مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
أبعاد التوافق في شخصية السيدة فاطمة الزهراء.عليها السلام .. الجزء الثاني
+ = -

 أبعاد التوافق في شخصية السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

                                                                              المدرس / ايمان نعيم العفراوي 

                                                                    كلية التربية للعلوم الانسانية / جامعة البصرة 

أهداف البحث :

    يهدف البحث الى التعرف على ابعاد شخصية الزهراء(عليها السلام)في ضوء الاتي:

1-    التوافق النفسي والروحي.

2-    التوافق الاسري .

3-    التوافق الاجتماعي .

4-    التوصيات والمقترحات .

من هي فاطمة(عليها السلام) ؟

   تتحدد دلالة فاطمة(عليها السلام)في ما يأتي :

أولاً: فاطمة في اللغة :

–       أصل كلمة فاطمة من (ف ط م)وزن فاعل وهومعناها القاطعة والقاطعة هي التي تقطع الرضاع من رضيعها .

–   وأن تسميتها بفاطمة كانت من الله سبحانه وتعالى :(وأن الله سماها بذلك لانه قد فطمها بالعلم وعن الطمث،يعني : ميزها عن النساء بما آتاها من العلوم الإلهية التي حرم   عنها غيرها،ومعنى الفطم ،القطع والفصل سواء كان من الرضاع أو غيره،وقال في البحار معنى فطمها بالعلم أرضعها العلم،حتى أستغنت وفطمت أو فطمها عن الجهل بالعلم أو جعل فطامها من اللبن مقروناً بالعلم .(الشريعتمداري،1987،ص76).

ثانياً: من حيث الحسب والنسب.

اسمها فاطمة ،وأبوها محمد(صلى الله عليه واله وسلم )سيد البشر،وأمها خديجة(عليها السلام)وهي رابع بناتها،وأصغرهن لقبها الزهراء،وأم الائمة،وتعرف بأم ابيها،والزهرة الزهراء،وسيدة نساء العالمين.(القائمي،1996،ص35).

ثالثاً: الرؤية القرآنية:

–       أنها مصداق للكوثر والخير الكثير ،وبشأنها نزلت الآية :(إنا أعطيناك الكوثر)(الكوثر/ 1)

–       إنها المعنية بالآية الشريفة(قل لا أسألكم عليه أجراً الا المودة في القربى)(الشورى/ 23).

رابعاً: الروايات:

–       هي سيدة نساء أهل الجنة.

–       معصومة من الذنب.

–       رضاها رضا النبي(صلى الله عليه واله وسلم)ورضا النبي رضا الله .

–       هي الامتداد لشجرة النبوة ، ومنها معدن الامامة.

–       بضعة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)فمن اغضبها, اغضب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) (الكعبي،2000،ص89).

     وعليه فأن التعريف بها يعد أمراً عسيراً للغاية وصعباً جداً،فماذا عساني أقول بحق شخصية لم يتيسر لأحد معرفتها على حقيقتها سوى الله ،ولم يدرك مداها الا محمد(عليه الصلاة والسلام)وعلي (عليه السلام) ,لكن ما من شك في ان اسمها يتضمن من التفاؤل لمن تسمى به أن تكبر وتتزوج وتنجب وتفطم أولادها, ومن كنيتها (عليها السلام)أم الحسن،وأم الحسين(عليهما السلام).

–      منهجية البحث :

   لأجل الوصول الى المعرفة الحقة في خضم الامواج المتلاطمة من المظاهر الثقافية والاجتماعية المثارة حديثاً, وبعيداً عن السقوط في شباك الرؤى والأفكار التي أفرزتها الحضارة المادية ،لابد من أتباع منهجية علمية تحقق أهداف البحث الحالي،لذا تم إتباع المنهج التحليلي الوصفي،اعتماداًعلى النصوص الشرعية والروايات الشريفة،ومن هنا،فأن ضرورة البحث بشأن فاطمة (عليها السلام)تكمن في عدة محاور وكالأتي:

المحور الاول:  التوافق النفسي والروحي

——————————

       ان التكامل النفسي والروحي للسيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)وتفاعلها الفكري مع العقيدة الاسلامية،كان له آثار في النفس عميقة،وله نتائجه العملية في الحياة العامة, فقد كانت السيدة الزهراء (عليها السلام)تجد في العقيدة إطمئناناً على الرغم من عواصف الاحداث من حولها،فهي تدفع القلق والتوتر،وتخلق لها أجواء نفسية مفعمة بالطمأنينة والأمل.

      والتوافق النفسي للزهراء(عليها السلام)جعلها تمتلك الكفاءة في مواجهة المواقف المتأزمة إنفعالياً،والقدرة على الأستجابة للمواقف المختلفة والتحرر من الخوف،والتحكم في النفس ،والموازنة بين الخوف والرجاء،فضلاًعن معرفة النفس.فهي مقياس للشخصية السوية الهادفة المتزنة الصحيحة نفسياً،تمتلك رؤية غنية وكاملة ونظرة للأمورصائبة ،كونها نشأت تحت رعاية النبي (صلى الله عليه وااله وسلم)وجميع الظروف مهيأة أمامها للنضج والتكامل النفسي والسمو الروحي.

       وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي كانت تعيشها الزهراء،الا أنها كانت تتمتع بمعنوية عالية،وتعيش أجواء نفسية سعيدة،حيث تأمل العيش في جنة عرضها السماوات والأرض,وبفضل عقيدتها الايمانية بالله ،كانت تشعر بالرضا عن الحياة والأطمئنان بما يقع في محيطها من أحداث،وتوطن نفسها على قضاء الله وقدره.

     فقد كانت(عليها السلام) تعيش أجواء السعادة الذاتية في كل لحظة أو موقف يرتضيه الله ويسير في نفس المسار الذي يتطلبه الهدف السامي ،وأن يكون فيه رضا الله وإمتثال للسنة وتنفيذ لحكم الله وتطبيق لأوامره.

    ونحن ندرك: إن الانسان العادي بطبعه يمتلكه اليأس والقنوط عند المصائب،كما أشار القرآن الكريم صراحة لذلك بقوله:(…وإن مسه الشر فيئوس قنوط)(فصلت 41/49) ولكن السيدة الزهراء (عليها السلام)لإيمانها وتسلحها بالعقيدة،وقورة عند الشدائد،صبورة عند النوازل،لا يتسرب الشك الى نفسها…قال تعالى:(لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون)(يوسف12/87).

  وطبيعياً أن أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)تركز على عدم اليأس من روح الله ،فالسيدة الزهراء،تؤكد في تعاليمها التربوية والاسرية العالية على اليأس عما في أيدي الناس لكي يكون الانسان متكلاً على ربه ،ولا يكون كلاًعلى غيره،مصداقاًلقول زوجها علي (عليه السلام):(الغنى الاكبر اليأس عما في أيدي الناس)(الصالح،ص534).

   لا شك أن فاطمة الزهراء (عليها السلام)تؤكد أن أساليب العقيدة الايمانية لها دور في مواجهة المصائب والازمات والضغوط النفسية من حيث انها تخفف من نفوس معتنقيها من الآلام والجراح النفسية التي يتعرضون لها فيكونون في مواجهة المصائب العظمى.

       كما انها (عليها السلام)تحذر من الاعراض والسخط على قضاء الله وقدره،وتؤكد على الرضا بقضاء الله لأنه إحدى أركان الايمان أي التقرب الى الله ،تأكيداً لقول أبيها(صلى الله عليه واله وسلم):(إذا أحب الله عبداً إبتلاه،فان صبر إجتباه،وإن رضى إصطفاه)(الهاشمي،2003،ص474).

    ومع ان المصائب تستتبع أجراًوثواباً،الامر الذي يخفف من وقع المصائب على الفرد،والسيدة الزهراء(عليها السلام)جسدت ذلك حيث واجهت تلك المصائب بقلب صامد ونفس مطمئنة الى ثواب الله ورحمته،منطلقة من قول أبيها(صلى الله عليه وااله وسلم):(المصائب مفاتيح الأجر)(المجلسي،1983،ص82/122).

  كذلك فأن السيدة الزهراء (عليها السلام)أرادت من ذلك ان تلفت نظر الانسان المسلم الى المصيبة العظمى،وهي مصيبته في دينه مما يهون ويصغر في نفسه المصائب الدنيوية الصغيرة،وهي حالة بارعة للتعامل مع الضغوط النفسية وإمتصاصها تقوم بها العقيدة الايمانية التي تعتنقها الزهراء(عليها السلام)وهذا ما تجسد في تربيتها للامام الحسين (عليه السلام) عندما وقف موقفاً بطولياً عند مصيبته،حين قال:(الحمد لله الذي لم يجعل مصيبتي في ديني،والحمد لله الذي لو شاء أن يجعل مصيبتي أعظم مما كانت ،والحمد لله على الامر الذي شاء أن يكون فكان)(الكليني،1968).

      وعليه: فان الزهراء كانت تدرك جيداً أن التوافق النفسي والروحي يصوغ نفوساً قوية مطمئنة ،وما من شك في أن هكذا تربية ايمانية خالصة تسهم في البناء الذاتي والتوجيه نحو البناء والتغيير والاصلاح في شتى المجالات , وبالمقابل, ان الوقائع الحياتية تشير الى ان المرأة اليوم تعاني من حالة الضعف الروحي والانزلاق في مهاوي المادية ومغرياتها،وهو أبرز معطيات الحضارة المادية التي وضعها الانسان على صعيد الحياة الفكرية والشخصية والاجتماعية بسبب التطور التكنولوجي والانفتاح الاعلامي المنحرف.

     لذا: للنهوض بالمرأة اليوم من هذه الحالة،لابد من تذكيرها بمعطيات العقيدة الاسلامية وتقديم القدوة والأسوة الصالحة لها،ومتى ما حكمت المرأة وعيها سترى أن –فاطمة الزهراء(عليها السلام)-هي قدوتها المفترضة.

    وعلى المرأة أن تدرك جيداً،ان الحضارة المادية قد حققت النجاحات في بعض الميادين،لكنها أثبتت فشلها الذريع في تلبية حاجات المرأة لحياة كريمة حرة،فأوجدت الشخصية اللامنتمية التي تنصب إهتماماتها جميعاً على الذات ومصالحها وملذاتها،فأمست تعاني من الفراغ العقلي وسوء التوافق النفسي وفقدان الهدفية في الحياة ،الامر الذي يسهم في تكوين شخصيات منحرفة.

       ومن هذا المنطلق: ،نجد إن سمة التوافق النفسي والروحي شكلت مرتكزاً متيناً في حياة الزهراء(عليه السلام) الشخصية والأسرية والاجتماعية , فبالرغم من معاناتها وكثرة الآلام التي قاستها في حياتها،والعوائق التي وضعت في طريقها لمنعها من الوصول الى تحقيق أهدافها النبيلة التي كانت تتوخاها في حياتها،كانت تشعر بالرضا عن الذات وعن الحياة،وهذا ما وصل بها الى الدرجات العالية من التكامل،وصعد بها نحو قمة التسامي الى ما لانهاية .

      كما ان صلابة قلبها وارتباطها بالله وتقواها من السمات البارزة في سلوكها التوافقي،على العكس من بعض النساء اليوم ،حين يوجد عائق يمنع وصولها للهدف،فقد تتبع عدة أساليب من السلوك بغية الوصول الى التوافق مع الذات،وقد تتنازل عن مبادئها ،وحينئذ تستسلم للهموم والانفعالات والتقليل من قيمة ذاتها وأحتقارها ،الامر الذي يؤدي بها الى العزلة والانسحاب وأهم أشكاله الخوف وسوء التوافق(الجماعي،2000،ص87).

    ولاشك ان الخوف وسوء التوافق النفسي يبدد نشاط الفرد ويشل طاقاته الفكرية والجسمية،الا ان الارتباط بالله يخفف من وطأة الاحساس بتلك المخاوف.

       ومن المؤكد ان  في النفس خطان متقابلان هما الخوف والرجاء،والارتباط بالله والتسليم له يبدد عن النفس كل خوف باطل وكل رجاء منحرف،والسلوك التوافقي في شخصية الزهراء(عليه السلام) لم يأتِ من خلال النظرة الاحادية الجانب،فليست نظرتها (عليها السلام)أحادية الجانب كأن تركز على جانب الخوف فتيأس من رحمة الله ،او تركز-بالمقابل-على الرجاء فتضعف في نفسها الخشية من الله .

       فهي( عليها السلام) بدلاً من ذلك  كانت تنمي الخوف من الله من جانب وترجو ثوابه من جانب آخر لتكون مصداقاً للآية الشريفة:(…يحذرُ الآخرة ويرجو رحمة  ربه…)(الزمر39/9).

      لاشك ان الانسان لا يمكن ان يصل في الجانب النفسي والروحي الى المدارج العالية من الكمال،مالم يكن في حالة بين الرجاء والخوف،فموازنة الحالة النفسية للوصول الى التكامل ،انما هي حالة الحركة والموازنة بين الرجاء والخوف (الحكيم،2005،ص37).

     وهكذا أستطاعت الزهراء (عليها السلام)أن تضمن السعادة الذاتية والرضا عن النفس،حيث لا صراع داخلي يتملكها ،بل حافظت على توازنها النفسي والروحي ،بصورة واعية مرنة،اذ تشير أدبيات علم النفس،ان موازنة الحالة النفسية يعد عملية توافق واعية مرنة،وأن تطلب ذلك طاقة واعية ، من ذات مدركة واعية (زهران،1978،ص29)،الامر الذي كان نتيجته سمة التوافق النفسي والروحي البارزة في شخصيتها (عليها السلام)على العكس من بعض نساءنا اليوم التي تعيش الاضطرابات النفسية بسبب مسايرتها لشهواتها وملذاتها الجسدية،الذي ساهم في شعورها بسوء التوافق وفقدان الصحة النفسية،كونها لم تع حركتها الانسانية أو تأخذ من شهوات هذه الدنيا وزينتها ما تشاء في الحدود الشرعية،فعلى المرأة اليوم:  ان توازن بين أشباع حاجاتها ورغباتها بما يحفظ لها حيويتها وقدرتها على الحركة والحد من السقوط في مستنقع الشهوات والرغبات ،وذلك بأختيار النموذج القدوة،ولاشك في ان المرأة المسلمة التي تعتنق الفكر والعقيدة الاسلامية عليها ان تختار قدوات النساء المسلمات وفي مقدمتهن الزهراء البتول ( عليها السلام).