إن التقوى معناها أن يحب الإنسان ما أحبه الله تعالى, ويجعل نفسه راضيا بما قدره الله تعالى له, ويفعل بما كان فيه رضی الله تعالی.
لأن العبد المتقي إذا كان في هذه الدنيا فلا بد له من أن يحبها ويفعل فيها بمحبة, فلذلك يمكن أن يسال أحد أي شي في الدنيا كان محبوبا ولائقا بأن يحبه الإنسان المتقي؟
فالسيدة فاطمة الزهراء (س) كانت تجيب السائل فتقول:
حُبِّبَ إلَیَّ مِنْ دُنْیاكُمْ ثَلاثٌ: تِلاوَةُ كِتابِ اللّهِ، وَالنَّظَرُ في وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ، وَالاْنْفاقُ في سَبیلِ اللّهِ.
هذه الأمور الثلاثة من أحب الأمور عند الله تعالى وعند رسول الله وعند أهل البيت(ع) ونحن في مدرسة أهل البيت ونتعلم الأمور منهم.
كتاب الله فهو كلام الله لسعادة الإنسان ومن قرأها وعرف ما فيها وعمل بها فهو سعيد في الدنيا والآخرة.
وأما رسول الله هو الذي بعثه الله تعالى حتى يدعوا الخلق إلى عبادة الله ويهديهم إلى صراط مستقيم, وبالتالي من أجاب دعوة رسول الله كان مهتديا وسالكا في صراط مستقيم.
وأما الإنفاق في سبيل الله فهو عمل يصل الإنسان بسببه إلى الجنة.
فالسيدة الزهراء(س) بما أنها قدوه للعالم ولكل إنسان مؤمن ومتقي كانت تحب من الدنيا هذه الأمور الثلاثة.
الموضوع: السيدة فاطمة الزهراء أسوة العبادة
إن السيدة فاطمة الزهراء(س) إحدى الكواكب المشرقة من أهل بيت نبينا(ع) الذین لهم دور واسع في سعادة البشر وحیاتهم الطیبة، وهي کأبيها وأبنائها الأكارم خير أسوة حسنة للناس في جمیع الأقوال والأفعال؛ لأنهم بلغوا ذروة الكمال بتهذیب أنفسهم وملازمتهم للتقوى والعبادة، وطبقوا ذلك في سیرتهم الاجتماعية، وتبنّوا القضايا المصيرية للإسلام.
إن السيدة فاطمة الزهراء(س) مظهر جمیع الأوصاف الکمالیه, وبلغت أعلى مراتبها وتفردت في بعض الأوصاف حتى يمكن القول بأن لا نظير لها ولا شبيه.
ومن صفاتها التي كانت متميزة فيها بين الخلق, هي وصف العبادة, لأنها كانت عابدة قد عبدت الله تعالى بأحسن صورها وأفضل مراتبها, وأنها إذا اشتغلت بالعبادة منفردا كأنها عابده زاهدة، لا تشتغل بغیر العبادة.
نعم قد عُرفت السيدة الزهراء عليها السلام بكثرة العبادة, فلأجل هذا من أسمائها: الزكيَّة والزاكية، لاهتمامها بتزكية النفس الموصلة إلى الفلاح كما قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾.
إن رسول الله (ص) قد وصف عبادة ابنته فاطمة (ع) فقال: وأما ابنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة منِّي، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيّ، وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربِّها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عز وجل لملائكته:(يا ملائكتي، انظروا إلى أَمَتِي فاطمة سيدة إمائي، قائمة بين يدي، ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار. أمالي صدوق: مجلس 24 /100.
وإن الحسن البصري وصف عبادتها فقال: ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة كانت تقوم حتى تورَّمت قدماها. المناقب لابن شهر اشوب: 3341. بحار الأنوار: ج 43، ص 75، روايت 62.
نعم الاشتغال بالعبادة انتقال من الخلق إلى حضرة الحق، وذلك الانتقال في طریق صعودي أي إن العبد حینما يشتغل بالعبادة فکأنه یصعد إلى السماء کمن یسافر بالطائرة متزوداً بكل التجهیزات واللوازم، فإذا صعد إلى السماء قدماً بعد قدم و نظر إلى أطرافه تحصل عنده البهجة والحبور، و إذا صعد غاية الصعود فقد حصل له ما يوجب كمال اللذة والبهجة فکانه لا یری شیئا إلا لذة الصعود.
فابنة رسول الله في الحقيقة مصداق هذه الآية الكريمة:
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَمًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَطِلاً سُبْحَنَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . آلِ عِمْرَانَ: 191/3.
فهذا نموذجا من عبادة السيدة الزهراء (ع) وعبادتها لا تنحصر لنفسها بل تشمل المسلمين, يعني أنها حين اشتغلت بالعبادة أيضا ما كانت ناسيه للمؤمنين والمؤمنات، بل تجعل لهم سهما من عبادتها في غير الفريضة, فلذلك نسمع جميعا كلمة ابنها الإمام المجتبي (ع) بشأن عبادة أمها الزهراء.
قال: رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليله جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح وسمعتها تدعوا المؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء فقلت لها: يا أماه! لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك. فقالت: يا بني! الجار ثم الدار. بحار الأنوار: ج 43، ص 81، روايت 3، ج 89، ص 313، روايت 19.
ايها الاخوه و الاخوات لا تعجبوا من هذه الكلمات في عبادة الزهراء(س)
وإن تعجب أحد فكان جوابه ما قاله رسول الله (ص) لسلمان:
يا سليمان! إن فاطمة، ملأ الله قلبها وجوارحها إيمانا إلى مشاشها تفرغت لطاعة الله.
ولأجل أن عبادتها في أعلى مراتب العبادة فالملائكة تنادونها حين اشتغلت بالعبادة بخطابات إلهيه.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله… إنها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون: يا فاطمة! إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين… بحار الأنوار: ج 37، ص 84،ح 52 و ج 43، ص24ح 20.
نعم هكذا شكّلت الزهراء المثل الصالح والقدوة الحسنة, وجعلت لنا من خلال علاقتها بربها نهجا عبادياً قويماً بما استلهمته من معين مدرسة أبيها الرسول العظيم صلى الله عليه وآله وسلم, حتى شكّلت بمجموعها منهجاً تربوياً تبليغياً راقياً على المستوى العبادي.
وأبت السيدة الزهراء عليها السلام إلا أن تكون العبادة آخر أعمالها رغم مرضها الشديد. فقد ذكر الخوارزمي أنها عليها السلام قبيل رحيلها قامت مقام رسول الله صلى الله عليه وآله في بيتها فصلَّت ركعتين، ثم جلَّلت وجهها بطرف ردائها وقضت نحبها، فسلام عليها يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث حيا.