مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
بحوث أخرى
استشراف المستقبل في فكر السيدة الزهراء (عليها السلام) / أ.د. جليلة صالح العلاق  و أ.م.د. زهراء نعمة السعدي 
+ = -

استشراق المستقبل في فكر السيدة الزهراء(ع)

المقدمة:

    بسم الله الأول قبل الإنشاء والإحياء ، والآخر بعد فناء الأشياء، والحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

   جاء الإسلام وهو يحمل منهاجاً متكاملاً لتنظيم حياة المجتمع بكل أبعاده الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية ، ومع كل ذلك تسربت إليه رواسب الانحراف الفكري والعقائدي والسلوكي ومنذ أوائل عهده إذ بدأت بالجانب السياسي واستمر حتى استشرى في المجالات الأخرى ، بعد أن ثبت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دعائم دولته وأرسى أسسها وأوضح سبل السالكين لطريق الحق والنجاة ؛ ولأنه الشخصية الفذة والعقلية النيرة التي أنارها الله تعالى بنوره وهداه ، فاخرج الناس من الظلمات إلى النور، وعرفهم طريق رقيهم وتقدمهم في دينهم ودنياهم .

   ومن هذا العلم والنور المعرفي نهلت الزهراء (عليها السلام) ، فجاءت معرفتها واسعة ودقيقة في تشخيص المجتمع بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما سيؤول بسبب  أفعالهم وما انتهجوه بعده ؛ لذا رسمت أمامهم صورة مجتمع يؤسسون له على أساس الباطل والابتعاد عن طاعة الله ، ومن هنا جاءت فكرة هذا البحث لدراسة (استشراف المستقبل في فكر السيدة الزهراء عليها السلام) وفق ما بينته في خطاباتها فانتظم البحث على ثلاثة محاور وتوطئة وعلى النحو الآتي :

   التوطئة : المجتمع الإسلامي وتحديات التغيير .

  المحور الأول : البعد السياسي .

  المحور الثاني :البعد الاجتماعي.

 المحور الثالث : البعد الاقتصادي .

وتليها خاتمة تبين أبرز ما توصل إليه البحث .

التوطئة : المجتمع الإسلامي وتحديات التغيير :   

    جاء الإسلام حاملاً شريعة سماوية جعلها الله تبارك وتعالى خاتمة للشرائع الأخرى ، وقد ضمنها تعالى منهجاً واسعاً شاملاً في نظمه وقوانينه ، مواكباً لمسيرة الإنسان الدينية والدنيوية بكل أبعادها المادية والمعنوية ؛ لعلمه بما ستؤول إليه الأمور وهذا ما بينته السيدة الزهراء (عليها السلام) في قولها في وصف أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن الله ، جلّ ثناؤه :

” اختارهُ قبل أن أرسلَه … علماً من الله تعالى بمآلِ الأمور ، وإحاطة ًبحوادث الدهورِ ، ومعرفةً بمواقع المقدورِ . ابتعثهُ الله إتماماً لأمرهِ ، وعزيمةً على إمضاء حكمهِ ، وإنقاذاً لمقادير حتمهِ “ [1]

لذا جاء الإسلام وهو يمتلك ” قابلية الديمومة والاستمرارية للحياة ، منسجماً مع تطورها المعقول وحاملاً كل مقومات الإنسانية التي هي أساس الدين ، والتي ترمي إلى رعاية الفرد والجماعات وبناء المجتمع الإنساني على وفق المقياس الخلقي الذي يتحلى برضا الله سبحانه وتعالى ؛ ليوجه الناس إلى الحق والعدل والكرامة والخير وإبعادهم عن النزعة الذاتية والمصالح الشخصية ، من القاعدة المركزية للتشريع ” [2].  

    ولكن المجتمعات البشرية عموماً لا تبقى على وتيرة واحدة فقد تتعرض في مسيرتها التاريخية لنوع من التباين فيما تخضع له من عوامل مختلفة قد ترتقي بها إلى مراحل التطور والتقدم في مراحل معينة ، وقد تنحدر بها في مراحل أخرى إلى منحنيات ينهار فيها ما حققته في مراحلها التطورية ، وهذا الأمر يشمل التقدم في المجالات كافة ، الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وغيرها ، ولابد من الإشارة إلى أن الرسالات السماوية التي تعد في مقدمة بواعث التطور والرقي الروحي والمادي ، هي الأخرى تعرضت إلى هذا النوع من التذبذب ، وهذا ينسحب على الرسالة المحمدية المتكاملة التي جعلها الله تعالى خاتمة للرسالات السماوية ، إذ تعرضت هي الأخرى إلى عوامل الانحراف الذي لحق الدولة الإسلامية ومجتمعها بسبب التطرف وسوء التطبيق ، وكان للآفات الاجتماعية الدور الفاعل في انحراف الرسالة عن مسارها بعد أن أوصلها الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى قمة الهرم الحضاري في الأخلاق والمفاهيم الجديدة التي سنّها الإسلام ، والتي أوصلت المجتمع إلى المثالية إذ كان أفراده مثالا يحتذى به بين المجتمعات في العالم أجمع [3].

  لقد تمكن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) من إحداث هذا التغيير ، مع أن المجتمع العربي لم يكن قابلاً لتحمل أي تغيير بالمقاييس التقليدية ، فهو مجتمع اعتاد وقوع الصدامات الكثيرة التي نادراً ما تخمد ، إذ السلب والنهب والتفاخر والتباهي بالقوة عن طريق الغارات المتبادلة ، والتي تلتهم أبناء الجزيرة العربية ، إذ كان العرب قبل الإسلام يخضعون لقوانين في صورة تقاليد فرضتها ضرورات الحياة في الجزيرة العربية ، وكان مبدأ القوة هو السائد آنذاك ، وقد وصفتهم (سلام الله عليها) بقولها :

 ” وكنتم على شفا حفرة من النار ، مذقة الشارب ، ونهزة الطامع ، وقبسة العجلان ، وموطئ الأقدام ، تشربون الطرق ، وتقتاتون القد والورق ، أذلة خاسئين ، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم ، فأنقذكم الله تعالى بأبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم” [4].

وقد تجلت في وصفها لحالهم في الحياتين الدنيوية والآخروية بجعل المقدمات التي شهدوها في حياتهم الدنيا سبباً  لما يتحقق من نتائج في الحياة الآخرة ، و نجدها (سلام الله عليها) تشخص البواعث النفسية الجمعية التي أصبح عليها العرب قبل الإسلام وهي بذلك تفترق عن الدراسات التي اعتادت على كشف الحالة النفسية منفردة لكل شخص ، أي أنها تهمل دراسة الوضع النفسي للمجتمع ككل ، أما السيدة الزهراء (عليها السلام) ، فقد أعطت بياناً دقيقاً ومفصلاً للمستوى النفسي الذي يشترك فيه الجميع كنتيجة طبيعية لتوحد الجميع في السلوكيات الفردية ، فأصبح سلوكاً جماعياً واحداً عند الجميع[5]. حددته السيدة بأربعة صفات تدل بمجموعها على الانهيار ، والخوف ، والمذلة ، لدرجة أصبحوا فيها :

  •  (مذقة الشارب) ؛ لاستلذاذ الآخرين بهم ، وقد وظفت السيدة لفظة “المذقة” لوصفهم لدلالتها على “الشربة من اللبن الممزوج بالماء” [6] .
  • –          (ونهزة الطامع) ؛ لكونهم أصبحوا من الضعف فرصة وغنيمة يغتنمها لكل طامع [7].
  • –         (وقبسة العجلان) ؛ لشدة ضعفهم ، وتشتت أمرهم ، أصبحوا حتى بالنسبة للشبعان الذي ليس لديه رغبة في السلب أن يأخذ منهم أي شيء ؛ لأن ذلك أفضل من أن يفوته  كل شيء ، أو أنهم أصبحوا نهباً لكل من مرّ بهم ، وإن هذا النهب والسلب كان سريعاً ؛ لأن القبس هو الشعلة من النار ، والعجلان اسم سمي به شهر شعبان ؛ لقصر الصيام فيه ولانقضائه سريعاً [8]، وهنا تقدم السيدة صورة أخرى للمستوى الذي بلغه العرب من الضعف آنذاك.
  • –         (وموطئ الأقدام) : أي أنهم يسحقون ما تسحق الهوام ، أذلة يخافون أن
  • –         (يتخطّفكم الناس من حولكم)  من الفرس والروم ، فيقودونهم عبيداً رجالاً ونساءً[9] .

وعليه كيف ستقوم لهم قائمة ؟ بل كيف يمكن أن يدفعوا عن أنفسهم الذلة والمهانة والهوان وهم بهذا الحال ؟                                                                         

فلم يكن المجتمع آنذاك يمتلك إرثاً ثقافياً أو حضارياً مشتركاً ، فالعرف الذي تطبقه قبيلة ما لا يلزم القبائل الأخرى العمل به ؛ لذا كان هذا الأمر مثاراً للنزاعات الدموية الطويلة بين تلك المجتمعات المتناحرة التي عمى الشرك والضلال بصيرتها ، والتي وصفتها السيدة الزهراء (عليها السلام) بقولها :

” فرأى الأمم فرقاً في أديانها عكفاً على نيرانها عابدة لأوثانها ، منكرة لله مع عرفانها فأنار الله بأبي محمد صلى الله عليه وآله ظلمها ، وكشف عن القلوب بهمها ، وجلا عن الأبصار غممها ، وقام في الناس ، فأنقذهم من الغواية ، وبصرهم من العماية ، وهداهم إلى الدين القويم ، ودعاهم الى الطريق المستقيم “[10] .

 إلا أن هذا الواقع الاجتماعي خفف من شدة معارضة القبائل العربية للدين الجديد الذي وجد في قوانينه الجديدة الموحدة التي هيأتهم لتقبل سن القانون الكامل في محاولة منهم للخروج من الوضع الشاذ السابق ، ومع هذا بقيت هناك شخصيات تمكنت منها تلك الأعراف البالية حتى أصبح من الصعب على الحالة الإسلامية الجديدة النفوذ إليها فبقي الشرك والكفر والكبر ينخر قلوب الكثيرين من عتاة قريش الذين أظهروا إسلامهم لأغراض معروفة [11]؛ لذا خاطبهم القرآن الكريم في قوله تعالى : ” قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ “[12]. هذا التيار المنافق حاول مجاراة الموجة لكي لا يقع ومميزاته الاجتماعية والاقتصادية عرضة للهلاك ، فهم امتداد للتيار المعارض لكل ما جاء به الإسلام ؛ لذا قابلوه بالرفض والمجابهة الشديدة حفاظاً على التراث الجاهلي الذي تتحكم فيه طبقة من المجتمع النفعي[13]، وقد أخبر الرسول الكريم (صلى الله عليه وسام) ابنته الزهراء (سلام الله عليها) بذلك التحول والانحراف قبل وقوعه ، قائلاً : ” أنت أول من تلحقين بي مظلومة مغصوبة ، وسوف تظهر بعدي حسيكة النفاق ، ويسمل [14]جلباب الدين “[15].

   فقد اصطدمت مصالح تلك الطبقة الظالمة بما عرضت له الرسالة المحمدية القائمة على العدالة الاجتماعية والتكافل والمساواة ؛ لأنها تقوم على تقويم إنسانية الإنسان في إطار الحياة الحرة الكريمة ، وبناء مجتمعه وفقاً للأبعاد الروحية والإنسانية التي يسعى إلى تحقيقها ، حتى تمكن الإسلام ” بحيويته وفاعليته أن يطرق أبواب أوربا غرباً ويقتحم الشرق حتى أقصاه ، وفي كل هذه البلاد استطاع الإسلام بمجتمعه الحي أن يذيب الحضارات الأخرى ويصبغها بالصبغة الإسلامية لينشئ من مجتمعاتها أمة قوية تقوم على تحقيق العدل الرباني في مواقع الأرض “[16]

استشراف المستقبل  :

  امتلك الإسلام منهاجاً متكاملاً لتنظيم حياة المجتمع بكل أبعاده الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية ، بنظام يجعله صالحاً لكل زمان ومكان ؛ لأنه أولى أهمية كبيرة لمسألة التوفيق بين عنصر الحركة والتغيير في المجتمع  وعنصر الثبات والدوام[17]، الذي تتميز به الشريعة .

ومع كل ذلك تسربت إليه رواسب الانحراف الفكري والعقائدي والسلوكي ومنذ أوائل عهده إذ بدأت بالجانب السياسي واستمر حتى استشرى في المجالات الأخرى ، ولم يستطع الصمود أمام تلك التحديات والتيارات الجارفة ، مما أدى إلى انحراف هذا الكيان النموذجي ، وتبعه انهيار البنية الاجتماعية تدريجياً في أواخر الدولة العباسية التي انحرفت شكلاً ومضموناً عن نهج الحكم الإسلامي [18].    

   وقد تحدث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن المراحل التي ستمر بها الأمة من بعده قائلا : ” إن هذا الأمر بدأ رحمة ونبوة ، ثم يكون رحمة وخلافة ، ثم كائناً ملكاً عضوضاً ، ثم كائناً عتواً وجبرية وفساداً في الأرض يستحلون الحرير والفروج والخمور ، ويرزقون على ذلك وينصرون حتى يلقوا الله عز وجل[19] .     

إن هذه الصورة المستقبلية للمجتمع الذي ابتعد عن حكم الله في تحديد مصيره ، سينتج عنه الضرر المتمثل بالأبعاد الآتية :

المحور الأول : البعد السياسي :

     شهدت المجتمعات البشرية وعلى اختلاف مستوياتها وأجناسها حكم السلطة الخاصة أو العامة التي تتعاقب على حكمها عبر تأريخها الطويل ، ولهذه السلطة نظامها وهيئة تنفيذها بما يوفر العدالة في مجتمعاتها ، ويضمن سلامة مسيرتها الحياتية ، ويحفظ حقوق الأفراد والجماعات في حدود سلطاتها ، ويمنع الفوضى واختلال الزمن [20].

وعندما جاء الإسلام اتخذت الدولة صيغتها السوية ومارست دورها السليم ، في قيادة المجتمع الإسلامي إذ كانت ذات تنظيم اجتماعي قائم على أساس الحق والعدل  ، وكان هدفه تطوير الأمة ووضعها في مسارها الصحيح مع الحفاظ على وحدة البشرية [21] ؛ لأن غاية الرسالة وإنزال الكتاب هو الحكم بين الناس على ضوء ما جاء فيها ؛ لتحقيق التوازن في الحكم ، وعدم الميل فيه لجانب دون جانب ، ولاشك أن ” مثل هذه النظرة الشاملة الكاملة في الرسالات السماوية ، لا يمكن أن تتحقق دون أن تكون الدولة أي الحكم أو التنظيم السياسي جزءاً منها يفسح لها مجال الحياة لتحقق رسالتها ويحميها مما يعارضها ويعوق سيرها ” [22].

    وبعد أن بلغ المجتمع الإسلامي أعلى مراتب الرقي بما تحقق فيه من عدالة ، سعى المفسدون على وفق قوانينهم الشخصية إلى إحداث خروقات في المجتمع ، إذ أدى اختلاف الرؤى والاعتقاد في المجتمع المسلم الى ظهور تيارين هما :

1- تيار يدعو إلى الإصلاح الاجتماعي والسياسي .

2- تيار وضع السلطة والحكم هدفه الأول على حساب المصلحة العامة .

  وقد كان للتيار الأول محاولات ، وعلى امتداد التاريخ الإسلامي ؛ لضعضعة أركان الحكم القائم على العنف والظلم ، والذي يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة على حساب مصلحة الأمة ، والحفاظ على المنظومة العقائدية والأخلاقية وتحقيق التقدم ، وإيجاد نوع من التوازن في المجتمع المسلم [23]، وعلى الرغم من وجود مثل هذه التيارات ، إلا أنها لم تمتلك القوة الكافية للتغلب على التيار الثاني ، فاستمر التراجع ، ساعد في ذلك ابتعاد المجتمعات عن التطبيق الإسلامي الحق ، بل وحتى عدم فهمه ، وقد حاول أتباعه وضع بصماتهم التي تدل على عدم إيمانهم بالرسالة المحمدية ، فبقي هذا النفس متوارثاً كما يتضح عند أبي سفيان ، ومن ثم حفيده يزيد الذي ظهرت منظومته الإلحادية في تصرفاته أقواله وأفعاله ، ولخصها بقوله[24]:

                      لَعِبَتْ هاشِمُ بالمُلْكِ فَلَا     خَبَرٌ جَاءَ وَلَا وَحْي نَزَلْ

      إن تولى مثل هذه الشخصية وأمثالها السلطة ، يؤدي إلى بناء مجتمعي متناقض ومهزوز ومختل في تركيبته العقائدية ، لا يؤمن السلطان فيه بأساسيات العقيدة التي تقوم عليها حضارة المجتمع المسلم والتي كانت الأساس للتقدم الذي حققه المجتمع .  

وعليه لابد أن يكون السياسي متحملا لأعباء عمله ،  وأن يكون بمستوى مسؤولياته في الشدة والرخاء ، وهذا العمل لا يكون ناجحاً إلا عندما يكون نابعاً من الأعماق الخيرة للإنسان الفاضل الذي أعد نفسه ومرنها على ممارسة الحياة العملية فمن لا يستطيع أن يسوس نفسه لا يتمكن من سياسة العباد ، والسياسة الناجحة تضمن لصاحبها الثبات على طريق الاستقامة ومواصلة العمل داخل المنظومة البشرية بما يخدم تلك المنظومة ويضمن سلامتها[25].

   ولعل هذه الحقيقة كانت من أهم الأمور التي افترق فيها التياران ؛ لذا كانت السيدة الزهراء (عليها السلام) تذكرهم بموقف الفريق الأول في قولها :

” وبعد أن مني -النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) – ببُهم[26] الرجال وذؤبان العرب ، ومردة أهل الكتاب ، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ، أو نجم قرن الشيطان [27]، أو فغرت[28]فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها[29]، فلا ينكفئ [30]حتى يطأ صماخها[31] بأخمصه [32]، ويخمد لهبها بسيفه ، مكدوداً في ذات الله قريباً من رسول الله سيداً في أولياء الله “ [33].

بينت السيدة هنا الصفات التي تمثلت في شخصية الإمام علي (عليه السلام) ، والتي جعلته مؤهلا لمواجهة التحديات التي كانت تعترض الدعوة من فتن وحروب لم تجد من يقف بوجهها إلا أهل البيت وثلة قليلة من الصحابة الذين وصفتهم بـ(النفر البيض الخماص) [34]؛ ممن وقف إلى جانب الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان يرسل لها الإمام علي (عليه السلام) الذي تجسدت فيه صفات القائد الذي يذود بنفسه قبل غيره لمواجهة الفتن ، فلا يعود ألا بعد أن يطأ رأس الفتنة بقدمه ، وبعد أن يخمد لهب هذه النار بسيفه ، مكدوداً مجتهداً في ذات الله تبارك وتعالى .

أما موقف الفريق الثاني فقد بينته في قولها للأنصار والمهاجرين :

” وأنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون تتربصون بنا الدوائر، وتتوكفون الأخبار وتنكصون عند النزال ، وتفرون من القتال” [35].

فهم في رفاهية آمنون اعتماداً على جهد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن معه ، فلم يشتركوا لا بأنفسهم ولا بأهليهم ولا بأموالهم ، ولم يقفوا عند هذا الحد من التخاذل بل كانوا يكنون العداء لأهل البيت (عليهم السلام) ، ويتربصون بهم الدوائر ، يتوقعون الأخبار السيئة بهم ليفرحوا بها ، وقد كانت السيدة دقيقة في وصفها لمواقفهم موظفة من الألفاظ ما ينسجم وما كانوا عليه إذ استعملت لفظتي النكوص والفرار وكلاهما متقاربان في الدلالة ، مع وجود فروق دلالية بينهما ، إذ استعملت “النكوص” للدلالة على التراجع في المواجهة الفردية ، “والفرار” للدلالة على التراجع في حال اشتباك القوم جميعاً[36].

إن هذا التباين في المواقف بين التيارين ، كان مقدمة لما آلت اليه الأمور فيما بعد ، فتنصلهم من المسؤولية ، وتحاملهم على أهل البيت منذ ذلك الوقت جعل الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) يبادر في اختيار من يخلفه ممن تتوافر فيه مقومات القيادة والمسؤولية .

   إلا أن رحيله مكّن الفريق الثاني الذي عرف بالخمول والانزواء من الظهور لتحقيق دوافعهم الشخصية المتمثلة في السعي من أجل بلوغ السلطة ومعايشة الامبراطوريات المعاصرة كالرومانية والفارسية مدعين بأحقيتهم بمقام الحكم الذي كان هرماً للسلطة الدينية المتمثلة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والتي أطلق عليها لفظ الخلافة [37].  

   فقد شخصت السيدة الزهراء (سلام الله عليها) بعلمها وحكمتها المقدمات بكل حيثياتها ومعطياتها لتخبر بالنتائج التي ستقود إليها تلك المقدمات التي حددت بعضها في قولها :

” ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة مني بالخذلة [38]التي خامرتكم [39]، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ، ولكنه فيضة النفس ، ونفثة الغيض ، وخور القناة ، وبثة[40] الصدر ، وتقدمة الحجة ،

فدونكما فاحتقبوها [41]دبرة الظهر، نقبة الخف [42]، باقية العار، موسومة بغضب الجبار، وشنار[43] الأبد موصولة بـ :

 (نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ)[44] فبعين الله ماتفعلون .

( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)[45]  

 وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فاعملوا إنا عاملون ، وانتظروا إنا منتظرون “ [46] .

    ونظرت السيدة (عليها السلام) إلى المجتمع نظرة فاحصة فأدركت أن القرارات الخاطئة ، ووضع الأشخاص في غير مواضعهم ستنتهي بما لا يحمد عقباه من نتائج ، تقول (عليها السلام) :

أما لعمري لقد لقحت ، فنظرة ريثما تنتج ، ثم احتلبوا ملء القعب دما عبيطا ، وزعافاً مبيداً ، هنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون غب ما أسس الأولون ، ثم طيبوا عن دنياكم أنفسا واطمئنوا للفتنة جأشا ، وأبشروا بسيًف صارم ، وسطوة معتد غاشم ، وبهرج شامل ،واستبداد من الظالمين ، يدع فيئكم زهيدا ، وجمعكم حصيدا ، فيا حسرة لكم ، وأنى بكم ، وقد عميت عليكم (أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) “ [47].

لقد كانت نظرة السيدة الزهراء (عليها السلام) إلى الواقع الذي سيئول إليه المجتمع بسبب تخليه عن المرتكزات الأساسية ، نظرة فاحصة تجلت فيها إرهاصات الانهيار المجتمعي ، واستشعرت ما ستؤول إليه الأمور ، كنتائج حتمية للانحراف الفكري والسلوكي ، والتي أفقدت المجتمع حالة التوازن النسبي التي تنعم بها ردحاً من الزمن ، إذ عادت أعراف القومية تتسلل إلى كيان الأمة بعد أن انهارت وحدة العقيدة في الحياة الفكرية الإسلامية ، وانهار مقوم الأمة الإسلامية الذي حققه الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وحلت محله مفاهيم العصبية والإقليمية والعشائرية والمذهبية ، والتي أخذت تفرق بين أبناء المجتمع الواحد ، وسيطرت الأهواء والشهوات بعد أن اختفت الموازين الإسلامية .

  إن لاختيار الحاكم المناسب الذي تتوافر فيه مقومات النجاح والاستقامة وحسن الخلق الأثر الفاعل في تحديد مستقبل الدولة وسيرها نحو الأمام ، أو تراجعها وتفككها إذا ما كان مستبداً، فضلا عما سيعانيه المواطن من ظلم وقهر في ظل مثل هذه الحكومات ، وتشير الزهراء (عليها السلام) إلى ذلك بقولها :

 ” وابشروا بسيف صارم ، وسطوة معتد غاشم ، وبهرج شامل ، واستبداد من الظالمين ”  إن طاعة الناس للحكومات غير العادلة ، وتمكينها من الأعناق والمقدرات ، لا ينتج سوى الذل والانحطاط والبعد عن الله تعالى ؛ لأن تشريعاتهم لا تصدر إلا عن ميول دنيوية نفعية [48]، منشؤها الهوى ونهايتها وعاقبتها الفساد والتفكك .

   وهذا يتناقض مع ما جاء به الإسلام الذي قدم ” للبشرية نموذجاً من النظام المتكامل ، لا تجد مثله في أي نظام عرفته الأرض من قبل الإسلام ومن بعده ” [49]؛ فهو نظام عام يفرض العدالة والكرامة ، ويمنع الفوضى والتسلط الذي حذرت منه السيدة الزهراء (عليها السلام) ؛ لأنه يسعى إلى استقامة الحياة في المجتمع الإنساني ، ويعمل على حفظ العلاقات العامة بين أفراد المجتمع ، ويسمو به إلى الحياة الفضلى .

وقد ظهرت آثار ذلك على مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية ، فأفسدها مما أدى إلى ضعف مقومات المجتمع الإسلامي ، محولاً إياه إلى مجتمع ميت وأمة ميتة تتداعى عليها الأمم من كل مكان [50]. وأن أدلة ذلك واضحة عبر التاريخ ، وما مر به من أحداث أيام الدولتين الأموية والعباسية ، إذ أصبح نظام الحكم عربياً وليس إسلامياً ، وهذا يشكل تهديداً خطيراً لبنية المجتمع الإسلامي في دولة مترامية الأطراف[51].

هذا ما وعته السيدة الزهراء (عليها السلام) واستشرفت نتائجه قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة ، ليأتي علماء الاجتماع بعد هذه الفترة الطويلة ، ليبينوا أن للبعد السياسي أثر لا يستهان به في التغيير الاجتماعي ، مؤكدين أهمية العامل السياسي واعتبروه فرعاً من فروع علم الاجتماع واسموه (علم الدولة) ، وبحثوا فيه ممارسة الدولة لسلطاتها ، وأسلوب حكمها وعلاقة الطبقة الحاكمة بأفراد المجتمع ، ومدى مراعاة السلام والنظام داخل المجتمع إلى غير ذلك من الأمور التي تخص السلوك السياسي ، وعلاقة الحاكم بالمحكوم [52].

   إن هذه الحقيقة ثابتة شأنها شأن الحقائق الأخرى أياً كان لونها : ( علمية ، أدبية ، فلسفية ، دينية ) ، إلا أن الإيمان بها يزيد وينقص بحسب الشخص الذي يعتنقها ، ومدى عمق هذا الاعتناق للإيمان أو الابتعاد عنه ، فلا يستطيع العقل البشري أن يضيف إلى الحقائق شيئا أو ينقص من جوهرها شيئا ، ولكن يستطيع أن يجلو عنها الصدأ وأن يكشف الغطاء والضباب الذي يلفها وأن يصحح فهمه ، وهذا ما نفتقده في أوساطنا الإسلامية اليوم [53].

وهنا تأتي أهمية وعي الفرد في المجتمع المسلم بخطورة هذه الفتنة التي غرست بذورها منذ وقت مبكر وأتت أكلها في كل عصر ؛ لأنها تُراعى وتروى من قبل أعداء الأمة ؛ لذا ينبغي على كل فرد أن يتحرر من بودقة التقليد الأعمى ، وأن يتفكر ويبحث ليصل إلى الحقيقة التي يحاول الكثيرون إخفائها وتضليلها ، مع إنها واضحة جلية .

المحور الثاني : البعد الاجتماعي :

   لما كان (المجتمع الإنساني) يمثل حاجة نفسية للكائن البشري لا يمكنه الانعتاق منها في جميع الأحوال ، فلابد من وجود سلطة ونظام حكم يأخذ على عاتقه مهمة إدارة شؤونه ؛ لأن وجود أي مجتمع يعني وجود النشاط الاجتماعي المتعدد الوجوه في مختلف الميادين ، ووجود العلاقات الاجتماعية المعقدة ، وكل ذلك يتطلب وجود سلطة تنظم ذلك النشاط ، وتلك العلاقات ، كي لا يحصل تصادم بين مصالح الأفراد والجماعات ، وهنا تأتي أهمية استقامة نظام الحكم الذي يضع القوانين التي تنظم حياة الأفراد وتصون حقوقهم وتحدد واجباتهم ، وعليه فالحكم والدولة ضرورة اجتماعية لا يمكن التخلي عنها [54]، وإن أي انحراف فيها يؤدي إلى إحداث خلل في المنظومة الاجتماعية وتفكك لا تحمد عواقبه .

    إن الإدارة الجيدة للمجتمعات ما هي إلا ” نمط من أنماط القدرة ؛ لأنها تمثل شكلا من أشكال السيطرة والتحكم بالأجزاء الخاضعة ، سواء كانت قوى معنوية أو مادية .” [55] ، وهذه الإدارة قادرة على بسط الأمن وتحقيق العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع ، مما يجعل منها عنصراً إيجابياً يطبق المنظومة الخلقية الإسلامية [56].

أما خلاف ذلك فتكون السلطة مصدراً للاعتداء والظلم ومصادرة الحريات ، مما يقود المجتمع إلى منعطفات خطيرة تشير إليها الزهراء (عليها السلام) بقولها : ” وبهرج شامل ” ، إن غياب الأمن يقود ضعفاء الإيمان إلى سن قانون الغاب في التعامل مع أبناء مجتمعهم فتنتشر الفوضى والقتل والدمار ، وقد بينت الزهراء (عليها السلام) ذلك بقولها : ” وجمعكم حصيدا “، والذي تجلى فيما أصاب المسلمين من الضعف والتفكك ، وما ظهر عليهم من عوامل الانحراف ، إذ غاب عنهم التصور الشمولي للإسلام ، الذي كان منهجاً للحياة ودستوراً للناس والمجتمع ، وفيه علاج للمشكلات التي تعترضهم [57]، تقول السيدة الزهراء (عليها السلام):

” وتالله لو مالوا عن المحجة اللائحة وزالوا عن قبول الحجة الواضحة ، لردهم إليها وحملهم عليها ، ولسار بهم سيراً سجحاً [58][59].

  ولكنهم خالفوا أوامر القائد الذي يفرض الاستقرار ، ويبعدهم عن الفوضى ، فحل بهم ما حل بعد أن غادرهم ؛ لأنهم حاولوا إلغاء ما جاءت به الشريعة الإسلامية ، والعودة بالمجتمع إلى سابق عهده ، وقد كانت تشريعات الإسلام وقوانينه ضرورة ملحة تتطلبها الإنسانية المعذبة في المجتمعات الجاهلية .

   ولعلّ السبب في ذلك أن تلك المجتمعات كانت تعاني من الحكم الاستبدادي الذي لا يستشعر غير مصلحته الذاتية على مصلحة المجتمع التي قدمها الإسلام وأذاب فيها كل المصالح الشخصية بتطبيق معاني السمو والغنى التي تتضمنها قوانينه ، وتفعيل الروح التي تؤطر كل قرارات الفرد وأفعاله ، وتسيرها وفقاً لمقاييس الالتزام الإيماني التي تحكم النفس الإنسانية التي أراد الإسلام توحيد قواها لتواجه قضايا التطور الاجتماعي بمنهج قويم يهيئ بيئة صالحة تلتقي فيها الأرض بالسماء بتكامل شخصية الإنسان الذي يصبح فيها بحق خليفة الله في أرضه ، لاسيما وان الله تبارك وتعالى وضع شريعته وفقاً لطبيعته وإمكانياته ، وبما يضمن مصلحته في الدنيا والآخرة ، حتى أن العبادات التي أوجبها على العباد ضمنها منافع مستقبلية يجني العبد ثمارها في حياته وفي آخرته وهذا ما أشارت إله السيدة في بيانها لعلل التشريعات قائلة :

فجعل الله لإيمان تطهيراً لكم من الشرك ، والصلاة تنزيها لكم من الكبر ، والزكاة تزكية للنفس ونماءً في الرزق ، والصيام تثبيتاً للإخلاص ، والحج تشيداً للدين ، والعدل تنسيقاً للقلوب ، وطاعتنا نظاماً للملة وآماناً من الفرقة ، والجهاد عزاً للإسلام ، والصبر معونة على استيجاب الأجر ، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة ، وبر الوالدين وقاية من السخط ، وصلة الرحم منسأة في العمر ومنماة للعدد ، والقصاص حقناً للدماء …[60] .

    فالله سبحانه وتعالى قدر للعبد أكثر من أن يقدر له أي مقدر آخر بما يتناسب وحدود قدراته وبما يؤهله ليكون عنصراً بناءً للمجتمع الإنساني الذي تتحقق فيه رفعة الإنسان وبلوغ انسانيته المستوى الذي تتوازن فيه علاقته بنفسه من ناحية ، وعلاقته بمجتمعه من ناحية أخرى ، عن طريق تحقيق عنصر الانسجام الاجتماعي ، وقبل كل ذلك علاقته بخالقه ؛ ليحقق واقعاً تتوحد فيه نفسه مع مجتمعه بما أتاحت له الشريعة السمحاء من إمكانية التقريب بين القيم والمثل وبين الواقع المعاش بكل حيثياته [61].

   ولا يخفى أثر ما حدث على الأمة الإسلامية والمجتمع الإسلامي منذ ذلك الوقت ، إذ انقسمت إلى مذاهب لطالما تناحرت وتصارعت وذهب ضحيتها الكثيرون وعلى مرِّ العصور بين قتل واعتقال ونفي لا لشيء إلا لاختلاف المذاهب والتوجه ، واستُغلتْ هذه الفرقة من قبل أعداء الأمة الإسلامية الذين اتخذوها ذريعة ومدخلاً معبداً للاعتداء والإساءة والتهديم للمجتمعات الإسلامية في مختلف الأزمنة والأمكنة ، متلونة بألوان مختلفة وأسماء متعددة ، إلا أن الباعث واحد والغاية واحدة .

وتحقق ما رأته الزهراء (عليها السلام) فكل ما نراه اليوم من أحداث استشرفتها السيدة كأنها ماثلة أمامها ، إذ صورت المجتمع بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والذي بدت عليه عوامل الهدم والتقويض لمخالفتهم له ، والابتعاد عن جادة الصواب وسلب الحقوق من أصحابها . 

المحور الثالث : البعد الاقتصادي :

    إن التحول الشامل في المنظومة الفكرية التي جاء بها الإسلام شمل بكل تأكيد الجوانب الاقتصادية ، وهذا ما يدل عليه قول السيدة :  

“وأنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون” بعد أن كانت المجتمعات الجاهلية تعيش بطريقة أقرب ما تكون حيوانية ، نتيجة لتفشي الجهل والفقر والذل ، وقد وصفتها الزهراء (عليها السلام) بقولها في خطابها لهم :

كنتم ” تشربون الطرق ، وتقتاتون القد والورق ، أذلة خاسئين ” ؛ فطباعهم ليست طباعاً بشرية ، فقد كانوا يشربون “القد” وهي جلو الحيوانات [62]، ويشربون “الطرق” ، وهو ما يتجمع من ماء السماء في حفر صغيرة فتبول به الإبل وتبعر[63]، “حتى أن هذه الحيوانات لا تشرب من هذه الحفر، فأي مستوى من التردي و الانحطاط على المستويات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية كافة كان حال العرب قبل الإسلام”[64]؛ لذا أعقبت السيدة الزهراء (عليها السلام) كلامها ووصفها لحالهم بقولها :

فأنقذكم الله تعالى بأبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم” ، مشيرة بذلك إلى أن الحياة الكريمة التي عاشوها ثلاث وعشرين سنة سببها وجود النبي الأكرم بينهم ؛ لأنه مثل منهج الشريعة الإسلامية وطبقه كما أراد الله تبارك وتعالى ، قال تعالى : ((لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ  )) [65].                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                               

وقد راعى الإسلام كون حب المال جانباً فطرياً في الإنسان ، فلم يسمح بكبت هذا الجانب ووجهه الوجهة الصحيحة التي من شأنها أن ترتقي به في ضوء الاستعمال الصحيح للثروة ، وإنفاقها في مجالاتها المناسبة ، ويرى الإسلام أن الثروة وسيلة للتكامل وليست هدفاً ولا تعني امتيازا للإنسان[66]، إن أغلب النصوص القرآنية قرنت بين النفس والمال والولد لأهميته للفرد والمجتمع ، بل وجعلت له حرمة كحرمة النفس مما يستوجب حفظه[67] ، فأكد على وجوب حفظ التوازن والعدالة في توزيع الموارد المالية على أفراد المجتمع ، بما ينسجم وواقع الإنسانية ، ومن أهم قواعده الزكاة لما لها من أبعاد مستقبلية استشرفتها السيدة مبينة علة تشريعها في ضمن ما بينت من علل الشرائع في قولها :

والزكاة تزكية للنفس ونماءً في الرزق” ، بالنسبة لمنفقها ، فضلاً عن أثرها في توزيع الثروات بين أفراد المجتمع ، إذ جعل الله تبارك وتعالى في أموال الأغنياء حقاً للفقراء ؛ لتحقيق العدالة الاجتماعية .

وبذلك يتضح أن وجود الفقر والحرمان في المجتمعات هو نتيجة سوء التوزيع ، وفك عرى التلاحم بين الغني والفقير في المجتمع ، وهذا ما بينه الإمام علي (عليه السلام) بقوله :

إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء ، فما جاع فقير إلا بما متع به غني ، والله تعالى جده سائلهم عن ذلك [68].

   ومن الأمور التي أقرتها الشريعة الإسلامية الملكية الفردية (الخاصة) وحرمت الاعتداء عليها ، ووضحت طرق التملك وفرضت الالتزامات عليها ، ويدل على ذلك ما جاء في القرآن الكريم من سياسة أقام بها الاقتصاد الاجتماعي على المزج بين أصلين أساسيين :

الأول : الاعتراف بحقوق الفرد وعدم الحد من جهده في هذا السبيل ما دام يكسبه من حلال طيب لا إثم فيه ولا عدوان ، وهذا ما حاول النظام الرأسمالي تحقيقه ، والذي تبين أن اعتماده وحده لا يؤدي إلى إصلاح المجتمع ؛ لذا كان لابد من مزجه مع الأساس الثاني : الذي يقوم على تقرير حق المجتمع في كسب الفرد ووجوب التكافل بين أبناء الأمة الواحدة ، وهذا ما حاولت الشيوعية تحقيقه إلا أن اعتماده وحده أيضاً لا يؤدي إلى إصلاح المجتمع ، فكان لابد من المزج بين الأصلين لتحقيق التوازن بين حق الفرد والمجتمع ، وهذا ما جاءت به الشريعة الإسلامية في نظامها التكافلي عن طريق الحقوق المالية التي فرضتها على الأموال ، وغيرها من القوانين التي تضمن حق الطرفين ، وترسخ قيم التعاطف والتآخي بين أفراد المجتمع [69]؛ لأنها تدعو إلى العدالة في توزيع المواد المتاحة ، وتوجيه الرعية إلى التكافل الاقتصادي لدرجة تذويب الحدود الاجتماعية والاقتصادية بين الأفراد .

   إلا أن هذه القيم التي تؤدي إلى بناء مجتمعي أمثل قابلتها قيم مناقضة لها تؤدي إلى تقويض أركانه وهدمه ، وهذا ما أطلق عليه أحد الباحثين (صراع القيم) ،فـ” لما كانت القيم في أساسها متقابلة بين طرفين قد يتباعد أحدهما عن الآخر تباعداً شديداً يبلغ حد التضاد كالإيمان والكفر، والتقوى والفجور ، والصلاح والفساد ، والضلال والهدى والإسراف والتقتير ، والخير والشر ،… كان لابد من وقوع صراع بينهما ” [70]، ويتأتى هذا الصراع الأزلي بسبب غلبة الهوى في النفس الإنسانية على العقل والحكمة وانصياعها لوساوس الشيطان ، وما يأمر به من ارتكاب للمعاصي والآثام ، وسلوك طريق الباطل ، والاعتداء على حقوق الآخرين ، وهذا ما شهدته السيدة الزهراء (عليها السلام) ، عندما اغتصبوا حقها في الإرث ، وحق زوجها في الخلافة ممن كان أسيراً لـ (شهوة السلطان والمال) .  

   وهذا ما تراه الزهراء (عليها السلام) إذ قالت: “واستبداد من الظالمين ، يدع فيئكم زهيدا

وقد بينت السيدة أن سبب قلة الموارد المالية (فيئكم ) ، هو استبداد الظالمين واستئثارهم بتلك الموارد بسبب أنانيتهم وابتعادهم عن طريق الله تعالى ، وتقديمهم للمصلحة الشخصية على المصلحة العامة لغياب الوازع الديني ، وهذا بحد ذاته خروج عن سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولا يعني الالتزام بالسنة الاقتصار على العبادات والفرائض بل يجب على كل فرد أن يعرف طبيعة المعاملات المالية ، إذ إن المال ليس هدفاً بل هو وسيلة لتأمين الحياة الكريمة ، وهو أمانة الله عند عبده يمتحنه به ، ولكن أصحاب النفوس الضعيفة الذين جعلوا من المال هدفا يسعون إليه أسهموا في تحطيم المجتمع [71]، بما نشروه من الفساد والتسلط على رقاب الآخرين للوصول إلى الهدف المالي وبأي ثمن ، وهذا من أخطر الأمور ؛ لأنه يفتك بمفاصل الدولة ليس اقتصادياً فقط بل يوقف التطور في كل مجالات الحياة [72]، إن المال غالباً ما يكون سلاحاً ذا حدين فإن أحسن استعماله وتوظيفه خدمة لنفسه وصوناً لدينه ارتقى به إلى القمة ، وقد ينحدر بصاحبه في مزالق الشر والآثام وكان من أسباب الفتنة والهلاك [73]، وقد غاب عن بال أصحاب الدنيا ” إن تنسيق حركة الهدى مع حركة الهيمنة وتقدمها على حركة القدرة والسلطة قد يؤجل بسط الهيمنة المادية بعض الوقت، ولكنه سوف يفرض تصاعداً حتمياً مثمراً في الخط البياني لمسيرة الخطوط الثلاثة ، الأمر الذي يؤدي تحقيق هذا الهدف الإلهي العظيم …” [74] .

   وكل هذا لم يغب عن الزهراء (عليها السلام) إذ بينت أن الأطماع المادية ممكن أن تكون السبب الأول في انتشار الظلم والفساد الذي من شأنه أن يدني من القيمة الإنسانية للفرد ، ويوقف عجلة التطور بالنسبة للمجتمع .

وقد جاء تأكيد السيدة الزهراء (عليها السلام) على البعد الاقتصادي وما سيؤول إليه ؛ لأنه الموجه الأساس لحياة المجتمع ، والمسؤول الأول عن كثير من الإشكاليات والظواهر الاجتماعية ، فهو من أكثر العوامل أثراً في التطورات والأحداث التي تؤثر في المجتمع سلباً أو إيجاباً [75]

فهو المسؤول عن موارد الثروات ووسائل تنميتها وتداولها وتوزيعها واستهلاكها ، فضلاً عن العمل الذي يتمثل في مهارات الأفراد ودوافعهم ، وتوزيع الدخل بين الأفراد والجماعات [76].   

الخاتمة :

      تضمن البحث نظرة السيدة الزهراء (عليها السلام) الاستشرافية لما سيكون عليه مستقبل المجتمع ؛ لعدم التزامه بحدود الله وتعاليم نبيه الكريم وآل بيته (صلى الله عليهم وسلم أجمعين)، وتوصل البحث إلى نتائج نجملها بـ :

  1. لم تكن مقدمات الانحراف الفكري والعقائدي وارهاصاته التي ظهرت في عهد السول (صلى الله عليه وآله وسلم) غائبة عن السيدة الزهراء (سلام الله عليها) ، بل كانت على معرفة تامة بها ، إذ شخصتها  بعلمها وحكمتها وبينت نتائجها ، سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي .  
  2. عمدت السيدة الزهراء (عليها السلام) ، إلى تبليغ القوم وإلقاء الحجة عليهم فيما ستؤول إليه الأمور من  نتائج أفعالهم ، ومغبة ما يكنون من حقد وضغينة لشخص الإمام علي (عليه السلام) ، لاختياره لقيادة الأمة ، وتطبيق السياسة التي رسمتها الشريعة الإسلامية بمنهجها الشامل .
  3. بينت السيدة الزهراء (عليها السلام) في خطاباتها وضع العرب قبل الإسلام في الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعقائدية ، وما تبعها من تغير جذري على يد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، الذي أسس لبناء مجتمعي أمثل تتلاشى فيه تلك العقائد والسلوكيات المنحرفة التي وصفتها بدقة وبلاغة متناهية .
  •  مثلت السيدة الزهراء (عليها السلام) التيار الإصلاحي السياسي والاجتماعي في تاريخ المجتمع الإسلامي ، وتبعتها الدعوات والثورات الإصلاحية ، وما أعقبها من دعوات وقفت بوجه التيار المناقض ، والذي يضع المصلحة السلطوية والمادية هدفاً وغاية تنهار إزاءها المصلحة المجتمعية العليا والمتمثلة بالمنظومة العقائدية والقيمية والأخلاقية ، التي تشكل هوية المجتمع المسلم وتميزه عن غيره .
  • ضمنت السيدة الزهراء (عليها السلام) خطابها اقتباسات قرآنية ، جاعلة منها شاهداً لكلامها وحجة على المخاطبين ؛ لتنبههم لما غفلوا عنه . وهي بذلك تنطلق من الحقيقة الأزلية لكتاب الله الذي يعرض للقضايا المتعلقة بالإنسان سواء التشريعية أو العلمية أو الاجتماعية ، التي تناولها لكونها حقائق كلية صالحة لكل زمان ومكان ، إذ نجده يعرض لملاحم متكاملة تصور التيارات المتضادة في حياة البشرية والتي تمثل ثنائية الهدى والضلال والحق والباطل والخير والشر ، كما تضمن قواعد المنظومة الاجتماعية المتكاملة في حياة الفرد والمجتمع .

الهوامش :


[1] الاحتجاج : 1/133.

[2] آفاق حضارية للنظرية السياسية في الإسلام : 22

[3] ينظر : المجتمع الإسلامي منحنيات التغيير ورهان الأصالة  :2

[4] شرح الأخبار : 3/35، وبحار الأنوار: 29/ 236 .

[5] ينظر: حركة التاريخ وسننه عند علي وفاطمة (عليهما السلام) ، دراسة اسلامية معاصرة : 85 .

[6] مجمع البحرين : 5/ 235 .

[7] العين : 4/15 ، مادة (نهز) .

[8] ينظر :  لسان العرب : 5/421 (عجل) ، و11/462 (قبس) .

[9] ينظر : حركة التاريخ وسننه عند علي وفاطمة (عليهما السلام) ، دراسة اسلامية معاصرة : 86 ، 87 .

[10] الاحتجاج : 1/133 .

[11] ينظر : المجتمع الإسلامي منحنيات التغيير ورهان الأصالة  س : 5

[12] الحجرات : 14

[13] ينظر: آفاق حضارية للنظرية السياسية في الإسلام: 51 .

[14] سمل الثوب ُ: إذا أخلق ، الصحاح : 5/ 1732، والجلباب : الرداء ،والمعنى : انحسار المظاهر الدينية  .

[15] بحار الأنوار :36 /288 .

[16] المجتمع الإسلامي الحي : مقال .

[17] ينظر: ميزان الحكمة : 3/149 .

[18] ينظر : المجتمع الإسلامي منحنيات التغيير ورهان الأصالة :2

  [19] معرفة الصحابة : 1/162 .

[20] ينظر : النظم الإسلامية في إدارة الدولة وسياسة المجتمع : 121 .

[21] ينظر : الإسلام يقود الحياة : 13 .

[22] نظام الإسلام الحكم والدولة : 20 .

[23] ينظر : المجتمع الإسلامي منحنيات التغيير ورهان الأصالة : 7

[24] الاحتجاج : 2/ 30 .

[25] ينظر : أبعاد القيادة الستراتيجية وممارساتها : 151-154

[26]  بُهَمُ الرجال : شجعانهم ، البُهمة بالضم : الفارس الذي لا يُدْرى من أين يؤتى من شدة بأسه ،

     الصحاح :5 / 1875 (بهم) .

[27] نجم : ظهر ، وقرن الشيطان أمته وتابعوه ، تاج العروس : 18/443.

[28] فغر فاه : أي فتحه ، الفاغرة من المشركين : الطائفة منهم ، ينظر : الصحاح :2/782 (فغر).

[29] اللهوات بالتحريك : جمع لهاة : اللَهَنة المطبقة في أقصى سقف الفم ، المصدر نفسه : 6/2487 (لها) .

[30] ينكفئ : يرجع ، ينظر: الصحاح : 1/67(كفأ) .

[31] الصماخ : خَر ْق الأذن ، المصدر نفسه  : 1/426 (صمخ) .

[32] الأخمص : ما لا يصيب الأرض من باطن القدم . تاج العروس : 9/ 275 .

[33] الاحتجاج : 1/ 136.

[34] بحار الأنوار : 29 / 263 ، والخميص : عفيف البطن عن أموال الناس ، لسان العرب :7 / 30 (خمص) .

[35] المصدر نفسه : 1/ 136.

[36] ينظر : حركة التاريخ وسننه عند علي وفاطمة (عليهما السلام) ، دراسة اسلامية معاصرة : 96 ،97 .

[37] ينظر : المصدر نفسه : 106 ، 107 .

[38] الخذلة : ترك النصر، ينظر: الصحاح : 4/ 1683(خذل) .

[39] خامرتكم : خالطتكم ، ينظر المصدر نفسه : 2/605 (خمر).

[40] البثّ : الحال والحزن ، المصدر نفسه : 1/273 (بثث) .

[41] فاحتقبوها : فاحملوها على ظهوركم ، يقال احتقب فلان الإثم كأنه جمعه واحتقبه من خلفه ،

   المصدر نفسه :1/114 (حقب) .

[42] نقبة الخف : نقب خف البعير : رقّ وثقب ، ينظر : المصدر نفسه : 1/ 227 (نقب) .

[43] الشنار : العيب والعار ، المصدر نفسه : 2/702 (شنر).

[44] سورة الهمزة : 6-7 .

[45] سورة الشعراء :227 .

[46] الاحتجاج : 1/306 .

[47] صحيفة الزهراء (عليها السلام)  : 109

[48] ينظر : جدلية الحرية والعبودية : 98

[49] العدالة الاجتماعية في الإسلام : 75 .

[50] المجتمع الإسلامي الحي : مقال .

[51] المجتمع الإسلامي منحنيات التغيير ورهان الأصالة : 8

[52] ينظر : ميادين علم الاجتماع : 60 .

[53] ينظر : الفكر الإسلامي : 36

[54] ينظر : نظام الحكم والإدارة في الإسلام : 29 .

[55] أبعاد القيادة الستراتيجية وممارساتها : 94

[56] ينظر: المصدر نفسه : 97-98

[57] المجتمع الإسلامي المعاصر : 137

[58] سيراً سجحاً : أي سهلاً ، ينظر : الصحاح :1/372 (سجح).

[59] الاحتجاج : 1/305 .

[60] المصدر نفسه : 1/301 .

[61] ينظر : آفاق حضارية للنظرية الاسلامية : 23 ، 24 .

[62] ينظر لسان العرب : 3/ 344 ، مادة (قدد) .

[63] ينظر : المصدر نفسه : مادة (طرق) .

[64] حركة التاريخ وسننه عند علي وفاطمة (عليهما السلام) ، دراسة اسلامية معاصرة : 87 .

[65] التوبة : 128 .  

[66] ينظر : دور الفرد في الاقتصاد الإسلامي : 18-19

[67] ينظر : مقاصد الشريعة : 58 ، والفساد الإداري :11

[68] ينظر: أبعاد القيادة الستراتيجية وممارساتها : 83-84 ، شرح نهج البلاغة : 19/ 131

[69] ينظر : الفكر الإسلامي  : 105 ، 106 .

[70] ينظر: القيم الروحية في الإسلام : 426 .

[71] ينظر : الفساد الإداري : 18-19

[72] ينظر : المصدر نفسه: 16

[73] ينظر : مقاصد الشريعة :84

[74] الإمامة وأهل البيت النظرية والاستدلال :94

[75] ينظر :  الخدمة الاجتماعية والتغيير الاجتماعي : 366 .

[76] ينظر : ميادين علم الاجتماع ومناهج البحث العلمي : 62 .

المصادر والمراجع :

– القرآن الكريم .

–  آفاق حضارية للنظرية السياسية في الإسلام ، د. السيد محمد بحر العلوم ، معهد الدراسات العربية والإسلامية ، لندن ، 2000م ، 1421هـ .

– أبعاد القيادة الستراتيجية وممارساتها ، دراسة تحليلية لأحاديث وممارسات الإمام علي (عليه السلام) ، نازك نجم الربيعي ، مؤسسة آفاق للدراسات والأبحاث العراقية ، العراق ، ط1 ،2010م .

– الاحتجاج ، أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ، من علماء القرن السادس ، منشورات الشريف الرضي ، مطبعة شريعت ، ط 1 ، 1380هـ .

– الإسلام يقود الحياة ، الشهيد محمد باقر الصدر ، طبع دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ، 1990م .

– الإمامة وأهل البيت النظرية والاستدلال ، السيد محمد باقر الحكيم ، بيروت ، ط1 ،2003م .

– بحار الأنوار، العلامة المجلسي (ت1111هـ) ، مؤسسة الوفاء ، بيروت ، لبنان ، ط2 ، 1403 هـ ، 1983م .

– تاج العروس ، الزبيدي (ت1205هـ) ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، 1414هـ 1994م .

– جدلية الحرية والعبودية دراسة قرآنية في الدلالات والأبعاد ، جلال الدين الفارسي ، تعريب د. دلال  عباس ، ط1، بيروت ، 2009م .

– حركة التاريخ وسننه عند علي وفاطمة عليهما السلام دراسة إسلامية معاصرة ، السيد نبيل الحسني ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، ط1 ، 2009م .

– الخدمة الاجتماعية والتغيير الاجتماعي ، د. الفاروق زكي يونس ، عالم الكتب ، القاهرة ، 1978م . 

– دور الفرد في الاقتصاد الإسلامي ، السيد محمد باقر الحكيم ، ط1 ، النجف ، د.ت.

– شرح الأخبار ، القاضي النعمان المغربي ، (ت363هـ) ، تحقيق : السيد محمد الحسيني الجلالي ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة .

– شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ، تحقيق محمد إبراهيم ، بغداد ، ط1، 2007 م .

– الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ، اسماعيل بن حماد الجوهري (ت 398هـ) ، تحقيق : أحمد عبد الغفور عطار ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ط3، 1404هـ ، 1984م .

– صحيفة الزهراء (عليها السلام) ، إعداد الأستاذ أسعد عبود ، د.ط ، بيروت ،1998م .

– العدالة الاجتماعية في الإسلام ، سيد قطب ، طبع دار الشروق بيروت ، 1982 م .

– العين ، الخليل بن أحمد الفراهيدي ، (ت170هـ) ، تحقيق : د. مهدي المخزومي ، د.إبراهيم السامرائي ، مؤسسة دار الهجرة ، ط2 ، 1409هـ .

– الفساد الإداري في المنظور الإسلامي الجريمة المجهولة ، د. عباس كاشف الغطاء ، ط2، بيروت ،2010م .

– الفكر الإسلامي ، مبادئه ، مناهجه ،قيمه ، أخلاقياته، د.محمد الصادق عفيفي ، ط2 ، مطبعة الخانجي ،القاهرة ، 2009م .

– القيم الروحية في الإسلام ، أحمد فؤاد الأهواني ، مطابع شركة الإعلانات الشرقية ، القاهرة ، 1962 م .

– لسان العرب ، ابن منظور ، (ت711هـ) ، نشر أدب الحوزة ، قم إيران ، 1405هـ .

– المجتمع الإسلامي المعاصر دراسة في ضوء الكتاب والسنة ، د. محمد كاظم حسين الفتلاوي ، د.ط ، بيروت ، 2018م .

– مجمع البحرين ، الشيخ الطريحي (ت1085هـ) ، تحقيق : السيد أحمد الحسيني ، ط2 ، 1408هـ ، مكتب النشر الثقافة الإسلامية .

– معرفة الصحابة ، أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت430هـ) ، تحقيق : محمد حسن محمد حسن إسماعيل ، وسعد عبد الحميد السعدني ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان 0(د.ت) .

– مقاصد الشريعة الخاصة بالتصرفات المالية ، د. عز الدين بن زغيبة ،دبي ، ط1، 2001م.

– ميادين علم الاجتماع ومناهج البحث العلمي ، د. حسين عبد الحميد رشوان ، طبع المكتب الجامعي الحديث الاسكندرية ،1989م .

– ميزان الحكمة ، محمد محمدي ري شهري ، طبعة طهران ، مكتب الإعلام الإسلامي 1404هـ .

– نظام الإسلام الحكم والدولة ، محمد مبارك ، طبع طهران ، مطبعة سبهر ، 1404هـ . 

– نظام الحكم والإدارة في الإسلام ، الشيخ محمد مهدي شمس الدين ، المؤسسة الدولية للدراسات والنشر ، بيروت ، ط2 ، 1991م.

– النظم الإسلامية في إدارة الدولة وسياسة المجتمع ، د. محمد كاظم مكي ، دار الزهراء ، بيروت ، 1991م .

البحوث والدوريات

  • المجمع الإسلامي الحي ، د. محمد محمد بدري ، شبكة الألوكة ، 2017 .

www alukah . net                                                                           

  • المجتمع الإسلامي.. منحنيات التغيير ورهان الأصالة ، عبد الله موسى ، مجلة النبأ ، العدد 37 ، جمادي الثانية ، 1420هـ .

ملخص البحث

             استشراف المستقبل في فكر السيدة الزهراء (عليها السلام)                                                               

                                                        أ.د. جليلة صالح العلاق   وأ.م.د. زهراء نعمة السعدي                                                                                 

                                                                   جامعة الكوفة / مركز دراسات الكوفة    

أدى اختلاف الرؤى والاعتقاد إزاء الدعوة الإسلامية إلى ظهور تيار معادٍ من الطبق النفعية ممن يريد العودة بالمجتمع الى سابق عهده ، وقد انعكس ذلك على مواقفهم ومحاولاتهم لاستلام السلطة حتى تمكنوا ، وإن كان ذلك على حساب تعاليم الله وشرائعه التي بلغ بها رسوله (صلى

الله عليه وآله وسلم) ، وقد شخصت السيدة الزهراء (سلام الله عليها) واستشعرت نتائجها على الأمة على مختلف الأصعدة التي حاول البحث الوقوف عندها في محاور ثلاث تناولت :

( البعد السياسي ، والبعد الاجتماعي ، والبعد الاقتصادي) .

 سبقتها توطئة حول : المجتمع الإسلامي وتحديات التغيير .

 Research Summary

             Looking ahead in the thought of Mrs.  

                   Zahra (peace be upon her)

                                                        Prof. Jalila Saleh Al-Alaq and M.D. Zahraa Nehmeh Al Saadi

                                                                   University of Kufa / Center for Kufa Studies

He managed to reach the summit that I managed to reach, and this helped in achieving their goals and their attempts to shoot until they managed, and if so, and him),Lady Zahra (may God’s peace be upon her) diagnosed and sensed her results on the ummah at various levels, which the research attempted to address in three axes:

(The political dimension, the social dimension, and the economic dimension).

 It was preceded by a preface on: Islamic Society and Challenges of Change.