مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
سلسلة محاضرات فدك ….الحلقة الخامسة …..اعداد لجنة المركز
+ = -

 فدك وتمليكها للسيدة الزهراء(ع)بين المقدمات والامر الالهي …..الحلقة الخامسة …أعداد لجنة المركز

       بعد ان جرب الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) طريق الحوار والتداول مع اليهود والذي لم يجد نفعاً فقد ارسل حملات عديدة إلى فدك منها لتأديب بعض القبائل التي كانت تقوم بمساعدة اعداء الاسلام او اشعار العدو بقوة المسلمين .

       فقد ذكر ان النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) بعث علياً ( عليه السلام ) في مائة رجل الى بني سعد بفدك حيث بلغه انهم يحاولون ان يمدو خيبر بالمساعدة :فسار اليهم علي بن ابي طالب( عليه السلام ) في شعبان سنة 6 هـ / 226 م ، فسار الليل وكمن النهار حتى انتهى إلى ( الهمج ) وهو عين ماء بين خيبر وفدك ، فوجدوا به رجلاً– قيل هو عين لبني سعد– فسألوه عن القوم ، فقال اخبركم ، على ان تؤمنوني ، فأمنوه فدلهم فأغاروا عليهم فأخذوا خمسمائة بعير والفي شاة ، فعزل علي ( عليه السلام ) صفي النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) ناقة تدعى الحفده ، ثم عزل الخمس وقسم سائر الغنائم على اصحابه.

       كما بعث الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) سرية بشير بن سعد إلى بني مرة في فدك ، ويذهب البعض إلى انها كانت  في سنة 6 هـ / 226 م ، اما معظم المؤرخين فيذكرون انها كانت في سنة 7 هـ / 227 م ، وخرج بشير بثلاثين رجلاً،فلقى رعاة الشاة فسألهم: اين الناس ؟ فقالوا هم في بواديهم ، وكان الفصل شتاءاً والناس لا يخرجون إلى الماء ، فأغار عليهم واستاق النعم ، وعاد الى المدينة ، فتبعوه وادركوه عند الليل فأخذ

       ومهما يكن فان تلك السرايا التي ارسلها الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) إلى فدك لم تكن لغرض فتحها وانما كانت حملات خاطفة ، او كردة فعل على تصرفات بعض القبائل ضد المسلمين أومحاولاتها امداد اليهود ومساعدتهم للتغلب على المسلمين .

 

       أجمع المؤرخون على ان فدك فتحت صلحاً ولم يوجف عليها بخيل ولا ركاب فكانت خالصة لرسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) 0

       ذكر ان النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) لما اقبل على خيبر ارسل محيصه بن مسعود إلى فدك يدعوهم إلى الاسلام ويحذرهم ان يغزوهم كما غزا اهل خيبر ،
وقد اقام محيصه عندهم يومين ، وهم يتربصون ويظنون ان خيبر تمتنع على الرسول
( صلى الله عليه واله وسلم ) لما فيها من حصون فلم يزالوا كذلك حتى جاءهم خبر فتح خيبر ، ففت ذلك عضدهم وقالوا لمحيصة، اكتم عنا ما قلنا لك ونعطيك حلي نساءنا فقال بل اخبر رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) بما قلتم فبعثوا معه رجلاً من رؤسائهم يقال له نون بن يوشع في نفر من اليهود ، وصالحوا رسول الله(ص) على ان يحقن دماءهم ويجليهم ويتركوا له اموالهم ، ففعل0 وقد عامل اهلها معاملة اهل خيبر على النصف ومتى شاء اخرجهم 0

      وذكر البلاذري ، انه صالحهم على نصف الارض بتربتها ،  وفي رواية أخرى على نصف ارضهم ونخلهم ، وقد قال لهم : ان شئنا ان نخرجكم اخرجناكم ، فكانت خالصة لرسول الله ، وقيل صالحهم عليها كلها 0

       وكان مالك بن انس يحدث ان الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) صالح اهلها على النصف له والنصف لهم ، فلم يزالوا على ذلك حتى اخرجهم عمر بن الخطاب
( رض ) واجلاهم فعرض لهم بالنصف الذي كان عوضاً من ابل ونقد حتى اوفاهم قيمة نصف فدك عوضاً ونقداً ثم اجلاهم منها وقد بعث أبا الهيثم بن التيهان ، وسهل ابن ابي خثيمه،وزيد بن ثابت ، فقوموا نصف تربتها بقيمة عدل ، فدفعها لهم ، واجلاهم( [1] ) ، وكان مبلغ خمسين الف درهم وقال بعض العلماء كان يزيد على ذلك شيئاً ، وكان ذلك من مال اتى الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) من العراق0.

       قال ابن شبه: وكانت فدك للنبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) خالصة ،
لانه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب .

 وقال الطبري: ( فكانت خيبر فيئاً للمسلمين ، وكانت فدك خالصة لرسول الله  (صلى الله عليه واله وسلم) ) . ذكر ابن هشام ان اهل فدك بعثوا إلى رسول الله
( صلى الله عليه واله وسلم ) يصالحونه على النصف من فدك، فقبل ذلك منهم ،  فكانت لرسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) خالصة ، وفي رواية اخرى ولم تكن فيئاً عاماً للمسلمين كما هي خيبر(،وفي فتح الباري عن الزهري قال: بقيت بقية من خيبر تحصنوا فسألوا النبي(صلى الله عليه واله وسلم)ان يحقن دماءهم ويسيرهم ففعل فسمع بذلك اهل فدك فنزلوا على مثل ذلك وكانت لرسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)خاصة.

       وفدك من اراضي الصلح وقد امتلكت خصوصية فقد كانت خاصة لرسول الله دون المسلمين ، وقد اشرنا إلى ذلك من خلال ما سقناه من الروايات ، وما اتفقت عليه اراء الفقهاء ، وقد عرف الفقهاء الفئ وفرقوا بينه وبين الغنيمة .

       فالفيء : ما اخذ بغير قتال ، والغنيمة ما اخذ من اموال اهل الحرب من الكفار بقتال وهي هبة الله تعالى للمسلمين.

       وقال ابن ادم:(الغنيمة ما غلب عليه المسلمون بقتال،حتى يأخذوه عنوة ، والفئ ما صولحوا عليه).وذكر الماورديان مال الفئ مأخوذ عفواً ومال الغنيمة ماخوذ قهراً

       وقيل الفئ ( كل مال وصل من المشركين عفواً من غير قتال ولا بايجاف خيل
ولا ركاب ، فهو كمال الهدنه والجزية واعشار متاجرهم).

       فالفي هو المال الذي يأخذه المسلمون من المشركين من دون مباشرة قتال او ما هو بحكم القتال من نزول الجيش ومحاصرة العدو وازعاجهم ، إذا انتفى قيد من القيود فأن المال ينقلب غنيمة ( [2] ) . قال تعالى: (( وما افاء الله على رسوله منهم ، فما اوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ، ولكن الله يسلط رسله على من يشاء ، والله على
كل شيء قدير)).

       قال ابن عباس : ( الاية نزلت في اموال كفار من اهل القرى وهم بنو النضير ، وقريضة ، وهما بالمدينة وفدك وخيبر وقرى عرينة وينبعجعلها لرسوله يحكم فيها ما اراد ، واخبر انها كلها له ، فقال اناس : فهلا قسمها فنزلت الاية 🙁 وما افاء الله على رسوله منهم )فهذا الجزء من الاية الكريمة يخصص ملكية الانفال ( [3] ) لرسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) باعتباره حاكماً للمسلمين ، وقائماً بشؤون الحكم وقد كادت ان تتفق كلمات المفسرين على ذلك 0

لم تكن هناك قاعدة ثابتة في توزيع اراضي الصلح ، فقد اختلفت بأختلاف الظروف السياسية وطبيعة الاتفاق بين المتعاقدين ، ففي صلح الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) مع بني النضير ، قسم اموالهم بين المهاجرين دون الانصار ، وبعد استشارة الانصار ، فقد قال لهم ( ان احببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين مما افاء الله علي من بني النضير ، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم واموالكم ، وان احببتم اعطيتهم وخرجوا من دوركم ، فتكلم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فقالا : يا رسول الله ، بل تقسمه للمهاجرين ويكونون في دورنا كما كانوا ) وهذا ينم عن موقف اجتماعي يستهدف عدم توسيع الفوارق الاقتصادية من جهة ، والتضامن مع المحتاجين من جهة أخرى ، وقد استثنى رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) اثنين من الانصار وقد كانت بهم حاجة وهم ابا دجانه وسهل بن حنيف.

       وقد اشارت المصادر إلى ان النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) أعطى بعض كبار الصحابة ارضاً من اراضي بني النضير وكان ممن اعطى ابو بكر الصديق ( رض ) بئر حجر ، واعطى عمر بن الخطاب ( رض ) بئر جرم ، واعطى عبد الرحمن بن عوف سؤاله ، واعطى الزبير بن العوام وابا سلمه بن عبد الاسد البويله،وصهيب بن سنان الضراطه) .

       أما وادي القرى فقد اتبع الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) فيها طريقة اخرى في التوزيع قال الماوردي: ولقد كان له الثلث من وادي القرى ، لان الثلث كان لبني عذره وثلثاها لليهود فصالحهم رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) على نصفه فصارت اثلاثاً ثلثها لرسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ).

       اما فدك فالامر مختلف تماماً حيث ابقى الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم )
فدكاً له خاصة لم يشاركه فيها احد من المسلمين ، ولم يرد في المصادر
ان الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) وزع ارض فدك ،
او اعطى منها لاحد من المسلمين شيئاً ، انما الذي اتفق عليه علماء المسلمين ان فدك كانت خالصة لرسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) وقد اعطاها ابنته
فاطمة ( عليها السلام ) عندما نزلت آية (( وات ذا القربى حقه )) 0

       قال ياقوت  ،وهي مما لم يوجف عليه بخيل ولاركاب وكانت خالصة لرسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) وهي التي قالت فاطمة ( عليها السلام ) عنها :
ان رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) نحلنيها . 

     ذكر ابن العربي ، ان هذه الاموال كانت  فيئاً خصها لرسوله ، لان رجوعها كان برعب ألقي في قلوب الاعداء ، دون عمل من الناس ، فانهم لم يتكلفوا سفراً ،
ولا تجشموا رحلة ، ولا صاروا عن حالة إلى غيرها ، ولاانفقوا مالاً ،فأعلم الله ان ذلك موجب  لاختصاص رسوله بذلك الفيء ، وافاد البيان بأن ذلك العمل اليسير من الناس في محاصرتهم لغو لا يقع الاعتداد به في استحقاق سهم فكان النبي(صلى الله عليه واله وسلم) مخصوصاً بها .

       فلا شك انه بشهادة هؤلاء ان فدك كانت خالصة لرسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) ولما كانت فدك لرسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) خالصة فله ان يتصرف فيها ، اويهبها لمن شاء .

 وعن الزهري ان النبي محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) اقطع لابي بكر 

( رض ) وعمر بن الخطاب ( رض ) وسهيل وعبد الرحمن بن عوف اموالاً من اموال بني النضير عامرة ، وفي بعض الروايات غامرة ، وهي الخراب التي يبلغها الماء ، فمن يسمع هذه الاثار يتوهم انها نفل ، ولكنه فعل ذلك لانها من حقوقه الخاصة ، فاذا تأملنا ما يروى عن الخليفة عمر بن الخطاب(رض) قال: يا رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) : الا تخمس ما اصبت من بني النضير كما خمست ما اصبت من بدر ؟ قال
( صلى الله عليه واله وسلم ) : لا اجعل شيئاً جعله الله لي من دون المسلمين مثل ما هو لهم . وتلا قوله تعالى : ( ما افاء الله على رسوله منهم فما اوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير )).

   وعليه يمكن القول ان فدك كانت حقاً من حقوق النبي ( صلى الله عليه واله وسلم)، يفعل بها ما يريد ويقطعها لمن يشاء ، ولعل الاشارات الواردة حول اقطاعات الرسول

( صلى الله عليه واله وسلم ) لكبار الصحابة دليل كافٍ على ان الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) كان يمنح هذه الاراضي لمن يشاء ولذلك منح فدك لفاطمة ( عليها السلام )

      وفي مجمع الزوائد جاء عن ابي سعيد الخدري قال : لما نزلت :

(( وأت ذا القربى حقه )) ، دعا رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) فاطمة ( عليها السلام ) فأعطاها فدكاً .

       وروى ابن كثير بسنده إلى ابي سعيد الخدري قال : لما نزلت :
(( وات ذا القربى حقه )) دعا رسول الله (ص) فاطمه ( عليها السلام ) فأعطاها فدكاً .

       وذكره الذهبي في الاعتدال وصححه المتقي الهندي في كنز العمال عن ابي سعيد الخدري قال: لما نزلت (( وات ذا القربى حقه )) قال النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) يا فاطمة لك فدك ، وقال ياقوت: ان علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) قال: ان النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) نحلها في حياته لفاطمة ( عليها السلام ) .

  وروى العياشي عن عبد الرحمن ، عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال : لما انزل الله (( وات ذا القربى حقه والمسكين )) قال رسول الله( صلى الله عليه واله وسلم): ياجبرائيل قد عرفت المسكين فمن ذوي القربى ؟.

       قال : هم أقاربك ، فدعا حسناً وحسيناً وفاطمة فقال : ان ربي أمرني ان اعطيكم مما افاء الله علي قال : اعطيتكم فدكاً  .

       وروى الحاكم الحسكاني الحنفي  بسنده عن ابي سعيد قال : لما نزلت
(( وات ذا القربى حقه )) اعطى رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) فاطمة فدكاً .

       وذكر ، ان الله تبارك وتعالى لما فتح على نبيه ( صلى الله عليه واله وسلم ) فدكاً وما ولاها لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب فأنزل الله على نبيه ( صلى الله عليه واله وسلم ) (( وات ذا القربى حقه )) فلم يدر رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) من هم ، فراجع في ذلك جبرائيل ، وراجع جبرائيل ( عليه السلام ) ربه فأوصى الله إليه ان ادفع فدكاً إلى فاطمة فدعاها رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) فقال لها : يا فاطمة ان الله امرني ان ادفع اليك فدكاً فقالت : قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك ، فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) 0

       ويتضح من الروايات ان فدكاً هبة من الله لفاطمة وليست هدية نبوية ،
ويؤيد ذلك ما سقناه من الروايات التي اكدت على ان منح فدك كان بعد نزول أية
(( وات ذا القربى حقه )) وان الرسول استفهم عن ذي القربى ، ليس لكونه لم يكن يعرف من هم المقصودين بهذا المعنى ولكنه اراد ان يؤكده لكي لا يبقى لمن يريد التشكيك مجالاً لذلك . لذي امر الله ان يؤتى حقها ؟
 وفي الخرائج والجرائح ، ان رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) دعا علياً(عليه السلام ) فقال:اكتب لفاطمة بفدك نحلة من رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) فشهد على ذلك علياً( عليه السلام ) ومولى رسول الله( صلى الله عليه واله وسلم ) وام ايمن فقال رسول الله( صلى الله عليه واله وسلم ): ام ايمن أمرأة من اهل الجنة .

 وخلاصة القول ، ان فدكاً كانت يهودية في بداية تأريخها ثم أن اهلها صالحوا الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) على النصف منها وأصبحت لرسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) خاصة ، ومن هنا بدأ تاريخها الاسلامي ، وقد غرس فيها 

الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) بعض النخيل وعلى رواية أحدى عشرة نخله ثم انه وهبها إلى ابنته فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بعد نزول اية :
(( وات ذا القربى حقه )) وبما ان رسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) ( ما ينطق عن الهوى ، ان هو الا وحي يوحى ) ، فقد كانت فدك هبة ربانية وليست هدية نبوية فقط ، وقد ظلت بيد الزهراء ( عليها السلام ) حتى توفى الرسول( صلى الله عليه واله وسلم ) ، فكانت هي التي تتصرف فيها ، وكانت تتصدق بكل خراجها ، بعد ان تستبقي ما يسد حاجة الامام 0