مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
السيدة الزهراء (عليها السلام) رؤية قرآنية قصصية / الباحثة هدى علي عبدالحسين
+ = -

السيدة الزهراء (عليها السلام) رؤية قرآنية قصصية

الباحثةهدى علي عبدالحسين

الإهداء

الى…

سيدتي فاطمة…..

أتيتك ببضاعةٍ مزجاة….

فأوفي الكيل وأجزلي العطاء…..يا مولاتي

المقدمة

بسم الله والحمد لله الذي هدانا لحب أهل البيت (عليهم السلام) وما كنا لنهتدي لو لا لطف الله بنا وإرضاعنا حبهم من أمي وأبي الذي كان يروي لنا فضلهم وعظمتهم.

هذا البحث المتواضع يتناول حياة الزهراء (ع) وسيرتها من خلال اسرتها ونشأتها عن طريق ما جاء في كتاب الله عن تكوين الأسرة..

يتكون البحث من مبحثين :

الأول :- يشمل كيفية إختيار الأم وإختيار الأب ومرحلة الزواج والحمل والرضاع وأثر ذلك على المولود وهي السيدة فاطمة (ع).

الثاني :- نروي به بعض القصص عن العظماء في حياتنا وأثر والديهما على حياتهم السليمة ومنزلتهم العظيمة.

المحور الاول

إختيار الأم

قال تعالى (( وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ))([1]).

إن الأرض اليابسة الميتة إذا القيت فيها البذرة وسقيت بالماء نلاحظها تحتضن النبات وتبدأ بالحركة من خلال انتفاخها لظهور النبتة وقد بين علماء الجغرافية أنواع من الأراضي منها الصالحة ومنها عكس ذلك ، فكلما كانت الأرض خصبة كان النبات جيداً ومعمراً ومفيداً ، أما إذا كانت عكس ذلك أعطت نباتاً غير مرغوب به وليس مفيداً ولا معمراً.

وعملية انبات النبات في الأرض يشابهها عملية انبات الجنين في رحم الأم النطفة التي يلقيها الرجل ويسقيها بماءه وكما إن الارض الصالحة والخصبة تخرج نباتاً بهيجاً حسن الصورة واللون فإن الرحم الطاهر والام الصالحة تخرج جيلاً صالحاً ، وإن علة تكوين الجنين هما الأبوان لأنه معلول لا أختيار في تحققه وإن وجوده قهري في التحقق بعد ثبوت المقدمات والعلل الواجبة لوجوبه ، فيكون في بداية تكوينه مسلوب القدرة والأختيار فهما اللذان بإمكانهما أن يعطيا أبنهما العقل أو يؤخرا عليه هذه النعمة.

          يقول الدكتور عبد العزيز القوصي في كتابه (أسس الصحة النفسية) :
(( والذي نعرفه الى الآن أن الإنسان يرث الذكاء عن والديه ويرث كذلك ما يمكن أن نسميه المزاج والطبع وقد أثبت العلم الحديث أن علماء النفس يقولون إن الجراثيم التي يقوم بها الآباء فيها تشابه خصوصاً في السرقة الى غير ذلك ))([2]). فاذا كانت الأم تورث صفاتها العقلية ، والخلقية الى ولدها ، ألا يجب أن نهتم بأختيارنا لزوجاتنا ونتبع سنة الرسول (ص وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) في الأختيار من خلال سيرة حياتهم وأحاديثهم.

فعن عبد الله بن سنان عن بعض أصحابنا قال : سمعت أبا عبد الله (ع)  يقول:
(( إنما المرأة قلادة فأنظر ما تتقلد وليس للمرأة خطئ لا لصالحتهن ولا لطالحتهن.

فأما صالحتهن فليس خطرها الذهب والفضة هي خير من الذهب والفضة. وأما طالحتهن فليس خطرها التراب ، التراب خير منها([3]).

وعن أبراهيم الكرخي قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إن صاحبتي هلكت وكانت لي موافقة وقد هممت أن أتزوج فقال لي : أنظر أين تضع نفسك ومن تشركه في مالك وتطلعه على دينكم وسرك فإن كنت لابد فاعلاً : فبكراً تنسب الى الخير والى حسن الخلق وأعلم أنهن كما قال :

ألا إن النساء خلقن شتى

                                  فمنهن الغنيمة والغرام

ومنهن الهلال اذا تجلى

                                  لصاحبه ومنهن الظلام

فمن يظفر بصالحهن يسعد

                                  ومن يغبن فليس له انتقام

هن ثلاث : فامرأة : ولود ودود تعين زوجها على دهره لدنياه آخرته ولا تعين الدهر عليه.

وامرأة : عقيم لا ذات جمال ولا خلق ولا تعين زوجها على خير.

وامرأة : صخابة ولاجة همازة تستغل الكثير ولا تقبل اليسير ([4]) .

عن جابر بن عبدالله قال : سمعته يقول : كنا عند النبي (ص وآله) فقال : إن خير نسائكم : الولود الودود العفيفة… العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها… المتبرجة مع بعلها الحصان على غيره… التي تسمع قوله وتطيع أمره… وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها ولم تبذل كتبذل الرجل ([5]).

وقال رسول الله (ص وآله) : (( تزوجوا في الحجر الصالح فإن العرق دساس ))([6]).

بالنظر الى هذه الاحاديث وشخصية الرسول العظيم وأخلاقه الفاضلة وشرف نسبه وسمو منزلته كان لابد أن يفكر بامرأة تشاطره هذه الصفات وترتفع الى مستوى حياته وتعاضده في بلوغ أهدافه المقدسة وتتفهمه وتصمد أمام الهزات والصدمات التي تنتظره في المستقبل وتبذل كل غالٍ ونفيس في سبيل نيل الأهداف السامية والقالب الصالح الذي يحمل ذريته ولم يكن في سماء تفكير محمد (ص وآله) ثمة امرأة تفهمه وتتحسس مشاعره وأحاسيسه وتصلح لتحمل هذه المهمة الصعبة وتكون جديرة بمشاركته غير السيدة خديجة (ع) المرأة العاقلة ، اللبيبة ، الفاضلة ، الحنون ، الثرية ، سيدة مكة الأولى التي كانت من أسرة أصيلة لها مكانة وشرف في قريش عرفت بالعلم والمعرفة والتضحية والفداء وحماية الكعبة بيت الله الحرام فأبوها خويلد كان ممن خب من قريش لمنع تبيع ملك اليمن ليأخذ الحجر الأسود من المسجد الحرام الى اليمن وجدها كان ممن أسس لحلف الفضول وكانت منذ مطلع حياتها وقريش تتوسم فيها النبل والطهر وسمو الأخلاق حتى لقبت بالطاهرة في الجاهلية ولقبت بسيدة قريش بالنظر لعلو شأنها وشرف منبتها وكرم أصلها وحميد أفعالها ، وهي المرأة التي أمتازت برجاحة عقلها ونبوغ ذكائها وحكمتها إذ تمكنت من أستثمار الأموال الطائلة التي ورثتها من أبيها بعد أن قتل فيس حرب الفجار أو قبلها بقليل مستثمرة الأموال في التجارة وأستخدمت رجالاً صالحين لهذا الغرض ولم تتعامل بالربا أو بطرق مشبوهة رغم ما كان سائداً في الجاهلية من أخلاق ومعاملات فاسدة بل كانت صاحبة أخلاق ودين وكسبت أموال طائلة وثروة ضخمة حتى قيل : إن لها أكثر من ثمانين ألف جمل متفرقة في كل مكان ، وكان لها في كل ناحية تجارة وفي كل بلد مال مثل مص والحبشة وغيرها([7]).

إذن هي المرأة الصالحة والقلادة التي يجب أن تتقلد والتي تستحق أن تضع نفسك عندها وتتركها في مالك وتطلعها على دينك وسرك وهي البكر التي تنسب الى خير والى حسن الخلق وهي الولود الودود التي أعانت زوجها على دهره لدنياه وآخرته فلم تعين الدهر عليه ، فقد آمنت به وصدقته ووازرته على أمره فقد خفف الله بذلك عن نبيه لا يسمع شيئاً يكرهه من رد عليه وتكذيب له فيجز به الا فرج الله عنه إذا رجع اليها ، فتثبته وتخفف عنه وتصدقه وتهون عليه من أمر الناس وهي العزيزة في أهلها فهي سيدة مكة الأولى الذليلة مع بعلها إذا قالت له البيت بيتك وأنا خادمتك وهي الحجر الصالح وصاحبة الشرف والنسب الرفيع فإذا كانت الأم بهذه السمو والرفعة فكيف يكون وليدها.

إختيار الأب

قال تعالى : (( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ))([8]). إن القيمومة المجعولة للرجل هي مجرد وظيفة أجتماعية أقتصادية طبيعية التكوين النفسي والعضوي للرجل ولا تعبر عن التمايز الانساني بين الرجل والمرأة لأن الله عز وجل كان قد منح الرجل بعض الملكات والقدرات المناسبة لوظيفة القيمومة والنتيجة العقلانية تحتم أن تناط هذه الوظيفة بالرجل دون المرأة وأن الله عز وجل هو خالق الانسان وهو أعلم بما يعلمه وليس ثمة من دواع للمحايات – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً – فإن كان قد أناط بعض الوظائف بالرجل والبعض الآخر بالأنثى فإن ذلك لعلمه بما أودع في مكنون كل نفس من منح وذخائر وعليه فتنظيمه لهذه الوظائف والمسؤوليات ليس جزافياً فهو حيث هو تعالى منزه عن العبث والحكم بغير ملاك فحتى لو لم يدرك الانسان ملاكات احكامه تعالى فإن عليه أن يسلم ويقلب اذ ذلك هو مقتضى الأيمان بحكمته غير المتناهية ([9]).

والمراد بما فضل الله بعضهم على بعض هو ما يفضل ويزيد فيه الرجال بحسب الطبع على النساء ، وهو زيادة التعقل فيهم ، وما يتفرع عليه من شدة البأس والقوة والطاقة على الشدائد في الأعمال ونحوها فإن حياة النساء حياة عاطفية مبنية على الرقة
واللطافة ([10]).

وينقل ويل ديورانت أحد علماء الغرب من كتابة (مباهج الفلسفة) عن المبروز قوله (الأساس الطبيعي لعشق المرأة ينحصر في صفة ثانوية من أمومتها ولا تنطلق كل الإحساسات والعواطف التي تربط المرأة بالرجل من العوامل العضوية بل تنبعث منه غريزة الأنقياد والتسليم والعيش تحت حماية الرجل).

فإختيار الزوج الصالح المطيع لله من ضروريات زواج الفتاة ومن أولوياتها هو أن نتأكد من صلاح دين الشاب الخاطب الذي ستستقر في بيته وتصبح زوجته الى ما شاء الله من حياتهما وعليه لابد من أختيار الفتى الذي يكون كف لها والنظر الى دينه وخلقه من أهم المهام.

عن أبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتبت الى أبي جعفر (عليه السلام) في التزويج فأتاني كتابه بخطه قال رسول الله (ص وآله) : (( إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ألا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ))([11]).

عن الحسين بن بشار الواسطي قال : كتبت الى ابي الحسن الرضا (ع) : إن لي قرابة قد خطب إلى وفي خلقه سوء ، فقال : لا تزوجه إن كان سيء الخلق ([12]).

عن عيسى بن عبدالله عن أبيه عن جده عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (ص وآله) : (( إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه )).

قلت : يا رسول الله (ص وآله) وإن كان دنياً في نسبه. قال : (( إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ))([13]).

كما إن الاسلام أهتم بأختيار الزوجة وجعل ضوابط لأختيارها كذلك حدد الضوابط لأختيار الزوج وهذه الالتفاتة لم تكن غائبة عن سيدة قريش الأولى والطاهرة حيث كانت تبحث عن صاحب الدين في زمن أنتشر فيه الأصنام والأوثان وكانت الجاهلية شبح ظلام خيم على سماء مكة وصاحب الأخلاق في زمن لا أخلاق وقوم كما قال عنهم جعفر بن أبي طالب لملك الحبشة حين وصفهم بقوله (( كنا قوماً في جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف ))([14]).

فكانت سيدة قريش تبحث في أرض مكة عن الدرة واللؤلؤة التي ذاع صيتها بالصدق والأمانة والنسب والشرف والأخلاق والكرامات والميزات الفريدة بكل تفاصيل حياته فكانت تبحث عن الرجل الذي يشاركها حياتها وتؤمنه على نفسها وثروتها ويكون قائدها وزوجها وأب لذريتها فوجدت ذلك كله وأكثر في شخص ( محمد بن عبدالله ) , صاحب النسب الشريف والخلق العظيم والدين الأصيل لأنه من الموحدين في زمن الوثنية وهو الصادق في زمن لا صدق بل الكذب والغش والأمين في زمن لا أمان فيه للضعيف من طغاة قريش وجبابرتها فألتقت الطهارة مع الأمانة ورجاحة العقل مع الصدق والعفة مع الأخلاق والتوحيد مع الدين كله والتضحية مع العطاء والوفاء والطهر مع النبوة فإذا كان الأب (محمد) والأم (خديجة) فكيف تكون (فاطمة)؟؟؟؟.

زواج اليوم وكيفية الأختيار

من أختيار الرسول (ص وآله) لزوجته واختيار خديجة (عليها السلام) لزوجها والضوابط التي حددوها وجعلوها لنا مناراً وطريقاً سهلاً ومعبداً للسير عليه نلاحظ أبناءنا اليوم قد صغوا لأنفسهم نوع من الأختيار القائم على أساس من الخرافات والاساطير كقضية ((الزواج القائم على الحب)) الذي هو ليس سوى اسطورة نرجسية خلقتها الشهوات من أجل الوصول إلى لذة الجنس ومن دون حساب وهذا الحب يبدأ في سنوات المراهقة وهذا الحب لا يكون صادقاً فما هو الا شهوة تخدع الشاب أو الشابة وتغرر بهم وهذه الشهوة غالباً ما تختفي في مظهر الحب حتى إذا اطفأت ظمأها انقلبت نقمة وسعيراً.

أو ما شاع في زماننا وتماشياً مع روح العصر من إقامة العلاقات قبل الزواج بين الشاب والشابة والزمن قصير لا يحتمل الدخول في تجارب قد لا يكتب لها النجاح.

أو الأختيار على أساس (آلة اورديناتور) وعلمته الأساطير والخرافات وليس على أساس الفهم والتعقل ففي باريس مركز كبير يحمل أسم : (استروفلاش اوردسكوب) يديره (اندريه بارلو) أحد كبار الباحثين في علم الفلك في فرنسا الذي توصل الى استخدام آلة تقنية معاصرة سماها (اورديناتور) لمعرفة التأثيرات الفلكية على المزاج والصفات الإنسانية ، فعلاقات الكواكب والتجاذب بينها تسجله المراصد كل ثانية وهي بذلك تعطي الإنسان المعرفة الموضوعية لحالاته النفسية ولنفسية الآخرين.

ويصر (اندريه بارلو) على اعتبار هذه الآلة الالكترونية (( قاضي غرام لعام… ، وما بعدها )) لأن الآلات التي تسجل في كل لحظة العلاقة بين الأبراج تسمح وتساعد على تفهم كل فرد للآخر ([15])!!!.

ومن آلة اندريه بارلو الى الكتب التي غزت السوق ومحال البيع التي نجحت في أهمية أختيار شريك الحياة حسب التأثيرات….الفلكية!.

منها كتاب أسمه : (( الدليل الفلكي للزواج )) للكاتبة (كارول ويغتر) والمؤلفة توزع الزيجات وتقسمها حسب توافق (الأبراج). فزواج الرجل (الثور) من المرأة (الحمل) نتيجته قذائف وشجار دائم…

والزوج (الأسد) إذا أقترن بالزوجة (العذراء) تفوق عليها وسيطر… وفتاة (الميزان) إذا تزوجت رجل (العقرب) تأرجحت يميناً وشمالاً.

أما الفتاة المولودة تحت برج (الحوت) فقد يندم من يصطادها من بحر الحياة!!!.

ترى أيها أفضل :

الزواج القائم على أساس الأساطير النرجسية والآلات الالكترونية والتأثيرات الفلكية؟؟؟.

أم الزواج القائم على أساس الفهم الكامل والمعرفة والبحث والسؤال كما قال الإسلام؟؟؟.

الحياة الزوجية وثمرة الزواج

قال تعالى : (( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ))([16]). وفي تفسير هو ستر لكم عن الحرام لأن اللباس هو الساتر من الزوجين يمنع صاحبه عن اتباع الفجور فهو يواري به سوأته ويستر عورته ([17]).

ولما كان الزواج ستر ولباس نلاحظ أن الرسول (ص وآله) والسيدة الطاهرة (عليها السلام) قد جسدوا الزواج بأروع لباس وأجمل ستر فقد جعلوا منه عملية أقتران روحي ونفسي ورابطة انسانية تتعالى على المادة ووسائل الحياة التافهة والرخيصة فهذه السيدة خديجة (عليها السلام) تضرب المثل الأعلى في موقفها فتكتب درساً بليغاً للمرأة المسلمة ببذلها لزوجها وتفانيها في خدمته ومعونته وهي القائلة له في يوم زواجها (البيت بيتك والأمة خادمتك) إذ بذلت له أموالها وحتى نفسها ولذا قال رسول الله (ص وآله) ما قام الإسلام إلا بمال خديجة فخلد موقفها وعظم شأنها حيث ذهبت قرون وفنت كنوز الذهب والفضة وباد أثاث الديباج والحرير ودرست قصور الرخام وخبا لمعان الجواهر والدرر ومجد أم المؤمنين يعلو فوق كل مجد وحديث زواجها من رسول الله أنشودة عذبة وذكرى عطرة على كل فم وحياتها مع زوجها مدرسة ورسالة تعلم الأجيال وترسم طريق الحياة العائلة السعيدة.

وموقف رسول الله (ص وآله) وتعامله معها ورعايته لها وحبه وإخلاصه لها ليس في حياتها وحسب بل حتى بعد وفاتها مما جعل زوجاته تغار منها وهي ميتة لكثير ما يذكرها وبجميل ما يمدحها يضرب أروع الصور في حق الزوج أتجاه زوجته ، وبعد الحياة الجميلة والعائلة السعيدة والتفاهم والتناغم والتعاون بين الزوجين تكلل هذه السعادة بحمل عظيم بحياة الزوجين فلنأخذ الدروس ونستقي العبر لنهنئ المقدمات ونحصد النتائج.

الحمل وتأثير الأم في تكوينه

قال تعالى : (( فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ {5} خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ {6} يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ {7} ))([18]).

إن مبدأ خلقة الإنسان هو المني الذي يخر من الظهر (الصلب) وعظام الصدر (الترائب)([19]).

فيقذفه الرجل في رحم المرأة ليبدأ مرحلة التكوين والإعداد وهو بهذه الحالة يتكون من ماء الرجل وبيضة المرأة فإذا كان الرجل قد أعد النطفة بصورة صحيحة وسليمة والمرأة كانت طاهرة عاقلة سيكون الولد عظيماً بمشيئة الله تعالى وهذا ما نراه في مولود الرسول الأكرم (ص وآله) والسيدة خديجة (عليها السلام).

حيث أن الرسول ترك السيدة خديجة (عليها السلام) على ما جاء في الروايات أربعين يوماً يتعبد الله قائماً الليل صائماً بالنهار يدعوا الله ويتضرع اليه فنمت روحه وطهرة نطفته وعظم شأنه عند بارئه وطاب مأكله ومشربه الذي كان من حلال ولا تشوبه شائبة ولا كان من مال شبه ، يعود لبيته ليجد الزوجة الصابرة الموحدة المؤمنة برب الأرباب والباذلة في سبيل دينها الغالي والنفيس القانعة بالعيش مع زوجها المحبة له صاحبة الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة والرحم الطاهر والأم الصالحة فتنعقد نطفة الزهراء (عليها السلام) في جو الأيمان والطهر والعفاف والعبادة والرضا والتسليم بما يريده الله لهما ولمولودهما من الشأن والمنزلة وبعد أن خرجت من صلب الأب لتستقر في رحم الأم بدأت تتغذى من أمها ، فالطفل في رحم الأم يعتبر عظواً منها.

فالحالات الجسمانية للأم والمواد التي تتغذى منها تؤثر على الطفل ينقل عن الصادق (عليه السلام ، نظر الى غلام جميل فقال : ينبغي أن يكون أبو هذا أكل سفرجلاً ليلة الجماع ([20]).

وعن النبي (ص وآله) أنه قال : (( أطعموا المرأة في شهرها الذي تلد فيه التمر ، فإن ولدها يكون حليماً تقياً ))([21]).

(( إن الفواكه والخضروات التي تحتوي فيتامين (B) تعتبر العلاج القطعي للكنة اللسان )).

والأم التي تتناول من هذا الفيتامين أيام حملها ، فإن جنينها يأخذ بالتكلم مبكراً ولا يصاب باللكنة.

وإن تناول الأطعمة الفاسدة واللحوم بالخصوص حيث تؤدي الى التسمم يجعل لون الجنين واكناً مائلاً الى الاصفرار.

والأم التي تكثر من أكل التوابل والأطعمة المارة كالخردل والدارسين وما شاكل أيام حملها فإن طفلها يصاب بالاكزما ))([22]).

قال ابن خلدون : (( أكلت الأعراب لحم الأبل فأكتسبوا الغلظة ، وأكل الأتراك لحم الفرس فأكتسبوا الشراسة ، وأكل الإفرنج لحم الخنزير فأكتسبوا الديانة ))([23]).

كذلك أخلاق الأم فأنها تؤثر في روح الطفل وجسده كليهما وقد يتأثر الطفل أكثر من أمه بتلك الأخلاق ، فإن هموم الأم وغمومها ، غضب الأم واضطرابها ، تشاؤم الأم وحقدها ، حسد الأم وأنانيتها ، خيانة الأم وجنايتها وبصورة موجزة جميع الصفات الرذية للأم… وكذلك إيمان الأم وتقواها ، طهارة قلب الأم وتفاؤلها ، صفاء الأم وحنانها ، مروءة الأم وإنسانيتها ، إطمئنان الأم وراحة بالها ، شجاعة الأم وشهامتها ، وبصورة موجزة جميع الصفات الحميدة للأم.

جميع هذه الصفات خيرها وشرها تترك آثارها في الطفل وتبين سعادة الجنين وشفائه كما قال النبي (ص وآله) : (( الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن
أمه ))([24]).

كما أن السنن الإلهية يعمل بقانون الحياة بدقة عجيبة ونظام متقن وأن القرآن الكريم يعبر عن قوانين الكون (التي تعتبر قانون الحياة وقانون الوراثة من ضمنها) بالسنن الإلهية ويرى فيها أنها ثابتة غير خاضعة للتغير والتبديل قال تعالى : (( فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ))([25]).

لأن الله يشمل البغض برحمته ونعمته وجميل لطفه وكرم عطائه لأهليته لذلك فإذا أراد الله أن يعطي أنسان جمالاً فلا راد لذلك وإذا أراد أن يعطي لإنسان عظمة ومنزلة فأيضاً لا راد لذلك.

يقول الإمام علي (ع) : (( إن الله يجري الأمور على ما يقتضيه لا على ما نرتضيه))([26]).

ومن هنا يتحتم على الآباء والأمهات الذين يأملون أن ينشأ منهم أطفال عقلاء سالمون أن يراعوا جميع القوانين التكوينية من الجانبين الجسدي والروحي فكل عيب أو انحراف يظهر في سلوك الأطفال – مهما كان حقيراً – فإن العلة في ذلك هو التخلف عن بعض السنن الإلهية في هذا الكون.

ففي حديث طويل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال : (( ثم يبعث الله ملك الأرحام فيأخذها فيصعد بها الى الله (عز وجل) فيعف منه ما شاء الله ، فيقول : يا إلهي أذكر أم أنثى ؟ فيوحي الله (عز وجل) اليه من ذلك ما يشاء ويكتب الملك ، ثم يقول : أشقي أم سعيد ؟ فيوحي الله (عز وجل) اليه ما يشاء من ذلك ، ويكتب الملك فيقول : اللهم كم رزقه ؟ وما أجله ؟ ثم يكتبه ويكتب كل شيء يصيبه بين عينيه ثم يرجع به فيرده في
الرحم ))([27]).

فذلك قول الله (عز وجل) : (( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ))([28]).

فيا أيها الزوجان ولدكما أمانة في أعناقكما وإذا كنتما تريدان حياة طيبة وإيمان صلب لأبنائكم عليكما أن تطيبا طعامكما وشرابكما وتجعلاه من الحلال الذي لا شبهة فيه.

قطف الثمرة ووصول المولود

قال تعالى : (( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً ))([29]). أي حملته بمشقة الحمل مدة تسعة أشهر ووضعته بمشقة الولادة ووجع الطلق وتنقضي أيام حمل السيدة خديجة (عليها السلام) وتحين لحظة وصول المولود المنتظر لينتقل من دار الى دار ومن حال الى حال.

وبينما ينتظر الأب وهو رسول الله (ص وآله) وصول المولود الذي أعد له مسبقاً وإذا بصوت الوليد يعتلي في جو بيت السعادة والإيمان فيبادر بالسؤال عن سلامة المولود لا يفرق بين ما إذا كان المولود ذكراً أو أنثى في وسط قوم ومجتمع يعتبر ولادة الأنثى عار فيأخذ المولودة ليسمعها كلمات التوحيد والإيمان ليعصمها وذريتها من الشيطان الرجيم ثم يحنكها بالتمر الممضوغ بريقه المبارك وتلف بخرقة بيضاء ويحسن أختيار أسمها الذي جاء من الحق تعالى والتصدق عنها وضع الوليمة لأجلها وبركة مقدمها فإن ما قام به النبي (ص وآله) مع فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي سنة نبوية لنا في استقبال المولود (فعن المعصوم أو تقديره حجة) فكيف بفعل خاتم الأنبياء!!!؟

من هنا نلاحظ أن مسؤولية الأب في اليوم الأول من الولادة توجب عليه عند سماع صياح الطفل فأول ما يسأل عنه هو سلامته من التشوهات الخلقية سواء كانت بزيادة أو نقيصة فإن جاء سالماً معافى فليحمد الله ويثني عليه وإن جاء مشوهاً بزيادة أو نقصان – لا سامح الله – فليصبر ويحتسب ذلك عند الله.

ومن الطريف ينقل أن رجلاً رزقه الله ولداً غير واضح المعالم أي ممسوح الخلقة فجاءه الأطباء وقالوا : إن من مصلحة الطفل أن يموت الآن خير له من البقاء فيتعذب في هذه الدنيا لذا نريد أن نعطيه حقنة تميته فماذا تقول؟

أجابهم بالنفي وقال : هذا عطاء الله وأنا راضي به ، أخذ طفله وأصطحب زوجته الباكية وفي طريق عودته وبقدرة الله القادر ظهرت على الطفل الملامح وأصبح ولداً جميلاً.

وكان علي بن الحسين (عليه السلام) إذا بشر بولد لم يسأل ذكراً أم أنثى حتى يقول : أسوي؟

فإن كان سوياً قال : الحمد لله الذي لم يخلق شيئاً مشوهاً ([30]). وعلى الأب أن لا يفرق بين المولود الأنثى والذكر فإن هذه عادة الكفار وأهل الجاهلية التي كانت تغتم ويظل الأب وجهه مسوداً وكظيم لما بشر به من أنثى فقد قال رسول الله (ص وآله) : (( خير أولادكم البنات ))([31]).

وعن الحسين بن سعيد اللخمي قال : (( ولد لرجل من أصحابنا جارية فدخل علي أبي عبدالله (عليه السلام) فرآه متسخطاً فقال له : أرأيت لو أن الله أوحى اليك أن أختار لك أو تختار لنفسك ما كنت تقول؟

قال : كنت أقول : يا رب تختار لي.

قال : فإن الله عز وجل قد أختار لك.

ثم قال : إن الغلام الذي قتله العالم الذي كان مع موسى (عليه السلام) هو قول الله عز وجل : (( فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْما ))([32]).

(( أبدلهما الله عز وجل به جارية ولدت سبعين نبياً ))([33]).

ومن الأمور التي شدد الإسلام باستحبابها للمولود هو أن يؤذن في أذنه اليمنى ويقيم في اليسرى ويقرأ بعض السور فعن علي (عليه السلام) أن رسول الله (ص وآله) قال :
(( من ولد له مولود فليأذن في أذنه اليمنى وليقيم في اليسرى فإن ذلك عصمة من الشيطان وإنه (ص وآله) أمر أن يفعل ذلك بالحسن والحسين (عليهما السلام) وأن يقرأ مع الآذان في آذانهما فاتحة الكتاب وآية الكرسي وآخر سورة الحشر وسورة الإخلاص والمعوذتان ))([34]).

عن يحيى الرازي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : (( إذا ولد لكم المولود أي شيء تضعون به؟

قلت : لا أدري ما يضع به قال : خذ عدسة جاوشير فديغه بماء ، ثم قطر في أنفه في المنخر الأيمن قطرتين وفي الأيسر قطرة وأذن في أذنه اليمنى وأقم في اليسرى يفعل ذلك به قبل أن تقطع سرته ، فإنه لا يفزع أبداً ولا تصيبه أم الصبيان ))([35]). وأن يحنك بماء الفرات أو بماء السماء مع تربة الحسين (ع) أو التمر.

عن أبي عبدالله (ع) قال : (( فقال أمير المؤمنين (ع) حنكوا أولادكم بالتمر هكذا فعل النبي (ص وآله) بالحسن والحسين (عليهما السلام) ))([36]).

وفي رواية عن الحسين بن أبي العلا قال : (( سمعت أبا عبدالله (ع) يقول : حنكوا أولادكم بتربة الحسين (ع) فإنها أمان ))([37]). ويفضل أن يلف الطفل بخرقة بيضاء لأنه ثبت علمياً أن للألوان تأثيراً على سلوك ونفسية الإنسان لأن حقيقة اللون ينتج طاقات مختلفة فاللون مكون من ترددات من الضوء وكل تردد يجعل الهواء يهتز عند سرعات مختلفة فاللون الأحمر مثلاً يبعث ترددات بشكل سريع بحيث يولد في النفس الغضب والانفعال بخلاف اللون الأزرق الذي يرسل ترددات أقل مما يؤثر على هدوء الأعصاب أما اللون الأبيض فله أثر الصفاء على النفس والأمان بخلاف اللون الأصفر الذي يسبب الخوف في نفسية الطفل ويبعث فيها الرعب ويؤثر على العينين على ما جاءت به بعض الدراسات العلمية ولهذا علينا أن نراعي هذه المستحبات في الأيام الأولى من ولادة الطفل لنضمن له حياة صحيحة وروح سليمة وفطرة نقية كما فعل الرسول (ص وآله) مع فاطمة الزهراء (ع) فكانت نعمن المولود وأعظم امرأة على وجه الأرض بدون منازع.

الرضاعة وإعداد الوليد

قال تعالى :((وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ))([38]). إن تناول الطفل الحليب يعد من المراحل الأولية التي يقوم بها في بداية حياته وهذه المرحلة لا تقل خطورة عما قبل الولادة فالتأثير الذي يظهر على الطفل من أثر الحليب تأثر واضح جداً وما زال هذا الولد الجديد يتغذى من ثدي أمه الغذاء المادي والروحي أيضاً للأتصال بها ، وعدم استقلاله عنها فكل الآثار التي تظهر على الأم تتجلى في الولد.

لذلك تقول في زيارتك للإمام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة (( غذتك يد الرحمة ورضعت من ثدي الأيمان وربيت في حجر الإسلام….))([39]).

وحيث أن السيدة خديجة (عليها السلام) تمثل الإيمان حقيقة فقد رضعت السيدة الزهراء (عليها السلام) هذا الإيمان من أمها خديجة (عليها السلام) وإن الحالة الإيمانية التقوائية لدى الأم أثرت في المولود أثره البالغ فالله تعالى يقول في كتابه : (( وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ))([40]).

ولا يوجد أفضل من حليب الأم لطفلها وذلك لأن الطفل قبل الولادة كان يعد جزءاً من أجزاء الأم فتركيبته قريبة من تركيبتها وعند استقلاله عنها سوف يبقى ذلك الأثر فيه وعندما يلقف ثدي أمه يحس بالاطمئنان الذي لا يحصل عليه إلا عندها فعن النبي (ص وآله) قال : ((ليس للصبي لبن خير من لبن أمه))([41]). وعن أمير المؤمنين (ع)

قال : (( ما من لبن رضع بع الصبي أعظم بركة عليه من لبن أمه ))([42]).

وبما أن لبن الأم له أثره في حالة الطفل كما كان لتأثيرها عليه حالة الحمل نلاحظ الروايات التي أكدت على حالة المرضعة واختيارها يقول الإمام علي (ع) :(( تخيروا للرضاع كما تتخيرون للنكاح ، فإن الرضاع يغير الطباع ))([43]).

وعن الباقر (ع) قال : (( استرضع لولد بلبن الحسان وإياك القباح فإن اللبن يعدي))([44]).

وعن النبي (ص وآله) قال : (( لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء ، فإن اللبن يعدي))([45]).

وعن أمير المؤمنين (ع) قال : (( توقوا على أولادكم لبن البغي من النساء والمجنونة فإن اللبن يعدي ))([46]).

وعن الباقر (ع) قال : (( لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحب الي من لبن الزنية ))([47]). لأن اليهودية والنصرانية والمجوسية وإن بضر ارضاعهن للطفل لكن الحليب هو من نتاج وطء شرعي صحيح في دينهم ومذهبهم بخلاف لبن الزنى فإن منشئ هذا الحليب كان من نطفة قذرة تكونت من حرام.

وعلى الأم أن ترضع الولد من كلا الثديين لأن كل ثدي وظيفته الخاصة التي تختلف عن الآخر فإن أحد الثديين يكون غذاء والآخر شراب لذا لا يكفي أن يعطى من أحدهما دون الآخر فعن محمد بن العباس بن الوليد عن أمه أم اسحاق بنت سليمان قالت : (( نظر الي أبو عبدالله وأنا أرضع أحد ابني محمد وإسحاق ، فقال : يا أم اسحاق لا ترضعيه من واحد وأرضعيه من كليهما يكون طعاماً والآخر شراباً ))([48]).

لذا علينا من خلال ما تقدم أن ننتبه الى المرضعة وحالتها الروحية والنفسية والدرجة التقوائية لدى الأم لأن الطفل يأخذ كل شيء من أمه.

لهذا نلاحظ أن الرسول (ص وآله) تخير للزهراء (عليها السلام) الأم الصالحة والمرضعة المؤمنة الحليمة وهي السيدة الطاهرة (عليها السلام) لكي تنشأ السيدة الزهراء (عليها السلام) بجو الإيمان والصلاح وبعد ذلك تتربى في بيت النبوة ومهبط الوحي وهي تأخذ من أمها أروع الدروس في الصبر والعطاء والبذل والابشار ومعونة الزوج وخدمته والتواضع له وطاعته.

ومن أبيها تأخذ دروس التبليغ وإيصال صوت الحق والجهر به وهداية الناس والتراحم والمودة التفاهم والحب بين أبويها وسعيهم للحصول على رضا رب الارباب ومسبب الاسباب والاعراض عن الدنيا وزخارفها والسعي للحصول على الآخرة.

ولما كانت المقدمات صحيحة وجو الاسرة المؤمنة والأبوان عظيمان متقيان ومشيئة الله ولطفه ولا يضيع عمل عامل ولا جهد ساعي ساعدت هذه العوامل لنشأة بنت مباركة موحدة مؤمنة صالحة ومنقية قد وصلت لدرجات الكمال ومراتب العصمة.

ولكل من يريد ذرية كفاطمة (ع) أن يختار الحجر الصالح والمرضعة المؤمنة والزوجة المطيعة لله في نفسها وزوجها واسرتها فعندها يحصل على ثمار ناضجة يانعة طيبة مباركة.

المحور الثاني

طهارة الأم عظمة للمولود

لما وصلت زمام الأمور للشيخ الأنصاري باستلام الحوزة العلمية وقيادتها ذهب بعض الناس ليبارك لأمه على هذا المولود الذي أصبح زعيم الحوزة العلمية ومن كبار العلماء.

أم الشيخ أجابتهم قائلة : كنت أتوقع من هذا الولد أكبر من ذلك ، لأني خلال سنتين كنت لا أرضعه إلا على وضوء.

حتى في نصف الليل إذا أفاق وأخذ بالبكاء قمت –أولاً- بالوضوء ثم أرجع لكي أرضعه.

الرضاع يغير الطباع

ينقل أن آية الله الشيخ فضل الله نوري في زمان المشروطة في أيران حكم عليه بالإقامة الجبرية في بيته وسعت الدولة أن تقدمه ، وفعلاً أخذته الى السجن لهذا الغرض وابن الشيخ فضل الله كان من المساهمين بشكل جدي في أن يحكم على والده بالإعدام!!

أحد العلماء الكبار لما رأى أن ابن الشيخ التقي يسعى لقتل والده تعجب وأستحكمت عليه الحيرة والدهشة!

فذهب هذا العالم الى الشيخ في السجن وقال له : إن ولدك يجب أن يكون من حيث الوراثة في مرتبة عالية ويجب أن تكون لديه مقامات عالية… كيف صار ولدك لا يبالي بل يسعى من أجل إعدامك؟

أجاب الشيخ : نعم ، الشيء الذي كنت أخافه وقع…

هذا الولد عندما ولد في النجف الأشرف كانت أمه مريضة ، ولم تستطع إرضاعه لذا اضطررنا الى البحث عن مرضعة له ووجدنا مرضعة ، ولكن لم نكن نعرفها فأرضعت ولدي مدة من الزمن ، ثم علمت أن هذه المرأة غير متقية وأيضاً ناصبية ومن هنا دق جرس الخطر وهذا الذي كنت أخافه وقع.

الطفل يتأثر بأمه

ينقل أن والد السيد محمد حسين الطباطبائي علم الهدى لاحظ أن ولده يردد الآيات التي كانت أمه تقرأها عليه ، وعندها سعى والده أن ينمي في ولده هذه الصفة (حفظ القرآن) حتى بلغ ست سنوات وهو يحفظ كل القرآن.

الكلام يعمل في القلوب النقية

سأل الفيلسوف والفقيه والشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) حيث سأله أحد الأشخاص : كيف صرت هكذا (عالماً كبيراً ، فيلسوفا….الخ )؟.

فقال : كنت صغيراً في الكاظمية في بغداد وكان هناك خطيب دائماً يتكلم من قصص المسلمين الأوائل وبطولاتهم وأمجادهم ، فقررت أن أعيد ذلك المجد وأن أكون مثلهم فصار ذلك الولد الصغير عالماً كبيراً.

إيمان الوالد واختيار أسم الوليد

كان الشيخ حسون والد الشيخ أحمد الوائلي ينظر وينتظر وليده وهو متفائل بولادته التي كان في يوم ولادة الرسول الأعظم (ص وآله) والامام جعفر الصادق (ع) في 17 ربيع الأول وعند مجيء المولود أنتزع الوالد لولده أسمه من كتاب الله وقوله تعالى : (( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ )) { الصف ، آية : 6}.

لقمة الحلال وقداسة المولود

إن الشيخ أحمد بن محمد الأردبيلي المقدس هو نتاج ودع الوالد وتقوى الأم. فإن والده كان قد أكل تفاح وجدها بساقية ماء وعندما أكلها ذهب بعكس أتجاه جريان الماء بالساقية ليجد صاحب التفاح ويطلب منه براءة الذمة فوجد صاحب البستان فطلب منه براءة الذمة لكنه رفض وبعد أن أصر وافق بشرط أن يتزوج أبنته الصماء ، عمياء ، خرساء ، مشلولو الأرجل فوافق الأب وبعد دخوله على زوجته في ليلة زفافه وجد امرأة كأجمل ما تكون فأصبح بحيرة من أمره فالتي يراها لا تنطبق عليها المواصفات وعندما خرج لوالدها ليستعلم الأمر منه أخذ يفسر له صفات أبنته بأنها عمياء إذ لم تنظر الى أجنبي بريبة ، وصماء إذ لم تسمع الغيبة أو الغناء وخرساء إذ لم تكلم أجنبي ومشلولة الأرجل إذ لم تكن تخرج بالطرقات.

فكان ثمرة الزواج الشيخ الأردبيلي وعندما سئلت أمه كيف صار ولدها الشيخ بهذا المقام؟.

فأجابت : أني لم آكل في حياتي لقمة مشبوهة وقبل إرضاعي طفلي كنت مداومة على إسباغ الوضوء ولم أنظر الى رجل أجنبي بريبة قط وسعيت في تربية طفلي أن أراعي النظافة والطهارة وأن يصاحب الأولاد الصالحين.

الخاتمة

قال تعالى : (( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً )).

إن الله جل وعلا عبر عن البنون بزينة الحياة الدنيا ولكنهم يكونون الباقيات الصالحات والعمل الصالح الذي ينفعك بعد الموت كما جاء في الحديث عن رسول الله (ص وآله) قوله : (( إذا مات أبن آدم أنقطع عمله ألا من ثلاث ، ولد صالح يدعوا له ، وعلم ينفعه بعد موته ، وصدقة جارية )).

ولكي يكون الولد صالح وبار بوالديه في حياتهم ومماتهم فقد جاء في الحديث عن رسول الله (ص وآله) مضمون قوله أن الولد يكتب باراً اذا ذكر والديه بعد مماتهم حتى وإن كان عاقاً لهما في حياته.

وهذا لا يكون ما لم ننشئ الولد نشأة صالحة كما قعل الرسول (ص وآله) والسيدة الطاهرة (عليها السلام) وسيرة السيدة فاطمة الزهراء (ع) هي الدليل والمنهاج الصحيح للتربية السليمة وصناعة الغطاء كالعلماء الأعلام.

قائمة المصادر والمراجع

أولاً : القرآن الكريم.

ثانياً : قائمة المصادر والمراجع.

  1. الأنس في ليلة العرس. ت/ د. السيد محسن النوري الموسوي ، الطبعة الثانية 1430هـ-2009م.

  2. جعفر بن أبي طالب ودوره في الدعوة الإسلامية ، ت/ جعفر حسين فليح حنوش ، الطبعة الأولى ، بيروت 1430هـ-2009م.

  3. الطفل بين الوراثة والتربية ، ت/ محمد تقي فلسفي ، الطبعة الأولى 1382هـ-2003م.

  4. عبقرية مبكرة لأطفالنا ، ت/د. توفيق بو خفر ،الطبعة الثانية 1429هـ-2008م.

  5. كيف تسعد حياتك الزوجية ، ت/ السيد هادي المدرسي.

  6. قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ، ت/ السيد محمد حسين الطباطبائي ، الطبعة الأولى 1416-1995م.

  7. مختصر تفسير الميزان ، ت/ العلامة الطباطبائي ، الطبعة الأولى 1425هـ ، مطبعة ياران.

  8. المرأة في رحاب الاسلام ، ت/ باقر شريف القرشي ، الطبعة الأولى 1426هـ-2005م ، مطبعة الظهور.

  9. المعجم المفصل لمواضيع القرآن المنزل ، ت/ محمد خليل عتياني ، الطبعة الأولى 1422هـزق مطبعة ياران.

  10. مقالات حول حقوق المرأة ، ت/ سماحة السيد محمد ضقور ، إصدار مركز الهدى ، دار المحجة البيضاء.

  11. من سيرة السيدة خديجة (ع) ، ت/ حسين الشاكري ، قم المقدسة ، دار الهجرة ، 1421هـ.

الفهرس

الموضوع

الصفحة

الإهداء

المقدمة

أ

المحور الأول

1-18

إختيار الأم

1-4

أختيار الأب

4-6

زواج اليوم وكيفية الأختيار

7-8

الحياة الزوجية وثمرة الزواج

8-9

الحمل وتأثير الأم في تكوينه

9-12

قطف الثمرة ووصول المولود

12-15

الرضاعة وإعداد الوليد

16-18

المحور الثاني

19-21

طهارة الأم عظمة للمولود

19

الرضاع يغير الطباع

19

الطفل يتأثر بأمه

20

الكلام يعمل في القلوب النقية

20

إيمان الوالد وإختيار أسم الوليد

20

لقمة الحلال وقداسة المولود

21

الخاتمة

22

قائمة المصادر والمراجع

23

الفهرس

24

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 المحتويات

 

دراسات قرآنية  في سيرة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام).

1- فاطمة الزهراء (عليها السلام) شطء الزرع /…………………

3-أثر القرآن الكريم في خطبة السيدة الزهراء (عليها السلام) الدكتورة خمائل شاكر الجمالي/جامعة بغداد.  ………………..

3-  السيدة الزهراء (عليها السلام) رؤية قرآنية قصصية /الباحثة هدى علي عبدالحسين………………..

([1] ) سورة الحج : آية (5).

([2] ) عبقرية مبكرة لأطفالنا ، ص20.

([3] ) الأنس في لية العرس (ص28).

([4] ) المصدر نفسه (ص28).

([5] ) المصدر السابق (ص25).

([6] ) عبقرية مبكرة لأطفالنا (ص20).

([7] ) بحار الأنوار : المجلسي 16/22.

([8] ) النساء ، آية (34).

([9] ) مقالات حول حقوق المرأة : ت / سماحة الشيخ محمد ضقور.

([10] ) قضايا المجتمع والأسرة والزواج : ت / السيد محمد حسين الطباطبائي.

(1 ) الأنس في ليلة العرس ص39.

([12] ) نفس المصدر ص39.

([13] ) المصدر السابق :  ص40.

([14] ) جعفر بن أبي طالب ودوره في الدعوة الإسلامية ص108.

([15] ) كيف تسعد حياتك الزوجية / السيد هادي المدرسي / ص36.

([16] ) سورة البقرة : 187.

([17] ) مختصر تفسير الميزان للطباطبائي ص42.

([18] ) الطارق ، آية 5-6-7.

([19] ) مختصر تفسير الميزان للطباطبائي ص655.

([20] ) مكارم الأخلاق ص88.

([21] ) المصدر نفسه :  ص86.

([22] ) الطفل بين الوراثة والتربية ، محمد تقي فلسفي ص88-89.

([23] ) عبقرية مبكرة لأطفالنا ، د. توفيق بو خضر ص27.

([24] ) الطفل بين الوراثة والتربية ص86.

([25] ) سورة فاطر ، آية : 43.

([26] ) غرر الحكم ودرر الكلم ، للآمدي ، ص219.

([27] ) البحار : ج60 ، ص340.

([28] ) سورة الحديد ، الآية : 22.

([29] ) الأحقاف ، آية : 15.

([30] ) عبقرية مبكرة لأطفالنا ، د. توفيق بو خضر ، ص82.

([31] ) نفس المصدر : ص82.

([32] ) سورة الكهف ، آية : 81.

([33] ) الوسائل : ج21 ، ص264.

([34] ) عبقرية مبكرة لأطفالنا ، ص82.

([35] ) عبقرية مبكرة لأطفالنا ، ص84.

([36] ) نفس المصدر ، ص86.

([37] ) نفس المصدر ، ص87.

([38] ) البقرة ، آية : 233.

([39] ) مفاتيح الجنان ، ت/ عباس القمي.

([40] ) البقرة ، آية : 233.

([41] ) عبقرية مبكرة لأطفالنا ، د. توفيق بو خضر ، ص92.

([42] ) المصدر نفسه ، ص92.

([43] ) عبقرية مبكرة لأطفالنا ، د. توفيق بو خضر ، ص93.

([44] ) المصدر نفسه ، ص94.

([45] ) المصدر نفسه.

([46] ) المصدر نفسه.

([47] ) نفس المصدر.

([48] ) المصدر نفسه ، ص100.