الندوة الخامسة ..الباحث الثاني : ا م د مصطفى جواد عباس. كلية التربية.
الباحث الثاني : ا م د مصطفى جواد عباس. كلية التربية.
السلام على الصديقة الطاهرة ، السلام على الزهراء البتول ، السلام على بضعة الرسول ، السلام على الحوراء الإنسية ، السلام عليك وعلى أبيك ،وبعلك وولدك الأئمة الراشدين ، عليك وعليهم السلام ورحمة الله وبركاته.
في البدء لابد من كلمة شكر وعرفان للقائمين على مركز الدراسات الفاطمية واخص بالذكر الشيخ الدكتور ثائر العقيلي اذ يشرفني أن أشاهد وأتلمس هذا الجهد الذي يبذله القائمين على هذا المركز المبارك في خدمة الثقافة والمجتمع من خلال نشر سيرة السيدة فاطمة للزهراء (عليها السلام ) … فكل الشكر للجهود المبذولة .
الكل يعلم ان القران الكريم دستور المسلمين الذي تستمد منه أسس ونظم الحياة وعلى جميع الأصعدة ، اما السيرة النبوية فهي الشرح والتطبيق العملي لما جاء في القران الكريم الذي نزل على نبينا المصطفى (ص) على مدى (23) عاما . فأصبحت معرفة السيرة النبوية ضرورة لمعرفة الدين الحق كما أراده الباري عز وجل إذ جاء في كتاب الله العزيز: (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر وذكر الله كثير)) ، لذا ان معرفة السيرة النبوية في كل أحوالها وظروفها امرأ أساسيا في فهم الكثير من الآيات القرآنية وموقف الإسلام من بعض الحوادث .
ويمكن ان نتبين أهمية التركيز علة معرفة السيرة النبوية من قول الإمام علي بن الحسين (ع) الذي أشار قائلا : (( كنا نعلم مغازي رسول الله كما نعلم الآية من القران)). ويبدو أن أهمية معرفى السيرة النبوية أصبح امرأ متلازما مع معرفة سيرة الرسول محمد (ص) سواء قبل البعثة او بعدها ، والبعض امتد في الدراسة ليشمل دراسة أجداده (ص) كمقدمة لدراسة السيرة النبوية المطهرة ومن خلال دراسة السيرة ، نلاحظ ان النبي الأكرم (ص) قد أشار من خلال بعض الحوادث والمناسبات إلى ضرورة اخذ الدين و العلم والمعرفة بعده من طرق حددها مسبقا هما القران الكريم وأهل البيت (عليهم السلام) بقوله : (( أني مخلف فيكم الثقلين ما ان تمسكتم يهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)). وأضاف (ص) في حق أهل البيت (عليهم السلام) على سبيل المثال لا الحصر قوله في أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) ” يا عمار فان سلك الناس واديا وسلك علي واديا فاسلك وادي علي وخل عن الناس ، يا عمار ان عليا لا يردك عن هدى ، ولا يدلك الى ردى يا عمار طاعة علي طاعتي وطاعتي طاعة الله عز وجل ” ، وقوله في فاطمة الزهراء (عليها السلام) ” فاطمة بضعة مني فمن اغضبها اغضبني ” ، وقوله في الحسن والحسين (عليهما السلام) ” سيدا شباب اهل الجنة الحسن والحسين وأبوهما خير منهما ” ، وقوله (ص) ” النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي وأولادي أمان لأمتي وقوله (ص) ” مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها زج في النار ” .
فالملاحظ إلى الأحاديث السالفة الذكر يرى ان الأحاديث النبوية تشير إلى تلازم بين القران وأهل البيت (عليهم السلام) ويمكن ان نستشف هذه التلازمية بينهما من خلال ما دار بين معاوية بن أبي سفيان وابن عباس من نقاش فقد ورد ان معاوية قال لابن عباس : ” كتبنا في الأفاق ننهى عن ذكر مناقب علي فكف لسانك ،قال: افتنهانا عن قراءة القران ، قال: لا قال: فعن تأويله قال: نعم قال : افنقرأه ولا نسال عن ما عنى الله به قال: نعم قال: فأيهما أوجب قراءة القران او العمل به قال: العمل به أوجب قال: فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما انزل علينا قال: يسال عن ذلك من يتاوله على غير ما تتاوله انت وأهل بيتك قال: انما نزل القران على اهل بيتي فاسأل عنه ال ابي سفيان وال ابي معيط واليهود والنصارى والمجوس قال: فقد عدلتني بهولاء قال: لعمري ما أعدلك بهم الا اذا نهيت الأمة ان يعبدوا الله بالقران وبما فيه من أمر ونهي او حلال وحرام او ناسخ او منسوخ او عام او خاص او محكم او متشابه ” .
ومن خلال هذه الإشارات يمكن ان نقول ان معرفة سيرة أئمة أهل البيت (ع) من الأهمية بمكان لا تقل عن معرفة سيرة النبي الأكرم محمد (ص) على اعتبار انهم (ع) الامتداد الطبيعي لرسول الله (ص) والذي أكد على أنهم (ع) أركان الهدايا . ولعل من ابرز أركان الهدايا السيدة فاطمة الزهراء (ع) بنت الرسول وزوج الوصي وام السبطين (ع) . ومن الملاحظ أيضا ان سيرتهم (ع) قد تناولها علماء المسلمين وغير المسلمين بالدراسة والتمحيص لما لهما من مكانه في إضفاء الشرعية في اتخاذ بعض القرارات او تبريرها او سن بعض القوانين ، مستندين على ما جاء في سيرتهم (ع) .
ولعل من ابرز الأمور الإشكالية ورود حديث عن السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) انها قالت في إجابة عن تسال طرح ؟ أي شيء خير للمرأة قالت ” ان ترى رجلا ولا يراها رجل ” ، وقد اتخذ البعض منه ومن غيره من أحاديث سندا تاريخيا وشرعيا في عدم خروج المرأة لممارسة دورها في المجتمع ، الأمر الذي دفع غير المسلمين إلى اتهام الإسلام كدين بأنه أداة تعطيل للحياة وسببا في انتهاك الحقوق وبخاصة المرأة وسنحاول مناقشة هذا الحديث الشائع التداول من خلال استعراض لبعض من سيرة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مبتعدين عن مناقشة كون الحديث صحيح من عدمه لاختلاف مذاهب المؤرخين وعلماء الجرح والتعديل في ضابطة الحكم على الأحاديث الواردة عن النبي الأكرم (ص) وأهل بيته الأطهار (عليها السلام) .
ولعل ابرز وأوضح موقف تاريخي سلطت عليه الأضواء من سيرتها العطرة (ع) خطبتها الفدكية الأولى في المسجد النبوي اذ جاء في الرواية التاريخية أنها بعد أصر القوم على ترك وصية رسول الله (ص) واخذ البيعة من أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) للخليفة الأول ، وأخذه (عليها السلام) من منزله عنوه ، أنها اي السيدة فاطمة الزهراء (ع) ” لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها وأقبلت في لمه في حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (ص) حتى دخلت على ابي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة …”
فلو تمعنا في النص الوارد وحاولنا تفكيكه لوجدناها (عليها السلام) تخرج من دارها متجه الى المسجد النبوي المليئ بالمهاجرين والأنصار وغيرهم بعد ان ” لاتت خمارها ” ، والخمار ” المقنعة ، واختمرت المراة وتخمرت اذا تقنعت بالخمار ” وقيل الخمار ” هو اللفاع يستر راس المرأة وصدرها ” ، والتلفع ” هو ان يشتمل الإنسان بالثوب حتى يجلل جسده وهذا اشتمال الصماء عند العرب لان لا يرفع جانبا منه فتكون فرجه ” ، وقد ورد ان ” نساء المؤمنين كن يشهدن مع رسول الله (ص) الصبح ثم يرجعن متلفعات بمروطهن ما يعرفن اي متجللات بأكسيتهن ” ، ويبدو ان هذا اللباس كان منتشرا بين نساء المسلمين من المهاجرين والأنصار بدلالة النص السابق. ولو جئنا الى الشق الثاني من النص الوارد عن الزهراء (عليها السلام) ” واشتملت بجلبابها ” ، إذا هي بعد أن لاثت خمارها اشتملت بجلبابها ، والجلباب ” مفردة تجمع على جلابيب ” ” وجلباب المرأة ملاءتها التي تشتمل بها وهو ثوب اوسع من الخمار دون الرداء تغطي به المرأة رأسها وصدرها “. وبذلك يبدو أنها (ع) بعد أن لاثت خمارها اي غطت رأسها وصدرها بالخمار وضعت عليها جلباب بحيث شمل هذا الثوب ألراس وجميع الجسم ومن ثم خرجت ليس لوحدها حسب النص بل ” بلمه من حفدتها ونساء قومها ” والذي يمكن عده حجابا ثالثا ، وتستمر الرواية وتصف هيأة الزهراء (عليها السلام) أنها تطأ ذيولها ، وربما هي إشارة إلى أن الجلباب الذي تضعه يغطي الجسم بكافته لدرجة انها كانت تطأه ويستمر النص بسرد الحادثة إلى ان وصلت الى المسجد حيث تجمهر الناس فوضعت ” دونها ملاءة ” أي ضرب بينها وبين القوم ستر وحجاب .
ولو عدنا بالتاريخ قبل هذه الحادثة في ذكر سيرتها العطرة (عليها السلام) لوجدناها قد خرجت في مناسبات عدة لتأدية دورها الايجابي وعدم الانضواء داخل البيت كي ” لا ترى رجلا ولا يراها رجل” فقد ورد ان لها دورا ومشاركة في معركة احد حيث قامت بتطبيب جراح النبي (ص) بعد المعركة اذ ورد ” انه لما انتهت فاطمة وصفية الى رسول الله( صلى الله عليه واله) وسلم ونظرتا اليه قال صلى الله عليه واله وسلم لعلي أما عمتي فاحبسها عني واما فاطمة فدعها ” ، وورد أيضا انها عنما كان المسلمون منشغلين بحفر الخندق والرسول محمد (ص) معهم استعدادا للمعركة حملت الطعام لرسول الله (ص) اذ ” جاءت بكسرة خبز ” ، وعندما نقضت قريش صلح الحديبية بعثوا ابو سفيان الى المدينة ليكلم رسول الله (ص) بتجديد الصلح فلم يستقبله الرسول ، فتوجه الى طلب المعونة من بعض الصحابة ليعينوه بذلك لكن دون جدوى ، ثم توجه الى بيت الإمام علي بن ابي طالب وطلب إجارته في ان يكلم الرسول (ص) الا ان الإمام رفض بقوله ” لقد عزم رسول الله على أمر ما تستطيع ان تكلمه ” ، فالتفت الى فاطمة الزهراء (عليها السلام) فقال : ” أجيري بين الناس ” فأبت عليه فقال : “هل لك ات تآمري ابنك هذا فيجير بين الناس ” ، وهناك من أشار الى انها (عليها السلام) كانت برفقة رسول الله (ص) والمسلمين في فتح مكة .
هذه الحوادث والشواهد التاريخية تشير إلى ان الزهراء (عليها السلام) كانت موجودة ومشاركة في أحداث كانت تعد مصيرية في تاريخ الإسلام ولم يمنعها الحجاب او ما نقل عنها من عدم اخذ دورها ، وبالتالي من خلال هذا النزر اليسير من سيرتها العطرة يمكن ان نقول ان صح ما ورد عنها من حديث موضوع البحث الا انه لا يعني الانطواء والركون الى السلبية وعدم المساهمة من قبل المرأة والدليل خروج الزهراء( عليها السلام) فيمكن للمرأة الحفاظ على حجابها والقيام بدورها انطلاقا مسيرة سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام).