المختصر في حياة فاطمة الزهراء (عليها السلام ) الاجتماعية
م.م ميثم خلف موسى/المستنصرية /كلية التربية/ قسم الجغرافية
حظيت حياة فاطمة الزهراء (عليها السلام ) الاجتماعية بأهتمام كثير من الباحثين من الفريقين , لا بسبب كونها انها ابنة المصطفى محمد صلى الله عليه واله وسلم , انما اخذت حياتها بعداً اجتماعياَ امتد الى اسقاع الارض البعيدة , فكان لزاماً على الباحثين إعطاء أهمية كبيرة في ابحاثهم الاجتماعية في هذا المجال .
يرمي البحث الى تسليط الضوء على حياة فاطمة الزهراء (عليها السلام ) الاجتماعية في منذ ولادتها الى حين وفاتها , وعلى الرغم من وجود دراسات كثيرة اختصت بحياة فاطمة الزهراء (عليها السلام ) الاجتماعية, الا انها دائماً تتميز بالإسهاب في هذا الموضوع .
المقدِّمة
الحمدُ لله ربِّ العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم علىٰ الحبيب المصطفىٰ الأمين وآله الهداة الميامين سيّما قرة عين النبي ، وبهجة قلب الوصي ، ثمرة النبوة ، ووعاء الإمامة ، أُمّ الحسنين ، وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليهاالسلام هالة النور والجلال وسليلة العزّ والعظمة والشرف الذي لا تنازع فيه , فالزهراء المثل الأعلىٰ الذي قدّمته الرسالة الإلهية للمرأة ، فقد صاغتها يد العناية الربانية أيّة صياغة لتكون قدوةً للحياة الكريمة ، واُسوةً للفضائل والقيم الإنسانية ، فهي نسخة ناطقة بتعاليم الوحي الالهي ، وصدّيقة لا تفعل غير الحق ، ولا تتبع سوىٰ الهدىٰ. فحريٌّ بنا أن ندرس سيرة الزهراء البتول عليهاالسلام ، ونسلط الضوء علىٰ مراحل حياتها ، كي نجعل نصب أعيننا المثل الإسلامية العليا التي تجسدت في الزهراء ، فكراً ونهجاً وسلوكاً. فزواج الزهراء عليها السلام مثلاً بما فيه من تواضع المهر ، وبساطة المراسيم ، وسمو الخلق والمثل ومبادىء الدين علىٰ مظاهر البذخ والترف ، وما يتبعه من حسن التبعّل وطيب المعاشرة مع ابن عمها الوصيّ المرتضى أمير المؤمنين عليهالسلام وتربيتها سبطي النبي الأكرم وإمامي الرحمة الحسن والحسين عليهما السلام ، كلّ ذلك يعكس لنا أبعاد الرسالة الإسلامية السمحة التي رسمها الإسلام للزواج الذي ارتضاه خالق الوجود ، ويرسم لنا صورة عن حقوق المرأة وواجباتها ومدىٰ فاعليتها في الاسهام ببناء المجتمع وتطويره.
تاريخ الولادة :
اختلف المحدثون والمؤرخون عند الفريقين في تاريخ ولادة الزهراء عليهاالسلام ، والمشهور بين علماء الإمامية أنّه في يوم الجمعة العشرين من شهر جمادى الثانية من السنة الخامسة بعد البعثة النبوية ، وبعد الاسراء بثلاث سنين1, وعمدتهم في ذلك ما روي عن الأئمة الأطهار عليهمالسلام فقد روي بالإسناد عن حبيب السجستاني ، قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : « ولدت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخمس سنين »2 , وعن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : « ولدت فاطمة في جمادىٰ الآخرة يوم العشرين منه ، سنة خمس وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم »3 , وروىٰ نصر بن علي الجهضمي ، عن الإمام علي بن موسىٰ الرضا عليهالسلام ، قال : « ولدت فاطمة بعدما أظهر الله نبوته صلىاللهعليهوآلهوسلم بخمس سنين »4. وقيل أيضاً : كان مولد السيدة الزهراء عليهاالسلام في العشرين من جمادىٰ الآخرة سنة اثنتين من المبعث5. وقال أكثر علماء العامة : إنّها عليهاالسلام ولدت قبل البعثة ، واختلفوا في عدد السنوات ، فقيل : ولدت وقريش تبني البيت الحرام قبل النبوة بخمس سنين ، ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ابن خمس وثلاثين سنة ، أخرجه سبط ابن الجوزي عن علماء السير1 ،
من الولادة حتىٰ الهجرة :
حينما قربت ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للسيدة أُمّ المؤمنين خديجة : « يا خديجة ، هذا جبرئيل يبشرني أنّها أُنثىٰ ، وأنّها النسمة الطاهرة الميمونة ، وأنّ الله سيجعل نسلي منها ، وسيجعل من نسلها أئمة في الاُمّة ، ويجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه ، ووضعت خديجة فاطمة عليهاالسلام طاهرة مطهرّة … »2, وخديجة الكبرىٰ عليها السلام لم تسترضع لفاطمة الزهراء عليهاالسلام ، فقد ألقمتها ثديها فدرّ عليها وشربت3 ، وهو صريح خبرٍ عن ابن عباس أيضاً4, ولاريب أن أفضل غذاء للطفل هو حليب الاُمّ ، وقد أثبتت التجارب العلمية أثره في بناء الطفل الجسدي والنفسي ، وجاء في الحديث عن أمير المؤمنين علي عليهالسلام أنّه قال : « ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أُمّه »5 وتوالت علىٰ الزهراء عليهاالسلام بعد نشأتها المشاهد القاسية التي كانت أليمة الوقع علىٰ نفسها الطاهرة وقلبها العطوف منذ نعومة أظفارها ، فقد فتحت عينها عليهاالسلام علىٰ المحن التي قاساها أبوها المصطفىٰ صلىاللهعليهوآلهوسلم في سبيل الدعوة ، وما رافقها من التعذيب والتنكيل بالمستضعفين من أتباعه ، وهجرتهم إلىٰ الحبشة ، وحصار بني هاشم في شعب أبي طالب نحو ثلاث سنين قضتها الزهراء عليهاالسلام مع أمّها وأبيها ( صلوات الله عليهم ) بحرمان وفاقة وانقطاع عن الناس. ولم تهنأ الزهراء عليهاالسلام بالعيش الرغيد مع أُمّها وأبيها ( صلوات الله عليها ) بعد خروجهم من مخمصة الشعب إلّا نحو عام واحد ، حيث فجعت بوفاة أُمّها الرؤوف التي كانت تمنحها الدفء والحنان ، وتضفي عليها الحبّ والأمان ، قال الإمام الصادق عليهالسلام : « فجعلت تلوذ برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتدور حوله وتسأله : يا أبتاه اين أُمّي ؟ فجعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يجيبها ، فجعلت تدور وتسأله : يا أبتاه أين أُمّي ؟ ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يدري ما يقول ، فنزل جبرئيل عليهالسلام فقال : إنّ ربك يأمرك أن تقرأ علىٰ فاطمة السلام وتقول لها : إنّ أُمّك في بيت من قصب ، كعابه من ذهب ، وعمده ياقوت أحمر ، بين آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران ، فقالت فاطمة عليهاالسلام : إنّ الله هو السلام ، ومنه السلام ، وإليه السلام »6. وفي العام نفسه والزهراء عليهاالسلام لمّا تبلغ الخامسة من العمر ، فُجِعت رسالة الإسلام بموت كفيل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وناصره وحامي رسالته عمه أبي طالب عليهالسلام فكان عام الحزن وفراق الأحبّة ، واشتداد شوكة المشركين علىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه المستضعفين،قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتىٰ مات أبو طالب »1
الهجرة :
بعد أن اتفقت كلمة قريش علىٰ قتل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وتعاهدت قبائلها علىٰ ذلك ، ولم يبق له في مكة ناصر ولا مكان يأوي إليه ، أُذن له بالهجرة إلىٰ المدينة ، وتمت الهجرة بسلام علىٰ الرغم من ملاحقة قريش ومطاردتها له وبذلها الجوائز السنية لكلِّ من يرشدها إلىٰ مكانه أو يقبض عليه. وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل هجرته أمر عليّاً عليهالسلام أن يبيت علىٰ فراشه وأوصاه بما أهمّه وأن يلتحق به مع الفواطم وهنّ : فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وفاطمة بنت أسد ، وفاطمة بنت حمزة ، وفاطمة بنت الزبير بن عبدالمطلب ( رضي الله عنهن ) وكان عمر الزهراء عليهاالسلام عند الهجرة ثمان سنين. وبعد أن نفّذ علي عليهالسلام وصايا الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وسلّم وأدّىٰ الودائع والأمانات لأهلها ، هيّأ للفواطم الرواحل وأخرجهن من مكة في طريقه إلىٰ يثرب ، وأشار علىٰ من بقي في مكة من المؤمنين أن يتسلّلوا ليلاً إلىٰ ذي طوىٰ حيث يسير الركب منها باتجاه المدينة ، وخرج هو في وضح النهار بالفواطم ، ومعه أيمن ابن أمّ أيمن وأبو واقد الليثي ، فجعل أبو واقد يجدّ السير مخافة أن تلحقهم قريش وتحول بينهم وبين إتمام مسيرة الهجرة ، فقال له علي عليهالسلام : « ارفق بالنسوة يا أبا واقد ، وارتجز يقول :
<< ليس إلّا الله فارفع ظنّكا يكفيك ربّ الخلق ما أهمّكا >>
ولما شارف ضجنان أدركه طلب قريش ، وكانوا ثمانية من فرسانهم ، فاستقبلهم أمير المؤمنين عليهالسلام بسيفه وشدّ عليهم حتىٰ فرّقهم عن ركب الفواطم ، وقتل منهم جناح مولى حرب بن أُميّة ، ولاذ الباقون بالفرار ، ومكث أمير المؤمنين عليهالسلام في ضجنان قدر يومه وليلته ، ولحق به نفرٌ من المستضعفين من المؤمنين ، وفيهم أُمّ أيمن مولاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فظلَّ ليلته تلك هو والفواطم طوراً يصلّون وطوراً يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلىٰ جنوبهم ، فلم يزالوا كذلك حتىٰ طلع الفجر ، فصلّىٰ علي عليهالسلام بهم صلاة الفجر ، ثم سار لوجهه ، فجعل يجوب منزلاً بعد منزل لا يفتر عن ذكر الله ، والفواطم كذلك وغيرهنّ ممّن صحبه عليهالسلام حتىٰ قدموا المدينة ، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم بقوله تعالىٰ : ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) إلىٰ قوله سبحانه : ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ )2 الذكر : علي عليهالسلام ، والاُنثىٰ : الفواطم المتقدّم ذكرهنّ3. وعن ابن عباس : هاجرت فاطمة مع أمير المؤمنين عليهماالسلام فقدمت المدينة ، فأنزلها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم علىٰ أمّ أيوب الأنصاري ، وخطب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم النساء ، وتزوج سودة أول دخوله المدينة فنقل فاطمة عليهاالسلام إليها ، ثم تزوج أُمّ سلمة فقالت أُمّ سلمة : تزوجني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وفوّض أمر ابنته إليّ ، فكنت أدلّها وأؤدّبها ، وكانت والله آدب مني ، وأعرف بالأشياء كلّها ، وكيف لا تكون كذلك وهي سلالة الأنبياء1.
أسماؤها وألقابها وشمائلها عليهاالسلام :
عرفت فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بجملة من الأسماء والألقاب ، وطبيعي أنّه كلّما كان الإنسان من ذوي المنزلة والمكانة تعددت أسماؤه. قال الإمام الصادق عليهالسلام : « لفاطمة عليهاالسلام تسعة أسماء عند الله عزَّ وجلَّ : فاطمة ، والصديقة ، والمباركة ، والطاهرة ، والزكية ، والراضية ، والمرضية ، والمحُدَّثة ، والزهراء »2
زواجها عليهاالسلام :
إنّ المتأمل لمفردات زواج الزهراء عليهاالسلام يلمس فيه أعلىٰ معاني الكمال الإنساني والشرف الخلقي ، ويجد فيه أكثر من سنّة نبوية مباركة ، ويستلهم منه المزيد من العظات والعبر التي تسهم في حلِّ الصعوبات التي تعترض الحياة الزوجية في كلِّ زمان ومكان ، وقبل البحث في بعض هذه المفردات ، لابدّ من بيان تاريخ زواجها وعمرها عند الزواج.
تاريخ زواجها :
اختلف المحدثون والمؤرخون في السنة التي تزوّج فيها أمير المؤمنين عليهالسلام بالزهراء عليهاالسلام ، فقيل : تزوجها بعد هجرتها إلىٰ المدينة بسنة ، وبنىٰ بها بعد سنة3. وقيل : بنىٰ بها في ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة4. وقيل كان زفافها سنة ثلاث من الهجرة5 ، ومهما اختلفت الأقوال ، فإنّ المتعين أن زفافها كان بعد غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة.
ثماني عشرة سنة (3).
عمرها عند الزواج :
تختلف الروايات في مقدار عمرها عليهاالسلام عند الزواج بحسب الاختلاف الحاصل في تاريخ ولادتها وزواجها ، فإن قلنا : إنّ ولادتها بعد المبعث بخمس سنين ، يكون عمرها عند الزواج تسع سنين أو عشر أو إحدىٰ عشرة سنة ، وفق اختلاف الرواية في تزويجها بعد الهجرة بسنة أو سنتين أو ثلاث ، والمشهور الأول. وقيل أيضاً : كان عمرها عند الزواج اثنتي عشرة سنة ، أو ثلاث عشرة ، أو أربع عشرة ، ولم يروِ أصحابنا في مبلغ عمرها يوم تزويجها أكثر من ذلك1. وفي الاستيعاب : كان سنّها يوم تزويجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ، وكان سنّ علي عليهالسلام إحدى وعشرين سنة2.
خطبتها للزواج عليها السلام :
تعرّض خطبة الزهراء عليهاالسلام أكابر قريش ، وكلّما ذكرها أحد لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم صدّ عنه ، عن أنس بن مالك ، قال : جاء أبو بكر إلىٰ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقعد بين يديه ، فقال : يا رسول الله ، قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وإنّي وإنّي ، قال : « وما ذلك ؟ » قال : تزوجني فاطمة ، فأعرض عنه. وأتىٰ عمر إلىٰ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال له مثل ذلك فأعرض عنه3 ، وخطبها عبد الرحمن بن عوف فلم يجبه4 ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم ينتظر بها القضاء. روىٰ ابن شاهين وغيره عن عبدالله بن بريدة ، قال : إنّ أبا بكر خطب إلىٰ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فاطمة ، فقال : « انتظر بها القضاء » ، ثم خطب إليه عمر ، فقال : « انتظر بها القضاء » ثمّ خطب إليه علي فزوجها منه5.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أما ترضين أن زوجتك أول المسلمين إسلاماً ، وأعلمهم
علماً ، وإنّك سيدة نساء أُمتي كما سادت مريم نساء قومها » (2).
الكفاءة :
تبين أن إجابة أمير المؤمنين عليهالسلام في الزواج من الزهراء عليهاالسلام وردّ سواه كانا بأمر الله سبحانه ، وفي ذلك دليل علىٰ فضل أمير المؤمنين عليهالسلام وكرامته ومنزلته عند الله تعالىٰ. والزهراء عليهاالسلام سيدة نساء العالمين لابدّ أن يكون كفؤها سيد رجال الاُمّة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن هنا جاءت مقاييس الاختيار والترجيح علىٰ لسان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يبين لابنته البتول عليهاالسلام فضل أمير المؤمنين عليهالسلام ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « زوجتك سيداً في الدنيا والآخرة ، وإنه لأول أصحابي إسلاماً ، وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً »6.
المهر :
كان مهر الزهراء عليهاالسلام خمسمائة درهم ، وهو الذي جرت به السُنّة ، وقد تقدّم ذكر ذلك في خطبة أمير المؤمنين عليهالسلام المتقدمة ، وقيل : أربعمائة مثقال فضة ، وهو المروي عن أنس بن مالك ، في خطبة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حين العقد ، قال أنس : كنت عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فغشيه الوحي ، فلما أفاق قال لي : « يا أنس ، أتدري ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش ؟ » قال : قلت : الله ورسوله أعلم. قال : « أمرني أن أزوّج فاطمة من علي ، فانطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً وطلحة والزبير ، وبعددهم من الأنصار »قال : فانطلقت فدعوتهم له ، فلمّا أن أخذوا مجالسهم قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وأورد خطبته ـ إلىٰ أن قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ثم إني أُشهدكم أني قد زوجت فاطمة من علي علىٰ أربعمائة مثقال فضة ، إن رضي بذلك عليّ » وكان علي عليهالسلام غائباً ، قد بعثه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حاجة ، ثم أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بطبق فيه بُسر فوضع بين أيدينا ، ثم قال : « انتهبوا » فبينا نحن كذلك ، إذ أقبل علي عليهالسلام فتبسم إليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثم قال : « يا علي ، إنّ الله أمرني أن أزوجك فاطمة ، وقد زوجتكها علىٰ أربعمائة مثقال فضة ، أرضيت ؟ ». قال : « رضيت يا رسول الله » ثم قام علي عليهالسلام فخرّ لله ساجداً ، فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « جعل الله فيكما الخير الكثير الطيب ، وبارك فيكما ».قال أنس : والله لقد أخرج منهما الكثير الطيب1.
درس توجيهي :
لقد كانت عادة الأشراف من قريش إذا تزوج أحدهم أن يبذلوا المهور العالية ، وأن يكون الزواج مفعماً بمظاهر التكلف والاسراف ، وفي زواج الزهراء عليهاالسلام قدّم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم درساً عملياً للزواج النموذجي في الإسلام مغيراً معايير الجاهلية غير عابىء بلائمة قريش وعذلهم.عن جابر بن عبدالله قال : لمّا زوّج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عليّاً من فاطمة عليهاالسلام أتت قريش فقالوا : يا رسول الله ، زوجت فاطمة بمهر خسيس ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ما زوجت فاطمة من علي ، ولكن الله زوجها »2 فليس هو إلّا حكم الله ، وقد شاء تحكمته أن تكون مهور النساء متواضعة ، وأجرىٰ ذلك علىٰ لسان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث قال : « أفضل نساء أُمتي أصبحهن وجهاً وأقلهنّ مهراً »3.
الجهاز وأثاث البيت :
إنّ جهاز الزهراء عليهاالسلام وأثاث بيتها يعكس مظاهر الزهد والتواضع وسمو المبادىء وعظمة القيم الإسلامية العليا علىٰ مظاهر البذخ والترف الزائلة. روىٰ الشيخ الطوسي مسنداً عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قبض من ثمن الدرع قبضةً ودعا بلالاً فأعطاه ، وقال : ابتع لفاطمة طيباً ، ثم قبض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من الدراهم بكلتا يديه فأعطاه أبا بكر ، وقال : ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث البيت وأردفه بعمار بن ياسر وبعدّة من أصحابه وحضروا السوق…
فكان مما اشتروه : قميص بسبعة دراهم ، وخمار بأربعة دراهم ، قطيفة سوداء خيبرية ، وسرير مزمّل بشريط ، وفراشين من خيش مصر حشو أحدهما ليف ، وحشو الآخر من جزّ الغنم ، وأربع مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر ، وستر من صوف ، وحصير هجري ، ورحىٰ لليد ، ومخضب من نحاس ، وسقاء من أدم ، وقعب للبن ، وشنّ للماء ، ومطهرة مزفّتة ، وجرّة خضراء ، وكيزان خزف.فلما عرض المتاع علىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جعل يقلّبه بيده ويقول : بارك الله لأهل البيت »1واقتصرت كثير من الروايات علىٰ بعض ما جاء في هذه الرواية من الجهاز2.
بيت الزهراء عليهاالسلام:
هذا هو ما ورد في وصف بيت الزهراء عليهاالسلام بأثاثه البسيط وجهازه المتواضع ، فلتتعلم منه الاُمّة درس التضحية والإيثار ومظاهر العزّ والعظمة ، فإنّه الحلّ الحاسم لكثير من المشكلات الاجتماعية التي كانت ولا زالت تهدد المجتمعات الإنسانية ويضجّ العالم تحت وطأتها,فلو زوج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فاطمة من بعض رجالات العرب الذين تقدموا لخطبتها وحاشاه أن يفعل ، لكانت ترفل بحلل الحرير والديباج ، وتزدهي بقلائد الذهب والفضة ، ولسكنت القصور والعلالي ، ولكان لها الخدم والحشم ، بدل القربة التي استقت بها فأنهكتها ، والرحىٰ التي طحنت بها حتىٰ مجلت يدها ، والمكنسة التي قمّت بها حتىٰ اغبرت ثيابها ، لكن السعادة والسكينة والرحمة ليس في القصور الضخمة ، ولا في اقتناء الذهب والفضة ، بل حيث يكون ابن عمها الكفء ، أمير المؤمنين وإمام المتقين وأبو الأئمة الميامين ، أول الناس إسلاماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً.
الزفاف والتكبير :
إنّ ذكر اسم الله تعالىٰ في مقدمات الزواج يضفي قيمة معنوية عليه ، ويربطه بخالق الوجود الأكبر ، مما يسهم في استمرار العلاقة الزوجية لاستنادها إلىٰ ركن قويم وتربية روحية صالحة, وزواج الزهراء عليهاالسلام باركت له السماء قبل الأرض ، وكبرت له الملائكة قبل البشر ، فكبّر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وكبر الصحابة ، ووقع التكبير علىٰ العرائس من يوم زفافها ، وجرت السُنّة به إلىٰ يوم القيامة, روىٰ الشيخ الطوسي وغيره بالإسناد عن الإمام موسىٰ بن جعفر عن أبيه عن جده عليهالسلام عن جابر بن عبدالله ، قال : لما كانت ليلة زفاف فاطمة عليهاالسلام أتىٰ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ببغلته الشهباء ، وثنىٰ عليها قطيفة ، وقال لفاطمة : « اركبي » ، وأمر سلمان أن يقودها ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يسوقها ، فبينا هو في بعض الطريق إذ سمع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وجبةً ، فإذا هو بجبرئيل في سبعين ألفاً ، وميكائيل في سبعين ألفاً. فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ما أهبطكم إلىٰ الأرض ؟ » قالوا : جئنا نزفُّ فاطمة إلىٰ علي بن أبي طالب فكبّر جبرائيل ، وكبّر ميكائيل ، وكبّرت الملائكة ، وكبّر محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فوقع التكبير علىٰ العرائس من تلك الليلة1.
الوليمة :
وفي زواج الزهراء عليهاالسلام دعا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عليّاً عليهالسلام لاَن يصنع طعاماً ويدعو الناس عامة لتكون سنة في أُمّته ، روىٰ الشيخ الطوسي بالاسناد عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : « ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا علي ، اصنع لأهلك طعاماً فاضلاً ، ثم قال : من عندنا اللحم والخبز ، وعليك التمر والسمن ، فاشتريت تمراً وسمناً ، فحسر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن ذراعه ، وجعل يشدخ التمر في السمن حتىٰ اتخذه حيساً ، وبعث إلينا كبشاً سميناً فذبح ، وخُبز لنا خبز كثير ، ثم قال لي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ادعُ من أحببت » … الحديث2.
الدعاء للعريسين :
وحظي زواج الزهراء عليهاالسلام بدعاء خاتم النبيين صلىاللهعليهوآلهوسلم فجرت السُنّة بذلك لتأكيد القيم الروحية والمعنوية في الزواج ، وتأصيلها في العلاقة الزوجية من يومها الأول.روىٰ أنس بن مالك عن أُمّ أيمن ، قالت : إنّه لما كانت ليلة البناء ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعلي عليهالسلام : « إذا أتتك فلا تحدث شيئاً حتىٰ آتيك » فدخل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال لفاطمة عليهاالسلام : « ائتيني بماء » فقامت إلىٰ قعب في البيت فجعلت فيه ماء فأتته به ، فمجّ فيه ثم قال لها : « قومي » فنضح بين ثدييها وعلى رأسها ، ثم قال : « اللهمَّ أُعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم » ثم قال لها : « أدبري » فأدبرت ، فنضح بين كتفيها ، ثم قال : « اللهمَّ إني أُعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم » ثم قال : « ائتيني بماء » فأتته ، فأخذ منه بفيه ، ثم مجّه فيه ، ثم صبّ علىٰ رأس علي وبين يديه ، ثم قال : « اللهمَّ إني أعيذه وذريته من الشيطان الرجيم » ثم قال : « ادخل علىٰ أهلك باسم الله والبركة »3 .
المبحث الثاني : دورالسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام في داخل الاُسرة وخارجها :
انتقلت الزهراء عليهاالسلام من بيت أبيها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلىٰ بيت بعلها الوصي عليهالسلام ، ذلك البيت الذي تحفّه الرحمة ويغمره الايمان ، فتشكلت الاُسرة الطاهرة من سيدين معصومين درجا في أحضان النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ونهلا من نمير علمه وخلقه العظيم ومكارم أخلاقه وكمالات نفسه الكريمة ، فكان علي عليهالسلام سيد الوصيين النموذج الكامل والقدوة الصالحة للرجل في الإسلام ، وكانت الزهراء عليهاالسلام سيدة نساء العالمين النموذج الكامل للمرأة في الإسلام.وقد وجدت الزهراء عليهاالسلام نفسها وهي في بيت الإمام عليهالسلام أمام وظائف جسيمة ، ومسؤوليات عظيمة ، فباعتبارها القدوة الحسنة والاُسوة المثلىٰ للمرأة المسلمة ، كان عليها أن ترسم الطريق لمعالم البيت الإسلامي الأمثل في الإسلام ، وقد استطاعت وبكل جدارة أن تضرب أروع الأمثلة في طاعة الزوج ومراعاة حقوقه والاخلاص له ، والصبر علىٰ شظف العيش وقلة ذات اليد ، وفي القيام بمسؤوليات البيت وأداء واجبات الاُسرة في جوّ من المودة والصفاء والتعاون والوفاء ، وفي تربية الأولاد الصالحين ، بما ليس له نظير ،
وفي ما يلي بعض معالم تلك الاُسرة الفريدة التي أنعم الله عليها بما يشاء :
1 ـ الطاعة وحسن المعاشرة :
كانت الزهراء عليهاالسلام نعم الزوجة لأمير المؤمنين عليهالسلام ما عصت له أمراً وما خالفته في شيء ولا خرجت بغير إذنه ، وكانت تعينه علىٰ طاعة الله تعالىٰ ، وتؤثره علىٰ نفسها ، وتدخل عليه البهجة والسرور ، حتىٰ إنّه إذا نظر إليها انكشفت عنه الهموم والأحزان.جاء في روضة الواعظين أن الزهراء عليهاالسلام قالت في مرض موتها لأمير المؤمنين عليهالسلام : « يا بن عم ، ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ، ولا خالفتك منذ عاشرتني » فقال عليهالسلام : « معاذ الله ! أنتِ أعلم بالله ، وأبرّ وأتقىٰ وأكرم وأشدّ خوفاً من الله من أن أوبخك بمخالفتي »1.وبالمقابل كان أمير المؤمنين عليهالسلام نعم البعل للزهراء عليهاالسلام يغدق عليها من فيض حبّه وعطفه ، ويشعرها باخلاصه وودّه لها ، وما كان يغضبها ولا يكرهها علىٰ شيء قطّ ، وإن أرجف المرجفون علىٰ هذا البيت الطاهر بأراجيف شتىٰ.عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : « والله ما أغضبتها ولا أكرهتها علىٰ أمرٍ حتىٰ قبضها الله عزَّ وجلَّ. ولا أغضبتني ، ولا عصيت لي أمراً ، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان »2.وضربت الزهراء عليهاالسلام أروع الأمثلة في الصبر علىٰ ألم المعاناة من العمل في داخل المنزل حتىٰ إنّها كانت تغزل جزة الصوف بثلاثة آصع من شعير.عن تفسير الثعلبي : أن عليّاً عليهالسلام انطلق إلىٰ يهودي يعالج الصوف ، فقال له : « هل لك أن تعطيني جزةً من صوف تغزلها لك بنت محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم بثلاثة آصع من شعير ؟ » قال : نعم. فأعطاه الصوف والشعير. فقبلت فاطمة عليهاالسلام وأطاعت ، وقامت إلىٰ صاع فطحنته وخبزت منه خمسة أقراص1.وعن أنس ، قال : إنّ بلالاً أبطأ عن صلاة الصبح ، فقال له النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ماحبسك ؟ » فقال : مررت بفاطمة وهي تطحن والصبي يبكي ، فقلت لها : إن شئت كفيتك الرحا وكفيتني الصبي ، وان شئت كفيتك الصبي وكفيتني الرحال. فقالت : « أنا أرفق بابني منك » فذاك حبسني. قال : « رحمتها رحمك الله »2.وفي مثل هذه الظروف القاهرة كانت عليهاالسلام لا تخرج منها غير كلمة الطاعة ، فحينما سألها أمير المؤمنين عليهالسلام إطعام المسكين الذي طرق بيت الزهراء عليهاالسلام
قالت :« أمرك سمعٌ يابن عمّ وطاعة ما بي من لؤمٍ ولا وضاعة »3
ولا تتوانىٰ ابنة الرسالة عن أداء مهامها في البيت طاعةً لزوجها علىٰ الرغم من حالة الفقر التي كانت تلفّ حياتها في بيت الزوجية ، حتىٰ أن أمير المؤمنين عليهالسلام رقّ لحالها من شدّة ما تعانيه من أتعاب منزلية.أخرج السيوطي في مسند فاطمة عليهاالسلام عن هبيرة ، عن علي عليهالسلام ، قال :« قلت لفاطمة عليهاالسلام : لو أتيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تسأليه خادماً ، فإنّه قد جهدك الطحن والعمل .. ؟ »4.وعن الحسين بن علي ، عن أبيه علي عليهماالسلام ، أنّه قال لفاطمة عليهاالسلام : « اذهبي إلىٰ أبيك صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فسليه يعطيك خادماً ، يقيك الرحىٰ وحرّ التنور .. »5.وعن علي بن أعبد ، قال : قال لي علي عليهالسلام : « ألا أُحدّثك عني وعن فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وكانت من أحبّ أهله إليه ؟ » قلت : بلىٰ.قال عليهالسلام : « إنّها جرّت بالرحىٰ حتىٰ أثّرت في يدها ، واستقت بالقربة حتىٰ أثرت في نحرها ، وكنست البيت حتىٰ اغبرت ثيابها ، وأوقدت القدر حتىٰ دكنت ثيابها ، وأصابها من ذلك ضرّ ، فأتىٰ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خدمٌ ، فقلت : لو أتيت أباك فسألتيه خادماً ، فأتته فوجدت عنده حُدّاثاً فاستحيت فرجعت ، فأتاها من الغد ، فقال : ما كان حاجتك ؟ فسكتت ، فقلت : أُحدّثك يا رسول الله ، جرّت ندي عندي بالرحىٰ حتىٰ أثّرت في يدها ، وحملت بالقربة حتىٰ أثّرت في نحرها ، وكسحت البيت حتىٰ أغبرّت ثيابها ، وأوقدت القدر حتىٰ دكنت ثيابها ، فلمّا جاءك الخدم أمرتها أن تأتيك فتستخدمك خادماً يقيها حرّ ما هي فيه.قال : اتقي الله يا فاطمة ، وأدّي فريضة ربك ، وأعملي عمل أهلك ، إن أخذت مضجعك فسبحي ثلاثاً وثلاثين ، وأحمدي ثلاثاً وثلاثين ، وكبّري أربعاً وثلاثين ، فتلك مائة ، فهي خير لك من خادم. فقالت : رضيت عن الله وعن رسوله ، ولم يُخدمها »6.
2 ـ التعاون وتقسيم العمل :
ومن مظاهرالعظمة في بيت الزهراء عليهاالسلام والتي تستحق أن تكون قدوة لنا في حياتنا وأُسوة في تعاملنا داخل بيوتنا ، هو التعاون بوئامٍ وإخلاص بين الزوج والزوجة علىٰ إدارة شؤون البيت وتقسيم العمل في داخله وخارجه.روىٰ العياشي عن أبي جعفر عليهالسلام أنّه قال : « إنّ فاطمة عليهاالسلام ضمنت لعلي عليهالسلام عمل البيت والعجين والخبز وقمّ البيت ، وضمن لها علي عليهالسلام ما كان خلف الباب : نقل الحطب وأن يجيء بالطعام .. »1 .وعن هشام بن سالم ، عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : « كان أمير المؤمنين عليهالسلام يحتطب ويستقي ويكنس ، وكانت فاطمة عليهاالسلام تطحن وتعجن وتخبز »2.وكان أمير المؤمنين عليهالسلام يشاطرها الخدمة في أعمال المنزل الخاصة بها ، فقد جاء عن ابن شاذان أنه دخل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم علىٰ علي عليهالسلام فوجده هو وفاطمة عليهاالسلام يطحنان في الجاروش ، فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أيكما أعيىٰ ؟ » فقال علي عليهالسلام : « فاطمة يا رسول الله » فقال لها : « قومي يابنية » فقامت وجلس النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم موضعها مع علي عليهالسلام فواساه في طحن الحبّ3.ومن مظاهر التواضع والعدل في بيت الزهراء عليهاالسلام أنّ تقسيم العمل لا يقتصر علىٰ أفراد الاُسرة وحسب ، بل كانت تتناوب بالعمل مع الخادمة يوماً بيوم ، حيث أخدمها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جارية أسمها فضّة بعد أن كثرت الفتوح والمغانم وارتفع الفقر عن أهل الصفّة وسائر ضعفاء المدينة.روىٰ الخوارزمي بالاسناد عن الإمام الباقر عليهالسلام عن أبيه علي بن الحسين عليهالسلام أنّه ذكر تزويج فاطمة عليهاالسلام ثم قال : « إنّ فاطمة عليهاالسلام سألت من رسول الله خادماً ـ إلىٰ أن قال : ـ ثم غزا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ساحل البحر ، فأصاب سبياً فقسمه ، فأمسك امرأتين إحداهما شابة ، والاُخرىٰ قد دخلت في السنّ ليست بشابة ، فبعث إلىٰ فاطمة عليهاالسلام وأخذ بيد المرأة فوضعها في يد فاطمة عليهاالسلام وقال : يا فاطمة ، هذه لك ولا تضربيها ، فإنّي رأيتها تصلي ، وإن جبرئيل نهاني أن أضرب المصلين ، وجعل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوصيها بها ، فلمّا رأت فاطمة عليهاالسلام ما يوصيها بها التفتت إلىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقالت : يا رسول الله ، عليّ يوم وعليها يوم ، ففاضت عينا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالبكاء وقال : الله أعلم حيث يجعل رسالته ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) »4.وفي الاصابة عن ابن صخر في فوائده وابن بشكوال في كتاب المستغيثين ، بالاسناد عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، قال : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أخدم فاطمة ابنته جارية اسمها فضّة النوبية ، وكانت تشاطرها الخدمة… فقالت لها فاطمة عليهاالسلام : أتعجنين أو تخبزين ؟ » فقالت : بل أعجن يا سيدتي وأحتطب.. »1
وروىٰ الطبري والراوندي بالاسناد عن سلمان رضياللهعنه قال : كانت فاطمة عليهاالسلام جالسة قدامها رحىٰ تطحن بها الشعير وعلىٰ عمود الرحىٰ دم سائل ، والحسين في ناحية الدار يبكي من الجوع. فقلت : يا بنت رسول الله ، دبرت كفاك وهذه فضّة ؟فقالت : « أوصاني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن تكون الخدمة لها يوماً ، فكان أمس يوم خدمتها .. »2.
3 ـ تربية الأولاد :
اضطلعت الزهراء عليهاالسلام بمهمة اُخرىٰ لا تقل عن مهمة مباشرتها لأعمال المنزل ، تلك هي تربية الأولاد ، فقد وهبها الله كرامة أُمومة الأوصياء ، وأعطاها شرف الربط بين النبوة والإمامة ، وقد استطاعت أن تجني من نتاج تربيتها أقدس الثمار ، فكان الحسن السبط عليهالسلام أول مولود لفاطمة عليهاالسلام حيث ولد في النصف من شهر رمضان عام ثلاثة من الهجرة ، ثم الحسين السبط الشهيد عليهالسلام الذي ولد في الثالث من شهر شعبان عام أربعة من الهجرة ، وهما سيدا شباب أهل الجنة ، والإمامان إن قاما وإن قعدا.وكان المولود الثالث زينب العقيلة عليهاالسلام بطلة كربلاء ، وكان مولدها في السنة الخامسة من الهجرة ، ثم ابنتها الثانية وهي السيدة أُمّ كلثوم عليهاالسلام وقد ولدت بعد اختها بعام واحد وقيل : بعامين3 ، وابنها الأخير حملت به في زمان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وسمّاه قبل أن يولد محسناً ، لكنه أُسقط قبل ولادته عليهالسلام فاستشهد مظلوماً بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأيام علىٰ إثر حوادث السقيفة والتي سنتعرض لبعضها في الفصل الأخير من هذا البحث.لقد غرست الزهراء عليهاالسلام في نفوس أولادها خصال الخير ومكارم الأخلاق ومعالي الفضيلة ، وأرضعتهم مبادىء التوحيد والدفاع عن الحقِّ ، فقد روي أنها عليهاالسلام كانت ترقّص الحسن عليهالسلام وهي تقول :
أشبه أباك يا حسن واخلع عن الحقّ الرَّسن
واعبد إلهاً ذا منن ولا تُوالِ ذا الإحن4
ونشأ أولاد الزهراء عليهاالسلام في ظل رعاية الاُمّ سيدة النساء والأب وصي المصطفىٰ صلىاللهعليهوآلهوسلم يحيطهم أشرف الأنبياء والرسل صلىاللهعليهوآلهوسلم بحنانه وعطفه وتربيته ، فكانوا خيرة البشرية وقدوة الإنسانية.وحظي الحسن والحسين عليهماالسلام بمساحة واسعة من حب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وحنانه وعطفه ، فهما ريحانتاه يشمهما ويكثر من تقبيلهما ، ويحملهما علىٰ عاتقه ، ويضمهما إليه ، ويعوّذهما ، ويعلمهما القرآن ، ويلقنهما العلم والفصاحة والشجاعة والزهد والورع ، فاستوحيا رساليته وروحانيته وأخلاقيته ، وتجسدت فيهما شخصيته ، فكانا اختصاراً لجميع عناصرها الأخلاقية والروحية والإنسانية ، فصارا رمز الفضيلة والمروءة وقدوةً صالحة وخلقاً كريماً ، عملا بوصاياه وتعاليمه ، وجاهدا في سبيل دينه ومبادئه ، ونهضا من أجل إقامة الاصلاح في أُمته ، فكانا عليهماالسلام مشعل نور وهداية في حياة الاُمّة.ولقد حرّم الله سبحانه أولادها علىٰ النار كرامة لعفّتها وحصانتها ، وبياناً لمنزلتهم عند الله تعالىٰ ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّمها الله وذريتها علىٰ النار » 1.قال الصبان : أخرج الطبراني بسند رجاله ثقات أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لفاطمة عليهاالسلام : « إنّ الله غير معذّبك ولا أحداً من ولدك »2.وجاء في كثير من الروايات والأخبار أنّ ذلك خاص بأولادها دون سائر ذريتها ، منها ماروي بالاسناد عن محمد بن مروان ، قال : قلت لأبي عبدالله عليهالسلام : هل قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذريتها علىٰ النار » ؟ قال عليهالسلام : « نعم ، عنىٰ بذلك الحسن والحسين وزينب وأُمّ كلثوم »3.
قال حسّان بن ثابت :
وإن مريم أحصنت فرجها وجاءت بعيسىٰ كبدر الدجىٰ
فقد أحصنت فاطمُ بعدها وجاءت بسبطي نبيّ الهدىٰ 4
دورها في خارج المنزل :
إذا تجاوزنا دور الزهراء عليهاالسلام في إدارة أعمال المنزل وتربية الأولاد ، نرىٰ أن سيدة النساء قد سجّلت عناوين مهمة وآفاق جديدة لدور المرأة المسلمة في مجمل النشاطات الاجتماعية والسياسية والحربية وغيرها ، ممّا يتناسب مع واقع وحاجات وظروف ذلك العصر.فقد كانت تعلّم النساء ما يشكل عليهنّ من الأحكام الشرعية والمعارف الإلهية الضرورية ، وكان يغشاها نساء المدينة وجيران بيتها5 ، ويبدو أن بيتها كان المدرسة النسائية الاُولىٰ في الإسلام ، حيث تقبل عليها النساء طالبات للعلم ، فيجدن فاطمة العالمة وهي تستقبلهنّ بصدر رحب لا يعرف الملالة والسأم.عن الإمام العسكري عليهالسلام قال : « حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء عليهاالسلام فقالت : إنّ لي والدة ضعيفة ، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء ، وقد بعثتني إليك اسألك ، فأجابتها فاطمة عليهاالسلام عن ذلك ، فثنّت فأجابت ، ثم ثلّثت إلىٰ أن عشّرت فأجابت ، ثم خجلت من الكثرة ، فقالت : لا أشقّ عليك يا ابنة رسول الله. فقالت عليهاالسلام : هاتي وسلي عمّا بدا لك… إنّي سمعت أبي يقول : إنّ علماء أُمّتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات علىٰ قدر كثرة علومهم وجدّهم في إرشاد عباد الله ، حتىٰ يخلع علىٰ الواحد منهم ألف ألف حلّة من نور … »1.وعنه عليهالسلام قال : « قالت فاطمة عليهاالسلام وقد اختصمت إليها امرأتان ، فتنازعتا في شيء من أمر الدين ، إحداهما معاندة ، والاُخرىٰ مؤمنة ، ففتحت علىٰ المؤمنة حجتها ، فاستظهرت علىٰ المعاندة ، ففرحت فرحاً شديداً ، فقالت فاطمة عليهاالسلام : إنّ فرح الملائكة باستظهارك عليها أشدّ من فرحك ، وإنّ حزن الشيطان ومردته أشدّ من حزنها … »2.ومما وصل إلينا من خطبها للنساء ، خطبتها بنساء المدينة في مرض موتها ، وهي غاية في الفصاحة والمعرفة ، ولم تقتصر في تعليمها علىٰ النساء ، بل كانت عليهاالسلام تطرف القاصدين إليها بما عندها من العلم والمعرفة ، فعن ابن مسعود ، قال : جاء رجل إلىٰ فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : يا ابنة رسول الله ، هل ترك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عندك شيئاً تطرفينيه ، فقالت : « يا جارية ، هاتي تلك الحريرة » فطلبتها فلم تجدها ، فقالت : « ويحك اطلبيها ، فانها تعدل عندي حسناً وحسيناً » فطلبتها فإذا هي قد قمّتها في قمامتها ، فإذا فيها : « قال محمد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو يسكت. إنّ الله يحبّ الخيّر الحليم المتعفّف ، ويبغض الفاحش الضنين السَّئآل الملحف. إنّ الحياء من الإيمان ، والايمان في الجنة ، وإن الفحش من البذاء ، والبذاء في النار »3.وكان للزهراء عليهاالسلام مشاركة فعّالة ومؤثّرة في الدعوة إلىٰ الله تعالىٰ في مواقع مختلفة أهمها المباهلة مع النصارىٰ ، ونزل فيها قرآن يتلىٰ إلىٰ يوم القيامة ( وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ )4 فكانت سيدة النساء عليهاالسلام هي المختصة بهذا الفضل ولم يشركها فيه أحد من نساء الاُمّة.وكانت الزهراء عليهاالسلام معيناً للمحتاجين من أبناء المجتمع الإسلامي آنذاك ، تنفق في سبيل الله وتعتق الرقاب وتعين الضعفاء ، فقد توافق أغلب زو بحار الأنوار 2 : 8 / 15.تالمفسرين علىٰ نزول قوله تعالىٰ : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا )5 في أهل البيت عليهمالسلام علي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام حينما تصدقوا رغم خصاصتهم علىٰ المسكين واليتيم والأسير6.أخرج ابن شهرآشوب عن ابن شاهين في ( مناقب فاطمة عليهاالسلام ) وأحمد في مسند الأنصار عن أبي هريرة وثوبان أنّها عليهاالسلام نزعت قلادتها وقرطيهاومسكتيها ـ أي سواريها ـ ونزعت ستر بيتها ، فبعثت به إلىٰ أبيها صلىاللهعليهوآلهوسلم وقالت : « اجعل هذا في سبيل الله » فلمّا أتاه قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « قد فعلت فداها أبوها ـ ثلاث مرات ـ ما لآل محمد وللدنيا ، فإنّهم خلقوا للآخرة ، وخلقت الدنيا في حياتهم الدنيا »1.وعن الإمام الباقر عليهالسلام أنّه قال : « أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بذينك السوارين فكسّرا فجعلهما قطعاً ، ثمّ دعا أهل الصُّفّة ـ وهم قوم من المهاجرين لم يكن لهم منازل ولا أموال ـ فقسّمه بينهم قطعاً ، ثم جعل يدعو الرجل منهم العاري الذي لا يستتر بشيء ، وكان ذلك الستر طويلاً ، ليس له عرض ، فجعل يؤزّر الرجل ، فإذا التقيا عليه قطعه حتىٰ قسّمه بينهم أُزراً… ثم قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : رحم الله فاطمة ، ليكسونّها الله بهذا الستر من كسوة الجنة ، وليحلّينها بهذين السوارين من حلية الجنة »2.وفي صحيفة الإمام الرضا عليهالسلام عن الإمام علي بن الحسين عليهالسلام قال : « حدثتني أسماء بنت عميس ، قالت : كنت عند فاطمة جدتك ، إذ دخل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وفي عنقها قلادة من ذهب ، كان علي بن أبي طالب عليهالسلام اشتراها لها من فيءٍ له ، فقال النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم : لا يغرّنك الناس أن يقولوا : بنت محمد ، وعليك لباس الجبابرة ؛ فقطعتها وباعتها ، واشترت بها رقبة فاعتقتها ، فسُرّ رسول الله3 وفوق ذلك فالمتصفح للسيرة والتاريخ يجد أنّها كانت إلىٰ جنب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في بعض غزوات الإسلام الكبرىٰ تمسح الدم عن وجهه الكريم وتضمد جراحه.أخرج البخاري ومسلم في الصحيح عن عبدالعزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، أنّه سمع سهل بن سعد يُسأل عن جرح رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم أُحد ، فقال : جرح رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وكسرت رباعيته وهشمت بيضته علىٰ رأسه ، فكانت فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تغسل الدم ، وكان علي بن أبي طالب عليهالسلام يسكب عليها بالمجَنّ ، فلمّا رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلّا كثرة ، أخذت قطعة حصير فأحرقته حتىٰ صار رماداً ، ثم ألصقته بالجرح ، فاستمسك الدم4.وقال الواقدي في حديثه عن معركة أُحد : خرجت فاطمة عليهاالسلام في نساء ، وقد رأت الذي بوجهه صلىاللهعليهوآلهوسلم فاعتنقته ، وجعلت تمسح الدم عن وجهه ، ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « اشتدّ غضب الله علىٰ قومٍ أدموا وجه رسول الله » وذهب علي عليهالسلام يأتي بماءٍ من المهراس ، وقال لفاطمة عليهاالسلام : « أمسكي هذا السيف غير ذميم » فأتىٰ بماءٍ في مِجَنّهِ … فمضمض منه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فاه للدم الذي في فيه ، وغسلت فاطمة الدم عن أبيها 5.
وجاء في أغلب التواريخ أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ناول سيفه ابنته فاطمة عليهاالسلام
بعد غزاة أُحد ، وقال لها : « اغسلي عن هذا دَمَهُ يا بنية » وناولها علي عليهالسلام سيفه وقال :
« أفاطم هاك السيف غير ذميمِ فلست بـرعديد ولا بلئيـمِ
أفاطم قد أبليت في نصر أحمدٍ ومرضاة ربّ بـالعباد رحيمِ
أميطي دماء القوم عنه فانّه سقى آل عبدالدار كأس حميم » 1
وكانت لها إسهامات في حروب الإسلام المصيرية تناسب شخصيتها وقدراتها ، ففي وقعة أُحد كانت قد جاءت مع أربع عشرة امرأة يحملن الطعام والشراب علىٰ ظهورهن ، ويسقين الجرحىٰ ويداوينهم2.وعندما أُصيب سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب عليهالسلام كانت الزهراء عليهاالسلام من المبادرات إلىٰ مصرعه مع صفية بنت عبدالمطلب ، وكانت تبكي وجعل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يبكي لبكائها3.وبعد أن وضعت الحرب أوزارها ، لم تنس ابنة الرسالة دور الشهداء في بناء صرح الإسلام وتشييد عزّته واكتساب ديمومته وسرّ بقائه ، قال الإمام الصادق عليهالسلام : « إنّ فاطمة عليهاالسلام كانت تأتي قبور الشهداء في كل غداة سبت ، فتأتي قبر حمزة وتترحم عليه وتستغفر له »4.وفي مغازي الواقدي : كانت الزهراء عليهاالسلام تأتي قبور الشهداء بين اليومين والثلاثة ، فتبكي عندهم وتدعو5 ، واتخذت من تربة حمزة عليهالسلام مسبحة علىٰ عدد التكبيرات تديرها بيدها فتكبّر وتسبّح بها ، وعملت بعدها التسابيح فاستعملها الناس6.ولمّا استشهد جعفر بن أبي طالب عليهالسلام في مؤتة أمرها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن تتخذ لأسماء بنت عميس طعاماً ثلاثة أيام ، فجرت بذلك السُنّة ، وأمرها أن تقيم عندها ثلاثة أيام هي ونساؤها لتسليها عن المصيبة 7.وخرجت مع أبيها وبعلها يوم فتح مكة ، وقد ضُرِبَ للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خِباء بالبطحاء ، وجلس فيه يغتسل وكانت فاطمة عليهاالسلام تستره ، وقيل : أمرها فسكبت له غسلاً فاغتسل8.ولم تنس الزهراء عليهاالسلام دورها الاجتماعي حتىٰ في عبادتها ، فقد كانت تدعو للمؤمنين والمؤمنات ولا تدعو لنفسها ، متحلية بالخلق النبوي والأدب الإسلامي الرفيع.
عن الإمام الحسن عليهالسلام قال : « رأيت أُمي فاطمة عليهاالسلام قامت في محرابها ليلة جمعتها ، فلم تزل راكعة ساجدة حتىٰ اتضح عمود الصبح ، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم ، وتكثر الدعاء لهم ، ولا تدعو لنفسها بشيء ، فقلت لها : يا أُمّاه ، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك ؟ فقالت : يا بني ، الجار ثمّ الدار »1.وكان للزهراء عليهاالسلام دور رائد في الدفاع عن قضايا الإسلام المصيرية بعد رحلة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلىٰ عالم الخلود ورضوان ربه ، فقد جهرت بالحق ودافعت عن الإمامة ، وخطبت في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خطبة بليغة أعادت إلىٰ الأذهان الخطوط العريضة التي رسمها الإسلام لقيادة الاُمّة بعد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وحفظ الدعوة وتأصيل مفاهيمها ، وقد كادت خطبتها أن تؤتي أُكلها لولا تسلّط الظالمين وبطش الجبارين. وسنأتي علىٰ بعض فقرات هذه الخطبة في آخر هذا البحث.وعلىٰ رغم المأساة التي تعرضت لها الزهراء عليهاالسلام بعد وفاة أبيها صلىاللهعليهوآلهوسلم فقد استطاعت أن تؤدي دورها في إلقاء الحجة علىٰ أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبيان الحقائق الناصعة التي طالما نوّه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بها في حياته.جاء في خصال الشيخ الصدوق : أن فاطمة الزهراء عليهاالسلام لمّا منعت فدكاً وخاطبت الأنصار ، فقالوا : يا بنت محمد ، لو سمعنا هذا الكلام قبل بيعتنا لأبي بكر ماعدلنا بعلي أحداً. فقالت : « وهل ترك أبي يوم غدير خمّ لأحد عذراً »2.وعن الإمام الباقر عليهالسلام : « أنّ عليّاً عليهالسلام حمل فاطمة عليهاالسلام علىٰ حمارٍ وسار بها ليلاً إلىٰ بيوت الأنصار يسألهم النصرة ، وتسألهم فاطمة عليهاالسلام الانتصار له ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله ، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، لو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به ، فقال علي عليهالسلام أكنت أترك رسول الله ميتاً في بيته لا أُجهزه ، وأخرج إلىٰ الناس أُنازعهم في سلطانه ! وقالت فاطمة عليهاالسلام : ما صنع أبو الحسن إلّا ما كان ينبغي له ، وصنعوا هم ما الله حسيبهم علي »3
انتهى والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق والمرسلين محمد واله الطيبين الطاهرين ولاسيما ام ابيها فاطمة الزهراء عليها السلام وسلم تسليماً كثيرا
3 دلائل الإمامة : 79 / 18. وبحار الأنوار 43 : 9 / 16.
4 . تاريخ الأئمة / ابن أبي الثلج : 6 ـ ضمن مجموعة نفيسة ـ مكتبة السيد المرعشي ـ قم.
5 المصباح / الكفعمي : 512 ، دار الكتب العلمية ـ قم.
1 تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : 306 ، مكتبة نينوى. واتحاف السائل / المناوي : 23 ، مكتبة
2 أمالي الصدوق : 691 / 947. والعدد القوية / رضي الدين الحلي : 223 / 15. وبحار الأنوار 16 :
3 دلائل الإمامة : 78 / 17.
4 البداية والنهاية / ابن كثير 5 : 267 ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
5 الكافي 6 : 40 / 1.
6 الخرائج والجرائح / القطب الراوندي 2 : 529 / 4 ، مؤسسة الإمام المهدي عليهالسلام ـ قم ، تاريخ اليعقوبي 2 : 35.
1 تاريخ الطبري 2 : 344 ، دار التراث العربي ـ بيروت.
2 سورة آل عمران : 3 / 191 ـ 195.
3 أمالي الطوسي : 463 ـ 472 / 1031 ، طبع مؤسسة البعثة ـ قم ، مسنداً بعدة طرق عن عمار بن
ياسر وأبي رافع مولىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهند بن أبي هالة ربيب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأخي
الزهراء عليهاالسلام من أُمّها خديجة ( رضي الله عنهم أجمعين ).
1 دلائل الإمامة : 81 / 21.
2 أمالي الصدوق : 688 / 945. وعلل الشرائع 1 : 178 / 3.
3 البدء والتاريخ 5 : 20. ومقتل الحسين عليهالسلام / الخوارزمي 1 : 83. والهداية الكبرىٰ : 3.
4 كشف الغمة / الاربلي 1 : 364. وبحار الأنوار 43 : 136.
5 إقبال الأعمال / السيد ابن طاووس : 584. وبحار الأنوار 43 : 92 / 1.
1 المجالس السنية / السيد محسن الأمين 5 : 45 الطبعة الخامسة
2 الاستيعاب 4 : 374. وراجع : ذخائر العقبىٰ : 26. والثغور الباسمة : 6. وأعلام النساء 3 : 1199.
3 المعجم الكبير 22 : 409 / 1021. ومجمع الزوائد 9 : 206. والمناقب / ابن المغازلي : 347 / 399.
4 مناقب ابن شهرآشوب 3 : 345. وكشف الغمة 1 : 368. وبحار الانوار 43 : 108 و 140.
5 فضائل فاطمة عليهاالسلام / ابن شاهين : 50 / 36 مؤسسة الوفاء ـ بيروت. وتذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : 318. مناقب ابن شهرآشوب 2 : 182.
6 الاستيعاب 3 : 36.
1 كشف الغمة / الاربلي 1 : 349. وذخائر العقبىٰ : 30. والرياض النضرة 3 : 145. وكفاية الطالب / الكنجي : 302 الطبعة الثالثة ـ طهران.
2 المناقب / ابن المغازلي : 343 / 395. وأمالي الطوسي : 266 / 464. والفقيه 3 : 253 / 1202.
3 الكافي 5 : 324 / 4.
1 أمالي الطوسي : 40 / 45. وبحار الأنوار 43 : 94 / 5.
2 راجع : مستدرك الحاكم 2 : 185. ومسند أحمد 1 : 84. و3 : 104 و 108. والطبقات الكبرىٰ 8 :
1 الدر المنثور / السيوطي 6 : 203. وروح المعاني / الالوسي 18 : 174.
2 أمالي الطوسي : 42 / 45. وبحار الأنوار 43 : 95 / 5.
3 المعجم الكبير 22 : 409 / 1021. ومجمع الزوائد 9 : 206. واتحاف السائل : 35 و 47.
1 بحار الأنوار 43 : 191 / 20.
2 كشف الغمة / الاربلي 1 : 363. وبحار الأنوار 43 : 134. ومناقب الخوارزمي : 247.
1 إحقاق الحق / الشهيد التستري 10 : 264 مكتبة السيد المرعشي ـ قم ، عن تفسير الثعلبي.
2 مسند أحمد 3 : 150. ومجمع الزوائد 10 : 316. وتاريخ دمشق 10 : 332 ـ دمشق. ومجموعة ورّام 2 : 230.
3 تفسير فرات : 521 ـ طهران 1410 هـ. ومناقب ابن شهرآشوب 3 : 374. وتذكرة الخواص 314. وتفسير القرطبي 19 : 132. واتحاف السائل : 105.
4 مسند فاطمة عليهاالسلام / السيوطي : 102 عن ابن جرير.
5 مسند فاطمة عليهاالسلام / السيوطي : 103 عن أبي نعيم.
6 مسند فاطمة عليهاالسلام / السيوطي : 110 عن أبي داود ، والعسكري في المواعظ ، وأبي نعيم ، وعبدالله بن أحمد بن حنبل.
1 تفسير العياشي 1 : 171 / 41 المكتبة العلمية ـ طهران. وبحار الأنوار 43 : 31 / 38.
2 الكافي 5 : 86 / 1. وأمالي الطوسي : 660 / 1369. والفقيه 3 : 169. وبحار الأنوار43 : 151 / 7.
3 بحار الأنوار 43 : 50 / 47. وروىٰ نحوه ورّام في تنبيه الخواطر 2 : 230 ، مكتبة الفقيه ـ قم.
4 مقتل الحسين عليهالسلام / الخوارزمي 1 : 69.
1 الاصابة / ابن حجر 4 : 387.
2 دلائل الإمامة : 140 / 48. والخرائج والجرائح 2 : 530 / 6. وبحار الأنوار 43 : 28 / 33.
3 وقد ذهب بعض الباحثين كالسيد عبدالرزاق المقرم الموسوي الىٰ أن أم كلثوم هي نفسها زينب العقيلة. وأن ( أُمّ كلثوم ) لقب من ألقابها ، بخلاف ما ذهب إليه الشيخ المفيد وغيره بأنّ أم كلثوم غير زينب عليهماالسلام. راجع : مقتل الحسين عليهالسلام / السيد عبدالرزاق المقرم.
4 مناقب ابن شهرآشوب 3 : 389. وأعيان الشيعة 1 : 563.
1 مستدرك الحاكم 3 : 152. والمعجم الكبير 22 : 407 / 1018. وحلية الأولياء / أبي نعيم 4 : 188 ـ دار الكتب العلمية. ومجمع الزوائد 9 : 202. وعيون أخبار الرضا عليهالسلام 2 : 63 / 264.
2 إسعاف الراغبين : 181 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.
3 معاني الأخبار : 106 / 2. وبحار الأنوار 43 : 231 / 3.
4 مناقب ابن شهرآشوب 3 : 360.
5 شرح ابن أبي الحديد 9 : 193.
1 بحار الأنوار 2 : 3 / 3.
2 بحار الأنوار 2 : 8 / 15.
3 المعجم الكبير 22 : 413 / 1024. ودلائل الإمامة : 65 / 1. وقطعة من حديث الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في صحيح البخاري 8 : 19 / 48 و 49. وصحيح مسلم 1 : 68 / 75 و 77. ومصابيح السُنة / البغوي 3 : 169 دار المعرفة ـ بيروت. والكافي 2 : 667 / 6. والزهد / الحسين بن سعيد : 6 / 10 ، و 10 / 20 عن الإمام الصادق عليهالسلام المطبعة العلمية ـ قم.
4 سورة آل عمران : 3 / 61.
5 سورة الإنسان : 76 / 8 و 9.
6 الكشاف / الزمخشري 4 : 670. وتفسير الرازي 30 : 243 دار احياء التراث العربي. ومعالم التنزيل / البغوي 5 : 498 دار الفكر
1 المناقب / ابن شهرآشوب 3 : 343. ومسند أحمد 5 : 275. وذخائر العقبىٰ : 52. ومسند فاطمة عليهاالسلام / السيوطي : 6. وأمالي الصدوق : 305 / 348. وبحار الأنوار 43 : 86.
2 مكارم الأخلاق / الطبرسي : 94 الشريف الرضي ـ قم. وبحار الأنوار 43 : 82 / 6.
3 صحيفة الإمام الرضا عليهالسلام : 256 / 185 طبع مؤسسة الإمام المهدي عليهالسلام ـ قم. وعيون أخبار الرضا عليهالسلام 2 : 44 / 61. وذخائر العقبى : 51. والمناقب / ابن شهرآشوب 3 : 343. وبحار الأنوار 43 : 26 / 28.
4 صحيح مسلم 3 : 1416 / 101 كتاب الجهاد والسير ـ باب غزوة أُحد. وصحيح البخاري 5 : 226 / 113 كتاب المغازي ـ باب ما أصاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من الجراح يوم أُحد. ومغازي الواقدي1 : 250 عالم الكتب ـ بيروت.
5 مغازي الواقدي 2 : 249.
1 تاريخ الطبري 3 : 27 دار التراث ـ بيروت. ومستدرك الحاكم 3 : 24. وتذكرة الخواص : 164. وشرح ابن أبي الحديد 15 : 35. ومجمع الزوائد 6 : 122. وأمالي الطوسي : 143 / 232.
2 مغازي الواقدي 1 : 249.
3 مغازي الواقدي 1 : 290.
4 تهذيب الأحكام 1 : 465 / 168.
5 مغازي الواقدي 1 : 313.
6 مزار المفيد : 132 / 1 مؤسسة الإمام المهدي عليهالسلام ـ قم. وبحار الأنوار 101 : 133 / 64.
7 المحاسن / البرقي : 419 / 191 و 192.
8 راجع : أخبار مكة / الأزرقي 1 : 161 الشريف الرضي ـ قم. ومغازي الذهبي : 555 دار الكتاب العربي ـ بيروت.
1 علل الشرائع / الشيخ الصدوق : 181 / 1. ودلائل الإمامة : 151 / 65.
2 الخصال : 173.
3 الإمامة والسياسة / ابن قتيبة 1 : 12 مكتبة مصطفىٰ بابي الحلبي ـ مصر. وشرح ابن أبي الحديد 6 : 13.