مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
مكانة السيدة الزهراء ( عليها السلام ) في الفكر الإسلامي م.د . كوثر غضبان عبدالحسن مركز دراسات البصرة والخليج العربي/ قسم الدراسات السياسية
+ = -

السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) وفلسفة الإسلام :-

    (( فجعل الله الايمان تطهيراً لكم من الشرك والصلاة تنزيهاً لكم من الكبر ، والزكاة تزكية للنفس ونماء في الرزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص والحج تشييداً للدين، والعدل تنسيقاً للقلوب، وطاعتنا نظاماً للملة ، وإمامتنا أماناً من الفرقة ، والجهاد عز للإسلام وذلاً لأهل الكفر والنفاق ، والصبر معونة على استيجاب الأجر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مصلحة للعامة ، وبر الوالدين وقاية السخط ، وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنجاة في العدد ، والقصاص حقناً للدماء ، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة ، وتوفية المكاييل والموازين تغيراً للبخس والنهي عن الخمر تنزيهاً عن الرجس ، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة ، وترك السرقة ايجاباً للعفة ، وحرم الله الشرك اخلاصاً له بالربوبية ، فأتقوا الله حق تقاته ولاتموتن الا وانتم مسلمون ، وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه ، فإنما يخشى الله من عباده العلماء )).      

     في هذا المقطع المشرق من الخطبة ترسم الزهراء عليها السلام الحقيقة الكبرى التي امتاز بها الإسلام عن سواه من الشرائع في كونه عقيدة ونظاماً ومنهجاً ، فهرس الحياة الإنسانية برمتها ، وبرمج متطلبات النوع الإنساني بهيكل تشريعي ضخم ، طرق باب كل مشكلة من مشكلات الحياة الإنسانية وتوفر على حلها بما يتناسب والمصلحة وبما يتماشى والحكمة .

    وهذه الحقيقة الكبرى التي امتاز بها منهج الله تعالى قد أغفلها الكثيرون من أبناء الأمة الإسلامية تأثراً بالحضارة الغربية الغازية التي فصلت الدين عن الحياة .

    وحين نستعرض خطبة الزهراء عليها السلام يتضح أنها حين تحدثت عن فلسفة الإسلام وإطاره العام لم تكن تستهدف إقناع مخاطبيها :

    ان في الإسلام نظاماً يهذب الفرد وينظم الجماعة، ويقيم الدولة وانما كان ذلك أمراً بديهياً في حديثها، بل من الأمور التي لا يرتاب فيها المسلم مهما انخفضت درجة إيمانه بالإسلام يومذاك، لذا فإن الزهراء عليها السلام استعرضت معالم الإسلام وتعليماته كوسيلة لتبيان حقيقة أخرى ترتبط بالحقيقة الأولى، اذ كان همها ان تبين الأهداف السامية التي من اجلها كان التشريع الإسلامي بهذا الشكل لا بسواه، بل أنها أرادت ان ترسم العلل التي من اجلها حددت معالم الرسالة الإسلامية بهذه الصيغة المعلومة لا بسواها .

     وبعد ذلك قد يكون من الضروري ان نلم إلمامة سريعة بالمفاهيم الإسلامية التي جاءت في هذه الخطبة الكريمة .

أولاً الصلاة :-

     تستعرض الزهراء عليها السلام الحكمة في تشريع الصلاة فتلخصها في جملة قصيرة حيث تقول (( جعل الله الصلاة تنزيها لكم من الكبر )) فالصلاة في منطق الزهراء رفع للإنسان عن حضيض الكبر الى مستوى التواضع . فالصلاة هي عملية تتكرر خمس مرات في كل يوم ، لتكون مصدراً لتربية النفس والوجدان والخضوع لله سبحانه الخضوع المستمر ، ولتطبيع حياة الإنسان كلها بطابع هذا الخضوع ، ومن ثم فإن تكرار هذه العملية يشكل مناخاً صالحاً لصقل نفس المسلم ومشاعره صقلاً ينسجم وأوامر الله ونواهيه

ثانياً : الزكاة :-

     تقول الزهراء عليها السلام (( جعل الله الزكاة تزكية النفس ونماء في الرزق )) : فتقول . وكيف أداء الزكاة نماء في الرزق في حين أن الفرد يبذل أمواله ووينقيها ، والانفاق عكس النماء . ولكن العجب يزول اذا عرفنا النتيجة التي تحصل من مساعدة الفقراء وهي ارتفاع مستواهم الاقتصادي وبلوغهم مرحلة مناسبة من الانعاش المادي ، وهو أمرٌ يؤدي الى زيادة القوة الشرائية عند أكبر عدد من أفراد المجتمع .

ثالثاً : الصوم :-       

  حين أتت الزهراء عليها السلام عن ذكر الصوم قالت : (( والصيام تثبيتاً للإخلاص )) متى يستطيع الفرد اثبات إخلاصه لله تعالى ؟ عندما ينجح في السيطرة على غرائزه وشهواته يوجهها الوجهة المعقولة التي لا افراط فيها ولا تفريط .

رابعاً : الحـــــج :-

     اما عن الحج فقالت عليها السلام : (( الحج تشييداً للدين )) ان هذا الواجب المقدس يهدف الى أسمى الغايات وأعظم المقاصد ذلك هو التقاء بين المسلمين لتبادل وجهات النظر فيما بينهم في المسائل والشؤون التي تهمهم .

خامساً : العدل :-

     وعن العدل قالت عليها السلام : (( العدل تنسيقاً للقلوب )) ان العدل أساس الاستقامة في النظام الاجتماعي ، وهو الضمان الوحيد للسيطرة على الامن والتعايش السلمي بين ابناء المجتمع .

     ان التشريع العادل هو الجدير بالبقاء لأنه يعامل الناس جميعاً معاملة واحدة ، لا يميز بين غني وفقير ، وشريف ووضيع وقوي وضعيف .

سادساً : وجوب طاعة أهل البيت :-

    لقد استطردت الزهراء عليها السلام في حديثها عن فلسفة الأحكام بقولها : ((وطاعتنا نظاماً للملة )) . ولاشك ان الأمة تحتاج الى من يأخذ بيدها الى شاطئ الخير والهداية دائماً والذي يقوم بهذه المهمة هم أهل البيت عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً . وعلى هذا الأساس فإن طاعة أهل البيت هي الركيزة الأولى في بناء النظام الإسلامي .

سابعاً : الأمانة :-

لقد جعل الله تعالى إمامة اهل البيت (عليهم السلام) اماناً لأهل الارض وفي اتباعهم الأمان, وكمال الدين وهو ما قصدته الزهراء: (وإمامتنا أماناً من الفرقة) .

ثامناً: الصبر :-

    قالت عن الصبر (( والصبر معونة عن استيجاب الأجر )) صلابة للفرد ان يواجه المشكلات برحابة صدر ويعمل على حلها بدقة واتقان وهنا يبرز دور الصبر وأهميته حيث يمنح الإنسان الطاقة لمواصلة السير حتى النهاية .

تاسعاً : الأمر بالمعروف :-

    إن الأمر بالمعروف دعامة عظمى لاسلام كما قالت الزهراء, وتتحقق من خلاله مصلحة الأمة .

عاشراً : النهي عن المنكر :-

    إن من مستلزمات الأمر بالمعروف النهي عن المنكر, فهما متلازمان كأصابع اليد في الكف الواحدة .

الحادي عشر : صلة الأرحام :-

     ما إن فرغ الإسلام من التأكيد على وحدة الأسرة وتماسكها حتى انتقل الى روابط القربى والرحم بين الأسر المسلمة, وحين تأتي الزهراء عليها السلام الى هذا الموضوع تقول (( وصلة الأرحام منسأة في العمر وممحاة للعدد ))، أجل ان التواصل بين الأقارب ، وتعاطفهم ومساعدة بعضهم من أهم عوامل الوفاء والطمأنينة في المجتمع .

الثاني عشر :- الوفاء بالنذر :-

     تقول الزهراء (( وجعل الوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة)) وإذ يفي الإنسان بالنذر الذي التزمه على نفسه تجاه الله فإنه يؤكد على طاعة الله تعالى ، ومعرفة حق خالقه عليه .

الثالث عشر:

      وعن هذا الأمر أيضاً تحدثت الزهراء عليها السلام, وإذ قالت ((توفية المكاييل والموازين تغيراً للبخس )). إن الإسلام يحارب الاستغلال ، والغبن ويحارب البخس … انه لا يرتضي الا العدل .

الرابع عشر : النهي عن شرب الخمر :-

     اما عن حكمة النهي عن شرب الخمر فقد قالت سلام الله عليها ((جعل تنزيهاً عن الرجس )) .

الخامس عشر : بر الوالدين وقاية من السخط :-

     هنا تلتفت الزهراء عليها السلام الى الأسرة التي تعتبر الخلية الأولى في المجتمع فتناولت بر الوالدين : الأب والأم لما لهما من فاعلية فخمة في بناء الكيان الاجتماعي .

السادس عشر : والقصاص حقناً للدماء :-

     لقد رسخت الزهراء عليها السلام حقيقة من حقائق التشريع الإسلامي الرصين – وهو مفهوم القصاص في التشريع الإسلامي, الذي يكسب المجتمع مناعة فعلية في مواجهة التلاعب والاعتداء سواء اكان وقع ذلك خطأ ام عمداً . فعبرت عنه الزهراء بأنه حقن للدماء فهو الوسيلة الوحيدة لحقن الدماء وصيانة حرمتها، اما اذا ترك المعتدي دون الاقتصاص منه فقد وقع المجنمع في المحذور، وقد فسر هذا السر كتاب الله العزيز بقوله (( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب )) .