سم الله الرحمن الرحيم
هذه الأيام أيام شهادة خاتم الأنبياء، هذه الأيام عظيمة جداً، فشهادة السيدة الزهراء شهادة نفس النبي (ص)!
فاطمة بضعة مني: هذا الحديث مورد اتفاق العامة والخاصة، وينبغي على كل مسلم من أي مذهب كان وأي ملة أن يجعل يوم شهادة السيدة الزهراء يوم حزنه ولا يختص ذلك بالشيعة.
متن الحديث في كل الصحاح، أما فقه الحديث فهناك الصخب..
وظيفتكم الأساسية في هذه الأيام أن تنتشروا جميعاً في البلاد، وثمرة الفقاهة إرشاد خلق الله إلى ما تفردت به حبيبة الله.
لا أنا ولا أنت ولا الشيخ الطوسي ولا الشيخ الانصاري أدركنا من هي فاطمة الزهراء، لأن الخلق فطموا عن معرفتها.
كلنا مقصرون، لم نعرفها كما هي، ولم نعرف الآخرين عليها.
أما من هي ؟
في الحديث الصحيح، وسنده قوي إلى حدّ أن الشيخ الأنصاري وهو مجسمة الاحتياط في الفتوى رفع يده عن أصالة الاحتياط الأصولية والفقهية وكان يفتي بضرص قاطع في مثل سنده..
ورجال السند موثقون بتوثيق الشيخ المفيد والنجاشي والشيخ الطوسي وابن شهر آشوب أعاظم مشايخ الرجال والحديث.
وإن كنا لا نصل إلى فقه الحديث، لكن ما لا يدرك كله لا يترك كله.. والمتن عظيم إلى حد أن من يعرفه هو قائله.. والحديث هو:
الكافي (ج1 ص241): عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الْجَفْرِ فَقَالَ: هُوَ جِلْدُ ثَوْرٍ مَمْلُوءٌ عِلْماً.
قَالَ لَهُ: فَالْجَامِعَةُ ؟
قَالَ: تِلْكَ صَحِيفَةٌ طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فِي عَرْضِ الْأَدِيمِ مِثْلُ فَخِذِ الْفَالِجِ فِيهَا كُلُّ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَ لَيْسَ مِنْ قَضِيَّةٍ إِلَّا وَ هِيَ فِيهَا حَتَّى أَرْشُ الْخَدْشِ.
وقد أجاب عليه السلام عن هذين السؤالين فوراً، ووصل إلى السؤال الثالث:
قَالَ: فَمُصْحَفُ فَاطِمَةَ ع ؟
قَالَ: فَسَكَتَ طَوِيلًا: فاطمة الزهراء قد عرفها جعفر بن محمد، سكوته الطويل هنا معبّر جداً، فنطقه وسكوته وكلامه بحر من الحكمة لأهله.. فسكت طويلاً..
ثُمَّ قَالَ إِنَّكُمْ لَتَبْحَثُونَ عَمَّا تُرِيدُونَ وَ عَمَّا لَا تُرِيدُونَ: هو يعلم ما الخبر.
إِنَّ فَاطِمَةَ مَكَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص خَمْسَةً وَ سَبْعِينَ يَوْماً: كل مدة بقائها بعده هي هذه، لكن كيف أمضت هذه المدة ؟
وَ كَانَ دَخَلَهَا حُزْنٌ شَدِيدٌ عَلَى أَبِيهَا وَ كَانَ جَبْرَئِيلُ ع يَأْتِيهَا فَيُحْسِنُ عَزَاءَهَا عَلَى أَبِيهَا وَ يُطَيِّبُ نَفْسَهَا وَ يُخْبِرُهَا عَنْ أَبِيهَا وَ مَكَانِهِ وَ يُخْبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِي ذُرِّيَّتِهَا وَ كَانَ عَلِيٌّ ع يَكْتُبُ ذَلِكَ.
وههنا عدة مطالب:
فينبغي أولاً معرفة جبرائيل، اقرؤوا القرآن حتى تعرفوا من هو جبرائيل، ﴿ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى﴾ هذا نص القرآن، مكانه أعلى أمكنة عالم الوجود، بالأفق الأعلى، وهنا فقه الحديث، إذا وفق الله تعالى لتحليل وشرح هذه الأحاديث..
فاطمة بضعة مني: من نفسه العلية الخاتمية لا من البدن، ونفس تلك الجاذبية التي كانت فيه من الأفق الأعلى ﴿علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى﴾ كانت في ابنته ذات الثمانية عشر عاماً بحكم (فاطمة بضعة مني). إنها جاذبية الحقيقة الأحمدية، النفس النفيسة المحمدية، بضعة الخاتمية..
وأي مطالب كانت تلك ؟
كتبها من كان يقول النبي الخاتم (ص) فيه بالاتفاق: أنا مدينة العلم وعلي بابها، مثل هذا كان يحمل القلم بيده ويكتب الحديث بين فاطمة وجبرائيل عليه السلام ويسجله: وكان عليّ يكتب ذلك.
فَهَذَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ ع: وهنا فاء التفريع، لماذا التفريع ؟ يعرف ذلك عندما يعرف المفرع عليه.. فهذا مصحف فاطمة..
ثم إن علم المعصومين الأربعة عشر له ثلاث جهات: الجفر والجامعة ومصحف فاطمة.
هذه فاطمة الزهراء.. وهذه مكانتها العلمية..
أما مقامها ومنزلتها، فقد سئل سادس الإمام عليه السلام: لِمَ سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءَ ؟
قَالَ: لِأَنَّ لَهَا فِي الْجَنَّةِ قُبَّةً مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ ارْتِفَاعُهَا فِي الْهَوَاءِ مَسِيرَةُ سَنَةٍ مُعَلَّقَةٍ بِقُدْرَةِ الْجَبَّارِ لَا عِلَاقَةَ لَهَا مِنْ فَوْقِهَا فَتُمْسِكَهَا وَ لَا دِعَامَةَ لَهَا مِنْ تَحْتِهَا فَتَلْزَمَهَا لَهَا مِائَةُ أَلْفِ بَابٍ وَ عَلَى كُلِّ بَابٍ أَلْفٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَرَاهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ كَمَا يَرَى أَحَدُكُمُ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الزَّاهِرَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ فَيَقُولُونَ هَذِهِ الزَّهْرَاءُ لِفَاطِمَة (مناقب آل أبي طالب ج3 ص330)
هذا مصحفها وهذا مكانها، فهل عرفنا فاطمة ؟
عرفها أمير المؤمنين.. وهو الذي جاء الرسولُ لعيادته في حرب أحد، وشاهد بدنه مليئاً بالثقوب، حتى أن الفتيلة تدخل في ثقوبه..
ومع صبر النبي الذي ليس له مثيل بكى (ص) لما وقع نظره عليه.. صار بلا طاقة وبكى بصوت عالٍ، أما علي فماذا فعل ؟
تبسم وقال: إن ذلك في ذات الله لقليل.
من عرف علياً ؟
أي صبر هذا.. النبي بكى وهو تبسم !
في ليلة التاسع عشر صاح جبرائيل بين السماء والأرض: تهدمت والله أركان الهدى. لكنه عليه السلام ابتسم وقال: فزت ورب الكعبة.
هذه الشخصية قد عرفت فاطمة، مثل هذا الشخص هكذا كان في أحد، وهكذا كان في التاسع عاشر، لكن المهم في هذه الجملة، لما أراد إرجاع الوديعة وإيصال الجنازة لأبيها قال:
نفسي على زفراتها محبوسة… ياليتها خرجت مع الزفرات !
ما هي وظيفتنا في الفاطمية ؟
من كان جبرائيل بين الأرض والسماء يصرخ عنه: لا فتى إلا علي ولا سيف الا ذو الفقار، مثل هذا تمنى لو ان مات ! فما وظيفتنا أنا وأنت في هذه البلاد وهي باسمها عليها السلام ؟ ما وظيفتنا في يوم شهادتها عليها السلام ؟
آمل أن نتبع صرخة وحرقة وأنين أمير المؤمنين، وأن يكون يوم شهادة السيدة الزهراء يوم عويل في هذه البلاد..
أيتها الهيئات هل أنتم نيام ؟
لا ينبغي أن تبقى هيئة لا تخرج.. لماذا ؟ لأن في كل هيئة تخرج مرحمة في قلب سيد الشهداء الجريح..وفي الصدر المجروح للحسن المجتبى.. والعين الباكية لإمام الزمان على أمه عليها السلام.
جملة واحدة كافية.. ممن كان تمام العالم وفيهم آدم تحت رايته، آدم ومن دونه تحت لوائه، مثل هذا يقول.. والكلام غير قابل للقول.. لكن لا خيار.. ينبغي ان يقال..
مثل هذا عندما أرجع الوديعة وسلم جنازتها لأبيها قال: يا رسول الله… ستنبؤك ابنتك بتظافر امتك على هضمها.
اشرحوا هذه الكلمة للناس ليعرفوا وظيفتهم يوم شهادتها.. وكيف اجتمعوا على ضربها..
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم