مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
استشهاد فاطمة عليها السّلام‏ / موقع يافاطمة
+ = -

استشهاد فاطمة عليها السّلام‏

رأت الزهراء عليها السّلام في عالم الرؤيا أمرا ينبؤها بدنوّ أجلها. فسرّها ذلك و هيّأت نفسها للإلحاق بأبيها. و كان أكثر ما يشغل بالها شأن أبنائها، فصنعت لهم طعاما. ثم رغم ضعفها و نحولتها غسلت ملابسهم و نادتهم واحدا واحدا و غسلت رؤوسهم. ثم اغتسلت أحسن ما يكون و لبست ثيابا لها جددا.

فدخل أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الدار، فلما رآى ذلك سألها: لماذا اشتغلت بهذه الأمور مع ضعفك و مرضك؟ قالت: إنه كان آخر يوم من حياتي فأحببت أن أغسل رؤوس أولادي و ثيابهم، فإنهم غدا يصبحون يتامى. ثم قامت فاطمة عليها السّلام على أجمل هيئة إلى فراشها فاضطجعت و قلبها متلهف للقاء أبيها.

فلما عاد أمير المؤمنين عليه السّلام إلى البيت استقبله بعض النسوة باكيات حزينات! فقال لهن: ما الخبر و ما لي أراكن متغيرات الوجوه؟ فقلن: يا أمير المؤمنين، أدرك ابنة عمك الزهراء و ما نظنك تدركها!

فأقبل أمير المؤمنين عليه السّلام مسرعا حتى دخل عليها، و إذا بها ملقاة على فراشها- و هو من قباطي مصر- و هي تقبض يمينا و تمدّ شمالا. فأخذ رأسها و تركه في حجره و ناداها:

«يا زهراء»! فلم يسمع منها جوابا. فناداها: «يا بنت محمد المصطفى»، فلم يسمع منها جوابا. فناداها: «يا بنت من حمل الزكاة في طرف ردائه و بذلها على الفقراء»، فلم يسمع جوابا. فقال: «يا بنت من صلى بالملائكة في السماء مثنى مثنى» فلم يسمع جوابا. فقال:

«يا فاطمة، كلميني فأنا ابن عمك علي بن أبي طالب». ففتحت الزهراء عليها السّلام عينها في وجهه، ثم أجهشت بالبكاء فلم يتمالك أمير المؤمنين عليه السّلام نفسه فبكى معها.

ثم قال لها: ما الذي تجدينه؟ فقال: يا أبا الحسن، رقدت الساعة فرأيت حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في قصر من الدر الأبيض. فلما رآني قال: «هلمّي إليّ يا بنية فإني إليك مشتاق». فقلت: و اللّه إنّي لأشد شوقا منك إلى لقائك. فقال صلّى اللّه عليه و آله: «أنت عندي هذه الليلة»، و هو الصادق لما وعد و الموفي لما عاهد.

ثم قالت: يابن العم و أنا اوصيك بأشياء في قلبي. فقال لها علي عليه السّلام: اوصني بما أحببت يا بنت رسول اللّه. فجلس عند رأسها و أخرج من كان في البيت. فقالت:

يابن العم، ما عهدتني كاذبة و لا خائنة و لا خالفتك منذ عاشرتني.

فقال: معاذ اللّه، أنت أعلم باللّه و أبرّ و أتقى و أكرم و أشدّ خوفا من اللّه أن أوبخك بمخالفتي. و قد عزّ عليّ مفارقتك و تفقدك إلا أنه أمر لابد منه. و اللّه جدّدت عليّ مصيبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد عظمت وفاتك و فقدك، فإنا للّه و إنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها و آلمها و أمضها و أحزنها. فهي و اللّه مصيبة لا عزاء لها ورزية لا خلف لها.

فقالت له: أنا أستودعك اللّه تعالى و أوصيك في ولدي خيرا. و إذا دنت مني المنية فابعث زينب و أم كلثوم إلى بيوت الهاشميين لئلا يرين وفاة أمهما.

ثم بعد ذلك بمدة تدهورت صحة الزهراء عليها السّلام فاضطجعت على يمينها مستقبلة القبلة و وضعت يدها اليمنى تحت خدها و كان حولها مجموعة من النساء فاعترتها حالة الاحتضار، ففتحت عينيها و قالت: «السلام على جبرائيل، السلام على رسول اللّه، اللهم مع رسولك، اللهم في رضوانك و جوارك و دارك دار السلام».

ثم قالت: «أ ترين ما أرى؟ فقلن لها: ما ترين؟ قالت: هذه مواكب أهل السماء و هذا جبرائيل و هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: «يا بنية، أقدمي فما أمامك خير لك»!

ثم قالت: «و عليك السلام يا قابض الأرواح، عجّل بي و لا تعذبني، إليك ربي لا إلى النار».

و حينما دنت منها المنية كان أمير المؤمنين عليه السّلام خارج الدار، و كان الحسنان قد ذهبا مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليتضرعا إلى بارئهما في شفاء أمها، و لم يكن في البيت سوى أسماء و فضة.

فقالت فاطمة عليها السّلام لأسماء: إذا أنا متّ يضرب في زاوية البيت خيمة من سندس فيه هودج، فاجعليني فيه.

ثم قالت لأسماء: انتظريني هنيئة و ادعيني، فإن أجبتك و إلا فاعلمي أني قد مت على أبي.

فأنتظرتها أسماء هنيئة ثم نادتها عدة مرات فلم تجبها، فدخلت إلى الحجرة و كشفت الثوب عن وجه الزهراء عليها السّلام فإذا بها قد فارقت روحها الحياة.

فشقّت أسماء جيبها، و ألقت بنفسها عليها و جعلت تقبّلها و تقول: يا فاطمة، إذا قدمت على أبيك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاقرأه عن أسماء بنت عميس السلام.

فبينا هي كذلك إذ دخل الحسن و الحسين عليهما السّلام فرأيا أمهما ممدّدة، فقالا لأسماء:

يا أسماء، ما تنام أمنا في هذه الساعة؟ قالت: يا ابني رسول اللّه، ليست أمكما نائمة، و لقد فارقت الحياة. فوقع الحسن على جثمان أمه و قال: يا أماه، كلميني قبل أن تفارق روحي بدني. و أقبل الحسين عليه السّلام يقبّل رجل أمه و يقول: أنا ابنك الحسين، كلّميني قبل أن يتصدع قلبي فأموت.

فقالت لهما أسماء: يا ابني رسول اللّه، انطلقا إلى أبيكما علي عليه السّلام فأخبراه بموت أمكما. فخرجا يبكيان بنبرات تخنقها العبرات حتى إذا كانا قرب المسجد ذكرا محبة

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليهما و على أمهما فارتفعت أصواتهما بالبكاء. فرآهما بعض الصحابة و سألاهما عن سبب بكائهما، فقالا: «قد ماتت أمنا فاطمة»! فلما سمع أمير المؤمنين عليه السّلام ذلك، وقع على وجهه مغشيا عليه. فلما أفاق قال: «بمن العزاء يا بنت محمد؟ كنت بك أتعزى، فبمن العزاء بعدك؟ اللهم إني راض عن ابنة نبيك. اللهم إنها قد أوحشت فآنسها و هجرت فصلها و ظلمت فاحكم لها يا أحكم الحاكمين».

موقف أهل المدينة من استشهاد فاطمة عليها السّلام‏

لما انتشر خبر شهادة الزهراء عليها السّلام ضجّ أهل المدينة رجالا و نساء بالبكاء و العويل كيوم وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و صاح أهل المدينة صيحة واحدة و اجتمعت نساء المدينة في دارها. فلما رأين أمير المؤمنين عليه السّلام و أبناءه حول جثمان الزهراء عليها السّلام بتلك الحالة التي تبعث الحزن و الأسى، صرخن صرخة واحدة كادت المدينة تتزعزع لها، و نادين:

يا سيدتاه، يا بنت رسول اللّه!

و أقبل الناس مثل عرف الفرس إلى علي عليه السّلام و هو جالس و الحسن و الحسين عليهما السّلام بين يديه يبكيان، فبكى الناس لبكائهم.

و جاءت عائشة لتدخل، فقالت لها أسماء: لا تدخلي. فشكت إلى أبي بكر و قالت: إن هذه الخثعمية (أي أسماء) تحول بيننا و بين بنت رسول اللّه، و قد جعلت لها مثل هودج العروس.

فجاء أبو بكر فوقف على الباب فقال: يا أسماء، ما حملك على أن منعت أزواج النبي يدخلن على بنت رسول اللّه و جعلت لها مثل هودج العروس؟

فقالت: هي أمرتني أن لا يدخل عليها أحد، و أريتها هذا الذي صنعت و هي حية، فأمرتني أن أصنع ذلك لها.

و في الحقيقة كان السبب في أمر الزهراء عليها السّلام أن لا تدخل عليها عائشة أو كل من ظلمها لأجل تخليد مظلوميتها و كان قصدها أن لا تدع مجالا للمنافقين ليستعملوا المكر و الخدعة و يقللوا في أعين الناس ما ارتكبوه من ظلم و جور في حق الزهراء عليها السّلام.

فاجتمع الذين خذلوا الزهراء عليها السّلام فيما سبق حول دارها و جعلوا يضجون و ينتظرون خروج جنازة بنت المصطفى عليها السّلام ليقوموا عليها و يصلوا!!

و على العادة لم يفت أبو بكر و عمر هذا الأمر بل جاءا أول الناس ليغطّوا على ظلمهم الذي ارتكبوه بحقّ الزهراء عليها السّلام.

فأقبلا يعزيان عليا و قالا: يا أبا الحسن، لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول اللّه. و لكن الزهراء و الإمام علي عليهما السّلام بعصمتهما لم تخف عليهم مثل هذه الحيل، و لهذا لم تكن وصية الزهراء عليها السّلام اعتباطا إذ أوصت بعلها أن يشيعها و يدفنها سرا و أن لا يسمح لهؤلاء أن يصلّوا عليها. فالزهراء عليها السّلام بوصيتها هذه أبطلت جميع مخططات المنافقين و الغاصبين.

و عملا بهذه الوصية أرسل أمير المؤمنين عليه السّلام أباذر ليفرّق الناس. فأقبل أبوذر و قال لهم: «انصرفوا فإن ابنة رسول اللّه قد أخّر إخراجها هذه العشية». فقام الناس و انصرفوا.

فلما جن الليل و مضى شطرا منه و هدأت الأصوات و نامت العيون قام أمير المؤمنين عليه السّلام لينفّذ وصية الزهراء عليها السّلام. فأشعل النار في جريدة النخل ثم بادر إلى غسل جثمان الزهراء الذي أنهكته المصائب و الآلام. و كانت أسماء تناوله الماء و أمير المؤمنين عليه السّلام يصب الماء على جسدها و هي في قميصها فلم يكشف القميص عنها. و قد يكون السبب في ذلك أن أمير المؤمنين عليه السّلام أراد أن لا يقع عيون أبناء الزهراء عليها السّلام على أثر الضربات و الصدمات الموجودة في جسم أمهم. و روي أن الزهراء عليها السّلام تطهّرت قبل أن تفارق روحها الحياة و أمرت أن لا يكشفها أحد. و لعل هذه من الأمور التي قد خصها الرسول صلّى اللّه عليه و آله بها.

و قد يكون غسل أمير المؤمنين عليه السّلام للزهراء عليها السّلام عملا بسنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذ لم يكن بوسع أحد غير أمير المؤمنين عليه السّلام غسلها لأنها كانت صديقة و لا يغسل الصديقة إلا الصديق كما لم يغسّل الصديقة مريم بنت عمران إلا ابنها الصديق عيسى عليه السّلام، لأن المعصوم ينبغي أن يغسّله المعصوم و أن لا تصل إليه يد غير المعصوم، و لهذا لم تباشر أسماء غسل الزهراء عليها السّلام بل كانت مهمتها فقط صب الماء.

فأفاض أمير المؤمنين عليه السّلام عليها من الماء ثلاثا أو خمسا و جعل في الأخيرة شيئا من الكافور الذي كان حصتها من الجنة.

فلما أكمل أمير المؤمنين عليه السّلام غسلها، كفّنها في سبعة أثواب و قال: «اللهم إنها أمتك و ابنة رسولك و صفيتك و خيرتك من خلقك. اللهم لقّنها حجتها و أعظم برهانها و أعل درجتها و أجمع بينها و بين أبيها محمد».

يقول أمير المؤمنين عليه السّلام عن كيفية تجهيزها: و اللّه لقد أخذت في أمرها و غسلتها في قميصها و لم أكشف عنها. فو اللّه لقد كانت ميمونة طاهرة مطهرة. ثم حنّطتها من فضلة حنوط رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كفّنتها و أدرجتها في أكفانها. فلما هممت أن أعقد الرداء ناديت:

«يا أم كلثوم، يا زينب، يا فضة، يا حسن، يا حسين، هلموا تزودوا من أمكم، فهذا الفراق و اللقاء في الجنة».

و كان أبناء الزهراء عليها السّلام ينتظرون إذن أبيهم ليتزودوا من أمهم فلما أذن لهم بذلك أقبل الحسنان فألقيا بأنفسهما على جسدها. و يصف أمير المؤمنين عليه السّلام هذه الحالة قائلا: إني أشهد اللّه أنها قد حنّت و أنّت و مدّت يديها و ضمّتهما إلى صدرها مليّا، و إذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن، ارفعهما عنها فلقد أبكيا و اللّه ملائكة السموات، فقد اشتاق الحبيب إلى الحبيب.

ثم حان موعد الصلاة عليها، فلم يصلّ عليها أحد ممن ظلمها بل صلى عليها أفضل من على وجه البرية، و لم يكن على وجه الأرض سوى سبعة لهم هذا المقام و هم:

أمير المؤمنين و الإمام الحسن و الإمام الحسين عليهم السّلام، و سلمان و أبوذر و المقداد و فضة و يليهم من بعدهم أيضا قلّة صالحة لها اتصال بولي اللّه الأعظم.

ثم جعلها أمير المؤمنين عليه السّلام في ملحودة قبرها، و وارى عليها التراب. فلما نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن، فأرسل دموعه على خديه و حوّل وجهه إلى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: «السلام عليك يا رسول اللّه، عني و عن ابنتك و حبيبتك و قرة عينك و زائرتك و البائتة في الثرى ببقعتك، المختار اللّه لها سرعة اللحاق بك. قلّ يا رسول اللّه عن صفيتك صبري و ضعف عن سيدة النساء تجلّدي …».

ثم قال: لقد استرجعت الوديعة و أخذت الرهينة و اختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء و الغبراء يا رسول اللّه، أما حزني فسرمد و أما ليلي فمسهد. لا يبرج الحزن عن قلبي أو يختار اللّه لي دارك التي أنت فيها مقيم. كمد مقيّح و همّ مهيّج، سرعان ما فرّق اللّه بيننا و إلى اللّه أشكو.

و ستنبئك ابنتك بتظافر أمتك عليّ و على هضمها حقّها، فاستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا.

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام لما حمل جثمان الزهراء عليها السّلام و أدخله في القبر خرجت من القبر يدان و تلقّت جثمان الزهراء عليها السّلام و أعانت أمير المؤمنين عليه السّلام على دفنها، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: يا أرض، استودعك وديعتي، هذه بنت رسول اللّه، ثم وضعها في اللحد و قال: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، بسم اللّه و باللّه و على ملة رسول اللّه محمد بن عبد اللّه.

سلّمتك أيتها الصديقة إلى من هو أولى بك مني و رضيت لك بما رضي اللّه لك».

قبر فاطمة عليها السّلام‏

دفن أمير المؤمنين عليه السّلام الزهراء عليها السّلام سرا في جوف الليل و غيّب قبرها و سوّاه مع الأرض ليخفي موضعه، و كان حذرا لئلا ينكشف قبرها، فسوّى في البقيع قبورا مزورة حتى لا يعرف قبرها، بل ليوهم الأمر على الناس أنه دفنها في البقيع، لأن الظاهر أنه لم يكن بوسعه أن يدفنها في البقيع بحيث لا يتلفت إليه أحد. كما يضعف احتمال دفنها ما بين قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و منبره لمبيت بعض الصحابة في المسجد.

فلهذا و لما روي عن الإمام الصادق و الإمام الرضا عليهما السّلام و ما ذهب إليه بعض العلماء كالشيخ الطوسي رحمه اللّه و العلامة المجلسي رحمه اللّه فإن الأقوى أنّها دفنت في دارها.

و لكننا مع ذلك تبعا لوصية الزهراء عليها السّلام بأن يعفى تراب قبرها و يبقى مجهولا، نترك القرائن و الإحتمالات لتحديد مكان قبرها الشريف و لا نحدّد مكانا لزيارتها، و نسير على ضوء ما ذهب إليه معظم العلماء المتقدمين بأن قبرها مجهول بين الاحتمالات الثلاثة التي أشرنا إليها.

و لما أكمل الإمام علي عليه السّلام دفن الزهراء عليها السّلام نفض يده من تراب القبر و هاج به الحزن لفقد بضعة الرسول عليها السّلام، فانصرف إلى ذكر اللّه فصلى ركعتين و أمضى تلك الليلة مع يتامى الزهراء عليها السّلام في البيت حتى الصباح.

فلما بزغ نور الشمس أقبل أهل المدينة إلى بيت على عليه السّلام يتقدمهم أبو بكر و عمر يريدون الصلاة على فاطمة عليها السّلام و المشاركة في تشييعها و تدفينها.

فخرج إليهم المقداد و قال لهم: «قد دفنا فاطمة البارحة». فالتفت عمر إلى أبي بكر و قال: ألم أقل لك أنهم سيفعلون. فقال العباس: إنها أوصت أن لا تصليا عليها.

فغضب عمر و قال: و اللّه لقد هممت أن أنبشها فأصلي عليها! ثمّ توجّه عمر إلى البقيع و تبعه الناس فوجدوا فيها مجموعة قبور جديدة!! فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور، فضج الناس و لام بعضهم بعضا و قالوا: لم يخلف نبيكم فيكم إلا بنتا واحدة، تموت و تدفن و لم تحضروا وفاتها و الصلاة عليها و لا تعرفون قبرها!؟

فقال عمر: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها و نزور قبرها.

فلما بلغ أمير المؤمنين عليه السّلام ذلك خرج مغضبا و قد احمرّت عيناه و عليه قباؤه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة و هو متكأ على سيفه ذي الفقار حتى ورد البقيع.

فتلقاه عمر و من معه من أصحابه و قال له عمر: ما لك يا أبا الحسن؟ و اللّه لننبشنّ قبرها و لنصلينّ عليها! فضرب على عليه السّلام بيده إلى جوامع ثوبه فهزّه ثم ضرب به الأرض و قال له: يابن السوداء، أما حقي فقد تركته مخافة أن يرتدّ الناس عن دينهم، و أما قبر فاطمة فو الذي نفس علي بيده لئن رمت و أصحابك شيئا من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم فإن شئت فاعرض يا عمر.

فتقدم أبو بكر إلى الإمام علي عليه السّلام فقال: يا أبا الحسن بحق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بحق من فوق العرش إلّا خليت عنه، فإنا غير فاعلين شيئا تكرهه! فخلا أمير المؤمنين عليه السّلام عن عمر و تفرق الناس و لم يعودوا إلى ذلك.

الإمام علي عليه السّلام بعد فاطمة عليها السّلام‏

بقيت حالة الحزن و الأسى كامنة في قلب الإمام علي عليه السّلام بعد فقدانه للزهراء عليها السّلام و كان ذلك الحزن ينصب في صدر الإمام بين الحين و الآخر، فكان حينما لا يجد من يبث إليه ما يختلج في صدره يجلس عند حافة بئر و يلقي ما عنده من هموم و غموم فيه، و تحمّل الإمام كل العناء الذي لاقاه و بقي في حد قوله: «صبرت و في العين قذى و في الحلق شجى». و كان من جملة ما أنشد عليه السّلام في رثاء الزهراء عليها السّلام:

        نفسي على زفراتها محبوسة      ***       يا ليتها خرجت مع الزفرات‏

         لا خير بعدك في الحياة و إنما   ***       أبكي مخافة أن تطول حياتي‏

***

         فراقك أعظم الأشياء عندي     ***     و فقدك فاطم أدهى الثكول‏

         سأبكي حسرة و أنوح شجوا    ***     على خلّ مضى أسنى السبيل‏

         أ لا يا عين جودي و اسعديني  ***     فحزني دائم أبكي خليلي‏

***

         حبيب ليس يعدله حبيب            ***   و ما لسواه في قلبي نصيب‏

         حبيب غاب عن عيني و جسمي  ***    و عن قلبي حبيبي لا يغيب‏

***

         ما لي وقفت على القبور مسلما   ***   قبر الحبيب فلم يردّ جوابي‏

         أحبيب ما لك لا تردّ جوابيا       ***  أنسيت بعدي خلة الأحباب‏

         قال الحبيب: فكيف لي بجوابكم  ***  و أنا رهين جنادل و تراب‏

         فعليكم مني السلام تقطّعت       ***  عني و عنكم خلة الأحباب‏

***

        لكل اجتماع من خليلين فرقة    ***    و كل الذي دون الفراق قليل‏

         و إن افتقادي فاطما بعد أحمد  ***    دليل على أن لا يدوم خليل‏

***

و كان أمير المؤمنين عليه السّلام يذكر بين فترة و أخرى ما لاقته الزهراء عليها السّلام من ظلم و جور، فيتنفّس الصعداء و تحيطه الحزن و الأسى، و في إحدى الأيام ذكر رجل في محضره اسم قنفذ، فقال عليه السّلام: «هو الذي ضرب فاطمة عليها السّلام بالسوط حين جاءت لتحول بيني و بينهم فماتت صلوات اللّه عليها و أثر السوط لفي عضدها مثل الدملج»، و تارة كان يلتفت إلى أصحابه حينما يذكر الزهراء عليها السّلام و يقول: «أو تضرب الزهراء نهرا و يؤخذ منا قهرا و جبرا فلا نصير و لا مجير و لا مسعد و لا منجد»؟!!

و في إحدى المرات تمنى الموت و قال: «فليت بن أبي طالب مات قبل يومه، فلا يرى الكفرة الفجرة قد ازدحموا على ظلم الطاهرة البرة».

و كان بعض الأحيان يذكر اسوداد متنها عليها السّلام و يقول: «فقد عزّ على ابن أبي طالب أن يسوّد متن فاطمة ضربا».

حياة الزهراء عليها السّلام الشخصية

تمتاز حياة أمير المؤمنين و الزهراء عليهما السّلام الزوجية بصفات و سمات تجعلها حياة فريدة لا مثيل لها، لأنّ تعامل الزهراء عليها السّلام مع الإمام علي عليه السّلام طيلة حياتهما المشتركة كان تعاملا رائعا و فذا من جميع النواحي.

فالزهراء عليها السّلام لم يكن قلبها متعلقا بزخارف الدنيا ليسبّب ذلك تكدير صفاء معيشتها مع أمير المؤمنين عليه السّلام، بل كانت الزهراء في قمة الزهد بحيث دفعت قميص عرسها الجديد للسائل ليلة زفافها و لبست قميصا باليا، فنالت بذلك مكانة سامية عند اللّه، فأرسل لها سبحانه و تعالى ثيابا من الجنة.

و كانت الزهراء عليها السّلام تتولّي بنفسها كافة أعمال و شؤون البيت الشاقة و المرهقة بلا معين حينما كان أمير المؤمنين عليه السّلام يتولى ما يتصل بخارج الدار، حتى أدميت يديها من كثرة استخدامها للطاحونة اليدوية، و اتّسخت ثيابها على أثر كثرة تنظيفها للدار.

ثم رزقها اللّه بعد أن أنجبت أبناؤها جارية تدعى باسم «فضة» و هنا أيضا أبت الزهراء عليها السّلام أن تحمّل فضة جميع أعمال البيت بل قسمت الأعمال بينها و بين فضة.

كما أنّ أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر أيضا أصبحت تعينها و تساعدها في شؤونها بعض الأحيان، و كانت أسماء ملازمة للزهراء عليها السّلام عند ما اشتدّت بها العلة التي توفيت فيها.

و كانت أم أيمن– هذه المرأة الصالحة- أيضا رغم شيخوختها تعود الزهراء عليها السّلام فكانا يجلسان معا و يؤنس أحدهما الآخر.

و كانت الزهراء عليها السّلام معتدلة في ملبسها و لا ترتدي الملابس الفاخرة، بل مضت فترة تلبس رداء مرقعا بألياف التمر في اثنى عشر موضعا.

و أما طعامها عليها السّلام و طعام أبنائها فكان بسيطا في معظم الأحيان، و كانت الزهراء عليها السّلام تطحن الدقيق و تخبزه بنفسها، و كثيرا ما حدث أنّها بقيت مع أبنائها جياعا لا يذوقون الطعام مدة ثلاثة أيام أو يكتفى كل واحد منهم بكمية قليلة من الطعام.

و لكن مع ذلك كان الباري عز و جل يتلطف عليها و ينزل لها بعض الأحيان طعاما من الجنة ليبيّن لها عظمته و ليشكر سعيها، فكانت الزهراء عليها السّلام تأخذ الطعام و تأتي به بعلها و أبنائها فيتناولونه معا.

خصائص الزهراء عليها السّلام‏

تمتاز الزهراء عليها السّلام بخصائص و مزايا كثيرة

منها:

  1. بقاء سلالة الرسول صلّى اللّه عليه و آله من ذريتها.
  2. الأئمة المعصومون عليهم السّلام الذين هم خلفاء اللّه في الأرض و منهم الإمام المهدي عليه السّلام من ولدها.
  3. خصّها الباري بتسعة أسماء و هي: فاطمة، الصديقة، المباركة، الطاهرة، الزكية، الراضية، المرضية، المحدثة، الزهراء.
  4. كانت تسميتها من قبل الباري لأسباب و علل، منها أنها سميت ب «فاطمة» لأن اللّه فطمها و فطم محبيها من النار و لأن الناس فطموا و قطعوا عن معرفتها.

و سميت ب «الزهراء» لأنها كانت تزهر كل يوم لأمير المؤمنين عليه السّلام ثلاث مرات بالنور و كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء.

و سميت ب «البتول» لانقطاعها إلى اللّه عن نساء أهل زمانها و نساء الأمة عفافا و فضلا و دينا و حسبا، و لأنها كمريم بنت عمران تبتّلت من الحيض و النفاس و لم تر حمرة قط.

و لكل اسم جعله اللّه لها وجه لتسميتها به.

  1. تلقيبها من قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بأمر من اللّه عز و جل و بوحى من الأمين جبرائيل ب «سيدة النساء» و «سيدة نساء العالمين» و «سيدة نساء العالمين من الاولين و الآخرين» و «سيدة نساء أهل الجنة»، و «سيدة نساء المسلمين»، و «سيدة نساء هذه الأمة»؛ و هي ألقاب سامية و رفيعة و قد ورد ذكرها للزهراء عليها السّلام في كتب الأنبياء.

و مما يمكننا الاستدلال به من مضامين هذه الألقاب أن الزهراء سيدة الأنبياء و المرسلين و الملائكة المقربين.

  1. إن اللّه سبحانه و تعالى كما أقرأ خديجة السلام عدة مرات، كذلك أقرأها سلامه و تحياته عن طريق الأمين جبرائيل و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
  2. إرسال هدايا و تحف إليها من اللّه عز و جل عن طريق جبرائيل أو بصورة مباشرة.

منها أنه تعالى بعث إليها ثيابا من الجنة ليلة زواجها، و ثوبا و حليّا عند ما أرادت أن تذهب إلى مجلس اليهود، و بعث إليها ملابس بمناسبة يوم العيد لتعطيها عليها السّلام الحسنين، كما أنها كانت تجد بعض الأحيان عند مسجدها فواكه قد أرسلها اللّه لها من الجنة.

  1. كان نقش خاتمها: «أمن المتوكلون».
  2. من مختصاتها «مصحف فاطمة»، و هو كتاب تداولته أيدي الأئمة عليهم السّلام حتى وصل إلى يد صاحب العصر و الزمان، و قد أفردنا بحثا في هذا المجال و سيأتي ذكره فيما بعد.
  3. إن حبها و بغضها تمثل جزءا من الدين و العقيدة، فحبها ايمان و بغضها كفر، و حبها ميزان لتقييم النفوس يوم القيامة، و إن اللّه فطم شيعتها و محبيها من النار. و إن نار جهنم لا تحرق قلبا فيه محبة الزهراء عليها السّلام كما أن الجنة ليست دار من لا ينبض قلبه بمحبتها.

و ورد أن محبة الزهراء عليها السّلام تنفع المؤمن يوم القيامة في عشرة مواطن، و قد ادّخر اللّه شفاعتها لجميع المذنبين المنتمين إلى ولائها و محبيها، فتأخذ الزهراء عليها السّلام بيد محبيها و هم على شفا حفرة من النار و تنقذهم مما هم فيه.

  1. لا يستطيع أحد- لعظمة منزلتها عند اللّه- أن يدرك كنه معرفتها إلا الرسول و الأئمة المعصومون عليها السّلام، و قد ورد أن معرفتها تساوي إدراك ليلة القدر، و أن على معرفتها دارت القرون الاولى، و أن النبوة لا تتم لأحد من الأنبياء إلا بعد إقراره بفضلها و منزلتها.
  2. إن لأمها خديجة بنت خويلد مقاما عاليا و منزلة فذة عند اللّه سبحانه و تعالى، و هي لا تقاس بزوجات النبي الأخرى أبدا لأنّ لها كالزهراء خصائص و سمات متميزة، منها أن مالها أدى دورا كبيرا لنشر و تبليغ الإسلام، و كان الرسول صلّى اللّه عليه و آله يحترمها احتراما خاصا بحيث لم يتزوّج عليها في حياتها. و من سماتها أن الباري اصطفاها لتكون وعاء لحمل الزهراء عليها السّلام و بعث إليها سلامه و تحياته. و أنزل عليها حينما أرادت إنجاب الزهراء عليها السّلام الحور العين و نساء من الجنة فتكلمت معهن، و ورد أن لها يوم القيامة موقفا مشرفا و أنها من الأوائل الذين بهم يبدأ حساب يوم القيامة.
  3. إن أبنائها يعتبرون أبناء لرسول اللّه و ذرية له، و نجد اليوم ذرية الرسول بعد ألف و أربعمائة سنة قد ملؤوا العالم بأسره و لهم تواجد في شرق الأرض و غربها.

و لم تكن هذه البركة في ذرية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلا لتدخّل العناية الربانية في هذا الأمر دحضا لمقولة الذين وصفوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالأبتر، فأنزل اللّه عليه قوله تعالى: «إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ، إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ».

و لذرية الزهراء و السلالة الطاهرة و الكريمة من أبنائها أيضا خصائص و سمات في الدنيا و الآخرة، و قد أفردنا لها فصلا خاصا سوف يأتي ذكره فيما بعد.

  1. نزول آيات قرآنية عديدة في شأن الزهراء عليها السّلام و أهل البيت عليهم السّلام، و قد ألّفت العديد من الكتب في هذا المجال.
  2. كانت الزهراء عليها السّلام مظهرا لتجلي الإعجاز الرباني خلال فترة حياتها، بل ظهرت معاجز عديدة بيمن وجودها النوراني الذي خلقه اللّه قبل خلقه للعالم، و سوف تظهر أيضا على يدها يوم القيامة معاجز و كرامات أخرى.
  3. جعل اللّه عز و جل لزيارتها و الصلاة عليها و تسبيحها من الفضل ما لا يعد و لا يحصى، و قد جاء في كتب الحديث و الأدعية ذكر زياراتها و أدعيتها و تعقيباتها و الصلاة المنسوبة إليها. و قد ورد في فضل تسبيحها أنّها أفضل من ألف ركعة.
  4. إن الزهراء عليها السّلام حورية إنسية، لأنها أول ما خلقت تجلّت بشكل نور تلألأ فشعّ في أرجاء الكون، ثم انعقدت نطفتها من طعام الجنة.
  5. إن الزهراء عليها السّلام بضعة الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و ورد أن من آذاها فقد آذى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و من آذى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقد آذى اللّه عز و جل و من آذى اللّه تعالى فقد بلغ حد الكفر و الشرك و النفاق، و بهذا الأمر يمكننا تقييم النفوس و معرفة حقيقة الذين أسخطوها و آذوها.
  6. ورد في فضلها و مناقبها نصوصا عديدة من الباري في محكم كتابه و من النبي و الأئمة المعصومين عليها السّلام و قد بادر فطاحل العلماء المسلمين و غير المسلمين على مرّ العصور إلى تبيين علو شأنها و مقامها السامي و دوّنوا في هذا المجال كتبا و مقالات عديدة.

أوصاف الزهراء عليها السّلام‏

كانت الزهراء عليها السّلام متحلية بصفات و سمات فاضلة نشير إلى جملة منها بصورة مجملة:

  1. ايمانها

لم يكن لايمان الزهراء عليها السّلام و منزلتها عند اللّه حدا يمكن الوقوف عنده، لأن الزهراء عليها السّلام تمثل جزءا من ايمان و عقيدة المؤمنين و إن الإذعان بمكانتها بمثابة الايمان باللّه و الرسول و الأئمة عليهم السّلام.

  1. بركتها

لا يمكن تحديد نطاق بركة الزهراء عليها السّلام في الدنيا و الآخرة، لأنّه يبلغ حدا يفوق تصور البشرية. و من بركاتها في الدنيا إنجابها للأئمة المعصومين الذين هم الهداة إلى الحق و حجج اللّه على البرية، و من بركاتها يوم القيامة شفاعتها الكبرى لشيعتها و محبيها في المواقف الحرجة و المتأزمة.

  1. بكاؤها

بلغ بكاء الزهراء عليها السّلام الحد الذي عدّت من البكائين الخمس في العالم، و بلغ بكاؤها الحد الذي اشتكى من كثرته أهل المدينة عند أمير المؤمنين عليه السّلام، فكانت تلتجئ إلى بعض الأمكنة لتذرف دموعها المتدفقة من قلبها الحزين و المنكسر هناك. فانتقلت من بيتها إلى أرض أحد عند قبر حمزة بن عبد المطلب، و من هناك إلى البقيع في ظل شجرة السدر حتى قطعها خصمها، فانتقلت إلى خارج البقيع في مكان يدعى «بيت الأحزان».

  1. جودها و كرمها

بلغ كرم الزهراء وجودها حد الايثار، و تجلى ذلك في مواقف عديدة منها تصدّقها بقميص زفافها للسائل، و إعطاؤها عقدها للأعرابي و ستار دارها مع حلّيها للنبي صلّى اللّه عليه و آله ليوزعها بين الفقراء، و منها بذلها طعام إفطارها للمسكين و اليتيم و الأسير بحيث بقيت ثلاثة أيام من دون أن تتناول شيئا من الطعام.

  1. حياؤها و عفافها

كانت الزهراء عليها السّلام شديدة الحياء و العفة، و من نماذج ذلك أنها لم تتمكن من التكلم في محضر أبيها عند ما أخبرها بقدوم أمير المؤمنين عليه السّلام إلى خطبتها. و من شدة حيائها أنها عثرت ليلة زفافها بعتبة الباب. و روي أن أعمى استأذن على فاطمة فتحجبت استحياءا منه عند محضره، كما أنها استحيت أن تطلب من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خادما لها. و أنها من شدة حيائها لم تطلب من الإمام علي عليه السّلام شيئا طيلة فترة حياتهما الزوجية المشتركة، و جاء أبوها أحد الأيام إلى دارها فاستحيت أن تخبر بعلها الإمام على عليه السّلام بعدم وجود طعام في البيت، فأرسل اللّه إليهم طعاما من الجنة.

  1. خشيتها من اللّه عز و جل‏

كانت الزهراء عليها السّلام كثيرة الخشية من بارئها عز و جل، بحيث يباهى بها اللّه أمام الملائكة قائلا: يا ملائكتي، أنظروا إلى أمتي فاطمة، كيف ترتعد فرائصها من خيفتي.

  1. رائحتها

كانت الزهراء عليها السّلام معطرة برائحة الجنة، بحيث كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كلما يشتاق إلى الجنة يقبّل رأسها أو نحرها أو عرفها و يشم رائحتها و يقول: «إني أشم منه رائحة شجرة طوبى».

و كان تارة يضع لسانه في فمها و يتذكر رائحة تفاحة الجنة و كان يقول: «خلقت فاطمة حوراء إنسية».

و روي أن النبي لما عرج به إلى السماء أكل من ثمار الجنة، و من هذه الثمار انعقدت نطفة الزهراء عليها السّلام، فكانت تفوح من خديجة أيام حملها بالزهراء عليها السّلام رائحة الجنة. ثم انتقلت هذه الرائحة إلى الزهراء عليها السّلام بعد ولادتها، فكان الرسول صلّى اللّه عليه و آله كلما يشتاق إلى رائحة الجنة يشمها فيجد فيها رائحة الجنة و رائحة شجرة طوبى.

  1. زهدها

كانت الزهراء عليها السّلام تحمل أعلى درجات الزهد و لم يكن قلبها متعلقا بالدنيا قط، فكانت قانعة بما عندها، و كانت حين إنجازها لعمل البيت تقول: «ما عند اللّه خير و أبقى».

  1. شمائلها و هيأتها

كانت هيأة الزهراء عليها السّلام كأنّها القمر ليلة البدر أو الشمس إذا خرجت من السحاب، و كانت بشرتها بيضاء مع حمرة و شعرها أسود، و كانت أشبه الناس برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و قيل أن الرسول صلّى اللّه عليه و آله لقّبها بالحوراء الإنسية لشدة جمالها و حسن هيأتها.

  1. صدقها

أما صدق فاطمة عليها السّلام فهو واضح كالشمس في رابعة النهار، و ذلك لتسميتها بالصديقة من قبل الباري عز و جل. و لم يسمها الباري عز و جل بذلك اعتباطا، و إنما زيّنها بهذا الإسم لوجود حقيقة الصدق في ذاتها و كيانها.

  1. صبرها

صمدت الزهراء عليها السّلام في مواجهة مصائب فادحة انهالت عليها من كل حدب و صوب بعد فقدانها لأبيها صلّى اللّه عليه و آله بحيث قالت عليها السّلام:

        صبّت عليّ مصائب لو أنّها             صبّت على الأيام صرن لياليا

  1. طهارتها

كفى بآية التطهير دليلا على طهارة الزهراء عليها السّلام و إذهاب الباري الرجس عنها، كما أن إحدي أساميها من اللّه «البتول»، و معناه عدم رؤيتها الحمرة، و هذا أيضا دليل على طهارتها و ابتعادها عن الرجس.

  1. عبادتها

وقفت الزهراء عليها السّلام في محراب عبادتها حتى ورمت قدماها، و من كثرة عبادتها بلغت المرتبة التي اصطفاها اللّه و جعلها من عترة نبيه صلّى اللّه عليه و آله و اشترط على العباد أنه لا يقبل مثقال ذرة من أعمالهم إلا بعد ولائهم لهؤلاء العترة.

  1. عصمتها

أفضل شاهد على عصمة الزهراء عليها السّلام آية التطهير كما لم تكتف الزهراء عليها السّلام بالعصمة فحسب، بل اجتهدت لنيل أسمى المراتب في التقرب إلى اللّه عز و جل حتى بلغت مرتبة يصفها أحد المعصومين أنها المرتبة الثالثة في مقام العصمة. و لهذا كان الأئمة عليهم السّلام يتأسّون بها و يرونها حجة عليهم، و من هذا المنطق جعل اللّه عز و جل كمال نبوة الأنبياء بعد إقرارهم و إذعانهم بفضلها و منزلتها و إبدائهم الولاء و المحبة لها.

  1. علمها

بلغت الزهراء عليها السّلام في مستواها العلمي درجة كانت تخبر الإمام علي عليه السّلام بعلم ما كان و ما يكون و ما هو كائن.

  1. علو مقامها

لا تعد فضائل الزهراء عليها السّلام و لا تحصى، و حديث المفاخرة بينها و بين بعلها هو نافذة نسترشد بها لمعرفة علو مقامها و مكانتها السامية.

  1. غضبها و رضاها

ورد بنقل متواتر عن مصادر العامة و الخاصة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: إن اللّه يغضب لغضب فاطمة و يرضى لرضاها.

  1. نورها

كان للزهراء عليها السّلام نورين:

الأول: نور كيانها حينما خلقها اللّه على هيئة النور قبل أن يخلق العالم.

الثاني: نورها الظاهري و هو الذي شعّ حين ولادتها فملأ أرجاء العالم بأسره حتى أشرقت السموات و الأرض بذلك النور. و هذا النور كان يزدهر كل يوم ثلاث مرات بألوان مختلفة كالأبيض و الأصفر و الأحمر في نواحى المدينة المنورة، و كان ينير بيوت المدينة بين الحين و الآخر كما أنه ازدهر للناس في عدة مناسبات.

الزهراء عليها السّلام يوم القيامة

تركب فاطمة عليها السّلام يوم القيامة ناقة من نوق الجنة بأوصافها المختصة بها. و على الناقة قبة من نور، يرى ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها. على رأسها تاج من نور، و عن يمينها سبعون ألف ملك و عن شمالها سبعون ألف ملك و جبرئيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوتها: «غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد». فلا يبقى يومئذ نبي و لا رسول و لا صديق و لا شهيد إلا غضّوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة.

فتسير حتى تحاذي عرش ربها جل جلاله، فتزج بنفسها عن ناقتها، و تقول: «إلهي و سيدي، احكم بيني و بين من ظلمني. اللهم احكم بيني و بين من قتل ولدي». فإذا النداء من قبل اللّه جل جلاله: «يا حبيبتي و ابنة حبيبي، سليني تعطى، و اشفعي تشفعي، فوعزتي و جلالي لا جازني ظلم ظالم».

فتقول: «إلهي و سيدي، ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبىّ و محبي ذريتي». فإذا النداء من قبل اللّه جل جلاله: «أين ذرية فاطمة و شيعتها و محبوها و محبو ذريتها»؟

فيقبلون و قد أحاط بهم ملائكة الرحمة فتقدّمهم فاطمة عليها السّلام حتى تدخلهم الجنة. فتكون فاطمة عليها السّلام أول من يدخل الجنة بعد حساب يوم القيامة و الشفاعة.

و خلق اللّه تعالى لفاطمة و علي عليهما السّلام جنة تسمى «جنة عدن»، من لؤلؤ رطب، بين كل قصبة إلى قصبة لؤلؤة من ياقوت مشذرة بالذهب، فلبنة من در ولبنة من ياقوت و لبنة من زبرجد. ثم جعل فيها عيونا تتبع في نواحيها و حبطت بأنهار و جعل الأنهار قبابا قد شعبت بسلاسل الذهب، و حفّت بأنواع الشجر. و بين كل غصنين منها بيت، و جعل في كل منها أريكة من درة بيضاء، غشاؤها السندس و الإستبرق، و فرشت أرضها بالزعفران و فتيق المسك و العنبر، و جعل في كل قبة حوراء. و القبة لها مائة باب، على كل باب جاريتان و شجرتان، و في كل قبة مفرش و كتاب مكتوب حول القباب آية الكرسي.

قال جبرئيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: هذه جنة بنى اللّه لعلي و فاطمة ابنتك سوى جنانهما تحفة لهما أتحفها اللّه بها يا محمد.

كان هذا موجزا عن حياة الزهراء صلّى اللّه عليه و آله قدمناها لهذه الموسوعة ليكون بدءها المبارك و حاكيا عن التفاصيل الموجودة فيها.

*****

هذا آخر ما أردنا ايراده تمهيدا لهذه الموسوعة، و هنا بدء مجلداته الخمس و العشرين، يختص الاولى منها بتاريخها قبل هذا العالم، و الرابع و العشرون بأحوالها بعد هذا العالم و الأخيرة بالفهارس، و تبقى ثلاثة و عشرون مجلدا لحياتها في هذا العالم.

اللهم صل على فاطمة و أبيها و بعلها و بنيها بعدد ما أحاط به علمك و أحصاه كتابك، و اجعلنا من شيعتها و محبيها و الذابين عنها بأيدينا و ألسنتنا و قلوبنا و الحمد للّه رب العالمين.

قم المقدسة، يوم ميلاد فاطمة الزهراء عليها السّلام 20 جمادى الثانية 1427

إسماعيل الأنصاري الزنجاني الخوئيني‏