عنوان البحث (سيرة المعصومة فاطمة الزهراء مرجعية في الحق وفق التربية النبوية) الدكتورة سميرة بيطام / جمهورية الجزائر
المحور المختار : المحور الاجتماعي
الحياة الاجتماعية الخاصة للسيدة فاطمة (ع) ،محطة لاستلهام الدروس و العبر
عنوان البحث : سيرة المعصومة فاطمة الزهراء مرجعية في الحق وفق التربية النبوية
مقدمـــــة :
إن كل اهتمام أو التفاتة لأهل البيت لهي خطوة عظيمة تستحق التذكير في كل مناسبة بضرورة التنويه بخصال أهل البيت الكرام ، و على قائمة الفضلاء الأكارم المعصومة فاطمة الزهراء ، فقد روي أن الإمام الباقر عليه السلام أصيب بالحمى فتوسل بجدته الصديقة الزهراء عليها السلام و قد ارتفع صوته و هو يقول على فراش المرض ( يا فاطمة …يا ابنة رسول الله…) (1)بحيث سمع صوته خارج الدار ، ما يدلل دلالة قوية على المكانة التي حظيت بها المعصومة في نجدة المحتار و الضائقة به دروب الخلاص و النجاة
وكذلك يقول مولانا الحجة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف (وفي ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لي أسوة حسنة وسيردي الجاهل رداءة )(2).
بوجداني أنا يصرخ حب فاطمة الزهراء تبجيلا لأهل البيت كلهم مثالا للتضحية و الشجاعة و بسالة المواقف من المعصومة ، و لهذا كان اختيار لعنوان بحثي حول :
سيرة المعصومة فاطمة الزهراء مرجعية في الحق وفق التربية المحمدية ، و سبب اختياري لهذا العنوان يعود إلى أن فاطمة الزهراء بنت محمد صلى الله عليه واله وسلم كانت ذات نفوذ قوي وتأثير عظيم في سياسة الدولة الإسلامية عقب انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى(3)، وبالتالي كان يمكن لها أن تغير مسير الأحداث باتجاه آخر مستندة ً في ذلك على قدسيتها المستقرة في نفوس الناس، كونها بضعة رسول الله و أم أبيها .
هذا و نسأل الله التوفيق في أن نوفي و لو بالجزء القليل بحق المعصومة نظرا لجهلنا بسيرتها العطرة و دقائق المواقف المجسدة في شخصيتها الكريمة و العظيمة .
المواضيع السابقة التي تناولت سيرة المعصومة عليها السلام :
توجد المثير من الأقلام التي أسالت الكثير من المداد حول حياة السيدة فاطمة الزهراء و على سبيل المثال و ليس الحصر نذكر ما يلي :
1-د.حمود عبد المجيد بهية في بحثه المعنون ب : الزهراء عليها السلام و الإمامة و غصب فك ،جامعة الكوفة كلية الفقه .
2-خليل خلف بشير ، الدعاء في فكر السيدة الزهراء ،بحث مقدم في جامعة البصرة ، كلية الآداب ، قسم اللغة العربية .
3-د.عباس علي الفحام ،المثال في خطاب الزهراء عليها السلام ، جامعة الكوفة ، النجف الأشرف.
4-د.حسين لفتة حافظ ، المعاني البلاغية في خطبة الزهراء (عليها السلام ) ،جامعة الكوفة ، مركز دراسات الكوفة .
5-زينب عبد الله كاظم الموسوي ، خطبة السيدة الزهراء (عليها السلام) في نساء المهاجرين و الأنصار ،دراسة و توثيق .
6-أ.م.د مرتضى عباس فالح ، أدوار السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ،قراءة في ضوء حياتها المعاصرة .
7-د.عقيل محمود الكاظمي ، الدور الأسري للسيدة فاطمة عليها السلام .
هذا و توجد العديد من الكتب التي تناولت السيرة العطرة للمعصومة و كل بحسب اقتناعه في تحرير السيرة على النحو الذي يدفع بالباحث إلى استلهام العبر و المآثر من هذه الشخصية العظيمة ، فحتى لو
اختلف الأسلوب و تنوعت الكتابة الأدبية ، يبقى أن السيرة هي نفسها ما دامت تعود لسيدة من أهل البيت عليهم السلام .
الإشكالية المطروحة :
و هي ما مدى تأثير السيرة الذاتية للمعصومة على محبي أهل البيت و أتباعهم ، و كيف كان التأثر في تقليد حميد و صحيح لهذه الشخصية في عصر يبحث فيه الضالون عن حكمة التقوى و الإيمان الصحيح و الحكمة الموصلة إلى بر الإيمان بإتباع سيرة عطرة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، و هل كان للمعصومة نماذج اقتدت بسيرتها فحركت المسلمين حراكا آليا نحو تمجيد أهل البيت بالنظر إلى الأحداث التي عايشوها مع خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم و حتى بعد مماته ، و كيف انتقلت صفات هذه الشخصية الرائعة إلى أولادها و ما مدى تشابه الآداء الرسالي فيما بينهم و بين شخصية المعصومة فاطمة الزهراء ( عليها السلام).
و للإجابة على هذه الإشكالية ارتأينا اختيار المنهج الوصفي التحليلي الذي يعتمد على الترتيب في التوثيق و كذا ربط الأفكار ببعضها البعض بحسب تدرج الأحداث و القضايا الأكثر تداولا بين المسلمين في زمن الزهراء ( عليها السلام).
الخطة المتبعة :
المبحث الأول :السيدة المعصومة و نسبها الشريف
المطلب الأول :قدسية الزهراء ( عليها السلام)
المطلب الثاني :مناقبها الخالدة
المبحث الثاني :كفاح فاطمة الزهراء و استشهادها
المطلب الأول: كفاح السيدة الزهراء على نهج خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم
المطلب الثاني :مكانة آل البيت من نموذج المعصومة فاطمة الزهراء ( عليها السلام)
خاتمــــــــــــــــــــــــــــــــــــة
المبحث الأول : السيدة المعصومة و نسبها الشريف
في مجتمع كان يؤد البنت وهي حية لا لشيء اقترفته إلا لكونها ولدت أنثى ، عاش رسول الله (ص) وقدم منهجا جديدا في التعامل مع البنات ، فكان صلوات الله وسلامه عليه يولي ابنته فاطمة (ع) ما يفوق الوصف وهو يردد ” فاطمة روحي التي بين جنبي ” ولذلك فان السيدة فاطمة (ع) مثلت محورا للرسالة وترجمانا للوحي ومصدرا للفيض الإلهي .
إن للمرأة في أغلب المجتمعات الشرقية دورا ثانويا – في أحسن التقادير- ولذلك فنحن ومن خلال دراستنا لحياة السيدة فاطمة (ع) والوقوف عند أهم محطات حياتها الأسرية ، فإننا نجسد وبشكل عملي نظرة الإسلام للمرأة . ولهذا فمن يدقق ويتمعن في حياة هذه المرأة العظيمة (ع) ، يجد أنها سلام الله عليها لم تعش لنفسها ولو للحظة واحدة ، بل عاشت لأبيها رسول الله (ص) ولزوجها أمير المؤمنين علي (ع) ولولديها الحسن والحسين عليهم السلام ، فلا يمكن ان نذكر رسول الله او علي (ع) أو زينب والحسنين (ع) دون المرور على مواقف الطهر للسيدة فاطمة (ع) ، ومن يدقق النظر يجد أن الزهراء لم تعش لهم قرابة فقط بل عاشت لهم رسالة.
المطلب الأول : :قدسية الزهراء ( عليها السلام)
كانت ولادة فاطمة الزهراء (ع )(4) في يوم الجمعة العشرين من شهر جمادي الأخر بعد سنتين من البعثة المباركة – على أشهر واقرب الروايات – . وقد استقبل الرسول ( ص ) ابنته بالفرح والسرور واسماها فاطمة . لقد ولدت فاطمة ( ع ) في بيت النبوة وترعرعت في ضلال الوحي ورضعت مع لبن خديجة ( ع) حب الإيمان ومكارم الأخلاق ولدت فاطمة (ع) وهي تحمل روح رسول الله ( ص ) وأخلاقه ، فكانت الوارثة والشبيهة حتى أن عائشة قالت فيها وكما يروي الحاكم في مستدركة ( ما رأيت أحدا أشبه سمتا ولا هدياً برسول الله ( ص ) في قيامها وقعودها من فاطمة بنت محمد رسول الله وكانت إذا دخلت على النبي
(ص) قام إليها فقبلها و أجلسها في مجلسه وكان النبي (ص ) إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها .
فلو أردنا أن نتحدث عن الزهراء ومراحل عمرها نجد أنها لم تعش سوى مرحلة الطفولة والشباب وقد توفيت في ربعان صباها وشبابها ولم تصل إلى مرحلة الكهولة سلام الله عليها . ولكن قبل الحديث عن أيام الشباب وصحبتها لأبيها رسول الله (ص) لابد أن نقف عند الحمل والولادة وما تعنيه لنا كمحبين ومتتبعين لسيرة الزهراء ( ع ) .
وبحسب الروايات أن النبي محمد (ص) في الليلة التي مر جوابه الملا الأعلى آتى به جبرائيل ( ع) عند شجرة وقال عنها النبي (ص) . وكما مذكور في مصادر العامة – إني لم أر أجمل وأحسن من تلك الشجرة ، ولم أر ابيض من ورقها ولا أطيب من ثمرها.فما هي هذه الشجرة ؟.
إنها شجرة ( طوبي ) كما سماها القران الكريم ، وطوبى مصدر من طاب على وزن بشرى وعقبى ، وشجرة طوبى لها خصوصيات مذكورة في مصادر المسلمين ولقد أخذوا النبي (ص) في تلك الليلة عند هذه الشجرة ، وقطفوا من ثمارها .
فكان من أثارها أن النبي (ص)(5) كان يكثر من تقبيل فاطمة ( ع ) وهذا التقبيل من أب لابنته قد خرج عن الحد المألوف ، مما هيج مشاعر عائشة فسالت النبي (ص) : لم تكثر من تقبيل فاطمة؟ فقال رسول الله (ص) : عندما أسرى بي في تلك الليلة أخذني جبرائيل إلى جوار تلك الشجرة وناولني ثمرة قطفت منها فتحولت تلك الثمرة إلى ماء في صلبي ومن ذلك الماء انعقدت نطفة الزهراء (ع ) فكلما قبلتها شممت رائحة الجنة .. )
حملت خديجة بفاطمة ثم وضعتها لتكون أما لأبيها وبضعة له (ص) ، و لقد حاول بعض الأعداء أن يشككوا في قصة ولادة فاطمة (ع) وكيف تكون نطفتها من ثمرة الجنة ، رافضي هذا المعنى من أساسه وادعوا أن ولادة الزهراء (ع) كانت قبل البعثة الشريفة .
ولدت الزهراء (ع ) في زمن يحتقر المرأة بل يدفنها حية دونما ذنب أو جرم معللين بأعذار واهية و قد رفضها الإسلام كالفقر وغيره ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم و إياكم )) ( الإسراء 31 ) .
حتى قال شاعرهم :
أغرى لنا لله بواد البنات إذ قتلها كان من المكرمات
أما ترى ربك سبحانه قد وضع النعش بجنب البنات
إشارة إلى بنات نعش في السماء .
الفرع الأول :مقام السيدة المعصومة فاطمة الزهراء عليها السلام
لنا من المقدار المعتبر من الظهور العرفيّ فقهياً الذي أرادوه لنا لتمشية هذه الحياة، ولإرجاء هذه الحاجات، ولتطبيق العدل الممكن بمقدار مستواه وقابلياتنا وليس أكثر من ذلك. وإلاّ فالزهراء(ع) لا يقاس بها أحد، فهي أمّ أحدَ عشرَ إماماً من الأئمة المعصومين(ع) كلّهم يتشرفون بها ويتبركون بها، ويحمدون الله سبحانه وتعالى على نعمته في أنها أمّهم وجدتهم(6).
وأما الزهراء)ع) فقد وردت في فضائلها أحاديث كثيرة من كتب أهل الحديث في المذاهب كلّها، وفي أعلى وأهم الحديث عندنا وأعلى وأهم كتب الحديث عندهم، ومن أهمها قول النبي(ص): (( فاطمة بضعةٌ مني، وهي قلبي وروحي التي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله )(7).
و قد صحت الرواية(8) أن رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم كان يقوم إليها و يستقبلها و يقبل يدها كلما دخلت عليه ،إجلالا بذلك لأمها خديجة ، ثم لها كما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا محمد بن إسحاق الصنعاني ، حدثنا عثمان بن عمر ،حدثنا إسرائيل عن ميسرة بن حبيب ،عن المنهال بن عمرو ، عن عائشة بنت طلحة ، عن أم
المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت ( ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما و حديثا من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم ، إذا دخلت عليه رحب بها و قامت و أخذت بيده و قبل يدها ، و أجلسها في مجلسه ، و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها رحبت و قامت و أخذت بيده فقبلته ، فدخلت عليه في مرضه الذي توفي فيه ، فرحب بها ، و قبلها و أسر إليها فبكت ، ثم اسر إليها فضحكت ، فقلت : كنت أحسب لهذه المرأة فضلا ، فإذا هي منهن ،بينما هي تبكي إذ تضحك ، فسألتها فقالت : إني إذا لبذرة (9) ، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم و على آله ، سألتها فقالت : أسر إلي و اخبرني انه ميت فبكيت ،ثم أسر إلي و اخبرني أني أول أهله لحوقا به.هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين صاحبي ( الصحيح) ،فان رواتهم كلهم ثقات (10) ، و تفسير قولها : إني إذا لبذرة ، مفسر في الصحيحين : إني إن أخبرت بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لبذرة .و هذه الحديث يصرح بان فاطمة كانت أفقه من عائشة (11) ، إذ لم تخبر بالسر في حياة من أسر إليها ، ثم أخبرت بعد وفاته ، و هذا فقه في الحديث و قد خفي عن عائشة .
فقال عروة 🙁 و الله إني لا أحب أن لي ما بين المشرق و المغرب ، و إني أنتقص فاطمة حقا لها ، و أما بعد ذلك فلك أن لا أحدث به أبدا ).
فلما وجدت هذا الحديث علمت أنه ليس من شرط ( الصحيح) ، البخاري و لا مسلم ، فان يحي بن أيوب إذا تفرد بشيء لا يذكر ، و إنما ذكر في الشواهد في أحاديث معدودة (12) ، و الإسناد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد شاذ بمرة ، و لآ أعلم في كتاب ( الصحيح الجامع ) للبخاري ، و في المسند الصحيح ،لمسلم من حديث عمر بن عبد الله بن عروة ، عن جده ،عروة بن الزبير إلا حديثا واحدا في الشواهد ، و قد اتفقا على إخراجه ،حدثناه ،أبو العباس محمد بن يعقوب ،حدثنا محمد بن إسحاق الصنعاني ،حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا بن جريج ،حدثنا عمر بن عبد الله بن عروة ،قال سمعت عروة و القاسم يحدثاني عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : (طيبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أحرم ، و لحله حين احل قبل
أن يطوف بالبيت ) ، رواه البخاري في الجامع الصحيح (13) ،عن عثمان بن الهيثم ،أو محمد عنه ،عن بن جريج .
الفرع الثاني :زواج السيدة فاطمة الزهراء بين أهلها
ر نشأت فاطمة عليها السلام في أحضان الوحي و النوبة في بيت مفعم بكلمات الله و آيات القرآن الكريم ،سألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبب حب رسول الله لفاطمة كل هذا الحب ،فأجاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : يا عائشة لو علمت ما أعلم لأحببتيها كما أحب ،فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني و من سرها فقد سرني (13).
و قد سمع المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنما سميت فاطمة .. فاطمة لأن الله عز وجل فطم من أحبها من النار ،فقد كانت المعصومة تشبه رسول الله في خلقه و أخلاقه.
كانت ترعى أباها و عمرها ست سنين عندما توفيت أمها خديجة(14) ، فكانت تسعى لملأ الفراغ الذي نشأ عن رحيل والدتها ،و في تلك السن شاركت والدها محنته و هو يواجه أذى المشركين في مكة ،كانت تضمد جراحه و تغسل عما يلقيه سفهاء قريش ، و كانت تحدثه بما يسلي خاطره و يدخل الفرحة في قلبه ، و لهذا سماها سيدنا محمد أم أبيها ، ، لفرط حنانها و عطفها على أبيها (صلى الله عليه و آله).
و لما بلغت سن الرشد و آن لها أن تنتقل إلى بيت الزوجية ، فخطبها كثير من الصحابة في طليعتهم أبو بكر و عمر ، و كان رسول الله صلى الله عليه و آله يرد الخاطبين قائلا :
إني أنتظر في أمرها الوحي.
و جاء جيريل يخبره أن الله قد زوجها من علي.
و هكذا تقدم علي و الحياء يغمر وجهه إلى خطبة فاطمة ( عليها السلام) ،فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله على فاطمة ليرى رأيها و قال لها :
يا فاطمة إن علي بن أبي طالب من أن عرفت قرابته و فضله و إسلامه ،و إني قد سألت ربي أن يزوجك خير خلقه و أحبهم إليه ، و قد ذكر من أمرك شيئا فما ترين ؟.
سكتت فاطمة و أطرقت رأسها أرضا من الحياء، فهتف رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أكبر ، سكوتها رضاها .
ووسط زغاريد النسوة من المهاجرين و الأنصار و بني هاشم ولدت أطهر و أمثل أسرة في التاريخ ، لتكون نواة لأهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا .
كانت فاطمة تقدر في نفسها جهاد علي و دفاعه عن رسالة الإسلام ..رسالة أبيها العظيم .
كانت فاطمة عليها السلام شجرة ثابتة أصلها ثابت و فرعها في السماء ، نمت في نور الوحي و ترعرعت في فضاء القرآن ، و في العام الثالث من الهجرة أنجبت السيدة فاطمة عليها السلام أول أولادها فسما رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن و بمولده غمرت الفرحة قلب رسول الله و هو يؤذن في أذنه اليمنى و يقيم في أذنه اليسرى و يغمره بآيات القرآن ،و بعد عام ولد الحسين عليه السلام ، و احتضن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبطيه يحوطهما برعايته ، و هو يقول و كان يقول عنهما : هما ريحانتاي من الدنيا .
و مر عام جاءت بعده زينب ثم أم كلثوم ، و بالرغم من حياة السيدة فاطمة الزهراء و التي كانت قصيرة فقد كانت حافلة بالخير و البركات ، و كانت قدوة و أسوة للنساء ، و لهذا أصبحت سيدة نساء العالمين .
المطلب الثاني : مكانة السيدة المعصومة من الصفات الحميدة.
عن الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما خلق الله آدم و حواء تبخترا في الجنة و قالا : من أحسن منا(15) ؟ فبينما هما كذلك إذ بصورة جارية لم ير مثلها لها نور شعشعاني يكاد يطفىء الأبصار ، قالا : يا رب ما هذه ؟ صورة فاطمة سيد نساء ولدك.
قال : ما هذا التاج على رأسها ؟.
قال : علي بعلها .
قال : فما القرطان ؟.
قال: ابناها ، وجد ذلك في غامض علمي قبل أن أخلقك بألفي عام .
إن من جملة أسمائها عليها السلام الصديقة بكسر الصاد و الدال المشددة ، (صيغة المبالغة) أي : الكثيرة الصدق.و الصديق أبلغ من الصدوق.
و قيل الصديق : من كثر منه الصدق، و قيل بل من لم يكذب قط .
و قيل : الكامل في الصدق ،الذي يصدق قوله بالعمل البار ، الدائم التصديق.
و من هنا يسهل أن نعرف أن السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام ) قد بلغت مرتبة الصديقين ، و سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصديقة ، كما في( الرياض ج2 ، ص202) ، و في( شرف النبوة ) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي : أوتيت ثلاثا لم يؤتيهن أحد و لا أنا :
*أوتيت صهرا مثلي و لم أوت أنا مثلي.
*و أوتيت زوجة صديقة مثل ابنتي و لم أوت مثلها زوجة .
*و أوتيت الحسن و الحسين من صلبك ، و لم أوت من صلبي مثلهما .و لكنكم مني و أنا منكم .
و سأل المفضل بن عمر الإمام الصادق (عليه السلام) ، قال ، قلت : من غسل فاطمة ؟
قال : ذاك أمير المؤمنين .
قال المفضل : فكأني استعظمت ذلك من قوله .
فقال : كأنك ضقت مما أخبرتك به .
قلت :قد كان ذلك ، جعلت فداك .
قال : لا تضيقن ، فإنها صديقة ، و لا يغسلها إلا صديق ، أما علمت أن مريم لم يغسلها إلا عيسى (16) .
و روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام) في حديث له عن السيدة فاطمة (عليها السلام) أنه قال : و هي الصديقة الكبرى ، و على معرفتها دارت القرون الأولى (17) .
الفرع الأول:بركات السيدة فاطمة الزهراء
لقد بارك الله في السيدة فاطمة الزهراء أنواعا من البركات و جعل ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسلها ، و جعل الخير الكثير في ذريتها ، فإنها ماتت و تركت ولدين و بنتين فقط ، و هما الإمام الحسن (عليه السلام ) و الإمام الحسين (عليه السلام) و زينب و أم كلثوم ،و جاءت واقعة كربلاء و قتل فيها أولاد الحسين و لم يبق من أولاده إلا علي بن الحسين (زين العابدين) .
و بعد واقعة كربلاء ، تكررت الحوادث و أقيمت المذابح و المجازر في نسل رسول الله صلى الله عليه و على آله ،و ذرية فاطمة الزهراء من واقعة الحرة إلى واقعة زيد بن علي بن الحسين إلى واقعة الفخ الى مطاردة العلويين في عهد الأمويين(18).
و مع ذلك فقد جعل الله البركة في نسل فاطمة الزهراء، و قد جعل منها الخير الكثير ، و في تفسير قوله تعالى ( إنا أعطيناك الكوثر ) أقوال للمفسرين ، و إن كان المشهور أن الكوثر هو الحوض المعروف في القيامة ،أو النهر المشهور في الجنة ،و لكن الكوثر على وزن –فوعل- هو الشيء الكثير و الخير الكثير .
و قد ذكر السيوطي في ( الدر المنثور) في تفسير الكوثر ، و أخرج البخاري و بن جرير و الحاكم عن طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس (رضي الله عنهما) أنه قال : الكوثر : الخير الكثير الذي أعطاه إياه ، قال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير فان ناسا يزعمون انه نهر في الجنة ، قال : النهر الذي هو في الجنة هو الخير الذي أعطاه.
و تصديقا لهذا الكلام ترى في العالم (اليوم) ذرية فاطمة الزهراء الذين هم ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم منتشرين في العالم(19) ، ففي العراق حوالي مليون و في إيران حوالي ثلاث ملايين ، و في مصر خمس ملايين و في المغرب الأقصى خمس ملايين و في الجزائر و تونس و ليبيا عدد كثير ، و كذلك في الأردن و سوريا و لبنان ، و السودان و بلاد الخليج و السعودية ملايين ، و في اليمن و الهند و باكستان ، و الأفغان و جزر أندونيسيا حوالي عشرون مليونا.
و قل أن تجد في البلاد الإسلامية بلدة ليس فيلها أحد من نسل السيدة فاطمة الزهراء و يقدر مجمعهم بخمسة و ثلاثين مليونا ، و لو أجريت إحصائيات دقيقة و صحيحة ،فلعل العدد يتجاوز هذا المقدار (20).
الفرع الثاني :أبناء فاطمة هم أبناء الرسول
روي عن أسامة قال : طرقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض الحاجة ،فخرج و هو مشتمل على شيء لا أدري ما هو ، فلما فرغت من حاجتي قلت : ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ فكشفه فإذا هو الحسن و الحسين على وركيه و قال : هذا ابناي و ابنا بنتي ، اللهم انك تعلم إني أحبهما فأحبهما .
و جاء بعض الجهلاء يتفلسف لينكر أبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لولديه الحسن و الحسين عليهما السلام ، مستدلا بقوله تعالى ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) فيزعم الجاهل أن محمد صلى الله عليه وسلم ليس باب لأحد مع الآية نزلت حول نفي نسب زيد الذي تبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجه من زينب بنت جحش ثم طلقها زيد و تزوجها النبي ( فلما قضى منها زيد وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا و كان أمر الله مفعولا ) (21) ، ففي هذا بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم و آله ليس باب لزيد حتى تحرم عليه زوجته ، فان تحريم زوجة الابن معلق بثبوت النسب ، فمن لا نسب له لا حرمة لامرأته ، و لهذا أشارت الآية إليهم فقالت : (من رجالكم) و قد ولد لرسول الله أولاد ذكور ، إبراهيم و القاسم و الطيب و المطهر ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أباهم .
و قد صح و ثبت أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم و آله قال للحسن عليه السلام : هذا ابني هذا سيد .و قال أيضا : الحسن و الحسين ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا و قال أيضا : إن كل بني بنت ينسبون إلى أبيهم إلا أولاد فاطمة فانا أبوهم ، و هو ما يدلل على مكانة السيدة فاطمة الزهراء عند أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم و كيف أن حبه لفاطمة انتقل إلى حبه لولديها الحسن و الحسين عليهما السلام.
المبحث الثاني : كفاح فاطمة الزهراء و استشهادها
الذي نبغيه من هذا البحث هو إثبات العقيدة الصحيحة بالبرهان العقلي و الدليل النقلي ثم العمل على ضوء هذه العقيدة الصحيحة (22) لأن الحياة عقيدة و جهاد و لا يصح الجهاد من أجل عقيدة فاسدة ، فلا بد من إثبات صحة هذه العقيدة و تثبيتها ،فالحديث عن الخبر الشريف ( لولاك لما الأفلاك ، و لولا علي لما خلقتك ، و لولا فاطمة لما خلقتكما ) يحتاج إلى مقدمة لنقول :
إن الوجود أمر بديهي لا يحتاج إلى تعريف بديهي لا يحتاج إلى تعريف ،و ما ذكر له من تعاريف بأنه الثابت العين أو الذي يمكن أن يخبر عنه أو ما ينقسم إلى علة و معلول ، أو قديم و حادث و غير ذلك ،فهو من باب شرح الاسم(23) .
فالصادر الأول لنور الله تعالى هو النبي محمد صلى الله عليه و على آله ،و ببكرته خلق هذا الكون ، و هذا المعنى موجود في الفلسفة المشائية و الاشراقية معا ، فان المشائين يقولون بالعقول العشرة أي أن العقل باعتبار وجوده و ماهيته خلق العقل الثاني و الفك الأول ، و هكذا حتى يصلوا إلى العقل العاشر ، و هو العقل الفعال المدبر لهذا الكون ، كما أن الاشراقيين يقولون أن الله تعالى صدر منه العقل الأول ثم أرباب العقول لهذا الكون (24)
إذا هم يعتقدون بالعلة و المعلول و لابد منهما في هذا الخلق لقاعدة الأشرف (25) ، فان الله تعالى خلق الكائنات ببركة النبي محمــــد صلى الله عليه و آل بيته عليهم السلام ، لأنهم نور واحـــد كما ورد في الحديث (أولنا محمد و أوسطنا محمد و آخرنا محمد بل كلنــا محمد )(26) .فهم نور واحد في الحقيقة المحمدية و الولاية الإلهية العظمى ، و أما اختلافهم فهو في الشؤون ، فكلهم جواد و كلهم كاظم للغيظ .
فلذلك صار الحديث ( لولا علي لما خلقتك ) ،لأنك يا رسول الله يلزمك معلولا يشابهك لكي تكون أنت العلة و ليس هذا المعلول(27) إلا علي رضي الله عنه ،فأنت يا رسول الله نور النبوة و وعلي نور الإمامة و كلاكما من نور الوحيد ،فلا بد لكما من معلول يجمع بين نوريكما و بين حجتيكما ، و هذا المعلول الذي يشبهكما و بمستويكما ما هو إلا فاطمة الزهراء رضي الله عنها ، فلذلك قال : ( لولا فاطمة لما خلقتكما ) لأنها بطن الإمامة وصلب النبوة ، و هي روح النبوة و الإمامة ، و الإسلام و العقيدة ، فإذن هي سر الوجود آو سر السر ، و هي مجمع النورين النبوي و العلوي ، و هي بنت النبي و زوجة الوصي ، و من هذا المنطلق يقال السنخية علة الانضمام.
المطلب الأول : : كفاح السيدة الزهراء على نهج خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم
لقد اختلف في سن مولدها ، ففي رواية أنها ولدت قبل المبعث بقليل (28) ، و في أخرى أنها ولدت قبل النبوة بخمس سنين (29) ،و روي الواقدي عن طريق آبي جعفر الباقر قال : قال العباس رضي الله عنه ، ولدت فاطمة و الكعبة تبنى و النبي صلى الله عليه وسلم بن خمس و ثلاثين سنة ، و بهذا جزم المدائني (30).
كانت اصغر بنات النبي على المشهور و لم يبق بعده سواها ، و لهذا عظم أجرها ،لأنها أصيبت به عليه الصلاة و السلام(31) .
و عن جميع بن عمير التيمي –رحمه الله- قال : دخلت مع عمتي على عائشة فسألت :أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟، قالت : فاطمة ، قيل : من الرجال ؟ ، قالت : زوجها ، إن كان ما علمت صواما قواما (32) .
و عن فاطمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ؟ .
إنها فاطمة الزهراء عليها السلام ، الله تعالى يثني عليها ، و يرضى لرضاها و يغضب لغضبها ، و رسول الله صلى الله عليه وسلم ينوه بعظمتها و جلالة قدرها ، و أمير المؤمنين عليه السلام ينظر إليها بنظر الإكبار و الاعضام ، و أئمة أهل البيت عليهم السلام ينظرون إليها بنظر التقديس و الاحترام (33).
فالتحدث عن عظمة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام يعتبر تحدثا عن المرأة في الإسلام من حيث حفظ كرامتها ، و الاعتراف باحترامها و شخصيتها ، و يشمل الحديث نموذجا من المرأة بصفتها بنتا في دار أبيها ، و زوجة في دار بعلها ، و أما و مربية في البيت الزوجي .
و خص الله تعالى فاطمة الزهراء عليها السلام من وصائف فضله و شرائف نبله بأكمل ما أعده لغيرها من ذوي النفوس القدسية و الأعراق الزكية و الأخلاق الرضية ، و الحكم الإلهية ، و سطع صبح النبوة بطلعتها الحميدة ، و غرتها الرشيدة ، و تجسدت فيها الكمالات الإنسانية ، و ملكات الفضائل النفسانية ، كأن طينتها قد عجنت بماء الحياة ، و عين الفضل في حظيرة القدس ، فهي نور الحق و حقيقة الصدق ، و آية العدل ،فتعالى مجدها ، و توالى إحسانها (34).
فعن السيدة خديجة رضي الله عنها قالت : لما حملت بفاطمة حملا خفيفا و كانت تحدثني في بطني ، فلما قربت ولادتها دخلت علي أربع نسوة عليهن من الجمال و النور ما لا يوصف ، فقالت إحداهن : أنا أمك حواء ، و قالت الأخرى : أنا آسيا بنت مزاحم ، و قالت الأخرى : أنا كلثوم أخت موسى ، و قالت الأخرى : أنا مريم بنت عمران أم عيسى ، جئنا لنلي من أمــرك ما تلي النساء ، فولدت فاطمــة ووقعت علــى الأرض ساجدة رافعة أصبعها (35) .
الفرع الأول : فاطمة على خطى النبوة
و لقد لفتت الرابطة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم و فاطمة رضي الله عنها أنظار الذين عايشوها ، فتحدثوا عن ذلك الشبه ، و كرروا القول فيه ، فهذه عائشة رضي الله عنها تتحدث عن هذه العلاقة و الرابطة الجسدية و الروحية و الأخلاقية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم و ابنته فاطمة رضي الله عنها فتقول : ( ما رأيت أحدا أشبه سمتا و دلا و هديا برسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامها و قعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم، لقد ملأت فاطمة الزهراء بيت الأبوين رسول الله صلى الله عليه وسلم و خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ، بالبهجة و السرور ،فهي ملتقى الحب بينهما ، و ثمرة العلاقة الودية في حياتهما ، و فرع النبوة الشامخ ،و ظله المستطيل ، و مستودع نور النبوة المتقلب في أصلاب الساجدين ، فحق لهذا البيت أن يزهو بمناغاة فاطمة عليها السلام ، و يمتلئ سرورا بابتسامتها المشرقة .
و شاء الله تعالى أن تبدأ فاطمة الزهراء رضي الله عنها طفولتها الطاهرة في مرحلة من اشد مراحل الدعوة الإسلامية ضراوة و محنة ، و أكثرها قسوة و أذى لأبيها و أمها ، لقد ولدت فاطمة في حدة الصراع بين الإسلام و الجاهلية ، و فتحت عينيها في ضراوة الجهاد بين الطليعة المؤمنة و قريش الوثنية الجائرة ، و ها هي قريش تفرض المقاطعة و الحصار على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و أعمامه بني هاشم ، و أصحابه من الدعاة و طلائع الجهاد ، فيدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و تدخل معه زوجته السيدة خديجة عليها السلام ، المجاهدة رفيقة حياته و شريكته في جهاده ،و تدخل معهم فاطمة عليها السلام ن و تحاصرهم قريش ثلاث سنين (36).
و تكبر فاطمة ، و تشب ، و يشب معها حب أبيها صلى الله عليه وسلم لها ، و يزداد حنانه عليها خاصة بعد أن فقدت أمها خديجة رضي الله عنها ،و منه كانت محط الأنظار منذ كانت صبية ، فكل يحدث نفسه بالاقتران بها عند بلوغها مبلغ النساء ، لينال شرف الانتساب إلى اشرف خلق الله صلى الله عليه و على آله ، و كانت فاطمة تختلف عن باقي النساء، فالمرأة غالبا تهنأ بدفء الحياة الزوجية و استقرارها(37) ، و قرب زوجها منها ، غير أن فاطمة رضي الله عنها التي أعدها النبي صلى الله عليه وسلم قدوة للمؤمنات كانت سعادتها منذ بدء زواجها بخروج زوجها عليه السلام مع أبيها محمد صلى الله عليه وسلم للغزو و الجهاد في سبيل الله ، مع ما يستغرقه السفر من مشاق لطول المدة آنذاك ، حيث كانت بعض الغزوات و الحروب تمتد لسنوات و شهور ، و ما تشكله الحروب من خطر على نفسها و على زوجها و أبيها ، إلا أنها كانت صابرة على غيبا زوجها مع أبيها ،
و لقد صبرت على الفقر مع زوجها ، و كانت عليها السلام تلتزم بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( جهاد المرأة حسن التبعل)(38) ، و لذلك يقول علي عليه السلام يصف حالها و هي تقوم بخدمة بيتها و تربية أبنائها : ( إنها جرت بالرحى ، حتى أثر في يدها و استقت بالقربة حتى أثر في نحرها ، و كنست البيت حتى أغبرت ثيابها ، و أوقدت النار حتى دكنت ثيابها ، و أصابها من ذلك ضر..) (39).
الفرع الثاني : من أخلاق فاطمة الزهراء العظيمة
لما كانت الأخلاق هي من أهم ما أتت به الرسالة السماوية لتكميله في نفوس البشر، فلا جرك أن تكون الزهراء عليها السلام و هي- بنت الوحي و ربيبة الرسالة – قد أخذت منها و الحظ الأوفر و النصيب الأكمل ، فكانت حياتها عليها السلام -على قصرها- مرآة صافية تنعكس فيها تعاليم السماء السمحة التي تزخر بالخلق الرفيع و الأدب الرباني العالي ، لذا كان من الواجب علينا و نحن نرتشف من رحيق هذا العبق الزاخر ما ينعش حياتنا و يرتقي بأنفسنا إلى مقامهم العالي ، و ينتهج بنا سبيلهم الواضح و طريقهم اللاحب ، أن نسفر عن بعض ما رصعت به عليها السلام كتب التاريخ من أخلاقها القرآنية الكريمة ، لتكون دستورا لنا يتعلم منه نساؤنا و رجالنا –على حد سواء- أصول الكرم و معالي الأخلاق و محمود الصفات (40).
و قد كان خلق الإيثار بارزا في السيدة المعصومة فاطمة الزهراء عليها السلام ، حيث نقل لنا الإمام الحسن عليه السلام أحد هذه المواقف فقال ( رأيت أمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها ، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح و سمعتها تدعو للمؤمنين و المؤمنات و تسميهم و تكثر الدعاء لهم، و لا تدعو لنفسها بشيء ، فقلت لها : يا أماه لما لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك ؟ فقالت : يا بني الجار ثم الدار (41).
و في سورة الإنسان يتجسد مفهوم الإيثار لدى أهل البيت عليهم السلام ، قال تعالى ( و يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و أسيرا ، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا و لا شكورا )(41).، حيث نزلت هذه السورة المباركة فيهم ، فعن بن عباس ( أن الحسن و الحسين مرضا فعاداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس معه ،فقالوا يا آبا الحسن لو نذرت على ولدك فنذر علي و فاطمة و فضة جارية جارة لهما إن برءا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام فشفيا و ما معهم شيء.
فاستقرض علي من شمعون الخيبري اليهودي ثلاث أصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعا و اختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل و قال : السلام عليكم أهل بيت محمد ، مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فأثروه و باتوا لم يذوقوا إلا الماء و أصبحوا صياما ، فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه ، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك (43)..
فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن و الحسين و اقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أبصرهم و هم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال : ما أشد ما يسوئني ما أرى بكم فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها و غارت عيناها فساءه ذلك فنزل جبريل عليــه السلام و قال : خذها يا محمد هناك الله في أهل بيتك فأقرءه السورة (44) .
هذا و هناك العديد من صفات الأخلاق الفاضلة التي اتسمت بها السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام مثل الصدق ، حيث يروى أن عائشة قالت : ( ما رأيت أحدا قط أصدق من فاطمة غير أبيها )(45).
كما أنها كانت ترفق بالخادمة ، فقد روي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال : كانت فاطمة عليها السلام جالسة وقدامها رحى تطحن بها الشعير و على عمود الرحى دم سائل ، و الحسين في ناحية الدار يتضور من الجوع ، فقلت يا بنت رسول الله دربت كفاك و هذه فضة؟.
فقالت : أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكون الخدمة لها يوما و علي يوما فكان أمس يوم خدمتها (46).
و يذكر اغلب الكتاب و المؤلفين أن فاطمة كانت ملتزمة بتعهداتها الأخلاقية..ما أروعك يا بنت رسول الله..ما أعظمك خلقك يا قرة عين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المطلب الثاني : مكانة آل البيت من نموذج المعصومة فاطمة الزهراء ( عليها السلام)
كانت السيدة فاطمة الزهراء ترى حق علي في الخلافة(47) ،أو ترى أن قرابة النبي أحق المسلمين بخلافته ، و أن بلاء علي في الجهاد و علمه المشهود به يؤهلانه لمقام الخلافة ، ، و كان هذا رأي طائفة من الصحابة الصالحين أدهشهم أن يجري الأمر على غير هذا المجرى ، فاجتمعوا عندها و اجتمعوا في غير بيتها يتشاورون فيما بينهم ، أيبايعون أم يتخلفون ، و لم نطلع على رواية واحدة ذات سند يعول عليه ترمي أحدهم بشق عصا الجماعة أو بالسعي في تأليب الناس على نقض البيعة ، و بعد مساجلات بينهم و بين أبي بكر و عمر سفرت الفتنة عن مقصدها و تكشفت الدسيسة التي بيتها أبو سفيان ، فقد عاد أبو سفيان يعرض مبايعته على علي و يتحفز للوقيعة ، فصده علي و ذكر و عرض له بذكر الغششة و المخادعين ، ثم قال : (انك تريد أمرا لسنا من أصحابه) ، فلما يئس من هذا الباب طرق بابا آخر لعله يلج منه إلى مأربه ، و ذهب إلى العباس يقول له امدد يدك يا آبا الفضل أبايعك فلا يختلف عليك القوم ،ثم يقول : ( انك و الله لأحق بميراث بن أخيك)، فيرده العباس كما رده علي ،و يكاد الخلاف ينتهي عند هذا و ينطوي بانطواء الكلام في مسألة الخلافة ،لولا مسألة( فدك ) أو مسالة الميراث التي اختلف فيها سند أبو بكر و سند فاطمة مرة أخرى ،و أوشك أبو بكر أن يستقيل المسلمين من بيعتهم ،مخافة السخط من بنت رسول الله.
الفرع الأول :استرضاء فاطمة الزهراء تيمنا بمكانة الرسول صلى الله عليه وسلم
في خلال الخلاف عن قضية الخلافة ، قال عمر لأبي بكر:( انطلق بنا إلى فاطمة فانا قد أغضبناها ) ، فانطلقا فاستأذنا عليها فلم تأذن لهما ، فأتيا عليا فكلماه، فأدخلهما ،فلما قعدا
عندها حولت وجهها إلى الحائط ، فسلما عليها فلم ترد السلام، فتكلم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله ، و الله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي ، و انك لأحب إلي من عائشة ابنتي ، ولوددت يوم مات أبوك أني مت و لا أبقى بعده ، أفتراني عرفك و أعرف فضلك وشرفك و أمنعك حقك و ميراثك من رسول الله ؟ ، ألا إني سمعت أباك رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) ،فقالت ( أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله تعرفانه و تعملان به ؟ ) ، قالا : نعم ، فقالت : نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : رضاء فاطمة من رضائي ، و سخطها من سخطي ؟ ،قالا : نعم سمعناه من رسول الله ، قالت : فاني أشهد الملائكة(48) أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني ،و لئن لقيت النبي لأشكوكما إليه ، فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه و سخطك يا فاطمة ، ثم انتحب يبكي حتى كادت نفسه تزهق ، ثم خرج فاجتمع إليه الناس فقال لهم : يبيت كل رجل منكم معانقا خليلته مسرورا بأهله و تركتموني و ما أنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعتي.
و لذلك نرى أن السيدة فاطمة على غير مالوفها من العكوف على شؤون بنيها ، و الابتعاد من الحياة العامة ،لأن مسالة الخلافة و الميراث تدور حول حقها ووشيجة(49) قرباها ، و هما مسالة الخلافة بعد النبي و مسألة الميراث من فيئه .
الفرع الثاني : استشهاد فاطمة الزهراء و بقاء سيرتها العطرة
إن من مجموع الأخبار التي رويت عن الرسول الأعظم (ص) ،في ذكرى ما يجري على أهل بيته عليهم السلام من عظيم الظلم و الخطوب ، فإننا نستكشف حقيقة موقف مسبق و قد خطط له و هو موقف الجماعة الذين تآمروا فيما بينهم و خططوا لقلب الأمور بعد النبي
(ص) فأخبر الله عنهم بقوله عز وجل ( و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ، و من ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا و سيجزي الله الشاكرين) سورة آل عمران ، الآية 144 ،و كان من مقدمات الجريمة (50)التي أصر القوم عن سابقة لإيقاعها بأهل البيت النبوي الابتداء بإدخال الأذى على سيدة نساء العالمين الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام و التخطيط لقتلها .
و لم تكن أحداث الهجوم على دار السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام وليدة ساعتها ، كما لم تكن مرتجلة لم يسبقها تخطيط و إصرار ، بل العكس من ذلك تماما كما روت الروايات الشريفة ،فكان هناك إصرار من القوم على هذه الجريمة الكبرى ، وبدأوا تنفيذ مخططهم بعد وفاة النبي (ص) مباشرة عندما باشروا بالانقلاب الذي خططوا له بلقب كل ما جاء به النبي (ص) ، و مع أن سيد الكائنات (ص) قد نبه على تلك المؤامرة و اخبر كرارا و مرارا بأن القوم يخططون لقتل فاطمة ( عليها السلام) ، و لكن الناس كعادتهم لم يستوعبوا الإنذار النبوي المسبق ، و نسوا حظا مما ذكروا به ،و فغابوا عن الساحة فكان في آذانهم صمما ،و أخلست الزهراء و دفنت بالليل سرا ،و قد اخبر رسول الله (ص) بما يجري على أهله من الظلم و تحدث أيضا بما يجري على بضعته السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام من الظلم و الجور ، و نص (ص) أنها سوف تقتل، و من ذلك ما رواه الصدوق عليه الرحمة في أماليه بإسناده عن بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال فيه :
(..و أما ابنتي فاطمة فإنها بضعة نساء أهل العالمين من الأولين و الآخرين ،و هي بضعة مني و نور عيني ، و هي ثمرة فؤادي و هي روحي التي بين جنبي ،و هي الحوراء الآنسية ،متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله ،زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض ،و يقول عز وجل لملائكته : انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي
قائمة بيني ترتعد ترتعد فرائصها من خيفتي و قد أقبلت بقلبها على عبادتي ،أشهدكم أني أمنت شيعتها من النار.
ثم يبتدىء بها الوجع فتمرض، فيبعث الله عز وجل مريم بنت عمران تمرضها و تؤنسها في علتها فتقول عند ذلك :يا رب إني قد سئمت الحياة ، و تبرمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي ، فيلحقها الله عز وجل بي ، فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي فتقدم علي محزونة مكروبة مغمومة ، مغصوبة مقتولة ،فأقول عند ذلك :آمين (51) .
و من ذلك ما رواه الصدوق بإسناده إلى علي بن آبي طالب (عليه السلام) قال : بينما أنا و فاطمة و الحسن و الحسين عند رسول الله (ص) إذ التفت إلينا فبكى ، فقلت : ما يبكيك يا رسول الله ؟ ، فقال : أبكي بما يصنع بكم بعدي ، فقلت : و ما ذاك يا رسول الله ،قال :أبكي من ضربتك على القرن ، و لطم فاطمة خدها ،و طعنة الحسن في الفخذ و السم الذي يسقى ، و قتل الحسين (52) .
روي الاربلي لما حضرت فاطمة الوفاة ،لما حضرت الزهراء عليها السلام الوفاة قالت لأسماء : إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة بكافور من الجنة فقسمه أثلاثا ،ثلثا لنفسه و ثلثا لعلي ، و ثلثا لي ، و كان أربعين درهما ،فقالت :يا أسماء ائتيني ببقية حانوط والدي من موضع كذا و كذا فعيه عند رأسي فوضعته ، ثم تسجت بثوبها ، و قالت : انتظريني هنيهة و ادعيني ،فان أجبتك و إلا فاعلمي أين قد قمت على أبي (صلى الله عليه و آله ) ،فانتظرتها هنيهة ، ثم نادتها فلت تجبها ،يا بنت محمد المصطفى ، يا بنت أكرم من حملته النساء ، يا بنت خير من وطىء الحصى ، يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى ،قال : فلم تجبها .
فكشفت الثوب عن وجهها ،فإذا بها قد فارقت الدنيا فوقعت عليها تقبلها و هي تقول :فاطمة ، إذا قدمت على أبيك عليه السلام فاقرئيه عن أسماء بنت عميس السلام ، فبينما هي كذلك إذ دخل الحسن و الحسين فقالا : ما ينيم أمنا في هذه الساعة ؟ فقالت :يا بن رسول الله صلى الله عليه السلام ، ليست أمكما نائمة ، قد فارقت الدنيا فوقع عليها الحسن يقبلها مرة و يقول :يا أماه كلميني قبل أن يتصدع قلبي فأموت .
قالت ،فأقبل الحسين يقبل رجلها ويقول : يا أماه ،أنا ابنك الحسين ، كلميني قبل أن يتصدع قلبي. قالت لهما أسماء : انطلقا إلى أبوكما علي فأخبراه بموت أمكما ،فخرجا ،حتى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء ،فأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) مسرعا حتى دخل عليها ،و إذا بها ملقاة على فراشها ، و هي تقبض يمينا و تمتد شمالا ، فألقى الرداء على عاتقه و العمامة عن رأسه و حل إزاره ، و أقبل حتى أخذ رأسها و تركه في حجره ، و ناداها : يا زهراء ، فلم تكمله ، فناداها يا بنت محمد المصطفى ، فلم تكلمه ، فناداها : يا بنت من حمل الزكاة في طرف ردائه و بذلها على الفقراء ، فلم تكمله ، فناداها : يا بنت من صلى بالملائكة مثنى و مثنى ، فلم تكمله ،فناداها : يا فاطمة كلميني ، فأنا بن عمك علي بن أبي طالب، قال : ففتحت عينيها في وجهه و نظرت إليه و بكت و بكى ، و قال : ما الذي تجدينه ، فقالت :يا بن العم إني أجد الموت الذي لابد منه و لا محيص منه ، فماتت و دفنت ليلا و علي هو من غسلها و دفنها ، رحمة الله واسعة عليك با بنت خير الأنام محمد صلى الله عليه و على آله ، رحمة واسعة عليك يا سيدة نساء الجنة و يا من وسعت الفقير بحبك و عطفك و حنانك و نصرت المظلوم و سرت على نهج أبيك يا من كنت أم أبيها ، فاطمة الزهراء عليها السلام.
خاتمة :
نختم بوصية للسيدة فاطمة الزهراء لتكون لها شاهدا على قوة شخصيتها و ثباتها على الحق دائما ، بعد بسم الله الرحمان الرحيم :
هذا ما أوصت به فاطمة(53) بنت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) ، و هي تشهد أن لا اله إلا الله و أن محمدا رسول عبده و رسوله ، و أن الجنة حق ، و أن النار حق، و أن الساعة آتية لا يرب فيها و ا نالها يبعث من في القبور .يا علي ،أنا فاطمة بنت محمد ، زوجني الله منك لأكون لك في الدنيا و الآخرة ، أنت أولى بي من غيري ، حنطني و غسلني ، و كفني بالليل و صلي علي ، وادفني الليل ،و لا تعلم أحدا و أستودعك الله ، و أقرء على ولدي السلام إلى يوم القيامة .فلما جن الليل غسلها علي ووضعها على السرير و قال للحسن : ادع لي أبا ذر ، فدعاه فحملاها إلى المصلى ، فصلى عليها ثم صلى ركعتين ، و رفع يديه إلى السماء فنادى ، هذه بنت نبيك فاطمة أخرجتها من الظلمات إلى النور، فأضاءت الأرض ميلا في ميل ، فلما أراد أن يدفنوها نودوا من بقعة في البقيع : إلي ،إلي ، فقد رفع تربتها مني .
فنودي منها : يا علي : أنا أرفق منها بك ، فارجع و لا تهتم ،فرجع و انسد القبر و استوى بالأرض ، فلم يعلم أين كان يوم القيامة (54) .
و لأي الأمور تدفن ليـــــــــلا بضعة المصطفى و يعفى ثراها
كان تحت الخضراء بنت نبي صادق ناطــق أمين سواهــــــــــــــــــــا
بنت من آم من حليـــــــــــــــــــلة من ويل من سن ظلمـــــــــها و أذاهــــــــا
ذاك ينبيــــك من حقود صدور فاعتبرها بالفكر حين تراهــــــــــــــــــا
قائمة المراجع :
1-الكليني :ت: 329 هـ /الكافي ،8: 109 ، تحقيق، تصحيح و تعليق : علي أكبر الغفاري ، الطبعة الرابعة ، سنة الطبع 1362 هـ ش ، المطبعة حيدري ، الناشر : دار الكتب الإسلامية ،طهران .
2-الطوسي ، ت : 406 هـ/ الغيبة ، 286، تحقيق الشيخ عباد الله الطهراني ، الشيخ علي أحمد ناصح ، الطبعة الأولى ، المعارف الإسلامية –قم المقدسة .
3- عمر رضا كحالة ، معاصر ، المرأة في القديم و الحديث ، 6.185 ، طبعة مؤسسة الرسالة ، بيروت ، نقلا عن الدكتور حمود عبد المجيد بهية ، الزهراء عليها السلام و الإمامة و غصب فك ، جامعة الكوفة ، كلية الفقه ، ص3.
4-الشيخ الدكتور عقيل محمود الكاظمي ، الدور الأسري للسيدة فاطمة عليها السلام.
5-الشيخ الدكتور محمود الكاظمي ، المرجع السابق.
6-علي حسين الحساني ، السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام) في خطاب السيد محمد الصدر ( قدس) ، الحلقة الثانية ، ص 2.
7-منبر الصدر ، ص 232.
8-الإمام الحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري ، فضائل فاطمة الزهراء ، القاهرة ، دار الكتب المصرية ، 2008، الطبعة الأولى ، ص35.
9-يقال : بذرت الكلام بين الناس -كما تبذر الحبوب- أي أفشيته و فرقته ، و رجل بذر ككنف، يفشي السر و يظهر ما يسمعه، البذور و البذير : من لا يستطيع كتم سره ، بل يذيعه و هي بذرة ( تاج العروس) ، الجزء 10/ص 146.
10-حديث صحيح و أصله في ( صحيح مسلم )برقم ( 2450) بلفظ قريب من هذا ، و هو في المستدرك للمؤلف ( الجزء الثالث ، ص 167) و البيهقي في ( السنن الكبرى)، _ الجزء الخامس ، ص 391) و ( الجزء السابع ، ص 101 ) و في المعجم الأوسط للطبراني برقم ( 4089) و في ( مسند إسحاق بن راوية ، الجزء الخامس ، ص 8) و كذا رواه البخاري في ( الأدب المفرد) برقم ( 947)، و أبو بكر بن المقرئ في ( الرخصة في تقبيل اليد ، ص 91 ، و صححه المحدث الألباني –رحمه الله- في صحيح الأدب المفرد ( الجزء 1، ص 368) ، و ذكر أن لفظة ( قبلت يده ) من شذوذ الحاكم –يعني المؤلف- الذي خالف رواية الجماعة و الرواية عند الحاكم ( الجزء 3، ص 174) ، و لكنه لم يتفرد بها كما قال شيخنا بل وافقه الطبراني في ( الأوسط) كما تقد و ليس في السند من ينظر فيه سوى الحسن بن شوكر ، و هو مستقيم الحديث كما قال بن حيا ، و هذا توثيق نادر من بن حيان ، و لهذا ثقال الذهبي في ( الكاشف) : ثقة ، و شيخ الطبراني علي بن سعيد الرازي ثقة تكلم فيه ، فهو حسن الحديث إذا لم يخالف ، و قد وافقه الحاكم –هنا- على هذه اللفظة ، فيجب قبولها ، و ما ذكره شيخنا عن تقبيل اليد الذي ذكره الغماري حق ، لكن تقبيل اليد صح في حديث آخر ،و هذه الرواية تؤيد تقبيل يد الوالدين.
11-و في هذا نظر ،فالصديقة رضي الله عنها لا يحكم عليها بان فاطمة رضي الله عنها كانت أفقه منها مطلقا بسبب هذه القصة فقط ، كيف و هي كانت تستوعب من السنة المطهرة الشيء الكثير جدا ، مع الفقه الذي قامت فيه على كثير من رجال الصحابة رضوان الله عليهم جميعا .
12-قلت ، فكيف صححته في ( المستدرك) على شر طهر و الصواب أن يحي بن أيوب الغافقي من رجال الكتب و السنة ، لكنه متكلم في حفظه ، فما انفرد به و لم يخالف فيه ، فهو حسن.
13-سيد مهدي آيتا للهى ، فاطمة الزهراء عليها السلام ، سلسلة مع المعصومين ، إيران ، الثالثة ، ص 5.
14-سيد مهدي آيت اللهى ، المرجع نفسه ، ص 7.
15-محمد كاظم القزويني ، فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد ، إيران ، مكتبة بصيرتي ، 1414 هـ ، ص 56.
16-علل الشرائع ، ص 184 ، باب 148 ، ج 1.
17-بحار الأنوار ، الجزء 43، ص 105.
18-محمد كاظم القزويني ، المرجع السابق، ص 61.
19-محمد كاظم القزويني ، المرجع السابق ، ص63.
20-هذا الإحصاء لعام 1366 هـ ، أما اليوم فقد تضاعف عددهم إلى ما لا يعلمه الله تعالى .
21-سورة الأحزاب ، الآية 37.
22-الشيخ علي الفتلاوي ، فاطمة الزهراء عليها السلام سر الوجود ، محاضرات إسلامية لسماحة السيد عادل العلوي .
23-توضيح هذا الكلام مفصلا في بداية الحكمة للعلامة الطبطبائي في المرحلة الأولى من الكتاب في الفصل الأول ،ص10.
24-يقول المشاؤون أن العقول عشرة ، الأول و هو العقل الأول ثم هذا العقل الأول أوجد الفلك الأول و العقل الثاني ، و أن العقل الثاني أوجد الفلك الثاني و العقل الثالث ، و هكذا حتى يصلوا إلى العقل العاشر الذي يسمى بالعقل الفعال ، و يقول الاشراقيون أن في الوجود عقولا عرضية لا علية و لا معلولية بينها و هي تدبر الأنواع المادية ، و تسمى بـ ( أرباب الأنواع) و ( المثل الأفلاطونية ) و في هذا كلام مفصل يؤخذ من مصادره الفلسفية .
25- مفاد قاعدة إمكان الأشرف : أن الممكن الأشرف يجب أن يكون أقدم في مراتب الوجود من الممكن الأخس ،فلا بد أن يكون الممكن هو أشرف منه قد وجد قبله ، و هذا مرتبط بوجود العلة التي هي أشرف من المعلول فتكون قبله من حيث الوجود.
26-بحار الأنوار
27-الشيخ علي الفتلاوي ، المرجع السابق
28-الزهري و عبد الله بن أبي بكر و بعض ولد محمد بن مسلمة المحدث : أبو داود ، المصدر : سنن أبو داود ، الصفحة أو الرقم 3016.
29-بن المغازلي ، المستدرك على الصحيحين ، الجزء الثالث ، باب مناقب فاطمة ، ص 171 ، سير أعلام النبلاء، الجزء الثاني ، ص 126 ، البداية و النهاية ، الجزء الثاني ، ص 599 ، مناقب الإمام علي ، ص 3633.
30-زينب محمد حسين ، السيدة فاطمة الزهراء –دراسة تاريخية-جامعة القديسية ، قسم التاريخ ، كلية التربية ، العام الدراسي 2017، ص
31-الجامع الصغير ، الجزء الأول ، ص 469، الإصابة في تمييز الصحابة ، الجزء الرابع ، ص 378 ، البداية و النهاية ، الجزء الثاني ، ص 60، ذخائر العقبى ، ص 444.
32-الأنصاري ، محمد علي التبريزي ، اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء ، ص 50.
33-شذرات من حياة فاطمة الزهراء عليها السلام ، شعبة التبليغ ، 2017، الطبعة الأولى ،ص 6.
34- شذرات من حياة فاطمة الزهراء عليها السلام ، المرجع نفسه ، ص 7.
35- ينابيع المودة لذوي القربى ، للقندوزي ، الجزء الثاني ، ص 134.
36-شذرات من حياة فاطمة الزهراء ، المرجع السابق ،ص 22.
37-شذرات من حياة فاطمة الزهراء ، المرجع السابق ، ص 30.
38-الكافي للشيخ الكليني ، الجزء الخامس ، ص 9.
39-كنز العمال للمتقي الهندي ، الجزء 15 ، ص 508.
40-شذرات من حياة فاطمة الزهراء ، المرجع السابق ، ص 34 .
41-علل الشرائع للصدوق ، ص 215 ، 216.
42-سورة الإنسان ، الآيات 8-9.
43-شذرات من حياة فاطمة الزهراء ، المرجع السابق ، ص 37، 38.
44-تفسير الميزان للطبطبائي ، الجزء 20، ص 132.
45-أعين الشيعة للسيد محسن الأمين ، الجزء الأول ، ص 308
46-الخرائج و الجرائح لقطب الدين الراوندي ، الجزء الثاني ، ص 531.
47-عباس محمود العقاد ، فاطمة الزهراء و الفاطميون ، مصر ، مؤسسة هنداوي للتعليم و الثقافة ، 2013، ص 45.
48-عباس محمود العقاد ، فاطمة الزهراء و الفاطميون ، المرجع نفسه ، ص 47.
49-الوشيجة : عرق الشجرة و ما التف من الأشجار و نحوها ، يقال : بينهم وشائج النسب 50-السيد ياسين الموسوي ، مقتل فاطمة الزهراء عليها السلام ، بيروت ، 1998، الطبعة الأولى ، ص 8.
51-الأمالي ، الصدوق ، ص99-100 ، المجلس 24، ح2، و نقله عنه المجلسي ، الجزء 43 ، ص172 ، ح 13 ، و نقله عنه البحراني في : العوالم ، مجلد أحوال الزهراء ( عليها السلام ) ، الطبعة الثانية ، ص 391، 393.
52-الأمالي ، الصدوق ، ص 115-116 ، المجلس 28 ، ح 2 ، و نقله عن المجلسي في البحار ، ج 28 ، ص 51 ، ح 20.
53-السيد ياسين الموسوي ، مقتل فاطمة الزهراء عليها السلام ، المرجع السابق، ص 110.
54-مقتل الامام الحسين بن علي /الخوارزمي الحنفي المعروف بأخطب خوارزم /ج1/ ص 84، المنتخب / للطريحي /ص 117-118 ، البحار /المجلسي /ج 43/ ص 214 -215 ، عوالم العلوم و المعارف /البحراني /مجلد أحوال الزهراء عليها السلام /ص 513-514، الطبعة 2.