154، كتاب الجهاد والسير، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا فهو صدقة.
[31] تفسير القمي ج2 ص781-783، ذيل الآية 38 من سورة الروم.
[32] علل الشرائع ج1 ص256-257، الباب (151) العلة التي من أجلها أمر خالد بن الوليد يقتل أمير المؤمنين عليه السلام، رقم الحديث 1.
[33] نهج البلاغة ص 559 ، ومن كتاب له عليه السلام إلى عثمان بن حنيف الأنصاري وهو عامله على البصرة …،رقم 283
[34] الاحتجاج ج1 ص123، رسالة لأمير المؤمنين إلى أبي بكر لمّا بلغه عنه كلام بعد منع الزهراء عليها السلام فدك.
[35] الكافي (الروضة) ج15 ص152-155، رقم الحديث 21.
[36] صحيح مسلم ج5 ص151-153، كتاب الجهاد والسير، باب حكم الفيء.
[37] صحيح البخاري ج3 ص460، كتاب التفسير، سورة البقرة، باب قوله تعالى: (ما ننسخ من آيةٍ أو نُنْسِها)، رقم الحديث 4481.
[38] مسند أحمد ج3 ص246، رقم الحديث 1719.
[39] مسند أحمد ج3 ص247، رقم الحديث 1720.
[40] جامع بيان العلم وفضله ج1 ص383-384، رقم الحديث 726.
[41] تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) ج7 ص26، سورة الذاريات.
[42] صحيح مسلم ج 4 ح 2408 كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل علي بن أبي طالب