فاطمة عليها السلام المطيعة العابدة بقلم م.م سلام عبدالامير حمزة
فاطمة عليها السلام المطيعة العابدة م.م سلام عبد الأمير حمزة
يعتبر ارتباط الإنسان بالله سبحانه وتعالى أمرا شخصيا بين العبد وربه ويتفاوت هذا الارتباط بالله حسب درجة تقوى الإنسان وإيمانه بالله فكلما كان هذا الإنسان صاحب تقوى وإيمان حقيقي بربه فانه يرتبط بالله في جميع أفعاله وسكناته وحتى في لحظات نومه وغفلته وذلك لكون حواسه وجوارحه كانت قد اعتادت على فعل الطاعات وترك المعاصي في أكثر الأوقات فتراه مبادرا إلى الأعمال العبادية المستحبة فضلا عن الواجبة ساعيا لعمل الخير مبادرا في فعله متى ما تهيئة له الفرصة لذلك , وبما إننا ألان في حضرة ذكر سيدتنا ومولاتنا الزهراء عليها السلام فنحاول قدر الإمكان التطرق إلى بعض من عبادة هذه السيدة الطاهرة وطريقة ارتباطها بالله مع العجز عن الإحاطة فكيف يحيط البسيط بالجليل المعصوم ولكن من باب التبرك بذكر خبر المعصومين عليهم السلام .
فيروى عن الإمام الحسن عليه السلام انه كان يرى أمه الزهراء عليه السلام وهي قائمة تصلي من الليل إلى الفجر وهي لا تدعو إلى نفسها بل تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم ,فقال لها الإمام الحسن عليه السلام لما لا تدعين لنفسك يا أماه ,فكانت تقول له يا بني الجار ثم الدار ([1] ).
ويتبين لنا من هذه الرواية أن الزهراء عليها السلام لم تكن فقط عابدة لله لأجل ذاتها ونرى بعض الكلام في هذه الرواية فأكثر الأحيان نرى شخصا عابدا لله ويكثر من العبادة فيصلي ويصوم وفي اثناء هذه العبادة يدعو لنفسه وهذا أمرا طبيعيا لأنه يريد أمرا دنيويا وأخرويا , ثم بعد أن يفرغ من دعائه لنفسه يدعو لغيره. ولكننا نرى الزهراء سلام الله عليها حتى في عبادتها كانت تؤثر في دعائها وصلاتها الآخرين على نفسها ,لأنها بضعة نبي الرحمة الذي هو رحمة للأمة, جمعاء فكانت الزهراء عليها السلام جزء من هذه الرحمة والنعمة الواسعة ,وأي عابدة هذه السيدة الجليلة التي كان الله سبحانه وتعالى يباهي بعبادتها ملائكة السماء فيقول لهم ( يا ملائكتي انظروا إلى آمتي فاطمة سيدة أمائي قائمة بين يدي ترعد فرائصها من خشيتي ,وقد أقبلت بقلبها على عبادتي )([2]) .
وحقيقة ان اقبال القلوب على الله يسخر جميع جوارح الإنسان لله لان من يرتبط قلبه بشيء يصبح هذا الشيء شغله الشاغل ,وبما أن الزهراء عليها السلام كان قلبها مرتبط بالله فلا نرى منها عليها السلام إلا ما يمثل هذا الارتباط , فكم روي عن هذه السيدة الطاهرة من الأدعية والصلوات ومنها أدعية الأيام والصلاة المعروفة بصلاة فاطمة عليها السلام وغيرها من الأدعية, وما هذا الذي وصلنا من الأدعية والأذكار منها عليها السلام ,إلا لأنها كانت كثيرة الدعاء والابتهال إلى الله في جميع الأوقات تالية لكتابه العزيز خائفة من عذابه ,حتى انه ليروى عندما نزلت اية (وان جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم )سورة الحجرات اية 43-44 وسمعتها فاطمة عليها السلام سقطت على وجهها وهي تقول الويل ثم الويل لمن دخل النار , انظر الى هذه السيدة الجليلة يبشرها أبوها رسول الله بأنها سيدة أهل الجنة ,بمعنى أنها لا ترى النار أبدا لكنها تخاف عندما تسمع بخبر النار وأهلها , وما هذا إلا دليل على الفطرة النقية والبذرة الإيمانية التي غرسها الله في قلب هذه السيدة الزكية التي سوف تنجب الأئمة الهداة وسادات اهل الورى من ال البيت عليهم السلام.
ولم تكتفي الزهراء عليها السلام بان تكون عابدة فقط بل كانت عالمة ومحدثة ومعللة لكثير من العبادات وذلك من خلال خطبتها وهي تحدث الصحابة حيث تقول لهم ( فجعل الله الإيمان تطهيرا لكم من الشرك ,والصلاة تنزيها لكم عن الكبر ,والزكاة تزكية للنفس ونماء في الرزق,والصيام تثبيتا للإخلاص ,والحج تشييدا للدين ,والعدل تنقيتا للقلوب ,وطاعتنا نظاما للملة ,وإمامتنا أمانا من الفرقة ,والجهاد عزا للإسلام ,والصبر معونة على استيجاب الأمر….الخ ).
فنرى كيف بينة هذه السيدة العابدة العالمة بينت فلسفة الأحكام الإلهية بعبارات سهلة ويسيرة للناس وما هذا إلا دليل على أن إيمان مولاتنا الزهراء سلام الله عليها نابع من فطرة إلهية سليمة متعبة بالعبادة الإلهية المخلصة لله متحدية جميع مشاغل الحياة وتعب المنزل وتربية العيال متفرغة لله مخلصة له , وما ذلك إلا لأنها تعلم بعلة إيجاد الإنسان وغيره من المخلوقات التي خلقها الله تعالى الوارد في كتابه الكريم ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) فكانت السيدة الزهراء عليها السلام تجسد هذا الخضوع لله جل وعلا ومطبقة لعلة إيجادها في الأرض لغرض العبادة ,ناجحة في اختبار ربها لها حتى باهى بها ملائكته كما اسلفنا ,
والحمد لله رب العالمين اللهم اجعلنا ممن ينالون شفاعة الزهراء عليه السلام وممن يتأسوا بعبادتها والحمد لله رب العالمين .
([1]) وسائل الشيعة ,ج7, ص113.
([2])الشيرازي ,محمد الحسيني ,من حياة فاطمة الزهراء , بيروت ,ط1, 2011,ص192.