مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
فاطمة الزهراء (ع) (ام ابيها) م.د.جهان عبد الواحد شغاتي السلمي جامعة البصرة-كلية الآداب
+ = -

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد الرسول الامين خاتم النبين، وعلى آله الاخيار الطاهرين وبعد …..

     ما حال من يكتب عن أولياء الله الابرار، وعن الرسول(ص) وعترته الطاهرة ، ولاسيما سيدة نساء العالمين بنت رسول رب العالمين، زوج امير المؤمنين ، ام الاوصياء واصل شجرة الامامة، تفاحة الجنة ، المعصومة، العليمة العلية ، المحدثة، الحجة على الحجج، روح النبي التي بين جنبيه، فداها ابوها…فاطمة الزهراء(ع)، الا أن يقف اجلالاً واعظاماً لهذه الشخصية الالهية المباركة الرسالية،القيادية ، الدينية، الثقافية … فتقف العقول عندها حائرة ، والنفوس مبجلة ، والاقلام عاجزة، عن الايفاء بحقها (ع) وما هذه الوريقات الا نقطة في بحر هذه السيدة الجليلة للاضاءة على جزء من مكانتها عند النبي (ص) بحيث وصلت الى مكانه (الام) فقال بحقها (ص) انها “ام ابيها”.

      وقد استوقفتني هذه التسمية (ام ابيها) لعظمتها المستمدة من رسول رب العالمين (ص) الموحى اليه مما يدل على عظمتها (ع)حيث اطلقها عليها (ع) ليدلل دلالات متعددة منها مكانتها (ع) في نفسه (ص) وفي الدين الاسلامي والمجتمع الاسلامي بل والانساني بشكل عام على مر العصور.

     وقبل ذلك لابد من بعض التوضيح للمعنى اللغوي لهذه التسمية وبيان مطابقتها للواقع مع سبب التسمية :

   (الأم) في اللغة : (الاصل) ، واصل كل شىء ، أم. والجمع امهات .. وام القرى مكة ، ….(معجم مقاييس اللغة 1/21، ومجمل اللغة : 18) و (الأب) معروف.    وام ابيها: كنية مبتدأة بـ (ام)

    هذا من حيث المعنى المعجمي. اما ارتباط هذين اللفظين بعضهما مع بعض في علاقة الاضافة في النحو، فهنا يزيد الاسم جمالية لان كلا الاسمين نكرة ولا معرفة فيهما الا الضمير (الهاء) في الاسم الثاني (اب) (ابيها) العائد على الزهراء (ع). ومفاد الاضافة في العربية انها تنسب الاسماء لبعضها ، ومن هنا  فإنه (ص) نسب الزهراء(ع) له (ص) نسبين الاول : النسب بالانتساب وهو الامتداد الطبيعي من حيث الولادة وامتداده.

والثاني : النسب الفكري وامتداده. ونوع الاضافة هنا الاضافة المعنوية التي تفيد التخصيص والتصنيف ورفع العموم عن النكرة فقد خصها (ص) به شخصياً ( نسباً ومعنى (فكراً ).

    فلم يخصها بام الحسن وغيرها وهي كنيتها الحقيقية، وانما هي كنية تشبيهية بلاغية فالزهراء (ع) هي المشبه والام هي المشبه به ووجه الشبه هو الحنان من ظاهر التسمية وكذلك العطف والامتداد الكلي للرسول (ص) وهذا ما يسمى بالتشبيه المؤكد لحذف الاداة ووجه الشبه. وفي استعماله (ص) لهذا النوع من التشبيه يؤكد (ص) بأنها (ع) نسخة منه  في كل شىء كما تذكر الروايات بأن مشيتها تشبه مشية الرسول(ص) فيتعدى بذلك الشبه والنسبة اليه (ص) الى البعد الكلي تقريباً، كيف وهو (ص) سر الفصاحة وامامها.

      ومن هنا يتضح ان معنى الام في هذه الكنية (ام ابيها) يكون في شقين : الاول ، الام الحقيقية او الشرعية الطبيعية لابنائها (ع) وما يتبعهم من نسلهم (ع) ، ومن ثم الامتداد الطبيعي لنسل الرسول (ص). والثاني ، الام المعنوية للرسول(ص) .

    وللاسم بأطلاقه على المسمى اهمية كبيرة بالدلالة على المسمى، فللاسم مصاديق واقعية عند اطلاقه على شىء او شخص معين ، فكيف اذا كان هذا الاسم الهياً صادرا من الله تعالى او من يمثل دينه وشريعته وهو النبي(ص) ، وان المسمى اهل بيت النبوة (ع) ، وكيف اذا كانت فاطمة الزهراء(ع) مما يتجلى فيه الواقع بكل جوانبه .

    وللصديقة الطاهرة (ع)اسماء والقاب وكنى كثيرة تعكس مصاديقها الواقعية كالكوثر وهو النهر الجاري المعبر عن امتداد نسلها (ع) ومن ثم نسله (ص) وقد ورد ذكره صراحة في القرآن الكريم في سورة خاصة وهي سورة الكوثر. وفاطمة وهي التي فطمها الله وشيعتها عن النار ، والصديقة، وهي المبالغة في التصديق ، كما اخبر بذلك الرسول (ص) واكدته معاجم اللغة والزهراء ، وهي التي خلقها الله من نور عظمته فلما اشرقت السموات والارض …. ، والبتول والمحدثة .(علل الشرائع  1/168 – 173) .

   ومن كناها (ع) ام الحسن والحسين، ام الحسنين ، ام المحسن، (و ام ابيها). فالزهراء (ع) ابنة الرسول (ص) من صلبه وليست امه (ص)،  ولكن اطلق اسم الام عليها لاجماع الباحثين على سبب هذه التسمية ولو تخمينا كما يقول الشيخ صالح الكرباسي لاسباب :-

  • قربها من قلبه (ص) ، اذ كانت تحنو عليه كما تحنو الام على ولدها . فقد كانت (ع) خير راعية وداعمة له (ص) في كل المواقف.

  • مكانتها (ع) من الرسول (ص) بانها افضل نساء المؤمنين بوجه عام، ونساء النبي (ص) خاص بوصفهن ازواجاً لقمة الهرم الديني والقيادي، وقد اراد الرسول (ص) ابراز هذه الاهمية والمكانة تعظيما لها (ع) وفي ذلك ابراز لمكانتها الدينية الالهية ايضاً فهي سيدة نساء العالمين .

 (الصواعق المحرقة 191) .

  • ظاهر محبة الرسول (ص) لفاطمة (ع).

وعليه فقد كان للزهراء (ص) دور كبير في الاسلام يمكن اجماله  في نقطتين توضحان هذه التسمية (ام ابيها) :

الاول : دورها في حياة الرسول (ص).

     لاقت الزهراء (ع) من المصاعب والالام والمعاناة ما لاقت من اناس لايعرفون سبب وجودهم متمسكين بالحياة الدنيا ومصالحهم فقد قاست الزهراء (ع) منذ صباها بحسب ماتشير اليه المصادر. اذ كانت (ع) تشاطر اباها الهم واعباء الرسالة ومن هذه المواقف ، انها (ع) كانت تصبر (ص) في دعوته وتبعد الاذى عنه ، فمثلا عندما وضعت قريش بطون الكبش على ظهر ابيها (ص) وهو يصلي في مكة أزالتها عنه،  وعانت ما عاناه (ص) من المشقة وسائر المؤمنين من قريش  عندما ابعدوهم في جبال مكة ومنها انها كانت (ع) تبعثها السيدة خديجة (ع)  وهي صغيرة للبحث عن ابيها (ص) في ذلك المكان عندما كان يتفقد المؤمنين ويقضي حوائجهم ويطمئن عليهم . كما كانت من اوائل المهاجرين والمهاجرات الاسلام ولحوقاً بالنبي (ص) عند هجرته (ص) للمدينة بحيث لاقت من مصاعب الهجرة والاذى ورمال الصحراء ومطاردة المشركين ما لاقت .

      وكانت (ع) اول المودعين للرسول(ص) عند ذهابه للجهاد  واول المستقبلين له عند رجوعه وكانت تضمد جراحه وبذلك استحقت كنية (ام ابيها) بجدارة ، فقد ورد عن الامام الصادق (ع) قوله : (وكانت فاطمة بنت رسول الله تكنى بأم ابيها) . (الصواعق المحرقة : 191).

    وانها (ع) بارة بوالدها راعية ،و داعمة له (ص) وقد بين الرسول (ص) هذه المكانه بأن الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها (ع) . هذا البر الذي كان في حياته وبعد مماته (ص) فكان ذلك ترجمة لقوله تعالى : (وبالوالدين احساناً  )(الاسراء : 23) ، الاحسان بحسن الصحبة له (ص) وبرها له (ع) في حياته وبعد مماته بالسير على نهجه (ص) كما سيأتي .                                                            (اصول الكافي : 2/98 و99).

   وعندما تزوجت (ع) من امير المؤمنين (ع) لم تترك ما حملت في عنقها من امانة الدين لتكون امتداداً لرسالة والدها (ص) فكانت اماً وزوجة صالحة تقوم باعمال البيت حتى انهكت جسمها النحيل من شدة العبادة والزهد لترسخ بذلك تعاليم السماء بأوضح صورة.  ومما نقل عن الامام الحسن (ع) انه سأل امه عن دعائها للجار قبل اهلها لتجيب ان الجار قبل الدار وهذا الخلق الرفيع لايصدر الا عن روح ايمانية متفانية في حب الله. ويذكر انها كانت تدرس نساء المهاجرين والانصار عندما كن يجتمعن في بيتها (ع) وتقضي حوائجهن وتجيب عن اسئلتهن.

الثاني : دورها بعد لحوق ابيها (ص) بالرفيق الاعلى:

   وقفت الزهراء (ع) موقف المدافع والمحامي عن الدين الاسلامي الاسلامي والرسالة السماوية بعد ابيها (ص) مع زوجها (ع) في مواجهة اعتى الهجمات الفكرية التي شقت عصا المسلمين فقد خطبت  خطبتها الشهيرة في المسجد النبوي وبنساء المهاجرين في بيتها (ع) لاثبات دعائم الدين بتثبيت امامة علي (ع)، لتجسد في كل كلمة قالتها وقوف المرأة مع الحق ومع الرجل ومساندته في تحمل اعباء الحياة بكل جوانبها مضحية بحياتها من اجل اعلاء كلمة الاسلام ومحافظة على الدين ببقاء هذا الخط من خلال ابنائها الممثلين لخط الرسول الكريم (ص) لتكون بذلك حجة على الحجج (ع). (اطيب البيان في تفسير القرآن : 13/225، وفاطمة سر الوجود : 5/4).

   وبذلك ادت (ام ابيها) ما عليها من تكليف شرعي تمثل بطاعتها لابيها الرسول(ص) في حياته من برها وحفاظها على الدين، وبعد مماته بإكمال خط الرسالة والسير على نهجه في الدفاع عن الاسلام فكانت (ام ابيها) بحق.

  يلاحظ ان كنية (ام ابيها) لها بعد روحي ونفسي في اطلاقها من الرسول (ص) اذ انه المتصل بالسماء وتعاليمها تجلى هذا البعد في حب الرسول (ص) الخالص لابنته فاطمة الزهراء (ع) هذا الحب الذي له الاثر النفسي عليه (ص)بأن جعلها اماً له حيث تكون الام احب الخلق الى الابن فكان (ص) يكثر من تقبيلها وشمها لانها تفاحة من الجنة ويقوم لها عندما تقبل عليه في مجلسه مما ترك  أثراً نفسياً على السيدة الزهراء (ع) وتعدى هذا الاثر الى المجتمع في بيان فضلها (ع) على سائر نساء المؤمنين . هذه المكانة والبعد الروحي امتدا الى الآخرة كما اخبر بذلك الرسول (ص) بأنها سيدة نساء العالمين وسيدة نساء الجنة لتكون ملاذاً للخلق والانسانية اجمع في كل زمان ومكان للمسلمين وغيرهم كما ينقل التاريخ والاخبار المعاصرة من قضاء الحوائج المستعصية عندما يتوجه الانسان اياً كان بقلب صادق الى الله تعالى وينادي بيا فاطمة ويا زهراء… فارجو الله واتوجه اليه بفاطمة وابيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ان يتقبل مني هذه الوريقات بحق الزهراء (ع) وان تكون شفيعة لي ولوالدي ولجميع المؤمنين واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.