مصابٌ جللٌ وقعَ في المدينة المنورة في بيت الزهراء فاطمة البتول وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما، بعد اغتيال وشهادة أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، على أثر جريمة نكراء نفذت من قبل معارضين اجتمعوا غيلة في (سقيفة بني ساعدة).
وصفت بيانات العترة الطاهرة هذا ” المصاب الفجيع” ب” أصل يوم العذاب”، وبأوصاف أخرى أشارت إلى عظم الضّرر الذي أنهك بدن الطاهرة الزهراء وأرهقها حتّى الموت.
أنبأ سيد الأنبياء والرسل محمد (صلى الله عليه وآله ابنته) فاطمة بما سيحل عليها وعلى بعلها وبنيها، وما سيقع على دارها من قبل قوله: (إنكم قتلى ومَصارِعكم شتّى) و( .. كأنّي بها ” فاطمة” وقد دخل الذلّ بيتها، وانتُهكتْ حرمتها، وغُصب حقّها، ومُنعتْ إرثها، وكُسر جنبُها، وأسقطتْ جنينها) (..فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي).
وجاء أيضا دعاء “صنمي قريش” ببعض مما جرى في هذا الهجوم المباغت ، منها(وبطنٍ فتقوه، وضلعٍ كسروه، وصكٍّ مزّقوه).
ولقد طال عزاء وبكاء عليّ أمير المؤمنين وإمام المتقين صلوات الله وسلامه عليه ، على البتول “فاطمة” صلوات الله وسلامه عليها فقال بهذا التعبير المؤلم : (أُخلِست الزهراءُ ) أي ماتت موتًا بطيئًا لشدة الضرب الذي تعرضت له ، كما جاء على لسان الإمامين الصادق والكاظم صلوات الله عليهما نفس هذا المعنى (أنها ماتت من الضرب) و(فاطمة صديقة شهيدة).
فأي “العذاب” هذا الذي كان علة وراء موت سيدة نساء العالمين صلوات الله عليها ، حيث لم يذكر ويسجَّل في سيرة أئمة أهل البيت أحدا تعرض لمثل هذا الضرب المبرح العنيف حتى الموت كما سُجِّل في سيرة وظلامة جدتهم فاطمة (صلوات الله عليها) وعليهم أجمعين .. ضرب عنيف على الرأس وضرب على الأضلاع ، ورفس بالأقدام ، وعصر بين الباب والجدار، وجَلد بالسوط على عضدها حتّى صار في جسدها كالدملج ، ومسمار غرس في صدرها الطاهر حتى أسقطت محسنًا، ونّار في هذه الأثناء تسعَر وتسفعُ في وجهها النوراني سجرها حول دارها أكثر من ٣٠٠ مهاجم .
وصفع على الوجه حيث قال زعيم المقتحمين لدار الزهراء (دخلت فأقبلتْ إليَّ بوجه أغشى بصري، فصفقت صفقة على خديها من ظاهر الخمار فانقطع قرطها وتناثر إلى الأرض..).
فكم ألم أوجعوك به يا أم الحسنين، يا أعظم سيدة في الكون كله، يا من رضاها من رضا الله تعالى وبعد كل هذا العذاب ، وقع عليها ما هو أعتى وأمر، إذ اضطرت على أثره صلوات الله عليها للخروج من بيتها ، وهي تجر خلفها آلامها وعذاباتها للدفاع عن بعلها يعسوب الدين صلوات الله عليه ونصرته من يد أعدائه الذين سحبوه من داره عنوة ، بعد أن كانوا بالأمس قد بايعوه واعترفوا له بإمامته وولايته عليهم كما هو في بيعة “غدير خم” ، وفي مواقف أخرى كانت قبلها، واليوم بكل صلافة وجرأة جاؤوا بالحبال سحبا.
خرجوا مرتدين منقلبين عليه ومتأمرين على هضم حقه وحق الزهراء وحق بنيها، امتثالًا لأمر كبيرهم الذي علمهم السحر ، حين أمرهم وقال فيهم : ( اُضربوا فاطمة) و ثأرًا وانتقامًا من أبيها رسول الله، ومخالفة لأوامره ووصاياه، وانتهاكًا لحُرمته المقدّسة قبل أن يقبر ويدفن ، وانتقامًا من وصيه أمير المؤمنين و سيفه البتار الذي قتل صناديدهم من الناكثين والمارقين والقاسطين في بدر واحد وصفين والنهروان .
ويذكر الشيخ محمد حسين الأصفهاني “رحمه الله ” في منظومة الأنوار القدسية” بعض ما جرى في بيت فاطمة ، بعدما اشعلوا نارهم في الباب بقوله: (ووكز نعل السيف في جنبيها .. أتى بكل ما أتى عليها).
واشترك في ارتكاب هذا الفعل التعسفي عدد كبير من المعارضة، تجاوز عددهم ال 3000 شخص ، شاركتهم قبائل معادية أخرى من خارج المدينة المنورة كقبيلة “أسلم ” وغيرها ، كما جاء في روايات أهل البيت الشريفة، حيث كانوا مستهدفين لتصفية فاطمة البتول “أم الحسنين” ، لأن بقائِها على قيد الحياة بعد هذا الهجوم المفزع على بيتها ، يعد خطرا عليهم و على الرأي العام الذي قد ينقلب عليهم وعلى شرعيتهم في الحكم والخلافة ،التي غصبوها غصبًا بعد اغتيالهم رسول الله (صلى الله عليه وآله ).
ووفدت أم الحسنين صلوات الله وسلامه عليها على بارئها ، “حزينة “كئيبة”، مظلومة” “مغصوب حقها”، “مضطهدة “مقهورة، عليلة الفراش” تجود بنفسها بين أطفال مفجوعين على مصابها ،”صديقة” “شهيدة” ، محتسبة أمرها عند الباري تعالى وعند أبيها رسوله الله قائلة له: يا رسول الله.. هكذا كان يُفعل بحبيبتك وابنتك..
ذهبت سلام الله عليها وصدرها “خزانة الأسرار” مثقل ومملوء بأسرار وأوجاع لم تبح بها بعد ، حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ، ف(لَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدينَ لَهُمْ بِالَّتمْكينِ مِنْ قِتالِكُمْ).