مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
البحث الفائز الثاني في المسابقة البحثية السنوية الثانية/ الزهراء (عليها السلام) البنت التي أصبحت ام أبيها بقلم الباحث الدكتور فاضل عبد العباس محمد
+ = -

 الزهراء (عليها السلام) البنت التي أصبحت ام أبيها

  بقلم الباحث  الدكتور فاضل عبد العباس محمد

 إنّ دراسة سيرة أهل البيت (عليهم السلام) تُعدُّ إحدى اللبنات الأساسية لسلّم البناء العقائدي والفكري والسياسي والاجتماعي الذي ارتضاه الإسلام منهجاً لتقويم العقيدة وتنظيم السلوك والسير باتجاه حركة التكامل الإنساني المطلوب على صعيد الفرد والمجتمع، وذلك بما خُصّوا به من فضل عظيم، وما أحرزوه من مكانة متميزة في تاريخ الإسلام يدفعنا نحو استجلاء معالم تلك السيرة، والتعاطي مع دلالتها المتواصلة مع مسيرة الحياة بما تحمله من متطلبات ومستجدات، لأنها تحدد الرؤية الأسلم والصيغة الأكمل لفهم الإسلام وتجسيده بأصوله وأركانه وفروعه وعلى كافة المستويات، فهم عيش العلم وموت الجهل، ويخبرك حِلمهم عن علمهم، وصمتهم عن حُكم منطقهم، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه، فهم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق في نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، بهم هدايتنا من الظلماء، وهُم سرّ جدّهم المصطفى ، فكانوا قدوةً المسلمين وروّاد الحركة الإصلاحية والتغيرية في المسيرة الإسلاميّة، وكان لهم مقامهم الكريم ودورهم السامي عند الفقهاء والمفسّرين والرواة والمؤرخّين والأُدباء والشعراء، وعند العابدين والزاهدين والأولياء .

والزهراء )عليها السلام( سيدة نساء العالمين، بضعة المصطفى الأمين  وسيدة أهل بيت المعصومين، وهي أصغر بنات رسول الله وأحبهن إليه، وتمثّل النموذج الأكمل والمثل الأعلى الذي أرادته الرسالة الإلهية للمرأة المسلمة سلوكاً ومنهجاً، سواء على صعيد حياتها الشخصية بما تحمله من أسرار العظمة المتجسِّدة في روحانيتها وعفَّتها وعبادتها وزهدها وعلمها، أو على صعيد حركتها في واقع الحياة، وما تشتمل عليه من جهاد مرير، وصبر مستمدٍّ من قوة الإيمان وشدَّة الإخلاص، والمواقف الصلبة في الحفاظ على المفهوم الأصيل لقيادة الأمّة بعد الرسول  .

والزهراء (عليها السلام) المثل الأعلى الذي قدّمته الرسالة الإلهية للمرأة، فقد صاغتها يد العناية الربانية أيّة صياغة لتكون قدوةً للحياة الكريمة، وأسوة للفضائل والقيم الإنسانية، فهي نسخة ناطقة بتعاليم الوحي الإلهي، صدّيقة لا تفعل غير الحق، ولا تتبع سوى الهدى، فضلاً عن معرفة حقوق المرأة وواجباتها ومدى فاعليتها في الإسهام ببناء المجتمع وتطويره، حتى قال تعالى في حقها: (يا أحمد، لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما) .

وللزهراء (عليها السلام) موقف  بعد وفاة أبيها المصطفى  يشتمل على دلالاتٍ وأبعادٍ سياسية خطيرة حرية بالبحث والدراسة لأنها تستوعب قسماً مهماً من الأحداث والملابسات السياسية والاجتماعية التي تفاعلت في داخل الساحة الإسلامية في أخطر مراحل المسيرة التاريخية للأمة، والتي شكَّلت المخاض العسير الذي أنجب أخطر المعطيات السياسية والاجتماعية بعد رحيل الرسول    إلى رحمة ربِّه ورضوانه .

ومن هنا فإنّ دراسة حياة الزهراء (عليها السلام) تعني دراسة حياة امرأة كل سيرتها للهداية والصلاح والرشاد، لأنها سيدة النساء، العالمة المعصومة المتفانية في سبيل الله، والقدوة الصالحة لنساء الأمّة، والمثل الأعلى لكلِّ قيم العزِّ والعظمة والشرف والطهارة، رغم المعاناة وقسوة ظروف الزمان وشدَّتها، فلابد إذن من استلهام الدروس واستجلاء العبر من سيرة الزهراء (عليها السلام) لتسهم في إعداد المرأة وتربيتها ومعرفة حقوقها وواجباتها وبناء كيانها ورقيها، ودفعها باتجاه تربية جيل تتمثل به القيم الأخلاقية ومبادئ العقيدة الحقَّة .

ويقول الأستاذ العقاد: في كلِّ دين صورة للأنوثة الكاملة المقدسة، يتخشع بتقديسها المؤمنون، كأنما هي آية الله فيما خلق من ذكرٍ وأنثى، فإذا تقدست في المسيحية صورة مريم العذراء، ففي الإسلام لا جَرَم تتقدّس صورة فاطمة البتول .

هدف البحث

يهدف البحث إلى إبراز وتبيان المنزلة العظيمة والدور الريادي للزهراء (عليها السلام) في نصرة الحق الإلهي عن طريق وقوفها ضد المارقين ومغتصبي الخلافة ومن أراد السوء بالدين والمسلمين، فضلاً عن معرفة حقوق المرأة وواجباتها، ومدى فاعليتها في الإسهام ببناء المجتمع وتطويره .

مشكلة البحث

تكمن مشكلة البحث بأن الاقتداء بسيدة نساء العالمين ستساعد في بناء المجتمعات؛  وذلك من خلال دورها المهم بصفتها الأم والأخت والزوجة .

فرضية البحث

أن فساد المرأة بصفتها النصف الآخر للمجتمع، سيكون سبباً في إفساد بُنّيَة الأسرة وانحراف المجتمع .

أهمية البحث

تكمن أهمية البحث في الآتي :

  1. التعريف بدور الزهراء (عليها السلام) للعالم أجمع، بالأخص الجيل الجديد .

  2. بيان السيرة العطرة للزهراء ومظلوميتها للعالم اجمع، لكي تتجلى أمام العالم القيم الأخلاقية لأهل البيت (عليهم السلام) بصفتهم حاملي الرسالة السماوية والمحافظين عليها، وبالتالي التمسك بهم للوصول إلى كمال الإنسان ورضوان الباري سبحانه وتعالى .

  3. إبراز دور المرأة داخل الأسرة، من خلال ما جسدته الزهراء (عليها السلام) من قناعة ورضاً وتواضع داخل أسرتها .

  4. إبراز الدور الريادي للمرأة المسلمة، والذي لا يقل أهمية عن دور الرجل في الحفاظ الدين؛ من أجل تماسك المجتمع وعدم التفريق بين مكوناته، وكذلك بين الحاكم والمحكوم .

  5. الوقوف بحزم ودون تهاون ضد الأشرار والمارقين، والحفاظ على للثروات والتوزيع العادل لها، وتغليب المنفعة العامة على الخاصة تأسياً بالسيدة الزهراء (عليها السلام) .

المبحث الأول

سيرة الزهراء (عليها السلام) الحورية الإنسية منذ بداية خلقتها

المقدمة

إنّ دراسة سيرة أهل البيت (عليهم السلام) تُعدُّ إحدى اللبنات الأساسية لسلّم البناء العقائدي والفكري والسياسي والاجتماعي الذي ارتضاه الإسلام منهجاً لتقويم العقيدة وتنظيم السلوك والسير باتجاه حركة التكامل الإنساني المطلوب على صعيد الفرد والمجتمع، وذلك بما خُصّوا به من فضل عظيم، وما أحرزوه من مكانة متميزة في تاريخ الإسلام يدفعنا نحو استجلاء معالم تلك السيرة، والتعاطي مع دلالتها المتواصلة مع مسيرة الحياة بما تحمله من متطلبات ومستجدات، لأنها تحدد الرؤية الأسلم والصيغة الأكمل لفهم الإسلام وتجسيده بأصوله وأركانه وفروعه وعلى كافة المستويات، فهم عيش العلم وموت الجهل، ويخبرك حِلمهم عن علمهم، وصمتهم عن حُكم منطقهم، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه، فهم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق في نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، بهم هدايتنا من الظلماء، وهُم سرّ جدّهم المصطفى ([1])، فكانوا قدوةً المسلمين وروّاد الحركة الإصلاحية والتغيرية في المسيرة الإسلاميّة، وكان لهم مقامهم الكريم ودورهم السامي عند الفقهاء والمفسّرين والرواة والمؤرخّين والأُدباء والشعراء، وعند العابدين والزاهدين والأولياء ([2]) .

وتكمن قوة أي مجتمع أو أمة في قوة المرأة الواعية والمتصدية لدورها، فهي المسؤولة عن الأسرة، والإنسان الحر والمجتمع الناهض والأمة القوية، فالمرأة الواعية، والقوية بمواقفها، والمتمسكة بحقوقها وحقوق زوجها وأبنائها، حريصة على تربية أبنائها على العلم والمعرفة، ومقاومة الاستبداد والفساد، وإظهار الغضب الرافض للسلطات المستبدة كأضعف الطرق لمواجهة الظلم -بلا استسلام ولا تتنازل- تصبح قوة مؤثرة تهز عروش الظالمين، وتشكل مصدراً خطيراً على السلطات المستبدة والمفسدة، ولهذا تعمل تلك السلطات على محاربتها بشتى الوسائل([3]) .

فمن ثمر الجنة كانت بداية التكوين، وعن الإمام الرضا  قال، قال رسول الله : (عندما أخذ جبريل ملك السماء بيد محمد خير خلق الله في الأرض والعلياء إلى جنة الرحمن، ناوله ذلك الرطب، فما بات إلى أن تحولت إلى نطفة في صلب الرسول، وعندما هبط تحولت نطفة الرسول إلى رحم خديجة، فولدت فاطمة بعيداً عن أجواء الدنيا، وبعيداً عن المادة، فكانت فاطمة حوراء إنسية)، يقول أبو الزهراء : (كلما اشتقت إلى رائحة الجنة، شممت رائحة أبنتي فاطمة)( [4]) .

والزهراء (عليها السلام) المثَّل الأعلى الذي قدّمتهُ الرسالة الإلهية للمرأة، فقد صاغتها يد العناية الربانية أيّة صياغة لتكون قدوةً للحياةِ الكريمة، وأسوة للفضائل والقيم الإنسانية، فهي نسخة ناطقة بتعاليم الوحي الإلهي، صدّيقة لا تفعل غير الحق، ولا تتبع سوى الهدى، نتعلم منها حقوق المرأة وواجباتها، ومدى فاعليتها في الإسهام ببناء المجتمع وتطويره فكراً ونهجاً وسلوكاً)[5]( ، وهي أصغر بنات رسول الله وأحبهن إليه، وقد تحدث عنها، فقال: (إنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها)([6]) .

ويقول في حقها الأستاذ العقاد: في كلِّ دين صورة للأنوثة الكاملة المقدسة، يخشع بتقديسها المؤمنون، كأنما هي آية الله فيما خلق من ذكرٍ وأنثى، فإذا تقدست في المسيحية صورة مريم العذراء، ففي الإسلام لا جَرَم تتقدّس صورة فاطمة البتول([7]) .

ومن البديهي أنّ الزهراء تعلّمت في دار أبوَيها ما لم تتعلّمه طفلة غيرها في مكّة، بل وفي الدنيا كلّها، وصدقت أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة (رضي الله عنها)، حيث تقول: (تزوّجني رسول الله  وفوّض أمر ابنته إليّ فكنت أؤدبها وأدلّها، وكانت والله آدب منّي، وأعرف بالأشياء كلّها)([8]) .

لقد كانت ولا زالت فاطمة (عليها السلام) تتألق عبر الزمن، وعُرفت بالعلم الغزير، والمعرفة العميقة، والثقافة الواسعة، والبصيرة الثاقبة، إذ كانت تتلقى العلوم والمعارف الإسلامية من أبيها رسول الله  مباشرة، ومن باب مدينة العلم زوجها الإمام علي بن أبي طالب ([9])، وكان نور وجهها مصدر راحته، وقال  : (كنت إذا نظرت إليها انجلت عني الهموم والأحزان)، وكانت عالمة بالإسلام وأحكامه ومفاهيمه وأخلاقه وآدابه، فهي قامة علمية شامخة .

ولا شك إنّ ركائز الفرد الروحية والأخلاقية تستند إلى بوادر تربيته وبيئته وبيته الذي نشأ فيه، فكان منبت الصديقة الزهراء (عليها السلام) في أول بيت حمل لواء الإسلام ونشر راية التوحيد ونادى بمكارم الأخلاق، وهو البيت الذي وصفه أمير المؤمنين  في خطبته القاصعة: (ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله  وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوة …) .

إن المرأة منبع السعادة والأنس والسرور.. لذا فإن لتدمير أي مجتمع لابد من تحطيم الأسرة من خلال استهداف المرأة (لأنها نصف المجتمع وتربى نصفه الآخر)، تارة باسم الدين والعادات، وتارة باسم الثقافة الحديثة التي ترتكز على الماديات والموضة متأرجحةً بين الإفراط والتفريط؛ فلن تتمكن المرأة من الحصول على حقوقها إلا من خلال استلهام الدروس والعبرة من السيرة العطرة لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) لأنها أنموذجاً وقدوة في حياتها، وفي تربيتها لأسرتها والمطالبة بحقوقها، وتتميز بالنضال والتضحية لمواجهة التحديات والفساد، فضلاً عن مقاومة الجهل والظلم؛ ولا يخلو الكلام -هنا- عن التحدّث عن المرأة في الإسلام بصفتها إنسانة يُسمح لها بالعمل في الحقل الاجتماعي، ولكن في إطار محدود بحدود الدين والعفّة، ويتَّضح – ضمناً – أنّ الإسلام لا يحرم المرأة عن العلم والثقافة والأدب والمعرفة، ولكن في إطار الابتعاد عن التبرّج والاستهتار والاختلاط.. وما شابه ذلك ممّا يسبّب الويلات على المرأة المسكينة ويدمِّر كيانها([10]) .

فما أحوجنا ونحن نعيش في عالمٍ يغرق بالمادة، وتتساقط فيه المثل والقيم العليا، أن تَتَعرف نساؤنا المسلمات على القدوة المثلى والأسوة الحسنة للنساء في الإسلام، وأن يقتدين بسيرتها، ويستلهمن منها دروس الحياة لتربية الأجيال وتوجيهها لما فيه الهداية الصلاح لمستقبل البشرية الأمة، قال أبا الزهراء  : (لو كان الحُسن شخصاً لكان فاطمة، بل هي أعظم، فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً)([11]) .

فلا شك أن الزهراء (عليها السلام) تؤكد أن أساليب العقيدة الإيمانية لها دور في مواجهة المصائب والأزمات والضغوط النفسية من حيث إنها تخفف من نفوس معتنقيها من الآلام والجراح النفسية التي يتعرضون لها فيكونون في مواجهة المصائب العظمى([12])؛ لاسيما أنها أرادت من ذلك أن تلفت نظر الإنسان المسلم إلى المصيبة العظمى وهي مصيبته في دينه.. مما يهون ويصغر في نفسه المصائب الدنيوية الصغيرة، وهي حالة بارعة للتعامل مع الضغوط النفسية وامتصاصها، وهذا ما تجسد في تربيتها للإمام الحسين  عندما وقف موقفاً بطولياً عند مصيبته، حين قال: (الحمد لله الذي لم يجعل مصيبتي في ديني، والحمد لله الذي لو شاء أن يجعل مصيبتي أعظم مما كانت، والحمد لله على الأمر الذي شاء أن يكون فكان)([13]) .

وهنا نجزم بأنه ليس هنالك قانون أو نظام في العالم يحافظ على حرمة المرأة وكيانها وشرفها أكثر من محافظة الدين الإسلامي لها، والغريب في الأمر أن الجمعيات والمنظّمات النسائية في البلاد الإسلامية لم تنفع المرأة أبداً بل جلبت عليها الشقاء من حيث تدري أو لا تدري، لأنها تقتبس أفكارها من الغرب حصراً بعيداً عن مفهوم الإسلام، وعن المرأة المسلمة .

أولاً: ولادتها الميمونة

أختلف العلماء في مولد الزهراء (عليها السلام)، وبالتالي فقد اختلفوا في سِنّها يوم زُفّت إلى الإمام علي ، وفي سِنّها يوم انتقلت إلى الرفيق الأعلى في الثالث من رمضان عام 11 هـ(أُخريات عام 632 م)، على أنّ أكثر العلماء من أهل البيت يرون أنّه وُلدت قبل البعثة بخمس سِنين، وقد رُويَ أنّ العباس دخل على عليّ وفاطمة (عليهما السلام) وأحدهما يقول للآخر: (أيّنا أكبر؟)، فقال العبّاس: وُلدتَ يا علي قبل بناء قريش البيت بسنوات، وولدتِ أنتِ يا فاطمة وقريش تبني البيت، وهكذا كان مولد الزهراء (عليها السلام) بشير سلام وأمن لقريش جميعاً؛ ذلك لأنّ مولدها إنّما وافق اجتماع قُريش لبناء الكعبة، ويحدّثنا التاريخ أنّ القوم كادوا يقتتلون على من يَحوز شَرَف إعادة الحَجر الأسود إلى مكانه، لولا حِكمة سيّد الأوّلين والآخرين سيّدنا ومولانا وجدّنا محمّد رسول الله  ، وذلك بأن وضع الحجر في ثوب، ثُمّ أمر بأنْ تأخذ كلّ قبيلة بناحية من الثوب، ثُمّ رفعوه جميعاً، فلمّا بلغوا موضعه، وضعه بيده الشريفة ثُمّ بنى عليه([14]) .

وهناك وجه آخر للنظر يذهب إلى أنّ الزهراء (عليها السلام) إنّما وُلدت على أيّام النبوّة وليس قبلها، منهم الشيخ الطوسي (رحمه الله) إنّما يذهب في مصباح المُتهجّد إلى أنّها وُلدت بعد المبعث بسنتين، بل إنّ هناك رواية تُنسب إلى الإمام الباقر، تذهب إلى أنّ مولد الزهراء، إنّما كان في العام الخامس من بعثة النبي (عام 614 / 615 م)،         والمشهور بين علماء الأمامية أنّه ولدت في يوم الجمعة العشرين من شهر جمادى الثانية من السنة الخامسة بعد البعثة النبوية، وبعد الإسراء بثلاث سنين، وعمدتهم في ذلك ما روي عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، فعن أبي بصير، عن أبي عبد الله  ، قال: (ولدت فاطمة في جمادى الآخرة يوم العشرين منه، سنة خمس وأربعين من مولد النبي )([15]) .

روى نصر بن علي الجهضمي، عن الإمام علي بن موسى الرضا  ، قال: (ولدت فاطمة (عليها السلام) بعدما أظهر الله نبوته  بخمس سنين)([16]) .

وقال أكثر علماء العامة: إنّها ولدت قبل البعثة، واختلفوا في عدد السنوات، فقيل: ولدت وقريش تبني البيت الحرام قبل النبوة بخمس سنين، ورسول الله  ابن خمس وثلاثين سنة، أخرجه سبط ابن الجوزي عن علماء السير([17]) .

تفجر النور المشرق في بيت محمد  صبيحة العشرين من شهر جمادي الثاني في السنة الخامسة من البعثة، فملأ قلب الرسول الأعظم بهجةً وسروراً، وقد آثر الله الزهراء (عليها السلام) بما لم يؤثر به شقيقاتها الثلاث من قبل: (زينب، ورقية، وأم كلثوم) فكتب لها أن تكون – وحدها – الوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة؟ والمنبت الطيب لدوحة الشرف من آل البيت (عليهم السلام) .

وكان رسول اللّه  يتطلع إلى الغد، الغد المشرق الكامن وراء هذه السحب السوداء الداكنة، الغد الذي يبدو صعب المنال وربّما المحال بالالتفات إلى الأسباب والعلل الظاهرية الاعتيادية، وهنا وقعت حادثة المعراج الكبرى التي أَذن اللّه فيها لرسوله الأكرم بالعروج لمشاهدة ملكوت السماء (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) فيرى عِظم آيات ربّه بعينه، لتتسامى روحه العظيمة، ويتأهب لتلقّي ثقل الرسالة المصحوبة بسعة الأمل، فقد روى الفريقان – السنة والشيعة أنّ رسول اللّه وطأ الجنة ليلة المعراج، فناوله جبرئيل   فاكهةً من شجرة طوبى، فلمّا عاد إلى الأرض اِنعقدت نطفة فاطمة من تلك الفاكهة؛ ولذلك جاء في الحديث أنّ رسول اللّه ، قال: (إنّ فاطمة حوراء إنسية، فكلما اشتقت إلى الجنة جعلت أقبّلها) .

وبذلك فإنّ هذه المولودة المباركة التي تمثّل عصارة ثمار الجنة، ولحم ودم رسول اللّه ، وتلك الأُمّ الحنون السيدة خديجة الكبرى (عليها السلام)، تكون قد وضعت حداً لطعنهم وغمزهم في النبي كونه أبتر لا عقب له، وعلى ضوء سورة (الكوثر) المباركة فإنّ فاطمة (عليها السلام)([18])، ولأمر قد قُدّر، كان النبي  على علم من أنه سوف لن يعقب إلا من فاطمة، فستكون هي التيار الذي يحمل نوره عبر أسلاك الزمن، ولتضاء البشرية بعد ذلك من هذا النور الفياض، ولذلك فقد كان يحبها حباً جماً، حتى أنه كان يناديها أحياناً بـ(أم أبيها)([19]) .

وعن ابن عباس وابن حمّاد، أنّ عمر خديجة (عليها السلام) حين تزوجها النبي  كان ثماني وعشرين سنة، وقد أيّد هذا بعض المؤرخين وعلماء الأنساب، ولهذا قال ابن العماد الحنبلي: (رجّح كثيرون أنّها عند الزواج بالنبي  كانت ابنة ثماني وعشرين سنة)، ولا يخفى بأنّ القول بصحة الرأي الأخير يسقط أصل الإشكال، إذ سيكون عمر خديجة (عليها السلام) حين البعثة المشرّفة ثلاث وأربعين سنة، وحين ولادة سيدة نساء العالمين ثماني وأربعين سنة، وحمل القرشية في هذه السن من المتعارف عليه ولا نقاش فيه، وله مصاديق جمّة قديماً وحديثاً، وعلى القول بأنّ عمر خديجة (عليها السلام) عند الحمل بها ستون سنةً، فإنّ حمل المرأة في مثل هذه السنّ، وإن كان متعذّراً في غالب النساء، إلاّ أنّ إمكان أن ترى القرشية والنبطية دم الحيض في هذه السنّ غير مستبعد، بل هو من المشهور في فقه الفريقين([20])، نعم هو أقصى مدة ليأس القرشية والنبطية عندهم، وقد أكدته بعض الروايات المعتبرة المسندة إلى أهل البيت (عليهم السلام)([21]) ، وأمّ المؤمنين خديجة الكبرى قرشية بالاتفاق .

ثانياً: أسماؤها

ورد في سؤال لسماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) كم عدد أسماء الزهراء (عليها السلام)؟([22]) ، يجيب سماحة الشيخ: إذا قصدنا بالاسم أسم الذات فأسمها (فاطمة) كما ذكرت في خطبتها الشهيرة (أعلموا أني فاطمة وأبي محمد ) لكن الاسم يراد به هنا ما هو أعم من ذلك، فيشمل اللقب كالزهراء والكنية كأم أبيها، وبهذا اللحاظ فإن أسماءها عديدة .

وقد اختلفت الروايات في تعدادها، ففي كتب الشيخ الصدوق (رحمه الله) الأماني وعلل الشرائع والخصال بسنده عن الإمام الصادق ، قال: (لفاطمة تسعة أسماء عند الله عزوجل، فاطمة، والصديقة، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية، والمرضية، والمحدثة، والزهراء)، ثم قال: أتدري أي شيء تفسير فاطمة؟ قلت أخبرني يا سيدي، قال: (فطمت من الشر)، وفي الحديث عن الإمام الصادق : (فمن عرف فاطمة (عليها السلام) حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها)، وروي عن أبي هريرة أنه قال: (سميت فاطمة (عليها السلام) لأن الله فطم من أحبها من النار) .

وتوجد روايات تشير إلى عدد أكبر من الأسماء للسيدة الزهراء (عليها السلام) كعشرين أو أكثر حتى تصل إلى تسعة وتسعين أسماً، وهذا واضح لأن الحديث المتقدم لم يتضمن أسماء مشهورة كالكوثر وأم أبيها وغيرها، قال ابن شهرآشوب في المناقب، وصحّ في الأخبار: (لفاطمة عشرون أسماً، كل أسم يدل على فضيلة) ذكرها ابن بابوية في كتاب مولد فاطمة، ويمكن فهم هذا الاختلاف في الإعداد باعتبار أن الروايات ليست بصدد حصر كل الأسماء فالحديث الأول يذكر الأسماء التي سماها الله تبارك وتعالى بها، والثاني يهدد الأسماء التي تكشف عن فضائلها وصفات كمالها، باعتبار أن كل صفة تعبِّر عن فضيلة من فضائلها، وهكذا فهي لا تنفي وجود أسماء أخرى .

وأضاف ابن شهرآشوب عن أبي جعفر القمي (رضي الله) عنه: (البتول، الحرّة، السيدة، العذراء، مريم الكبرى، الصديقة الكبرى)([23])، وفيما يلي نورد دلالات بعض هذه الأسماء والألقاب التي تشير إلى خصائصها الفريدة ومناقبها الفذّة، وما اتسمت به من الصدق والبركة والطهارة والرضا والفضل العميم على سائر النساء، وهي كما يلي :

1 ـ فاطمة

تقدّم في ولادتها (عليها السلام) أن رسول الله  قد سمّاها فاطمة بأمر الله تعالى، وهذا الاسم مشتق من الفطم بمعنى القطع، يقال : فطمت الأُمُ صبيها، وفطمت الرجل عن عادته، والفاعل منه فاطم وفاطمة .

روى المُحب الطبري في (ذخائر العُقبى في مناقب ذوي القربى)، فقال: أخرج الحافظ الدمشقي، عن الإمام علي ، قال: (قال رسول الله  لفاطمة: يا فاطمة، أتدرين لِمَ سُمّيتِ فاطمة؟) قال علي: (يا رسول الله لِمَ سُمّيت فاطمة؟) قال: (إنّ الله عزّ وجل قد فطمها وذريّتها من النار يوم القيامة)، وعن ابن عبّاس، قال، قال رسول الله  : (إنّ ابنتي فاطمة حوراء، إذ لم تحِض ولم تطمث، وإنّما سمّاها فاطمة؛ لأنّ الله عزّ وجل فطمها ومُحبّيها من النار)([24]) .

وواضح بأن (فاطمة) على صيغة (فاعل) ولكنها وردت في الحديثين الشريفين بمعنى صيغة (مفعول)؛ لكونها (مفطومة)، ولهذا نظائر في القرآن الكريم ولغة العرب، قال تعالى: (عيشة راضية) قيل: أي مرضية، وقوله تعالى: (ماء دافق)، قيل: أي مدفوق، وكقولهم: سرّ كاتم، أي مكتوم، ولكن هذا الاسم الشريف (فاطمة) جاء في حديث آخر على صيغة (فاعل) تعبيراً عن وصفه، ولم يصرف إلى معنى (مفعول)([25]) .

2 ـ الزهراء

يستفاد من جملة الأحاديث والأخبار أنّ فاطمة (عليها السلام) عرفت بالزهراء لجمال هيأتها، والنور الساطع في غرّتها، فهي مزهرة كالشمس الضاحية، ومشرقة كالقمر المنير .

وسُئل الإمام الصادق  عن فاطمة (عليها السلام) لِمَ سمّيت الزهراء؟ فقال: (لاَنّها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لاَهل السماء، كما يزهر نور الكواكب لاَهل الأرض)([26]) .

وسأل أبو هاشم الجعفري (رضي الله عنه) صاحب العسكر  لِمَ سميت فاطمة الزهراء؟ فقال: (كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين  من أول النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشمس كالكوكب الدرّي)([27]) .

       وقال ابن الأثير: الزهراء: تأنيث الأزهر، وهو النيّر المُشرق من الألوان، ويراد به إشراق نور إيمانها، وإضاءته على إيمان غيرها .

ولقب (الزهراء) فلأنّها – كما يقول الأُستاذ أبو علم – بيضاء اللون، وروي عن الإمام جعفر الصادق، عن أبيه الإمام محمّد الباقر، عن أبيه الإمام علي زين العابدين، قال: سألت أبا عبد الله – أي مولانا الإمام الحسين – عن فاطمة، لِمَ سُمّيت الزهراء؟ فقال: (لأنّها كانت إذا قامت في محرابها يزهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض) .

3 ـ البتول

البتل في اللغة: القطع، وهو يرادف الفطم من حيث المعنى، وقد عرفت الزهراء بهذا الاسم لتفرّدها عن سائر نساء العالمين بخصائص تميزت بها، كما تدل عليه الأحاديث وأقوال أهل اللغة .

أما في الأحاديث: فقد ورد عن أمير المؤمنين  قال: (إنّ النبي  سُئِلَ ما البتول؟ فإنّا سمعناك يا رسول الله تقول: إنّ مريم بتول وفاطمة بتول، فقال  : البتول التي لم تر حمرةً قط ـ أي لم تحض ـ فإنّ الحيض مكروه في بنات الأنبياء)([28])، وتنزيهها عن الحيض باعتباره أذىً يشير إلى علوّ مقامها وإلى خصوصية تفردت بها عن سواها، لأنها من أهل البيت الذين طهرهم ربهم من الرجس تطهيراً، وهو أمر غير مستبعد لكثرة المؤيدات له في الأحاديث والآثار .

ومنها: ما رواه أبو بصير عن الإمام الصادق  قال: (حرّم الله النساء على علي  ما دامت فاطمة حية)، قلت: كيف؟ قال: (لأنّها طاهرة لا تحيض) .

ومنها: ما أخرجه الطبراني وغيره بالإسناد عن عائشة أنّ رسول الله قال: (إنّ فاطمة ليست كنساء الآدميين ولا تعتلّ كما يعتللن) .

ومنها: ما رواه ابن المغازلي وغيره بالإسناد عن أسماء بنت عميس، قالت: شهدتُ فاطمة (عليها السلام) وقد ولدت بعض ولدها فلم يُرَ لها دم، فقال النبي  : (يا أسماء، إنّ فاطمة خلقت حورية في صورة إنسية)، وفي رواية، قال  لها: (أما علمت أن ابنتي طاهرة مطهرة لا يرى لها دم في طمث ولا ولادة) .

وأمّا أهل اللغة: فقد أضافوا عدة دلالات أُخرى تحكي عن منزلة الزهراء التي لا يدانيها أحد من نساء الأمة، وفيما يلي بعضها([29]) :

قال ثعلب: لانقطاعها عن نساء زمانها وعن نساء الأُمة فضلاً وديناً وحسباً وعفافاً، وهي سيدة نساء العالمين، وأُمّ أولاده، وقال الجزري بنحو قول ثعلب، وأضاف في آخره: وقيل: لانقطاعها عن الدنيا إلى الله، وقال به أيضاً أحمد بن يحيى على ما نقله عنه ابن منظور، وأضاف ابن منظور: امرأة متبتلة الخلق: أي منقطعة الخلق عن النساء، لها عليهنّ فضل، وقيل: التامة الخلق، وقيل: تبتيل خلقها: انفراد كلّ شيء منها بحسنه، لا يتكل بعضه على بعض([30]) .

4 ـ المحدثة

المُحَدَّث: من تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ولا رؤية صورة، أو يُلهم له ويلقى في روعه شيء من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى، أو ينكت له في قلبه من حقائق تخفى على غيره([31]) .

وهذه كرامة يكرم الله بها من شاء من صالح عباده، ومنزلة جليلة من منازل الأولياء، حضيت بها الزهراء بنت النبي  على ما جاء في كثير من الروايات؛ منها ما روي عن الإمام الصادق  أنّه قال: (إنّما سميت فاطمة محدّثة، لاَنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة، إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدّثهم ويحدّثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إنّ مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإنّ الله عزَّ وجلَّ جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها، وسيدة نساء الأولين والآخرين)([32]) .

يتضح من التعريف المتقدم ليس كلّ محدّث نبي، ولكن قد يتصور البعض أنّ الملائكة لا تحدّث إلاّ الأنبياء، وهو تصور غير صحيح ومنافٍ للكتاب الكريم والسُنّة المطهّرة؛ فمريم بنت عمران (عليها السلام) كانت محدثة ولم تكن نبية، قال تعالى: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إنّ الله اصطفاك وطهّرك)، وأُمّ موسى كانت محدثة ولم تكن نبية، قال تعالى: (وأوحينا إلى أُمّ موسى أن ارضعيه)، وسارة امرأة نبي الله إبراهيم قد بشرتها الملائكة بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ولم تكن نبيه، ونفي النبوة عن النساء المتقدمات وعن غيرهن ثابت بقوله تعالى: (وما أرسلنا قبلك إلاّ رجالاً نوحي إليهم) ولم يقل نساءً، وعليه فالمُحدَّثون ليسوا برُسل ولا أنبياء، وقد كانت الملائكة تحدّثهم، والزهراء (عليها السلام) كانت مُحدَّثة ولم تكن نبيه، كما يحلو للبعض أن يقوله ويقذف به الفرقة الناجية .

5- الصدّيقة

وهي صيغة مبالغة في الصدق والتصديق، قد عرفت الزهراء (عليها السلام) بالصديقة، والصديقة الكبرى، أي كانت كثيرة التصديق لما جاء به أبوها  وقويّة الإيمان به، كما إنها كانت صادقة في جميع أقوالها بأفعالها([33]) .

روى الشيخ الكليني بإسناده عن علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن ، قال: (إنّ فاطمة صديقة شهيدة) .

وأخرج المحبُّ الطبري في (الرياض النضرة) أنّ رسول الله  قال للإمام علي : (أوتيت ثلاثاً لم يؤتهنّ أحد ولا أنا: أوتيتَ صهراً مثلي، ولم أوت أنا مثلك، وأوتيت زوجة صديقة مثل ابنتي ولم أُوت مثلها زوجة، وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أوت من صلبي مثلهما، ولكنكم مني وأنا منكم)([34]) .

وقال  للإمام علي  : (يا علي، إني قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء، وأمرتها أن تلقيها إليك فأنفذها، فهي الصادقة الصدوقة) .

ثالثاً: فاطمة (عليها السلام) بلسان أبيها

ملاحظتان قبل الانطلاق في أحاديث الرسول عن فاطمة([35]) :

  • الملاحظة الأولى: إن النبي حينما يتحدث عن فاطمة (عليها السلام)، فإنه لا ينطلق من عاطفة الأبوة، وهو القائل فيه البارئ عز وجل (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) ، وهو  في عموم حديثه عن الأشخاص لا يعطي أحدا أكثر مما يستحقه تبعا لعاطفته حتى لو كان ذلك الإنسان ابنته؛ لأننا لو قلنا بذلك لطعنا في نبوته وكلماته القدسية التي نؤمن جميعا بأنها حجة لا زيغ فيها ولا هوى.. قال عبد الله بن عمرو بن العاص: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله  فنهتني قريش وقالوا تكتب كل شيء سمعته من رسول الله وهو بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتابة فذكرت ذلك لرسول الله فأومأ بأصبعه إلى فيه، وقال: (أكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق) .

  • الملاحظة الثانية: ركز في شخصية فاطمة (عليها السلام) على قدسيتها وخلوصها لله تعالى وقربها منه، بحيث يجعلك تأخذ الإحساس بأنها جزء منه ما يصيبه كأنما أصابها، وما يصيبها كأنما أصابه، وأنها تمثله جسداً وموقفاً، تعبر عنه وهو المعبر عن إرادة الله تعالى، وذلك في مجمل أحاديثه عن فاطمة: (من أسخط فاطمة فقد أسخطني) و (من أغضب فاطمة قد أغضبني ومن أغضبني فقد أغضب الله) وعلى هذا المنوال .

ولقد استوقفني كثيراً محور كلام الرسول عن ابنته، والذي كان يدور حول غضبها وسخطها ورضاها، وكأنه- بأبي وأمي- يلمح للأمة بمصيبتها وابتلائها في موقفها من الزهراء (عليها السلام)، وهذا لن يخفى على ذوي الألباب المتفتحة والقلوب المفعمة بحب النبي وآله؛ فلماذا يا ترى كان التركيز على هذا المحور بالذات؟ هل يعقل أن يكون ذلك بلا سبب؟ ألا يحمل هذا في طياته دلالات عميقة وإشارات واضحات، وقد كان رسول الله  أبلغ العرب حين يتكلم، وأكثر الناس حكمة حينما يفصح.. كما كان أحسنهم إنصافاً للناس .

ويوم ثقل فيه وجع النبي  وخيف عليه الموت، دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم سلام الله) وقال لمن في بيته: أخرجوا عنّي، فقال لام سلمة: كوني على الباب فلا يقربه أحد، ففعلت أم سلمة، فقال: يا علي، فدنا منه فأخذ بيد فاطمة فوضعها على صدره طويلاً، وأخذ بيد علي بيده الأخرى، فلما أراد رسول الله الكلام غلبته عبرته فلم يقدر على الكلام، فبكت فاطمة بكاءً شديداً، وبكى علي والحسن والحسين (عليهما السلام) لبكاء رسول الله، فرفع رأسه إليهم ويدها في يده فوضعها في يد علي وقال له: (يا أبا الحسن، هذه وديعة الله، ووديعة رسوله محمد عندك، فأحفظ الله واحفظني فيها وإنك لفاعل، هذه –والله– سيدة نساء أهل الحنة من الأولين والآخرين، هذه – والله- مريم الكبرى، أما -والله- ما بلغت نفسي هذا الموضع حتى سألت الله لها ولكم فأعطاني ما سألته؛ يا علي، أنفذ لما أمرتك به فاطمة، فقد أمرتها بأشياء أمرني بها جبريل ؛ وأعلم يا علي، إني راض عمّن رضيت عنه ابنتي، وكذلك ربّي والملائكة يا علي، ويل لمن ظلمها، وويل لمن ابتزّها حقّها، وويل لمن انتهك حرمتها، وويل لمن أحرق بابها، وويل لمن آذى حليلها، وويل لمن شاقّها وبارزها .

اللهم إني منهم بريء، وهم منّي براء، ثم سماهم رسول الله، وضم فاطمة إليه وعلياً والحسن والحسين (عليهم سلام الله) وقال: (اللهم إني لهم ولمن شايعهم سلم، وزعيم بأنهم يدخلون الجنة؛ وحرب وعدوّ لمن عاداهم وظلمهم وتقدّمهم أو تأخر عنهم وعن شيعتهم زعيم بأنهم يدخلون النار؛ ثم –والله– يا فاطمة، لا أرضى حتى ترضي، ثم لا أرضى حتى ترضي) ([36]) .

وبهذا يكون قد هيأ الرسول  الناس حتى يصدقوا الزهراء (عليها السلام) حين تنطق، وهيأهم لأن يتحاشوا غضبها إذا غضبت، وأخبرهم أن أذاها أذى له، وهكذا مهمة الأنبياء تربية الأمم حاضراً أثناء حياتهم وتهيئتهم لاستقبال الحوادث المستقبلية بعد رحيلهم، والنبي وهو أعظمهم خص الزهراء وهو الصادق الأمين بهالة قدسية تحرم على الآخرين هتكها.. ولم يكن ذلك لقرابتها منه.. بل لأنها أخلصت للحق وذابت في بوتقته فكانت مقياساً ومعياراً للذين سيأتون بعد أبيها، وتجلت حكمة الرسول في أحاديثه المختلفة للأمة التي كانت تنظر لواقع المستقبل وهي تحمل في طياتها بصائر تتضح من خلالها الرؤية، وتحكم بها على أحداث الواقع في أي زمان ومكان، والأمثلة على ذلك كثيرة([37]) .

المبحث الثاني

بعض مميزات الزهراء (عليها السلام)

أولاً: كفاءتها

الزهراء (عليها السلام) سيدة نساء العالمين لابدّ أن يكون كفؤها سيد رجال الأمة بعد رسول الله  ، ومن هنا جاءت مقاييس الاختيار والترجيح على لسان الرسول، وهو يبين لابنته البتول فضل أمير المؤمنين  ، قال : (زوجتك سيداً في الدنيا والآخرة، وإنه لأول أصحابي إسلاماً، وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً)([38]) .

وقال  : (أما ترضين أن زوجتك أول المسلمين إسلاماً، وأعلمهم علماً، وإنّك سيدة نساء أُمتي كما سادت مريم نساء قومها) ([39]) .

وقوله  : (خير رجالكم علي بن أبي طالب، وخير نسائكم فاطمة بنت محمد)([40])، فكفاءة الإمام علي  لفاطمة (عليهما السلام) كفاءة تقوم على ضوء موازين الحكمة الإلهية، فالله تعالى هو الذي اختار الكفء للزهراء فكان عليّاً دون غيره .

قال رسول الله  : (لو لم يُخلَق علي ما كان لفاطمة كفؤ) .

فلم تكن بين أهل الكساء امرأة قط غير فاطمة (عليها السلام)، ولم يطهّر الله امرأة من نساء العالمين من الرجس غير فاطمة، ولم يخرج النبي بمسلمة إلى مباهلة وفد نصارى نجران غير فاطمة، ولم تكنى بنت نبي بأُمّ أبيها غير فاطمة، ولم يكن لامرأة اجتمعت فيها هذه الخصال من كفءٍ غير يعسوب المؤمنين علي بن أبي طالب ؛   وعليه فالكفاءة هنا ليست نَسَبِيّة حيث إننا قد نجد كفوءاً نسبياً للزهراء (عليها‌ السلام) كأمير المؤمنين  من سائر أبناء أبي طالب، وليس المراد الكفاءة بالمال والغنى، ففي رجالات العرب من هو أغنى من أمير المؤمنين  الذي تقدم إلى الزهراء (عليها السلام)، وما كان يملك غير سيفه ودرعه وناضحه، ولكن أنّى لنا أن نجد كفوءاً لها يوازيها في الحكمة والهدى والرحمة وميراث النبوة وافتراض الولاء والطاعة على الناس أجمعين غير علي  ؟ .

ثانياً: زواجها

لقد كانت عادة الأشراف من قريش إذا تزوج أحدهم أن يبذلوا المهور العالية، وأن يكون الزواج مفعماً بمظاهر التكلف والإسراف، وفي زواج الزهراء (عليها السلام) قدّم النبي درساً عملياً للزواج النموذجي في الإسلام مغيراً معايير الجاهلية غير عابئ بلائمة قريش وعذلهم .

وعن جابر بن عبد الله قال: لمّا زوّج النبي عليّاً من فاطمة (عليها السلام) أتت قريش فقالوا: يا رسول الله، زوجت فاطمة بمهر خسيس، فقال  : (ما زوجت فاطمة من علي، ولكن الله زوجها) فليس هو إلاّ حكم الله، وقد شاء حكمته أن تكون مهور النساء متواضعة، وأجرى ذلك على لسان رسول الله    ، حيث قال: (أفضل نساء أُمتي أصبحهن وجهاً وأقلهنّ مهراً)([41]) .

وعن أمير المؤمنين  قال: (خلا رسول الله  بابنته في صبيحة اليوم الرابع، وقال لها: كيف أنت يا بنية، وكيف رأيت زوجك؟ فقالت له: يا أبه، خير زوج، إلاّ أنه دخل عليَّ نساء من قريش، وقلن لي: زوجك رسول الله  من فقير لا مال له، فقال لها: يا بنية، ما ألوتك نصحاً أن زوجتك أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً، يا بنية، إنّ الله عزَّ وجلَّ اطلع إلى الأرض إطلاعة فاختار منها رجلين، فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك، يا بنية، نعم الزوج زوجك لا تعصي له أمراً.. ثم صاح بي رسول الله : يا علي، فقلت: لبيك يا رسول الله، فقال: ادخل بيتك وألطف بزوجتك وأرفق بها، فان فاطمة بضعة مني، يؤلمني ما يؤلمها، ويسرني ما يسرها، استودعكما الله واستخلفه عليكما)([42]) .

إن معيار التفاضل لابدّ أن يكون قائماً على أساس التقوى والدين والخلق القويم، لا على أساس الثروة والمال والحطام الزائل، وعلى الرغم من تواضع مهر الزهراء (عليها السلام) وبساطة المراسيم فقد وصف عرسها: بأنّه أحسن عرس وأطيبه؛ ففي مهر الزهراء درس توجيهي لنا، فقد زَوّجَ النبي أحب الخلق إليه بمهر متواضع كي يفهّم الأمة عمليّاً أن المهور العالية ليست في صالحها لما تسببه من تعكير لصفو المحبة والعلاقة بين الزوجين، وزلزلة الوضع الاقتصادي للعائلة، فضلاً عن أنها تؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج وما يعقبه من مفاسد اجتماعية وأمراض روحية .

ثالثاً )) بيت الزهراء (عليها السلام)

ورد وصف بيت الزهراء (عليها السلام) بأثاثه البسيط وجهازه المتواضع، لتتعلم منه الأمة درس التضحية والإيثار ورفض مظاهر العزّ والعظمة، فإنّهُ الحلّ الحاسم لكثير من المشكلات الاجتماعية التي كانت ولا زالت تهدد المجتمعات الإنسانية ويضجّ العالم تحت وطأتها؛ ففي هذا البيت المتواضع الذي كان جُلّ أثاثه من الخزف، كان يبتهج الرسول ، ويجد لنفسه السكينة والسعادة والهناء، ويفيض من قلبه الحبّ الأبوي والحنان على بضعته فاطمة (عليها السلام)، وريحانتيه من الدنيا الحسن والحسين (عليهما السلام)، وعلي أخيه وصهره ووارث علمه وحكمته وشريكه في خصائصه ماعدا النبوة .

قال أنس وبريدة: قرأ رسول الله : (في بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرفَعَ ويُذكَرَ فيها اسمُهُ يُسَبِّحُ لهُ فيها بالغُدُوِّ والأصالِ)([43]) ، فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول الله؟ قال: (بيوت الأنبياء) ، فقام إليه أبو بكر وقال: يا رسول الله، هذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة (عليهما السلام)، فقال الرسول: (نعم من أفاضلها)([44]).

رابعاً: دورها في داخل الأسرة

وقد وجدت الزهراء (عليها السلام) نفسها وهي في بيت الإمام  أمام وظائف جسيمة، ومسؤوليات عظيمة، باعتبارها القدوة الحسنة والأسوة المثلى للمرأة المسلمة، كان عليها أن ترسم الطريق لمعالم البيت الإسلامي الأمثل في الإسلام، وقد استطاعت وبكل جدارة أن تضرب أروع الأمثلة في طاعة الزوج ومراعاة حقوقه والإخلاص له، والصبر على شظف العيش وقلة ذات اليد، والقيام بمسؤوليات البيت وأداء واجبات الأسرة في جوّ من المودة والصفاء والتعاون والوفاء، وتربية الأولاد الصالحين بما ليس له نظير، وفي ما يلي بعض معالم تلك الأسرة الفريدة التي أنعم الله عليها بما يشاء ([45]) :

  • انحصار ذرية الرسول بنسلها (عليها السلام) .

انحصرت ذرية الرسول الأكرم  بفاطمة (عليها السلام)، فقد تزوج خديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة، وأنجبت له القاسم وعبد الله وهو الطيّب أو الطاهر، وفاطمة، وفي غيرهم خلاف، وتزوج بعد خديجة أربع عشرة امرأة دخل باثنتي عشرة منهنّ، وتوفي  وعنده تسع لم يولد له منهنّ إلاّ مارية القبطية، فقد ولدت له إبراهيم ومات طفلاً، أما أولاد خديجة فماتوا صغاراً .

وعليه فإنّ النبي لا عقب له من الصلب، لكنّه لم يحرم من الذرية والنسل، بل لقد دلّ القرآن الكريم على أنّ الحسن والحسين هما ابناه حقيقة، فقد اتفقت كلمة المفسرين على أنّ المراد بقوله تعالى في آية المباهلة: (أبناءنا وأبناءكم) الحسن والحسين (عليهما السلام)، ومعلوم أنّ عيسى  إنّما انتسب إلى إبراهيم  بالأم لا بالأب، فثبت أنّ ابن البنت قد يسمّى ابناً([46]) .

وقال : (إنّ الله عزَّ وجل جعل ذرية كلّ نبي في صلبه، وإنّ الله عزَّ وجل جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب)([47]) .

وقال : (لكلِّ بني أب عصبة ينتمون إليها إلاّ ولد فاطمة، فأنا وليهم، وأنا عصبتهم، وهم عترتي خلقوا من طينتي)، وقال أمير المؤمنين  لمحمد بن الحنفية: (يا بني أنت ابني، وهذان ابنا رسول الله )، مشيراً إلى الحسن والحسين (عليهما السلام)([48])؛ وفي المحاورة التالية ما يوضح لك كون الحسن والحسين أبناءِ رسول لله  ، فعن أبي الجارود، قال: (قال لي أبو جعفر– يعني الإمام محمد الباقر- : يا أبا الجارود، قال: ما يقولون في الحسن والحسين؟ قلت: ينكرون علينا أنهما أبنا رسول الله، قال: فبأي شيء احتجتم عليهم؟ قلت: بقول الله في عيسى بن مريم: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ- إلى قوله- كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ)([49])، فجعل عيسى من ذرية إبراهيم، واحتججنا عليهم بقوله تعالى: (تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ)([50])، قال: فأي شيء قالوا؟ قلت: قالوا: قد يكون ولد البنت من الولد، ولا يكون من الصلب، قال: فقال أبو جعفر: والله يا أبا الجارود لأعطينكما من كتاب الله أية تسمّى لصلب رسول الله  لا يردها إلا كافر، قلت: جعلت فداك، واين؟ قال: حيث قال الله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ)([51]) فَسلْهُم يا أبا الجارود هل يحلّ لرسول الله  نكاح حليلتهما؟ فإن قالوا: نعم، فكذبوا والله، وإن قالوا: لا، فهما والله ابنا رسول الله لصلبه، وما حرّمت عليه إلا للصلب  .

وهذا يدل على اختصاص ولد فاطمة دون بني هاشم كافة بالنبي (أنه ما كان يحلّ له أن ينكح بنات الحسن والحسين (عليهم السلام)، ولا بنات ذريّتهما، وإن بعُدن وطال الزمان، ويحلّ له نكاح بنات غيرهم من بني هاشم من الطالبين وغيرهم، وهذا يدل على مزيد الأقربية، وهي كونهم أولاده)([52]) ، ونلمس من خلال انحصار ذرية الرسول  بفاطمة (عليها السلام) مسألتين مهمتين:

  • إذا لم يكن للنبي أبناء ولا أبناء أبناء ولا نسل ولا ذرية إلاّ من فاطمة (عليها السلام)، كان من المحتّم وبحكم الطبيعة البشرية أن تنحصر عاطفته الأبوية بأولاد فاطمة، وأن يهتمّ بتربيتهم وتعليمهم، وقد شاءت الإرادة الربانية أن يستأثر الحسن والحسين (عليهم السلام) بذلك الاهتمام، وأن يكونا بمثابة ابنيه، وقد عبّر النبي عن تلك الأبوة وهذه البنوّة بعبارات شتّى غير ما قدّمنا، منها قوله  : (الحسن والحسين ابناي، من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبّه الله أدخله الجنة)، وقال: (ابناي هذان سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما)، وقال  : (هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهمّ إنّي أحبّهما فأحبّهما وأحبّ من يحبّهم)، وقال : (إنّ ابنيّ هذين ريحانتاي من الدنيا)([53]) .

وكان من ثمار اهتمام الرسول الأكرم بالحسن والحسين وتربيتهما، أن تكون أخلاقهما وشمائلهما وسيرتهما تعبيراً صريحاً ومصداقاً حقيقياً لمكارم أخلاق النبي وشمائله وسيرته، وأن يكون لهما من علمه وحلمه وشجاعته وكرمه وزهده وصبره ما لم يكن لأحدٍ بعد أبيهما أمير المؤمنين  ، عليه يجب أن نخصّهما بالولاء، وأن نؤمن إيماناً صادقاً أنّ عداءهما أو جحود فضلهما هو عداء وجحود لرسالة الرسول وسُنّته، وأن حبّهما والتمسك بهما يضمن سعادة الدارين، قال : (من سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربّي، فليوالِ عليّاً من بعدي، وليوالِ وليه، وليقتدِ بأهلِ بيتي من بعدي، فإنّهم عترتي، خلقوا من طينتي، ورزقوا فهماً وعلماً، فويلٌّ للمكذّبين بفضلهم من أُمّتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي)([54]) .

  • إنّ إنحصار ذرية الرسول بابنته فاطمة (عليها السلام) فيه إشارة واضحة إلى كرامة المرأة في تعاليم الإسلام السامية، وردّ على المفاهيم الجاهلية التي كانت تحطّ من قيمتها، وتقلّل من شأنها، وتهضم حقوقها، فكان بعضهم يئد البنات وهنّ في المهد، وقد عبّر القرآن الكريم عن رفضه لهذه العادة المقيتة بقوله: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)([55])، وكانوا لا يورّثون المرأة، ويتشاءمون إذا ولد لهم الإناث (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ)([56])، وكانوا يقولون إنّ أولاد البنات لا يكونوا ذرية، فكان انحصار نسب سيد الكونين المصطفى   بابنته فاطمة إيذاناً بإبطال ذلك المفهوم الجاهلي البغيض .

  • قال الرازي في القول الثالث من تفسير الآية: الكوثر أولاده ، قالوا: لاَنّ هذه السورة إنّما نزلت ردّاً على من عابه  بعدم الأولاد، فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان، فانظر كم قُتِل من أهل البيت، ثمّ العالم ممتلئ منهم، ولم يبقى من بني أُمية في الدنيا أحد يُعبا به، ثم اُنظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والرضا والنفس الزكية وأمثالهم([57]) .

خامساً: الطاعة وحسن المعشر

كانت الزهراء (عليها السلام) نعم الزوجة لأمير المؤمنين ، ما عصت له أمراً، وما خالفته في شيء، ولا خرجت بغير إذنه، وكانت تعينه على طاعة الله تعالى، وتؤثره على نفسها، وتدخل عليه البهجة والسرور حتى إنّه إذا نظر إليها انكشفت عنه الهموم والأحزان، وبالمقابل كان أمير المؤمنين  نعم البعل للزهراء (عليها السلام) يغدق عليها من فيض حبّه وعطفه، ويشعرها بإخلاصه وودّه لها، وما كان يغضبها ولا يكرهها على شيء قطّ.

وجاء في روضة الواعظين أن الزهراء قالت في مرض موتها لأمير المؤمنين : (يا بن عم، ما عهدتني كاذبة ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني، فقال  : معاذ الله! أنتِ أعلم بالله، وأبرّ وأتقى وأكرم وأشدّ خوفاً من الله من أن أوبخك بمخالفتي)([58]) .

لقد ضربت الزهراء أروع الأمثلة في الصبر على ألم المعاناة من العمل في داخل المنزل، حتى إنّها كانت تغزل جزة الصوف بثلاثة آصع من شعير، ولا تتوانى عن أداء مهامها في البيت طاعةً لزوجها على الرغم من حالة الفقر التي كانت تلفّ حياتها في بيت الزوجية، حتى أن أمير المؤمنين  رقّ لحالها من شدّة ما تعانيه من أتعاب منزلية .

سادساً: التعاون وتقسيم العمل

روى العياشي عن أبي جعفر   أنّه قال: (إنّ فاطمة (عليها السلام) ضمنت لعلي عمل البيت والعجين والخبز وقمّ البيت، وضمن لها علي ما كان خلف الباب: نقل الحطب وأن يجيء بالطعام.. )([59]) .

وعن هشام بن سالم، عن الإمام الصادق  قال: (كان أمير المؤمنين  يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة تطحن وتعجن وتخبز)([60]) .

ومن مظاهر التواضع والعدل في بيت الزهراء (عليها السلام) أنّ تقسيم العمل لا يقتصر على أفراد الأسرة وحسب، بل كانت تتناوب بالعمل مع الخادمة يوماً بيوم، حيث أخدمها النبي جارية أسمها فضّة بعد أن كثرت الفتوح والمغانم وارتفع الفقر عن أهل الصفّة وسائر ضعفاء المدينة .

سابعاً: تربية الأولاد

اضطلعت الزهراء (عليها السلام) بمهمة أخرى لا تقل عن مهمة مباشرتها لأعمال المنزل، تلك هي تربية الأولاد، فقد وهبها الله كرامة أُمومة الأوصياء، وأعطاها شرف الربط بين النبوة والإمامة، وقد استطاعت أن تجني من نتاج تربيتها أقدس الثمار، فكان الحسن السبط (عليه السلام) أول مولود لفاطمة، حيث ولد في النصف من شهر رمضان عام ثلاثة من الهجرة، ثم الحسين السبط الشهيد (عليه السلام) الذي ولد في الثالث من شهر شعبان عام أربعة من الهجرة، وهما سيدا شباب أهل الجنة، والإمامان إن قاما وإن قعدا.

وكان المولود الثالث زينب العقيلة (عليها السلام) بطلة كربلاء، وكان مولدها في السنة الخامسة من الهجرة، ثم ابنتها الثانية وهي السيدة أُمّ كلثوم (عليها السلام) وقد ولدت بعد أختها بعام واحد وقيل: بعامين، وابنها الأخير حملت به في زمان النبي  وسمّاه قبل أن يولد محسناً، لكنه أُسقط قبل ولادته فاستشهد مظلوماً بعد وفاة رسول الله  بأيام على إثر حوادث السقيفة .

هكذا نشأ أولاد الزهراء في ظل رعاية الأم سيدة النساء، والأب وصي المصطفى يحيطهم أشرف الأنبياء والرسل  بحنانه وعطفه وتربيته، فكانوا خيرة البشرية وقدوة الإنسانية([61]) .

ثامناً: دورها في خارج المنزل

إذا تجاوزنا دور الزهراء (عليها السلام) في إدارة أعمال المنزل وتربية الأولاد، نرى أن سيدة النساء قد سجّلت عناوين مهمة وآفاق جديدة لدور المرأة المسلمة في مجمل النشاطات الاجتماعية والسياسية والحربية وغيرها، ممّا يتناسب مع واقع وحاجات وظروف ذلك العصر .

فقد كانت تعلّم النساء ما يُّشّكِل عليهُنَّ من الأحكام الشرعية والمعارف الإلهية الضرورية، وكان يغشاها نساء المدينة وجيران بيتها([62])، ويبدو أن بيتها كان المدرسة النسائية الأولى في الإسلام، حيث تقبل عليها النساء طالبات للعلم، فيجدن فاطمة العالمة وهي تستقبلهنّ بصدر رحب لا يعرف الملالة والسأم .

عن الإمام العسكري  قال: (قالت فاطمة (عليها السلام) وقد اختصمت إليها امرأتان، فتنازعتا في شيء من أمر الدين، إحداهما معاندة، والأخرى مؤمنة، ففتحت على المؤمنة حجتها، فاستظهرت على المعاندة، ففرحت فرحاً شديداً، فقالت فاطمة: إنّ فرح الملائكة باستظهارك عليها أشدّ من فرحك، وإنّ حزن الشيطان ومردته أشدّ من حزنها…)([63]) .

وكانت الزهراء (عليها السلام) معيناً للمحتاجين من أبناء المجتمع الإسلامي آنذاك، تنفق في سبيل الله وتعتق الرقاب وتعين الضعفاء، فقد توافق أغلب المفسرين على نزول قوله تعالى: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا*إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) في أهل البيت علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) حينما تصدقوا رغم خصاصتهم على المسكين واليتيم والأسير([64]) .

أخرج ابن شهرآشوب عن ابن شاهين في (مناقب فاطمة) (عليها السلام)، وأحمد في مسند الأنصار عن أبي هريرة وثوبان أنّها (عليها السلام) نزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها ـ أي سواريها ـ ونزعت ستر بيتها، فبعثت به إلى أبيها، وقالت: (اجعل هذا في سبيل الله) فلمّا أتاه، قال: (قد فعلت فداها أبوها – ثلاث مرات- ما لآل محمد وللدنيا، فإنّهم خلقوا للآخرة، وخلقت الدنيا لغيرهم)، وفي رواية أحمد: (فإنّ هؤلاء أهل بيتي، ولا أُحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا)([65]) .

وكانت لها إسهامات في حروب الإسلام المصيرية تناسب شخصيتها وقدراتها، ففي وقعة أُحد كانت قد جاءت مع أربع عشرة امرأة يحملن الطعام والشراب على ظهورهن، ويسقين الجرحى ويداوينهم، وعندما أُصيب سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب  كانت الزهراء من المبادرات إلى مصرعه مع صفية بنت عبد المطلب، وكانت تبكي وجعل رسول الله  يبكي لبكائها([66])، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، لم تنس ابنة الرسالة دور الشهداء في بناء صرح الإسلام وتشييد عزّته واكتساب ديمومته وسرّ بقائه، قال الإمام الصادق : (إنّ فاطمة كانت تأتي قبور الشهداء في كل غداة سبت، فتأتي قبر حمزة وتترحم عليه وتستغفر له) .

وفي مغازي الواقدي: كانت الزهراء (عليها السلام) تأتي قبور الشهداء بين اليومين والثلاثة، فتبكي عندهم وتدعو، واتخذت من تربة حمزة  مسبحة على عدد التكبيرات تديرها بيدها فتكبّر وتسبّح بها، وعملت بعدها التسابيح فاستعملها الناس([67]) .

ولمّا استشهد جعفر بن أبي طالب  في مؤتة أمرها رسول الله  أن تتخذ لأسماء بنت عميس طعاماً ثلاثة أيام، فجرت بذلك السُنّة، وأمرها أن تقيم عندها ثلاثة أيام هي ونساؤها لتسليها عن المصيبة .

وكان لها (عليها السلام) دور رائد في الدفاع عن قضايا الإسلام المصيرية بعد رحلة الرسول  إلى عالم الخلود ورضوان ربه، فقد جهرت بالحق ودافعت عن الإمامة، وخطبت في مسجد الرسول خطبة بليغة أعادت إلى الأذهان الخطوط العريضة التي رسمها الإسلام لقيادة الأمة بعد الرسول، وحفظ الدعوة وتأصيل مفاهيمها، وقد كادت خطبتها أن تؤتي أُكلها لولا تسلّط الظالمين وبطش الجبارين .

وجاء في خصال الشيخ الصدوق: أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) لمّا منعت فدكاً وخاطبت الأنصار، فقالوا: يا بنت محمد، لو سمعنا هذا الكلام قبل بيعتنا لأبي بكر ما عدلنا بعلي أحداً. فقالت: (وهل ترك أبي يوم غدير خمّ لاَحد عذراً)([68]) .

وعن الإمام الباقر  : (أنّ عليّاً  حمل فاطمة (عليها السلام) على حمارٍ وسار بها ليلاً إلى بيوت الأنصار يسألهم النصرة، وتسألهم فاطمة الانتصار له، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، لو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به، فقال علي  : أكنت أترك رسول الله ميتاً في بيته لا أُجهزه، وأخرج إلى الناس أُنازعهم في سلطانه! وقالت فاطمة (عليها السلام): ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، وصنعوا هم ما الله حسيبهم عليه)([69]) .

تاسعاً: أحبّ الناس إلى رسول الله

وعن أُسامة بن زيد – في حديث – قال: سألت رسول الله : أي أهل بيتك أحبّ إليك؟ قال: (أحبّ أهلي إليّ فاطمة) .

وعن جميع بن عمير، قال: دخلت مع أُمّي على عائشة، فسمعتها من وراء الحجاب وهي تسألها عن علي  فقالت: تسألني عن رجلٍ والله ما أعلم رجلاً كان أحبّ إلى رسول الله من علي، ولا في الأرض امرأة كانت أحبّ إلى رسول الله من امرأته([70]) .

قال رسول الله : (إنّما ابنتي فاطمة بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها) .

ومن البديهي أنّه لا يمكن لظاهرة الحنان التي تربط الوالد بولده أن تُفسّر هذا الأمر، أنّ النبي (ص) رسول الله لا يريد إلاّ ما أراد الله، وأنّ رضا وسعادة فاطمة (عليها السلام) من رضا الله ورسوله، ما هو إلاّ دليل على صهر إرادتها فيما يريده الله ويرضاه، ولابدّ من الإشارة هنا إلى نقطة مهمة، وهي أنّ البعض فسّر جملة (فاطمة بضعة مني) على أنّها جزء من جسد الرسول  في الوقت الذي يدل مفهوم الحديث، على أنّ فاطمة (عليها السلام) جزء من كيان ووجود أبيها محمّد  ومن الناحيتين المادية والروحية .

وقد استدلّ أعلام الأمامية بهذا الحديث على عصمة فاطمة (عليها السلام)، قال الشيخ المفيد (رحمه الله): (فلولا أنّ فاطمة كانت معصومة من الخطأ، مبرّأة من الزلل، لجاز منها وقوع ما يجب أذاها به بالأدب والعقوبة، ولو وجب ذلك لوجب أذاها، ولو جاز وجوب أذاها، لجاز أذى رسول الله  والأذى لله عزّ وجل، فلمّا بطل ذلك، دلّ على أنّها كانت معصومة)، وقال السيد المرتضى رحمه الله: (هذا يدلّ على عصمتها؛ لأنها لو كانت ممن يقارف الذنوب، لم يكن من يؤذيها مؤذياً له  على كلّ حال، بل كان متى فعل المستحقّ من ذمّها وإقامة الحدّ عليهاـ إن كان الفعل يقتضيه ـ ساراً له ومطيعاً) .

عاشراً: حياتها بعد رحيل أبيها

ما أن أغمض النبي الأكرم عينيه إلّا وانقلبت الاُمة رأساً على عقب، وكانت المأساة تسير في خطين متوازيين؛ وهما غصب الخلافة الحقّة من الأمير  ، وغصب حقوق أهل البيت (عليهم السلام) وعلى رأسها نحلة الزهراء (فدك) .

وبدأت رياح الظلم والمصاعب تهب على آل بيته الميامين، فظهرت من جديد أحقاد بدر وخيبر وحُنين، التي دُفنت في عصر الرسول الأمين تحت التراب، وثار المنافقون والأحزاب لينتقموا من الإسلام ومن آل بيت محمد، وخصوصاً ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام)، التي كانت تمثّل مركز الدائرة، التي صُوّبت نحوها سهام الأعداء المسمومة، ألم فراق أبيها من ناحية، ومظلومية أمير المؤمنين علي  المؤلمة من ناحية أخرى، والمؤامرات التي حاكها أعداء الإسلام من ناحية ثالثة، وقلق فاطمة على مستقبل المسلمين وكيفية الحفاظ على تعاليم القران .

اجتمعت هذه الأمور مع بعضها لتعكّر صفوها وتدمي قلبها، لكن فاطمة أخفت همها وغمها عن زوجها مخافة أن يتسع جرحه ومعاناته من ظلم الأمّة له، لهذا كانت تذهب إلى قبر أبيها لتَبثَّ إليه آلامها وأحزانها، وما آل إليه حالها، فقد قالت ذات مرّة: (يا أبتاه بقيت والهةً وحيرانةً فريدة، قد أنخمد صوتي وانقطع ظهري وتنغّص عيشي) .

ورغم ذلك لم يَخفَ على أحد ما تحمّلته في سبيل الدفاع عن الحرمة العلوية المقدّسة، وحماية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.. فبالرغم من قصر حياتها بعد أبيها، حيث استجاب الله سبحانه وتعالى دعاءها، ولبّت بدورها نداء الباري (عزّ وجلّ)  لتنتقل إلى جوار ربّها وتسارع لرؤية أبيها، وبالرغم من ذلك، فقد بذلت كلَّ ما في وسعها من فداء وتضحية في الدفاع عن الإسلام، والتذكير بحق أمير المؤمنين علي([71]) .

ويتضح مما تقدم أن التراث الخطابي الفاطمي أكد على الدفاع عن ولاية أمير المؤمنين  وهذه الشواهد تثبت ذلك أن الهدف الحقيقي لخروجها هو ذلك، وأن الدفاع عن حقها الاقتصادي المغتصب المتمثل في فدك وغيرها ما هو طريقاً فحسب، وهذا لا يعني عدم وجوب التكليف الشرعي عليها (عليها السلام) للمطالبة بحقوقها الاقتصادية، أو للقيام في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر([72]) .

الحادي عشر: مكانتها العلميّة

إنّ حب أولياء الله لشخص دون الآخر ليس حبّاً عاديّاً، فلا بد أن يكون قائماً على أسس مهمة منها العلم والإيمان والتقوى، وما علاقة الرسول الكريم  القوية بابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلاّ دليل على تمتعها بتلك الصفات الفاضلة، ويقول الرسول: (فاطمة أفضل نساء العالمين) أو (أفضل نساء الجنة)، فإنّ هذا بحدِّ ذاته دليل على أنّها أعلم نساء العالمين .

نقل (أبو نعيم الأصفهاني) عن رسول الله  أنّه قال يوماً لأصحابه ما خير النساء؟ فلم يدرِ الحاضرون ما يقولون، فسار علي (عليه السلام) إلى فاطمة فأخبرها بذلك، فقالت: (فهلاّ قلت له خير لهنَّ أَلاّ يَرينّ الرجال ولا يرونهنّ)، فرجع علي (عليه السلام) فأخبره بذلك، فقال رسول الله  : (من علّمك هذا؟ قال: فاطمة، فقال رسول الله: إنّها بضعة مني) .

يظهر من هذا الحديث أنّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، رغم ما كان يتمتع به من مقام عظيم في العلوم والمعارف، الذي اعترف به الصديق والعدو، وإنّه باب مدينة علم الرسول الأكرم، إلاّ أنّه كان يستفيد أحياناً من علم زوجته فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

إنّ ما ذُكر في نهاية هذه الرواية من أنّ رسول الله  ، قال: (فاطمة بضعة مني)، إنّما يشير إلى حقيقة مهمة، وهي أنّ القصد من (بضعة) لا يقتصر على كونها جزء من بدنه فقط كما فسّره البعض، بل هي جزء من روح الرسول وإيمانه وعلمه وفضله وأخلاقه، فهي شعاع من تلك الشمس وقبس من تلك المشكاة .

المبحث الثالث

لماذا كناها الرسول  بأم أبيها

نعم.. إنه اليُّتُمْ يجعل من الطفل يحنُّ إلى أنثى تحنو عليه بدل أمه، فقد توفيت (آمنة بنت وهب) أم النبي (ص) وهو طفل صغير، فتعلق قلبه حينذاك بـ(فاطمة بنت أسد) أم علي  ، لقد كان يناديها: يا أماه ! وعندما توفيت حزن عليها حزناً شديداً، وسمع يقول: ماتت أمي! .

رزق (ص) فاطمة، وكلما رآها ذكر فاطمة بنت أسد، وتسلى بابنته عنها، وكان يجد في فاطمة ما يجده الولد ويلمسه في أمه من الحنان والدفء والحنوّ أكثر مما يجده ويلمسه في ابنته، وقد تواترت الروايات بأنه  إذا أراد السفر كان آخر عهدة بفاطمة، وإذا رجع كان أول عهده بها،  فصارت ربّة بيته التي تكفيه التفكير بمشاغل البيت، ووقفت إلى جنبه موقف المرأة البطلة المكافحة والمضحية براحتها ورفاهيتها، وليس ثمّة كلمة تعبّر عن تقديره  لما لقي من ابنته الصغيرة في مواقفها المختلفة، أفضل من(أُمّ أبيها) في أحد معاني هذه الكنية العظيمة [73] .

وإذا كانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) قد فُجعت بأمّها وهي بأمسّ الحاجة إليها، فقد صارت أشدّ لصوقاً بأبيها لتنهل من سجايا نفسه الزكية ومكارم خلقه الرفيع، وكان  يفيض عليها بحبّه وعطفه وشفقته ليعوضها عن شعورها بالحرمان من أُمّها، إنه الرسول العبقري.. لا يهب الألقاب عبثاً، ولا يمنح الكنى تشهّياً، وإنما هي الحكمة تضع الشيء في موضعه، وسيان في هذا العمود من النور، المتطاول برأسه إلى عنان السماء، أن تكون فاطمة بنتاً لأبيها، وأماً له([74]) .

لقد كان المسلمون يعيشون مرحلة الإعداد في مكة، في ظل ظروف قاسية للغاية، كانت بداية اِنبثاق الدعوة الإسلامية الفئة الإسلامية قليلةً، بينما كانت العدة والعدد والسطوة والثروة بيد خصوم الدعوة الجفاة، وكان لهم أن يفعلوا ما شاءوا بالمسلمين، فلم يتورعوا عن أذى المسلمين، كما لم يكفوا عن الإساءة إلى النبي والطعن في شخصه، وقد شهد ذلك العصر بروز شخصيتين على مستوى التضحية والفداء: فكانت خديجة من بين النساء، التي كانت سكن رسول اللّه  تواسيه بحبها وحنانها، فتزيل عن قلبه الهم والغم، أمّا من بين الرجال فكان أبو طالب والد أمير المؤمنين علي  ، والّذي كان يتمتع بمكانة مرموقة في المجتمع المكّي، إلى جانب حكمته وحنكته العالية، فكان يقي رسول اللّه  ولا يتوانى في الدفاع عنه، كان درعه وعونه إزاء خصوم الدعوة، وللأسف فقد توفي هذان العظيمان في السنة العاشرة للهجرة، فحزن رسول اللّه  حزناً شديداً، وبقي وحده في الساحة، وقد بانت شدة حزنه بهذين الفردين – واللذَينِ كان لكل منهما دوره في انتشار الإسلام – حين سمّى ذلك العام بـ(عام الأحزان)، ولكن لا يسلب اللّه المصطفين من عباده نعمة الإفاضة عليهم مثلها، فقد خلّف كل منهما ولداً يواصل نهجهما، فكان علي بن أبي طالب  كأبيه، يقي رسول اللّه  بنفسه منذ انبثاق الدعوة، وهكذا سدّ الفراغ الذي تركه أباه بعد رحيله، بينما خَلَّفتْ خديجة (فاطمة)، فكانت البنت الحنونة الشجاعة المضحية التي وقفت إلى جانب أبيها تشد أزره، وتشاركه همه وغمه .

وكان أمير المؤمنين في التاسعة عشرة من عمره، بينما لم تكن فاطمة – على ضوء الروايات الصحيحة – قد جاوزت الخامسة من عمرها، والجدير بالذكر أنّهما عاشا معاً في بيت رسول اللّه يؤنسانه ويخفّفان عنه ألم الوحدة، عندما نالت قريش من رسول اللّه  من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنشر على رأسه التراب، فدخل رسول اللّه  بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه فاطمة (عليها السلام) فجعلت تمسح التراب عن رأسه وهي تبكي، ورسول اللّه يقول لها: (لا تبكي يا بنية، فإنّ اللّه مانع أباك)، وهذا يدل على أنَّ فاطمة (عليها السلام) لم تكن تخدم والدها في البيت فحسب، بل وتفكّر بكيفية الدفاع عنه ونجاته في خارج البيت .

وروي أنّها كانت الوحيدة في الدفاع عنه (عليها السلام) عندما رمى عليه أبو جهل روث البقر وهو  يصلي وأصحابه عند الكعبة، فلم يجرؤ أحد على التدخل، لكنّها خرجت وأسمعت أبا جهل ما روّعهُ عن الاستمرار في السخرية من النبي، نعم.. حتى عند افتقار الجرأة في الشجعان من الرجال في الدفاع عن رسول اللّه   نرى هذه البنت الشجاعة الصغيرة تسارع في الدفاع عن رسول اللّه .

وبعد أن انقضت فصول معركة أحد، وغادر جيش العدو ساحة الوغى، كان الرسول لا يزال في ميدان أحد وقد كُسرت رباعيته وشُجّ جبينه، وبينما هو كذلك إذا أقبلت فاطمة (عليها السلام) وهي صغيرة السِن من المدينة إلى أحد سيراً على الأقدام لتقوم بغسل وجهه المبارك وإزالة الدم عن محيّاه الشريفة، لكن الجبين لم يَزَّل ينزف، عندها قامت بحرق قطعة من الحصير، ثمّ وضعت رماده على مكان الجرح فانقطع النزيف، والأعجب من ذلك أنّها كانت تهيّئ لأبيها السلاح في المعركة التي جرت في اليوم القادم في معركة الأحزاب التي هي من أهمِّ الغزوات الإسلامية، وفي أحداث فتح مكة عندما انتصر جنود الإسلام على آخر متراس للمشركين، والسيطرة على البيت العتيق، وتخليصه من الأصنام التي كانت تلوّثَّهُ، ونرى فاطمة (عليها السلام) واقفةً إلى جانب أبيها؛ ففي الخندق تُقبل عليه بأقراص من الخبز معدودة بعد أن بقى أياماً بدون طعام، وفي الفتح المبين نراها تضرب له خيمته وتُهيّئ له ماءً ليستحم ويغتسل، حتى يزيل عن جسده المبارك غبار الطريق، ويرتدي ثياباً نظيفة يخرج بها إلى المسجد الحرام([75]) .

وفي احدى قصص واقعة أحد.. روى ألقمي في تفسيره أن إبليس صاح بالمدينة: قتل محمد فلم يبق أحد من نساء المهاجرين والأنصار إلا خرج، وخرجت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله تعدو على قدميها حتى وافت أباها رسول الله وقعدت بين يديه وكانت إذا بكى بكت، وإذا انتحب انتحبت. هكذا التعاطف كان بين الزهراء وأبيها، وكأنهما روح واحدة، فلا تملك نفسها المقدسة حين تراه يغتم، فتغتم لغمه، وتحزن لحزنه، بل وتنتحب لا نتحابه، فهي ابنته البارة، بل كأنها أمه الشفيقة عليه [76]

وكانت سلام لله عليها تكنى بـ(أم الحسن وأم الحسين، وأم المحسن، وأم الأئمة، وأم أبيها)([77])، نعم.. فأَنتِ أمُ أَبيك، وطبيعي أن تكون الزهراء (عليها السلام) أماً له في رسالته، لا في ولادته، قال رسول اللّه : (إنّ أوّل شخص يدخل عليّ الجنة فاطمة بنت محمد) .

فعن الإمام الصادق عن أبيه (عليهما السلام)، قال : (أنّ فاطمة كانت تُكنى أُمّ أبيها)([78])، وهو يدل على أنَّ هذه البنت الوفية كانت تقوم بدور الأمّ في رعايتها لأبيها والسهر عليه، وكما نعلم أنّ الرسول الكريم فقد أُمّه وهو في مرحلة الطفولة، لكن ابنته هذه لم تُقصّر في محبتها وحنانها وقلقها عليه رغم صغر سنها، فهي بنت مضحّية وفدائية من ناحية، وهي أمّ مؤثرة حنونة من ناحية أخرى، ومواسية وَفيَة من ناحية ثالثة، وقد شهدت بذلك الروايات التي ذكرناها، وتوالت على الزهراء (عليها السلام) بعد نشأتها المشاهد القاسية التي كانت أليمة الوقع على نفسها الطاهرة وقلبها العطوف منذ نعومة أظفارها، فقد فتحت عينها على المحن التي قاساها أبوها المصطفى في سبيل الدعوة، وما رافقها من التعذيب والتنكيل بالمستضعفين من أتباعه، وهجرتهم إلى الحبشة، وحصار بني هاشم في شعب أبي طالب نحو ثلاث سنين قضتها الزهراء مع أمّها وأبيها (صلوات الله عليهم) بحرمان وفاقة وانقطاع عن الناس([79]) .

وكانت الزهراء ترى بعينيها ما يفعله المستهزئون ويقوله المتآمرون من أجلاف قريش، فكانت تحنو على أبيها كالاُمّ الرؤوم، وتغمره بحنانها وتفديه بروحها وتميط عنه الأذى، وتخفّف من آلامه، وتهب لنصرته وتقوم على خدمته فهو حياتها كلّها، تبتسم لابتسامته، وتصب الدمع الهتون إذا ما مسّه لغب ولو من عذب النسيم، وكان ذلك أحد الوجوه المذكورة في سبب تكنيتها بأُمِّ أبيها من والدها  .

وروى البيهقي بالإسناد عن ابن عباس عن فاطمة (عليها السلام)، قالت: (اجتمع مشركوا قريش في الحجر، فقالوا: إذا مرّ محمد  عليهم ضربه كل واحد منّا ضربة، فسَمِعته (فاطمة) فدخلت على أبيها فَذَكرتْ ذلك له، فقال: يا بنية اسكني، ثم خرج فدخل عليهم المسجد، فرفعوا رؤوسهم ثم نكسوا، فأخذ قبضةً من تراب فرمى بها نحوهم ثم قال: شاهت الوجوه، فما أصاب رجلاً منهم إلاّ قتل يوم بدر كافرا)([80]) .

ويجيب سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على سؤال وجه له حول ذكره في أسماء الزهراء (عليه السلام) أم أبيها، فيجيب: هذه الكنية للزهراء (عليها السلام) رواها الخاصة والعامة، فمن ناحية العامة (الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن مصعب بن عبد الله الزبيري، وابن الأثير في أسد الغابة، وأبو الفرج في مقاتل الطالبين، وابن حجر في الإصابة وفي تهذيب التهذيب وفي تاريخ مدينة دمشق)، وهي من أشهر كنى الزهراء (عليها السلام)، وقد كناها بذلك أبوها رسول الله  ، ويمكن أن يكون لهذه الكنية أكثر من منشأ([81]) :

  1. إن حب فاطمة (عليها السلام) لأبيها وشفقتها وحنوها عليه كان كالذي تُغدقه الأم على ولدها، مع الالتفات إلى أنه ليس مبنياً على العاطفة المجردة؛ وإنما على المعرفة التامة التي تناسب مقامها المقدس الكامل .

  2. وتأتي الأم بمعنى الأصل كما في قوله تعالى: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا)([82]) يعني في أصل الكتاب أي اللوح المحفوظ، فالزهراء (عليها السلام) أصل أبيها لأن كل نسله وذريته منها فهي أصل امتداده إلى يوم القيامة، وهي أصل امتداد رسالته إلى يوم الساعة، لأنها بموقفها وتضحيتها حافظت على خط الإسلام الأصيل وحفظته من الانحراف والتحريف .

  3. وتطلق الأم على خالصة الشيء وعصارته ومجمع محتوياته كما تسمى منطقة الدماغ من الإنسان (أم الرأس)، فيقال ضربه على أم رأسه، وكما تسمى مكة أم القرى، وتسمى سورة الحمد أم الكتاب لأنها اشتملت على ما في القرآن الكريم من المبادئ العامة، فالزهراء (عليها السلام) أم أبيها بهذا المعنى لأنها جمعت الخصال الكريمة لأبيها، وأعترف لها بذلك أصحاب رسول الله وأمهات المؤمنين.

  4. ويمكن أن يكون رسول الله قد كنّاها بذلك ليقطع الطريق على من تشعر من أزواجه بأن لها شرفاً وتفضيلاً على فاطمة (عليها السلام)، باعتبار إنهن أمهات المؤمنين بنص قوله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)([83])، فكنى فاطمة أم أبيها لتتقدم على أزواجه .

كما أنه  لما آخى بين المهاجرين والأنصار في المدينة لم يجعل لعلي (عليه السلام) أخاً كالآخرين، ولما سأله أمير المؤمنين، قال : (أدخرتُكَ لنفسي) وآخاه .

لقد انتقلت الزهراء (ع) إلى بارئها هناك حيث جنة عرضها السماوات والأرض تنتظر يوم القيامة يوم الحساب.. ولكنها تركت صرخة تجلجل وتدوي لتحرك الضمائر الميتة وتهز الوجدان وتنفض غبار الغفلة والشهوات والتكبر عن العقول.. صرخة ألم ولوعة أما صرخة الألم فهو نتاج ما لحقها من أذى وضرب وإسقاط جنين وأما اللوعة فهي مما اقترفته الأمة تجاه الرسول  ورسالته التي لم تحفظ.. لقد غادرت الزهراء وتركت سهمين في صدر التاريخ ينزفان دما الأول انتقالها وهي لم تكمل عقدها الثاني أما الآخر فهو دفنها ليلاً سراً حتى أن قبرها الذي تهفو إليه قلوب الملايين لا يعرف له موضع.. حسرة وما أعظمها من حسرة إنها إشارة الزهراء لننطلق في تلمس الحقائق، ثمانية عشر ربيعا فقط وكانت أول أهل بيته لحوقا به.. ترى لماذا.. صحيح أن الموت حق على كل العباد ولكن ألا يقفز إلى الذهن السؤال عن سبب الموت؟ كلنا عندما نفقد عزيزاً في ريعان شبابه ويأتينا الخبر بموته نسأل مباشرة وكيف مات؟ وهذا ما يريده الله عز وجل منا لنصل إلى عمق المأساة، سؤال فطري.. ما الذي جعل الزهراء (ع) تنتقل بهذه السرعة وغيرها يمتد به العمر إلى ما شاء الله.. وعندما نسأل أنفسنا هذه الأسئلة سنكتشف الحقيقة؛ أولاً حزنا على فقد الحبيب المصطفى    ثم على غصب الحقوق ثم اعتداء وضرب وإسقاط الحقوق حقوقها وحقوق زوجها وأبنائها وحقوق الأمة الإسلامية ويتوج ذلك كله الاعتداء الصارخ بالإحراق والضرب والرفس ومن ثم إسقاط المحسن ألا يكفي هذا لأن تهد الجبال هداً.. إن الزهراء (ع) قاست كل ذلك لا لكي تجني فائدة شخصية ولكن لتثبيت دعائم الإسلام .. هكذا يريد الله تعالى أن يكشف لنا عن الحقائق عبر حياة أوليائه .

والسهم الآخر دفنها سراً.. إن الزهراء (ع) بنت النبوة ربيبة الوحي تخدم الرسالة حية وميتة.. لقد أمرت ألا يصلي عليها رمز الشرعية في السقيفة، وأن تدفن ليلا سرا حتى لا يعلم قبرها.. فيبقى التساؤل عن سر ذلك قائما حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.. فكل الشخصيات الهامة، وكل الصالحين نعرف قبورهم ويقصدها من يقصدها إلا الصديقة الطاهرة أم أبيها ترى لماذا؟ إنها أيضا رسالة الرسالة لمن يؤمن بالرسالة وذكرى لقوم يعقلون .

وتذكر أخبار السيرة أن الصديقة فاطمة (عليها السلام) أول امرأة غُطّيَ نعشها في الإسلام، وهذه السُّنة للسيدة الصديقة الزهراء تمثّل غاية الحرص على الحشمة ورعاية الحجاب الشرعي، وهي المثل الأعلى الذي تقتدي به المرأة المسلمة في حياتها ومماتها من أجل حفظ كرامتها عن أنظار الآخرين ([84]) .

يا للجفاء، إنها بضعة النبي (ص) وبنته المفضلة التي أكد على رعاية حقها مراراً، والمرء يحفظ في ولده!، ولكن هذا كله لم يكن بالذي يمنع المتطاولين من أن يتطاولوا عليها، ويردع الأيدي الآثمة من أن تمتد فتخنق هذه الزهرة الفواحة ولما يمض على تفتحها زمن طويل! وهكذا ذوى الغصن الذي خلفه النبي في أمته، وتناثرت زهره، وذبلت أعواده، وبدت شاحبة باهته([85]) .

وختاماً أقول إلهي أحينا ما أحييتنا على محبة وموالاة هذه السيدة وأبيها وبعلها وبنيها (صلواتك عليهم)، واحشرنا في زمرتهم يا ربّ، وفّقنا في إتباع نهجهم، والاهتداء بنور هدايتهم، والاقتداء بسُنتهم، واجعلنا ممّن يأخذ بحُجتهم، ويمكث في ظلهم، ويهتدي بهداهم.. آمين يا ربّ العالمين .

التوصيات والمقترحات

  1. التعريف بدور الزهراء (عليها السلام) للعالم أجمع، بالأخص الجيل الجديد .

  2. على المرأة المسلمة اليوم أن تعي إن النموذج القدوة ليس هو النموذج الغربي، فليس هو الأقدر على التعاطي مع ضرورات المرحلة، وحاجات الحاضر، لأن استعادة هذا النموذج يشكل تناقضاً صريحاً مع الهوية الإسلامية.

  3. أن دور المرأة لا يقل أهمية عن دور الرجل في كافة نواحي الحياة بصفتها نصفه الأول بل تفوقت عليه من خلال تربيتها للنصف الآخر؛ والزهراء (عليها السلام) هي النموذج الأفضل والأسمى لمعالجة المشاكل التي تواجه عالمنا ولبناء الإنسان على القيم السامية لأن الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها .

  4. قيام المرأة المسلمة المتعلمة بدور تثقيفي لنشر العلوم والمعارف الأخلاق الإسلامية بين النساء، إذ أن نشر العلم في المجتمع يساهم في تنمية الوعي العلمي والثقافي، والتقليل من نسبة الأمية.. مما ينعكس بدوره على التنمية الثقافية والعلمية بين أفراد المجتمع وخصوصاً في الوسط النسائي .

  5. التمثل بأبعاد الرسالة الإسلامية السمحة التي رسمها الإسلام للزواج الذي ارتضاه الباري عزوجل، بما فيه من تواضع المهر من تواضع المهر، وبساطة المراسيم، وسمو الخلق والمثل ومبادئ الدين على مظاهر البذخ والترف، وما يتبعه من حسن التبعّل وطيب المعاشرة، وجعل من زواج الزهراء عليها السلام تقليداً وسنةً .

المصادر

أولاً : القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة .

ثانياً : القواميس والتفاسير

  • الطبراني، سليمان بن أحمد الطبراني، المعجم الكبير، مكتبة ابن تيمية، القاهرة .

  • ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب 11 : 43 ، دار صادر، بيروت، 1955 .

  • العياشي، أبي النصر محمد بن مسعود السمرقندي، تفسير العياشي، المكتبة العلمية الإسلامية، طهران، بلا.ت .

  • الفخر الرازي، التفسير الكبير ط1، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1415 .

ثالثاً: الكتب العربية

  • أبو علم، توفيق، أهل البيت (عليهم السلام)، مطبعة السعادة، مصر، بلا.ت .

  • أبن أبي ثلج، تاريخ الأئمة ضمن مجموعة نفيسة، مكتبة السيد المرعشي، قم .

  • ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة ط2، دار احياء الكتب العربية، بيروت، 1965 .

  • أبن شهرآشوب، أبي جعفر رشيد الدين محمد بن علي، المناقب، مؤسسة انتشارات، قم، 1376 .

  • ابن قتيبة، أبي محمد عبد الله ابن مسلم الدينوري، الإمامة والسياسة، مطبعة النيل، مصر، 1904 .

  • بيومي، محمد، في رحاب النبي وآل بيته الطاهرين السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، المكتبة الشاملة، بلا.ت .

  • حسن، السيد عبد المنعم، بنور فاطمة اهتديت، دار الخليج للطباعة والنشر- بيروت، بلا.ت .

  • مزار المفيد، مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام) ، قم .

  • مسند أحمد، دار الفكر، بيروت .

  • مغنية، الشيخ محمد جواد، فضائل الإمام علي (عليه السلام)، مكتبة الهلال، بيروت، بلا.ت .

  • البستاني، محمود، الإسلام وعلم الاجتماع ط1، مجمع البحوث الإسلامية – بيروت، 1994 .

  • البغدادي، أحمد بن علي الخطيب، تأريخ بغداد ط1، دار الكتب العلمية، 1417.

  • البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي، دلائل النبوة ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1988 .

  • الجوزي، سبط أبن الجوزي، تذكرة الخواص، منشورات الشريف الرضي، 1418.

  • الحلي، حسن بن يوسف بن المطهر، تذكرة الفقهاء (ط.ج)، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم، 1414 .

  • الرازي، فخر الدين، تفسير الرازي ط1، دار الفكر، بيروت، 1981 .

  • الشيخ الصدوق، أبي جعفر محمد بن علي ابن الحسين بن بابويه القمي، علل الشرائع، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف الشرف، 1966 .

  • الشيخ الصدوق، أبي جعفر محمد بن علي ابن الحسين بن بابويه القمي، معاني الأخبار، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، 1979 .

  • الشيخ الصدوق، أبي جعفر محمد بن علي ابن الحسين بن بابويه، الخصال، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة جماعة المدرسين، قم، 1403 .

  • الشيرازي، ناصر مكارم، الزهراء سيدة نساء العالمين (عليها السلام)، تعريب: عبد الرحمن الحمراني، بلا دار نشر، بلا .ت .

  • الطبري، ابي جعفر أحمد بن عبد الله ابن محمد، دلائل الإمامة، مؤسسة البعثة، قم .

  • الطبري، ابي جعفر أحمد بن عبد الله ابن محمد، الرياض النضرة في مناقب العشرة ط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1996 .

  • الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي ط1، دار الثقافة، قم، 1414 .

  • الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1992 .

  • القرطبي، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد النميري، الاستيعاب في معرفة الأصحاب 3 : 36، دار الجيل، بيروت، 1992 .

  • القُمّي، الشيخ عباس، بيت الأحزان في مصائب سيدة النسوان البتول الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، مطبعة سرور ط1، 2007 .

  • القزويني، محمد كاظم، فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد، بلا دار نشر، كربلاء

المقدسة، 1392 .

  • الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، دار الكتب الإسلامية ط2 ، طهران، 1968 .

  • المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء بيروت، 1983 .

  • المجلسي، محمد باقر بن محمد، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول (نسخة غير مصححة) ط2،

دار الكتب الإسلامية، طهران، 1404  .

  • المعاني الرسالية من حركة السيدة الزهراء (عليها السلام)، من خطب سماحة المرجع الشيخ محمد

اليعقوبي (دام ظله) ط1، دار الصادقين، النجف الاشرف، 2014 .

  • المسعودي، محمد فاضل، الاسرار الفاطمية، مؤسسة الزائر في الروضة المقدسة لحضرة فاطمة

المعصومة (عليها السلام) للطباعة والنشر، قم، بلا.ت .

  • الميلاني، فاضل الحسيني، فاطمة الزهراء (أم ابيها)، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1992 .

  • الأصفهاني، عبد الله البحراني، سيدة النساء فاطمة الزهراء، مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام) ، قم، 1416 .

  • الهيتمي، أبي العباس أحمد بن محمد بن علي ابن حجر، الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1997 .

  • الأربلي، أبي الحسن علي بن عيسى، كشف الغمة في معرفة الائمة، دار الأضواء، بيروت .

  • الأصفهاني، أبو نعيم، حلة الأولياء ط1، دار الكتب العلمية، 1418.

  • الاميني، عبد الحسين، الغدير، مؤسسى الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1340 .

  • النيسابوري، محمد بن عبد الله الحاكم، مستدرك الحاكم، دار الكتب العلمية، بيروت، 1990 .

ثالثاً : الدراسات والبحوث والدوريات والمجلات

  1. مركز الرسالة، سيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام)، سلسلة المعارف الإسلامية ط 25، بيروت، بلا.ت .

  2. البهادلي، عبد العزيز كاظم، أمهات المعصومين سيرة وتأريخ، سلسلة المعارف الإسلامية 47، دار الرسالة، بلا.ت، ص 85.

  3. العفراوي، إيمان نعيم، أبعاد التوافق في شخصية السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، كلية التربية للعلوم الإنسانية، جامعة البصرة، بلا .ت، ص 7 .

  4. العقيلي، الشيخ الدكتور ثائر، دراسات في السيرة الفاطمية ج1، إصدارات مركز الدراسات الفاطمية في البصرة، البصرة، 2017، ص 32 .

رابعاً : المواقع الالكترونية

  1. المرأة ومسؤولية الإصلاح (من رحاب الزهراء):                           Annabaa.org

  2. اليوسف، الشيخ عبد الله، فاطمة الزهراء قامة علمية شامخة، من خطبة الجمعة 12جمادي الاولى، 1438، الموافق 10 فبراير 2017 :                                        annabaa.org

  • الكعبي، علي موسى، سيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام)، سلسلة المعارف الإسلامية 25، مركز الرسالة، بلا.ت :

www.alseraj.net                                                                                 

  • الجواهري، ضياء، موسوعة العترة الطاهرة ج1، فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) الحوراء الإنسية، بلا. دار نشر، بلا.ت :

www.alhassanain.com

  • العذاري، شهاب الدين، ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)، سلسلة المعارف الإسلامية 42، شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي، كربلاء، بلا.ت، ص 91 :

www.alhassanain.com

بر فاطمة”عليها السلام بأبيها:                                                                www.alkafeel

[1] الكعبي، علي موسى، سيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام)،  سلسلة المعارف الإسلامية 25، ، مركز الرسالة، بلا.ت، ص 5 :

                                                                                                                   www.alseraj.net

[2] العذاري، شهاب الدين، ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)، سلسلة المعارف الإسلامية 42، شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي، كربلاء، بلا.ت، ص 91 :                                www.alhassanain.com              

[3] المرأة ومسؤولية الإصلاح (من رحاب الزهراء) :                                             www. Annabaa.org   

[4] الجواهري، ضياء، فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) الحوراء الإنسية، موسوعة العترة الطاهرة ج1، شبكة الإمامين الحسنين (عليهم السلام) ، 2015، ص 12:                                                                                       www.alhassanain.com              

[5] مركز الرسالة، سيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام)، سلسلة المعارف الإسلامية، ط 25، بيروت، بلا.ت، ص 6 -8 .

[6] القُمّي، الشيخ عباس، بيت الأحزان في مصائب سيدة النسوان البتول الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، مطبعة سرور ط1،

     2007 ، ص 5 .  

[7] أبو علم، توفيق، أهل البيت (عليهم السلام)، مطبعة السعادة، مصر، بلا.ت .

[8] بيومي، محمد، في رحاب النبي وآل بيته الطاهرين السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، المكتبة الشاملة، بلا.ت ، ص 15 .

[9] اليوسف، الشيخ عبد الله، فاطمة الزهراء قامة علمية شامخة، من خطبة الجمعة  الموافق 10 فبراير 2017 :                                                                                                                                                              www.annabaa.org

[10] القزويني، محمد كاظم، فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد، بلا دار نشر، كربلاء المقدسة، 1392، ص 9 .

[11] المسعودي، محمد فاضل، الأسرار الفاطمية، مؤسسة الزائر في الروضة المقدسة لحضرة فاطمة المعصومة (عليها السلام) للطباعة والنشر، قم، بلا.ت، ص 9 .

[12] العفراوي، إيمان نعيم، أبعاد التوافق في شخصية السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، كلية التربية للعلوم الإنسانية، جامعة البصرة، بلا دار نشر، بلا .ت، ص 7 .

[13] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، دار الكتب الإسلامية ط2 ، طهران، 1968 .

[14] بيومي، محمد، مصدر سابق، ص 110 .

[15] الطبري، أبي جعفر احمد بن عبد الله، دلائل الإمامة: 79/ 18، مؤسسة البعثة، قم .

[16] ابن أبي الثلج، تاريخ الأئمة: 6 ـ ضمن مجموعة نفيسة ـ مكتبة السيد المرعشي، قم .

[17] الجوزي، سبط أبن الجوزي، تذكرة الخواص:306، منشورات الشريف الرضي، 1418.

[18] الشيرازي، ناصر مكارم، الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)، تعريب: عبد الرحمن الحمراني، بلا دار نشر، بلا .ت، ص 12-13.

[19] الميلاني، فاضل الحسيني، فاطمة الزهراء (أم ابيها)، مؤسسة الوفاء – بيروت، 1992، ص 18 .

[20] الحلي، حسن بن يوسف بن المطهر، تذكرة الفقهاء (ط.ج) 1 : 252، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم، 1414 .

[21] الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام 7 : 469/ 1881،دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1983 .

[22] المعاني الرسالية من حركة السيدة الزهراء (عليها السلام)، من خطب سماحة المرجع الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) ط1، دار الصادقين، النجف الاشرف، 2014، ص 164-165 .

[23] الشيخ الصدوق، أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي، علل الشرائع 1 : 178/ 3 ، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف الأشرف، 1966 .

[24] بيومي، محمد، مصدر سابق، بلا.ت ، ص 112 .

[25] مسند أحمد 4 : 5 دار الفكر ـ بيروت .

[26] الشيخ الصدوق، أبي جعفر محمد بن علي أبن الحسين بن بابويه القمي، معاني الأخبار: 64 / 15، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، 1979 .

[27] ابن شهرآشوب، أبي جعفر رشيد الدين محمد بن علي، المناقب 3 : 330 ، مؤسسة انتشارات، قم، 1376 .

[28] الشيخ الصدوق، معاني الأخبار : 64 / 17 ، مصدر سابق .

[29] الكعبي، علي موسى، مصدر سابق، ص 29-31                                                                                                                                                                                                                            

[30] ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب 11 : 43 ، دار صادر، بيروت، 1955 .

[31] ألأميني، عبد الحسين، الغدير 5 : 42 ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1340 .

[32] الشيخ الصدوق، علل الشرائع 1 : 182 / 1، مصدر سابق .

[33] المجلسي، محمد باقر بن محمد، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول(نسخة غير مصححة) ط2: 5 : 315 ، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1404 .

[34] المحب الطبري، أبي جعفر أحمد بن عبد الله ابن محمد، الرياض النضرة في مناقب العشرة ط1: 3 : 172 دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1996 .

[35] حسن، السيد عبد المنعم، بنور فاطمة اهتديت، دار الخليج للطباعة والنشر- بيروت، بلا.ت، ص 73-75 .

[36] – الاصفهاني، عبد الله البحراني، سيدة النساء فاطمة الزهراء، مؤسسة الأمام المهدي  ، قم، 1416، ص 553-554 .

[37] القزويني، محمد كاظم، مصدر سابق، ص 11-12 .

[38] القرطبي، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد النميري، الاستيعاب في معرفة الأصحاب 3 : 36، دار الجيل، بيروت، 1992 .

[39] الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير 22 : 417 / 1030 ، مكتبة ابن تيمية، القاهرة .

[40] البغدادي، أحمد بن علي الخطيب، تاريخ بغداد ط1: ج4 ، ص 392 ، دار الكتب العلمية، 1417 .

[41] الكليني، محمد بن يعقوب الكافي 5 : 324 / 4، مصدر سابق .

[42] الاربلي، ابي الحسن علي بن عيسى، كشف الغمة في معرفة الأئمة0 1 : 363 ، دار الأضواء، بيروت .

[43] سورة النور : 24 / 36.

[44] مغنية، الشيخ محمد جواد، فضائل الإمام علي (عليه السلام)، مكتبة الهلال، بيروت، بلا.ت، ص 26 ـ 27 .

[45] الكعبي، علي موسى، مصدر سابق، ص 67-73.

[46] الفخر الرازي، تفسير الرازي ط1: 8 : 81 ، دار احياء التراث العربي، بيروت، 1419 .

[47] المعجم الكبير 3 : 44 / 263، مصدر سابق .

[48] بحار الأنوار 45 : 349 ، مصدر سابق .

[49] سورة الانعام/84-85 .

[50] سورة آل عمران/ 61 .

[51] سورة النساء/22 .

[52] الميلاني، فاضل الحسيني، مصدر سابق، ص 22-23 .

[53] الهيتمي، أبي العباس أحمد بن محمد، الصواعق المحرقة ط1: 191 باب 11 فصل 3 ، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1997 .

[54] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 9 : 170 / 12 ، دار أحياء الكتب العربية، بيروت، 1965 .

[55] سورة التكوير : 81 / 8 ـ 9.

[56] سورة النحل : 16 / 58.

[57] تفسير الرازي 32 : 124، مصدر سابق .

[58] المجلسي، بحار الأنوار 43 : 191 / 20 ، مصدر سابق .

[59] العياشي، أبي النصر محمد بن مسعود السمرقندي، تفسير العياشي 1 : 171 / 41 ، المكتبة العلمية الإسلامية، طهران .

[60] الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي ط1: 660 / 1369، دار الثقافة، قم، 1414 .

[61] الكعبي، علي موسى، مصدر سابق، ص 71 .

[62]  شرح ابن أبي الحديد 9 : 193، مصدر سابق .

[63] بحار الأنوار 2 : 8 / 15، مصدر سابق .

[64] سورة الإنسان : 76 / 8 و 9 .

[65] مسند أحمد 5 : 275 ، مصدر سابق .

[66] الكعبي، علي موسى، مصدر سابق، ص 78-79.

[67] مزار المفيد : 132 / 1 مؤسسة الإمام المهدي  ـ قم .

[68] الشيخ الصدوق، أبي جعفر محمد بن علي، الخصال : 173، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1403 .

[69] ابن قتيبة، أبي محمد عبد الله أبن مسلم، الإمامة والسياسة 1 : 12 ، مطبعة النيل، مصر، 1904 ..

[70] مستدرك الحاكم 3 : 154 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

[71] الشيرازي، ناصر مكارم، مصدر سابق، ص 30 -56 .

[72] العقيلي، ثائر، دراسات في السيرة الفاطمية ج1، اصدارات مركز الدراسات الفاطمية في البصرة، البصرة، 2017، ص 32 .

[73] الكعبي، علي موسى، مصدر سابق، ص 23 :

[74] الميلاني، فاضل الحسيني، مصدر سابق، ص 43-44 .

[75]  الشيرازي، ناصر مكارم، مصدر سابق، ص 18- 22 .

[76] بر فاطمة”عليها السلام”بابيها :                                                                                www.alkafeel.net

[77] ابن شهرآشوب، المناقب 3 : 357، مصدر سابق .

[78] المجلسي، بحار الأنوار ج3 ، ص 16 ، مصدر سابق .

[79] -البستاني، محمود، الإسلام وعلم الاجتماع ط1، مجمع البحوث الإسلامية – بيروت، 1994، ص 188 .

[80] البيهقي، احمد بن الحسن بن علي، دلائل النبوة 2 : 276، دار الكتب العلمية، بيروت، 1988 .

[81] المعاني الرسالية من حركة السيدة الزهراء (عليها السلام)، مصدر سابق، ص 166-168 .

[82] سورة الزخرف: 4 .

[83] الاحزاب: 6 .

[84] البهادلي، عبد العزيز كاظم، أمهات المعصومين سيرة وتأريخ، سلسلة المعارف الإسلامية، العدد 47، دار الرسالة، بلا.ت، ص 85.

[85]  ميلاني، فاضل الحسيني، مصدر سابق، ص 193-194 .