ِ لغة الخطاب عند الصديقة الزهراء (عليها السلام)
ا.د. محمد حسين السويطي ا. د.حمدية صالح الجبوري
جامعة واسط /كلية التربية للعلوم الانسانية/قسم التاريخ جامعة القادسية / كلية التربية / قسم التاريخ
الخلاصة
تزعمت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام حركة العقلانية الأخلاقية بصورة عامة مطلقة لتبيان الأحكام الشرعية وإحقاق الحق , ورغم دعوتها للسلام التي تؤكد على الجانب الإنساني وتحرض على الانصياع للمثل العليا والتفاني من اجل المبادئ الرسالية , فأن موهبتها الفذة على تفنيد الأيديولوجيات العدوانية والمرتدة تمثل منهجية علمية بارعة . أن دراسة شخصية الزهراء عليها السلام يمتد إلى مجالات ذات أبعاد كثيرة ومتعددة , لكن المطروح من الدراسات الجادة المتضمنة على الدقة وعدم التحيز قليلة وربما نادرة , وهذه العقدة المكبوتة في تاريخ الإسلام أثرت في حياة ألامه مذ دبت ودرجت , فأضعفت هيكل الإسلام وأوهنت روح الإيمان وأحرجت الدعاة في سوح الصراع الحضاري القائم .يطمح الباحثان من خلال التحاور بينهما لتقديم محاولة جادة تتناول فترة سياسية حرجة في حياة الزهراء عليها السلام بعد وفاة الرسول الأعظم مع الحرص جهد الممكن على روح التجرد العلمي وتجنب الإرهاصات العاطفية التي يحدوها الجهل إلى متاهات اللاإنسانية .مشكلة البحث :ربما من الخطأ الفادح أن نحاكم التاريخ لنحمل العداء لشخصياته , ولكن من جانب تصحيح بعض المفاهيم يكون ضروري لسلامة واستمرار النمو السوي لكيان العقيدة , والمحافظة على تجديد قدرتها الفاعلة في المجتمع , لأن صحة الحضارة ترتبط باطراد التوسع الثقافي الذي يحقق المصالح والأهداف المشتركة للأمة مع وجود المعادلات الاتجاهية التي تحقق التوازن الإيجابي .
الكلمات المفتاحية :
السيدة الزهراء (عليها السلام)، الخطب ، الرسالة ، الحجاب الشرعي
Abstract
The pure friend Fatima al-Zahra, peace be upon her, led the movement of moral rationality in an absolute general way to clarify the legal rulings and achieve the truth. . The study of the personality of Al-Zahra’, peace be upon her, extends to fields of many and multiple dimensions, but what is suggested from serious studies that include accuracy and impartiality are few and perhaps rare, and this pent-up knot in the history of Islam affected the life of his nation from the beginning and degree, and it weakened
The structure of Islam has weakened the spirit of faith and embarrassed the preachers in the current civilized conflict. Through the dialogue between them, the two researchers aspire to present a serious attempt to address a critical political period in the life of Zahra, peace be upon her, after the death of the Great Messenger ﷺ, while taking every possible effort on the spirit of scientific impartiality and avoiding emotional harbingers of ignorance. To the labyrinths of inhumanity. Research problem: Perhaps it is a grave mistake to judge history to bear hostility to its personalities, but from the side of correcting some concepts it is necessary for the safety and continuity of the normal growth of the entity of faith, and to maintain the renewal of its active capacity in society, because the health of civilization is linked to a steady cultural expansion that achieves The common interests and goals of the nation with the presence of directional equations that achieve a positive balance.
المقدمة
ان النظرة إلى المرأة من منظار الجاهليتين؛ الأولى والحديثة قد تكون واحدةً ، وهي نظرة التشاؤم والاستبداد ، إلاّ أنهما تختلفان في أسلـوب التعامل معها .
فالجاهلية الأولى كانت تدفع بالرجل للتخلص من المرأة باعتبارها نذير شؤم له ، فكانت المرأة تتعرض للوأد أو التشريد أو الحرمان أو الاستعباد . أما الجاهلية الثانية المعاصرة فهي تتعامل مع المرأة على أنها مجرد دمية ووسيلة ترفيه ، وكأنها خلقت دونما كرامة واحترام وشخصية .
فهي إذا كانت في الجاهلية الأولى تستعبد في خدمة الرجل ، فهي اليوم لا همَّ لها إلاّ الاهتمام بمنظرها وزينتها ، وكل ذلك يصبّ في مصلحة الرجل بصورة أنانية مباشرة أيضاً . فهي ـ حسب الجاهلية الثانية ـ ليست إلاّ سلعة عامة تجتذب الرجال عن طريق عرض المفاتن ، وبين هذا وذاك أضحت دون كرامة أو إنسانية؛ فإمّا تراها في حالة إشباع الغرائز الرخيصة ، وإما تراها في حالة الانتقام الوحشي من ذلك الاستغلال البشع .
ولكننا نرى الزهراء سلام الله عليها تجيب عن التساؤل عما هو خير للمرأة ، فتقول : ” خير لهن أن لا يرين الرجال ولا يرونهن ” ، أي أن على المرأة أن تصون كرامتها وعزتها بما استطاعت من العفاف .
لا شك في أن أعظم دورٍ وأفضل نشاط تقوم به المرأة بحيث ينسجم وطبيعتها التكوينية والنفسية ، هو ما تؤدّيه في محيط بيتها وأسرتها .
وليس بخافٍ على أحد من المسلمين أن فاطمة الزهراء سلام الله عليها كانت الرمز الأوضح في النبل والعفة والطهارة ، حتى أنها استطاعت عبر ذلك إنجاب ذرية كالإمامين الحسن والحسين وزينب عليهم السلام ، وكفاها بذلك فخراً ، وكفاهم بأمّهم فخراً ، حيث حفظ الإسلام بوجود وجهود هذا البيت الطاهر.
أهمية البحث :تبرز أهمية البحث من خلال الكشف عن جانب من الواقع الفكري عند احد أركان الدعوة الإسلامية وهي بضعة الرسول الأكرم محمد كونها احد الأثقال المهمة والمؤثرة في كيان الحضارة الإنسانية وأيضا أول صناع الفلسفة العملية في الإسلام وهنا سينهل البحث من خطبة الزهراء والمعروفة بالخطبة الفدكية والقصد من ذلك التوسع في فهم تلك الخطبة شرط أن يتخطى ذلك الفهم المذهبيات المغلقة إلى الحرية الجدلية لا إلى ترويج ألاثنية أو الطائفية أو الهرطقة أو التحريف سواء السلفية منها أو المبتدعة من الفلسفات المستوردة فكلها طروحات ساذجة متمركزة حول الذات لا تقوى على فهم أخلاقية التوحيد وإنما تضغط اللاهوت المبتدع بالناسوت المصطنع لتعتصر منها دبق الأنانية
.مدخل البحث : كان الإسلام عودة للإبراهيمية الحنيفة وتصحيحا لمسارها , وتعميما لمفهوم التوحيد فهو عملية تعلم اجتماعي أشبه بعملية التنشئة الاجتماعية التي تؤدي فيها اللغة دورا جوهريا .
مدخل
لقد أعاد الإسلام صياغة وانتشار القيم والمقاييس والأحكام الاجتماعية من داخل المدينة المنورة إلى المجتمعات الأخرى مما عرض الثقافات القديمة لعملية التبدل التي تجعلها منسجمة ومنصاعة لظروف وأحوال المجتمع الناشئ . وهو ما سبب الصراع الحضاري بين القيم القديمة والقيم الجديدة وخلق تراتيب طبقية أخرى مع ما لسرعة التغيرات من تأثير نفسي _ بداية الهجرة. لقد كان السلوك العقلي لجماعة المؤمنين مؤثرا في التفاعل الاجتماعي ولكنهم كانوا أقلية تحملت مهمة تحوير المجتمع والتصدي للمشاكل الناتجة عن هذه العملية – بعد معركة احد. وفي مثل هذه الظروف سيقع بعض أفراد المسيرة تحت طائلة الاغتراب فيشعر بأنه غير قادر على تغيير الوضع الاجتماعي الذي يتفاعل معه وانه لو أراد تحقيق أهدافه فأنه يجب عليه عدم التصرف بموجب المقاييس المتعارف عليها اجتماعيا وأخلاقيا وهذه الحالة السايكو_ اجتماعية يساعد عليها شراسة الصراع حيث المؤثرات العنيفة تدفع إلى الميل نحو تقييم الأشياء بطريقة متميزة تجعل الفرد مستعدا للاستجابة لتلك المؤثرات بطريقة معينة – بعد فتح مكة. وأحيانا تخلق تلك الظروف كتلا متحزبة تحاول أن تفرض آراؤها في صنع الحلول ولا يمكنها ذلك إلا بوجود الدعم المادي فتنشأ التحالفات الطبقية وتسعى في الصراع على السلطة بامتداد الزعزعة في مؤسسات وقطاعات المجتمع – بعد وفاه الرسول .من ناحية أخرى فأن عدم الانسجام الكامل بين الجماعات حول المعتقدات والأفكار والأخلاق والأهداف والأدوار الاجتماعية يجعل النظام غير مستقرا لأنه يؤثر سلبا بشرعية القيادة المركزية والأدوار الاجتماعية وطريقة الوصول الى المراكز القيادية الحساسة للنظام المركزي وتنعكس على الواجبات والمكافآت والأحكام العامة والأوامر الخاصة التي تصدرها القيادة – الخلافة الثانية .هناك يضطر الحاكم للحفاظ على السلطة إلى ممارسة الدكتاتورية المتسمة بالالتزام الشديد بالتقاليد وفرض العقاب الصارم لمن يتحدى السلطة والتصلب في الأفكار وانتشار أفكار الأسطورة والميول الى التقسيمات العرقية والطبقية ونشوء أوهام المؤامرة التي تؤدي إلى إعلان الحرب في الداخل والخارج وذلك ما يلائم النمو السريع للمجتمع مع عدم القدرة على إيجاد الحلول الصحيحة للمشاكل – الخلافة الثالثة.
خطبة الزهراء
شكل خطبة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مع المسلمين مركز الثقل في تراثها الخطبي، ولعل أسباب ذلك تكمن في الاتي:
1- كبر سنها (عليها السلام)، مما جعلها تتصدى بصورة أوضح للمواقف الحساسة التي تمس الاسلام وبناء دولته.
2- التكليف الشرعي المناط بها، بحكم البلوغ، في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3- وفاة أبيها الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) الذي كانت تكتفي به وتلوذ به عند الملمات والخطوب.
4- الشبهة التي اعترت بعض المسلمين فيما خص موضوع خلافة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) , مما أدى بها الى تدخلها بالجهر لتوصيل الحكم الشرعي الصحيح لهذه المسالة المهمة والحساسة.
ولهذه الأسباب كلها جاءت خطبتها المشهورة في المسجد النبوي[1], وفي دارها يوم عادها نساء المسلمين في مرضها الذي به توفيت به[2]؛ بعد وفاة أبيها الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم)، ويمكن أن نتلمس أبرز أسس خطيتها (عليها السلام) مع المسلمين من خلال ما وصلنا من روايات تطرقت الى هذا الجانب.
ففي رواية ان “عبد الله بنُ الحسن عليه السلام بإسنادِه عن آبائه عليهم السلام أنَّه لَمّا أجْمَعَ أبو بكر عَلى مَنْعِ فاطمة عليها السلام فَدَكَ، وبَلَغَها ذلك، لاثَتْ خِمارَها على رأسِها، واشْتَمَلَتْ بِجِلْبابِها، وأَقْبَلَتْ في لُمَةٍ مِنْ حَفَدتِها ونساءِ قَوْمِها، تَطأ ذُيُولَها، ما تَخْرِمُ مِشْيَتُها مِشْيَةَ رَسولِ الله صلى الله عليه وآله، حَتّى دَخَلَتْ عَلى أَبي بَكْر وَهُو في حَشْدٍ مِنَ المهاجِرين والأَنصارِ وغَيْرِهِمْ فَنيطَتْ دونَها مُلاءَةٌ، فَجَلَسَتْ، ثُمَّ أَنَّتْ أَنَّةً أَجْهَشَ القومُ لها بِالْبُكاءِ، فَارْتَجَّ الْمَجلِسُ،. ثُمَّ أمْهَلَتْ هَنِيَّةً حَتَّى إذا سَكَنَ نَشيجُ القومِ، وهَدَأَتْ فَوْرَتُهُمْ، افْتَتَحَتِ الْكَلامَ بِحَمدِ اللهِ وَالثناءِ عليه والصلاةِ على رسولِ الله، فعادَ القومُ في بُكائِهِمْ،”[3] .
ومن هذا الجزء من خطبتها (عليها السلام) نستشف في جانب الخطية الاتي:
1- على الرغم من اختلاطها (عليها السلام) بالرجال الا أنها حافظت على أركان الحجاب الشرعي كاملاً, وهي بذلك عملت موازنة دقيقة ومهمة بين التكليف الشرعي في جانبي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين الالتزام بالحجاب الشرعي للمرأة, من خلال وضع الخمار على وجهها ورأسها.
2- بادرت (عليها السلام) بالخطية ولم يدعها اليها أحد, أي أنها كانت مؤثرة ولم تكن متأثرة, بمعنى اخر أنها كانت بموقف الفعل وليس رد الفعل.
3- استخدمت (عليها السلام) أسلوب الترقب والعاطفة من خلال صمتها لوهلة والمسلمون ينتظرون ما تقول, مما جعلتهم في مدة زمنية يستبطنوا ذاتهم ويفكروا أنهم بمحضر الابن الوحيد لرسول الله محمد (صلى الله عليه واله وسلم)، مما أدى الى انخراطهم في بكاء شديد, وهذا من مستلزمات الخطية الناجح، وهي التأثير عاطفياً في الشخص الذي يتم الخطية معه.
4- بدأت (عليها السلام) بحمد الله والثناء عليه، وهذا أبلغ دليل على حسن أدب الخطية من خلال تذكير الناس بالمنعم الأول عليهم.
وبعد ان أمْسَك القوم عادَتْ (عليها السلام) لإكمال خطبتها فقَالَتْ (عليها السلام): “الْحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُّكْرُ على ما أَلْهَمَ، وَالثَّناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وَسُبُوغ آلاءٍ أسْداها، وَتَمامِ مِنَنٍ والاها، جَمَّ عَنِ الإحْصاءِ عدَدُها، وَنأى عَنِ الْجَزاءِ أَمَدُها، وَتَفاوَتَ عَنِ الإْدْراكِ أَبَدُها، وَنَدَبَهُمْ لاِسْتِزادَتِها بالشُّكْرِ لاِتِّصالِها، وَاسْتَحْمَدَ إلَى الْخَلايِقِ بِإجْزالِها، وَثَنّى بِالنَّدْبِ إلى أمْثالِها”[4].
ومن هذا الجزء من خطبتها (عليها السلام) نلحظ أنها أكثرت في شكر الخالق جل وعلا, كي تذكر الناس ان كل ما عندهم هو منه, حتى لا يغتر شخص بما حصل عليه.
واستمرت (عليها السلام) بخطبتها قائلة: “َأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، كَلِمَةٌ جَعَلَ الإْخْلاصَ تَأْويلَها، وَضَمَّنَ الْقُلُوبَ مَوْصُولَها، وَأَنارَ في الْفِكَرِ مَعْقُولَها. الْمُمْتَنِعُ مِنَ الإْبْصارِ رُؤْيِتُهُ، وَمِنَ اْلأَلْسُنِ صِفَتُهُ، وَمِنَ الأَوْهامِ كَيْفِيَّتُهُ. اِبْتَدَعَ الأَشَياءَ لا مِنْ شَيْءٍ كانَ قَبْلَها، وَأَنْشَأَها بِلا احْتِذاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَها، كَوَّنَها بِقُدْرَتِهِ، وَذَرَأَها بِمَشِيَّتِهِ، مِنْ غَيْرِ حاجَةٍ مِنْهُ إلى تَكْوينِها، وَلا فائِدَةٍ لَهُ في تَصْويرِها إلاّ تَثْبيتاً لِحِكْمَتِهِ، وَتَنْبيهاً عَلى طاعَتِهِ، وَإظْهاراً لِقُدْرَتِهِ، وَتَعَبُّداً لِبَرِيَّتِهِ، وإِعزازاً لِدَعْوَتِهِ، ثُمَّ جَعَلَ الثَّوابَ على طاعَتِهِ، وَوَضَعَ العِقابَ عَلى مَعْصِيِتَهِ، ذِيادَةً لِعِبادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ، وَحِياشَةً مِنْهُ إلى جَنَّتِهِ”[5].
وهنا أظهرت (عليها السلام) أبرز أركان الربوبية، وهو التوحيد في أبرز صوره وأدلته العقلية التي ساقتها في الخطبة, ولعل في ذلك اشارة الى المسلمين ان لا يعتريهم الشرك الخفي من حب الدنيا وعروضها الزائلة – وهم لا يعرفون- من خلال اختلاط اعراض الدنيا الزائلة مع صدق العقيدة التي يجب ان يتحلى بها المسلم ممثلة بتوحيد الله جل وعلا.
ثم التفتت (عليها السلام) الى القوم وقالت: “انْتُمْ عِبادَ الله نُصْبُ أمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَحَمَلَةُ دينِهِ وَوَحْيِهِ، وِأُمَناءُ اللهِ عَلى أنْفُسِكُمْ، وَبُلَغاؤُهُ إلى الأُمَمِ، وَزَعَمْتُمْ حَقٌّ لَكُمْ للهِ فِيكُمْ، عَهْدٌ قَدَّمَهُ إِلَيْكُمْ، وَبَقِيَّةٌ استَخْلَفَها عَلَيْكُمْ. كِتابُ اللهِ النّاطِقُ، والقُرْآنُ الصّادِقُ، وَالنُّورُ السّاطِعُ، وَالضِّياءُ اللاّمِعُ، بَيِّنَةٌ بَصائِرُهُ، مُنْكَشِفَةٌ سَرائِرُهُ، مُتَجَلِّيَةٌ ظَواهِرُهُ، مُغْتَبِطَةٌ بِهِ أَشْياعُهُ، قائِدٌ إلى الرِّضْوانِ اتّباعُهُ، مُؤَدٍّ إلى النَّجاةِ إسْماعُهُ. بِهِ تُنالُ بِهِ تُنالُ حُجَجُ اللهِ المُنَوَّرَةُ، وَعَزائِمُهُ المُفَسَّرَةُ، وَمَحارِمُهُ المُحَذَّرَةُ، وَبَيِّناتُهُ الجالِيَةُ، وَبَراهِينُهُ الكافِيَةُ، وَفَضائِلُهُ المَنْدوبَةُ، وَرُخَصُهُ المَوْهُوبَةُ، وَشَرايِعُهُ المَكْتُوبَةُ”[6].
وهنا ذكرتهم (عليها السلام) بالمهمة الكبرى التي تنتظرهم وهي حمل الرسالة الاسلامية الى بقاع الأرض كافة, وهي بذلك تنبههم الى ان هدفهم الرئيس في الحياة هو ما ينبغي الاهتمام به, فهي بذلك حاولت تنبيههم الى أنهم تركوه وانشغلوا بأمور أدنى منه.
واستمرت (عليها السلام) في الخطبة بقولها: “أيُّها النّاسُ! اعْلَمُوا أنِّي فاطمة عليها السلام، وَأبي مُحمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، أَقُولُ عَوْداً وَبَدْءاً، وَلا أقُولُ ما أقُولُ غَلَطاً، وَلا أفْعَلُ ما أفْعَلُ شَطَطاً: “لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيم فَإنْ تَعْزُوه وَتَعْرِفُوهُ تَجِدُوهُ أبي دُونَ نِسائِكُمْ، وَأخا ابْنِ عَمَّي دُونَ رِجالِكُمْ،وَ لَنِعْمَ الْمَعْزِيُّ إلَيْهِ صَلى الله عليه وآله فَبَلَّغَ الرِّسالَةَ صادِعاً بِالنِّذارَةِ، مائِلاً عَنْ مَدْرَجَةِ الْمُشْرِكِينَ، ضارِباً ثَبَجَهُمْ، آخِذاً بِأكْظامِهِمْ، داعِياً إلى سَبيلِ رَبِّهِ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنةِ، يَكْسِرُ الأَصْنامَ، وَيَنْكُتُ الْهامَ، حَتَّى انْهَزَمَ الْجَمْعُ وَوَلُّوا الدُّبُرَ، حَتّى تَفَرَّى اللَّيْلُ عَنْ صُبْحِهِ، وَأسْفَرَ الحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ، وَنَطَقَ زَعِيمُ الدّينِ، وَخَرِسَتْ شَقاشِقُ الشَّياطينِ، وَطاحَ وَشيظُ النِّفاقِ، وَانْحَلَّتْ عُقَدُ الْكُفْرِ وَالشِّقاقِ، وَفُهْتُمْ بِكَلِمَةِ الإْخْلاصِ فِي نَفَرٍ مِنَ الْبيضِ الْخِماصِ”[7].
وهنا استخدمت (عليها السلام) الأسلوب العقلي والمنطقي: “الزموهم بما الزموا به انفسهم”, فبما أنهم عرب، والعرب حريصون على الأنساب متفاخرون بها, فقد ذكرت نسبها الى الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم)، علماً أنها لم تكن تقصده بشكله المعروف، بل استهدفت نسبها العملي والعقدي في أنها اقرب الناس الى صاحب الرسالة هي وزوجها, وفي ذلك خطية بالتلميح دون التصريح لمن يدعي انه أحق بخلافة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) منه, وقد أشارت في هذه الفقرة الى الأدب القرآني في الخطية, وهي بذلك الزمت نفسها الشريفة به من خلال قوله تعالى: “ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ”[8].
ثم أكملت (سلام الله عليها) خطبتها بقولها: “َكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ، مُذْقَةَ الشّارِبِ، وَنُهْزَةَ الطّامِعِ، وَقُبْسَةَ الْعَجْلانِ، وَمَوْطِئَ الأقْدامِ، تَشْرَبُونَ الطّرْقَ، وَتَقْتاتُونَ الْوَرَقَ، أذِلَّةً خاسِئِينَ، “تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ”[9] فأنْقَذَكُمُ اللهُ تَبارَكَ وَتَعالى بِمُحَمَّدٍ صَلى الله عليه وآله بَعْدَ اللّتَيّا وَالَّتِي، وَبَعْدَ أنْ مُنِيَ بِبُهَمِ الرِّجالِ وَذُؤْبانِ الْعَرَبِ وَمَرَدَةِ أهْلِ الْكِتابِ، “كُلَّما أوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أطْفَأها اللهُ”[10]، أوْنَجَمَ قَرْنٌ لِلْشَّيْطانِ، وَفَغَرَتْ فَاغِرَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَذَفَ أخاهُ في لَهَواتِها، فَلا يَنْكَفِئُ حَتَّى يَطَأَ صِماخَها بِأَخْمَصِهِ، وِيُخْمِدَ لَهَبَهَا بِسَيْفِهِ، مَكْدُوداً في ذاتِ اللّهِ، مُجْتَهِداً في أمْرِ اللهِ، قَرِيباً مِنْ رِسُولِ اللّهِ سِيِّدَ أوْلياءِ اللّهِ، مُشْمِّراً ناصِحاً، مُجِدّاً كادِحاً ـ وأَنْتُمْ فِي رَفاهِيَةٍ مِنَ الْعَيْشِ، وَادِعُونَ فاكِهُونَ آمِنُونَ، تَتَرَبَّصُونَ بِنا الدَّوائِرَ، وتَتَوَكَّفُونَ الأَخْبارَ، وَتَنْكُصُونَ عِنْدَ النِّزالِ، وَتَفِرُّونَ عِنْدَ القِتالِ”.[11]
وفي هذا النص من الخطبة ركزت (عليها السلام) على جوانب معينة في خطيها هي:
1- ذكرت المسلمين بواقعهم المزري قبل البعثة النبوية, وكيف كانوا يعيشون ظروفاً أقل ما يقال انها صعبة على مختلف الأصعدة معنوية كانت ام مادية.
2- نبهتم ان سبب ما هم فيه هو لطف الله تعالى بإرساله الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) الذي انقذهم مما هم فيه.
3- تذكيرهم بالمواجهة الشرسة التي دخل بها المشركون معهم، وان زوجها الامام علي (عليه السلام) كان سببا رئيسا في ازاحة الظروف القاسية التي رافقت مواجهة المسلمين للمشركين.
واستمرت (عليها السلام) بالخطبة فقالت: “فَلَمَّا اخْتارَ اللّهُ لِنَبِيِّهِ دارَ أنْبِيائِهِ وَمَأْوى أصْفِيائِهِ، ظَهَرَ فيكُمْ حَسيكَةُ النِّفاقِ وَسَمَلَ جِلبْابُ الدّينِ، وَنَطَقَ كاظِمُ الْغاوِينِ، وَنَبَغَ خامِلُ الأَقَلِّينَ، وَهَدَرَ فَنيقُ الْمُبْطِلِين.فَخَطَرَ فِي عَرَصاتِكُمْ، وَأَطْلَعَ الشيْطانُ رَأْسَهُ مِنْ مَغْرِزِهِ، هاتفاً بِكُمْ، فَأَلْفاكُمْ لِدَعْوَتِهِ مُسْتَجيبينَ، وَلِلْغِرَّةِ فِيهِ مُلاحِظِينَ. ثُمَّ اسْتَنْهَضَكُمْ فَوَجَدَكُمْ خِفافاً، وَأَحْمَشَكُمْ فَأَلْفاكَمْ غِضاباً، فَوَسَمْـتُمْ غَيْرَ اِبِلِكُمْ، وَأَوْرَدْتُمْ غَيْرَ شِرْبِكُمْ، هذا وَالْعَهْدُ قَريبٌ، وَالْكَلْمُ رَحِيبٌ، وَالْجُرْحُ لَمّا يَنْدَمِلْ، وَالرِّسُولُ لَمّا يُقْبَرْ، ابْتِداراً زَعَمْتُمْ خَوْفَ الْفِتْنَةِ، “ألا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَانَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطةٌ بِالْكافِرِينَ”[12]
وهنا نلحظ أنها (عليها السلام) تنقلت في خطيها من اللين الى الشدة, اذ ذكرت المسلمين أنه بعد وفاة الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ظهرت الأطماع وبوادر الشقاق بين المسلمين وأنهم وقعوا ضحية رغبات شخصية فضلاً عن غواية الشيطان لهم, بل أنها (صلوات الله عليها) المحت الى وجود قسم من المسلمين قد أصابهم داء النفاق المقيت، بقولها: “ظهرت فيكم حسيكة النفاق”.
ثم انتقلت (عليها السلام) الى جانب التقرير واصدار الأحكام في خطيها مع المسلمين، اذ قالت: “فَهَيْهاتَ مِنْكُمْ، وَكَيْفَ بِكُمْ، وَأَنَى تُؤْفَكُونَ؟ وَكِتابُ اللّه بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، أُمُورُهُ ظاهِرَةٌ، وَأَحْكامُهُ زاهِرَةٌ، وَأَعْلامُهُ باهِرَةٌ، وَزَواجِرُهُ لائِحَةٌ، وَأوامِرُهُ واضِحَةٌ، قَدْ خَلَّفْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، أرَغَبَةً عَنْهُ تُرِيدُونَ، أمْ بِغَيْرِهِ تَحْكُمُونَ، “بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً”[13] وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ ديناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ”[14]. ثُمَّ لَمْ تَلْبَثُوا الاّ رَيْثَ أنْ تَسْكُنَ نَفْرَتُها، وَيَسْلَسَ قِيادُها ثُمَّ أَخّذْتُمْ تُورُونَ وَقْدَتَها، وَتُهَيِّجُونَ جَمْرَتَها، وَتَسْتَجِيبُونَ لِهِتافِ الشَّيْطانِ الْغَوِيِّ، وَاطْفاءِ أنْوارِالدِّينِ الْجَلِيِّ، وَاهْمادِ سُنَنِ النَّبِيِّ الصَّفِيِّ، تُسِرُّونَ حَسْواً فِي ارْتِغاءٍ، وَتَمْشُونَ لأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ فِي الْخَمَرِ وَالْضَّراءِ، وَنَصْبِرُ مِنْكُمْ عَلى مِثْلِ حَزِّ الْمُدى، وَوَخْزِ السِّنانِ فِي الحَشا”[15].
وبعد كل هذا، أقدمت (عليها السلام) بخطيها المستند الى القران الكريم والأدلة البيانية والعقلية، الى الصراحة في طرح الأمور، فقالت: “وَأَنْـتُمْ تزْعُمُونَ ألاّ ارْثَ لَنا، “افحكم الْجاهِلِيَّةِ تَبْغُونَ وَمَنْ أحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ”[16] أفَلا تَعْلَمُونَ؟ بَلى تَجَلّى لَكُمْ كَالشَّمْسِ الضّاحِيَةِ أنّيِ ابْنَتُهُ أَيُهَا الْمُسْلِمونَ اُغْلَبُ عَلى ارْثِيَهْ يَا ابْنَ أبي قُحافَةَ! أفي كِتابِ اللّهِ أنْ تَرِثَ أباكَ، وِلا أرِثَ أبي؟ “لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً فَرِيًّا”[17]، أَفَعَلى عَمْدٍ تَرَكْتُمْ كِتابَ اللّهِ، وَنَبَذْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ اذْ يَقُولُ: “وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ”[18]، وَقالَ فيمَا اخْتَصَّ مِنْ خَبَرِ يَحْيَي بْنِ زَكَرِيّا عليهما السلام اذْ قالَ ” يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا”[19] وَقَالَ: “وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهَ “[20] وَقالَ: ” يُوصِيكُمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ لِلذكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنْثَيَيْنِ”[21] وقال: “انْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ والْأَقْرَبِبنَ بِالْمعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ”[22]. وزَعَمْتُمْ أَلَا حِظوَةَ لِي، وَلا إرْثَ مِنْ أبي ولارَحِمَ بَيْنَنَا! أَفَخَصَّكُمُ اللهُ بِآيَةٍ أخْرَجَ مِنْها أبِي؟ أمْ هَلْ تَقُولونَ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ لا يَتَوارَثَانِ، أوَ لَسْتُ أَنَا وَأَبِي مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ واحِدَةٍ؟! أَمْ أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِخُصُوصِ الْقُرْآنِ وَعُمُومِهِ مِنْ أَبِي وَابْنِ عَمّي؟ فَدُونَكَها مَخْطُومَةً مَرْحُولَةً، تَلْقاكَ يَوْمَ حَشْرِكَ، فَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ، وَالزَّعِيمُ مُحَمَّدٌ، وَالْمَوْعِدُ الْقِيامَةُ، وَعِنْدَ السّاعَةِ يخسَرُ المبطلون، وَلا يَنْفَعُكُمْ إذْ تَنْدَمُونَ[23]، “وَلِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ”[24].
وفي هذا النص من خطبتها (عليها السلام) برزت جوانب جديدة في خطبتها هي:
1- ذكرت المسلمين أنهم لا يمكنهم التصرف دون الرجوع الى القران الكريم, لأنه ضم أحكام كل حادثة، بشرط ان يكون هناك من هو مؤهل لتفسير آياته ومظهراً لأحكامه.
2- استخدمت الآيات القرآنية في الرد على من احتج بخلاف ما تقول, وفي ذلك اشارة واضحة انها من الذين جعلهم الله تعالى عدلاً للقران وعالمين بتأويله.
3- بيان المشكلة والسبب الذي دفع المسلمين الى حالة التقاطع مع اهل البيت وانكارهم حقهم حتى وصل الأمر الى حد المجابهة القاتلة بقولها: “وَتَمْشُونَ لأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ فِي الْخَمَرِ وَالْضَّراءِ، وَنَصْبِرُ مِنْكُمْ عَلى مِثْلِ حَزِّ الْمُدى، وَوَخْزِ السِّنانِ فِي الحَشا”.
4- حاورت (عليها السلام) من احتج بالسنة النبوية في منعها ارثها من أبيها النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بالقران نفسه, وفي ذلك أبلغ أساليب الخطية من خلال الانطلاق من أرضية مشتركة في الخطية بين الطرفين المتحاورين، وهذا حتما سيؤدي – في حالة كون الشخص غير متنعت – الى اقناع أحد الطرفين بالحجة الدامغة.
كما استخدمت (عليها السلام) في خطبتها أسلوب التصنيف بين فئات المسلمين, ومثل هذا سمة ذكية للخطية البناء والفاعل، فالمعروف ان الشخص كلما ازدادت معرفته بمن يحاور ازدادت فرص اقناعه للآخر الذي يحاوره, لذا صنفت (عليها السلام) المسلمين المتواجدين في المجلس بين مهاجرين وأنصار, فكان أسلوب خطبتها مع المهاجرين يختلف عن الأنصار, وهو ما يتضح من الجزء التالي من خطبتها ونصه: “يا مَعاشِرَ الْفِتْيَةِ، وَأَعْضادَ الْمِلَّةِ، وَأنْصارَ الْإِسْلامِ! ما هذِهِ الْغَمِيزَةُ فِي حَقِّي؟ وَالسِّنَةُ عَنْ ظُلامَتِي؟ أما كانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله علبه وآله أبِي يَقُولُ: “اَلْمَرْءُ يُحْفَظُ فِي وُلْدِهِ”؟ سَرْعانَ ما أَحْدَثْتُمْ، وَعَجْلانَ ذا إهالَةً، وَلَكُمْ طاقَةٌ بِما اُحاوِلُ، وَقُوَّةٌ عَلى ما أَطْلُبُ وَاُزاوِلُ! اتقُولُونَ ماتَ مُحَمَّدٌ صلّى الله عليه وآله؟! فَخَطْبٌ جَليلٌ اسْتَوْسَعَ وَهْيُهُ، وَاسْتَنْهَرَ فَتْقُهُ، وَانْفَتَقَ رَتْقُهُ، وَأَظْلَمَتِ الْأَرْضُ لِغَيْبَتِهِ، وَكُسِفَتِ النُّجُومُ لِمُصِيبَتِهِ، وَأَكْدَتِ الْآمالُ، وَخَشَعَتِ الْجِبالُ، وَاُضيعَ الْحَرِيمُ، وَاُزيلَتِ الْحُرْمَةُ عِنْدَ مَماتِهِ. فَتِلْكِ وَاللهِ النّازلَةُ الْكُبْرى، وَالْمُصيبَةُ الْعُظْمى، لا مِثْلُها نازِلَةٌ وَلا بائِقَةٌ عاجِلَةٌ أعْلَنَ بِها كِتابُ اللهِ -جَلَّ ثَناؤُهُ- فِي أَفْنِيَتِكُمْ فِي مُمْساكُمْ وَمُصْبَحِكَمْ هِتافاً وَصُراخاً وَتِلاوَةً وَإلحاناً، وَلَقَبْلَهُ ما حَلَّ بِأنْبِياءِ اللهِ وَرُسُلِهِ، حُكْمٌ فَصْلٌ وَقَضاءٌ حَتْمٌ[25]: “وَما مُحَمَّدٌ إلاّ رَسولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإنْ ماتَ أَو قُتِلَ انقلَبْتُمْ على أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشّاكِرينَ”[26].
وهنا صار حديثها (عليها السلام) عاطفياً مؤثراً, لأن الأنصار ينفع معهم هذا الأسلوب بحكم علاقتهم بالرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم), لأنهم ساندوه وأيدوه عاطفياً وعقلاً، ووفروا له الحماية والنصرة في وقت تعرضوا في سبيل ذلك الى مصاعب جمة, ولو لم يكن ايمانهم فيه جزء عاطفي كبير لما قاتلوا قريش، مع ما تمثله من ثقل اجتماعي وديني واقتصادي كبير.
واستمرت الزهراء (عليها السلام) في خطبتها مع الأنصار فقالت لهم: “أيْهاً بَنِي قَيْلَةَ! أاُهْضَمُ تُراثَ أبِيَهْ وَأنْتُمْ بِمَرْأى مِنّي وَمَسْمَعٍ، ومُبْتَدأٍ وَمَجْمَعٍ؟! تَلْبَسُكُمُ الدَّعْوَةُ، وتَشْمُلُكُمُ الْخَبْرَةُ، وَأنْتُمْ ذَوُو الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ، وَالأَداةِ وَالْقُوَّةِ، وَعِنْدَكُمُ السِّلاحُ وَالْجُنَّةُ؛ تُوافيكُمُ الدَّعْوَةُ فَلا تُجِيبُونَ، وَتَأْتيكُمُ الصَّرْخَةُ فَلا تُغيثُونَ، وَأنْتُمْ مَوْصُوفُونَ بِالْكِفاحِ، مَعْرُفُونَ بِالْخَيْرِ وَالصَّلاحِ، وَالنُّجَبَةُ الَّتي انْتُجِبَتْ، وَالْخِيَرَةُ الَّتِي اخْتيرَتْ! قاتَلْتُمُ الْعَرَبَ، وَتَحَمَّلْتُمُ الْكَدَّ وَالتَّعَبَ، وَناطَحْتُمُ الاُْمَمَ، وَكافَحْتُمً الْبُهَمَ، فَلا نَبْرَحُ أو تَبْرَحُونَ، نَأْمُرُكُمْ فَتَأْتَمِرُونَ حَتَّى دَارَتْ بِنا رَحَى الإْسْلامِ، وَدَرَّ حَلَبُ الأَيّامِ، وَخَضَعَتْ نُعَرَةُ الشِّرْكِ، وَسَكَنَتْ فَوْرَةُ الإْفْكِ، وَخَمَدَتْ نيرانُ الْكُفْرِ، وهَدَأتْ دَعْوَةُ الْهَرْجِ، وَاسْتَوْسَقَ نِظامُ الدِّينِ؛ فَأَنّى جُرْتُمْ بَعْدَ الْبَيانِ، وَأَسْرَرْتُمْ بَعْدَ الإْعْلانِ، وَنَكَصْتُمْ بَعْدَ الإْقْدامِ، وَأشْرَكْتُم ْبَعْدَ الإْيمانِ؟ “ألا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَداؤُكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ أتَخْشَوْهُمْ فَاللهُ أحَقُّ أنْ تَخْشَوْهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين أَلا قَدْ أرى أنْ قَدْ أَخْلَدْتُمْ إلَى الْخَفْضِ، وَأبْعَدْتُمْ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْبَسْطِ وَالْقَبْضِ، وَخَلَوْتُمْ بِالدَّعَةِ، وَنَجَوْتُمْ مِنَ الضِّيقِ بِالسَّعَةِ، فَمَجَجْتُمْ ما وَعَيْتُمْ، وَدَسَعْتُمُ الَّذِي تَسَوَّغْتُمْ، “فَإنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأْرْضِ جَمِيعاً فَإنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ”[27]. ألا وَقَدْ قُلْتُ ما قُلْتُ عَلى مَعْرِفَةٍ مِنّي بِالْخَذْلَةِ الَّتِي خامَرَتْكُمْ، وَالغَدْرَةِ التِي اسْتَشْعَرَتْها قُلُوبُكُمْ، وَلكِنَّها فَيْضَةُ النَّفْسِ، وَنَفْثَةُ الْغَيْظِ، وَخَوَرُ الْقَنا، وَبَثَّةُ الصُّدُورِ، وَتَقْدِمَةُ الْحُجَّة”[28].
ونلحظ هنا بروز الأسس التالية من خطبتها:
1- ذكرت (سلام الله عليها) الأنصار بفعلهم المشرف بنصرتهم للنبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وايواءه بعد ان ضاق به أهله وعشيرته.
2- عتبها عليهم في موافقتهم لمن منعها ارثها من أبيها النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم), والمعروف ان العتب هو أول درجات الخطية القاسي، اذ يأتي بعده الحساب ثم العقاب.
3- تنبيههم لأمر مهم غاب عنهم في وقع ذهولهم بوفاة الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ان الرسول ليس شخصاً انما منهاج يتبع, لذا فان موته المادي لا يعني موته المعنوي والتنكب عن سيرته ومنهاجه.
4- ذكرت الأنصار بأسلوب عاطفي أنها ابنة من نصروه وازروه في ظروف صعبة وقاسية، فكيف بهم وهم ينكثون بابنته, مع ان الظروف الان تعد جيدة نسبياً مقارنة بالظروف المحيطة بنصرة الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) من قبيل النصر على الكفار والمشركين, وهي بذلك لامست فيهم وتر حماية الجار والذب عن الدخيل، لاسيما اذا تعلق الامر بالمرأة، مع أن مكانها عالي وسامي، وهي تجير وتشفع، لكنها تعاملت بواقعية شديدة مع من تحاوره، اذ جسدت بواقعيتها هذه حديث ابيها (صلى الله عليه واله وسلم): “إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم”[29].
وفي نهاية المطاف من الخطية، قررت (عليها السلام) النتيجة النهائية له من خلال قولها: “فَدُونَكُمُوها فَاحْتَقِبُوها دَبِرَةَ الظَّهْرِ، نَقِبَةَ الْخُفِّ، باقِيَةَ الْعارِ، مَوْسُومَةً بِغَضَبِ اللهِ وَشَنارِ الْأَبَدِ، مَوْصُولَةً بِنارِ اللهِ الْمُوقَدَةِ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ. فَبعَيْنِ اللهِ ما تَفْعَلُونَ “وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون”[30]. وَأَنَا ابْنَةُ نَذِيرٍ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَديدٍ، “فَاعْمَلُوا إنّا عامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ”[31] .
ونلحظ هنا الملامح التالية من أدب الخطية:
1- أثبتت انها ليست حريصة على وراثة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ماديا، بل ان الامر أكير من ذلك, فهي وزوجها ورثته المعنويين الحقيقيين, وقد برهنت على ذلك من خلال تركها لهم الارث المادي واعراضها عنه.
2- نبهتهم ان ما اخذوه من ورث مادي سيأخذونه مصحوباً بكل ما هو غير طيب ومحبذ, لأنه قد أخذ غصباً دون رضا، وفي ذلك تجسيد لحديث النبي (صلى الله عليه واله وسلم): “لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه”[32]
3- أوكلت أمرها وأمرهم الى الله تعالى, وفي ذلك تنبيه مهم لمن يباشر خطباً ان لا يجعل النهايات سائبة في خطيه, بل يعمد الى انهاءه بالوصول الى نتيجة نهائية، تمثلت هنا بالاحتكام وايكال الأمر الى الله تعالى.
4- تمثلت بآيات قرآنية، وفي ذلك التفاتة ذكية لإلزام المسلمين بمرجعية خطية لا يمكن تجاوزها هي القران الكريم الذي “لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ”[33]
وهنا جاء الرد من القوم على ما تفضلت به الزهراء (عليها السلام)، اذ أجابها أبو بكر بقوله: “يَا ابْنَةَ رَسُولِ اللهِ، لَقَدْ كانَ أَبُوكِ بالمُؤْمِنِينَ عَطُوفاً كَريماً، رَؤُوفاً رَحِيماً، وَعَلىَ الْكافِرِينَ عَذاباً ألِيماً وَعِقاباً عَظِيماً ؛ فَإنْ عَزَوْناهُ وَجَدْناهُ أباكِ دُونَ النِّساءِ، وَأَخاً لِبَعْلِكِ دُونَ الْأَخِلاّءِ، آثَرَهُ عَلى كُلِّ حَمِيمٍ، وَساعَدَهُ فِي كُلِّ أمْرٍ جَسيمٍ، لا يُحِبُّكُمْ إلّا كُلُّ سَعِيدٍ، وَلا يُبْغِضُكُمْ إلّا كُلُّ شَقِيٍّ؛ فَأَنْتُمْ عِتْرَةُ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله الطَّيِّبُونَ، وَالْخِيَرَةُ الْمُنْتَجَبُونَ، عَلَى الْخَيْرِ أَدِلَّتُنا، وَإلَى الْجَنَّةِ مَسالِكُنا، وَأَنْتِ -يا خَيْرَةَ النِّساءِ وَابْنَةَ خَيْرِ الْأنْبِياءِ- صادِقَةٌ فِي قَوْلِكَ، سابِقَةٌ فِي وُفُورِ عَقْلِكِ، غَيْرُ مَرْدُودَةٍ عَنْ حَقِّكِ، وَلا مَصْدُودَةٍ عَنْ صِدْقِكِ، وَوَاللهِ، ما عَدَوْتُ رَأْيَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله يَقُولُ: “نَحْنُ مَعاشِرَ الْأَنْبِياءِ لا نُوَرِّثُ ذَهَباً وَلا فِضَّةً وَلا داراً وَلا عِقاراً، وَإنَّما نُوَرِّثُ الْكُتُبَ وَالْحِكْمَةَ، وَالْعِلْمَ وَالنُّبُوَّةَ، وَما كانَ لَنا مِنْ طُعْمَةٍ فَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ بَعْدَنا أنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِحُكْمِهِ , وَقَدْ جَعَلْنا ما حاوَلْتِهِ فِي الكُراعِ وَالسِّلاحِ يُقابِلُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، وَيُجاهِدُونَ الْكُفّارَ، وَيُجالِدُونَ الْمَرَدَةَ ثُمَّ الْفُجّارَ، وَذلِكَ بِإجْماعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ أَتَفَرَّدْ بِهِ وَحْدِي، وَلَمْ أَسْتَبِدَّ بِما كانَ الرَّأْيُ فِيهِ عِنْدِي. وَهذِهِ حالي، وَمالي هِيَ لَكِ وَبَيْنَ يَدَيْكِ، لانَزْوي عَنْكِ وَلا نَدَّخِرُ دُونَكِ، وَأَنْتِ سَيِّدَةُ اُمَّةِ أبِيكِ، وَالشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ لِبَنِيكِ، لا يُدْفَعُ ما لَكِ مِنْ فَضْلِكِ، وَلا يُوضَعُ مِنْ فَرْعِكِ وَأَصْلِكِ؛ حُكْمُكِ نافِذٌ فِيما مَلَكَتْ يَداي، فَهَلْ تَرينَ أَنْ اُخالِفَ فِي ذلِكِ أباكِ صلّى الله عليه وآله؟” [34]
ونلحظ ان أبا بكر قد اعتمد في ردوده على الأمور الاتية:
1- أثبت المقام السامي للصديقة الطاهرة هي وزوجها الامام علي (عليهما السلام) .
2- أصر على انه ورد عن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ان الانبياء لا يورثون عقاراً او مالاً.
3- احتج أنه بفعله هذا فأنه يعمل وفقاً لأوامر الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وسنته .
فأجابته (عليها السلام) بقولها: “سُبْحانَ اللهِ! ما كانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآلهِ عَنْ كِتابِ الله صادِفاً، وَلا لِأَحْكامِهِ مُخالِفاً، بَلْ كانَ يَتَّبعُ أَثَرَهُ، وَيَقْفُو سُورَهُ، أَفَتَجْمَعُونَ إلى الْغَدْرِ اْغتِلالاً عَلَيْهِ بِالزُّورِ؛ وَهذا بَعْدَ وَفاتِهِ شَبِيهٌ بِما بُغِيَ لَهُ مِنَ الْغَوائِلِ فِي حَياتِهِ. هذا كِتابُ اللهِ حَكَماً عَدْلاً، وَناطِقاً فَصْلاً، يَقُولُ: “يَرِثُني وَيَرِثُ مَنْ آلِ يَعْقوبَ”[35] ،”وَوَرِثَ سُلَيْمانَ داوُدَ” [36] فَبَيَّنَ عَزَّ وَجَلَّ فيما وَزَّعَ عَلَيْهِ مِنَ الأَقْساطِ، وَشَرَّعَ مِنَ الفَرايِضِ وَالميراثِ، وَأَباحَ مِنْ حَظَّ الذُّكْرانِ وَالإِناثِ ما أَزاحَ عِلَّةَ المُبْطِلينَ، وأَزالَ التَّظَنّي وَالشُّبُهاتِ في الغابِرينَ، كَلاّ ” بَلْ سَوَّلَتْ لَكُم أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَميلٌ وَاللهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفونَ”[37].
ونلحظ هنا ان ردها (عليها السلام) كان علمياً دقيقاً, فقد اعتمدت على ما هو أعلى وأسمى وعلى من لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو القران الكريم, فاذا كان احتجاجهم هو في قول الرسول (صلى الله عليه واله وسلم), فان القران هو مصدر التشريع الأساس وهو يقر مبدأ وراثة الأنبياء.
وأمام هذه الحجج البليغة والبيانات الشرعية والعقلية الواضحة التي أوردتها فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها، تلعثم القوم ولم يجدوا بينة أو دليل يستندون اليها في ردودهم، وهو ما يتبين من رد أبي بكر ونصه: “صَدَقَ اللهُ وَرَسولُهُ، وَصَدَقَتِ ابْنَتَهُ؛ أَنْتِ مَعْدِنُ الحِكْمَةِ، وَمَوْطِنُ الهُدى وَالرَّحْمَةِ، وَرُكْنُ الدِّينِ وَعَيْنُ الحُجَّةِ، لا أُبْعِدُ صوابَكِ، وَلا أُنْكِرُ خِطابَكِ هؤلاءِ المُسْلِمونَ بَيْنِيَ وبَيْنَكِ، قَلَّدوني ما تَقَلَّدْتُ، وَباتِّفاقٍ مِنْهُمْ أَخَذْتُ ما أَخَذْتُ غَيْرَ مُكابِرٍ وَلا مُسْتَبِدٍّ وَلا مُسْتَأْثِرٍ، وِهُمْ بِذلِكَ شُهود” [38].
ونلحظ هنا أنهم قد فعلوا ما فعلوا، مع اقرارهم بصواب رأي فاطمة الزهراء (عليها السلام)، لكنهم استندوا الى ان هذا الأمر هو ما اتفق عليه المسلمين, وان القرار قطعي ونهائي, وفي ذلك تأمل كبير، فكيف يكون لإجماع المسلمين – لو صح ان هناك اجماع – على ان يتقدم على مصدر التشريع الأساس وهو القران الكريم ؟! .
وبعد ذلك “َالتَفَتَتْ فاطمة عليها السلام وَقالَتْ: مَعاشِرَ النّاسِ المُسْرِعَةِ إِلى قِيلِ الباطِلِ، المُغْضِيَةِ عَلى الفِعْلِ القَبيحِ الخاسِرِ ” أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ أَمْ عَلى قُلوبِهِم أَقْفالُها”[39] كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلوبِكُمْ ما أَسَأتُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ، فَأَخَذَ بِسَمْعِكُمْ وَأَبْصارِكُمْ، وَلَبِئْسَ ما تَأَوَّلْتُمْ، وَساءَ ما أَشَرْتُمْ، وشَرَّ ما مِنْهُ اعتَضْتُمْ، لَتَجِدَنَّ وَاللهِ مَحْمِلَهُ ثَقيلاً، وَغِبَّهُ وَبيلاً إِذا كُشِفَ لَكُمُ الغِطاءُ، وَبانَ ما وَراءَهُ الضَراءُ، “وَبَدا لَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ما لَمْ تَكونوا تَحْتَسِبون” وَ”خَسِرَ هُنالِكَ المُبْطِلونَ[40]““[41].
وهنا وصلت (عليها السلام) الى خاتمة المطاف في خطبتها، فقد علمت ان القوم ماضون في أمرهم دون الالتفات الى الحجج والادلة والبراهين، فبرزت في خاتمة الخطية الجوانب الاتية:
1- أعلنت (عليها السلام) النتيجة النهائية في تقييمها لمن حضر بأنهم مسرعين الى الباطل ومتغاضين عن قول الحق .
2- صرحت بأنهم لا يتدبرون آيات القران الكريم.
3- أنبأتهم بأنهم سيخسرون الكثير بفعلتهم هذه.
وبعد ان انتهت (عليها السلام) من سياق الادلة العقلية في خطبتها، لجأت الى الضرب على الوتر العاطفي لهم، حيث “عَطَفَتْ عَلى قَبْرِ النَّبِيِّ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه وَقالَتْ[42]:
قَدْ كان بَعْدَكَ أَنْباءٌ وَ هَنْبَثَــةٌ * لَوْ كُنْتَ شاهِدَها لَمْ تَكْبُرِ الخَطْبُ
إِنّا فَقَدْناكَ فَقْدُ الأَرْضِ وابِلُهـا * وَاخْتَلَّ قَوِمُكَ فَاشْهَدْهُمْ وَقَدْ نَكِبوا
وَكُلُّ أَهْلٍ لَهُ قُرْبى وَمَنْزِلَـــةٌ * عِنْدَ الإِلهِ عَلَى الأَدْنَيْنِ مُقْتَــرِبُ
أَبْدَتْ رِجالٌ لَنا نَجْوى صُدورِهِمِ * لَمّا مَضَيْتَ وَحالَتْ دونَكَ التُّرَبُ
تَجَهَّمَتْنا رِجالٌ واسْتُخفَّ بِنـا * لَمّا فُقِدْتَ وَكُلُّ الأَرْضِ مُغْتَصَـبُ
وَكُنْتَ بَدْراً وَنُوراً يُسْتَضاءُ بِـهِ * عَلَيْكَ تُنْزَلُ مِنْ ذي العِزَّةِ الكُتُـبِ
وَكانَ جِبْريلُ بِالآياتِ يونِسُنـا * فَقَدْ فُقِدْتَ فَكُلُّ الخَيْرِ مُحْتَجِـبٌ
فَلَيْتَ قَبْلَكَ كانَ المَوْتُ صادَفَنـا * لِما مَضَيْتَ وَحالَتْ دونَكَ الكُتُبُ
إِنّا رُزِئْنا بِما لَمْ يُرْزَ ذُو شَجَـنٍ * مِنَ البَرِيَّةِ لا عُجْمٌ وَلا عَــرَبُ”
وفي ذلك تحريك لمشاعر المسلمين وعواطفهم باستخدامها (عليها السلام) أسلوب الشعر الذي تضمن الجوانب الاتية:
1- شكت (عليها السلام) حالها الى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) من ظلم القوم لها.
2- أوضحت (عليها السلام) منزلة اهل البيت (عليهم السلام) السامية وكيف تم التجاوز على حقوقهم.
3- ذكرت (عليها السلام) المسلمين انهم لم يحفظوا الرسول في ذريته من خلال ما فعلوا.
4- تمنت (عليها السلام) الموت على الحياة في ظل هذه الظروف القاسية.
وبعد ذلك جاء دور خطبتها(عليها السلام) مع الامام علي (عليه السلام)، وهو خطية لم يكن بين زوجة وزوجها, انما كان خطباً قائماً على من كلفوا بحفظ مقام الاسلام وديمومته، اذ: “َانْكَفَأَتْ عليها السلام وأميرُ المُؤْمِنِينَ عليه السلام يَتَوَقَّعُ رُجُوعَها إليْهِ، وَيَتَطَلَّعُ طُلُوعَها عَلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ بِها الدّارُ قالتْ لأميرِ المُؤمنينَ عليه السلام: يا ابْنَ أبِي طالِب! اشْتَمَلْتَ شِمْلَةَ الجَنِينِ، وَقَعَدْتَ حُجْرَةَ الظَّنينِ! نَقَضْتَ قادِمَةَ الأَجْدِلِ، فَخانَكَ ريشُ الأَعْزَلِ؛ هذا ابْنُ أبي قُحافَةَ يَبْتَزُّنِي نُحَيْلَةَ أبي وَبُلْغَةَ ابْنِي، لَقَدْ أجْهَرَ في خِصامِي، وَالفَيْتُهُ أَلَدَّ في كَلامِي، حَتَّى حَبَسَتْنِي قَيْلَةُ نَصْرَها، وَالمُهاجِرَةُ وَصْلَها، وَغَضَّتِ الجَماعَةُ دُونِي طَرْفَها؛ فَلا دافِعَ وَلا مانِعَ، خَرَجْتُ كاظِمَةً، وَعُدْتُ راغِمَةً، أَضْرَعْتَ خَدَّكَ يَوْمَ أَضَعْتَ حَدَّكَ، إِفْتَرَسْتَ الذِّئابَ، وَافْتَرَشْتَ التُّرابَ، ما كَفَفْتُ قائِلاً، وَلا أَغْنَيْتُ باطِلاً، وَلا خِيارَ لي، لَيْتَنِي مِتُّ قَبلَ هَنِيَّتِي وَدُونَ زَلَّتِي [ذِلَّتي]، عَذيريَ اللهُ مِنْكَ عادِياً وَمِنْكَ حامِياً. وَيْلايَ في كُلِّ شارِقٍ، ماتَ الْعَمَدُ، وَوَهَتِ الْعَضُدُ. شَكْوايَ إلى أبي، وَعَدْوايَ إلى رَبِّي. اللّهُمَّ أنْتَ أشَدُّ قُوَّةً وَحَوْلاً، وَأحَدُّ بَأْساً وَتَنْكِيلا”[43].
وهنا عاتبت (عليها السلام) الامام علي (عليه السلام) بمرارة على عدم قيامه بالدفاع والتصدي لمن هضم حقها وأخذ نحلتها, فأجابها الامام علي (عليه السلام) بقوله: ” لا وَيْلَ عَلَيْكِ، الْوَيْلُ لِشانِئِكِ، نَهْنِهي عَنْ وَجْدِكِ يَا ابْنَةَ الصَّفْوَةِ وَبَقِيَّةَ النُّبُوَّةِ، فَما وَنَيْتُ عَنْ ديِني، وَلا أَخْطَأْتُ مَقْدُوري، فَإنْ كُنْتِ تُريدينَ الْبُلْغَةَ فَرِزْقُكِ مَضْمُونٌ، وَكَفيلُكِ مَأمُونٌ، وَما أعَدَّ لَكِ أفْضَلُ ممّا قُطِعَ عَنْكِ، فَاحْتَسِبِي اللهَ “[44]
ونلحظ هنا ان الامام علي (عليه السلام) دافع في أنه لم يهن ولم ينكل، لكنه مؤمن بقضاء الله وقدره, وأنه قرأ الساحة جيداً فوجد ان الاستمرار بالمطالبة يوهن الاسلام ويكالب الأعداء عليه, لذا طلب منها احتساب ذلك عند الله تعالى, فقالت (صلوات الله عليها): “حَسْبِيَ اللهُ، وَأمْسَكَتْ”[45], وفي ذلك أعلى درجات الطاعة لقول امامها قبل أن يكون زوجها.
وعلى الرغم من كل هذا الصدود من المسلمين وانتهاء الخطية معهم، فقد لجأت (عليها السلام) الى نوع اخر من الخطية، هو ما نسميه بالخطية الفعلي دون القولي, وذلك من خلال دوامها في بكائها (عليها السلام) ليل نهار في فراق رسول الله (صلى الله عليه وآله)[46]، وكان قصدها من ذلك أنها قد هُضم حقها ولم تحفظ مكانتها بين المسلمين.
ومن صور الخطية الأخرى لفاطمة الزهراء (عليها السلام) مع المسلمين، ما ورد في خطبتها (عليها السلام) بنساء المهاجرين والأنصار, فـ“لمّا مرضت فاطمة الزهراء عليها السلام المرضة التي توفيت فيها، واشتدّت علّتها، اجتمعت إليها نساء المهاجرين والأنصار ليعدنها، فسلّمن عليها، وقلن: كيف أصبحت من علتك يا بنت رسول الله؟ فحمدت الله تعالى وصلّت على أبيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ثم قالت: أصبحت والله عائفة لدنياكنّ، قالية لرجالكنّ، لفظتهم بعد أن عجمتهم، وشنأتهم بعد أن سبرتهم، فقبحاً لفلول الحدّ، واللعب بعد الجدّ، وقرع الصفاة، وصدع القناة، وخطل الآراء، وزلل الأهواء، ولَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ”[47] لا جرم والله، لقد قلّدتهم ربقتها، وحمّلتهم أوقتها، وشننت عليهم غارتها، فجدعاً وعقراً وبعداً للقوم الظالمين”[48] .
ونلحظ هنا ان فاطمة الزهراء (عليها السلام) بعد ان أعرضت عن رجال المسلمين فتحت خطباً اخراً مع نساءهم، وأوضحت لهن خطورة ما ارتكبه رجالهن من منعها (عليها السلام) لحقها ونحلتها, وفي ذلك أسلوب جديد في الخطية الهادف، تضمن فتح قناة لوم وتقريع لهم في كل بيت من بيوتهم من خلال ما ستتناقله النساء الى رجالهن من لومها (عليها السلام) وتقريعها لهم .
ثم انتقلت (سلام الله عليها) الى موضوع اخر، هو موضوع الخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم), وأوضحت كيف ان المسلمين حادوا عما أقره نبيهم من أمر البيعة للإمام علي (عليه السلام) في غدير خم، بقولها لهن: “ويحهم أنّى زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة والدلالة، ومهبط الروح الأمين، والطَّبين بأمور الدنيا والدين؟ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ, وما الذي نقموا من أبي الحسن؟! نقموا منه والله نكير سيفه، وقلّة مبالاته بحتفه، وشدّة وطأته، ونكال وقعته، وتنمّره في ذات الله عزَّ وجل .وتالله لو تكافّوا عن زمامٍ نبذه إليه رسول الله لاعتقله ثمّ لسار بهم سيراً سُجحا، لا يُكلم خشاشه، ولا يكلّ سائره، ولا يملّ راكبه، ولاَوردهم منهلاً نميراً صافياً رويّاً فضفاضاً ، تطفح ضفتاه، ولا يترنّق جانباه ، ولاَصدرهم بطاناً ، ونصح لهم سراً وإعلاناً، ولم يكن يتحلّى من الغنى بطائل، ولا يحظى من الدنيا بنائل ، غير ريّ الناهل ، وشبعة الكافل، ولبان لهم الزاهد من الراغب، والصادق من الكاذب” وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ”[49] ، ألا هلم فاستمع، وما عشت أراك الدهر عجباً، وإن تعجب فعجب قولهم ليت شعري إلى أيّ لَجأ لجأوا، وإلى أيّ سناد استندوا ، وعلى أي عماد اعتمدوا، وبأيّ عروة تمسكوا ، وعلى أيّ ذريّة قدّموا واحتنكوا “ لَبِئْسَ الْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ“[50] وبئس للظالمين بدلاً . استبدلوا والله الذنابى بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قومٍ” يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا”[51] ، “أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ”[52]
ونلحظ هنا نجد بلاغة عالية في خطبتها(عليها السلام) مع تضمين الكلام آيات من القران الكريم, وقد استخدمت في خطبتها مع النساء الأسلوب غير المباشر، فيقينا كان المستهدف بالحديث ليس النساء لان لا مسؤولية لهن فيما حدث, بل هو لإيصال رسالة اضافية الى القوم بأنهم قد أخطأوا فيما فعلوه في منع الزهراء (عليها السلام) من ميراثها ومنع الامام (عليه السلام) من تسنم موقع الخلافة الاسلامية وكل هذا جرى بحجج لا مبرر لها.
ثم ختمت (عليها السلام) حديثها معهن بقولها: “ويحهم “أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ”[53] أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثمّ احتلبوا ملء القَعب دماً عبيطاً، وذعافاً مبيداً، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غبّ ما أسس الأولون، ثم طيبوا عن دنياكم نفساً، واطمئنّوا للفتنة جأشاً، وابشروا بسيف صارم، وسطوة معتدٍ غاشم، وبهرج دائمٍ شاملٍ، واستبدادٍ من الظالمين، يدع فيأكم زهيداً، وجمعكم حصيداً فيا حسرتى لكم، وأنّى بكم وقد عميت عليكم؟[54] “أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ”[55].
وهنا تحقق ما أرادته (عليها السلام) من خطبتها مع نساء المهاجرين والأنصار، فقد نقلت النساء هذا الحديث الى ازواجهن، اذ يذكر سويد بن غفلة: “فأعادت النساء قولها على رجالهنّ، فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار معتذرين، وقالوا: يا سيدة النساء، لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر من قبل أن يُبرَم العهد ويُحكَم العقد، لما عدلنا إلى غيره”[56] .
وهنا رد المسلمون عليها بحجة أخرى هي ان الأمر قد خرج من أيديهم بعد ان تمت البيعة, بل حاولوا القاء اللوم على الامام علي (عليه السلام) في أنه لم يطالب بحقه وتهاون فيه, وهنا جاء ردها (عليها السلام) النهائي عليهم بعد أن علمت ان القوم مصرين على ما فعلوا, وأنه لن يثنيهم عما أرادوا شيء سواء كان حجة منطقية او آيات قرآنية او حديث نبوي, لذا ختمت خطبتها بقولها: “إليكم عنّي، فلا عذر بعد تعذيركم، ولا أمر بعد تقصيركم”[57] .
الخاتمة
بعد اكمال البحث يمكن استخلاص ابرز الافكار الموجودة فيه, هي:
1- لم نجد نصوص كثير لخطية فاطمة الزهراء (عليها السلام) مع الكفار والمشركين في مكة، وربما يعود ذلك الى صغر سنها واكتفائها بوالدها رسول الله محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وتكليفها الشرعي بوجوب التحجب عن الرجال ومحافلهم العامة.
2- كانت (عليها السلام) ومنذ بدايات حياتها المبكرة في موضع مواجهة وتفاعل وخطية مع الكفار والمشركين، وكان هذا الخطية أما قولي- على قلته- أو فعلي.
3- وصلت (عليها السلام) في خطبتها مع المشركين الى أقصى حد، وذلك بعد اعراضهم الكامل عن الأدلة والبراهين المقنعة للدين الاسلامي، مما ادى الى دعائها عليهم بالهلاك .
4- تمثل خطبتها(عليها السلام) مع المنافقين في المدينة المنورة بالفعل دون القول، وذلك عندما لزمت صف المسلمين في غزوة احد وحجة الوداع .
5- تمثل خطبتها(عليها السلام) مع المسلمين بأنه مثل الشق الأكبر من خطبتها مع الاخرين, ويعود ذلك الى جملة أسباب أبرزها غياب رسول الله محمد (صلى الله عليه واله وسلم) بعد وفاته وتكليفها الشرعي الذي أوجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وحرصها على الخلافة الحقيقية للنبي.
6- كان من أبرز مواقف الخطية مع المسلمين هو خطبتها في المسجد النبوي بعد وفاة انبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم).
7- استخدمت (عليها السلام) أسلوب الاستشهاد بالقران الكريم عند خطبتها مع المسلمين لأنه اصل التشريع وكل المصادر الاخرى تعود اليه .
8- كان من مواقف الخطية مع المسلمين ما اختصت به نساء المهاجرين والانصار عندما زرنها في مرضها الذي توفيت به .
9- استخدمت (عليها السلام) – وبعد عدم اقتناع المسلمين بارائها- عندما حاورتهم في امر فدك الاسلوب الفعلي في الخطية متمثلا بانصرافها للحزن الشديد على فقد ابيها, الذي ارادت به ان تشعر المسلمين ان الرسول لم يفارقهم جسدا فقط, بل فارقهم منهجا وسيرة وعمل, والثاني اعراضها عنهم وعدم اللقاء بهم, وهذا يمثل اقصى درجات التقاطع بين المتحاورين.
هوامش البحث
[1] ينظر : صحيح البخاري ، كتاب الجزية والموادعة ، باب طرح جيف المشركين في البئر ، عالم الكتب ـ بيروت, ج4 , ص220.
[2] روى هذه الخطبة:” ابن أبي طيفور في بلاغات النساء : 19 . والشيخ الصدوق في معاني الأخبار : 354 | 1 . والشيخ الطوسي في أماليه : 374 | 804 . والطبري في الدلائل : 125 | 37 . والاربلي في كشف الغمة 1 : 492 . والطبرسي في الاحتجاج 1 : 108 . وابن أبي الحديد في شرح النهج 16 : 233 . والعلامة المجلسي في البحار 43 : 158 ـ 159″ .
[3] ينظر: اخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار, ج 4, ص175، رقم: (3477).
[4] ينظر : المصدر نفسه.
[5] ينظر : المصدر نفسه.
[6] ينظر :المصدر نفسه.
[7] المصدر نفسه
[8] النحل : 125
[9] الانفال : 26
[10] المائدة : 64
[11] رويت خطبة الزهراء في المسجد النبوي بعد وفاة الرسول باكثر من طريق فممن روى هذه الخطبة من العامة : ” عبد الحميد ابن أبي الحديد المتوفى سنة 656 في كتابه (شرح نهج البلاغة) ج 16 ص211-213 و ص249و252. ورواها أبو بكر الجوهري المتوفى سنة 323 في كتابة (السقيفة وفدك) بعدة طرق. ورواها ابن طيفور المتوفى سنة 280 في كتابه (بلاغات النساء) بعدة طرق. ورواها بان الأثير المتوفى سنة 606 في كتابه (منال الطالب في شرح طوائل الراغب) الصفحات 501-507. ورواها الخوارزمي المتوفى سنة 568 عن الحافظ ابن مردويه في (مقتل الحسين) ج1 ص77. ورواها الأستاذ عمر رضا كحالة في كتابه (أعلام النساء) ج3 ص1208 عن طريق صاحب بلاغات النساء” .
[12] التوبة : 49
[13] الكهف : 50
[14] ال عمران : 85
[15] ينظر : كشف الغمة في معرفة الأئمة , الاربلي , ج 2 , ص 90.
[16] المائدة : 50
[17] مريم : 27
[18] النمل : 16
[19] مريم : 6
[20] الانفال : 75
[21] النساء : 11
[22] البقرة : 180
[23] ينظر : روى هذه الخطبة:” ابن أبي طيفور في بلاغات النساء : 19 . والشيخ الصدوق في معاني الأخبار : 354 | 1 . والشيخ الطوسي في أماليه : 374 | 804 . والطبري في الدلائل : 125 | 37 . والاربلي في كشف الغمة 1 : 492 . والطبرسي في الاحتجاج 1 : 108 . وابن أبي الحديد في شرح النهج 16 : 233 . والعلامة المجلسي في البحار 43 : 158 ـ 159″ .
[24] هود : 39
[25] ينظر : ،مناقب آل أبي طالب (ع)، ابن شهر آشوب المازندراني , ج 3، ص 341، مؤسسه انتشارات علامة، قم، 1379ق.
[26] ال عمران : 144
[27] ابراهيم : 8
[28] ينظر : ،مناقب آل أبي طالب (ع)، ابن شهر آشوب المازندراني , ج 3، ص 341، مؤسسه انتشارات علامة، قم، 1379ق.
[29] الكافي, لكليني , ج1 , ص 23.
[30] الشعراء : 227
[31] هود : 121
[32] سنن الدارقطني , ابو الحسن علي الدارقطني , تحقيق : شعيب الارناؤوط واخرون , مؤسسة الرسالة , بيروت , 2004 , ج3 , ص 23.
[33] فصلت : 42
[34] ينظر : كشف الغمة , الاربلي , ج2, ص77 ،
[35] مريم : 6
[36] النمل : 16
[37] يوسف : 83
[38] ينظر :
[39] محمد : 24
[40] غافر : 78
[41] ينظر: مسار الشيعة , المفيد , ص54
[42] ينظر : المصدر نفسه.
[43] ينظر : المصدرنفسه.
[44] المصدر نفسه
[45] المصدر نفسه
[46] الامالي , المفيد , ص40.
[47] المائدة : 80
[48] ينظر : بن شهر آشوب المازندراني , ج 3، ص 341، مؤسسه انتشارات علامة، قم، 1379ق.
[49] الاعراف : 96
[50] الحج : 13
[51] الكهف : 104
[52] البقرة : 12
[53] يونس : 35
[54] ينظر : ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 16 ص211-213.
[55] هود : 28
[56] ينظر : دلائل الإمامة , الطبري , ص ٨١ .
[57] ينظر : المصدر نفسه.
قائمة المصادر والمراجع :