مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
أَصُوْلُ الْدِّيْنِ فِيْ ضَوْءِ رُؤْيَّةِ الْسَّيْدَةُ الْزَّهْرَاْءِ(ع) الامامة أختياراً / الباحث الاستاذ احمد موفق مهدي
+ = -

 

أَصُوْلُ الْدِّيْنِ فِيْ ضَوْءِ رُؤْيَّةِ الْسَّيْدَةُ الْزَّهْرَاْءِ

 الْإِمَاْمَةُ أختِيَاْرَاً

أحمد موفق مهدي

﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

المقدِّمة

   الحمدُ للهِ جلّت أسماؤُه، وسمتْ أوصافُه، الذي علَّم الإنسانَ، وشرَّف العربيَّةَ بنزولِ القرآن، وأفضلُ الصلاةِ وأتمُّ التسليمِ على النبيِّ الأمينِ، الذي فتحَ أبوابَ العلمِ والرحمةِ للعالمينَ، وعلى غصنِ دوحتهِ، وأوَّل مَنْ صَدَّقَ برسالتهِ، وعلى الصدِّيقةِ الزهراءِ البتولِ، وعلى الذريّة الطاهرة، مِنْ ولدِهم أجمعينَ.

  أمَّا بعدُ:

  لا يمكن لنا أن نلتمس من التراث الفكري الإسلامي نصاً مقدساً غير قابل للتأويل ولا خاضع للمساومة والأستغفـال غير القرآن الكريم والسنة الشريفة, وما عداهما فهو دون ذلك خاضع للنقد والتحليل، والأجتهاد، والتأويل .

   وهنا لابد أن نشير إلى مكانة أهل البيت (عليهم السلام) في التراث الفكري الإسلامي كونهم عدل القرآن والثقل الثانيّ، وتراجمة الوحيّ، وأساس الدين، وقادة المسلمين, وكل هذا يعني أن كلامهم حجة علينا, ومن الواجب على جميع المسلمين طاعتهم و إتباعهم بنص القرآن، ووصية النّبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله).

   وهنا نقف مع مثال صادق وحقيقي للتربية الإسلامية للفرد المسلم بشكل عام, وللمرأة المسلمة بشكل خاص. نقف مع فاطمة الزهراء (عليها السلام) سيدة نساء العالمين, مثال المرأة المسلمة, والنموذج الإنساني الخلاق, والمثال الصادق للتربية الإسلامية الحقيقية .

   فقد شرّع الإسلام أحكاماً و قعّد قواعد، وسن قوانين, ووضع مناهج متكاملة لإعداد المرأة المسلمة والمؤمنة, وللرقي بها، وبتربيتها، وتعليمها، ورفع مكانتها، وحفظ مصالحها، ورعاية شؤونها، وبناء كيانها, لتكون المثال الصادق، والنموذج الإنساني الصادق، والمعبر عن حقيقة المرأة .

   وهنا يأتي مثال الزهراء (عليها السلام) ليمثل بصدق حال نساء صدر الإسلام, وربيبات بيت الوحي والنبوة, لتكون دراسة نوجه النظر فيها إلى جانب مهم من جوانب حياة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ألا وهو أصل من أصول الدين، وهو الإمامة.

أولاً: الإمامة في اللغة والاصطلاح

   الإمامة لغة: من آم يئم فهو إمام والإمام كل من اقتدي به, وقدم في الأمور, والنبي (صلى الله عليه وآله) إمام الأئمة, والخليفة إمام الرعية, وإمام الجند قائدهم.

 الإمامة اصطلاحاً: عند الشيعة الإمامية: الإمامة رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص. وان الإمامة إمرة إلهية كالنبوة, وان كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) خص بالتشريع والوحي الإلهي, وشأن الخليفة التبليغ والبيان, وتفصيل المجمل, وتفسير المعضل, وتطبيق الكلمات بمصاديقها, والقتال من دون تأويل كما يقاتل النبي محمد (صلى الله عليه وآله) من دون تنزيل, وإظهار مالم يتسن للنبي الإشادة به, إما لتأخر ظرفه أو لعدم تهيؤ النفوس له, أو لغير ذلك من العلل.

إما عند أهل السنة: فالإمام هو القائد العام للمسلمين الذي يخلف النبي محمد (صلى الله عليه وآله) في كل أو بعض مايمت له صلة. والإمام هو صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا. والإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا.

ثانياً: السِّيدة الزهراء (عليها السلام) وموقعيتها من أصول الدين

 إن من يستقرئ كتب علم الكلام لعلماء الأمامية يشاهد بوضوح التركيز فيها على أن إمامة أئمة أهل البيت : هي من صميم أصول الدين الإيمانية, ولكنهم أجملوا الحديث عن ولاية سيدة النساء فاطمة (عليها السلام), واصطفائها في طيات حديثهم عن أهل البيت: مع أن الاعتقاد بولاية واصطفاء فاطمة (عليها السلام) غير كاف في أصل الإيمان . فكما أن ولاية الأئمة الاثني عشر تأتي بعد ولاية الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) ولها دخل مشهود في النجاة, وفي صحة العقيدة, وقبول الأعمال فكذلك الحال في ولايتها (عليها السلام). وليس هذا الأمر بدعا في الشرائع السماوية, بل عقيدة قد سنها الله (عز وجل) في الشرائع السابقة, كما هو الحال في شريعة عيسى (عليه السلام) حيث أن اصطفاء مريم (عليها السلام) وحجيتها قد جعله الله تعالى وقرره في شريعته, قال الله تعالى على لسان ملائكته (إن الله اصطفاك وطهرك واصطفالك على نساء العالمين), وقوله تعالى: (وجعلناها وابنها أيه للعالمين), بل التصديق والإيمان باصطفائها ليس مما يختص به أتباع شريعة عيسى (عليه السلام) بل تشتمل حتى كل من يعتنق الإسلام كما لاحظت في ما تقدم من الآيات القرآنية.

أولا: فاطمة (عليها السلام) وعلاقتها بالتوحيد: توجد أدلة وشواهد عدّة تدلّ بالدلالة المطابقية أو الالتزامية على أن فاطمة (عليها السلام) لها ارتباط وثيق بتوحيد الله. ومن الأدلة التي نستطيع بها إثبات ارتباط فاطمة (عليها السلام) بصميم التوحيد ما وردنا من زيارة أئمة أهل البيت: بالزيارة المعروفة بالجامعة الكبيرة والمروي بسند معتبر عن الإمام الهادي (عليها السلام) إذ تطالعنا هذه الزيارة بالفقرة الآتية (من أراد الله بدأ بكم, ومن وحده قبل عنكم). ومحل الشاهد الاستدلال من هذه الفقرة هو قوله (عليها السلام) من وحده قبل عنكم إذ ورد في تفسير هذه الفقرة انه من لم يوحد الله لم يقبل عنكم أو بالعكس من لم يقبل عنكم لم يوحد الله تعالى فهو على ذلك يكون مشركاً؛ لأنّ معرفة الله تعالى حقّ المعرفة مشروط على ما ورد في الروايات الشريفة على معرفة شروط هذه المعرفة ومن شروط هذه المعرفة هو القول عن أهل البيت: في كل ما يقولونه من المعارف الربانية الحقة وفي كل ما يقولونه من الحق فهم حجج الله على الخلق. ومن عرفهم فقد عرف الله تعالى لأنهم هم الأدلاء عليه وعلى مرضاته وكل مايثبت للأئمة فهو ثابت للزهراء (عليها السلام)، فهي مشتركة معهم في كونها (عليها السلام) حجة على الأئمة وعلى معرفتها دارت القرون الأولى وما تكاملت بنوة نبي حتى اقر بفضلها ومحبتها. وعليه تكون فاطمة (عليها السلام) مرتبطة بتوحيد الله تعالى ونعني بذلك انه لابد من الإيمان بها, والتصديق بكل ما صدر منها انه الحق وان توحيد أي مسلم أو مؤمن لا يكتمل حتى يقر بفضلها ومحبتها وولايتها, فيكون على هذا الأساس كل من لم يقبل منها الحق فهو مشرك أو منافق وعلى هذا الأساس نثبت ارتباط فاطمة (عليها السلام) بالأصل الأول من أصول الدين وهو التوحيد وهذا ثابت لها ولأئمة أهل البيت (عليهم السلام).

ثانياً: فاطمة (عليها السلام) وعلاقتها بالنبوة: وردت شواهد من القرآن الكريم ولكن نكتفي بذكر شاهد قرأني واحد قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ…..)، فهذه الآية الشريفة وكما تبين لنا لها ارتباط بمسألة أذى الرسول (صلى الله عليه وآله) ونحن نعلم انه ورد في الحديث الشريف عنه (صلى الله عليه وآله): (انه ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت), وكذلك قوله (صلى الله عليه وآله) (من آذى مؤمناً فقد آذاني), فهذه الأحاديث تثبت مسألة أذى الرسول (صلى الله عليه وآله) ولقد حدثنا التاريخ كيف أن القوم أذوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد مماته في ابنته فاطمة (عليها السلام)، فعلى هذا الأساس ومن هذا المنطلق قد صدرت أحاديث عدّة تبيّن وتؤكد على حقيقة ثابتة لا ينكرها إلّا معاند أو منافق وهي أنهم آذوا رسول الله في ذريته, فكانت الأحاديث المروية عنه (صلى الله عليه وآله) تمثل الدعامة العظمى لارتباط اقرب الناس إليه وهي فاطمة الزهراء (عليها السلام), ولا نقصد من ارتباط الصديقة الطاهرة به مجرد لأنه والدها كلا بل هناك أمور غيبية وقد ذكرت به الروايات أسرارها وكما بينا في بعض أحاديثنا كحديث الإقرار بفضل فاطمة (عليها السلام) جميع الأنبياء وانه ما تكاملت نبوة نبي حتى اقر بفضلها ومحبتها.

ثالثاً:  فاطمة (عليها السلام) وعلاقتها بالعدل الإلهي: يعدّ العدل الإلهي من الأصول الاعتقادية التي يمتاز بها الشيعة الأمامية عن غيرهم من المذاهب الأخرى , فمسألة العدل عندهم قد دخلت كل الأصعدة الحياتية المهمة وهذا يعود إلى وجود العدل في كل أفعال الله تعالى فهو –  أي الله تعالى –  قد جعله من أسمائه الحسنى فعندما يأخذ الشيعة العدل ويعتبرونه من أصول الدين لم يكن هذا جزافاً وإنما كان على أساس وأصل متينين استمدّاه من القرآن العظيم الذي بذر فكرة العدل في قلوب الناس وأرواحهم ثمّ سقاها ونماها فكرياً وفلسفياً واجتماعياً, والقرآن الكريم الذي يصرح بأن نظام الوجود مبني على أساس العدل والتوازن وعلى هذا الأساس توجد آيات قرآنية عدّة تؤكّد على مسألة العدل وسنورد بعض الآيات القرآنية التي تعتبر الفاعلية الإلهية التدبير الإلهي قائما على أساس العدل حيث يقول الباري عز وجل: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ).

العدل في الاصطلاح: هو رعاية الاستحقاق في إفاضة الوجود وعدم الامتناع عن الإفاضة والرحمة حيث يتوفر إمكان الوجود أو إمكان الكمال. وعلى أساس هذا التعريف يتبين لنا أن الموجودات تتفاوت مع بعضها في النظام الكوني من حيث قابليتها لاكتساب الفيض الإلهي من مبدأ الوجود, فكل موجود وفي أي رتبة من الوجود يمتلك استحقاقاً خاصاً من حيث قابليتها لاكتساب الفيض. ولما كانت الذات الإلهية المقدسة كمالاً مطلقاً وخيراً مطلقاً وفياضة على الإطلاق فهي تعطي ولا تمسك ولكنها تعطي لكل موجود ماهو ممكن له من الوجود, فالعدل الإلهي – حسب هذه النظرية –  يعني أن أي موجود يأخذ من الوجود ومن كماله المقدار الذي يستحقه وبإمكانه أن يستوفيه. وعلى هذا الأساس تكون فاطمة (عليها السلام) مستحقة للعدل الإلهي في إفاضة الكمال ولها في كل المقامات المعنوية والروحية. فكونها (عليها السلام) حجة على الأنبياء وعلى جميع البشر وانه ما تكاملت نبوة نبي حتى أقرّ بفضلها وكذلك كونها صاحبة الشفاعة الكبرى يوم القيامة وغيرها من المقامات التي أعطاها الله إياها.

رابعاً: فاطمة الزهراء (عليها السلام) وعلاقتها بالإمامة: تشكل الإمامة أصلا مهماً من أصول الدين الخمسة عند الشيعة الأمامية بعد التوحيد والنبوة والعدل, تضافرت الروايات الشريفة على التأكيد على هذه المسألة المهمة في الدين الإسلامي فضلاً عن القرآن الكريم الذي أكد أيضا على مسألة أثبات الإمامة من خلال القرآن الكريم والأحاديث الشريفة, نجد من خلال استقراء القرآن الكريم ومتابعة آياته الشريفة أن الزهراء (عليها السلام) تكون مرتبطة ومشتركة بالإمامة من خلال آيات قرآنية عدّة أثبتت اشتراكها مع الأئمة: كونها الصراط المستقيم. فقد ورد عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّ الله جعل علياً وزوجته وأبناءه حجج الله على خلقه, وهم أبواب العلم في أمتي, من اهتدى بهم  هدي إلى الصراط المستقيم. وأيضا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: (اهتدوا بالشمس فإذا غابت الشمس فاهتدوا بالقمر, فإذا غاب القمر فاهتدوا بالزهرة, فإذا غابت الزهرة فاهتدوا بالفرقدين. فقيل يارسول الله ما الشمس وما القمر وما الزهرة وما الفرقدين؟ قال (صلى الله عليه وآله): الشمس أنا, والقمر علي, والزهرة فاطمة, والفرقدين الحسن والحسين).

  قول تعالى: (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). اخرج أبو النجار عن ابن عباس قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الكلمات التي تلقاها آدم (عليه السلام) من ربه فتاب عليه؟ قال: سأل بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت علي, فتاب عليه. وقوله تعالى: (كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ….).

عن موسى بن القاسم, عن علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله عز وجل: (كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) , قال: المشكاة فاطمة (عليها السلام), والمصباح الحسن والحسين الزجاجة, (كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) قال: كانت فاطمة (عليها السلام) كوكباً درياً من نساء العالمين, (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ)، قال: الشجرة المباركة إبراهيم (عليه السلام), (لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ) قال: لا يهودية ولا نصرانية, (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ)، قال: يكاد العلم أن ينطق منها, (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ) قال: فيها إمام بعد إمام, (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) قال: يهدي الله لولايتنا من يشاء.

  قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت في خمس: رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين.

قوله تعالى: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال الزمخشري: إنّها لما نزلت قيل: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء, الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما… وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من مات على حب آل محمد مات شهيداً, ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له, ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً, ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان, ألا ومن مات على حب آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير, ألا ومن مات على حبّ آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها, ألا ومن مات على حب آل محمد فُتح له في قبره بابان إلى الجنة, ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة, ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة, ألا ومن مات على بغض أل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله, ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً, ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة.

  وفي ضوء الآيات القرآنية الكريمة والروايات الشريفة نجد أن الزهراء (عليها السلام) مرتبطة ومشتركة مع الأئمة الذين يمثلون الدعامة الكبرى للإمامة في كثير من الأمور وهذا ما نجده في ضوء الروايات الشريفة التي أثبتت هذه المسألة والآيات القرآنية.

ثالثاً: الإمامة بخصوصها وعمومها في الخطبة الفدكية (عليها السلام)

  (وإطاعتنا نظام للملة) وفي نسخة أخرى: (وطاعتنا) كل أمّة إذا أرادت أن تعيش لا بد لها من اختيار نظام حاكم سائد, والنظام كلمة واسعة النطاق, كثيرة المصداق غزيرة المعاني. فالحكومات, وتشكيل الوزارات, وتنظيم الدوائر, وسن القوانين, وإصدار التعاليم في شتى المجالات يقال لها: نظام. ولا بد – طبعاً- من تنفيذ النظام, والخضوع والانقياد له, ويقال له: التنظيم . فإذا كان النظام صالحاً انتشر الصلاح في العباد والبلاد, وان كان النظام فاسداً ظهر الفساد في البر والبحر.

  والأمة الإسلامية التي تعتبر نفسها في طليعة الأمم الراقية المتحضرة ولابد من أن يكون لها نظام وان الله تعالى جعل إطاعة أهل البيت : نظاماً للملة الإسلامية, ومعنى ذلك أن الله تعالى جعل القيادة العامة المطلقة العليا, والسلطة لأئمة أهل البيت: الاثني عشر, وهم عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقط, لا كل من يتسلم زمام الحكم, أو يجلس على منصة الحكم تجب طاعته وتنفيذ أوامره . وإنما جعل الله إطاعة أهل البيت : نظاماً للمسلمين لأنّ الله تعالى زوّدهم بالمواهب, ومنحهم الأهلية, وأحاطوا علماً بكل ما ينفع المجتمع ويضره, وبكل ما يصلح الناس ويفسدهم.

  وتدل هاتان العبارتان (وطاعتنا نظام للملة) على انتظام أمر الدين وصلاح أمور المسلمين, واجتماعهم على الصلاح لا يمكن ولا يتحقق ألا بطاعتهم والتسليم لإمامتهم : وقد صدق تاريخ المسلمين هذا المعنى أحسن التصديق, فاختلّ أمر المسلمين ووقع بينهم الخلاف والفرقة يوم تسارعوا إلى سقيفة بني ساعدة, وبادروا إلى تقمص الخلافة, وغيروا أمر الإمامة وبدلوا نعمة الله كفراً فلن يصلح أمرهم حتى ظهور  صاحب الأمر بقية الله في أرضه عجل الله فرجه الشريف.

  ثم تنتقل فاطمة الزهراء (عليها السلام) بعد ذكر فلسفة الإسلام إلى ذكر الثقل الثاني, وهم العترة, من أهل البيت : وهم الذين اوجب الله تعالى إطاعتهم على العباد بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) .

  (وإمامتنا أماناً للفرقة) وفي نسخة (لماً للفرقة) الإمامة الكبرى هي الخلافة العظمى, منصب سماوي, ومنزلة تعين من الله تعالى, لأنها تالية للنبوة من حيث العظمة والأهمية. أُنظر إلى أولياء الله كيف يسألون الله أن يبلغهم تلك المنزلة الرفيعة والدرجة السامية.

   فهذا إبراهيم الخليل (عليه السلام) يأتيه النداء من عند الله ﴿إنّي جَاعِلُكَ لِلْنّاسِ إمَامَاً﴾ أي المقتدى به في أفعاله وأقواله وليس المقصود من الإمامة هنا النبوة لان إبراهيم (عليه السلام) كان نبياً وإنما أضاف الله تعالى له الإمامة إلى جنب النبوة.

  وإذا أمعنت النظر في قوله تعالى: ﴿إنّي جَاعِلُكَ﴾ يتّضح لك أن تعيين الإمام من الله تعالى ولا يحق للناس أن يعينوا لأنفسهم إماما حسب رغباتهم . وإذا تدبرت بقية الآية تنكشف لك حقائق أخرى وهي قوله: (( ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمون )) وقد روي عن الإمامين الباقر والصادق (عليه السلام) أي: لا يكون الظالم أماما للناس وهذا يدل على عصمة الأئمة, لأنّ الله سبحانه وتعالى نفى أن ينال العهد أي: الإمامة الظالم, ومن ليس بمعصوم فقد يكون ظالماً لنفسه أو لغيره.