مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
صفات المنافقين في خطاب السيدة الزهراء(ع)…بقلم الاستاذ عبدالحسن الناصر
+ = -

صفات المنافقين في خطاب السيدة الزهراء(ع)

        لقد أوضحت الزهراء (ع) في خطابها الكثير من صفات المنافقين نعرض لها في أبعاد مختلفة:

البعد الاول: الفتنة: للفتنة عدة معانٍ(1) فمن معانيها: تعريض الانسان للهلاك والعذاب تقول (ع)  ” ابتداراً زعمتم خوف الفتنة, ﭽ ﭪ  ﭫ  ﭬ     ﭭﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ   ﭼ(2) فهيهات منكم…”(3)  ” فالإنسان الذي يأبى نداء الحق؛ معللاً موقفه بالخوف من الفتنة, فهو في الواقع ساقط فيها بمجرد عدم التزامه واستجابته للنداء؛ لأنه بذلك قد خرج عن الجادَّة, وأهلك نفسه لعدم التزامه بالأوامر والاحكام الشرعية سواء الالهية منها أم الصادرة من ولي الامر”(4).

البعد الثاني: التّرَبُّص: تقول (ع) ” وانتم في رفاهيةٍ من العيشِ وادعون فاكهون آمنون, تتربَّصون بنا الدوائرَ, وتتوكَّفُون الأخبارَ, وتنكُصُون عند النِّزالِ, وتفِرُّون مـن

القتال(5) معنى التَّرَبُّص: هو المكث والانتظار لحصول شيء ما, والتَّرَبُّص بالشيء, أن تَنتظِرَ به يوماً ما(6), ومعنى الدائرة, الهزيمة, وصروف الزمان والعواقب المذمومة, ويكثر استعمالها في تحول النعمة الى الشِّدَّة, والمعنى كنتم تنتظرون نزول البلايا علينا وزوال النعمة والغلبة عنَّا, فهؤلاء المنافقون كانوا ينتظرون أن تلحق الهزيمة بالمسلمين, بما يخدم مصالحهم الشخصية, أو كانوا هم أنفسُهم ينتظرون الفرصة المناسبة؛ كي ينقضُّوا على المسلمين لإلحاق الهزيمة بهم, ولعل هذا الاخير هو المقصود(7).

البُعد الثالث: التَّوَكُّف: تقول (ع) ” وتَتَوَكَّفُونَ الأخْبَارَ(8) معنى التوكُّف, هو التوقع, والانتظار, وتوكَّفُ الأثر, تتبُّعه, وأهل القبور يتوكَّفون الأخبار, أي يتطلعون(9) والمقصود بالأخبار بحسب السياق اخبار المصائب والفتن. أي انَّكم كنتم تنتظرون الفتنة وحلول المصيبة؛ لغايات في أنفسكم.

البُعد الرابع: النكوص والفرار: تقول (ع) ” وتنكُصُونَ عند النزال, وتفرون من القتال(10), النكوص, بمعنى الإحجام والإنقداع عن الشيء, والرجوع الى الوراء وهو القهقرى, ونكص على عقبيه, أي رجع . ولا يُقال ذلك الا في الرجوع عن الخير خاصة(11) , فمن لم يكن لديه إيمان بالمبدأ الذي يقاتل من أجله, فلا سبيل لديه عند المنازلة الا الهزيمة والفرار, وهذا حال المنافقين.

     وللنكوص في خطابها (ع) معنى آخر وهو الرجوع عن الاسلام والايمان والمبدأ الحق, تقول (ع) مخاطبة الانصار ” …ونكصتم بعد الاقدام(12), أي بعدما أقدمتم عليه في حياة النبي الكريم (ص).

البعد الخامس: الغدر والخذلان: تقول (ع) ” ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفةٍ منِّي بالخَذلَةِ التي خَامَرَتْكُم, والغَدْرَةِ التي استشعَرَتْها قلوبُكُم…”(13), الخَذْل, هو ترك النُّصرة(14), والغدر ضد الوفاء أو تركُه, وهو نقض العهد(15), والمخامرة, بمعنى المخالطة, وإنّما سُمِّيَ الخمرُ خمراً, لمُخامَرته العقل, أي مخالطته. فيكون المعنى في قولها (ع), أنَّ ترك النصرة وخذلاننا قد خالطكم وراودتكم, ونقضتم العهد وهي سِمَةٌ قد تلبَّستكم والتصقت بكم, كما يلتصق الثوب بالبدن, وهذا هو معنى (استشعرتها قلوبكم), فالشِّعار, هو الثوب الملاصق للبدن, في قبال, الدِّثار, وهو الثوب غير الملاصق للبدن(16), وهنا تظهر جمالية استعارة الثوب الملاصق للبدن, لنقض العهد وملاصقته لقلوبهم, فحققت الاستعارة انزياحاً استبدالياً, أي أنَّ ” الكلمة المستعارة أُبدِلت من كلمة أخرى بسبب المشابهة أو التناسب “(17).

البعد السادس: الاستبدال, مأخوذ من بَدَلَ الشيءِ غيرُه, واستبدلَ الشيءَ بغيرهِ, إذا أخذه مكانَه(18). تقول (ع) ” استبدلُوا والله الذَّنَابى بالقَوادِم, والعَجْزَ بالكاهِل…”(19) والمعنى أنَّ القوم قد أزاحوا صاحب الحق الشرعي, واستبدلوه بغيره, فكانوا كمن استبدل قوادم الطير بِذنبِه, واستعاض عن الكاهل(20)– وهو ما يُعتَمدُ عليه في إدارة شؤون الرعية وهو مُقدَّم القوم- بالعجز وهي استعارة حسِّيّة .                                                 نلاحظ مما تقدم وجود علاقة الترادف الجزئي(21) بين (التربُّص والتوكُّف), فالتربُّص: هو الانتظار المُستتبِع للمكيدة, أي الاقدام على الفتنة والفساد؛ ولذا تتبعها الزهراء (ع) بذكر (الدائرة) وهي الهزيمة. أمَّا التَّوكُّف: فهو الانتظار أيضاً غير المستتبِع للمكيدة, فهو التَوقُّع والتَّطلُّع للأخبار الفاسِدة من غير الإقدام على الفساد.

  • (1) ينظر: الميزان 9/50

  • (2) التوبة: 49

  • (3) الاحتجاج: 1/265

  • (4) ينظر: تفسير سورة الحديد للسيد محمد باقر الحكيم(قد) 116

  • (5) الاحتجاج: 1/263

  • (6) ينظر: لسان العرب 5/125 مادة (ربص)

  • (7) ينظر: تفسير سورة الحديد للسيد محمد باقر الحكيم(قد) 117, والزهراء (ع) وخطبة فدك: 89

  • (8) الاحتجاج: 1/264

  • (9) ينظر: كتاب العين 5/413 مادة (وكف), ولسان العرب: 15/436 مادة (وكف)

  • (10) الاحتجاج: 1/ 264

  • (11) ينظر: لسان العرب 14/313 مادة (نكص), والصحاح 1141 مادة (نكص)

  • (12) الاحتجاج: 1/272

  • (13) م.ن: 1/273

  • (14) ينظر: كتاب العين 4/244 مادة (خذل)

  • (15) ينظر لسان العرب 10/20 مادة (غدر)

  • (16) ينظر اللمعة البيضاء 683

  • (17) نظرية المعنى في النقد الادبي 84

  • (18) ينظر معجم الصحاح 72 مادة (بدل)

  • (19) الاحتجاج 1/290

  • (20) الكاهل: مقدَّم أعلى ظهر البعير مما يلي العنق. ينظر لسان العرب 12/197 مادة (كهل).

  • (21) وهو اطلاق عدة كلمات على مدلول واحد, فما اختلف لفظه واتفق معناه سمِّيَ ترادفاً, والترادف التام بها المعنى قليل جدا لذا ذهب (أولمان) الى أنَّ معظم المترادفات ليست إلا انصاف أو أشباه مترادفات, وأنه لا يمكن استعمالها في السياق الواحد, أو الاسلوب الواحد دون تمييز بينها…ولا يمكن التبادل بينها الا في حدود ضيقة فقط.