مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
فاطمة الزهراء (ع) في القرآن الكريم بقلم: السيد محمّد كاظم القزويني
+ = -

تفقت كلمات أئمّة أهل البيت وكلمات أتباعهم أنّ المقصود من القربى هم أقرباء النبي، وهناك أحاديث متواترة مشهورة في كتب الشيعة والسُنّة حول تعيين القربى بأفرادهم وأسمائهم، ومن جملة الأحاديث التي ذكرها علماءُ السنّة: لمّا نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم…

مقتبس من كتاب: فاطمة الزهراء (ع) من المهد إلى اللحد

في آية القربى

وهي في قوله تعالى: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (1).

هذه الآية كما تراها خطاب من الله العظيم إلى نبيه الكريم (قُل) يا محمد لأمتك: (لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ) على أداء الرسالة (أَجْرًا) شيئاً من الأجر (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ) أي إلاَّ أن تودّوا قرابتي.

وقد اتفقت كلمات أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) وكلمات أتباعهم أنّ المقصود من القربى هم أقرباء النبي، وهناك أحاديث متواترة مشهورة في كتب الشيعة والسُنّة حول تعيين القربى بأفرادهم وأسمائهم، ومن جملة الأحاديث التي ذكرها علماءُ السنّة في صحاحهم وتفاسيرهم هذا الحديث:

لمّا نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟

قال (صلى الله عليه وآله): علي وفاطمة وابناهما… الخ.

ذكر هذا الحديث طائفة من علمائهم، منهم:

1 – ابن الحجر في الصواعق المحرقة له.

2 – الثعلبي في تفسيره.

3 – السيوطي في الدر المنثور.

4 – أبو نعيم في حلية الأولياء. 

5 – الجويني الشافعي في فرائد السمطين.

وحديث آخر رواه الطبري وابن حجر أيضاً: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إنّ الله جعل أجري عليكم المودّة في أهل بيتي، وإني سائلكم غداً عنهم.

هؤلاء بعض الرواة الذين ذكروا ونقلوا هذا الحديث بصورة إجماليّة.

وإليك بعض الأحاديث التي تصرّح باحتجاج أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) بهذه الآية على أنّ المقصود من القربى هم:

في الصواعق المحرقة لابن حجر: عن علي (عليه السلام): فينا في آل حم، لا يحفظ مودّتنا إلاَّ كل مؤمن ثمّ قرأ:

(قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ).

وفي الصواعق أيضاً: عن الإمام الحسن (عليه السلام) أنّه خطب خطبة قال فيها: وأنا من أهل البيت الذين افترض الله عز وجل مودتهم وموالاتهم، فقال فيما أنزل على محمد (صلى الله عليه وآله): (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً) واقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت… الخ.

وفي الصواعق أيضاً عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) أتاه رجل من أهل الشام، وهو (عليه السلام) أسير، وقد أقيم على باب الجامع الأموي بدمشق فقال له الشامي: الحمد لله الذي قتلكم… الخ. فقال له: أما قرأت: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).

وإلى هذا أشار الشاعر الكميت الأسدي بقوله:

وجدنا لكم في آل حاميم آيةً—–تأوّلها منَّا تقيٌّ ومعربُ

وعن جابر بن عبد الله قال: جاء إعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وآله).

قال: يا محمد أعرض عليَّ الإسلام.

فقال: تشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله.

قال: تسألني عليه أجراً؟

قال: لا، إلاَّ المودّة في القربى.

قال: قرابتي أو قرابتك؟

قال: قرابتي.

قال: هات أبايعك، فعلى مَن لا يحبّك ولا يحب قرابتك لعنة الله.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): آمين.

رواه الكنجي في (كفاية الطالب) ص31.

وذكر ابن حجر في الصواعق ص101 هذين البيتين لابن العربي:

رأيت ولائي آل طه فريضةً—–على رغم أهل البعد يورثني القربا

فما طلب المبعوث أجراً على الهدى—–بتبليغه إلاَّ المودّة في القربى

وهذين البيتين للإمام الشافعي:

يا أهل بيت رسول الله حبّكم—–فرضٌ من الله في القرآن أنزله

كفاكمُ من عظيم القدر أنكُمُ—–مَن لم يصلّ عليكم لا صلاة له

وقد ذكر شيخنا الأميني (عليه الرحمة) في الجزء الثالث من الغدير خمسة وأربعين مصدراً حول نزوله هذه الآية في شأن علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وهي:

الإمام أحمد، ابن المنذر، ابن أبي حاتم، الطبري، ابن مردويه، الثعلبي، أبو عبد الله الملا، أبو الشيخ النسائي، الواحدي، أبو نعيم، البغوي، البزار، ابن المغازلي، الحسكاني، محب الدين، الزمخشري، ابن عساكر، أبو الفرج، الجويني، النيسابوري، ابن طلحة، الرازي، أبو السعود، أبو حيان، ابن أبي الحديد، البيضاوي، النسفي، الهيثمي، ابن الصباغ، الكنجي، المناوي، القسطلاني، الزرندي، الخازن، الزرقاني، ابن حجر، السمهودي، السيوطي، الصفوري، الصبان، الشبلنجي، الحضرمي، النبهاني.

في آيَةِ المـُباهَلَة

قال الله تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (2).

تعتبر هذه الواقعة من الوقائع المشهورة، والحوادث المعروفة عند المسلمين من يوم وقوعها إلى يومنا هذا، ولا أراني بحاجة إلى ذكر المصادر والمدارك لها.

ويكفي أن أقول: إنّ جميع المفسّرين والمحدّثين -إلاَّ مَن شذَّ وندر- قد اتفقت كلمتهم على نزول هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما جرى الحوار بينه وبين النصارى حول عيسى ابن مريم (عليه السلام) وإليك الواقعة بصورة موجزة مرويّة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام):

قدم على النبي (صلى الله عليه وآله) وفد من نصارى نجران (3) ويتقدّمهم ثلاثة من كبارهم: العاقب، ومحسن، والأسقف، ورافقهم رجلان من مشاهير اليهود، جاءوا ليمتحنوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له الأسقف: يا أبا القاسم فذاك موسى مَن أبوه؟

النبي (صلى الله عليه وآله): عمران.

الأسقف: فيوسف من أبوه؟

النبي (صلى الله عليه وآله)‌ وسلم: يعقوب.

الأسقف: فداك أبي وأُمّي: فأنت مَن أبوك؟

النبي (صلى الله عليه وآله)‌ وسلم: عبد الله بن عبد المطّلب.

الأسقف: فعيسى مَن أبوه؟

فسكت النبي (صلى الله عليه وآله) فنزل جبرئيل فقال: هو روح الله وكلمته.

الأسقف: يكون روح بلا جسد؟

فسكت النبي (صلى الله عليه وآله) فأوحى الله إليه: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فوثب الأسقف وثبة إعظام لعيسى أن يقال له من تراب ثم قال: ما نجد هذا -يا محمد- في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور، ولا نجد هذا إلاّ عندك فأوحى الله إليه: ((فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ…) إلى آخره)

فقالوا: أنصفتنا يا أبا القاسم فمتى موعدك؟

قال: بالغداة إن شاء الله.

فلمّا صلّى النبي (صلى الله عليه وآله) الصبح أخذ بيد علي وجعله بين يديه، وأخذ فاطمة (عليها السلام) فجعلها خلف ظهره، وأخذ الحسن والحسين عن يمينه وشماله، وقال لهم: إذا دعوتُ فأمِّنوا. ثم برك لهم باركاً. فلما رأوه قد فعل ذلك ندموا وتآمروا فيما بينهم وقالوا: والله إنّه لَنبي، ولئن بَاهَلَنا ليستجيب الله له علينا، فيهلكنا، ولا ينجينا شيء منه إلاَّ أن نستقيله.

وذكر الرازي في تفسيره: قال أسقف نجران: يا معشر النصارى! إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً لأزاله بها، فلا تباهلوهم فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.

فأقبلوا حتى جلسوا بين يديه ثم قالوا: يا أبا القاسم أقِلنا. قال: نعم، قد أقلتكم، أما والذي بعثني بالحق لو باهلتكم ما ترك الله على ظهر الأرض نصرانيّاً إلاّ أهلكه.

ذكرنا هذه الواقعة مع رعاية الاختصار، وقد ذكرنا ما تيسّر حول الآية في كتاب (علي من المهد إلى اللحد).

ويكون حديثنا -هنا- حول قوله تعالى: (وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ) فقد أجمع المسلمون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يأخذ معه من الرجال إلاَّ عليّاً، ومن الأبناء إلاَّ الحسن والحسين، ومن النساء إلاَّ ابنته فاطمة الزهراء، ولم يأخذ معه أحداً من زوجاته، وهنَّ في حجراته ولم يأخذ معه إحدى عمّاته كصفية بنت عبد المطلب التي كانت شقيقة أبيه عبد الله، ولم يصطحب معه أم هاني بنت أبي طالب، ولا دعا غيرهن من الهاشميات ولا من نساء المهاجرين والأنصار.

فلو كانت في نساء المسلمين امرأة كفاطمة الزهراء في الجلالة والعظمة والقداسة والنزاهة لدعاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لترافقه للمباهلة، مع العلم أنّ الله تعالى أمر نبيّه أن يدعو نساءه بقوله تعالى: (وَنِسَاءَنَا) ولكنّه (صلى الله عليه وآله) لم يجد امرأة تليق بالمباهلة سوى ابنته الصدّيقة الطاهرة؛ ولهذا انتخبها.

وقد روى القندوزي الحنفي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم أنّه قال: (لو عَلم الله تعالى أنّ في الأرض عباداً أكرم من علي وفاطمة والحسن والحسين لأمرني أن أُباهل بهم، ولكن أمرني بالمباهلة بهؤلاء، وهم أفضل الخَلق) (4).

في سُورَة هَلْ أتى

قال الله تبارك وتعالى:

(إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً) إلى قوله: (وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا).(5)

نزلت هذه الآيات حينما تصدّقت السيدة فاطمة الزهراء وزوجها الإمام أمير المؤمنين وولداها الإمامان: الحسن والحسين (عليهم السلام).

وقد ذكر الواحدي في كتابه (البسيط)، والثعلبي في تفسيره الكبير، وأبو المؤيد موفق في كتاب الفضائل، وغيرهم: أنّ الآيات نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام).

ونكتفي هنا بما ذكره الزمخشري في تفسيره (الكشّاف) ما لفظه: وعن ابن عباس رضي ‌الله‌ عنه: إنّ الحسن والحسين مرضا؛ فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ناس معه فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك. فنذر علي وفاطمة وفضة (جارية لهما): إن برئا -الحسن والحسين- ممّا بهما أن يصوموا ثلاثة أيام. فشفيا، وما معهم شيء (طعام) فاستقرض علي من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد! مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلاَّ الماء، وأصبحوا صياماً، فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه. ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك. فلمّا أصبحوا أخذ علي رضي ‌الله‌ عنه بيد الحسن والحسين، وأقبلوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلمّا أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع قال: ما أشدَّ ما يسوءني ما أرى بكم.

وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها، وغارت عيناها فساءه ذلك، فنزل جبرئيل (عليه السلام) وقال: خذها يا محمد، هنَّاك الله في أهل بيتك. فأقرأه السورة.

وأمّا تفسير الآيات مع رعاية الاختصار والإيجاز:

(إِنَّ الْأَبْرَارَ) الأبرار: جمع بارّ أو برّ، وهم علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)(يَـشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ) هي الزجاجة إذا كان فيها الشراب أو المراد من الكأس نفس الشراب لا الزجاجة (كَانَ مِزَاجُهَا) الذي تمزج به من عين في الجنّة تُسمّى (كَافُورًا) لأنّ ماءها في بياض الكافور وبرودته لا في خواصه وآثاره، ومن الممكن أنّ كافور اسم عين في الجنّة بدليل قوله تعالى (عَيْنًا) كأنّها عطف أو بدل من كافور أي تفسير له (شْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّـهِ) الكاملون في العبادة الذين ذكرهم في كتابه (وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴿٦٣﴾ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) إلى آخر الآيات الدالة على الصفات الكاملة.

(يُفَجِّرُونَهَا) يفجرونها حيث شاءوا (تَفْجِيرًا) سهلاً يسيراً (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) إنّهم استحقّوا هذا الجزاء بسبب وفائهم بالنذر؛ لأنّ النذر هو ما يوجبه الإنسان على نفسه فإذا وفى بالنذر فهو بما أوجب الله عليه كان أوفى (وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) منتشراً (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ) أي بالرغم من حبِّهم للطعام لشدَّة جوعهم بسبب الصوم (مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) كل ذلك حبّاً للخير وإيثاراً على أنفسهم، وإشفاقاً على المسكين ورأفة باليتيم وعطفاً على الأسير (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّـهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً) بفعل تفعلونه (وَلَا شُكُورًا) بقول تقولونه، قال مجاهد: إنّهم لم يقولوا حين أطعموا الطعام شيئاً، وإنّما علمه الله منهم فأثنى به عليهم.

(إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) شديد العبوس، تشبيهاً له في تخويفه بالأسد العبوس أو الحاكم المتنمّر العبوس.

(فَوَقَاهُمُ اللَّـهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ) تأميناً لهم من شرّه وضرّه (وَلَقَّاهُمْ نَـضْرَةً) في وجوههم (وَسُرُورًا) في قلوبهم (وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا) على الإيثار مع شدّة الجوع (جَنَّةً وَحَرِيرًا) ثم ذكر الله أحوالهم في الجنة (مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ) في منتهى الراحة والرفاهية (لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا) يؤذي حرّها (وَلَا زَمْهَرِيرًا) يؤذي برده.

(وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا) يسهل عليهم اقتطاف فواكه الجنّة (وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ) خلقها الله بإرادته (كَانَتْ قَوَارِيرَا ﴿١٥﴾ قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) على حسب ما تشتهي أنفسهم وتتمنّى قلوبهم في التكيّف بالكيفيّات المخصوصة إلى آخر السورة التي في وصف نعم الجنّة ونعيمها وعيون تسمّى زنجبيلاً وسلسبيلاً. والخدم الذين يخدمونهم والمـُلك الكبير الذي يكون لهم مع النعيم والملابس

 الخُضر من الإستبرق، والزينة التي يتزيّنون بها، والشراب الطهور الذي يشربونه.

والعجيب أنّ الله تعالى ذكر في هذه السورة الكثير الكثير من نعم الجنّة، ولم يذكر -هنا- الحور العين؛ لأنّ الآية نزلت في حق علي وفاطمة وولديهما، فحفظ الله لفاطمة الزهراء جلالتها إذ لم يذكر -عزّ وجل- الحور العين كرامة لسيّدة نساء العالمين. 

في آية النور

قال تعالى: (اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ…) (6).

روى الحافظ ابن المغازلي الشافعي -في كتاب المناقب- بالإسناد إلى علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن [ الكاظم ] (عليه السلام) عن قوله (عزّ وجلّ): (كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ)؟

قال (عليه السلام): المشكاة: فاطمة، والمصباح: الحسن، والحسين: الزجاجة.

(كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ): قال: كانت فاطمة كوكباً دُريّاً بين نساء العالمين… (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ) قال: يكاد العِلم أن ينطق منها (7).

أقول: لقد مرّت عليك بعض الأحاديث التي تتحدّث عن نور الزهراء الزاهر المشرق.

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله)‌وسلم أنّه قال: (… ونور ابنتي فاطمة من نور الله…) (8).

…………………………….
(1) الشورى: 22.
(2) آل عمران: 60.
(3) نجران منطقة تقع على الحدود بين الحجاز واليمن.
(4) ينابيع المودَّة ص 244 طبعة إسلامبول.
(5) سورة الدهر.
(6) النور: 35.
(7) المناقب ص 317.
(8) بحار الأنوار ج 15 ص 10.