مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
  (دور الزهراء في مواجهة اساليب الجاهلية) / الباحثة ايثار نصير
+ = -

  (دور الزهراء في مواجهة اساليب الجاهلية)

الباحث: أيثار نصير

المقدمة:

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ابي الزهراء محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين .

   وبعد لاشك ان الحديث عن السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء “عليها السلام” مهما بلغ حدَّه ونوعه لايمكن ان يحيط بها ، وذلك لجهل الخلق عن معرفة قدرها.

    فهي مركز عطاء لاهل الارض جميعاً وان الحديث عن دورها في مواجهة الجاهلية يفتح لنا ابواباً كثيرةً من المعرفة بملابسات الزمان ، وما يحدث فيه من انحرافات فكرية وعقدية ، فأن دور الزهراء وقيامها التاريخي يثبت لنا ان الجاهلية ليست حكراً على زمان دون اخر ، ويثبت ان امكان الانحراف في الامة وارد ايضاً عندما تنحرف دفة القيادة عن اهلها الحقيقيين ان صح التعبير ، ان قضية مواجهة اساليب الجاهلية   

 يجب أن تكون واضحة وحاسمة في ضمير المسلم وألا يتردد في تطبيقها على واقع الناس في زمانه والتسليم بمقتضى هذه الحقيقة ونتيجة هذا التطبيق على الأعداء والأصدقاء! وما لم يحسم ضمير المسلم في هذه القضية، فلن يستقيم له ميزان ولن يتضح له منهج، ولن يفرق في ضميره بين الحق والباطل ولن يخطو خطوة واحدة في الطريق الصحيح وإذا جاز أن تبقى هذه القضية غامضة أو مائعة في نفوس الجماهير من الناس فما يجوز أن تبقى غامضة ولا مائعة في نفوس من يريدون أن يكونوا المسلمين وأن يحققوا لأنفسهم هذا الوصف العظيم ، فماذا يكون الموقف لو كان ذلك الشخص هو فاطمة الزهراء “عليها السلام” التي قال رسول الله ” صلى الله عليه واله وسلم” ،  لذلك ارتأينا ان يكون البحث على شكل مطالب:

المطلب الاول : معنى الجاهلية :


     الجاهلية في اللغة : مأخوذة من الفعل (جهل)، والجهل معناه: خلاف العلم  ، جاء في لسان العرب “الجَهْل نقيض العِلْم وقد جَهِله فلان جَهْلاً وجَهَالة وجهِلَ عليه وتَجَاهل أَظهر الجَهْل عن سيبويه الجوهري تَجَاهَل أَرَى من نفسه الجَهْل وليس به واسْتَجْهَله عَدَّه جاهِلاً واسْتَخَفَّه أَيضاً والتجهيل أَن تنسبه إِلى الجَهْل وجَهِل فلان حَقَّ فلان وجَهِلَ فلان عَلَيَّ وجَهِل بهذا الأَمر والجَهَالة أَن تفعل فعلاً بغير العِلْم ابن شميل إِن فلاناً لَجَاهِل من فلان أَي جاهِلٌ به ورجل جاهِلٌ” [1].

       وقال الزبيدي في معناها ” جَهِلَه كسَمِعَه جَهْلاً وجَهالَةً : ضِدُّ عَلِمَهُ . وقال الحَرالِيّ : الجَهْلُ : التَّقدُّمُ في الأُمور المُنْبَهِمَةِ بِغَير عِلْمٍ “[2].   وذكر الرازي ان “الجَهْلُ ضد العلم وقد جَهِلَ من باب فهِم وسلِم و تَجَاهَل أرى من نفسه ذلك وليس به و اسْتَجْهَلَهُ عدّه جاهلا واستخفه أيضا و التَّجْهِيلُ النسبة إلى الجهل و المَجْهَلةُ بوزن المرحلة الأمر الذي يحمل على الجهل ومنه قولهم الولد مجهلة و المَجْهَلُ المفازة لا أعلام فيها”[3].

    وقال الراغِبُ : ” الجهل على ثلاثة أضرب ، الأول : وهو خلو النفس من العلم ، هذا هو الأصل ، وقد جعل ذلك بعض المتكلمين معنى مقتضيا للأفعال الجارية على غير النظام . والثاني : اعتقاد الشئ بخلاف ما هو عليه . والثالث : فعل الشئ بخلاف ما حقه أن يفعل سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أو فاسدا كمن يترك الصلاة متعمدا ، وعلى ذلك قوله تعالى : ( قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) فجعل فعل الهزو جهلا ، وقال عز وجل   ( فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة ) والجاهل تارة يذكر على سبيل الذم وهو الأكثر وتارة لا على سبيل الذم نحو : ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ) أي من لا يعرف حالهم وليس يعنى المتخصص بالجهل المذموم”[4] .
         ويقول مؤلف “مجمع البحرين” في هذا الخصوص: إن ” الجاهلية : الحالة التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله ورسوله وشرائع الدين ، والمفاخرة بالآباء والأنساب ، والكبر والتجبر وغير ذلك . ومنه الحديث إذا رأيتم الشيخ يتحدث يوم الجمعة بأحاديث الجاهلية فارموا رأسه بالحصى”[5].

   ومما ورد في سبب تسميتها بالجاهلية قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إنَّما سُمِّيَتِ الجاهِلِيَّةُ لِضَعفِ أعمالِها ، وجَهالَةِ أهلِها . . . ، إنَّ أهلَ الجاهِلِيَّةِ عَبَدوا غَيرَ اللهِ ، ولَهُم أجَلٌ يَنتَهونَ إلى مُدَّتِهِ ويَصيرونَ إلى نِهايَتِهِ ، مُؤَخَّرٌ عَنهُمُ العِقابُ إلى يَومِ الحِسابِ ، أمهَلَهُمُ اللهُ بِقُدرَتِهِ وجَلالِهِ وعِزَّتِهِ ، فَغَلَبَ الأَعَزُّ الأَذَلَّ ، وأكَلَ الكَبيرُ فيهَا الأَقَلَّ “[6].

     وفي السياق نفسه ما ورد عن مسند ابن حنبل عن جعفر بن أبي طالب – فيما وَصَفَ بِهِ قَومَهُ لِلنَّجاشِيِّ مَلِكِ الحَبَشَةِ – : أيُّهَا المَلِكُ ، كُنّا قَومًا أهلَ جاهِلِيَّة ؛ نَعبُدُ الأَصنامَ ، ونَأكُلُ المَيتَةَ ، ونَأتِي الفَواحِشَ ، ونَقطَعُ الأَرحامَ ، ونُسيءُ الجِوارَ ، يَأكُلُ القَوِيُّ مِنَّا الضَّعيفَ ، فَكُنّا عَلى ذلِكَ حَتّى بَعَثَ اللهُ إلَينا رَسولاً مِنّا ، نَعرِفُ نَسَبَهُ وصِدقَهُ ، وأمانَتَهُ وعَفافَهُ ، فَدَعانا إلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ ونَعبُدَهُ ونَخلَعَ ما كُنّا  نَعبُدُ  نَحنُ وآباؤُنا مِن دونِهِ مِنَ الحِجارَةِ وَالأَوثانِ ، وأمَرَنا بِصِدقِ الحَديثِ ، وأداءِ الأَمانَةِ ، وصِلَةِ الرَّحِمِ ، وحُسنِ الجِوارِ ، وَالكَفِّ عَنِ المَحارِمِ وَالدِّماءِ ، ونَهانا عَنِ الفَواحِشِ ، وقَولِ الزّورِ ، وأكلِ مالِ اليَتيمِ ، وقَذفِ المُحصِنَةِ ، وأمَرَنا أن نَعبُدَ اللهَ وَحدَهُ لا نُشرِكُ بِهِ شَيئًا ، وأمَرَنا بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَالصِّيامِ . . . فَصَدَّقناهُ ، وآمَنّا بِهِ ، وَاتَّبَعناهُ عَلى ما جاءَ بِهِ ، فَعَبَدنَا اللهَ وَحدَهُ فَلَم نُشرِك بِهِ شَيئًا ، وحَرَّمنا ما حَرَّمَ عَلَينا ، وأحلَلنا ما أحَلَّ لَنا ، فَعَدا عَلَينا قَومُنا فَعَذَّبونا وفَتَنونا عَن دينِنا ، لِيَرُدّونا إلى عِبادَةِ الأَوثانِ مِن عِبادَةِ اللهِ ، وأن نَستَحِلَّ ما كُنّا نَستَحِلُّ مِنَ الخَبائِثِ”[7].

    ومما ورد عن امير المؤمنين “عليه السلام ” في حديثه عن نبوة النبي “صلى الله عليه واله وسلم” ودوره في اصلاح المجتمع قال : ” بعثه والناس ضلال في حيرة . وخابطون في فتنة . قد استهوتهم الأهواء ، واستزلتهم الكبرياء ، واستخفتهم الجاهلية الجهلاء حيارى في زلزال من الأمر ، وبلاء من الجهل . فبالغ صلى الله عليه وآله في النصيحة ، ومضى على الطريقة ، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة”[8].

      وفي خطبة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء “عليها السلام” التي القتها في مسجد ابيها على مسامع اصحابه ، لما غُصب حقها تبين لنا معالم الجاهلية بشكل بليغ وجلي ” وكنتم على شفا حفرة من النار ، مذقة الشارب ونهزة الطامع ( الفرصة التي ينتهزها) وقبسة العجلان ( مثل في الاستعجال) ، وموطئ الأقدام (مثل للمغلوبية والمذلة)  تشربون الطرق ( ماء السماء الذي تبول به الابل وتبعر ) وتقتاتون القد ( جلد غير مدبوغ يُقد ) أذلة خاسئين ، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم ، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله ، وبعد أن مني ببهم

الرجال وذؤبان العرب ، ومردة أهل الكتاب ، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ، أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه”[9]

    وقد حاول البعض ان ينفي كل هذه التفاسير والتوضيحات في معنى الجاهلية بل البعض اراد ان يشن حملة على الاسلام من خلال هذا المصطلح ، وان الاسلام اراد ان يسد الثغرات الموجودة فيه بحسب ادعائهم فاطلق لفظ الجاهلية على العصور التي سبقته ، لانهم كانوا اصحاب علم وقد اقتبس الاسلام بعض احكامه من تلك المجتمعات ، وفسر بعضهم  الجاهلية بانها تعني  الحمية والغضب .

       فقد ذكر الغروي في موسوعة التأريخ الاسلامي ان “من مصاديق الحمية الجاهلية ما حاوله البعض أن يحرف في معنى الجاهلية من معنى عدم العلم وفقدان المعرفة لديهم إلى أنها من الجهل بمعنى الحمية والغضب ، كما قد يقال : جهل زيد على عمرو بمعنى غضب عليه ، وأنها ليست من الجهل بمعنى عدم العلم والمعرفة . وهذا التوجيه ليس – كما قلنا – إلا مصداقا من مصاديق الحمية الجاهلية ، فإن الظاهر من إطلاق الجهل ليس إلا بمعنى ما يقابل العلم والمعرفة ، ولا تحمل على معنى الحمية والغضب إلا مجازا بقرينة ما ، كما فيما يستشهدون به من قولهم جهل عليه ، فإن تعدية الجهل إلى المفعول بلفظة ” على ” أجلى قرينة لفظية لذلك ، وإلا فلا تحمل الكلمة إلا على ما يقابل العلم فقط “[10] .

      واذا اردنا ان نناقش الذين اعترضوا على هذه التسمية ، فنقول ان العرب العرب قبل الاسلام صحيح ان فيهم ميزات وخصال وافعال قد اقرها وبعضها هذبها ، بل هم اصحاب فصاحة وبلاغة حتى ان بعض الصحابة كانوا يفسرون بعض ايات القران بالشعر العربي الذي نصطلح عليه بالجاهلي ، فما المانع من ذلك ، ولكن ان تقولوا ان الاسلام اراد ان يسد النقص الذي فيه فنعت من سبقه بالجاهلية ، فهذا هو من لسان من عارض افعالهم الاسلام بتعاليمه ومثله السامية.

المطلب الثاني : امكان اسقاط الجاهلية في كل زمان ومكان وعدم محدوديتها.

       لقد صرَّح القران الكريم بالتحذير من العودة الى الجاهلية في مواضعٍ عدِّة قال تعالى : {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ }آل عمران144.

       ففي هذه الاية تحذير للمسلمين من عدم الرجوع الى الجاهلية بعد ذهاب النبي “صلى الله عليه واله وسلم” ، وقال تعالى :  {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى }الأحزاب33 وفي هذه الاية المباركة ايضاً تحذير من النكوص الى زمن الجاهلية الاولى .

         وقد وردت رويات كثيرة تُشير الى ان الجاهلية ليست محصورة بزمن ما قبل الاسلام من ذلك قول النبي “صلى الله عليه واله وسلم” : ” بعثت بين جاهليتين ، لأخراهما شر من أولاهما”[11] ، وقوله “صلى الله عليه واله وسلم” : ” إن الايمان بدأ غريبا ، وسيعود كما بدأ”[12].

      وقوله “صلى الله عليه واله وسلم” : ” من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية”[13]، ففي صحيحة الحرث بن المغيرة قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : قال رسول الله (ص): من مات لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ؟ قال : “نعم” ، قلت : جاهلية جهلاء أو جاهلية لا يعرف إمامه ؟ قال : جاهلية كفر ونفاق وضلال[14].

     وكما يتبين فإن الإمام الصادق (ع) وصف عصر الجاهلية بثلاث صفات هي الكفر والنفاق والضلال. وهذه الصفات الثلاث التي توضح مفهوم الجاهلية في الحديث المذكور، تبين أهم ملامح وسمات العصر الجاهلي

     اذاً الجاهلية غير محصورة بزمان معين ، (وقد بين القران الكريم ان الجاهلية ليست فترة زمنية انتهت بطلوع شمس الاسلام بل هي حالة اجتماعية تتردى اليها الامة وينتكس اليها المجتمع كلما اعرض عن شريعة الله سبحانه)[15]. قال تعالى {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }المائدة50 . والاية 33 من سورة الاحزاب التي مرَّ ذكرها دليل على امكان حصول جاهلية ثانية ، ” ان البشرية تعيش اليوم جاهلية جديدة وان تسمى بعضهم بالاسلام …. بل جمعت جاهلية اليوم مساوئ الجاهليات القديمة كلها “[16].

      وكما يُقال انها اخذت السابق وزيادة ففي عصرنا ” القوي يأكل الضعيف واللواط يُسن بقانون رسمي يُجيزه ويرتضي الزواج بين الذكرين”[17] ، بل ان الدول التي اقرت هذه القوانين تعتبرها انجازاً عالمياً في تحقيق الحرية والعدالة!! , وتخرج شعوبهم مؤيدة ومشجعة!!  “والزنا يفوح برائحته الكريهة وهمجيته الحيوانية وامراضه الفتاكة كالايدز ونحوه في كل ارجاء العالم والبخس في الميزان منتشر بجميع اشكاله ليس على مستوى الافراد فقط بل على مستوى الدول فلايوجد انصاف في العلاقات بين المجتمعات البشرية وهو ما يسمى بمصطلح – الكيل بمكيالين – …. والالهة التي تُعبد من دون الله قد تعددت ولم تعد مقتصرة على الحجرية منها فقط بل ما زالت الذهنيات الشيطانية تتفتق عن المزيد وشياطين الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول ويصدون عن صراط الله المستقيم)[18]  { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }الأعراف16-17 .

      فضلا عن الذين يصدون عن سبيل الله ويقطعون طرق العفاف بوجه الخلق امثال الفاسقات اللائي نصبن فخوخ الفتنة والغواية والفنانين الذين لاهم لهم الا نفث السموم الخلقية التي تفتت المجتمع وتجعله يعيش الحياة البهيمية .

    اذا الجاهلية لايحدها زمان ولامكان فهي متى توفرت ظرفها ضربت امواجها البشرية الا من عصم الله .

المطلب الثالث : فضل السيدة الزهراء “عليها السلام” ومنزلتها:

     ان الحديث عن السيدة الزهراء “عليها السلام” خارج عن قدرة القلم واللسان ، وكيف ذلك وهي التي لايوجد لها كفء على وجه الارض لولا وجود امير المؤمنين “عليه السلام” ، لذلك فأن للزهراء “عليها السلام” مقامات عالية ورفيعة لايمكن لعقولنا القاصرة ان تدركها سوى انها تحوم حول هذا النور العظيم لتقتبس منه النزر اليسير واختصاراً للمقام ، نحاول ان نقف على تلك المنازل العظيمة التي حُفيت بها الصديقة الطاهرة عند خالقها وابيها والائمة من ذريتها والعلماء والصالحين:

   اولاً: مقامها”عليها السلام”عند الله تعالى:

        لقد نالت الزهراء (عليها السلام) مقامات عالية عند خالقها ، فقد روى الصدوق في علل الشرائع عن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) قال : ” سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : انّما سميت فاطمة ( عليها السلام ) محدثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء تناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول : يا فاطمة انّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ، فتحدثهم ويحدثونها قالت لهم ذات ليلة : أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران ؟ فقالوا : ان مريم كانت سيدة نساء عالمها وان الله عزّ و جل جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين”[19]

      ومن المقامات التي خصت بها فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) “هو مقام الرضا أي إن الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ، حيث جاءت الكثير من الروايات الشريفة المأثورة عن الرسول وأهل بيته ( عليهم السلام ) لتؤكد هذه المنقبة العظيمة للصديقة الشهيدة”[20]. عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ” يا فاطمة إن الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك”[21] وهذا مما يدل على كونها ذو مقام عالي وشريف سامي لها عند الله تعالى ، إذ لا معنى أن يرضى الله لشخص من دون أن يكون له عند الله منزلة وكرامة عليه.

     ومن المقامات الاخرى للزهراء “عليها السلام”  عند الله تعالى هو مقام الشفاعة ، فقد ورد عن النبي الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : ” يا فاطمة أبشري فلك عند الله مقام محمود تشفعين فيه لمحبيك وشيعتك فتشفعين”[22].

      ومن مقاماتها ( عليها السلام ) هو مقام علة الايجاد أي أنها كانت علة الموجودات التي خلقها الباري عز وجل وكما ورد في الحديث الذي يقول فيه الباري عز وجل : ” يا أحمد ! لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا علي لما خلقتك ولولا فاطمة لما خلقتكما”[23].

    وإن أفضل مقام تعطى فاطمة”عليها السلام”: يوم القيامة هو مقام الشفاعة الكبرى والذي من خلال هذه المنزلة يظهر قدر ومقام فاطمة عند الله تعالى يوم القيامة وأمام الخلائق جميعاً، فلقد ورد… “فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت فيقول الله عزوجل :   : يا بنت حبيبي ارجعي     فانظري من كان في قلبه حب لك أو لأحد من ذريتك خذي بيده فأدخليه الجنة. قال أبو جعفر {عليه السلام{، والله ـ يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء . فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا فإذا التفتوا فيقول الله عز وجل : يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي ؟ فيقولون: يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم ؛ فيقول الله : يا أحبائي ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة، انظروا من أطعمكم لحب فاطمة انظروا من كساكم لحب فاطمة، انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة، انظروا من ردّ عنكم غيبة في حب فاطمة، خذوا بيده وأدخلوه الجنة . قال أبو جعفر عليه السلام: ـ والله ـ لا يبقى في الناس إلا شاك أو كافر أو منافق، فإذا صاروا بين الطبقات، نادوا كما قال الله تعالى: { فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم}الشعراء100-101 فيقولون {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }الشعراء102. “[24].

 ثانياً: مكانتها عند رسول الله “صلى الله عليه واله وسلم” :

      كانت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) قد حلّت في أوسع مكان من قلب أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووقعت في نفسه الشريفة أحسن موقع.

     ولم يكن ذلك منبعثاً من العاطفة الأبوية فحسب، بل كان الرسول ينظر إلى ابنته بنظر الإكبار والإجلال ، وذلك لما كانت تتمتع به السيدة فاطمة من المواهب والمزايا والفضائل، ولعله (صلى الله عليه وآله) كان مأموراً باحترامها وتجليلها فما كان يَدَعُ فرصة أو مناسبة تمرّ به إلاّ وينوّه بعظمة ابنته، ويشهد بمواهبها ومكانتها السامية عند الله تعالى وعند الرسول (صلى الله عليه وآله).

    فقد كان يوصي “صلى الله عليه واله وسلم” امته بتعظيم الولد للوالد في حين ان النبي”صلى الله عليه واله وسلم” فعل شيئاً بضد ما امر به امته عن الله تعالى، وهذا ان دل على شيء فهو يدل على عظمة الزهراء “عليها السلام”.

   فقد كان (صلى الله عليه وآله) مأموراً باحترامها وتجليلها فما كان يَدَعُ فرصة أو مناسبة تمرّ به إلاّ وينوّه بعظمة ابنته، ويشهد بمواهبها ومكانتها السامية عند الله تعالى وعند الرسول (صلى الله عليه وآله).

      وبهذه الأحاديث الآتية – الصحيحة عند الفريقين – يمكن لنا أن نطّلع على المزيد من الأسباب والعلل التي كوّنت في سيدة النساء تلك القداسة والعظمة والجلالة.

     فقد روى البخاري في صحيحه أَن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ” فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد ءء”[25].  وروى مسلم النيسابوري في صحيحه قول النبي (صلى الله عليه وآله) : “انما فاطمة بضعة منى يؤذيني ما آذاها”[26].

    وروى الاميني في الغدير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “يا فاطمة ؟ إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك”[27].

     وروى الشيخ الصدوق في خصاله قول رسول الله صلى الله عليه وآله : “أفضل نساء أهل الجنة أربع : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون”[28].وغير هذه الاحاديث ورد الكثير في حق فاطمة “عليها السلام” ولكنَّا اعرضنا عنها رعاية للاختصار.

ثالثا : مقامها وحجيِّتها على الائمة :

     لما كانت علّة الخلق هي عبادة اللّه تعالى لقوله : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) الذاريات 56 ، فانّ العبادة لا تتم إلا بمعرفته تعالى ، ومعرفته لا تتم إلا برسله وأوليائه ، إذ هم حججه على العباد في كل زمان فهم الطريق اليه والمسلك إلى سبيله[29].

     عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) . . . قال : ” انّما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنّا وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه ، ثبت أن له سفراء في خلقه ، يُعبّرون عنه إلى خلقه وعباده ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم ، وما به بقاؤهم وفى تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبرون عنه جلّ وعزّ وهم الأنبياء ( عليهم السلام ) وصفوته من خلقه ، حكماء مؤدبين بالحكمة ، مبعوثين بها ، غير مشاركين للناس على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب في شيء من أحوالهم ، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان ممّا أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين ، لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علمٌ يدلّ على صدق مقالته وجواز عدالته “[30].

فالحجّة اذن هو الدليل إلى الله تعالى يُحذّر به عباده وينذرهم ويهديهم ، فمقام الحجية إلهي تصل بوساطته العلوم الإلهية اللدنيّة إلى عباده ، وإذا كان أهل البيت ( عليهم السلام ) حجج الله على خلقه فانّ أمّهم فاطمة حجة الله عليهم ، وهي ما صرّحت به رواية العسكري ( عليه السلام ) : ” نحن حجة الله على الخلق ، وفاطمة ( عليها السلام ) حجّة علينا “[31]

        ويشهد لهذا المعنى “كثير غيرها ، ممّا يمكن أن يستشهد له بطوائف أخرى متواترة معنوياً ، من قبيل روايات ترتّب خلقة أنوارهم ( عليهم السلام ) ، ومن قبيل روايات أنّ أحد مصادر علوم الأئمّة مصحف فاطمة ( عليها السلام ) ، ومن قبيل أنّها أوّل مصاديق القُربى الذين لهم ولاية الفيء والأنفال ، وأنّها الشاهد شهادة لدنية بصدق النبوّة في آية المباهلة لمشاهدتها عياناً حقيقة النبوّة . . . وغير ذلك من الآيات والروايات مفادها أنّ الزهراء وإن لم تكن نبيّاً وإماماً إلاّ أنّها حجّة وواسطة علمية للأئمّة ( عليهم السلام ) من ذريتها ، أي أنّها مصدر من مصادر علومهم”[32].

      كل ما اسلفناه يبين عظمة هذه المرأة الجليلة التي هي امتداد لعطر النبوة المحمدية .

المطلب الرابع : دور الزهراء “عليها السلام” في مواجهة اساليب الجاهلية:

     بطبيعة الحال فأن ما تقدم ذكره يبين عظمة الزهراء (عليها السلام) ، وعليه يترتب حجم الاثار التي تجري على يدها لجلالة قدرها وعظيم منزلتها ، فأن تصدي امرأة تحمل هذه الصفات والخصوصيات لجدير بأن تنهل منه الاجيال الى يوم القيامة ، فهي امتداد طبيعي لتبليغ رسالة السماء التي حملها ابوها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، لانه قد يحاول البعض ممن ظلم الزهراء (عليها السلام) ان يذر الرماد في العيون ، ليتصرف بذهنية الجاهلية الاولى فيمتهن المرأة ودورها في الاصلاح ، ونقصد بمن ظلم الزهراء هو امتداد الخط من يومها (عليها السلام) الى يومنا هذا ، ليقول انه لايمكن الوقوف عند مواقف السيدة الطاهرة لانها امرأة ، فيكون الجواب حاضراً بأن الزهراء (عليها السلام) ليست امرأة فحسب بل هي حجة الله على الخلق بل على المعصومين من ذريتها وكفى .

      فمن الطبيعي ان حجم الاصلاح الذي مارسته (عليها السلام) له ابعاد تنهل منها البشرية على طول الطريق لقد تصدت السيدة الطاهرة لكل اساليب الجهل التي ضربت اطناب المجتمع بعد فقد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، قال تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ }آل عمران144.

     فكانت مواجهتها لاساليب الجاهلية في ميادين عدّة :

 الاول: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر:

      هو سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء، وهو فريضة عظيمة، بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحل المكاسب، وترد المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر، كما عبر عنه القران الكريم وأئمة أهل البيت(عليهم السلام) في أحاديثهم الشريفة، وهو من أعظم الواجبات التي تجب على الإنسان، سواء في زمن ال البيت (عليهم السلام) ام في هذا الزمان حيث عمت الفتن وفشت الضلالة ، قال  تعالى:(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) سورة آل عمران الآية 104، وقوله عز وجل:(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) سورة آل عمران الآية 110، وقوله سبحانه وتعالى:(المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر…) سورة التوبة الآية: 71، إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التي تحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين(عليهم السلام):

    عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قوله:(ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ولم يوقر كبيرنا، ولم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر)[33]

وعن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) قال:(قوام الشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)[34].

     وان لترك هذه الفريضة العظيمة نتائج سلبية على الفرد والمجتمع ، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله):(لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم)[35].

        وقيل لرسول الله(صلى الله عليه وآله) أتهلك القرية وفيها الصالحون؟ قال:( نعم) قيل: بم يا رسول الله؟ قال:(بتهاونهم وسكوتهم عن معاصي الله).[36]

       لذلك فأن اهل البيت هم اوضح مصداق على تطبيق القوانين الالهية ، وقد وردت أوصاف الذين يُمَكّنون في الأرض في عدة آيات منها قوله تعالى  (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج/41)

        ففي ذيل الاية اشارة الى هذه الفريضة المباركة في صورة التمكين للمؤمنين ،”وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر فلم يتركوا أهل المنكر يفعلون ما يشاؤون بل وعظوهم وزجروهم واتخذوا الإجراءات الكفيلة “[37] ، الا ان الزهراء (عليها السلام) لم تترك هذه الفريضة حتى في حال عدم التمكين ، وهو اوضح مصاديق الثبات والاخلاص والشجاعة لهذه الأمرأة العظيمة التي هزَّت عروش الظالمين.

     ولم يجاملوا أو يداهنوا كما يفعل الكثير من المتصدين اليوم تحت عناوين مخادعة كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني وفصل الدين عن الدولة والحداثة والعصرنة والتقدم و[38]نحوها من الخدع والأباطيل[39]

     فالصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ترشد الامة بان البركات تتحقق بوحدتهم خلف قيادتهم الحقة وطاعتهم لها والتجرد عن الاهواء والتعصبات والانفعالات والتحزّبات والانانيات، وبذلك يحبطون خطط المستكبرين في استضعاف الناس من خلال تمزيق وحدتهم  وجعلهم جماعات وأحزاباً ويضرب بعضهم بعضاً، قال تعالى (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً)(القصص4) اي فرقاً مختلفة فيفقدون قوتهم في صراعاتهم الداخلية ويسهل استضعافهم لانهم لم يقيموا الدين في حياتهم وتخاذلوا على تطبيقه وتركوا فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً)(الروم32) (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ)(الأنعام65) .[40]

      وتبين السيدة الزهراء عليها السلام، ان حركة الامة نحو وراثة الارض والتمكين فيها لابد ان يقف على راسها القائد الجامع للشروط قالت (عليها السلام) في خطبتها على نساء المهاجرين والأنصار وهي تذكر بركات اتباعهم أمير المؤمنين (عليه السلام) (ولأوردهم منهلاً  -وهو محل ورود الماء- نميراً –الماء العذب السائغ النامي للجسد- صافياً روياً -كثير- فضفاضاً -واسعاً- تطفح ضفتاه، ولا يترنّق –لا يتكدر- جانباه، ولأصدرهم بطاناً –أي أرجعهم مرتوين مملوئين- ونصح لهم سراً وإعلاناً (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) (الأعراف96) (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ )(الزمر51) .[41]

ثانياً : العفاف : ان العفاف الذي اتصفت به الزهراء (عليها السلام) ليس فقط ما هو متعارف عند النساء من عفة الشرف بل اتصفت بانواع اخرى منه :

أ : عفة النساء : ومن جملة التعاليم الإسلامية التي كانت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) تهتم بها غاية الاهتمام، هي المحافظة على شرف المرأة وحفظ كيانها عن طريق الحجاب والتستر، فالزهراء تعلم أن ملايين الفضائح والجرائم والمآسي تأتي عن طريق السفور والتبذّل والخلاعة والاختلاط، المسمىّ في زماننا هذا بالحرية والتقدم!

     ويكفي دليلاً على ذلك ما تكتبه الجرائد والمجلات التي تصدر يومياً وأسبوعياً في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية وهي تتحدث عن عدد الضحايا التي تقدّمها الحضارة!.. والتقدم! والحرية! ، وكذلك ما تنشره وتتحدث به وسائل الاعلام الاخرى من فضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي من سلوكيات يندى لها الجبين ، فضلاً عن الاعلام الذي يروج للتهتك والخلاعة والسلاح الابرز فيها هو المرأة المتهتكة!.

        ولا ننس أن معشار هذه الفجائع والمآسي ما كانت تحدث للمرأة المسلمة يوم كانت تؤمن بالحجاب والعفاف والحياء، يوم كانت تؤمن بالحلال والحرام، يوم كانت تأبى وتستنكف أن ينظر إليها رجل أجنبي واحد، فكيف أن تجعل جسمها ورأسها ووجهها محلاًّ لأنظار المئات بل الألوف من الرجال الأجانب، على اختلاف أديانهم وأهوائهم، فقد روي عن ابي عبد الله (عليه السلام) ” قال : أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على النساء أن لا ينحن ولا يخمشن ولا يقعدن مع الرجال في الخلاء”[42]

     ولما ضاعت المفاهيم والقيم سقطت المرأة المسلمة إلى حيث سقطت وبلغ بها الأمر إلى ما بلغ!.

     وإليك إعجاب الرسول (صلى الله عليه وآله) بكلام ابنته الطاهرة العفيفة فاطمة الزهراء حول المرأة، وتصديقه لها، وتقديره لرأيها:

روي عن أنس بن مالك “قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما خيرٌ للنساء؟ فلم ندرِ ما نقول، فسار عليُّ إلى فاطمة فأخبرها بذلك، فقالت: فهلاّ قلت له: خير لهن أن لا يرين الرجال ولا يرونهن، فرجع – علي إلى رسول الله – فأخبره بذلك، فقال النبي.. صدقت إنها بضعة مني”[43].

الرواية بصورة أخرى: عن علي (عليه السلام) أنه قال لفاطمة: ما خير النساء؟ قالت: لا يرين الرجال ولا يرونهن، فذكر ذلك للنبي فقال: إنما فاطمة بضعة مني.

     وذكر ابن المغازلي في مناقبه عن علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام) “أن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) استأذن عليها أعمى فحجبته فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله) لم حجبتِه وهو لا يراك؟ فقالت: يا رسول الله إن لم يكن يراني فأنا أراه وهو يشمّ الريح، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أشهد أنكَ بضعة مني”[44].

ب-العفاف الفكري [45]: لم يكن العفاف مقتصراً على شرف المرأة فقط بل هو يتعدى الى ابعد من ذلك بل انه –شرف المرأة-  يرتكز على مقدمة اخرى من العفاف ويكون ناتجاً عنها وهو صحة الافكار التي تحملها المرأة وتجنبها ما هو منحرف منها ، وبطبيعة الحال فأن الزهراء تتربع على رأس العفاف الفكري ، بل هي منبعه ، وكيف لا وقد تغذت من معين النبوة الالهية ، وما احوجنا اليوم الى العفاف الفكري ، وان ما دعوى العولمه اليوم بحاجة الى وقفة امعان وحذر فهي عولمة للفكر المنحرف الذي يبيح نظام الغاب القوي يأكل الضعيف ، ولكن بغطاء الرحمة والرأفة وحقوق الانسان!! .

     فينبغي معرفة أن الفكر والعقيدة المبتنية عليها العولمة الإسلامية هي العقيدة التي تتلاءم مع فطرة الإنسان ، والمنبعثة من الفكر الصحيح القائل بوحدانية الله خالق الإنسان ، وبعدله تعالى في خلقه ، وببعث الرسل إليهم مع منهاج السماء أولهم آدم ( عليه السلام ) وخاتمهم رسول الإسلام محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وبتعيين أئمة يحفظون منهاج السماء أولهم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وآخرهم المهدي ( عجل الله تعالى فرجه ) الذي وعد الله تطبيق العولمة الإسلامية على يديه ، وتعميمه على سطح الكوكب ، وبالمعاد في يوم القيامة للحساب والجزاء والفوز بالجنة ، أو الخسارة في جهنم والعياذ بالله”[46] . قال الله تعالى : * ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) 

  • العفاف السياسي :

      في الغالب يتركز العفاف او ان انصراف الذهن يكون نحو شرف المرأة وحفاظها على الحجاب الشرعي بينما تغيب الفكرة الجوهرية بالنسبة للعفاف الفكري الذي يكون نتاجه العفاف في الشرف ويتبعه أمور أخرى منها العفاف السياسي .

    كالذي نشهده اليوم من تخلّي الكثيرين ممن وصل إلى السلطة عن أهدافهم وشعاراتهم …. حتّى آل الأمر إلى هذا الواقع التعيس الذي يعاني منه الكثيرون،  وهذا كفر عظيم بالنعمة[47]

     وما احوجنا اليوم الى هذا الدرس الفاطمي ونحن تفوح عندنا رائحة تزكم الانوف بسبب الطمع السياسي فكثير منا لايحكم الله في ما يقدم من تضحيات ، بل يريد الثمار كلها في الدنيا حتى ولو على حساب الاخرين ، بل حتى لو على حساب المستضعفين ، فاصبح الكثير منهم مصداقاً لقول امير المؤمنين (عليه السلام) في شقشقيته  “يخضمون مال الله خضمة الابل نبتة الربيع”[48].

     في حين ان الزهراء (عليها السلام) عندما رأت ان القوم مصرون على غصب حقها واستلاب نحلتها ظلماً وعدواناً ، لم تُقدم على حرق الأخضر واليابس كما يفعل اليوم أصحاب السياسة خصوصاً في بلداننا ، فيحرقون العباد والبلاد من اجل مصالحهم لا مصالح الإسلام او الوطن او الانسان بشكل عام ، في حين انها (عليها السلام) قالت حسبي الله

ثالثاً : اقامة حكم الله تعالى :

     وردت في احاديث شريفة عديدة عن النبي (صلى الله عليه واله) قوله : (ان لكل شيء حقيقة)[49] , وهذه الحقيقة تمثل روح ذلك الشيء ومفهومه الفعلي ومحتواه الذي يتقوم به ولا تتحقق للشيء مصداقية الابه ، ولايكون الشيء بدون هذه الحقيقة الا عبارة عن شكل وظاهر بلا محتوى ، فالصلاة لها حقيقة وهي المناجاة مع الله تبارك وتعالى والارتقاء إليه والانتهاء عن الفحشاء والمنكر، وتنقص قيمة الصلاة وحقيقتها بمقدار خلوّها من هذه الحقيقة [50]، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ” من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بُعداً”[51] .

     وأهم تلك العناوين التي يجب أن نتأكد من وجود حقيقتها هو الإيمان بالله تبارك وتعالى لأنه أصل الدين وأساس الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة

   وقد بينت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ما تكتمل به حقيقة الإيمان، قال تعالى: [فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً] (النساء : 65(

             لذا فإن الآية الكريمة تؤكد على أن الإيمان الحقيقي يكتمل بثلاثة عناصر:-[52]

1-  الرجوع إلى شريعة الله تعالى التي بلّغها رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومون (عليهم السلام) ومن بعدهم العلماء العاملون المخلصون.

2- أن يسلّموا بتلك الأحكام ويذعنوا إليها ويؤمنوا بها سواء أدركوا المصلحة فيها وعرفوا أسرار تشريعها أو لم يدركوا ذاك، وأن لا يشعروا بالحرج والضيق إذا عاب أحد عليهم هذه الأحكام.

3- أن يلتزموا بتلك الأحكام ويطبقوها في حياتهم من دون تبعيض وانتقائية للأحكام التي توافق رغباتهم وأهوائهم ومصالحهم.

      إن السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) حينما قامت بأمر الله تعالى في وجه الانحراف والظلم وطالبت بحقها في فدك وحاججتهم بآيات المواريث إنما أرادت أن تنطلق من هذا الحكم المتعلق بالأحوال الشخصية إلى مطلب أوسع وأعظم وهو إقامة شريعة الله تعالى في الأرض وعلى رأسها اتباع الإمام الحق والقيادة الصالحة المصلحة المتعيّنة بامير المؤمنين (عليه السلام)، والقوم قد فهموها هكذا؛ لذا أرادوا قطع الطريق من أوله على مشروع السيدة الزهراء[53].

       يقول ابن أبي الحديد المعتزلي في أمر فدك: “وسألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد –وهو من علماء العامة- فقلت له: أكانت فاطمة عليها السلام صادقة؟ قال نعم. قلت: فلِمَ لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة؟ فتبسّم ثم قال: لو أعطاها اليوم فدك    بمجرد دعواها لجاءت إليه غداً وادعت لزوجها الخلافة، وزحزحته عن مقامه، ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشيء؛ لأنه يكون قد أسجل على نفسه أنها صادقة في ما تدعي كائناً ما كان من غير حاجة إلى بينة ولا شهود. قال ابن أبي الحديد: وهذا كلام صحيح[54].

      وهذا ما يقوم به الأعداء على طول التأريخ منذ أن صدع النبي (صلى الله عليه وآله) بالدعوة الإسلامية المباركة فيعملون على إجهاض كل حركة لإيقاظ الناس وتفعيل دور الدين في حياة الأمة ويسعون لإبقاء الأغلال التي تكبّل الأمة ويحيطون الحركة بالتشويه والتسقيط والشبهات كما حصل اليوم في مواجهة الكثير من القوانين الالهية التي تُسن سواء في العراق ام في غيرها من الدول العربية [55].

     لقد كانت الصديقة الطاهرة (عليها السلام) حازمة وصريحة في وعظهم وتحذيرهم بأنهم يعودون إلى جاهليتهم الأولى إذا خالفوا حكم الله تعالى، قالت (عليها السلام) في خطبتها: (وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون؟ أفلا تعلمون؟ بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته)[56].

          فتذكرهم (عليها السلام) بقوله تعالى: [أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ] (المائدة:50)

رابعاً : العلم والهداية :

        من سمات الجاهلية هو جهل المرأة بعلوم عصرها فضلا عن غيرها بسبب النظرة الدونية لها ومنعها من حقوقها ، وعدم المعرفة بمناهل العلم النقية ، في حين ان الزهراء (عليها السلام) ضربت مثالاً شاخصاً للعلم النافع الى يومنا هذا ، فنحن اليوم رغم التحرر الذي تعيشه المرأة وتوفر منافذ العلم الا اننا نجد الاعم الاغلب من النساء والرجال ايضاً قد فرطوا بهذه الفرص واخذوا يلهثون على اشياء زائلة نتيجتها الخواء من العلوم والمعارف ، في حين ان الزهراء (عليها السلام)  كانت تلتهم العلوم الربانية من ذلك النبع العذب الزلال، وتمتص رحيق الحقيقة من مهبط الوحي، فيمتلئ قلبها الواعي الواسع بأنواع الحكمة، ويساعدها عقلها الوقّاد، وذكاؤها المفرط على فهم المعاني ودرك المفاهيم، وحفظ المطالب على أتمّ وجه وأكمل صورة فلقد سمعتْ من أبيها الرسول الأقدس (صلى الله عليه وآله) الكثير من العلوم، وتعلّمت منه القدر الغزير من الأحكام والأدعية والأخلاق والحِكَم فقد جاء في البحار في كتاب العلم عن تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ” قال: حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فقالت: إن لي والدة ضعيفة وقد لبس – أي: اشتبه – عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليك أسألكِ، فأجابتها فاطمة (عليها السلام) عن ذلك، فثنّت (أي: جاءت مرة ثانية أو سألت) فأجابت (الزهراء)، ثم ثلثت إلى أن عشرت (أي: جاءت مرة عاشرة أو سألت) فأجابت، ثم خجلت من الكثرة فقالت: لا أشقّ عليكِ يا ابنة رسول الله.

     قالت فاطمة: هاتي وسلي عما بدا لكِ، أرأيت من أكتُرِيَ (أي استؤجِر) يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل، وكراه (أي أجرته) مائة ألف دينار يثقل عليه؟ فقالت: لا، فقالت: أكتُريتُ أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أن لا يثقل عليَّ سمعت أبي (صلى الله عليه وآله) يقول: إن علماء شيعتنا يُحشرون، فيُخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجِدّهم في إرشاد عباد الله حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف حلّة من نور، ثم ينادي منادي ربنا عز وجل: أيها الكافلون لأيتام محمد (صلى الله عليه وآله) الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم، فاخلعوا عليهم خلع العلوم في الدنيا، فيخلعون على كل واحد من أولئك الأيتام – كمن يُخلع عليه مائة ألف خلعة، وكذلك يخلع هؤلاء الأيتام على من تعلّم منهم، ثم إن الله تعالى يقول: (أعيدوا على هؤلاء العلماء الكافلين للأيتام، حتى تتموا لهم خلعهم، وتضعّفوها لهم، فيتمّ ما كان لهم قبل أن يخلعوا عليهم ويضاعف لهم، وكذلك من يليهم ممن خلع على من يليهم).

       ثم قالت فاطمة (عليها السلام): (يا أمة الله إن سلكةً من تلك الخِلَع لأفضل مما طلعت عليه الشمس ألف ألف مرة) “[57].

 د- الرؤية الواضحة والتطبيق الصحيح لمبادئ الاسلام:

   فأن سمات الجاهلية فساد التصورات وانحراف الرؤية للحياة فمثلاً كان بعض الجاهليين يرفضون تزويج بناتهم من غيرهم لانهم يرون انفسهم فوق الآخرين وهم ما يُسمَّون بـ(الحُمُس) [58].

     في حين ان السيدة الطاهرة (عليها السلام) تقدم لها اغنى اغنياء العرب ، لكن السماء قدّرت ان لايوجد كفئ للزهراء الا علي (عليه السلام) وقد كان يعيش روح الاسلام ، ببساطة عيشه وزهده عن الدنيا ، فكان رضى الزهراء (عليها السلام) ، بعلي هو اختيار لدينه وعقيدته لاطمعاً بمال ولا جاه.

       وفي جاهلية اليوم توجد شرائح كثيرة ولعل اوضح مصاديقها بعض السادة المنتسبين لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فانهم لا يزوجون نسائهم الا لسيد مثلهم وقد تعنّس بناتهم ويفوتها الزواج وتحرم من ممارسة حق مشروع لها في التنعم بتكوين اسرة وتعيش سعادة الامومة كل ذلك بسبب هذا التصور الخاطئ الجاهلي فاين هذه التصورات من مبادئ القرآن (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) (النساء1) ، ومن تعاليم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ” : إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير” [59] ، واذا كان لهم شرف بانتسابهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فان شرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بانتسابه للاسلام ولطاعة الله تعالى وليس لانه محمد بن عبد الله (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)الزمر65  (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ ، لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) الحاقة44-47)  ، ويقول هو (صلى الله عليه وآله وسلم): “ولو عصيت لهويتُ”[60] فما قيمة هؤلاء الذين يتاجرون باسمه (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم يخالفون شريعته ؟[61]

   النتائج:

  1. ان السيدة الزهراء (عليها السلام) ومواجهتها لتحديات عصرها هو حجة على جميع الخلق ، الة عصرنا وما بعده ، لما نالته من مقامات ساميه عند الله ورسوله والائمة من ذريتها .
  2. ان الزهراء (عليها السلام) تصدت لكل اشكال الجاهلية بشكل عملي ولم تكتفي بالقول.
  3. ان الجاهلية ليست حكراً على زمان دون زمان بل هي فكر يضرب المجتمع انى اخلد الى الانحراف والانحلال.

  المقترحات:

  1. على المجتمع الاستفادة من كنوز الزهراء(عليها السلام) ، باعطاء سيرتها مجالاً واسعاً في الحوزات العلمية والجامعات وبالتالي انعكاسها على المجتمع .
  2. ما المانع ان يخصص قسم يعنى بالثقافة الفاط[62]مية الاصيلة ، خصوصاً في الجامعات العراقية وبالأخص في الكليات التي تحمل عنواناً اسلامياً ، ككلية الفقه ، او الكليات التي هي للنساء فقط ككليات التربية للبنات ، فتخرج لنا اعداداً لايُستهان منها من النساء العفيفات الطاهرات.
  3. ينبغي ان تصبح سيرة الزهراء(عليها السلام) قضية عالمية ، فعلى معرفتها دارت القرون الأولى ، وتكميم افواه هؤلاء أصحاب الفضائيات الذين لم يعرفوا من قضية الزهراء الا نحلتها فينهالون بالسب والشتم الى ان أججوا الطائفية والحقد وحجموا دور الزهراء (عليها السلام) فلماذا لايكون طرح قضيتها على الأجيال التي لم تعاصرها وفق النظام الإلهي قال تعالى ” اللهم اغفر لقومي فأنهم لايعلمون” ، فأن في المجتمع المسلم فئة كبيرة من المنصفين ، وان الهدف من الاستخلاف هو اعمار الأرض وهداية الخلق ، فأين نحن من هذه الأهداف.

هوامش البحث


 

[1] لسان العرب ، ابن منظور  ، الوفاة : 711 ، سنة الطبع : محرم 1405 ، الناشر : نشر أدب الحوزة: 11/ 129

[2] تاج العروس ، الزبيدي ، الوفاة : 1205 ، تحقيق : علي شيري ، سنة الطبع : 1414 – 1994م ، المطبعة : دار الفكر – بيروت ، الناشر : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت ، 14/129.

[3] مختار الصحاح ، محمد بن أبي بكر الرازي ، الوفاة : 721 ، تحقيق : ضبط وتصحيح : أحمد شمس الدين ، الطبعة : الأولى , سنة الطبع : 1415 – 1994 م , الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان ، ص 68. 

[4]   المفردات في غريب القرآن ، الراغب الأصفهاني ، الوفاة : 425 ، الطبعة : الثانية ,سنة الطبع : 1404 ، الناشر : دفتر نشر الكتاب ، ص102.

[5] مجمع البحرين ، الشيخ فخر الدين الطريحي ، الوفاة : 1085 ، الطبعة : الثانية ، سنة الطبع : شهريور ماه 1362 ش ، المطبعة : چاپخانهء طراوت ، الناشر : مرتضوي: 5/346.

[6] موسوعة العقائد الإسلامية ، محمد الريشهري ، تحقيق : مركز بحوث دار الحديث ، الطبعة : الأولى ، سنة الطبع : 1425 – 1383ش ، المطبعة : دار الحديث ، الناشر : دار الحديث للطباعة والنشر : 1/399-400 .

[7] المصدر السابق : 1/400.

[8] نهج البلاغة ، خطب الإمام علي ( ع ) ، الوفاة : 40 تحقيق : شرح : الشيخ محمد عبده ، الطبعة : الأولى ، سنة الطبع : 1412 – 1370 ش ، المطبعة : النهضة – قم ، الناشر : دار الذخائر – قم – ايران : 1/186.

[9] الاحتجاج ، للطبرسي : 1/135-136.

[10] موسوعة التاريخ الإسلامي الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي ، الطبعة : الأولى ، سنة الطبع : ربيع الثاني 1417 ، المطبعة : مؤسسة الهادي – قم ، الناشر : مجمع الفكر الإسلامي :1/75

[11] معجم أحاديث الإمام المهدي ( ع ) ، الشيخ علي الكوراني العاملي ، تحقيق : إشراف : الشيخ علي الكوراني العاملي ، الطبعة : الأولى ، سنة الطبع : 1411 ، المطبعة : بهمن ، الناشر : مؤسسة المعارف الإسلامية – قم :1/44.

[12] المصدر السابق : 1/71.

[13] تفسير أبي حمزة الثمالي ، أبو حمزة الثمالي ، الوفاة : 148 ، تحقيق : أعاد جمعه وتأليفه : عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين / مراجعة وتقديم : الشيخ محمد هادي معرفة ، الطبعة : الأولى ، سنة الطبع : 1420 – 1378 ش ، المطبعة : مطبعة الهادي ، الناشر : دفتر نشر الهادي : ص80.

[14] ينظر : مجمع الفائدة ، المحقق الأردبيلي ، الوفاة : 993 ، تحقيق : الحاج آغا مجتبى العراقي ، الشيخ علي پناه الاشتهاردي ، الحاج آغا حسين اليزدي الأصفهاني ، الطبعة : الأولى ، سنة الطبع : ذي الحجة 1414 ، المطبعة : مؤسسة النشر الإسلامي ، الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة : 12/299.

[15] ثلاثة يشكون (شكوى القرآن) ، محمد اليعقوبي :51

[16] ينظر : المصدر السابق : 51.

[17] شكوى القران :51

[18] شكوى القران :51

[19] علل الشرائع ، الصدوق :183.

[20] الأسرار الفاطمية ، محمد فاضل المسعودي تحقيق : تقديم : السيد عادل العلوي , الطبعة : الثانية ، سنة الطبع : 1420 – 2000 م ، المطبعة : أمير – قم ، الناشر : مؤسسة الزائر في الروضة المقدسة لفاطمة المعصومة (ع) للطباعة والنشر – رابطة الصداقة الإسلامية : ص97.

[21] موسوعة أحاديث أهل البيت ( ع ) , الشيخ هادي النجفي الطبعة : الأولى ، سنة الطبع : 1423 – 2002 م ، المطبعة : دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت – لبنان ، الناشر : دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت – لبنان :1/190.

[22] الأسرار الفاطمية ، محمد فاضل المسعودي تحقيق : تقديم : السيد عادل العلوي , الطبعة : الثانية ، سنة الطبع : 1420 – 2000 م ، المطبعة : أمير – قم ، الناشر : مؤسسة الزائر في الروضة المقدسة لفاطمة المعصومة (ع) للطباعة والنشر – رابطة الصداقة الإسلامية : ص97.

[23] مجمع النورين ، ابو الحسن المرندي :14. والاسرار الفاطمية ، فاضل المسعودي:18.

[24] بحار الأنوار , العلامة المجلسي ، الوفاة : 1111 ، تحقيق : يحيى العابدي الزنجاني ، الطبعة : الثانية المصححة , سنة الطبع : 1403 – 1983 م , الناشر : مؤسسة الوفاء – بيروت – لبنان :8/52. وينظر : صحيفة الزهراء

[25] صحيح البخاري ، البخاري , الوفاة : 256 ، سنة الطبع : 1401 – 1981 م , الناشر : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع :4/210.

[26] صحيح مسلم , مسلم النيسابوري ، الوفاة : 261 , الناشر : دار الفكر – بيروت – لبنان :7/141.

[27] الغدير , الشيخ الأميني ، الوفاة : 1392 ، الطبعة : الرابعة , سنة الطبع : 1397 – 1977 م ، الناشر : دار الكتاب العربي – بيروت – لبنان :3/180.

[28] الخصال ، الشيخ الصدوق ، الوفاة : 381 ، تحقيق : تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاري , سنة الطبع : 18 ذي القعدة الحرام 1403 – 1362 ش , الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة :206.

[29] ينظر: مقامات الزهراء (ع) في الكتاب والسنة  ، محمد السند , تحقيق : بقلم السيد محمد علي الحلو ، الطبعة : الثانية ، سنة الطبع : 1424 – 2003 م , الناشر : دار الغدير / قم : ص19.

[30] الكافي ، الشيخ الكليني ، الوفاة : 329 ، تحقيق : تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاري , الطبعة : الخامسة ، سنة الطبع : 1363 ش ، المطبعة : حيدري , الناشر : دار الكتب الإسلامية – طهران :1/168.

[31] مقامات فاطمة الزهراء في الكتاب والسنة ، محمد السند :20.

[32] الإمامة الإلهية , المؤلف : تقرير بحث الشيخ محمد السند لسيد بحر العلوم ، تحقيق : تقرير بحث الشيخ محمد السند لصادق الشيخ محمد رضا الساعدي , الطبعة : الأولى , سنة الطبع : 1427 – 2006 م , الناشر : منشورات الإجتهاد – قم :2-3/517.

[33] مشكاة الأنوار في غرر الأخبار ، علي الطبرسي , الوفاة : ق 7 , تحقيق : مهدي هوشمند , الطبعة : الأولى , سنة الطبع : 1418 ، المطبعة : دار الحديث ، الناشر : دار الحديث :293 . وينظر : مستدرك الوسائل ج12 ص185.

[34] ميزان الحكمة :3/1940.

[35] وسائل الشيعة ( آل البيت ) ، الحر العاملي ، الوفاة : 1104 ، تحقيق : مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث ، الطبعة : الثانية ، سنة الطبع : 1414 , المطبعة : مهر – قم ، الناشر : مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث بقم المشرفة : 16/118.

[36] جامع السعادات , المؤلف : ملا محمد مهدي النراقي ، الوفاة : 1209 ، تحقيق : تحقيق وتعليق : السيد محمد كلانتر / تقديم : الشيخ محمد رضا المظفر , الطبعة : الرابعة ، المطبعة : مطبعة النعمان – النجف الأشرف , الناشر : دار النعمان للطباعة والنشر: 2/180.

[37] الخطاب الفاطمي السنوي العاشر الذي القاه سماحة المرجع اليعقوبي دام ظله على جموع المعزّين بذكرى استشهاد الصديقة الزهراء (عليها السلام) يوم 3/ج2/1436 المصادف 24/3/2015

[38]

[39] الخطاب الفاطمي السنوي العاشر الذي القاه المرجع اليعقوبي على جموع المعزّين بذكرى استشهاد الصديقة الزهراء (عليها السلام) يوم 3/ج2/1436 المصادف 24/3/2015

[40] ينظر: المصدر السابق.

[41] ينظر: المصدر السابق.

[42] مكارم الأخلاق ، الشيخ الطبرسي ، الوفاة : 548 ، الطبعة : السادسة ، سنة الطبع : 1392 – 1972 م ، الناشر : منشورات الشريف الرضي :233.

[43] شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي ، الوفاة : 1411 , تحقيق : تعليق : السيد شهاب الدين المرعشي النجفي ، الناشر : منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي – قم – ايران :10/224.

[44] مناقب علي بن أبي طالب ( ع ) ، ابن المغازلي ، الوفاة : 483 , الطبعة : الأولى , سنة الطبع : 1426 – 1384 ش , المطبعة : سبحان , الناشر : انتشارات سبط النبي (ص) :289-290.

[45] هذه الفكرة مأخوذة من محاضرات القاها الشيخ حاتم الحسناوي في ذكرى استشهاد الزهراء 13جماد الاولى 1438, بعنوان العفاف الفكري والعفاف السياسي السيدة الزهراء (عليها السلام) أنموذجاً ، (+مدونتي الخاصة)

[46] فقه العولمة ، السيد محمد الحسيني الشيرازي ، الوفاة : 1422 ، الطبعة : الأولى ، سنة الطبع : 1423 – 2002 م ، المطبعة : مؤسسة الفكر الإسلامي , الناشر : مؤسسة المجتبى للتحقيق والنشر :

[47] ينظر : الخطاب الفاطمي السنوي العاشر الذي القاه سماحة المرجع اليعقوبي دام ظله على جموع المعزّين بذكرى استشهاد الصديقة الزهراء (عليها السلام) يوم 3/ج2/1436 المصادف 24/3/2015

[48] نهج البلاغة :1/35.

[49] الوافي ، الفيض الكاشاني ، الوفاة : 1091 ، تحقيق : عني بالتحقيق والتصحيح والتعليق عليه والمقابلة مع الأصل ضياء الدين الحسيني « العلامة » الأصفهاني ، الطبعة : الأولى ، سنة الطبع : أول شوال المكرم 1406 ه‍ . ق 19 / 3 / 65 ه‍ . ش ، المطبعة : طباعة أفست نشاط أصفهان ، الناشر : مكتبة الامام أمير المؤمنين علي (ع) العامة – أصفهان :1/73.

[50] ينظر : خطاب المرحلة ، الشيخ اليعقوبي ، الطبع  : دار الصادقين ، سنة الطبع 2014- 1435، النشر : دار الصادقين – النجف الاشرف : 8/439.

[51] ميزان الحكمة , محمد الريشهري , تحقيق : دار الحديث ، الطبعة : الأولى ، المطبعة : دار الحديث , الناشر : دار الحديث :2/1628.

[52] ينظر : خطاب المرحلة :8/441-442.

[53] ينظر : خطاب المرحلة :8/443.

[54] شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد الوفاة : 656 ، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ، سنة الطبع : 1962 م ، الناشر : دار إحياء الكتب ، العربية – عيسى البابي الحلبي وشركاه :16/284.

[55] ينظر : خطاب المرحلة :8/444.

[56] الاحتجاج ، الشيخ الطبرسي ، الوفاة : 548 ، تحقيق : تعليق وملاحظات: السيد محمد باقر الخرسان ، سنة الطبع : 1386 – 1966 م ، الناشر : دار النعمان للطباعة والنشر – النجف الأشرف :1/138.

[57] بحار الانوار ، العلامة المجلسي , الوفاة : 1111 ، الطبعة : الثانية المصححة ، سنة الطبع : 1403 – 1983 م ، الناشر : مؤسسة الوفاء – بيروت – لبنان :2/3.

[58] شكوى القران:61

[59] وسائل الشيعة :20/77.

[60] الإرشاد ، الشيخ المفيد ، الوفاة : 413 ، تحقيق : مؤسسة آل البيت (ع) لتحقيق التراث ، الطبعة : الثانية , سنة الطبع : 1414 – 1993 م , الناشر : دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت – لبنان : 1/182.

[61] ينظر: شكوى القران :63