مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
السيدة الزهراء(عليها السلام) من خلال كتاب العقد الفريد/أ .م. د مها عبدالله نجم الشرقي
+ = -

السيدة الزهراء(عليها السلام) من خلال كتاب العقد الفريد

أ .م. د مها عبدالله نجم الشرقي

جامعة البصرة– كلية التربية للعلوم الانسانية- قسم التاريخ

المقدمة

  يعد كتاب العقد الفريد لأبن عبد ربه الاندلسي (ت328ه/939م) من الكتب المهمة، فهو كتاب موسوعي ،لأنه شامل لمواضيع متعددة منها في الأدب، والتاريخ، والشعر، والنثر، والزهد ، والمواعظ ، والأمثال ، والحديث ، والتراجم الى غيرها .

        فقد تناول ابن عبد ربه ذكر السيدة الزهراء (عليها السلام) في مواضع عديدة من كتابه، وقد ذكر أكثر رواية تبين منزلة السيدة الزهراء (عليها السلام) والتي جعلت حتى المعاندين لها ولذريتها لا ينكرون منزلتها عند الله تعالى ورسوله الكريم( صلى الله عليه واله) وانها(عليها السلام) أفضل النساء وولداها سيدا شباب أهل الجنة.

       وفي موضع اخر من كتاب العقد الفريد ذكرت روايات عن مصادرة حقوق الزهراء(عليها السلام) بعد وفاته(صلى الله عليه واله)، وهذه المصادرة تمثلت بالمصادرة السياسية والاقتصادية متمثلة باغتصاب حق الخلافة من زوجها الإمام علي(عليه السلام) وقد ذكر رواية حرق بيت الزهراء (عليها السلام) عندما أمتنع الإمام علي(عليه السلام) عن مبايعة ابي بكر، أما الحق الاقتصادي الذي صدور منها(عليها السلام) فهو حقها بملكية أرض فدك وكيف أعيدت لذريتها في زمن عمر بن عبد العزيز .

       وبحسب المادة المتوفرة لدينا ستكون خطة البحث متضمنة ثلاثة مباحث الاول بعنوان مقام السيدة الزهراء (عليها السلام)ومنزلتها ، أما المبحث الثاني بعنوان انتهاك الحق  السياسي للزهراء(عليها السلام) ، والمبحث الثالث سيكون في مصادرة ميراث الزهراء (عليها السلام) والمتمثل بفدك وسنفصل في كيفية امتلاكها فدك ؟ وكيف كانت تنفق من مواردها ؟ وكيف سلبت منها بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه واله)؟ وما هو موقف ابو بكر وعمر وعثمان عند استلامهم الخلافة؟ ثم موقف أمير المؤمنين(عليه السلام) عند توليه الخلافة؟ وسنحاول ان نبين ما آلت اليه فدك بعد استشهاده(عليه السلام)، ونبين موقف الخلفاء الامويين قبل عمر بن عبد العزيز وبعده ،ومن ثم الخلفاء العباسيين وبشيء من الإيجاز كون الروايات متعددة والاحداث متسلسلة . واخيراً نسأل الله السداد والتوفيق في انجاز هذا البحث.    

المبحث الأول: مقام الزهراء(عليها السلام) ومنزلتها

        كان للسيدة الزهراء(عليها السلام)  مكانة عظيمة عند والدها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وذلك منذ كانت في  بطن أمها فقد روي انه(صلى الله عليه وآله ) قال عنها وهي لا تزال في بطن أمها :” وإن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها ، وسيجعل من نسلها أئمة ، ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه”(1)، وقد دلت اقواله(صلى الله عليه وآله ) على مكانتها ، ومن ذلك قوله:” ألا إن فاطمة بضعة مني ، فمن آذاها فقد آذاني ، ومن سرها فقد سرني ، ومن غاظها فقد غاظني ؟”(2) ، وقوله:” ان فاطمة بضعة منى وهي نور عيني وثمرة فؤادي يسوءني ما سائها ويسرني ما سرها …”(3)، وايضاً ما ذكره ابن عبدربه بقولة :”… فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ، ولدت الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة صلوات الله عليهم …”(4) .

     فقد كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يحبها حباً ليس له شبيه، وفي ذلك يذكر ابن عبد ربه صورة من صور الحب والاحترام المتبادل بينها (عليها السلام) وبينه (صلى الله عليه وآله وسلم) بروايته التي يذكر فيها :” عن السيدة عائشة أنها قالت :” ما رأيت أحداً من خلق الله أشبه حديثاً وكلاماً برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من فاطمة ، وكانت اذا دخلت عليه أخذ بيدها فقبلها ورحب بها وأجلسها في مجلسه ، وكان إذا دخل عليها قامت إليه ورحبت به وأخذت بيده فقبلتها” (5)، فقد لازمت (عليها السلام) أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) في كثير من المواقف نذكر منها مثلاً وليس على سبيل الحصر خوفها عليه من قريش عندما اجتمعوا على قتله حيث يذكر أنه :” دخلت فاطمة على رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم) وهي تبكي فقال يا بنية ما يبكيك قالت يا أبت مالي لا أبكى وهؤلاء الملا من قريش في الحجر يتعاقدون باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى لو قد رأوك لقاموا إليك فيقتلونك وليس منهم رجل الا وقد عرف نصيبه من دمك فقال يا بنية ائتني بوضوء فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم خرج إلى المسجد فلما رأوه قالوا ها هو ذا فطأطأوا رؤوسهم وسقطت أذقانهم بين يديهم فلم يرفعوا ابصارهم فناول رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبضة من تراب فحصبهم بها وقال شاهت الوجوه فما أصاب رجلا منهم حصاة من حصاته الا قتل يوم بدر كافرا “(6)، حتى انه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يفارقها فعندما هاجر الى المدينة  وبقيت (عليها السلام) في مكة ، وبعد ان وصل الى المدينة ارسل في طلبها وقد سافر بها الإمام علي (عليها السلام) حيث يذكر :” وخرج علي ( عليه السلام) بفاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله) وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم ، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب – وقد قيل هي ضباعة -وتبعهم أيمن بن أم أيمن مولى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو واقد رسول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فجعل يسوق بالرواحل فأعنف بهم ، فقال علي ( صلوات الله عليه ): ارفق بالنسوة يا أبا واقد ، إنهن من الضعائف . قال : إني أخاف أن يدركنا الطالب – أو قال :الطلب – فقال علي ( عليه السلام ) : أربع عليك ، فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال لي : يا علي ، إنهم لن يصلوا من الآن إليك بما تكرهه . ثم جعل – يعني عليا ( عليه السلام ) – يسرق بهن سرقا رفيقا وهو يرتجز ويقول :

                    ليس إلا الله فارفع ظنكا * يكفيك رب الناس ما أهمكا(7)

     وهكذا بقيت السيدة الزهراء (عليها السلام) ملازمة لأبيها (صلى الله عليه وآله) طيلة حياته ،حتى في فترة مرضه ، فكان اذا افتقدها ارسل في طلبها، فروي ان :” قال أبو ذر الغفاري رحمة الله عليه : دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي توفي فيه فقال : يا أبا ذر إيتني بابنتي فاطمة قال فقمت ودخلت عليها وقلت : يا سيدة النسوان أجيبي أباك ، قال : فلبست جلبابها وخرجت حتى دخلت على رسول الله عليه وآله ، فلما رأت رسول الله صلى الله عليه وآله انكبت عليه وبكت وبكى رسول الله صلى عليه وآله لبكائها ، وضمها إليه ثم قال : يا فاطمة لا تبكي فداك أبوك”(8) ، وكانت لا تفارقه برغم من وجود ازواجه فعندما سئلت السيدة عائشة عن حال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) قالت :” هذه ابنته فاطمة ، فاسألها فإنها لم تزل إلى جانبه”(9) .

      ويطالعنا ابن عبد ربه برواية تبين ملازمتها (عليها السلام) اياه في احتضاره (صلى الله عليه وآله)  بقوله:” كانت فاطمة جالسة عند رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فتراكبت عليه كرب الموت، فرفع رأسه وقال: واكرباه فبكت فاطمة وقالت : واكرباه لكربك يا ابتاه قال : لا كرب على ابيك بعد اليوم” (10)، وايضاً يذكر لنا رواية اخرى ينقلها عن السيدة عائشة انها قالت:” دخلت عليه في مرضه الذي توفي فيه، فأسر اليها فبكت ، ثم أسر إليها فضحكت . فقلت: كنت أحسب لهذه المرأة فضلاً على النساء ، فإذا هي واحدو منهن ، بينما هي تبكي إذا هي تضحك . فلما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سألتها ، فقالت: أسر إلي فأخبرني أنه ميت فبكيت ، ثم أسر إلي أني أول أهل بيته لحوقاً به فضحكت”(11) . ومع شدة مرضه (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنه كان يوصي فيها (عليها السلام) فقد روي أنه: ” دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) وقال لمن في بيته : اخرجوا عني ، وقال لأم سلمة : كوني على الباب فلا يقربه أحد ، ففعلت ، ثم قال : يا علي ادن مني فدنا منه فأخذ بيد فاطمة فوضعها على صدره طويلا ، وأخذ بيد علي بيده الأخرى فلما أراد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الكلام غلبته عبرته ، فلم يقدر على الكلام ، فبكت فاطمة بكاء شديدا وعلي والحسن والحسين ( عليهم السلام ) لبكاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقالت فاطمة : يا رسول الله قد قطعت قلبي ، وأحرقت كبدي لبكائك يا سيد النبيين من الأولين والآخرين ، ويا أمين ربه ورسوله ويا حبيبه ونبيه ، من لولدي بعدك ؟ ولذل ينزل بي بعدك من لعلي أخيك ، وناصر الدين ؟ من لوحي الله وأمره ؟ ثم بكت وأكبت على وجهه فقبلته ، وأكب عليه علي والحسن والحسين صلوات الله عليهم فرفع رأسه ( صلى الله عليه وآله ) إليهم ويدها في يده فوضعها في يد علي وقال له : يا أبا الحسن هذه وديعة الله ووديعة رسوله محمد عندك فاحفظ الله واحفظني فيها ، وإنك لفاعله يا علي هذه والله سيدة نساء أهل الجنة من الأولين والآخرين ، هذه والله مريم الكبرى أما والله ما بلغت نفسي هذا الموضع حتى سألت الله لها ولكم ، فأعطاني ما سألته يا علي انفذ لما أمرتك به فاطمة فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبرئيل(عليه السلام) ، واعلم يا علي إني راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة ، وكذلك ربي وملائكته ، يا علي ويل لمن ظلمها وويل لمن ابتزها حقها ، وويل لمن هتك حرمتها ، وويل لمن أحرق بابها ، وويل لمن آذى خليلها ، وويل لمن شاقها وبارزها ، اللهم إني منهم برئ “(12).

  وبعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) يذكر لنا ابن عبد ربه رواية جاء فيها :”وقفت فاطمة (عليها السلام) على قبر أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت:

           إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * وغاب مذ غب عنا الوحي والكتب

        فليت قبلك كان الموت صادفنا * لما نعيت وحالت دونك الكتب(13)

      ويذكر ابن عبد ربه رواية اخرى تبين حزن السيدة الزهراء (عليها السلام) على ابيها (صلى الله عليه وآله وسلم) وكيف لم يهن عليها ان يرمى التراب على وجهه الشريف بقوله: “عن أنس بن مالك قال: ” لما فرغنا من دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أقبلت عليَ  فاطمة فقالت: يا أنس ، كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على وجه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) التراب، ثم بكت ونادت : يا ابتاه أجاب رباً دعاه ، يا ابتاه من ربه ما أدناه ، يا ابتاه إلى جبريل ننعاه ، يا ابتاه جنة الفردوس مأواه . قال : ثم سكتت ، فما زادت شيئاً”(14).

المبحث الثاني: – انتهاك الحق السياسي للزهراء(عليها السلام)

يذكر لنا ابن عبد ربه رواية  في ذكر الذين تخلفوا عن بيعة ابي بكر بالخلافة وهم الامام علي (عليه السلام) والعباس عم النبي (صلى الله عليه واله وسلم) والزبير بن العوام وسعد بن عبادة ، وجلوسهم في بيت السيدة فاطمة (عليها السلام) ويكمل الرواية بذكر محاولة عمر بن الخطاب أخذ البيعة منهم واستخدام العنف بذلك من خلال أحرق دار السيدة الزهراء (عليها السلام) حيث قال :” فأما علي والعباس والزبير، فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم ابو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة ، وقال له: إن أبوا فقاتلهم . فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة، فقالت :يا ابن الخطاب ، أجئت لتحرق دارنا؟ قال : نعم ، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة…”(15).

      ولكي نعرف سبب امتناع الإمام علي (عليه السلام) ومن معه من المبايعة ومحاولة استخدام القوة والعنف وجب علينا معرفة الاحداث التي سبقت هذه الرواية ، وجميع ما حدث كان مصادرة لحق السياسي لأهل البيت(عليهم السلام) وبالخصوص الإمام علي (عليه السلام) لحقه في الخلافة حيث ان النبي(صلى الله عليه واله وسلم) أوصى له بالخلافة أمام جميع المسلمين وذلك عندما حج رسول الله حجة الوداع سنة (10ه/ 631م) حيث انه عندما ” صار إلى موضع بالقرب من الجحفة يقال له : غدير خم ، لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة ، وقام خطيبا وأخذ بيد علي بن أبي طالب فقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ! قال : فمن كنت مولاه ، فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه . ثم قال : أيها الناس أني فرطكم وأنتم واردي على الحوض ، وإني سائلكم ، حين تردون علي ، عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما . وقالوا :وما الثقلان يا رسول الله ؟ قال : الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم ، فاستمسكوا به ولا تضلوا ، ولا تبدلوا ، وعترتي أهل بيتي ” (16) حيث  ” لم يكن يوم الغدير أول يوم نوه فيه النبي الأكرم(صلى الله عليه واله وسلم) بمقام علي (عليه السلام) وفضله ومنقبته ، ولا آخره بل كانت النبوة والإمامة منذ فجر الدعوة الإلهية صنوين . فقد أصحر النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بإمامة وصيه ووزارة وزيره يوم جهر بدعوته بين قومه وأسرته في السنة الثالثة من بعثته ، يوم أمره سبحانه بإنذار الأقربين من عشيرته . فدعى الأقربين إلى داره فخاطبهم بقوله :” والله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة . . فإيكم يؤازرني على هذا الامر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم فأحجم القوم عنها جميعا وقلت واني لأحدثهم سنا ، وأرمصهم عينا . . انا يا نبي الله . . فاخذ برقبتي ثم قال : ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ” (17).  فقد كان النبي الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) واقفا على خطورة الموقف وعظم مقام القيادة فكان يعرف زعيم الأمة والقائم بعده بأعباء الخلافة حينا ” بعد حين ، بأساليب مختلفة فتارة يشبهه بهارون حيث قال ( صلى الله عليه وآله ): ” أنت منى بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي ” (18) وأخرى بأنه وأولاده أحد الثقلين بقوله ( صلى الله عليه وآله ): ” أني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الاخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض”(19) . إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض . وثالثة بأنهم كسفينة نوح  بقوله ( صلى الله عليه وآله )” أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق ” (20) إلى غير ذلك من نصوصه المباركة حول امام المتقين وأولاده المعصومين كل ذلك يعرب عن أن النبي لم يترك مسألة الوصاية سدى ولم يفوضه إلى شورى الأمة ومفاوضاتها أو منافساتها أو إلى بيعة رجل أو رجلين أو بيعة عدة من المهاجرين والأنصار بل عالج مسألة الخلافة في حياته بأحسن الوجوه والأساليب وعرف الأمة زعيمها وقائدها من بعده في أخريات أيامه الشريفة في محتشد عظيم لم يكن له نظير في تاريخ الرسالة حتى ينقله الحاضرون – عند وصولهم إلى أوطانهم – إلى الغائبين وينتشر خبر الولاية بين الأمة جمعاء حتى لا يبقى لمريب ريب(21) .

  ومع كل ذلك بمجرد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبينما الإمام علي (عليه السلام) منشغل بتجهيز النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة ” “فأجلست سعد بن عبادة الخزرجي ، وعصبته بعصابة ، وثنت له وسادة . وبلغ أبا بكر وعمر والمهاجرين ، فأتوا مسرعين ، فنحوا الناس عن سعد ، وأقبل أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فقالوا : يا معاشر الأنصار ! منا رسول الله ، فنحن أحق بمقامه . وقالت الأنصار : منا أمير ومنكم أمير ! فقال أبو بكر : منا الامراء وأنتم الوزراء . فقام ثابت بن قيس ابن شماس ، وهو خطيب الأنصار ، فتكلم وذكر فضلهم . فقال أبو بكر : ما ندفعهم عن الفضل ، وما ذكرتم من الفضل فأنتم له أهل ، ولكن قريش أولى بمحمد منكم ، وهذا عمر بن الخطاب الذي قال رسول الله : اللهم أعز الدين به ! وهذا أبو عبيدة بن الجراح الذي قال رسول الله : أمير هذه الأمة ، فبايعوا أيهما شئتم ! فأبيا عليه وقالا : والله ما كنا لنتقدمك ، وأنت صاحب رسول الله وثاني اثنين . فضرب أبو عبيدة على يد أبي بكر ، وثنى عمر ، ثم بايع من كان معه من قريش…”(22) .وكان نتيجة الاجتماع في سقيفة بني ساعدة مبايعة ابي بكر بالخلافة دون الإمام علي (عليه السلام) ، فكان من الطبيعي ان يعارض الإمام (عليه السلام) ذلك ، لكونه صاحب حق لذلك اتخذ جانب الصلابة والثبات على الرفض والمعارضة لحكومة ابي بكر وهذا ما دفعهم الى استخدام اساليب شتى للحصول على مبايعته لأبي بكر ، وهناك من كان معارض لحكومة ابي بكر فتجمع المعارضون حول الإمام (عليه السلام) يريدون استنهاضه لطلب حقه في الخلافة ، فكان موقفه (عليه السلام) واضح بقوله :” شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة ، وعرجوا عن طريق المنافرة ، وضعوا تيجان المفاخرة . أفلح من نهض بجناح ، أو استسلم فأراح . هذا ماء آجن ، ولقمة يغص بها آكلها . ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه ، فإن أقل يقولوا حرص على الملك ، وإن أسكت يقولوا جزع من الموت . هيهات بعد اللتيا والتي ! والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه ، بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة ” (23). وهذا إشارة إلى الوصية التي خص بها (عليه السلام) ، أنه قد كان من جملتها الامر بترك النزاع في مبدأ الاختلاف عليه(24 ) . ومع ذلك فقد تجمع المعارضون لحكومة ابي بكر في بيت الإمام (عليه السلام) حتى ان معاوية ذكر ذلك في كتاب ارسله لأمير المؤمنين(عليه السلام) قائلاً:” لقد حسدت أبا بكر ، والتويت عليه ، ورمت إفساد أمره ، وقعدت في بيتك ، واستغويت عصابة من الناس حتى تأخروا عن بيعته”(25)، وعنما تجمع بنو هاشم في بيت الإمام (عليه السلام) ذكر أنه :” ذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع … فألفوهم مجتمعين ، فقالوا لهم : بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس ، فوثب الزبير إلى سيفه فقال عمر : عليكم بالكلب العقور فاكفونا شره ، …فانتزع السيف من يده فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره ، وأحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبي بكر ، فلما حضروا قالوا : بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس ، وأيم الله لئن أبيتم ذلك لنحاكمنكم بالسيف”(26) وكان نتيجة ذلك ان بني هاشم اخذوا يبايعون ابي بكر تباعاً وكان هذا الاسلوب الأول الذي اتخذته حكومة ابي بكر بأن تفرغ المناصرين لعلي(عليه السلام) وتبعدهم عنه ، وحينها طلب عمر بن الخطاب من الإمام (عليه السلام) المبايعة ، فقال (عليه السلام): “أنا أحق بهذا الأمر منه وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من الرسول وتأخذونه منا أهل البيت غصبا ، ألستم زعمتم للأنصار إنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله صلى الله عليه وآله فأعطوكم المقادة وسلموا لكم الإمارة ، وأنا احتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار ، أنا أولى برسول الله حيا وميتا ، وأنا وصيه ووزيره ومستودع سره وعلمه ، وأنا الصديق الأكبر والفاروق الأعظم أول من آمن به وصدقه ، …، فعلام تنازعونا هذا الأمر ؟ أنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم ، واعرفوا لنا الأمر مثل ما عرفته لكم الأنصار ، وإلا فبوؤا بالظلم والعدوان وأنتم تعلمون… فقال عمر : إنك لست متروكا حتى تبايع طوعا أو كرها . فقال علي عليه السلام احلب حلبا لك شطره ، اشدد له اليوم ليرد عليك غدا ، إذا والله لا أقبل قولك ولا أحفل بمقامك ولا أبايع” (27) . ومن الرواية نعرف ان الإمام (عليه السلام) القى الحجج على القوم  ومنها بأنه أولى بالني (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى اصبح عمر غير قادر على مواجهة تلك الحجج فبدأ باستخدام التهديد للإمام (عليه السلام) وبقاءه(عليه السلام) على الوقف ذاته من الثبات وعدم المبايعة لأبي بكر .

وكان من نتيجة استخدام التهديد ان جردت حكومة ابي بكر الإمام (عليه السلام) من انصاره ومؤيديه ، واستخدمت اسلوب القمع والقسوة وهذا واضحاً من خلال الهجوم على بيت الإمام (عليه السلام) والذي تناولته العديد من المصادر نذكر البعض من تلك الروايات الدالة على ذلك الهجوم ، حيث جاءت الرواية :” وغضب علي والزبير ، ودخلا بيت فاطمة ، وتخلفا عن البيعة ، فجاءهم عمر في عصابة ، فيهم أسيد بن حضير وسلمة بن أسلم بن جريش الأشهلي ، فصاح عمر : أخرجوا أو لنحرقنها عليكم ! ، فأبوا أن يخرجوا ، فصاحت بهم فاطمة وناشدتهم الله ، فأمر عمر سلمة بن أسلم ، فدخل عليهما ، وأخذ سيف أحدهما فضرب به الجدار حتى كسره ، ثم أخرجه ما يسوقهما حتى بايعا “(28) .وفي رواية اخرى :” وإن أبا بكر رضي الله عنه تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه ، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي ، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال : والذي نفسه عمر بيده . لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها ، فقيل له : يا أبا حفص ، إن فيها فاطمة ؟ فقال : وإن ، فخرجوا فبايعوا إلا عليا فإنه زعم أنه قال : حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن ، فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها ، فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم ، تركتم رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة بين أيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ، ولم تردوا لنا حقا…”(29) ورواية ثالثة تقول :” وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله ، فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار ، وخرج علي ومعه السيف ، فلقيه عمر ، فصارعه عمر فصرعه ، وكسر سيفه ، ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت : والله لتخرجن أو لأكشفن شعري ولا عجن إلى الله ! فخرجوا وخرج من كان في الدار وأقام القوم أياما . ثم جعل الواحد بعد الواحد يبايع ، ولم يبايع علي إلا بعد ستة أشهر وقيل أربعين يوما “(30).وهذه الرواية ذاتها التي ذكرها ابن عبد ربه الاندلسي اعلاه ولكن باختلاف في الالفاظ والتي كانت تدل على اسلوب القسوة والقمع الذي اتخذته حكومة ابي بكر لتحصل على مبايعة أمير المؤمنين(عليه السلام) ولتؤكد مصادرتها لحقه في خلافة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم).

المبحث الثالث:- مصادرة ميراث الزهراء (عليها السلام)

       يذكر لنا ابن عبد ربه رواية مفادها اعادة ملكية أرض فدك لأبناء السيدة فاطمة(عليها السلام)عند تولي عمر بن عبدالعزيز الحكم (99-101ه/717-720م) بقوله:” ولما ولي عمر بن عبدالعزيز قال: إن فدك كانت مما أفاء الله على رسوله، فسألتها فاطمة رسول الله . فقال لها :ما لك أن تسأليني ولا لي أن أعطيك. فكان رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) يصنع فيها حيث أمره الله . ثم ولي أبو بكر وعمر وعثمان فكانوا يضعونها المواضع التي وضعها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم). ثم ولي معاوية فأقطعها مروان ، ووهبها مروان لعبد الملك وعبدالعزيز ، فقسناها بيننا أثلاثاً أنا والوليد وسليمان  فلما ولي الوليد سألته نصيبه فوهبه لي، وما كان لي مال أحب الي منها، وأنا أشهدكم أني قد رددتها إلى ما كانت عليه على عهد رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)”(31). وهذه الرواية تحتاج الى تفصيل في بيان ماهي فدك؟ وكيف صارت للسيدة الزهراء(عليها السلام) وبعد وفاتها أصبحت لذريتها ؟ وكيف صودرت بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ؟ وما موقف أمير المؤمنين (عليه السلام) منها عند توليه الخلافة ؟ وما مصير فدك بعد استشهاده (عليه السلام).

فدك لغةً: فَدَّكَ القطنَ تَفْدِيكاً : نفشه ، وهي لغة أَزْدية (32)، أما اصطلاحاً: فهي قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان ، وقيل ثلاثة، (33) ، وقيل بين فدك والمدينة ست ليال(34) وقد كانت من قرى اليهود (35).

  وقد فتحها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) دون قتال وذلك” ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك حين بلغهم ما أوقع الله بأهل خيبر فبعثوا إلى رسول الله يصالحونه على النصف من فدك فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق وإما بعد ما قدم المدينة فقبل ذلك منهم فكانت فدك لرسول الله( صلى الله عليه وسلم) خاصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب”(36) وفي رواية اخرى :” فدك… افاءها الله على رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، في سنة سبع صلحا ، وذلك أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لما نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق إلا ثلث واشتد بهم الحصار راسلوا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يسألونه أن ينزلهم على الجلاء وفعل ، وبلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إلى رسول الله ، صلى عليه وسلم ،أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم فأجابهم إلى ذلك ، فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكانت خالصة لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم”(37)، وبذلك تكون فدك فتحت صلحاً فهي خالصة للنبي( صلى الله عليه واله وسلم)(38) وفقاً لقوله تعالى :” وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(6) مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ…”(39)، وبعد ذلك اعطاها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) بأمر من الله تعالى وذلك “عندما أنزل الله تعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله) : ” وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ” (40) ، فلم يدر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هم ، فراجع في ذلك جبرئيل عليه السلام ، فسأل الله تعالى عن ذلك ، فأوحى إليه أن ادفع فدك إلى فاطمة صلوات الله عليها ، فدعاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لها : يا فاطمة إن الله سبحانه أمرني أن أدفع إليك فدك ،فقالت : قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك”(41) وفي رواية اخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال :” لما انزل الله (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ والمسكين ) قال رسول الله( صلى الله عليه وآله) : يا جبرئيل قد عرفت المسكين فمن ذوي القربى ؟ قال : هم أقاربك ، فدعى حسنا وحسينا وفاطمة ، فقال : ان ربى امرني ان أعطيكم مما أفاء على ، قال : أعطيتكم فدك “(42) وبذلك أصبحت فدك ملكاً للسيدة الزهراء(عليها السلام)، فلم يزل وكلاؤها ، فيها حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)(43)، ولكن بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) وتسلم ابو بكر الحكم تمت مصادرة فدك من السيدة الزهراء(عليها السلام) واخرج وكلاءها وهذا ما أكدته (عليها السلام) بقولها :” … وأن أبا بكر قد غصبني على فدك وأخرج وكيلي…”(44)  وفي رواية ثانية:” عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لما بويع أبو بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة عليها السلام بنت رسول الله منها ، فجاءت فاطمة الزهراء عليها السلام إلى أبي بكر ثم قالت لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر الله تعالى ؟ …”(45)، وكذلك رواية اخرى يذكر فيها:” لما ولي أبو بكر أخرج عنها وكلاءها ، فأتته ، فسألته أن يردها عليها ، فقال لها : إيتيني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك ، فجاءت بأمير المؤمنين(عليه السلام) والحسن والحسين (عليهما السلام) وأم أيمن ، فشهدوا لها ، فكتب لها بترك التعرض لها ، فخرجت -والكتاب معها -فلقيها عمر بن الخطاب فقال لها . ما هذا معك يا بنت محمد ؟ فقالت : كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة . قال : أرينيه ، فأبت ، فانتزعه من يدها ،ونظر فيه ، وتفل فيه ، ومحاه ، وخرقه”(46) وبذلك صودرت فدك  في حكم ابي بكر والحال ذاته عندما تولى الحكم عمر بن الخطاب حيث تشير الروايات الى ذلك ، فقد روي ان:” … فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي وعباس فغلبه عليها على واما خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه وأمرهما إلى من ولى الامر…”(47)، أما في حكم عثمان بن عفان فقد اعطى الحق لنفسه في اقطاع الاراضي وعندها اقطع فدك لمروان بن الحكم بن ابي العاص الأموي (48)، ولكن عندما تولى أمير المؤمنين (عليه السلام) الخلافة رفض سياسة عثمان في اقطاع الأراضي وأعلن (عليه السلام) سياسته قائلاً: ” ألا ، وكل قطعة أقطعها عثمان أو مال أعطاه من مال الله فهو رد على المسلمين في بيت مالهم ، فإن الحق لا يذهبه الباطل ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، لو وجدته قد تزوج به النساء وتفرق في البلدان لرددته على أهله ، فإن في الحق والعدل لكم سعة ، ومن ضاق به العدل فالجور به أضيق ” (49) .

       وقد أكد (عليه السلام) ملكية الزهراء (عليها السلام) لفدك بقوله :” بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء ، فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين . ونعم الحكم الله . وما أصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانها في غد جدث  تنقطع في ظلمته آثارها ، وتغيب أخبارها ، وحفرة لو زيد في فسحتها وأوسعت يدا حافرها لاضغطها الحجر والمدر، وسد فرجها التراب المتراكم ، وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر ، وتثبت على جوانب المزلق “(50)، ولكنه لم يثبت أنه (عليه السلام) استرجع فدك بحسب الروايات المتوفرة لدينا فقد روي ان الإمام الصادق (عليه السلام) عندما سأل:” … لم لم يأخذ أمير المؤمنين ” عليه السلام ” فدك لما ولى الناس ولأي علة تركها ؟ فقال : لان الظالم والمظلوم كانا قدما على الله عز وجل ، وأثاب الله المظلوم ، وعاقب الظالم  فكره ان يسترجع شيئا قد عاقب الله عليه غاصبه وأثاب عليه المغصوب “(51).وفي رواية اخرى سئل:” لأي علة ترك علي بن أبي طالب ” ع ” فدك لما ولى الناس فقال : للاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله لما فتح مكة وقد باع عقيل بن أبي طالب داره فقيل له يا رسول الله ألا ترجع إلى دارك ؟ فقال صلى الله عليه وآله وهل ترك عقيل لنا دارا إنا أهل بيت لا نسترجع شيئا يؤخذ منا ظلما . فلذلك لم يسترجع فدك لما ولى”( 52)، وكذلك عندما سئل ابي الحسن (عليه السلام) :” عن أمير المؤمنين لم لم يسترجع فدكا لما ولى الناس ؟ فقال : لأنا أهل بيت لا نأخذ حقوقنا ممن ظلمنا الا هو ونحن أولياء المؤمنين إنما نحكم لهم ونأخذ حقوقهم ممن ظلمهم ولا نأخذ لأنفسنا”(53) .وهذه الروايات تؤكد ان فدك لم يسترجعها الإمام علي (عليه السلام).

    اما فدك في العصر الاموي فان معاوية اقطعها لمروان بن الحكم بحسب ما ذكره ابن سعد:” فلما كانت الجماعة على معاوية سنة أربعين ولى معاوية مروان بن الحكم المدينة فكتب إلى معاوية يطلب إليه فدك فأعطاه إياها فكانت بيد مروان يبيع ثمرها بعشرة آلاف دينار كل سنة ” (54) ثم غضب عليه معاوية فقبضها منه وذلك سنة ثمان واربعين (55) ، فكانت بيد وكيله بالمدينة ” وطلبها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان من معاوية فأبى معاوية أن يعطيه وطلبها سعيد بن العاص(2-59ه/ 623-678م)  فأبى معاوية أن يعطيه فلما ولى معاوية مروان المدينة المرة الآخرة ردها عليه بغير طلب من مروان ورد عليه غلتها فيما مضى فكانت بيد مروان فأعطى عبد الملك نصفها وأعطى عبد العزيز بن مروان نصفها فوهب عبد العزيز نصفها الذي كان بيده لعمر بن عبد العزيز قال فلما توفي عبد الملك (ت86ه/ 705م) طلب عمر بن عبد العزيز إلى الوليد حقه فوهبه له وطلب إلى سليمان حقه فوهبه له ثم بقي من أعيان بني عبد الملك حتى خلصت لعمر بن عبد العزيز”(56) ، وعندما اصبحت الحكم لعمر بن عبد العزيز اعادها الى ابناء فاطمة (عليها السلام) وهذا الخبر الذي ذكره ابن عبد ربه الاندلسي (57) وكانت بيد أولاد فاطمة ( عليها السلام) ، مدة ولاية عمر بن عبد العزيز (99-101ه/ 717-720م)، فلما ولي يزيد بن عبدالملك ( 101-105ه/ 720-724م) قبضها منهم ، فصارت في أيدي بني مروان كما كانت يتداولونها ، حتى انتقلت الخلافة عنهم ، فلما ولي أبو العباس السفاح ( 132-136ه/ 750-754م) ، ردها على عبد الله بن الحسن بن الحسن ، ثم قبضها أبو جعفر المنصور(136-158ه/754-775م) ، ثم ردها المهدي ابنه ( 158-169ه/ 775-785م)، على ولد فاطمة ( عليها السلام ) ، ثم قبضها موسى بن المهدي (169-170ه/ 785-786م)  وهارون أخوه(170-193ه/ 786-809م) ، فلم تزل في أيديهم حتى ولي المأمون ( 198-218ه/ 813-833م)، فردها على الفاطميين (58)،  حيث ذكر انه :” رفع جماعة من ولد الحسن والحسين إلى المأمون يذكرون أن فدك كان وهبها رسول الله لفاطمة ، وأنها سألت أبا بكر دفعها إليها بعد وفاة رسول الله ، فسألها أن تحضر على ما ادعت شهودا ، فأحضرت عليا والحسن والحسين وأم أيمن ، فأحضر المأمون الفقهاء ، فسألهم … فقال لهم المأمون : ما تقولون في أم أيمن ؟ قالوا : امرأة شهد لها رسول الله بالجنة ، فتكلم المأمون بهذا بكلام كثير ، ونصهم إلى أن قالوا : إن عليا والحسن والحسين لم يشهدوا إلا بحق ، فلما أجمعوا على هذا ، ردها على ولد فاطمة ، وكتب بذلك ، وسلمت إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب “(59)، وبعد المأمون استمر العلويون يمتلكون فدك طيلة حكم المعتصم(218-227ه/ 833-842م) والواثق(227-232ه/ 842-847م) ،حيث قالا: “كان المأمون أعلم منا به فنحن نمضي على ما مضى هو عليه “(60) ، فلما ولي المتوكل (232-247ه/ 847-861م) قبضها وأقطعها لغير الفاطميين(61) ولم تذكر المصادر ملكية فدك في زمن المنتصر بالله (247-248ه/ 861-862م) وفي زمن المستعين بالله(248-252ه/862- 866 م) والمعتز بالله(252-255ه/866-869م) والمهتدي بالله(255-256ه/ 869-870م) والمعتمد بالله(256-279ه/ 870-892م)، اما في عهد المعتضد بالله(279-289ه/ 892-901م) فأنه قد ردها للفاطميين(62)، ولكن في عهد المكتفي بالله نقل حيازتها من الفاطميين  (289-295ه/902-908م) ، وقيل ان المقتدر بالله (295-320ه/ 908-932م) ردها عليهم (63) .

    ولم تذكر المصادر ما آلت اليه فدك بعد هذا التاريخ ، لكنها تبقى ظلامة من ظلامات السيدة الزهراء(عليها السلام) وآل محمد من بعدها ، وقد ظلت هذه الظلامة عالقة في عقول ومؤلمة لنفوس المحبين لفاطمة (عليها السلام) وذريتها لتؤكد حقوقهم المسلوبة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم).

الخاتمة

     بعد اكمالنا هذا البحث المتواضع في ضوء الروايات المتضمنة لأخبار عديدة عن السيدة الزهراء (عليها السلام) والتي اوردها ابن عبد ربه الاندلسي في كتابه العقد الفريد توضح لنا منزلتها (عليها السلام) ومقامها عند أبيها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، ووصيته للمسلمين بالإحسان اليها، وتأكيده بأنها سيدة النساء وانه يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ، ولكن هذه الوصية لم تنفذ فمجرد موته (صلى الله عليه واله وسلم) سلبت منها حقوقها بما فيها الحقوق السياسية حيث سلبت الخلافة من زوجها (عليه السلام) ، بالإضافة الى سلب حقها في ميراثها من أبيها ، لا بل وطلب منها المجيء بالشهود لتثبت حقها في ميراثها ، وهذه المظلومية انتقلت الى ذريتها (عليهم السلام) متمثلة بظلم الامويين والعباسيين من بعدهم لآل الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) .

الهوامش

[1] – الصدوق ، الامالي ،691.

2 -الصدوق ، الامالي،165.

3 -الفتال النيسابوري، روضة الواعظين،150.

4- العقد الفريد:5/79

5 – العقد الفريد:3/229.

6 – الحاكم النيسابوري، المستدرك:1/163.

7 – الطوسي ، الامالي،470-471.

8 – المجلسي، بحار الانوار :36/288.

9 – المرعشي ، شرح احقاق الحق :10/437.

10- العقد الفريد:3/229.

11- العقد الفريد:3/229.

12- المجلسي ، بحار الانوار:22/484-485.

13- العقد الفريد:3/236

14- العقد الفريد:3/237

15- العقد الفريد:4/242.

16- اليعقوبي ، تاريخ:2/109-112.

17- الخوارزمي ،المناقب،8.

18- البرقي، المحاسن،159

19- الصدوق ،كمال الدين،240.

20- البحراني، الحدائق الناظرة:9/360

21-الخوارزمي ،المناقب،8.

22- اليعقوبي ، التاريخ ،123.

23- ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة :1/213؛ الشيرازي، الدرجات الرفيعة،86.

24- ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة :1/215

25- ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة :15/186؛ المجلسي، بحار الانوار:33/62.

26- الطبرسي، الاحتجاج :1/95

27الطبرسي ، الاحتجاج :1/95-96؛ المجلسي، بحار الانوار :28/184-185.

28- الجوهري ، السقيفة وفدك،46؛ الطبري ، المسترشد،378-379.

29- ابن قتيبة الدينوري، الامامة والسياسة :1/ 30.

30- اليعقوبي ، التاريخ :2/16.

31- العقد الفريد:4/396.

32- ابن منظور ، لسان العرب :10/473؛ الفيروز ابادي، القاموس المحيط:3/315

33- ياقوت الحموي، معجم البلدان:4/238.

34- ابن سعد، غزوات الرسول وسراياه،90

35- الطريحي، مجمع البحرين:5/283.

36- الطبري،التاريخ:2/ 306 .

37- ياقوت الحموي، معجم البلدان:4/238.

38- ابن سلام، الاموال ،25

39- سورة الحشر /الآية 6-7.

40- سورة الاسراء/ الآية26.

41-  الكليني ، الكافي :1/543؛ المفيد، المقنعة ،289؛ الطوسي، تهذيب الاحكام:4/148-149.

42- العياشي، التفسير :2/287.

43- المفيد، المقنعة ،289.

44- المفيد، الاختصاص،184.

45- الطبرسي ، الاحتجاج:1/119-120.

46- المفيد، المقنعة ،289-290.

47- مسلم النيسابوري، صحيح مسلم:5/155-156؛ ابن حنبل، المسند:1/6-7.

48- ابن قتيبة، المعارف،195؛ البكري ، معجم ما استعجم:4/1275.

49-القاضي النعمان ، دعائم الاسلام:1/396؛ المجلسي، بحار الانوار:32/16.

50- نهج البلاغة :3/ 71.

51-الصدوق، علل الشرائع:1/154-155.

52-  الصدوق، علل الشرائع:1/155.

53- الصدوق، علل الشرائع:1/155؛عيون اخبار الرضا(ع):2/92؛  المجلسي ، بحار الانوار:29/396.

54- الطبقات الطبرى:5/388

55- الحميري ، الروض المعطار،438.

56- ابن سعد ، الطبقات الكبرى:5/388.

57- العقد الفريد : 4/396.

58-الجوهري ، السقيفة وفدك ،106.

59- اليعقوبي ، التاريخ:2/469.

60-المجلسي، بحار الانوار:29/209.

61- الاربلي، كشف الغمة:2/117؛ الشاهرودي، مستدرك سفينة البحار:8/153.

62- الاربلي، كشف الغمة:2/117؛ المجلسي، بحار الانوار:29/210

63- المجلسي، بحار الانوار:29/210؛الشاهرودي، مستدرك سفينة البحار:8/153.

المصادر

*القران الكريم

*الاربلي: علي بن عيسى(ت693هـ/ 1293م)   

1-كشف الغمة في معرفة الائمة ،ط2، بيروت،1985.

*البرقي: احمد بن محمد(ت 274هـ/ 887م)

2-المحاسن، تح: جلال الدين الحسيني ، طهران،1370هـ .

*البحراني: يوسف (ت1186هـ/ 1771م)

3- الحدائق الناضرة ، تح: محمد تقي، قم، ب.ت.

*البكري: عبدالله بن عبدالعزيز (ت 487هـ/1094م)

4-معجم ما استعجم ،تح: مصطفى السقا ،ط3، بيروت،1983م

*الجوهري: احمد بن عبد العزيز البصري (ت 323هـ/934م)

5-السقيفة وفدك ، تح: محمد الاميني ،ط2، بيروت ،1993م

*الحاكم النيسابوري: محمد بن عبدالله (ت 405هـ/1014م)

6-المستدرك على الصحيحين ، تح: يوسف المرعشلي، بيروت ،1406هـ

*ابن ابي الحديد : عز الدين عبد الحميد (ت 656هـ/ 1258م)

7-شرح نهج البلاغة ،تح: محمد ابو الفضل ،ط1، بيروت، 1987م

*الحميري : محمد بن عبد المنعم (ت 727هـ/1326م)

8-الروض المعطار في خبر الاقطار ، تح: احسان عباس ،بيرت، 1975م

*ابن حنبل: احمد بن محمد (ت 241هـ/855هـ)

9-المسند، بيروت ، ب.ت.

*الخوارزمي: محمد بن احمد (ت387هـ/1172م )

10-المناقب، تح: مالك المحمودي ،ط4، قم ،1421هـ.

*ابن سعد: محمد( ت 230هـ/884م)

11-غزوات الرسول وسراياه، تح: احمد عبد الغفور، بيروت ،1401ه.

12-الطبقات الكبرى ، بيروت ، ب.ت.

*ابن سلام: ابو عبيدالله الهروي (ت 224هـ/838م)

13-الاموال ، تح: خليل محمد، ط1، القاهرة ، 1968.

*الشاهرودي : علي النمازي(ت1405هـ/1984م )

14-مستدرك سفينة البحار ، تحقيق : حسين بن علي النمازي , بدون طبعة , قم ، 1418هـ .

*الشيرازي: علي خان (ت1120ه/1708م)

15-الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، تح: محمد صادق بحر العلوم، قم،1397ه

*الصدوق: محمد بن علي (ت 381ه/991م) .

16-الامالي، ط1، قم، 1417هـ

17-علل الشرائع، ط1،قم، 1421هـ

18-عيون اخبار الرضا (ع) ، ط1، قم ،1425هـ

19-كمال الدين وتمام النعمة ، تح : علي اكبر غفاري ، قم ، 1405هـ .

*الطبرسي: احمد بن علي( ت 560هـ/ 1165م)

20-الاحتجاج، بيروت ، ب.ت.

*الطبري: محمد بن جرير (ت 310هـ/ 922م) 

21-تاريخ الرسل والملوك، ط2، بيروت،2002م.

*الطبري الصغير : محمد بن جرير بن رستم (ق5هـ/11م)

22-المسترشد في امامة أمير المؤمنين (ع)، تح: احمد المحمودي، ط1، قم .

*الطريحي: فخر الدين (ت 1085هـ/ 1674م)

23-مجمع البحرين ، تح: احمد الحسيني، ط2، 1408هـ

* الطوسي: محمد بن الحسن(460هـ/1067م)

24- الامالي، قم،1414هـ0

25- تهذيب الأحكام، تح: حسن الخراسان ،ط3، طهران،1364هـ.

*ابن عبد ربه الاندلسي : احمد بن محمد (ت328هـ/939م)

26-العقد الفريد، قدم له: عمر عبدالسلام تدمري ، بيروت .

* الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام): (ت40هـ/ 660م)

27- نهج البلاغة، جمعه: الشريف الرضي، شرح: محمد عبده، ط1 ، بيروت، 1412ه.

*العياشي: محمد بن مسعود (ت 320هـ/ 932م)

28-التفسير، تح: السيد هاشم الرسولي، طهران ، ب.ت.

*الفتال النيسابوري: محمد بن الحسن( ت508هـ/ 1114م)

29-روضة الواعظين، ط2، قم، 1375هـ.

*الفيروز ابادي: مجد الدين محمد (ت 817هـ/ 1414م)

30-القاموس المحيط ، ب.ط ، ب.ت.

*القاضي النعمان: محمد بن منصور( ت 363هـ/973م)

31-دعائم الاسلام ، تح: اصف بن علي، مصر ، 1963م.

*ابن قتيبة: عبدالله بن مسلم (ت 276هـ/ 889م)

32-الامامة والسياسة ، تح: علي شيري ،ط1، قم ، 1413هـ

33-المعارف ، ط2، بيروت، 2003م

*الكليني : محمد بن يعقوب (ت 328هـ/940م)

34-الكافي، تح: علي اكبر  غفاري، ط3، طهران، 1388هـ

*المجلسي : محمد باقر (ت 1111هـ/ 1699م)

35-بحار الانوار، ط2، بيروت، 1983م

*المرعشي : نور الله الحسيني (ت1411هـ/1990م)

36-شرح إحقاق الحق ، تح : السيد شهاب الدين المرعشي  , قم , بدون تاريخ .

*مسلم النيسابوري: (ت 261ه/874م)ـ

37-الجامع الصحيح ، بيروت، ب.ت.

*المفيد: محمد بن محمد بن النعمان (ت 413ه/ 1022م)

38-الاختصاص ، تح: علي اكبر غفاري، قم ، ب.ت.

39-المقنعة ، ط2، قم ،1410هـ

*ابن منظور : جمال الدين محمد( ت 711هـ/ 1311م)

40-لسان العرب ، قم ،1405هـ

*ياقوت الحموي: ابو عبدالله (ت 626هـ/1228م)

41-معجم البلدان ، بيروت، 1979م

*اليعقوبي : احمد بن اسحاق (ت 292هـ/ 904م)

42- تاريخ اليعقوبي ، دار صادر ، بيروت .