الزهراء (ع) منهجا”وسلوكا” لتحقيق هوية المرأة المسلمة “في ظل تحديات العولمةالمدرس ايمان نعيم العفراوي الجزء الاول
” الزهراء (عليها السلام) منهجا” وسلوكا” لتحقيق هوية المرأة المسلمة “
في ظل تحديات العولمة
المدرس /ايمان نعيم العفراوي
جامعة البصرة/ كلية التربية للعلوم الأنسانية
قسم العلوم التربوية والنفسية
ملخص البحث:
لاشك ان التزام المرأة بهويتها الاسلامية من اهم المتغيرات الأساسية في بناء شخصيتها بناءا” قيميا” وإيمانيا”،ويوفر لها كل أسباب التكيف والتوافق والتفاعل الايجابي مع المجتمع لتنطلق نحو العمل والإنتاج والبناء وتحقيق النفع لها ولمجتمعها.في حين عدم تحقيقها ذلك يؤدي الى فقدان الثقة بالنفس ومعايشة الواقع بكل انهزامية وتصبح المرأة مضطربة الهوية لاتدري من هي ؟ وكيف هي؟ وهذا ماتؤكده الوقائع الحياتية اليوم اذ تزداد حالات تشتت أزمة الهوية لدى المرأة المسلمة،لاسيما في ظل مؤثرات العولمة والغزوالثقافي والتكنولوجي الذي أدى بها إلى نوع من الصراع واضطراب الهوية ،لذلك لابد لها ان تعود الى رشدها وتعي المنهج الذي ينظم هويتها بعيدا عن النموذج الغربي ومن المؤكد حين تبصر ذلك ستجد ان ذلك يتجسد في شخصية الزهراءع النموذج الراقي الذي يرسم معالم بناء هويتها الاسلامية.
من هذا المنطلق: يهدف البحث الى تحديد أزمة الهوية لدي المرأة المسلمة وبيان أسبابها وأثر العولمة وتحدياتها فيها والوصول الى الهوية الحقة في خضم تلك التحديات المتمثلة بمنهج وسلوك الزهراء (عليها السلام) كونها القدوة والأسوة المفترضة لتحقيق هوية المرأة، ولتحقيق تلك الأهداف قسم البحث الى ثلاثة محاور ركزت على : معرفة أزمة الهوية لدى المرأة في عصر العولمة ،المنهج التنظيمي لتحقيق هوية المرأة المتمثل بهوية الزهراء ، وأخيرا” دور المرأة في بناء الهوية الاسلامية في ظل منهج الزهراء (عليها السلام) ،كما تضمن البحث عدد من التوصيات والمقترحات أهمها :الأهتمام بالمرأة ورعايتها وتزويدها بمستجدات العصر وتغيراته مع ضرورة التمسك بالهوية الأسلامية بما فيها القدوة المفترضة – المتمثلة بالزهراء(عليها السلام)،أقامة الندوات والمحاضرات لمناقشة الظواهر السلبية وأثرها على هوية المرأة من خلال الحوار المفتوح ،أجراء دراسات علمية جادة وبناءة لأيجاد السبل الكفيلة في أشراك المرأة وأستثمار طاقاتها في عملية التطويروالتحديث، وأخيرا جعل يوم ولادة الزهراء يوم المرأة العالمي .
المقدمة:
تشير الوقائع الى أن النظرة إلى المرأة في مدى التاريخ الإسلامي، كانت نظرة معقدة، فالظلم الفكري الذي يصيب المرأة في المجتمعات المسلمة من قبيل النظرة المعروفة إلى هذه المرأة على أنها إنسان من الدرجة الثانية، وأنها عقل ناقص، وأنها بربع عقل،وأنها مجرد لعبة للرجل يلهو بها، وأنها متنفس لغريزته الشهوانية، وأنها ليست أهلاً للتفكير، وأنها لا تملك الخبرة، ولا لإعطاء الرأي،- بل نجد البعض إذا أراد معرفة الحق، نراه يستشير المرأة ليأخذ بما يخالف رأيها،استنادا للفهم الخاطىء للحديث االنبوي الشريف: “شاوروهن وخالفوهن”،وقد تعزل المرأة عن كل جهد ثقافي،الأمرالذي عطل عقلها وجهدها عن المشاركة في القضايا الإسلامية، وجعلها مهمشة اجتماعيا ، وان العديد من المشكلات التي تعاني منها المراة اليوم هي تراكم خبرات مكتسبة ترجع الى أضطراب النسق القيمي لديها حيث يحدث الصراع بين ماتربت عليه وبين ماتراه وماتسمعه من آراء تدعو الى الانحرافات فهذا الصراع ادى بها الى الاضطراب في هويتها وافقدها الاحساس بها فاصبحت مضطربة وجدانيا مما اثر على سلوكها وافكارها فلاتدري ماذا تريد وماهو دورها في المجتمع وتجهل مالديها من قدرات تمكنها من العمل والنجاح (كاشف ،2001،ص465).
وهذا قادها الى ان تتبنى هوية (أنا سالبة) تعبر عن احساسها بالتفكك الداخلي دفعها الى القيام بأدوار غير مقبولة أجتماعيا مثل التفاعل السلبي مع المجتمع والجنوح والأدمان وربما الانسحاب الاجتماعي أو الأنتحار(التوحيدي،2012،ص55) ،لاسيما وإن المجتمع التي تعيش فيه هو المجتمع الذكوري وان المفاهيم السائدة فيه بمسألة الرجل والمرأة مفاهيم جامدة.يحمل نظرة سلبية في قدرتها على التطور والإبداع والحراك السياسي.
ولا يقف الحد عند النظرة السلبية للمرأة قديما بل أن واقع المرأة الآن لا يزال واقعاً معقداً فالحريات التي أعطتها الحضارة الغربية للمرأة والتي تركت تأثيرها على واقعنا عندما سيطر عليها الماديون في ظل تحديات العولمة جعلت المرأة أداة رخيصة للأعلان،وهذا ما نراه في الإعلام من خلال جعل المرأة تحصر اهتمامها بجسدهافقط،مع ان الإسلام أراد للمرأة ألا تتعبد لجسدها وألا تعتبر أن جسدها هو الركيزة، وأن ترتفع بنفسها إلى ما يسمو بها. أراد لها في المجتمع المختلط أن تظهر كإنسانة، لا توحي إلا بكل احترام، ولكنه ترك لها أن تعيش وتأخذ كل أنوثتها في البيت الزوجي والمجتمعات النسائية، فهو لم يُسقط للمرأة أنوثتها في حاجتها إلى أن تبدي زينتها بأفضل مواقع ووسائل الزينة ولهذا فالقضية ليست قضية اضطهاد للمرأة وسجن لها في حجابها، بل هي قضية النظرة الاجتماعية لحماية المجتمع من عملية الإثارة الجنسية وحماية المرأة من استغراقها في الجانب الجسدي لشخصيتها.
كمايمكنها أن تأخذ من شهوات الدنيا وزينتها ما تشاء في حدود الشرع: {قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيّبات من الرزق )(الأعراف:32)،وكان موقف الاسلام من ذلك يتناسب مع الفطرة وينظمها (كنعان،2000،ص539).
ولكن الاستغراق في الشهوات لا يريده الله تعالى لهذه المرأة،لاسيما اذا مثّل ذلك الهموم الاجتماعية العامة للمجتمع النسوي،فلابد أن نحفظ في حركة المرأة التوازن بين اشباع هذه الحاجات والرغبات، بما يحفظ للمجتمع حيويته وقدرته على الحركة، والحذر من السقوط في مستنقع الشهوات بحيث تتحول كل هذه القضايا إلى أزمات نفسية واجتماعية لدى ألنساء،و من المحزن أن قضية الزينة والزخارف الدنيوية أصبحت هي القضية الأولى التي تتحدث عنها النساء، لاسيما الاسراف في مجالس الاستقبال أو حفلات الزواج،فالزهراء عليها السلام لم تبعثر شمل الاسرة بسبب رغبة في امتلاك الزينة والمجوهرات ولم تعكر على زوجها صفو الحياة تعلقاً ببهارج الدنيا وزخرفتها( الشيرازي ،2008 ، ص38 ).
نعم ان المرأة بفطرتها تميل للتجمل والزينة لاهتمامها بالقيم الجمالية والمجتمع هو المؤثر الثاني في سلوكها واتجاهها نحوذلك كون المراة التي تهتم بزينتها مقبولة اجتماعيا مما ادى الى اكتئابهاوشعورها بالنقص وأكتساب مفهوم ذات سلبي عن جسمها(عبداللطيف،2007،ص13 ).
لكن المجتمع المسلم المحافظ يتيح للمرأة الزينة لكن قيدها بقيود بحيث لاتبدي زينتها الا للمحارم والنساء فقط قال تعالى:(وقرن في بيوتكن ولاتبرجن تبرج الجاهلية الأولى)(الأحزاب:33).
لذا كانت آثار الإعلام السلبية على هوية المرأة المسلمة واضحة لكل ذي بصر وبصيرة فيجب على الإعلام المخلص أن يدرك مدى أخطاره السلبية ,فإن مصير هوية المرأة يتجه إلى الانحراف والتفكك ومساوئ الأخلاق .
نعم: توجد إيجابيات تجلّت في احترام عقل المرأة ونشاطها الى ان المرأة المسلمة اليوم لا تزال متأرجحة بين القديم والحديث، فليست هناك خطوط مستقيمة في حركتها في داخل المجتمع الأسلامي أمام تحديات العولمة التي تواجهها في الداخل والخارج (فضل الله، 2002 ،ص6).
فعلى المرأة اليوم ان تدرك جيدا أن أعداء الهوية الإسلامية يرتكزون في الداخل وفي الخارج ففي الداخل تشربوا الحضارة الغربية المادية , ونما طوفان الانبهار بالحضارة الغربية وانهمر كثير ممن يتكلمون بألسنتنا بما عليه ظاهر القوم وأصيب بعض من أرباب الفكر والثقافة والإعلام بالانهزامية الفكرية والخلقية يريدون بصنيعهم هذا إسدال الستار على عقول شباب هذه الأمة ليتمكن أدعياء الحضارة من الدعوة إليها بدعاوى مزخرفة وألبسة فاتنة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
وأما في الخارج، فأن أعداء الهوية لديهم مخططات كبيرة ضد هوية المراة المسلمة ، فكان للعولمة والغزو الفكري آثار جديدة يأتي في مقدمتها الأثر العقدي وتشويه القيم الإسلامية من قبيل:عدم الاهتمام بالحجاب الإسلامي ونزع القوامة من يد الرجل والمساواة بين الجنسين في العمل ودعوة البعض لتحرير المرأة وحريتها في الخروج والعلاقات الاجتماعية وتقييد الطلاق ووجوب وقوعه أمام القاضي ومنع تعدد الزوجات لابل وصل الأمرالى إباحة الزواج بين المسلمات والملل الأخرى مماسبب تبعية المرأة المسلمة وانكسارها أمام الثقافات الأخرى حيث فرطت في أعظم مقومات البقاء وأهدرت القيم الإنسانية ورفضت أن يكون لمنهج الزهراء(عليها السلام) سلطانا على حياتها ومن هذه الثغرة دخلت عليها آفات الشعوربالنقص والإفلاس (العفراوي،2009،ص8).
لقد أهملت كثير من نسائنا هذا المنهج الرباني الذي ينسجم مع الفطرة السوية التي فطر الله الخلق عليها , وقدمن الشهوات الحيوانية بزي الحرية الشخصية وحقوق الإنسان فانحدرن إلى الهاوية دون ان يدركن ،إن التأثير الذي يمكن أن يخلفه أضطراب الهوية في نفوس الشباب المسلم قد يؤدي إلى انتكاس الأمة الإسلامية – مع أن الله جعلها من أفضل الأمم ووعدها بالتمكين- ولكن هذالا يتم إلا بتحقيق الهوية الإسلامية والعبودية لله وحده يقول الله تعالى :{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} النــور(55).
ونقول نحن لهن ،لا تمكين إلا بمنهج الزهراء وهويتها الإسلامية ،فالله تعالى أعز هذه الأمة بأهل بيت النبوة (عليهم السلام) ،وعليه لابد للمرأة اليوم ان تتصف بدرجات الكمال العالية من التقوى والصلاح والعلم وجهاد النفس والتواضع والصبر والاحسان والجود والعطاء،والرقي نحو الله تعالى، لأن قابليتها في الرقي والكمال والوصول إلى الله تعالى قابلية كاملة، ومؤهلاتها في ذلك مؤهلات كاملة.وهذا لايتم الا من خلال منهج السيدة الزهراء ع كونها حققت الكمال في الهوية الانسانية .فكلما تمكنت المرأة من أن تقترب في صورتها النموذجية من الزهراء (عليها السلام) وتمسكت بها قدوة وأسوة لها في هذه الحركة التكاملية، تمكنت من أن تقترب من حالة المحافظة على هويتها الاسلامية، وكلما ابتعدت عن هذه القدوة اضطربت شخصيتها وعاشت ازمة الهوية.
وأنطلاقاً مما تقدم:تثار في الذهن بعض التساؤلات : اذا كان الغرب أدخلنا في عصرالتطور التكنولوجي والعولمة لماذا نشهد اليوم انحلال للقيم الاجتماعية؟ وأي عولمة يريدونها للمرأة؟ وأي انحلال؟ وأي معول هدم يحاولون تصديره إلينا لنحطم أنفسنا بأيدينا؟
لماذا نرى المرأة تعيش أضطراب الهوية ؟ هل مظاهر التغريب تشكل هوية سلبية للمرأة؟ ماالأساليب لطمس هويتها؟ هل غياب وعيها بدورها اليوم جعلها تقف سلبية من تلك التغيرات؟ لماذا لاتعود الى رشدها وتعي المنهج الذي ينظم هويتها ويقودها الى بر الأمن والأمان؟أين يكمن ذلك المنهج؟ هل في عارضات الأزياء وملكات الجمال والمثيرات للفتن واللواتي يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى؟ ام في من جسدت الكمال في الهوية الانسانية؟ والذي يرضى الله لرضاها ويسخط لسخطها؟ وهي خط النبوة والأمامة في الحركة الاجتماعية التكاملية؟ ماهي واجبات المرأة اليوم ؟وكيف تكون عنصرا”فاعلا”في المجتمع الاسلامي،في ظل تحديات العولمة وأمواجها المتلاطمة؟
أننا نؤكد لأجل الوصول الى المعرفة الحقة في خضم تلك الامواج هناك بحر في جنة الخلد،مصداق للكوثر والخير الكثير،وبشأنه نزلت الآية :(إنا أعطيناك الكوثر)(الكوثر:1)!!.
ومن هذا المنطلق لابد من الغوص في ذلك البحر وتسليط الضوء على بعض جوانب هويته وتحديد منبعه الأصلي ومنهجه الذي يقود المرأة اليوم الى النجاة والأمان والمتجسد بهوية الزهراء (عليها السلام) لكونها تنطوي على معالم شخصية وأسرية وتربوية وإصلاحات اجتماعية، من المؤكد انها منهجا” وسلوكا” سيشكل هوية المرأة المسلمة اليوم،متى ماحكمت وعيهاوتمسكت به- في عصر أضطربت فيه هويتها ومنظومتها القيمية في ظل تحديات العولمة والتغيرات العالمية الجديدة.
تحديد المصطلحات:
اولا”– الزهراء (عليها السلام):اسمها فاطمة ،وأبوها محمد(صلى الله عليه واله وسلم )سيد البشر،وأمها خديجة(عليها السلام)وهي رابع بناتها،وأصغرهن لقبها الزهراء،وأم الائمة،وتعرف بأم ابيها،والزهرة الزهراء،وسيدة نساء العالمين.(القائمي،1996،ص35).
ثانيا”-الهوية:لغة”:هي بضم الهاء مصطلح منسوب إلى ” هو ” فهي كلمة مولدة اشتقها المترجمون القدامى من الـ ” هو ” لينقلوا بواسطتها إلى العربية المعنى الذي تؤديه كلمة ” هست ” بالفارسية وكلمة ” استين ” باليونانية , أي فعل الكينونة في اللغة الهندية والفارسية والأوروبية , فهي مصطلح فلسفي يُستدل به على كون الشيء هو نفسه مما يعني انها الحقيقة الجزئية حيث قيل : إن الحقيقة الجزئية تسمى هوية, وقد تستعمل الهوية بمعنى الوجود الخارجي،واصطلاحا” : هي :أبعاد داخلية وخارجية تشمل ماعند الفرد من مشاعر وأفكاروقيم شخصية وروحية كذلك تشمل مظهره الخارجي وأسلوبه في الحياة( عدس ،2000،ص148).
فهي حقيقته وكينونته التي تميزه عن غيره وارتباطها بماضيه وحاضره ومستقبله واحساسه بالاستقلالية ووعيه بذاته وبالآخرين وهي حاجة نفسية يتوقف عليها تماسكه الداخلي وأمروجوده ،(مرسي،2002ص52).
فإنها تعني تحديد المميزات الشخصية للفرد من خلال مقارنة حالته بالخصائص الاجتماعية العامة ،حقيقة الشيء أو الشخص الذي تميزه عن غيره .
ثالثا”- العولمة:لغة”:فعل(عولم)على صيغة فوعل وتفيد وجودفاعل يفعل-وأصطلاحا”:جعل الشيءعلى مستوى عالمي أي نقله من المحدود المراقب الى اللامحدودالذي ينأى من كل مراقبة (كنعان،2008،ص416 ).
رابعا” –أزمة الهوية :الأزمة :لغة”:الشدة والقحط و(أزم) عن الشىء أمسك به(الرازي،1981،ص15).
-أزمة الهوية اصطلاحا”: هي درجة القلق والاضطراب المختلط المرتبط بمحاولة الفرد تحديد معنى لوجوده في الحياة من خلال أكتساب مايناسبه من مبادىء ومعتقدات وأهداف وأدوارأجتماعية ذات معنى او قيمة على المستوي الشخصي والاجتماعي (الغامدي ،2001،ص189).
وعليه: ينقسم البحث الى ثلاثة محاور سنناقشها تباعا”وهي كالأتي:
المحور الاول : أزمة الهوية لدى المرأة المسلمة في عصر العولمة
يعد التزام المرأة بهويتها الاسلامية اهم المتغيرات الأساسية في بناء شخصيتها بناءا قيما” وإيمانيا، إذا يحيطها بسياج عظيم من الحماية من التعرض للازمات والاضطرابات النفسية والاجتماعية ،حيث يوفر لها كل أسباب التكيف والتوافق والتفاعل الايجابي مع المجتمع لتنطلق نحو العمل والإنتاج والبناء وتحقيق النفع لها ولمجتمعها.
فالهوية الذاتية تتكون في ضوء الحركة القائمة بين سيكولوجية المرأة وسيكولوجية المجتمع فهي تشير الى تحديد المرأة من هي؟ ومن ستكون؟ وكيف ستكون عليها في المستقبل ؟بحيث يتصل مستقبلها بحاضرها الذي هو جزء من ماضيها ،فأحساسهابقدرتها على العمل كفرد يميزها عن الآخر في وجود الآخر،وتحقيق الهوية لديها يؤدي الى شعورها بالأستقلالية والمبادرة والقدرة على حل الصراع والتوفيق بين الحاجات الشخصية الملحة والمتطلبات الأجتماعية بدرجة تؤكداحساسها بواجبها نحو ذاتهاومجتمعها ،في حين عدم تحقيقها يؤدي فقدان الثقة بالنفس والشك ومعايشة الواقع بكل انهزامية ودونية، بحيث تكشف النفس مشاعر العجز والذنب وتصبح المرأة مضطربة الهوية لاتدري من هي ؟ وكيف هي؟
وقد تزداد حالات تشتت أزمة الهوية في المجتمعات غير المسقرة سياسيا”ونفسيا” واجتماعيا” واقتصاديا”(محمد،2000،ص45)،فقد تعرض مجتمعناالعربي والاسلامي إلى عدد كبير من التحديات والأزمات في ظل مؤثرات الغزوالثقافي والتكنولوجي السريع والذي أدى بالمرأة المسلمة إلى نوع من الصراع واضطراب الهوية فهذه العوامل القوية مهددة للمعتقدات الفكرية والروحية والقيم التي توجه سلوكها،إذ يتزعزع إيمانها بها وتجد نفسها في صراع دائم بين ان تعمل بموجب ما تؤمن به أو تعمل لإشباع حاجاتها، حتى انها وصلت إلى مرحلة تعددت فيها البدائل والاختيارات بحيث أصبحت عاجزةً وغير قادرة على اختيار الأفضل من أنماط السلوك،فالإغراءات كثيرة وعناصرالشد أكثر.
فما نشهده اليوم هو انحلال للقيم الأجتماعية،بسبب مظاهرالتغريب التي شكلت هوية سلبية لدى المرأة ،منهاعدم ظهور التأثر العقدي الصحيح لديها وعدم اهتمامها بالسلوك الإسلامي ، حيث اصبحت تطفو على السطح تقليعات نسائية لافتة تتمثل في الأزياء الضيقة والأثواب المطرزة ولبس البناطيل والسلاسل والتمسك بالعادات الغريبة.
لاشك ان من أهم أساليب طمس هوية المرأة المسلمة توظيف المؤسسات الصحفية والتنصيرية والفنية في خدمة التبرج والسفور ودعم حركات التحرير، ولانغالي اذا قلنا أن وراء المؤتمرات النسائية في عالمنا الإسلامي أيادي خارجية تمول وتقوي وتؤازر مفاهيم (تحريرالمرأة وحقوق المرأة ،تمكين المرأة).
وقدأصبح مفهوم تحرير المرأة يستخدم دونما (وعي حقيقي ) بجهل أو بنية حقيقية لتطبيق وثائق الأمم المتحدة فيما يتعلق باعتبار اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة بالسيداو(هي المرجعية القانونية) لجميع أمور الأسرة والمرأة على وجه الخصوص, دونما اعتبار لما يتعارض في بعض موادها مع الشريعة الإسلامية في قضايا (بناء الاسرة وعقد الزواج والميراث والقوامة والنسب و…..الخ ) ،واستباحة قتل الأجنة وتقنينه لأن الإنجاب صار مسؤولية وله تبعات لا تتحملها المرأة المتحررة , ولأنها تريد ويُراد لها أن تستمر منطلقة في جموح عام , وكذلك تكريس النموذج الغربي وتعميمه في العالم كله اذ يرى الإنسان الغربي نفسه فوق كل الأجناس , وأنه الأقوى والأذكى والأولى بالإتباع , وكذلك الإعلام والمرأة .
فالأول فتنة لم يسلم منها بيت إلا ما رحم ربي , فالمواقع الاباحية والمشفرات والرقميات والشات كلها تيارجارف يقتحم المنازل والقلوب في ظل شبه غياب للبديل الإسلامي وإن وجد فهو محدود.
وأما الثاني فعن طريق تغريب المرأة المسلمة وتحريرها وتمكينها ,وقد رأينا بعض النساء تعتقد بأن هويتها يمكن أن تستعيرها من (الغرب)،وأن النموذج الغربي هو الأقدر على التعاطي مع ضرورات المرحلة، وحاجات الحاضرولا يصلح أن تستعير نموذجاً من التاريخ ،نحن نرفض هذا الاعتقاد ؛ فاستعارة النموذج الغربي في صياغة المرأة المسلمة يشكّل تناقضاً صريحاً مع (الهوية الإسلامية)، فالذين يطرحون (النموذج الغربي) هم أصحاب (المشروع التغريبي)، وأهدافهم سلخ المرأة المسلمة عن هويتها الإيمانية وعن قدواتها المفترضة،وغيرها الكثيرالذي مسخ هوية المراة في كثير من الأحيان وجعلهاتعيش الشقاء والاغتراب عن نفسها وعن الآخرين وتخرج من فراغ إلى فراغ .
كما أن غياب وعيها بدورها وبذاتها جعلها تقف سلبية من كثير من المواقف والتغيرات، ولذلك لابد لها ان تعود الى رشدها وتعي الأطار الذي ينظم هويتها والمنهج الذي يقودها إلى النجاة والأمان بعيدا عن النموذج الغربي وتحدياته، ومن المؤكد حين تبصر ذلك ستجد ان ذلك يتجسد في شخصية الزهراء(عليها السلام) النموذج الراقي والكامل للمرأة الذي يرسم معالم بناء هويتها الاسلامية ،تستمد منه افكارها ومفاهيمها وحركتها في الحياة ويمكن أن تضطلع به في الحياة الإنسانية وفي المجتمع الصالح، فينبغي لها اليوم ان تجعل الزهراء مثلها الصالح، كونها القدوة والأسوة الطاهرة، ،فجانب الكمال في الهوية الإنسانية.يكمن في الزهراء (عليها السلام) .