مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
الروابط الحجاجية في الخطبة الفدكية للسيدة الزهراء (عليها السلام) الدكتور عبدالاله عبد الواحد/جامعة الكوفة
+ = -

الروابط الحجاجية في الخطبة الفدكية للسيدة الزهراء (عليها السلام)

                                              الدكتور عبدالاله عبد الواحد/جامعة الكوفة

أولا:الإطار النظري

 الروابط الحجاجية:

ارتبط مفهوم الروابط في عدة دراسات بالمباحث النحوية والدلالية من دون النظر إلى وظيفتها الحجاجية والتداولية، إذ عدّ بعض الدراسين ((إنّ دورها لا يتجاوز الربط بين الجمل والقضايا، اما بعدها الحجاجي والتداولي فقد برز مع ديكرو في إطار صياغته للتداولية المدمجة، وهي النظرية التداولية التي تشكل جزءاً من النظرية الدلالية)) ([1])، إذ لم يغفل ديكرو وزميله في اثناء صياغتهما لـ(النظرية الحجاجية في اللغة) هذا الجانب المهم الذي يتمركز في ابنية اللغة بوصفها ظاهرة لغوية مهمة جداً لها ارتباط بطريقة مباشرة في توجيه الحجاج من خلال إحداث الانسجام داخل الخطاب، والدفع باتجاه تحقيق الاقناعي عبر استمالة المتلقي وتوجيهه نحو الغاية التي يريدها المتكلم بمعنى انها عناصر لغوية تلعب دوراً أساسياً في اتساق النص وانسجامه، وربط اجزائه شكلاً ومضموناً من اجل تحقيق الوظيفة التوجيهية الحجاجية للملفوظات([2]).

وبحسب تصور ديكرو فقد أشار شكري المبخوت إلى تنوع أشكال الربط الحجاجي، بقوله: ((إذا كانت الوجهة الحجاجية محددة بالبنية اللغوية، فأنها تبرز في مكونات ومستويات مختلفة من هذه البنية، فبعض هذه المكونات يتعلق بمجموع الجملة، أي هو عامل حجاجي في عبارة ديكرو، فيقيدها بعد ان يتم الاسناد فيها، ومن هذا النوع نجد النفي والاستثناء المفرغ والشرط والجزاء وما إلى ذلك مما يغيرّ قوة الجملة دون محتواها الخبر، ونجد مكونات أخرى ذات خصائص معجمية محددة تؤثر في التعليق النحوي، وتتوزع في مواضع متنوعة من الجملة الحجاجية اللغوية، ومن هذه الوحدات المعجمية حروف الاستئناف بمختلف معانيها، والأسوار (بعض، كل، جميع) وما اتصل بوظائف نحوية مخصوصة كحروف التقليل، أو ما تخوض لوظيفة من الوظائف مثل (قط) أو (أبداً)([3]).

ومن هنا ميّز ابو بكر العزاوي بين الروابط الحجاجية والعوامل الحجاجية ((فالروابط الحجاجية تربط بين قولين أو بين حجتين على الأصلح (أو أكثر) وتسند لكل قول دوراً محدداً داخل الاستراتيجية الحجاجية العامة))([4]).

.

كما فصّل العزاوي القول في طبيعة هذه الروابط وقسمها على أقسام هي([5]):

ــ الروابط المدرجة للحجج (حتى، بل، لكن، مع ذلك، لأن …).

ــ الروابط المدرجة للنتائج (إذن، لهذا، بالتالي …).

ــ الروابط التي تدرج حججاً قوياً (حتى، بل، لكن، لا سيما …).

ــ روابط التعارض الحجاجي (بل، لكن، مع ذلك …).

ــ روابط التساوق الحجاجي (حتى، لا سيما …).

من خلال ما سبق تبيّن ان الروابط اللغوية تسهم في انسجام الخطاب وتماسكه من خلال ربطها بين القيمة الحجاجية لقول ما وبين النتيجة، أي الربط بين قضيتين وترتيب أجزاء القول، ومنحها القوة المطلوبة بوصف هذه الاشياء حججاً في الخطاب([6]).

لقد أثرت هذه الروابط تأثيراً كبيراً في أدلجة الحجاج في الخطبة الفدكية للسيدة الزهراء عليها السلام  بالخاصية الاقناعية والتأثيرية وهذا ما سنراه في الإطار التطبيقي.

ثانياً: الإطار التطبيقي:

يعد خطاب السيدة الزهراء عليها السلام مدونة تراثية فكرية، فهو من أعرق النصوص الأدبية وأفصحها، وهذا ديدن أئمة اهل البيت عليهم السلام ومنهم الإمام الحسن عليه السلام، ومن ذلك الخطاب الثر رسائله التي تشكل مقاربة إصلاحية في الدين والدولة بنيت على أسس تبليغية على وفق مقدمات خطابية تواصلية تجاور الناس عبد بوابة الإقناع والتأثير في المتلقي، واعتماد استراتيجيات توجه عقل المخاطب وروحه وضميره بعيداً عن العنف والإكراه والمغالطة.

والخطبة الفدكية للسيدة الزهراء عليها السلام  يمكن مقاربتها حجاجياً من خلال دورها في إقناع الآخر  والتأثير فيه، فقد توافرت في هذه الرسائل مجموعة لا بأس بها من الروابط التي تميزت بفاعليتها الحجاجية، وتوجيه دلالة المحاججة، لذلك سوف نعمد في هذه الأوراق البحثية إلى إعطاء صورة مكثفة لأهم الروابط الحجاجية التي ترد في هذه الرسائل معتمدين في تقسيمها وفق ما يأتي([7]):

1ـ روابط التعارض الحجاجي.

2ـ روابط التساوق الحجاجي.

 3ـ روابط العطف الحجاجي.

1ـ روابط التعارض الحجاجي:

أ/ الرابط الحجاجي (لكن):

وهي من الأدوات النحوية التي حددها العلماء العرب لنفي كلام واثبات غيره، وهي (حرف استدارك، ومعنى الاستدراك ان تنسب حكماً لاسمها يخالف المحكوم عليه قبلها، كأنك لما أخبرت عن الأول بخبر خفت ان يتوهم من الثاني، مثل ذلك فتداركت بخبره سلباً وإن ايجاباً … ولا تقع لكن إلاّ بين متنافيين بوجه ما)([8]) ومن هذا المنطلق، فإن هذه الأداة تقيم علاقة ربط بين قولين متناقضين أو متنافيين هو من الناحية الحجاجية ربط حجاجي تداولي بين المعطى والنتيجة([9]).

وتدل الخطاطة الحجاجية الموضحة التي قدمها أصحاب النظرية الحجاجية للأداة (لكن) إلى: أن التلفظ بأقوال من نمط (أ لكن ب) يستلزم أمرين:

1ـ إن المتكلم يقدم (أ) و (ب) بوصفهما حجتين، الحجة الاولى موجهة نحو نتيجة معينة (ن)، والحجة الثانية موجهة نحو النتيجة المضادة لها أي (لا ــ ن).

2ـ إن المتكلم يقدم الحجة الثانية بوصفها الحجة الأقوى وبوصفها توجه القول أو الخطاب برمته([10]).

من هذه الخطاطة، نجد ان وظيفة (لكن) ومثلها (بل) الحجاجيتين تعمل على قلب الفرضية بين ما يتقدم الرابط وما يتبعه، فما يسبق الرابط (لكن) يتضمن حجة (أ)، (ظاهرة) تخدم نتيجة (ضمنية) متوقعة (ن)، وما بعد الرابط يتضمن حجة (ب)، (ظاهرة) تخدم نتيجة (ضمنية) مضادة (لا ــ ن) للنتيجة السابقة (ن)، وهنا يكون دور الرابط الحجاجي (لكن) في الربط بين قولين متنافيين من جانب، وإعطاء الحجة الثانية التي تأتي بعده بالقوة اللازمة التي تجعلها أقوى من الحجة الأولى التي سبقت الرابط ونتيجة لذلك فقد عمل الرابط على توجيه القول بمجمله نحو النتيجة المضادة (لا ــ ن)([11]).

وقد ورد ذكرها في الخطبة الفدكية للسيدة الزهراء عليها  السلام في قولها: (ألا وقد قلت ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم ،والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس ،ونفثة الغيظ )([12]) الذي نلحظ فيه الرابط الحجاجي (لكن) قد عمل تعارضاً حجاجياً بين ما تقدم وما تأخر عنه، فالقسم الأول الذي سبق الرابط قد تضمن حجة تخدم نتيجة ضمنية (ن) من قبيل ان السيدة الزهراء عليها السلام تخاطب (أبي قحافة) وجمع (المهاجرين والأنصار)  (انه قد قال ما قال،وأنها على معرفة بالخذلان وترك النصر الذي خالطهم ،والغدر الذي استشعرته في قلوبهم من خلال الاستعداد التام الظاهر قولا وفعلا بزعمهم بعدم أحقيتها بفدك )، اما القسم الثاني الذي جاء بعد الرابط فقد تضمن حجة تخدم نتيجة مضادة للنتيجة السابقة (لا ــ ن) أي تخدم نتيجة انهم: (يضمرون ما في النفس من الهم وغلبة الحزن بالحقد الدفين والحسد المقيت على آل البيت عليهم السلام حتى كأنهم كالمغتاظ الذي يتنفس عاليا تسكينا لحر القلب ،واطفاء لنائرة الغضب بما يبيتونه من ايديولوجيات معرفية دفينة تفصح عن مكنونات لذوات تتعكز على عقيدة كاذبة،وإيمان متأرجح بين الظاهر/الإيمان المبطن والمضمر/النفاق)،وفي كل ما سبق، مبعثه محايثة  ايدلوجية تغذّيها أدلجة تداولية راسخة .

ويمكن لنا توضيح هذه المداولة الحجاجية من خلال هذه الخطاطة البيانية الآتية:

ب ـ الرابط الحجاجي (بل):

ذكر الرماني في فحوى هذه الأداة: (هي من الحروف الهوامل ومعناها الإضراب عن الاول والايجاب للثاني)([13]) وعليه فهي من أدوات الربط التي تستعمل للإبطال والحجاج مثلها مثل (لكن) ولهذا الرابط حالان:

الأول: ان يقع بعده مفرد.

الثاني: ان يقع بعده جملة، فان وقع بعده مفرد فله حالان:

أـ إن تقدمه أمر أو ايجاب نحو: (أضرب زيداً بل عمراً) و (قام زيد بل عمرو) فانه يجعل ما قبله كالمسكوت عنه، ولا يحكم عليه بشيء ويثبت الحكم لما بعده.

ب ـ إن تقدمه نفي أو نهي نحو: (ما قام زيد بل عمرو) و (لا تضرب زيداً بل عمراً) فانه يكون لتقرير حكم الأول وجعل ضده لما بعده أي إثبات الثاني ونفي الاول.

اما إذا وقع بعد (بل) جملة، فيكون معنى الاضراب:

أـ اما الابطال نحو قوله تعالى: (أم يقولون به جنّة بل جاءهم بالحق واكثرهم للحق كارهون)([14]).

ب ـ واما الانتقال من غرض إلى غرض([15]) نحو قوله تعالى: (قد أفلح من تزكى، وذكر اسم ربه فصلّى، بل تؤثرون الحياة الدنيا)([16]).

ومما تقدم يتضح ان (بل) تعمل عمل (لكن) في المنحى الحجاجي الذي يصفها بالاستدراك والتوكيد والقصر والاضراب والإبطال([17]).

ونجد حجاجية (بل) في قول السيدة الزهراء عليها السلام وهي تخاطب أبا بكر: (سبحان الله ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كتاب الله صادفا ، ولا لأحكامه مخالفا،بل كان يتبع أثره)([18]) إن (بل) الواردة في المثال هي من النمط الحجاجي الذي أفاد التوكيد فقد توسطت بين حجتين فيما تقدمها كان منفياً (ما كان) في حين جاءت الحجة التي تلتها مثبتة (كان) وبذلك يكون الرابط قد أقام علاقة حجاجية بين نفي احتمال (ان يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كتاب الله صادفا ، ولأحكامه مخالفا ) وبين اثبات حقيقة الإتباع/ اقتفاء أثر القرآن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذ ان الإتباع/ اقتفاء أثر القرآن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنظور المضمر عند أبي بكر ـ فدك لا تورث ــ بينما هي في المنظور الحجاجي المؤكد بنتيجة مضادة (لا ــ ن) ان تكون/ فدك إرثا للسيدة الزهراء عليها السلام  في المنظور الظاهر بدلالة الإتباع/ اقتفاء أثر القرآن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

ومنه قولها عليها السلام مخاطبة أبي بكر: (معاشر الناس المسرعة الى قيل الباطل،المغضية على الفعل القبيح الخاسر”أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها”، كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم ،فأخذ بسمعكم وأبصاركم )([19]).

فـ(بل) هنا دلّت على التوكيد، فقد توسطت بين حجتين فيما تقدمها كان منفياً بدلالة الآية(أفلا يتدبرون) في حين جاءت الحجة الثانية مثبتة (ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم ،فأخذ بسمعكم وأبصاركم ) وبذلك أقام الرابط علاقة حجاجية قائمة على مسألة خلقية متجذرة في ذوات عقدية واهمة (أبو بكر وحشد المهاجرين والأنصار) فكان الفضاء العلائقي الحجاجي   يمثل جوهر الآية اذ روي عن الإمام الصادق والكاظم عليهما السلام أن المعنى:أفلا يتدبرون القرآن فيقضى بما عليهم بالحق ؟ وتنكير القلوب لإرادة قلوب هؤلاء ومن كان مثلهم من غيرهم ([20]) فكانت الحمولات الثقافية عند أبي بكر وحشد المهاجرين والأنصار تمثل طبعهم الذي غلب على قلوبهم ،ومشكلة نسقهم العقدي خلال مسيرة حياتهم .

2ـ روابط التساوق الحجاجي:

الرابط الحجاجي (حتى):

يبرز الرابط الحجاجي (حتى) كعلامة حجاجية فارقة، ويكتسب هذا الرابط أهميته من علاقته الواضحة والقوية مع المعنى الضمني والمضمر، إذ ان دورها لا يقتصر على إضافة معلومة جديدة إلى سياق الجملة كما لو تقول: (جاء زيد) فتكون (حتى زيد جاء) إذا كان مجيء زيد غير متوقع، بل ان دور هذا الرابط يتمثل في إدراج حجة جديدة تردف الحجة التي تسبقها وتساوقها والحجتان تخدمان نتيجة واحدة لكن بدرجات متفاوتة من حيث القوة الحجاجية([21]) فتتساوق الحجتان في رفد النتيجة بالطاقة الحجاجية المؤثرة، ولكن تبقي الحجة التي يأتي بها الرابط (حتى) هي أقوى من الحجة التي سبقتها، أي ان يكون ما بعدها غاية لما قبلها، ولذا أقرّ ديكرو بان (الحجة المربوطة بواسطة هذا الرابط ينبغي ان تنتمي إلى فئة حجاجية واحدة، أي انها تخدم نتيجة واحدة والحجة التي ترد بعد هذا الرابط تكون هي الأقوى، لذلك فان القول المشتمل على الأداة (حتى) لا يقبل الإبطال والتعارض الحجاجي)([22]) وقد توافرت في الخطبة الفدكية للسيدة الزهراء عليها السلام الرابط حتى وهو في دلالات متعددة في مقام واحد فتستعمل للتعليل وللغاية، كما في قولها: (أيها الناس اعلموا:اني فاطمة وأبي محمد صلى الله عليه وآله…لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ،… فبلغ الرسالة،صادعا بالنذارة،مائلا عن مدرجة المشركين،ضاربا ثبجهم،…حتى انهزم الجمع وولوا الدبر،حتى تفرى الليل عن صبحه )([23]) فالرابط الحجاجي (حتى) في هذا المثال ينظر إليه من زاويتين من اجل تحقيق غايات اقناعية فمرة يقرأ من زاوية (سببية) أي ان ما قبلها علة وسبب وحجة لما بعدها فيكون مرادفاً لـ(كي) التعليلية فيكون المثال (فبلغ الرسالة،صادعا بالنذارة،مائلا عن مدرجة المشركين،ضاربا ثبجهم،…كي ينهزم الجمع ويولوا الدبر،كي يفرى الليل عن صبحه  ) وهنا يمكن ان نعد ما قبله حجة وما بعده نتيجة فالسيدة الزهراء عليها السلام تقدم حجته بان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد بلّغ رسالات الله وقام بأمره.

فضلاً عن ذلك فقد تستعمل (حتى) للغاية فتكون مترادفة لـ(إلى) فحكم ما بعدها يكون مخالف لحكم ما قبلها فيتقرر الحكم قبل (حتى) في إفادة تبليغ رسالات الله والقيام بأمره، أي تكون الحجة التي بعدها غاية لما قبلها، وهما في كل الأحوال يخدمان نتيجة واحدة، وتبقى الحجة التي ترد بعد (حتى) هي الأقوى حجاجياً.

ومن استعمالات الرابط الحجاجي (حتى) ان يكون بمعنى (الغاية) في قول السيدة الزهراء عليها السلام: (ايها بني قيلة … قاتلتم العرب ،وتحملتم الكد والتعب ، وناطحتم الأمم، وكافحتم البهم ، فلا نبرح أو تبرحون، نأمركم فتأتمرون حتى دارت بنا رحى الإسلام ،ودر حلب الأيام… فأنى حزتم بعد البيان ، وأسررتم بعد الإعلان ، ونكصتم بعد الإقدام ، وأشركتم بعد الإيمان)([24]) يتضح من هذا النص ما يأتي:

ح1: قاتلتم

ح2:تحملتم

ح3:ناطحتم

ح4:كافحتم

الرابط الحجاجي: حتى.

ح1:دارت

ح2:در

ح3.

ح4.

ح5.

هنا تخاطب السيدة الزهراء عليها السلام الأنصار(قبيلة الأوس والخزرج )وهي توازن بين نسقين لهما يمثلان واقعين متغايرين ،الأول : تمثل في بداية الدعوة الإسلامية والسعي لتثبيت أركان الدين ،وكانوا فيها مطيعين للرسول (ص)، والثاني :بعد الاستقرار الديني ،وهنا تورد السيدة الزهراء عليها السلام مجموعة من الحجج المحكمة السبك شعوريا واقناعيا قبل الرابط حتى والتي الى نتيجة متوقعة هي:الاستقرار ،ونتائجه تثبيت عرى الدين التي اتضحت بمجموعة من الحجج بعد الرابط حتى ،وما قبل الرابط وبعده يخدمان نتيجة واحدة هي :(نكوص الأنصار وخذلانهم للسيدة الزهراء عليها السلام في فدك)والنص هنا برمته يضع حدوداً دينية / أخروية ينبغي التوقف عندها لأنها متعلقة بوظيفة الرابط (حتى) في الوصول إلى الغاية وتحقيق الانسجام التداولي.

ونظيره هذا المثال :(وبعد ان مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومزدة أهل الكتاب،…قذف أخاه في لهواتها،فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه )([25])

 

4ـ روابط العطف الحجاجي:

تتسق مجموعة من الحروف ببعد حجاجي مهم من خلال ربطهما بين الحجج والنتائج والتنسيق بينهما من اجل التعليل والتفسير والتبرير، ومن هذه الروابط أحرف العطف: (ثم، الفاء، الواو) إذ انها تقوم بدور حجاجي كبير، فالملاحظ انها تقوم بالربط بين قضيتين (حجتين) لنتيجة واحدة، ووصفهما سلماً حجاجياً يُخضع هذه الحجج إلى تراتبية معينة بحسب قوتها في دعم النتيجة النهائية، فانها تسهم أيضاً في بداعة المعنى المقصود ولاسيما إذا استعمل كل حرف واستغلت وظيفته في الموضع المناسب، فذلك يزيد من الإثبات على المعنى من جهة، ويلقي على الخطاب نوعاً من التنظيم والانسجام مرة أخرى([26]) وفي هذا المورد سنحاول ان نبين عمل هذه الروابط في رسائل الامام الحسن عليه السلام، وبيان مستوى دعمها لعمل المحاججة:

أـ الرابط الحجاجي (ثم):

هي من حروف العطف التي تفيد التراخي والمهلة بين قضيتين متباعدتين، فضلاً عن إفادتها الترتيب ين الحجج، ومثالها قولها عليها السلام: (ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها،وأنشأها بلا احتذاء امثلة امتثلها كونها بقدرته،وذرأها بمشيئته،…تعبدا لبريته واعزازا لدعوته،ثم جعل الثواب على طاعته،ووضع العقاب على معصيته )([27]) فالحجج التي أقامتها السيدة الزهراء عليها السلام متتالية ومرتبة تتسق وتنسجم مع ما ينبغي ان يكون عليه العبد في اللقاء الأخروي، وقد أفادت (ثم) في إقامة هذه التراتبية في عرض الحجج وبحسب سياقاتها، وحقيقة (ثم) هنا دالة على التراخي والمهلة للربط بين المعطوف والمعطوف عليهِ، وهذه المهلة مرتبطة بالزمن الحقيقي الفعلي مقترناً بزمن نفسي مفعم بالأحاسيس التي ترتكز على الوعد والبشارة بالجنة والجزاء الأخروي.

ومنه قولها عليها السلام: (فرأى الأمم فرقا في أديانها،عكفا على نيرانها،عابدة لأوثانها،منكرة لله مع عرفانها فأنار الله بأبي محمد صلى الله عليه وىله ظلمها،وكشف عن القلوب بهمها،وجلى عن الأبصار غممها،…ثم قبضه الله إليه قبضة رأفة واختيار،ورغبة وإيثار )([28]) فنلحظ هنا ان الرابط (ثم) قد توسطت بين الأفعال للدلالة على التراخي وإعطاء المهلة، وكأن بين الأفعال المتناسقة تراخياً زمنياً مع إفادة الترتيب في إلقاء هذه الحجج.

ب ـ الرابط الحجاجي (الفاء):

من حروف العطف التي تضطلع بمهمة حجاجية، إذ إنها تربط بين النتيجة والحجة من أجل التعليل والتفسير فهي أداة ربط تفيد التعليل والاستنتاج في الخطاب الحجاجي التداولي، ومن ثم فهي تجمع بين قضيتين متباعدتين في الدلالة على التقارب بين الأحداث، فضلاً عن الدلالة على الترتيب والاتصال، وأكثر ورودها كون ما بعدها أو المعطوف بها متسبباً عما قبله([29]).

ومن أمثلتها قولها عليها السلام: (قدمه اليكم،وبقية استخلفها عليكم:كتاب الله الناطق،والقرآن الصادق،…بينة بصائره،…به تنال حجج الله المنورة،…وشرائعه المكتوبة،فجعل الله الايمان : تطهيرا لكم من الشرك،والصلاة تنزيها لكم عن الكبر،…) ([30]) فهنا نجد الرابط (الفاء) قد عمل على الترتيب والاتصال/ التسارع في تلبية الدعوى (الجعل) من دون مهلة، إذ أفادت التعقيب مباشرة خلافاً لما تفيده (ثم) من معنى التراضي فكان ما قبلها علّة وسبباً لما بعدها.

ومنها قولها عليها السلام: (وكنتم على شفا حفرة من النار،مذقة الشارب،ونهزة الطامع،…تشربون الطرق،وتقتادون القد،أذلة خاسئين،تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم،فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله )([31]) فنلحظ فيه ان (الفاء) قد ربط بين الحجة والنتيجة فكان ما بعدها من حجة قد عللت وفسرت النتيجة التي سبقت الرابط، وكان لتعاضد (الواو) معها في سياق العبارات سبيلاً لمزيد من الاتساق التداولي وأدلجة الانساق المعرفية التي كانت ثيمتها الناجعة البعد العقدي الراكز بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم وآل البيت عليهم السلام من بعده.

ومنه قولها عليها السلام: (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله،…قذف أخاه في لهواتها،فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه،ويخمد لهبها بسيفه،…تتبرصون بنا الدوائر،…وتفرون من القتال،فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه،ومأوى أصفيائه،ظهر فيكم حسكة النفاق،وسمل جلباب الدين )([32]) إذ يتمحور التعقيب الحجاجي في (الفاء) عن مغزى عقدي/ النفاق الذي يرتبط بقضايا مصيرية تتحكم فيها حيثيات معرفية تقتضي في الظاهر (الأنا ــ الإمام علي عليه السلام) الصفاء الروحي، ومراعاة مصالح الأمة الإسلامية بينما في المضمر (الآخر ــ الأنصار ) الفراغ الروحي ومراعاة المصالح الشخصية، فدلالة النتيجة المضمرة/ النكوص والخذلان للسيدة الزهراء عليها السلام في فدك واردة في علمها عليها السلام  / الغيب، لكن إرادة الواقع المألوف ضرورة للمؤتلف والمختلف/ الناس من أجل تثبيت الحقائق.

 

ج ـ الرابط الحجاجي (الواو):

يشير هذا الرابط إلى وظيفة الجمع بين قضيتين (حجتين) ويستعمل حجاجياً بوصفه رابطاً عاطفياً يعمل على ترتيب الحجج ووصل بعضها ببعضها الآخر، بل يعمل على رص الحجج وتماسكها وتقويتها، فضلاً عن التدرجية أو السلمية في ترتيب الحجج وعرضها([33]).

ومن الشواهد في نص الخطبة الفدكية للسيدة الزهراء عليها السلام ، قولها عليه السلام: (أتقولون مات محمد صلى الله عليه وآله؟فخطب جليل:استوسع وهنه،واستنهر فتقه،وانفتق رتقه، واظلمت الأرض لغيبته،وكسفت الشمس والقمر،وانتثرت النجوم لمصيبته،وأكدت الآمال،وخشعت الجبال،وأضيع الحريم،وأزيلت الحرمة عند مماته، فتلك والله النازلة الكبرى )([34]).

فالرابط الحجاجي (الواو) قام بالربط والوصل بين الحجج، وعمل ايضاً على ترتيبها، بالشكل الذي يضمن تقوية النتيجة المطروحة ودعمها، وهي (مات محمد صلى الله عليه وآله :فخطب جليل) كما عمل على حصول الترادفية في النتيجة الواحدة، وهذا الربط النسقي بين الحجج قد أضفى سلّمية تدرّجية باتجاه الحجة الأقوى بشكل أفقي، أي عكس السلم الحجاجي.

 

 

 

“ن” مات محمد صلى الله عليه وآله :فخطب جليل

ق10   استوسع وهنه

ق9     واستنهر فتقه

ق8    وانفتق رتقه

ق7     وأظلمت الأرض لغيبته

ق6    وكسفت الشمس والقمر

ق5     وانتثرت النجوم لمصيبته

ق4     وأكدت الآمال

ق2    وأضيع الحريم

ق1    وأزيلت الحرمة عند مماته

وهنا يتضح ان الحجة الأولى هي الحجة الأقوى مقارنة بالحجج التي سبقتها لخدمة النتيجة المعروضة لورودها في أعلى السلم الحجاجي.

ومن شواهد (الواو) الحجاجية، قولها عليها السلام: (أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه،في أفنيتكم،وفي ممساكم،ومصبحكم،يهتف في أفنيتكم هتافا)([35]).

فالحجج المترادفة قد اتسقت واتحدت باتجاه دعم النتيجة المطروحة وتقويتها بقوة الرابط (الواو) الذي أفاد التعليل والتبرير لمضمون النتيجة (أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه ) كما اشتغل الرابط على التراتبية، وإدراج الحجج بشكل أفقي بحيث يتضح ان الحجة الأولى هي الحجة الأقوى لخدمة النتيجة المطروحة لوقوعها في أعلى السلم الحجاجي.

“ن” أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه

ق1     في أفنيتكم

ق2     وفي ممساكم

ق3    ومصبحكم

وفي ختام هذا البحث لا بد من القول: ان ما عرضناه من روابط حجاجية من خلال الأمثلة الواردة في الخطبة الفدكية للسيدة الزهراء عليها السلام تمثل الاستعمال الحجاجي دون غيرها من الاستعمالات الأخرى.

الخاتمة

بعد أن منّ الله علينا بإنجاز البحث والنظر في الحجاج بوصفه منهجاً لتحليل الخطاب عبر بنيته وخصائصه واساليبه، وبعد ان انتهينا من اجراءات هذا المنهج في مدونة تراثية هي: رسالة الإمام الحسن عليه السلام ، لا بد لنا نمني النفس بجمع شتات بحثنا، وعرضها بشيء من التركيز بما يأتي:

ــ اعتمد المنجز النصي في خطابه على الحجاج اللغوي بوصفه ظاهرة لغوية نجدها في كل قول، وفي كل خطاب بحسب ديكرو.

ــ كشفت لنا المدونة عن بعض الآليات اللغوية الحجاجية من خلال الاعتناء بحروف الربط، وحسن اختيارها، واماكن تواجدها في النفس من اجل توجيه الكلام نحو آفاق واضحة يرومها الباث منذ البداية، وهذا ما يعرف بـ(الروابط الحجاجية).

ــ كان دور الروابط الحجاجية في سياق الكلام التأثير والاقناع، وانتقاء مواضعها في الخطاب النصي من اجل هذه الغاية، وتوصيل المقاصد الحجاجية التي يريدها، لذلك أعطت السيدة الزهراء عليها السلام هذه الروابط اللغوية دوراً كبيراً في تأدية المعنى، وانسجام الكلام لتنحصر وظيفتها الحجاجية داخل اللغة مما يمنح الخطاب دفعاً قوياً ومؤثراً.

ثبت المصادر والمراجع

القرآن الكريم

ـ الاحتجاج الشيخ الطبرسي (ت 548هـ) تحقيق : محمد باقر الخرسان ، دار النعمان للطباعة والنشر ، النجف الأشرف 1386هـ ـــ 1966م.

ـ أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطوا إلى اليوم، د. حمادي صمود، ط1، منشورات كلية الآداب، منوبة، تونس 1998م.

ـ الإيضاح، الفضل بن شاذان الأزدي (ت260هـ) تحقيق: جلال الدين الحسيني ط1، مؤسسة انتشارات، طهران 1351هـ.

ـ الجنى الداني في حروف المعاني، تحقيق: فخر الدين قباوة ومحمد نديم فاضل، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان 1413هـ ـ 1992م.

ـ الحجاج في كتاب المثل السائر لابن الأثير، يعمرانن نعيمة (رسالة ماجستير) كلية الآداب واللغات، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، الجزائر 2012م.

ـ رسائل الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة ـ دراسة حجاجيةـ، رائد مجيد جبار الزبيدي (اطروحة دكتوراه) كلية الآداب، جامعة البصرة 1434هـ ـ 2013م.

ـ اللغة والحجاج، ابو بكر العزاوي، ط1،العمدة في الطبع، المغرب 2006م.

ـ معالم لدراسة تداولية حجاجية للخطاب الصحافي الجزائري المكتوب ما بين 1989م ــ 2000م، عمر بلمخير، (اطروحة دكتوراه) كلية الآداب واللغات، جامعة الجزائر، 2005م ـ 2006م.

ـ معاني الحروف، الرماني (ابو الحسن علي بن عيسى) تحقيق وتقديم: عبد الفتاح اسماعيل شلبي، ط3، دار الشروق، جدة 1984م.

 

([1])معالم لدراسة تداولية حجاجية للخطاب الصحافي: 191.

([2])ينظر: رسائل الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة ــ دراسة حجاجية ــ: 93 ـ 94.

([3])ينظر: نظرية الجاج في اللغة ضمن كتاب (اهم نظريات الحجاج): 377.

([4])الحجاج في اللغة: 14.

([5])ينظر: الحجاج في اللغة: 65.

([6])ينظر: رسائل الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة ــ دراسة حجاجية ــ: 98.

([7])ينظر: رسائل الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة. دراسة حجاجية: 98.

([8]) الجنى الداني في حروف المعاني: 591.

([9]) ينظر: رسائل الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة ــ دراسة حجاجية ــ : 99.

([10]) ينظر: اللغة والحجاج: 58.

([11]) ينظر: رسائل الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة ــ دراسة حجاجية ــ: 99.

([12])  الاحتجاج : 1/141 .

([13]) معاني الحروف: 71.

([14]) المؤمنون: 70.

([15]) ينظر: اللغة والحجاج: 61.

([16]) الاعلى: 14 ــ 16.

([17]) ينظر: رسائل الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة ــ دراسة حجاجية ــ: 105.

([18]) الاحتجاج:1/144.

([19]) المصدر نفسه : 1/144.

[20]) ) الاحتجاج:1/هامش صفحة 140.

([21]) ينظر: اللغة والحجاج: 27.

([22]) المرجع نفسه: 73.

([23])الاحتجاج:1/144.

([24])الاحتجاج:1/144

[25])) الاحتجاج:1/136.

([26]) ينظر: الحجاج في كتاب المثل السائر (رسالة ماجستير): 93.

([27])الاحتجاج:1/133.

([28])  الاحتجاج:1/135.

([29]) ينظر: رسائل الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة ــ دراسة حجاجية ــ: 124.

([30])الاحتجاج:1/135

([31])  الاحتجاج:1/136

([32])الاحتجاج:1/136

([33]) ينظر: رسائل الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة ــ دراسة حجاجية: 123.

([34])  الاحتجاج:1/139

([35])  الاحتجاج:1/139