فدك : الحلقة الثالثة
أولاً : علاقة الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) بيهود فدك من المعروف ان الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) هاجر إلى يثرب واتخذها قاعدة تأسيس الدولة العربية الاسلامية ، وبدأ بتنظيم الحياة فيها ، جاعلاً منها منطلقاً لنشر الاسلام في ارجاء العالم الواسع ، وكان عليه في بداية الامر ان ينهي الصراع الدموي مع قريش التي دخل معها في حروب كثيرة ، خرج في اغلبها منتصراً ، ثم كان عليه ثانية الانتباه الى ما كان يحيكه المنافقون في المدينة ضد المسلمين ومحاولة الكيد للرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) ثم يأتي دور عدوِ أخر كان يتربص بالمسلمين ويتحين الفرص للايقاع بهم وهم اليهود الذين كانوا يسكنون في المدينة والمناطق المجاورة لها . حرص الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) عند هجرته إلى المدينة على تحقيق آمرين :
ان يجتذب اليهود المقيمين فيها إلى الاسلام ، او في أقل تقدير يكسب ودهم واخلاصهم مع بقائهم على دينهم.
قال ابن هشام: ان رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) : ( كتب كتاباً بين المهاجرين والانصار ، وادع فيه اليهود وعاهدهم ، واقرهم على دينهم واموالهم وشرط لهم ، واشترط عليهم ) . ولم يمض وقت طويل على فترة العلاقات بين الرسول(صلى الله عليه واله وسلم ) واليهود والتي تحمل في ظاهرها المجاملة من جانب اليهود ، وتحمل أملاً قوياً من جانب الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) في ان يجتذبهم إلى الاسلام . وان يبقى على صداقتهم وحيادهم ، ولكن اليهود كانوا يخفون في صدورهم حذراً وحقداً وتربصاً في اللحظة المناسبة ، ومتى تحين هذه اللحظة التي يستطيعون معها ان يجاهروا الرسول العداء السافر ، ارتأوا ان يبدوأ حربهم معه بطرق ملتوية تقوم على الارجاف والتشكيك ، وأثارة المجادلات الدينية لا لشيء سوى انه من بني اسماعيل والنبوة في نظرهم حصراً في بني يعقوب ( اسرائيل ) ، ولانه ايضاً بُعِث في الحجاز والنبوة انما تكون في رايهم في الشام موطن الانبياء . اخذ عداء اليهود للاسلام طريقين : حرب الجدل والنقاش. اما الطريق الاخر فهو القتال والحرب 0كان اليهود أول الامر أشد الناس ترحيباً بمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) حينما اعلن نبوته وما كان يرجع ذلك إلى انهم وجدوا فيه مصداقاً لما بين ايديهم فقط ، ولان هذا الدين الجديد هو اقرب لليهودية منه للنصرانية فحسب ، بل لان اليهود كانوا لا يزالون يؤيدون كل ثورة جديدة على المجتمع على رجاء ان يكون لهم بها مخرج إلى مصير افضل وخير اوفر0 روى القمي في تفسيره بسنده عن الامام الصادق ( عليه السلام ) قال 🙁 كانت اليهود تقول للعرب قبل مجئ النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) : ايها العرب ، هذا اوان نبي يخرج بمكه وتكون هجرته الى المدينة ( يثرب ) وهو اخر الانبياء وافضلهم في عينيه حمرة ، وبين كتفيه خاتم النبوة ، يلبس الشمله ويجتزئ بالكسره والنميره ، وهو الضحوك القتال ، يضع سيفه على عاتقه ولا يبالي بمن لاقى ، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر ، وليقتلنكم الله به يا معشر العرب قتل ، فلما بعث الله نبيه بهذا الصفة حسدوه وكفروا به ) . وروى الطوسي في التبيان والمشهداني في كنز الدقائق،عن ابن عباس(رض ) قال : ان ابن صوريا وجماعة من اهل فدك لما قدم النبي(صلى الله عليه واله وسلم ) الى المدينة قدموا إليه فسألوه فقالوا:كيف نومك ؟ فقد أخبرنا عن نوم النبي الذي يأتي في أخر الزمان فقال : تنام عيناي وقلبي يقظان فقالوا : صدقت يا محمد … قال : ثم سألوه اسئلة اخرى فأجاب عنها جميعاً حتى قال ابن صوريا ، خصلة واحدة ان قلتها أمنت بك واتبعتك : أي من يأتيك بما انزل الله لك ؟ قال : جبرائيل . قالوا : ذلك عدونا ينزل بالقتال والشدة والحرب ، وميكائيل ينزل باليسر والرخاء ، فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيكم أمنا بك ، فأنزل الله عز وجل : (( قل من كان عدواً لجبريل فأنه نزّله على قلبك بأذن الله مصدقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين )) 0ويتبين من الرواية ان الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) دخل مع يهود فدك في جدال ونقاش كما يبدو انه دعاهم الى الاسلام حتى انهم اوشكوا ان يستجيبوا لولا التواءاتهم وانانيتهم .
عن ابن عباس ( رض ) قال : قال ابن صوريا للنبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) ما الهدى الا ما نحن عليه فأتبعنا يا محمد تهتدي وذكر الشوكاني عن ابن عباس قال : قال ابن صوريا للنبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) يا محمد ما جئتنا بشئ يعرف وما انزل الله عليك من آية بينه فأنزل الله تعالى في ذلك (( ولقد انزلنا اليك آيات بينات وما يكفر بها الا الفاسقون )). وروى السيوطي عن عكرمة ان آمرأة من اليهود اصابت فاحشة فجاؤا إلى النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) يبتغون منه الحكم ، فدعى رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) عالمهم وهو ابن صوريا فقال له احكم ، قال : فجبؤه ، والتجبئة ، يحملونه على حمار ويجعلون وجهه إلى ذنب الحمار فقال له رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) : ابحكم الله حكمت قال : لا ولكن نساؤنا كن حساناً فأسرع فيهم رجالنا فغيرنا الحكم .
ونستفيد من الرواية ان العلاقة بين الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) ويهود فدك كانت قائمة والحوار والمناقشة مستمرة ، كما نستطيع ان نتبين من الرواية ان ابن صوريا هو اعلم اليهود انذاك وكان في فدك ، وهذا يدل على ان فدك كان لها اهمية دينية لدى اليهود ، كما ويمكن ان نستدل من الرواية على تفشي الفاحشة في مجتمع اليهود .ففي الدر المنثور( [1] ) قال ابن صوريا ( كنا اذا زنا الضعيف اقمنا عليه الحد واذا زنا الشريف تركناه ، فكثر الزنا في اشرافنا حتى زنا ابن ملك لنا ) . وهذا فيه من الدلالة على تفشي الفاحشة في هذا المجتمع . كما نعلم ان مجتمع فدك مجتمع قبلي ،وانما تعبير ( ملك لنا ) قد يكون بمعنى كبير او زعيم ، لان من المعروف ان هذه المنطقة من الجزيرة العربية لم تعرف نظام الملكية في الحكم .
ثانياً : الحملات العسكرية على فدك
بعد ان جرب الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) طريق الحوار والتداول مع اليهود والذي لم يجد نفعاً فقد ارسل حملات عديدة إلى فدك منها لتأديب بعض القبائل التي كانت تقوم بمساعدة اعداء الاسلام او اشعار العدو بقوة المسلمين .
فقد ذكر ان النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) بعث علياً ( عليه السلام ) في مائة رجل الى بني سعد بفدك حيث بلغه انهم يحاولون ان يمدو خيبر بالمساعدة . فسار اليهم علي بن ابي طالب( عليه السلام ) في شعبان سنة 6 هـ / 226 م ، فسار الليل وكمن النهار حتى انتهى إلى ( الهمج ) وهو عين ماء بين خيبر وفدك ، فوجدوا به رجلاً– قيل هو عين لبني سعد– فسألوه عن القوم ، فقال اخبركم ، على ان تؤمنوني ، فأمنوه فدلهم فأغاروا عليهم فأخذوا خمسمائة بعير والفي شاة ، فعزل علي ( عليه السلام ) صفي النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) ناقة تدعى الحفده ، ثم عزل الخمس وقسم سائر الغنائم على اصحابه . كما بعث الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) سرية بشير بن سعد إلى بني مرة في فدك ، ويذهب البعض إلى انها كانت في سنة 6 هـ / 226 م ، اما معظم المؤرخين فيذكرون انها كانت في سنة 7 هـ / 227 م ، وخرج بشير بثلاثين رجلاً،فلقى رعاة الشاة فسألهم: اين الناس ؟ فقالوا هم في بواديهم ، وكان الفصل شتاءاً والناس لا يخرجون إلى الماء ، فأغار عليهم واستاق النعم ، وعاد الى المدينة ، فتبعوه وادركوه عند الليل فأخذ واصحابه يرامونهم بالنبل حتى نفذت،فحمل المريون عليهم فأصيب اصحابه جميعاً ولم يرجع احد . وذكر الواقدي ، ان بشيراً كان قد جرح وظل مع القتلى حتى الليل، ثم تحامل حتى وصل فدك ، فأقام عند يهودي بفدك اياماً حتى شفي ثم رجع إلى المدينة . وكان النبي( صلى الله عليه واله وسلم) قد هيأ الزبير ابن العوام ومعه مائة رجل ، إلى بني مرة وقال له: سر حتى تنتهي إلى مصاب اصحاب بشر، فقدم غالب بن عبد الله وكان في سرية قد ظفر بها ، فأجلس الزبير وبعث غالب في مائتي رجل ، فخرج معه اسامه بن زيد في السرية .
وذكر القمي في تفسير أية:(( يا ايها الذين امنوا إذ ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا )). قال :انما نزلت لما رجع رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) من غزوة خيبر وبعث اسامه بن زيد في خيل إلى بعض قرى اليهود في ناحية فدك يدعوهم إلى الاسلام ، وكان رجل من اليهود يقال له مرداس بن نهيك الفدكي ،في بعض القرى ، فلما احس بخيل رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) جمع أهله وماله وصار في ناحية الجبل فأقبل وهو يقول أشهد ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) ، فمر بأسامه بن زيد فطعنه فقتله ، فلما رجع إلى رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) أخبر بذلك فقال له رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) قتلت رجلاً شهد ان لا اله الا الله واني رسول الله ، فهل كشفت الغطاء عن قلبه او علمت ما في نفسه ، فحلف انه لا يقتل بعد ذلك رجل شهد الشهادتين .
ورغم ان رواية القمي ذكرت بعث اسامه بن زيد الا ان قائد السرية كان غالب بن عبد الله وكان اسامه بن زيد ممن بعث مع غالب ( [2] ) .
ومهما يكن فان تلك السرايا التي ارسلها الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) إلى فدك لم تكن لغرض فتحها وانما كانت حملات خاطفة ، او كردة فعل على تصرفات بعض القبائل ضد المسلمين أومحاولاتها امداد اليهود ومساعدتهم للتغلب على المسلمين .
ثالثاً : فدك لرسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) خاصة
أجمع المؤرخون على ان فدك فتحت صلحاً ولم يوجف عليها بخيل ولا ركاب فكانت خالصة لرسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) . ذكر ان النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) لما اقبل على خيبر ارسل محيصه بن مسعود ( [3] ) إلى فدك يدعوهم إلى الاسلام ويحذرهم ان يغزوهم كما غزا اهل خيبر وقد اقام محيصه عندهم يومين ، وهم يتربصون ويظنون ان خيبر تمتنع على الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) لما فيها من حصون فلم يزالوا كذلك حتى جاءهم خبر فتح خيبر ، ففت ذلك عضدهم وقالوا لمحيصة، اكتم عنا ما قلنا لك ونعطيك حلي نساءنا فقال بل اخبر رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) بما قلتم فبعثوا معه رجلاً من رؤسائهم يقال له نون بن يوشع في نفر من اليهود ، وصالحوا رسول الله(ص) علىان يحقن دماءهم ويجليهم ويتركوا له اموالهم ، ففعل ( [4] ). وقد عامل اهلها معاملة اهل خيبر على النصف ومتى شاء اخرجهم.
وذكر البلاذري، انه صالحهم على نصف الارض بتربتها ، وفي رواية أخرى على نصف ارضهم ونخلهم ، وقد قال لهم : ان شئنا ان نخرجكم اخرجناكم ، فكانت خالصة لرسول الله ، وقيل صالحهم عليها كلها .
وكان مالك بن انس يحدث ان الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) صالح اهلها على النصف له والنصف لهم ، فلم يزالوا على ذلك حتى اخرجهم عمر بن الخطاب واجلاهم فعرض لهم بالنصف الذي كان عوضاً من ابل ونقد حتى اوفاهم قيمة نصف فدك عوضاً ونقداً ثم اجلاهم منها وقد بعث أبا الهيثم بن التيهان ، وسهل ابن ابي خثيمه،وزيد بن ثابت ، فقوموا نصف تربتها بقيمة عدل ، فدفعها لهم ، واجلاهم، وكان مبلغ خمسين الف درهم وقال بعض العلماء كان يزيد على ذلك شيئاً ، وكان ذلك من مال اتى الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) من العراق . قال ابن شبه: وكانت فدك للنبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) خالصة لانه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب .
وقال الطبري: ( فكانت خيبر فيئاً للمسلمين ، وكانت فدك خالصة لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ) . ذكر ابن هشام ان اهل فدك بعثوا إلى رسول الله( صلى الله عليه واله وسلم ) يصالحونه على النصف من فدك، فقبل ذلك منهم ، فكانت لرسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) خالصة ، وفي رواية اخرى ولم تكن فيئاً عاماً للمسلمين كما هي خيبروفي فتح الباري عن الزهري قال: بقيت بقية من خيبر تحصنوا فسألوا النبي(صلى الله عليه واله وسلم)ان يحقن دماءهم ويسيرهم ففعل فسمع بذلك اهل فدك فنزلوا على مثل ذلك وكانت لرسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)خاصة .وفدك من اراضي الصلح وقد امتلكت خصوصية فقد كانت خاصة لرسول الله دون المسلمين ، وقد اشرنا إلى ذلك من خلال ما سقناه من الروايات ، وما اتفقت عليه اراء الفقهاء ، وقد عرف الفقهاء الفئ وفرقوا بينه وبين الغنيمة .فالفيء : ما اخذ بغير قتال ، والغنيمة ما اخذ من اموال اهل الحرب من الكفار بقتال وهي هبة الله تعالى للمسلمين . وقال ابن ادم:(الغنيمة ما غلب عليه المسلمون بقتال،حتى يأخذوه عنوة ، والفئ ما صولحوا عليه).وذكر الماوردي،ان مال الفئ مأخوذ عفواً ومال الغنيمة ماخوذ قهراً وقيل الفئ ( كل مال وصل من المشركين عفواً من غير قتال ولا بايجاف خيل ولا ركاب ، فهو كمال الهدنه والجزية واعشار متاجرهم ) . فالفي هو المال الذي يأخذه المسلمون من المشركين من دون مباشرة قتال او ما هو بحكم القتال من نزول الجيش ومحاصرة العدو وازعاجهم ، إذا انتفى قيد من القيود فأن المال ينقلب غنيمة. قال تعالى: (( وما افاء الله على رسوله منهم ، فما اوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ، ولكن الله يسلط رسله على من يشاء ، والله على
كل شيء قدير)).
قال ابن عباس : ( الاية نزلت في اموال كفار من اهل القرى وهم بنو النضير ، وقريضة ، وهما بالمدينة وفدك وخيبر وقرى عرينة ، وينبع جعلها لرسوله يحكم فيها ما اراد ، واخبر انها كلها له ، فقال اناس : فهلا قسمها فنزلت الاية 🙁 وما افاء الله على رسوله منهم )فهذا الجزء من الاية الكريمة يخصص ملكية الانفال لرسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) باعتباره حاكماً للمسلمين ، وقائماً بشؤون الحكم وقد كادت ان تتفق كلمات المفسرين على ذلك .
لم تكن هناك قاعدة ثابتة في توزيع اراضي الصلح ، فقد اختلفت بأختلاف الظروف السياسية وطبيعة الاتفاق بين المتعاقدين ، ففي صلح الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) مع بني النضير ، قسم اموالهم بين المهاجرين دون الانصار ، وبعد استشارة الانصار ، فقد قال لهم ( ان احببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين مما افاء الله علي من بني النضير ، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم واموالكم ، وان احببتم اعطيتهم وخرجوا من دوركم ، فتكلم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فقالا : يا رسول الله ، بل تقسمه للمهاجرين ويكونون في دورنا كما كانوا ) وهذا ينم عن موقف اجتماعي يستهدف عدم توسيع الفوارق الاقتصادية من جهة ، والتضامن مع المحتاجين من جهة أخرى ، وقد استثنى رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) اثنين من الانصار وقد كانت بهم حاجة وهم ابا دجانه وسهل بن حنيف.
وقد اشارت المصادر إلى ان النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) أعطى بعض كبار الصحابة ارضاً من اراضي بني النضير وكان ممن اعطى ابو بكر الصديق ( رض ) بئر حجر ، واعطى عمر بن الخطاب ( رض ) بئر جرم ، واعطى عبد الرحمن بن عوف سؤاله ، واعطى الزبير بن العوام وابا سلمه بن عبد الاسد البويله،وصهيب بن سنان الضراطه .
أما وادي القرى فقد اتبع الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) فيها طريقة اخرى في التوزيع قال الماوردي : ولقد كان له الثلث من وادي القرى ، لان الثلث كان لبني عذره وثلثاها لليهود فصالحهم رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) على نصفه فصارت اثلاثاً ثلثها لرسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ).
وذكر البلاذري ان الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) اقطع حمزه بن النعمان بن هوذه العذري رمية سوطه من وادي القرى ، وكان سيد بني عذره ، وهو اول اهل الحجاز قدم على النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) بصدقه بني عذره . اما فدك فالامر مختلف تماماً حيث ابقى الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) فدكاً له خاصة لم يشاركه فيها احد من المسلمين ، ولم يرد في المصادران الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) وزع ارض فدك او اعطى منها لاحد من المسلمين شيئاً ، انما الذي اتفق عليه علماء المسلمين ان فدك كانت خالصة لرسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) وقد اعطاها ابنته فاطمة ( عليها السلام ) عندما نزلت آية (( وات ذا القربى حقه ))
على ما سيأتي توضيحه .
قال ياقوت وهي مما لم يوجف عليه بخيل ولاركاب وكانت خالصة لرسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) وهي التي قالت فاطمة ( عليها السلام ) عنها : ان رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) نحلنيها . ذكر ابن العربي ، ان هذه الاموال كانت فيئاً خصها لرسوله ، لان رجوعها كان برعب ألقي في قلوب الاعداء ، دون عمل من الناس ، فانهم لم يتكلفوا سفراً ، ولا تجشموا رحلة ، ولا صاروا عن حالة إلى غيرها ، ولاانفقوا مالاً ،فأعلم الله ان ذلك موجب لاختصاص رسوله بذلك الفيء ، وافاد البيان بأن ذلك العمل اليسير من الناس في محاصرتهم لغو لا يقع الاعتداد به في استحقاق سهم فكان النبي(صلى الله عليه واله وسلم) مخصوصاً بها . فلا شك انه بشهادة هؤلاء ان فدك كانت خالصة لرسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) ولما كانت فدك لرسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) خالصة فله ان يتصرف فيها ، اويهبها لمن شاء . قال المجلسي: ولم نجد احداً من المخالفين انكر كون فدك خالصة لرسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) في حياته ، وحتى القائل ان رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) كان يصرف شيئاً من فدك وغيرها من الصفايا في بعض مصالح المسلمين ، لم يقل بأنها لم تكن للرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) بل قال بأنه فعل ذلك على وجه التفضيل وابتغاء مرضاة الله تعالى . وعن الزهري ان النبي محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) اقطع لابي بكر( رض ) وعمر بن الخطاب ( رض ) وسهيل وعبد الرحمن بن عوف اموالاً من اموال بني النضير عامرة ، وفي بعض الروايات غامرة ، وهي الخراب التي يبلغها الماء ، فمن يسمع هذه الاثار يتوهم انها نفل ، ولكنه فعل ذلك لانها من حقوقه الخاصة ، فاذا تأملنا ما يروى عن الخليفة عمر بن الخطاب(رض) قال: يا رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) : الا
تخمس ما اصبت من بني النضير كما خمست ما اصبت من بدر ؟ قال ( صلى الله عليه واله وسلم ) : لا اجعل شيئاً جعله الله لي من دون المسلمين مثل ما هو لهم . وتلا قوله تعالى : ( ما افاء الله على رسوله منهم فما اوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير )).
وقال ابن خياط كانت خيبر فيئاً للمسلمين، وفدك خالصة لرسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، مثله رواه الذهبي.
وعليه يمكن القول ان فدك كانت حقاً من حقوق النبي ( صلى الله عليه واله وسلم)، يفعل بها ما يريد ويقطعها لمن يشاء ، ولعل الاشارات الواردة حول اقطاعات الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) لكبار الصحابة دليل كافٍ على ان الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) كان يمنح هذه الاراضي لمن يشاء ولذلك منح فدك لفاطمة ( عليها السلام ) لما سيأتي توضيحه .