أهمية التآلف اللفظي في خطبة السيدة فاطمة الزهراء (ع) ودوره في النص م. نضال حسن جاتول مركز دراسات البصرة والخليج العربي- قسم الدراسات اللغوية والادبية
إن التآلف الموسيقي النصي في الخطاب النثري في الفدكية يوحي بالعفوية والصدق, والصدق أمر يوصل للمتلقي الفكرة والمعنى ويقربه من نفسه ويجعله أكثر قوة ونفوذا في النفس واستجلابا للانفعال الذي يميز السياق النصي المبدع من غيره , ولا نقصد بقولنا فقط صدق العبارة ذاتها وخلوها من المبالغة التي تلقي في نفس المتلقي زيادة في الاقتناع, ومن ثم تستخرج منه مزيدا من الانفعال الجمالي الفني المطلوب من النصوص الإبداعية , بمعنى أن العلاقات الموسيقية المتشابكة في الخطاب الذي بين أيدينا مزيج من الخطابة والمناظرة والإقناع , ولكنها في الوقت نفسه لا تخلو عن النفحة الأدبية الإبداعية الجمالية , وهذا ينتج من تراكمات على مستويات متعددة منها المستوى الصوتي الموسيقي , الذي له أصداء في رسم المعنى وترسيخه بشكل آلي في نفس المتلقي , فالكلام الموزون موسيقيا , والعبارات المتناسبة في الطول تجعل من الأذن مشدودة وتوحي مرة أخرى بالقوة التي تعاضد القوة في المعنى , تقول الزهراء في الفدكية :
“كِتابُ اللهِ النّاطِقُ، والقُرْآنُ الصّادِقُ، وَالنُّورُ السّاطِعُ، وَالضِّياءُ اللاّمِعُ، بَيِّنَةٌ بَصائِرُهُ، مُنْكَشِفَةٌ سَرائِرُهُ، مُتَجَلِّيَةٌ ظَواهِرُهُ”. وكذلك قولها :
” وَمَحارِمُهُ المُحَذَّرَةُ، وَبَيِّناتُهُ الجالِيَةُ، وَبَراهِينُهُ الكافِيَةُ، وَفَضائِلُهُ المَنْدوبَةُ، وَرُخَصُهُ المَوْهُوبَةُ، وَشَرايِعُهُ المَكْتُوبَةُ.” وقولها: ” والصِّيامَ تَثْبيتاً للإِخْلاصِ، والحَجَّ تَشْييداً لِلدّينِ، وَالعَدْلَ تَنْسيقاً لِلْقُلوبِ، وَطاعَتَنا نِظاماً لِلْمِلَّةِ”
إن تقارب الصوغ الصرفي بين بعض الكلمات والتطابق التام في الصيغة الصرفية بين كلمات أخرى بين ( الصادق, الساطع , اللامع ), جعلها تتشارك الصيغة الصرفية نفسها وليس فقط الحرف الأخير وهي الفاعل, بالإضافة إلى تناسب الجمل طوليا , وعدم طولها في التشكيلة الموسيقية الواحدة وهو ماقد يبعث الملل في نفس السامع ليتنبه السامع إلى تشكيلة جديدة أخرى تخدم الغرض المعنوي المطلوب منها, والترادف اللفظي في النص ينتج قوة في سياق النصي الداخلي, كي يتردد صوت القوة والتماسك بين عناصر النص أكثر , ليكون النص وحدة تجر بعضها على السياق السمعي ويتوحد الموضوع, ومن ثم فإنه يقوي الفكرة الواحدة التي يدور حولها النص وهي الحق وإقراره , فالنص كلّ واحد متجانس على الصعيد الصوتي وعلى صعيد المنبثق المعرفي والثقافي والجمالي, ونرى أن النص فيه من التخييل الإبداعي مستويات عدة , ” والتخييل أن تتمثل للسامع من لفظ الشاعر المخيّل أو معانيه أو أسلوبه , أو نظامه , وتقوم في خياله صورة أو صوراً ينفعل لتخيلها وتصورها .”