ألفاظ الحمد والشكر والثناء والمدح في خطاب الزهراء(ع)…بقلم الاستاذ عبدالحسن الناصر
ألفاظ الحمد والشكر والثناء والمدح في خطاب الزهراء(ع)
1- الحمد: ذكرت الزهراء (ع) لفظة (الحمد) في استهلال خطبتها, وفي أغلب أدعيتها تقول (ع) ” الحَمْدُ للهِ على مِا أنْعَمَ “(1), وما إضافته الى لفظ الجلالة (الله) إلا للإشعار باختصاصه به تعالى تقول (ع) في تسبيحها ” سُبْحَان مَن اسْتَخْلَصَ الحَمْدَ لِنَفْسِه وارْتَضاه “(2), و(الحمد لله) من الكلمات الجامعة, التي لو أدَّاها الانسان لأدّى حقَّ الحمدِ لله تعالى(3).
والحمد, هو نقيض الذَّم(4), وهو الثناء على الجميل الاختياري الحسن باللسان, (5), بقصد التعظيم, ويعمُّ النِّعمة وغيرها, وهي أعمُّ من البقية؛ لأنَّك تحمد الإنسان على صفاته الذاتية, وعلى عطائه ومعروفه(6), وجميع المحامد مختصةٌ بالخالق تعالى, فإليه مرجع جميع النعم والاحسان. ويظهر أنَّ الالف واللام هنا للجنس المستغرق لجميع وجوه الحمد .
الشُّكر: الثناء على الجميل بما أولاكَهُ من المعروف(7), ولا يكون الشكر الا على النِّعمة(8)؛ ذلك أنَّ النعمة والانعام متضمِّنٌ بالشكر الذي يجب وجوب الدَّين(9), فلا يكون الا في مقابل الصنيع واليد. تقول (ع): ” ولَه الشُّكرُ على ما ألهَم..”(10), فترى الزهراء (ع) الإلهام والإلقاء من لدنه تعالى نعمة تستحق الشكر والثناء, بل أنَّ كل صنيعه تعالى مما يجب شكره عليه(11), و” الشكر مقابلة النعمة بالقول والفعل والنيّة, فيثني على المُنعِم بلسانِه, ويُذيب نفسه في طاعته ويعتَقِد أنَّه مُوليها”(12). فتطلُب الزهراء (ع) على هذا الزيادة في شُكرِه تعالى ” … وزِدنَا لَكَ شُكْراً “(13)؛ ففي ذلك زيادة عطاء المُعطِي تعالى(14). وشكر الخالق تعالى على اتمِّ وجه هو مما يقصُر المخلوق عن بلوغه وتحصيله؛ فكل حركة وسكنَة وكل نفسٍ, ينبغي شكره عليه؛ لذا تسأل الزهراء (ع) الخالق تعالى المعونة على شُكْرِه تقول: ” اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد وأعِنَّا على شُكْرِكَ وذكْرِك وطاعتِكَ وعِبادَتِكَ برحمتِكَ يا أرحَمَ الرَّاحِمين “(15).
وشكر الله لعبادِه: مغفرتُه لهم ومضاعفته الجزاء, وشكر النَّاس إنَّما هو شكر له تعالى, وشُكْرُ المعصوم تحصيل شفاعته في الآخرة, فضلاً عن الآثار الدنيوية. تقول (ع) في هذا الشأن: ” اللهمَّ اجعل غفلة النَّاس لَنَا ذِكْراً, وذِكْرهم لنا شُكْراً “(16).
1- الثناء: ما تصف به الإنسان من المدح أو الذَّم وقيل: استعمالها في المدح, والذكر الحسن أكثر, وأثنيت عليه, مدحته, تقول (ع) “…والثَّنَاءُ بِمَا قَدَّم “(17),
المَدْح: وهو ما يقابل الذَّم والهجاء, وهو حُسْنُ الثَّناء, والجمع المدائحُ والاماديح(18), وهو مما لا يعتبر أن يكون على الفعل الاختياري, فضلاً عن كونِه إحساناً(19).
الموازنة بين الألفاظ الأربعة:
1- بين الحمد والشكر عموم وخصوص من وجه؛ فمورد الشكر خصوص النِّعمة, ولا يكون إلا في مقابل إنعام أو إحسان, أمَّا الحمد فيعمَّ النعمة وغيرها ويكون فيه معنى التعظيم للممدوح, والحمد ثناء اختياري باللسان, أمَّا الشُّكر فباللسان والفعل وغيرهما.
2- المدح أعم من الحمد من جهة المورد؛ فالحمد لا يُطلَق إلا على الصفات والافعال الاختيارية التي ليست خَلْقِيَّة, فلا تقول حمدتُ اللؤلؤة لصفاتها؛ فصفتها هذه ليس اختيارية.
أمَّا المدح, فيُطلق على الصفات والأفعال الاختيارية والخَلْقِيَّة, فتقول مدَحتُه لكرمِه ولجمالِه. فالأولى اختيارية, والثانية خَلْقيَّة.
3- الثَّناء أعمُّ مُطلَقاً من المدح؛ فالثناء على ما قيل ما يشمل المدح والذَّم. أمَّا المدح فلا يُستعمل إلا في الثناء الحسن الجميل.
4- إنَّ الحمد يكون على الامر المحبوب والمكروه, ولا يُحمَد على المكروه سوى الله تعالى, بخلاف الشكر الذي لا يكون إلا على المحبوب؛ لأنَّه مقابل المعروف والنِّعمة, وهي أمور محبوبة ومرغوبة(20).
(1) الاحتجاج: 1/255
(2) مسند فاطمة الزهراء (ع): 395
(3) رُوِيَ عن الامام الباقر (ع) أنَّه خرج من منزل فلم يَجِدْ مطيته, فقال: لئن ردَدَها الله تعالى لأحْمِدَنَّه بمحامد يرضاها. فما لبث أنْ أُتيَ بها, فلما استوى عليها وضمَّ اليه ثيابه قال: الحمد لله. ينظر: آداب الصلاة 368.
(4) ينظر: لسان العرب: 3/365 مادة (حمد)
(5) ينظر: البيان في تفسير القرآن: 456
(6) ينظر: لسان العرب 3/366 مادة (حمد).
(7) الصحاح: 588 مادة (شكر).
(8) ينظر: اساس البلاغة: 1/516 مادة (شكر).
(9) ينظر: الفروق اللغوية 193
(10) الاحتجاج: 1/255
(11) ورد عن الامام السجاد (ع) في مناجاته المسمَّاة بـ(مناجاة الشاكرين): ” …فآلاؤُكَ جَمَّةٌ ضَعُف لِساني عن إحصائها, ونَعْمَاؤكَ كثيرَةٌ قَصُرَ فهمي عن إدراكِها فضلاً عنْ استِقْصائها, فكيفَ لِي بتحصِيل الشُّكر؟, وشُكري إيَّاكَ يَفتَقِرُ إلى شُكْر, فكُلَّما قُلْتُ لَكَ الحَمْدُ وجبَ عليَّ لِذلكَ أنْ أقولَ لَكَ الحَمْد “. الصحيفة السجادية 268
(12) لسان العرب: 7/180 مادة (شكر)
(13) مسند فاطمة الزهراء (ع): 395
(14) قال تعالى ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭼ إبراهيم ٧ .
(15) مسند فاطمة الزهراء (ع): 397
(16) م.ن: 396
(17) ينظر: لسان العرب 2/165 مادة (ثني)
(18) ينظر: م.ن 13/ 50 مادة (مدح)
(19) ينظر: البيان في تفسير القرآن: 456
(20) ينظر الفروق اللغوية وأثرها في تفسير القرآن الكريم 220