كيف حصل مقتل الزهراء عليها السلام ؟ وما هي الأدلّة على صحّة ما قيل عن مقتلها وخصوصاً عند إخواننا أهل السنّة والجماعة ، ولا بأس في الأدلّة التي تخصّ الشيعة ، فالمهمّ عندي الأدلّة من أخواننا أهل السنة
نحن نحيلك إلى التاريخ ومطالعة حياتها ، وبين يديك جميع المصادر والكتب والسجلّات بأجمعها ، افحص وفتّش عن مجموع أيّامها قبل زواجها ، وفي مدّة عيشها في بيت زوجها. سيّدة كانت في غُرّة أيّام الشباب وغضارتها ، وزهرة مستقبل الحياة ونضارتها ، لم يتجاوز من عمرها الشريف عقدان من الزمن ، هل اعتلت أو ابتليت ؟ هل اشتكت من ألم أو اشتكت من سقم ؟ هل كانت مريضة أم كانت عليلة ؟ هل كانت في تلك الأيّام سكتات قلبيّة أو أمراض خبيثة ؟ هل دهمتها عوارض طبيعيّة ؟ فما كانت علّة وفاتها وغروب شمس حقيقتها وأفول بدر وجنتها ؟ وما هو السبب في موتها ؟ فإن لم تجد شيئاً سأل زوجها وابن عمّها القريب إليها واسمع بما يجيبك عنها ، وهو يخاطب أباها بعد دفنها ومفارقتها ، وهو العليم الخبير بما جرى عليها وما آذاها ، والصادق في ما يقول عنها ، ولا يبالغ في ما يدعي لها وعليها ، يقول عليه السلام :
وَسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا ، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ ، وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ ؛ هذَا وَلَمْ يَطُلِ الْعَهْدُ ، وَلَمْ يَخْلُ مِنْكَ الذِّكْرُ (۱).
نعم ، تضافر الاُمّة على ظلمها ، ولا يعني غصب الخلافة فإنّه ظلم لزوجها وليس مباشرة لها.
وإن كنت في شكّ من هذا فاسأل البعيد عنها والموالي لأعدائها ، والمنحاز إلى الغاصبين لحقّها ، والقابل التابع للغاصب لحقّها وخلافة أبيها ، وهو من أكابر أعلام المخالفين لها ولزوجها :
يقول ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة في قصّة خروج زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى المدينة ومتابعة الكفّار لطلبها ، فأدركها هبار بن الأسود فروّعها وكانت حاملاً فطرحت ما في بطنها ، فلذلك أباح رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم فتح مكّة دم هبار. يقول ابن أبي الحديد قرأت هذا الخبر على النقيب أبو جعفر ، فقال :
إذا كان رسول الله صلّى الله عليه وآله أباح دم هبّار بن الأسود لأنّه روّع زينب فألقتْ ذا بطنها ، فظهر الحال أنه لو كان حيّاً لأباح دم مَنْ رَوّع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها. فقلت : أروي عنك ما يقوله قومٌ أنّ فاطمة روِّعت فألقت المحسن ، فقال : لا تروِه عَنّي ولا تَرْوِ عَنّي بطلانه. (۲)
يا سبحان الله ! جرى الحق على لسانه ومنعه شيطانه عن نشره وروايته ، أو خاف واتّقى من سلطان وقته وزمانه ، ومن مشاغبي أفراد نحلته واتباعه ، فالله أعلم به وهو يحاسبه في يوم لقائه.
ثمّ دع هذا وأخبرني عن دفنها وعرفني قبرها ، وشخّص لي مدفنها كريمة وحيدة باقية لسيّد الرسل طه ، ومنها انتشرت ذريّته وهي أمّ أبيها ، وكم أوصى بها.
وهي التي قال صلّى الله عليه وآله : إنَّ الله يَغْضَبُ لِغَضَبِكِ وَيَرْضى لِرِضاكِ (۳).
وقال صلّى الله عليه وآله فيها : فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني (٤).
والله يقول في كتابه : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (٥).
توفّت وهي غضبى عليهما كما ذكره البخاري في صحيحه (٦).
أوضح لي لماذا دفنت سرّاً ؟ لماذا دفنت ليلاً ؟ لماذا لم يحضرا ليشيّعها ؟ فلماذا أُخفي حتّى قبرها عنهما ؟ تلك آيات لاُولى النهى ، وتذكرة وتبصرة لم تذكر أو يخشى ، وقطع لعذر واعتذار لكلّ متجاهل أعمى أو من تعامى ، والله بالمرصاد لمن أنكر شهادتها أو شكّك فيها ، فزاد عليهما في ظلمهما وآذاها .
الهوامش
۱. نهج البلاغة « للسيد الرضي » / الصفحة : ۳۲۰ / الناشر : مركز البحوث الإسلاميّة / الطبعة : ۱.
۲. شرح نهج البلاغة « لابن أبي الحديد » / المجلّد : ۱٤ / الصفحة : ۱۹۲ ـ ۱۹۳ / الناشر : مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر / الطبعة : ۲.
۳. المستدرك على الصحيحين « للحاكم النيسابوري » / المجلّد : ٤ / الصفحة : ۱۳۷ / الناشر : دار المعرفة.
راجع :
المعجم الكبير « للطبراني » / المجلّد : ۱ / الصفحة : ۱۰۸ / الناشر : دار إحياء التراث العربي / الطبعة : ۲.
اسد الغابة « لابن أثير » / المجلّد : ٦ / الصفحة : ۲۲٤ / الناشر : دار الفكر / الطبعة : ۱.
الإصابة « لابن حجر العسقلاني » / المجلّد : ۸ / الصفحة : ۲٦٥ / الناشر : دار الكتب العلميّة / الطبعة : ۱.
٤. السنن الكبرى « لاحمد بن الحسين البيهقي » / المجلّد : ۱۰ / الصفحة : ۲۰۱ ـ ۲۰۲ / الناشر : دار الفكر.
راجع :
صحيح مسلم / المجلّد : ٤ / الصفحة : ۲٥۲ ـ ۲٥۳ / الناشر : دار الخير / الطبعة : ۱.
شرح نهج البلاغة « لابن أبي الحديد » / المجلّد : ۱٦ / الصفحة : ۲۷۳ / الناشر : مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر / الطبعة : ۲.
المجموع « للنووي » / المجلّد : ۲۰ / الصفحة : ۲٤٤ / الناشر : دار الفكر.
٥. الأحزاب : ٥۷.
٦. صحيح البخاري / المجلّد : ٤ / الصفحة : ٤۲ / الناشر : دار الفكر / الطبعة : ۲.