مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
بجوث المسابقة الثانية (المحور الاجتماعي في سيرة السيدة فاطمة(ع) )الباحث عزيز داخل تدربسي /تربية البصرة
+ = -

بسم الله الرحمن الرحيم

(المحور الاجتماعي في سيرة السيدة فاطمة(ع) )

﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾

                                               صدق الله العظيم

 الإهداء

 ما زلتُ اذكُرُها .. طاهرةُ النغمات

مِنْ سبعِ سماوات

يبعثُ فِضتَه  خاتما  وقلادة

او حُلما جميلا  على وسادة

هات يديكَ . استغفري شغفي

فكل خطايانا لديك 

مري على العتبات  في لحظة خالدة

خذينا غفوة في ناظريك

تسحنا المعاصي إلى شفا حفرة

فتمتد يد  من خلال المدى

كأنما  رعشة نبي

سيدة الجنان تنحى الخلق عنها

 كي تجوز على الصراط

 المقدمة

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

أما بعد : فإنَّ الزهراءَ هي :  فاطمة بنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

أمها : خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

تُعَدُ فاطمة  ضمن النساء العربيات اللاتي عُرفن بالبلاغةِ والفصاحةِ حتى ان ابن طنبور أورد خطبة في كتابه بلاغات النساء , ناقلا عن أبي الحسين زيد بن علي قوله : رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم ويعلمونه أبنائهم .

 روي عن انس انه قال : قال النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله  وسلم ) انه وهو يشير الى فاطمة : حسبك من نساء العالمين مريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون .

كانت فاطمة قانعة شاكرة صابرة  شهدت الدعوة وعاشت معاناة النبي في مكة وشهدت الهجرة وشهدت الغزوات .

كانت اشد عزما واكثر وعيا لما جرى ويجري من احداث , امرأة وفية ومحبة وخفيفة المؤونة وكثيرة البركة تسعى لإسعاد زوجها وترضى منه باليسير , فهي حقيقة كما يقال : أندر من الكبريت الاحمر. إن محاولةَ التفكيرِ في دراسةِ النشاطِ الاجتماعي للسيدةِ فاطمةِ الزهراءِ عليها السلام هي محاولةٌ لكشفِ وتدعيمِ هذا الجانبِ والغورِ في غياهبِ تلكَ الفترةِ العصيبةِ التي عاشَتها السيدةُ فاطمة الزهراء(عليها السلام) .

فمن الواضح والجلي لكل باحثٍ منصفٍ أنْ يضع في حساباته مشكلة عصر بكامله وما يكتنفه من متطلبات وأطروحات ونشاطات ليتم تقييم تلك المرحلة من حيث حجمها ومدى تأثيرها في تلك الحقبة وفي ذلك الواقع .

إنَّ نشاط الزهراء في تلك المرحلة كان يتطلب منها عملا دؤوبا يتناسب وتلك الظروف الغامضة والحرجة.

ففي بداية عصر الرسالة كانت الزهراء تُعَلِّمُ القرآنَ للنساء وتُلقنهن أحكام الشريعة وبعض المعارف الإلهية الضرورية لهن في حياتهن وبالتالي المشاركة الفاعلة من خلال تلك التعاليم والمعارف في الدعوة الى الله سبحانه وتعالى والتي ستكون مؤثرة في المواقع المختلفة.

كانت لتلك المعارف أهمية قصوى في بيان دورها المجتمعي آنذاك , وقد تجلت تلك المواقف وتأثيراتها في أكثر من مظهر من مظاهر الحياة ومن تلك المواطن موقفها في حادثة المباهلة مع  النصارى ودورها الرائد في الدفاع عن قضية الإمامة والقضايا المصيرية الأخرى.

ثم وقفتها مع فئات المجتمع التي تحتاج إلى الرعاية كاليتامى والأسرى والمساكين وخطبتها الرائعة في المسجد والتي تعتبر مدرسة وحصنا يرفد الأجيال بالمعرفة ومعظم تعاليم السماء.

وقد تجلَّتْ مواقفها القوية والمؤثرة من قضية الإسلام حتى بقي تأثيرها إلى ما  بعد موتها من أجل حفظ ثمرات الجهاد والتواصل في خدمة الدين والتضحية من أجل ذلك كله.

وهذا دليل على ان الزهراء قد شاركت في العمل الإنساني والسياسي والثقافي والإيماني بما يتناسب مع الظروف والواقع والحاجات آنذاك.

 وفي نطاق أطر النشاطات ووفقا للقيم السائدة فيه فقد حققت انجازات أساسية على صعيد التأثير في حفظ الدعوة ونشرها وتأصيل مفاهيمها, وسد الثغرات في مختلف المجالات التي تسمح لها ظروف ذلك العصر .

وربما ان هذا الإنجاز الذي حققته فاطمة والذي سيتضح من خلال البحث لا يوازيه اي إنجاز لامرأة عبر التاريخ (لأن نشاط فاطمة استهدف تأصيل الجذور  )

فكان لذلك النشاط أثر فاعل في حفظ شجرة الإسلام ومنحها المزيد من الصلابة والشموخ والتجذر والقوة والمنعة وجعلها أكثر غنى.

 مشكلة البحث

 هناك الكثير من الكتب والمؤلفات التي كُتبت بحق السيدة فاطمة وفيها أثيرت الكثير من الاشكالات وتسليط الضوء على حياة الزهراء وتأثيرها في المجتمع آنذاك .

في هذا البحث المتواضع أحاول أنْ أطرح أسئلة وهذه الأسئلة هي التي أثارت في نفسي الشروع بكتابة هذا البحث . ومن هذه الاسئلة .

كيف استطاعت الزهراء أنْ تلعب ذلك الدور المحوري بجميع ملابساته السياسية والفكرية وحتى الدينية ؟

ومن ثم ماهي محددات البحوث التي تعالج مسألة حساسة في بيئة حساسة تتجلى فيها كل ملابسات وصراعات وحيثيات  الغموض والجدل القائم على صراع الأولويات ؟

إنَّ مهمة البحث الموضوعي ليس في حياديته فحسب , بلْ ان البحث الموضوعي هو الصدق في نقل المعلومة ولملمة الأحداث بكلِّ تعقيداتها للخروج بجملة من العينات التي تصلح لأنْ تكون محل نقاش علمي على مائدة ثرية بالمصادر والنقد والتحليل بعيدا عن تكرار التجارب السابقة والتي تركز على إبراز الجانب السياسي وتصر على الخوض في سجالات قد تكون نتائجها سلبية لا يمكن معها وضع اليد على الأهداف السامية المتوخاة من كتابة اي بحث يتعلق بموضوعة مهمة كهذه .

 إضاءة

يبدو إنَّ شخصيةَ الزهراء عليها السلام قد تحققت بصفتها المرأة الكاملة في توجهاتها الانسانية وهو الذي تحتاجه كضرورة حياتية واعتقادية وسلوكية وحتى منهجية , أما نشاطها الاجتماعي فكان يثير فضولنا في البحث والتقصي بسبب عمر الزهراء الذي لا يغطي مساحة الأحداث العظيمة التي حدثت آنذاك إلا إذا كانت مسددة من الله تعالى أولا ومشبعة بتعاليم الرسول التي كانت تسمعها أولا بأول فكانت بحق نافذة النور وبرهان الحق كأبيها الذي كان مرآة الإسلام التي تعكس تعاليمه وأحكامه ومفاهيمه ونظرته للكون وللحياة.

فهي من الطبيعي أن تكون مع الحق يدور معها كيفما دارت وتدور معه كيفما دار ,فكانت الزهراء مع هذه المقدمة الميزان الذي يوزن به إيمان الناس.

 في التداول المجتمعي للثقافة يُحلق وعي المثقف بإدراكه اللحظة الحالية والتي قد يعتبرها الكثير من المتلقين أنها لحظة ليست نهائية ولابد من تجاوزها لإعتبارات مهمة .

الاعتبار الأول : أنْ يلم المتلقي المثقف الواعي بمشاكل المجتمع وبالأسئلة المطروحة .

الاعتبار الثاني : أنْ يُقَيِّد المامه الواعي بالتحرك والمحاولة والإجابة على أسئلة العوام .

الاعتبار الثالث :  وراء كل نتاج حضاري رؤيا ونظرية للعالم وهي رؤيا للإنسان والطبيعة والكون .

فتكون تلك اللحظة المباشرة والحاضرة هي نتاج الماضي وتطل على المستقبل ويمكن اعتبارها لحظة التقاء الماضي بالحاضر.

 في قبال ما سبق يوجد عامة الناس .الإنسان العادي غير المفكر .

وبين تلك الطبقتين يحاول المؤلف أنْ يوازن أفكاره ليخترق الفجوة اللامرئية بين الإنسان المثقف المعرفي وبين الإنسان العادي غير المفكر.

إنَّ عملية السعي المتواصل للكشف عن ماهية التاريخ والبحث عن إجابات تغطي قلق القارئ وإشكاليات تلك المرحلة التي تشغل جميع طبقات الناس كل بحسبه .

من هذا يتبين إنَّ فهم التاريخ هو فهم للأنساق الاجتماعية متكاملة ومنظمة وهو فهم يقوم على العقلانية ونبذ التعصب وفرض الإرادات .

لذلك قد تكون مهمة المؤلف المنصف صعبة جدا وأي خلل في النقل والتوثيق يؤدي إلى صراعات فكرية تتبلور عنها صراعات عسكرية وفتن تأتي على الاخضر واليابس .

فلا بأس بالبحث المستمر للتعرف على أسرار مرحلة من مراحل التاريخ من أجل توثيقها والكتابة عنها ويكون ذاك من خلال اكتشاف الرابطة الموضوعية والعقلانية والسيطرة على تسيير الأحداث وفق نمو معرفي دائم هدفه الحقيقة ولا شيء سوى الحقيقة .

فالمعرفة والتجرد من الأيدولوجيات هي السبيل الوحيد الذي يعني بصياغة التاريخ وإخضاعه للمبادئ ونظام المنفعة وكشف سر الطلاسم المجتمعية إنْ صح التعبير .ولعل المحدثين نظروا إلى ذلك فزاوجوا بين النقل والإبداع والتخلص من سطوة المزاج والفئة والطائفة .

وقد يجد الباحث  ويكد في تثبيت رواية من هناك ومن هناك لجديتها ومنهجية خطوات التوصل إليها وعقلانيتها مع انها مرهونة بزمان ومكان جليين .ويبدو أنَّ تكثيف العمل الإنساني بهذا الاتجاه لم يصلْ إلى مرتبة الاطمئنان بين طبقات المجتمع فكريا وعقائديا بسبب تراكم تراث من الثوابت المعرفية التي أملتها الظروف الغمضة عبر التاريخ.

في هذا البحث أحاول أنْ انحى منحى جديدا لنقل الصورة مع ترك مساحة للإبداع تعبر عن فكرة مفادها انَّ الكتابة هي ليست توسل بالآخر لكي يرضى أو لا يرضى ولكن باعتبارها رسالة تعبر عن مفصل مهم من حياة الأمة في تلك المرحلة ويعمل المؤلف فيها كساعي بريد.

ويمكن النظر إلى تثوير العمل الكتابي وفق محددات منها :

أولا : المحدد المجتمعي من خلال الروايات الأقرب إلى المنطق والعقل والوجدان .

ثانيا : من خلال عمليات التراكم التاريخية وتداخل المواقف والثوابت آنذاك لابد من خروج العقل من دائرة الوصاية التاريخية التي قد تفرضها العوامل الموضوعية والذاتية .

ثالثا : الحرية في التعامل مع أدق التفاصيل وهي حرية مضغوطة ومحددة بطبيعة الحال .

رابعا : العقلانية والتي من خلالها يتجلى العقل بسيادته وهيمنته وخروجه من دائرة التأثر والتأثير السلبيين .

 النشاط الاجتماعي للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 من المهم جدا والملفت للنظر إنَّ عمر الزهراء الذي عاشته والذي قد تجاوز الثمانية عشر عاما بقليل هو عمر اعتباري أمام ما حققته من منجز .

بين الولادة والرحيل إلى الرفيق الأعلى ثمة فيوضات أثارت في شخصية السيدة فاطمة جملة من الفرضيات التي أهلتها لإشباع تلك المرحلة من عمرها القصير بنشاطات اجتماعية رغم صعوبة المرحلة وتشظي المواقف تجاه القضايا المصيرية بعد وفاة الرسول .

كانت الزهراء عليها السلام تكدح حتى الفناء في جملة من تفاصيل الحياة , وكانت المرحلة تلك تتطلب من التقنيات والاطروحات والمعارف ما يديم نشاطها التكليفي ان صحت العبارة .

تلك النشاطات على اختلافها وتشعباتها كان لها من التأثير الشيء الكثير من حيث مدى تأثير تلك النشاطات في ذلك الواقع المهم من تاريخ الامة .

ففي عصر النبوة تجلت المهمة لها كما تتجلى الامنيات لطفلة تتنقل بين ثنايا المنزل وعندها كما عند مجايليها من الأطفال .

ثمة ما يُلفت النظر بأنها ربما قامت عفويا أو بمد سماوي بحرق مراحل عديدة لكي تنضج وتكلف بأمور على بساطتها كانت البداية لذلك التحول السريع في مسيرة المجتمع وأحداثه المتداخلة .

في هذا الخضم الرهيب كانت الزهراء تفتح مدرسة متنقلة لحث النساء على تعلم القرآن والأحكام الشرعية وبعض المعارف الإلهية الضرورية لهنَّ.

وبالتالي تكون قد ساهمت بجزء بسيط في فاعلية النمو المعرفي عند النساء القادمات توا من مرحلة الجاهلية والتي كانت تنوء بالكثير من الأفكار الخاطئة .

كانت تلك التعاليم والمفاهيم على بساطتها نقطة انطلاق لدعم الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى .

ومصداق لنمو العمل الرسالي والاجتماعي مواقفها في المباهلة مع النصارى ودورها الرائد في الدفاع عن قضية الإمامة والقضايا المصيرية الأخرى.

كان المجتمع أسير الجاهلية لقرب عهده بها وكانت الزهراء في المركز باعتبارها ابنة النبي الذي تحملَ عذابا قريش في سبيل نشر دعوته .

فقد ساندته خطوة خطوة حتى بعد رحيله فقد وقفت منتفضة وخطبت في المسجد خطابا تعالى في صوت الحق على الباطل ومعنى التضحية والإيثار على معنى السكوت والغلبة .

وفي مراجعة سريعة لخطبتها تلك تتجلى مدرسة علوية تخرج من حصن الموتى إلى فضاء الأحياء لترفد الأجيال بالمعرفة والثبات على المبدأ .

المجتمع الأسير كان بحاجة إلى مّنْ يُخرجه من ثكنات الظلام إلى النور المستديم .مما حدا بالزهراء أنْ تتعامل مع المجتمع آنذاك باعتباره  مجموعة غير متجانسة من الفئات التي تحتاج إلى الرعاية والارشاد والتوجيه.

فوضعت أيتام الناس وأسراهم ومساكينهم نصب عينيها كما ورد في الآية الكريمة ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) الإنسان 8

هذه المواقف المهمة مضافا إليها شخصيتها التي استمدتها من أبيها وبعد ذلك من زوجها علي عليه السلام  تجلت بشكل مواقف قوية ومؤثرة من قضية الإسلام ومصيره وكان ذلك واضحا حتى بعد موتها فقد حفظت ثمار ذلك العمل الدؤوب.

كان عمل الزهراء يتناسب مع ظروف تلك المرحلة والواقع والحاجات آنذاك .فعندما نقول عملها كان مهما وعظيما نقصد تلك المرحلة على بساطة الحياة وتقنياتها .

 وفي نطاق أطر النشاطات ووفقا للقيم السائدة فقد تحققت إنجازات أساسية على صعيد التأثير في حفظ الدعوة وفي نشرها وتأصيل مفاهيمها , وسد الثغرات في مختلف المجالات التي تسمح لها ظروف ذلك العصر بالتحرك فيه.

وليس غريبا أنْ نقول إنَّ ما أنجزته فاطمة لا يوازيه أي إنجاز لامرأة عبر التاريخ لأن نشاط الزهراء استهدف تأصيل الجذور وترسيخ العقيدة .

فكان لذلك الأثر الفاعل في حفظ شجرة الإسلام , ومنحها المزيد من الصلابة والشموخ والتجذر والقوة والمنعة وجعلها أكثر غنى .

ويمكن خلاصة ذلك بالقول : إنَّ اختلاف مجالات النشاط وحالاته وكيفياته بين عصر الزهراء وعصرنا هذا لا يجعل الزهراء في دائرة التخلف والنقص والقصور .

فنقول : إنه مِنَ المؤكد أنْ يكون عصر التأصيل لقواعد الدين والتأسيس لحقائق الايمان وقضايا الإنسان المصيرية هو الأهم والأخطر .

والانجاز فيه يتناسب معه من حيث العظمة والسعة .

وهذا يعني إنَّ نشاط الزهراء رغم الظروف القاسية آنذاك فهو نشاط متميز .

نستخلص مما ذكر :

أولا : كان النشاط آنذاك يضاهي بناء مدرسة ومؤسسة خيرية وتشكيل جمعيات ثقافية أو خيرية أو إقامة ندوات أو إلقاء محاضرات وتأليف كتب وهذا ينطبق على كل نساء عصرها لتشابه الظروف.

ثانيا : طبيعة حياة المجتمع وإمكاناته وكذلك طبيعة حياة المرأة آنذاك كانت تحد من نشاطها الذي يمكنها أنْ تشارك به إلاَّ في مجالات خاصة تختلف عن مجالات هذه الأيام  بصرف النظر عن المبررات الشرعية التي ربما يتحدث عنها البعض بطريقة أو بأخرى .

ثالثا : التاريخ لم يذكر تلك النشاطات بصورة ملفتة للنظر ومدونة كما هو الحال الآن .

 ذكر إنها كانت تشارك حتى في مناسبات غير المسلمين وذلك حين دعاها بعض اليهود إلى حضور عرس لهم وثمة رواية تتحدث عن الإعرابي الذي أعطته عقدها وفراشا كان للحسن والحسين فاشتراهما عمار بن ياسر.

كان بيت أبيها نقطة إنطلاق إلى فضاء أوسع فقد امتدت عنايتها لتشمل الجيران والاهتمام بهم فكانت تستغل أية فرصة فتبادر إليها بوعي ومسؤولية ورضى.

كان نشاطها الاجتماعي هذا ودورها المحوري هو ثمرة من ثمار الدعم الأبوي للنبي الذي كان يؤكد في كل مناسبة وبصورة مستمرة قولا وفعلا على مالها من مقام ودور وموقع في الإسلام والإيمان والمعرفة .

كل ذلك جعل لها درجة من المرجعية للناس وأصبح بيتها مكانا للمعرفة وصار الناس يقصدونها بحثا عن العلم والمعرفة .

كان النبي يوجه أصحاب الحاجات المادية إلى بيت فاطمة كما في قضية الإعرابي الذي أعطته عقدها .

هذا التوافد على بيت فاطمة طلبا للعلم والحاجات المادية والمعنوية ملا بيتها نشاطا إضافة إلى نشاطها البيتي فقد كانت تطحن وتنظف وتربي وتهتم بشؤون منزلها على أكمل وجه.

إنَّ قيمة السيدة فاطمة عليها السلام  تنبع من ذاتها الإنسانية ومن مثلها وعلمها النافع المنتج للتقوى والخوف مِنَ الله.

 إنَّ ولاء الانسان المسلم للنبي وآله والزهراء له دور اساسي ومفصلي في بلورة وتحقيق الهوية وشخصنة الرسالة الانسانية.

فهي امرأة  أجمع الناس على كمال انسانيتها ووجودها ضرورة حياتية واعتقادية وسلوكية ومنهجية في حياة الناس كل ذلك النشاط مع وجود اأيها وزوجها.

وعملتْ فاطمة كذلك على تركيز المفاهيم والمثل في قلوبنا وعقولنا لننتج ونصوغ عواطفنا وأحاسيسنا وكل وجودنا وهذا دور يفوق بناء المؤسسات في ذلك الزمن .

وللزهراء دور مهم في بقاء الدين ونقائه ولولاها لطمست معالمه وإندرست آثاره فالزهراء هي طريق الهداية الحقيقي فكانت بحق مرآة الإسلام التي تعكس تعاليمه وأحكامه ومفاهيمه ونظرته للكون والحياة .

فهي مع الحق يدور معها كيفما دارت وهي المعيار والميزان الذي يوزن به إيمان الناس ودرجة استقامتهم على طريق الهدى والخير والصلاح ونعرف به رضا الله ورسوله وغضب الله ورسوله.

إنَّ قيمة المُنجَز الاجتماعي لفاطمة الزهراء عليها السلام كان مثار فخر وإعجاب وإنَّ خطبتها في مسجد النبي مع نساء الأنصار تعتبر بحد ذاتها مدرسة للأجيال وسببا للمعرفة على مدى التاريخ لو أُحسن فهمها وصحت الاستفادة منه .

روى العلامة الطبرسي في كتابه الاحتجاج بسنده عن عبد الله بن الحسين قالت فاطمة في آخر خطبتها عند مسجد رسول الله :  معاشر المسلمين المسرعة إلى  قبول الباطل المغضية على الفعل القبيح الخاسر ، أفلا تتدبرون القرآن ؟ أم على قلوب أقفالها ؟ كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم ، فأخذ بسمعكم وأبصاركم ، ولبئس ما تأولتم ، وساء ما به أشرتم ، وشر ما منه اغتصبتم ، لتجدن والله محمله ثقيلا ، وغبه وبيلا ، إذا كشف لكم الغطاء ، وبان باورائه الضراء ، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون ، وخسر هنالك المبطلون .

 مِنَ الممكن فهم النشاط الاجتماعي للسيدة فاطمة الزهراء من خلال فهم تلك المرحلة والإحاطة بكل تفاصيلها .

هناك قلق يساور الجميع ,قلق في متناول النخبة المثقفة المتعلمة والباحثة عن الحقيقة .

ويمكن اعتباره قلق وجودي يسعى فيه العلماء كلٌ بحسبه للكشف عن ماهية العلاقات  الاجتماعية وإيجاد الإجابات المقنعة والعلمية والتي تستطيع أنْ تُغطي مساحة مهمة من ذلك التاريخ الغامض .

ومن تلك الإجابات يتم حل إشكاليات كثيرة تشغل الإنسان في بحثه الدائم عن السبيل الواضح والدقيق لمعرفة  كلِّ صغيرة وكبيرة .

فعلى سبيل المثال نستطيع كقراء جيدين تتبع الأنساق الاجتماعية آنذاك وسبر أغوار ملامح كل الأنساق المترتبة على ما سبق .

من وجهة نظري كباحث أؤكد على ضرورة المعرفة في البحث وإبعاد ردود الأفعال والمواقف الممنهجة سلفا.

العقل المعرفي أو المعرفة العقلية هي خط الشروع في تلقي المفاهيم التي تُقرب كل بعيد وتختصر المسافة بين العقل وسواه , من هنا لابد من شجاعة أو ( قوة قلب إنْ صح التعبير ) هذه القوة هي وحدها التي تكفل التوصل إلى الحقائق ومن ثم خرق حجب الخرافات وأنصاف الحقائق والحماس الذي لا مبرر له .

ثورة المفاهيم على حداثتها ستوقف تراكمات الماضي الذي لن يصمد طويلا أمام قوة الحجة وإبداع العقل .

فالبحث المستمر والمضني في كشف تلك الفترة العصيبة من حياة الزهراء بكل ما فيها من ضغوطات سياسية واجتماعية ونفسية هو السلاح الوحيد للوصول إلى نهاية النفق وحل عقد التاريخ المتلاحقة والمتراكمة .

الزهراء عليها السلام اختلفت عن قريناتها بالوعي السابق لأوانه فقامت باستحداث صياغات متجددة ربما لم تكن متاحة في عصرها وما قبل عصرها .

ومما أضافته الزهراء على صغر سنها التركيز على التفاصيل في علاقاتها المجتمعية والأسرية وتمثيل المرأة الواعية القادرة على تحمل المسؤوليات الجسام, وهذه الخصيصة تفردت بها الزهراء في عصرها فلم تقف كالأخريات متفرجة على ما يفعل الرجال في مواقف الحرب والسلام ,فكانت بحق عاملة في بيتها بنشاط واضح لتوحي للناس من حولها بأنَّ مرحلة خطيرة ومهمة ستحل بالأمة .

أنا أسمي ذلك الحراك مع ما تقدم بالحراك الإبداعي الذي هو نقيض التمثل والنقل والكساد , فللزهراء ربما على فطرتها رؤية ورؤى جديدة مرتبطة بمنهجية الرسالة المحمدية التي كان قوامها العقل .

كان الوعي المبكر للزهراء يمثل الركيزة الأولى والإنطلاقة الصحيحة لبث كل ما تعلمته وهضمته من تراث فكري واجتماعي وعقائدي ليكون محور التصدي والتحدي لظلام ما يأتي وصعوبة ما ينتظرها من أحداث.

عندما رأت الزهراء معالم الهيمنة والتسلط والفوضى اختارت لنفسها خيار اللاعودة عن ترسيخ المفاهيم الرسالية الحقيقة .

فكنت أدرك من خلال كتابتي هذا البحث إنَّ الزهراء كانت مكلفة من أبيها النبي الأكرم بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالسير على خطوات محسوبة ومقننة كي لا تنفلت منها تلك اللحظة التاريخية التي أدخلتها إلى ضمير المحبين على مر التاريخ .

لعل كل ما استحدثته من أفكار ومواقف هو وإنْ لم يكن استنساخا لفكر ومواقف النبي الأكرم فإنه لحظة عبور وقفز شرعي على تخطي تلك الحقبة المظلمة .

التناقضات الموروثة وانشقاق صحابة الرسول ألى مدارس جدل ونقاش كان يلقي بظلاله على السيدة فاطمة الزهراء  لتعد نفسها للتصدي وحيدة ومتفردة معتمدة على الله وهيبة زوجها علي بن أبي طالب عليه السلام.

 خلاصة البحث

مِنْ كل ما تقدم ذكره يمكن الخروج بنقاط  هي خلاصة البحث   :

  • كان لبلاغة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام الأثر الواضح في تحقيق أهدافها الإنسانية وقد اتضح ذلك جليا من خلال خطبتها.
  • شخصيتها المُعتبرة .. حيث كانت تتمتع بكاريزما استطاعت من خلالها أنْ تفرض عملية الإقناع لكل مَن حولها إضافة إلى قناعاتها وشكرها وتصبرها في أصعب الظروف التي مرت بها الأمة واندفاعها الذاتي لتعليم النساء تعاليم الدين والعقيدة والأخلاق .
  • كانت فترة ملازمتها لأبيها قد أفاض عليها باستلهام الدروس الواقعية والمعيشية واستطاعت بذلك أنْ تواجه التحديات على مختلف الأصعدة .
  • كانت تولي رعاية خاصة بأيتام المسلمين وغير المسلمين وتسعى جاهدة لرسم صورة الإسلام الحقيقية باعتباره رسالة سماوية عالمية واهتمت برعاية الأسرى والمساكين ..
  • كانت فاطمة الزهراء تمثل كفة ميزان الحق فبها ومنها يعرف المنافقون من سواهم .
  • فاطمة الزهراء تعطينا دروسا في التواضع إلى جميع شرائح المجتمع والانخراط وسط هذا الكم الهائل من الفقراء والمساكين والمحتاجين .
  • لاريب إنِّ قربها من النبي الأكرم حيث منبع الرسالة ومهبط الوحي قد أضفى عليها سرا من أسرار المعرفة التي غابت آنذاك عن الكثير من الصحابة .
  • إنَّ مرحلة وجود الزهراء جعل نشاطها الاجتماعي أكثر صعوبة بسبب النقلة النوعية في تركيبة المجتمع الجاهلي .
  • العمل مع مجاميع غير متجانسة في المجتمع كان يحتاج إلى روح قوية وصابرة .
  • كانت الزهراء ترمي إلى تأصيل مفاهيم الدين الجديد وتثوير المفاهيم الجديدة بما يلائم المرحلة الجديدة .

وفي الختام فإنَّ النوافذ التي فتحتها الزهراء في جدار تلك المرحلة كانت بحاجة إلى إنسان يذوب في الله ويتفانى من أجل دين الله العظيم بعد ثارت ثائرة قريش وأسيادها نتيجة فقدهم لمناصبهم والقضاء التام على طوفان قريش الذين فقدوا كل ماجنوه خلال السنوات التي سبقت الإسلام .

فكان وقوف الزهراء مع النبي الكريم ومجموعة من الصحابة الخلص الأوفياء كعلي عليه السلام وخديجة وأبي طالب والمقداد وسلمان وعمار وسواهم هو موقف له أثره المرحلي والمستقبلي في الأمة.

فكانت فاطمة الزهراء بحق قيمة إنسانية ويمكن القول إنَّ تلك المواقف الشجاعة لفاطمة الزهراء كان لها الوقع الكبير في تثوير وتنوير مجموعة من المفاهيم التي ربما غابت واندرست بفعل المرحلة المعقدة من تاريخ الأمة.

 المصادر والمراجع

  • سيرة الصحابيات الجليلات / السيدة فاطمة / الدكتور محمد راتب النابلسي.
  • شرح نهج البلاغة للمعتزلي الجزء التاسع.
  • في رحاب النبي وآل بيته الطاهرين / محمد بيومي
  • مأساة الزهراء الجزء الأول / العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي .
  • دور الأئمة في الحياة الإسلامية / المرجع الديني آية الله الشيخ محمد اليعقوبي