مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
السيدة فاطمة (ع) : المنهج التربوي والدور الريادي في بناء وتكامل الاسرة السليمة والمجتمع الصالح/ د. احسان عيدان السيمري
+ = -

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام عميدة البيت الهاشمي:

المنهج التربوي والدور الريادي في بناء وتكامل الاسرة السليمة والمجتمع الصالح

 الدكتور

احسان عيدان السيمري

كلية الطب جامعة ا

         المقدمة

يُثير الحديث عن مقوّمات المنهج التربوي السليم الذي تحتاجه الأُمّة، ودور المبادئ والخلفيّات الفلسفيّة للمناهج التربويّة السائدة في واقعنا أسئلةً شتّى؛ لأنّ ما أفرزته تجارب الفكر المُعاصر في الحقل التربوي مِن مشاكل، وما طرحه التطبيق الفعلي لبرامجه التربويّة من أسئلةٍ عديدة ونقاطِ فراغٍ لم تُملأ إلى الآن، وما قُدِّم على هذا الصعيد من حلول.. أدلّةٌ كافية على مرحليّة تلك المناهج، وعدم صلاحيّتها للامتداد وإثراء المسيرة الإنسانيّة بما ينسجم وفطرة الإنسان وتطلّعه نحو الكمال، وعدم كفاءتها في إكساب الواقع الاجتماعي قدرة على النموّ والتطوّر، ممّا أدّى إلى ظهور أصواتٍ عديدة تدعو إلى ضرورة إعادة النظر في تلك البرامج ولزوم تعديلها.

وللأسف الشديد، إنّ حال المناهج التربويّة السائدة في المجتمعات الإسلاميّة لا سيّما التي تُدرّس على مستوى الجامعات لم تكن بأوفَر حظّاً من تلك المناهج؛ لأنّها ما بين مجرّد تغطيةٍ للفكر العلماني باعتماد أُطُرٍ منهجيّةٍ في ترسيخه على حساب الفكر الإسلامي، وما بين كونها محدّدة بقرارات سياسيّة صارمة لا تتيح لأفراد الأُمّة حُرّية النقد والاختيار؛ خدمة لأهداف أيديولوجيّة معيّنة تسعى السلطة لتحقيقها، حتّى عاد المنهج التربوي في أكثر البلاد الإسلاميّة حارساً للنظام القائم في هذا القطر أو ذاك.

وهكذا أُهملت المقوّمات الحقيقيّة للمنهج التربوي، فطبيعة الإنسان، وفطرته، وميوله، وغرائزه، وحبّه لذاته، وما يعتريه مِن أدوار مختلفة من الطفولة إلى الهرَم، ونوع ارتباطه مع العالم الخارجي، وفلسفته في الوجود، أُمور خطيرة تفرض نفسها على واقع كلّ عمليّةٍ تربويّة، الأمر الذي يُفترض معه امتلاك المُقَنِّن التربوي الصورة الواضحة للنفس البشريّة، وتشخيص مشاكلها بدقّة، مع الإحاطة بسائر العوامل الأساسيّة والثانويّة المؤثّرة في البناء التربوي؛ لتكون برامجه ناجعة ومتينة، وإلاّ صارت مواقع الكيان التربوي ساحة لتخبط العاملين فيها، خصوصاً إذا ما كانت تلك المناهج قائمة على مفاهيم فلسفيّة أجنبيّة مُبتنية على أساس فصل الدين عن الدولة.

والمنهج الذي لا يمتلك مِن سِعة الأهداف الخيّرة ما ينبغي، ولا مِن دقّة التشخيص ما يكفي، ولا مِن وضوح الرؤية لحياة الفرد والمجتمع كما يجب، فكيف ينفذ إلى أعماق النفس البشريّة حتّى يصير لها خُلُقاً ومَلَكة، وهو لم يتفاعل مع وجدانها ولم يتّحد مع وجودها. والمنهج الذي ينطلق من تنمية الإحساس بالقوميّة أو الطائفيّة ولم يرتكز على روحانيّة الإسلام، أو من الاحتفاء بالسلطة تارة، أو المادّة أُخرى مع تهميش دَور القِيم الإنسانيّة النبيلة، ولا يضع في حساباته دَور المنظومة الأخلاقيّة في البناء التربوي، كيف يخلق مِن الأُمّة شخصيّة متّزنة قادرة على تشخيص أخطائها وتصحيح مسيرتها، وتحمّل مسؤوليّتها في حاضرها ومستقبلها؟

وفي ضوء ما تقدّم يتّضح أنّ المنهج التربوي الصحيح هو ما تجاوز حدود الزمان والمكان،

مُستمدّاً نقطة انطلاقه من الخبير العارف بما يصلح الناس جميعاً، منسجماً مع فطرتِهم وتطلعاتهم وغاية وجودهم؛ لكي تتوفّر القناعة الشعبيّة العارمة في تطبيق برامجه بلا حاجة إلى تطبيقها قسراً من سلطةٍ أعلى.

وعلى هذا الأساس فإنّ صياغة المنهج التربوي في مجتمعنا المسلم، يجب أنْ تنطلق من مسلّمات إيمانيّة، وأُسُس عقلانيّة راسخة ليتشكل بمجموعها الإطار الأساسي لذلك المنهج.

وبعبارةٍ أدق.. إنّ اختيار المنهج التربوي لتطبيقه على واقع المجتمع المسلم، يجب أنْ يلحظ مسألة التعبّد بالنص المتجذّرة في أعماق الأُمّة المسلمة، ممّا يعني هذا ضرورة استنطاق النصّ في صياغة كلّ منهج، لا سيّما التربوي الذي يهدف إلى حراسة الأُمّة وحفظها من الانهيار، والقضاء على كلّ ما من شأنه أنْ يُفسِد على الناس فطرتهم، أو يبعث على انحراف سلوكهم، أو يُساعد على التواء سليقتِهم، أو يعكّر نظرتهم وتفكيرهم؛ لكي تُربّى الأُمّة – حينئذٍ – على عقيدةِ التوحيد الخالصة، وتكون حركة المجتمع كلّها باتجاه الحقّ المطلق، وبهذا ينسجم المنهج التربوي مع فطرة الله التي فطر الناس عليها جميعاً.

ولا شكّ أنّ تطبيق مثل هذا المنهج سيحقّق أعلى درجات الموازنة، بين حبّ الذات كغريزة وحبّ الغير كضرورة إنسانيّة، بين حبّ البقاء والتضحية في سبيل العقيدة والمبدأ، وبين حبّ الدنيا والعمل للآخرة، وسيغرس بذور الشعور بالمسؤوليّة في ذهن الأُمّة وتكون أفعالها وأقوالها مستندةٍ على أساسٍ مقبول. وهذا – في الواقع – هو منهج الإسلام بخطوطه العريضة الواسعة، الذي يسلّم بأهميّة الفرد وأسبقيّته الوجوديّة في المجتمع من جهة، ولكنّه من جهةٍ أُخرى يعطي للمجتمع عنايةً خاصّة مركّزة، باعتباره الأساس الذي تجري عليه السُنَن التاريخيّة في نشوء الحضارات وفنائها، وفي بقاء الأُمَم وهلاكها.

وحقيقة كون الإسلام صالحاً لكلّ عصرٍ وجيل هي التي تُبرّر لنا التأكيد على منهج أهل البيت ( عليهم السلام ) في التربية؛ لأنّ ما تعنيه تلك الحقيقة في قيمومة الإسلام وديمومته هو استنطاق القرآن الكريم وتحكيمه في مناحي الحياة ومناهجها، الأمر الذي يلزم تحديد المرجعيّة العلميّة للأُمّة، وقد حصرها النص – والتعبّد به لازم لكلّ مسلم – بثلّةٍ طاهرة، وجعلها قريناً للقرآن وحليفاً له وسمّاهما ثقلين هاديَين إلى الحقّ، عاصمَين من الضلالة، مع بقائهما عمر الدنيا وعدم افتراقهما حتّى يردا على النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) الحوض يوم القيامة.

ومَن يكون قرين القرآن فمنهجه في بناء الإنسان أحقُّ بأنْ يُتَّبع، وأولى بالعناية، وأجدر بالتطبيق، وإلاّ فلن يكون استنطاق القرآن وإهمال نظيره، كافياً في طرح المنهج التربوي البديل عن المناهج المستوردة السائدة في مجتمعنا المسلم!

المبحث الاول – فضل فاطمة  عليها السلام  على النساء :

هذا بيت النبوة كيف لا وهو بيت النبي المصطفى r بيت فضَّله الله، وطهَّره من الرجس.

فعن عمر بن أبي سلمة لما نزلت هذه الآية على النبي r ]إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً[([1]) في بيت أم سلمة فدعا فاطمة وحسناً وحسيناً فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجللهم بكساء ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالت أم سلمة وأنا معهم يا نبي الله قال أنت على مكانك وأنت على خير ([2]).

وعن أبي هريرة t أن النبي r قال أن فاطمة سيدة نساء أمتي ([3]).

وعن ابن عباس t قال خط رسول الله r في الأرض أربعة خطوط قال تدرون ما هذا فقالوا الله ورسوله أعلم فقال رسول الله r: أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم ابنة عمران رضي الله عنهن أجمعين ([4]).

وعن ابن عمر t أن رسول الله r قال: أسامة أحب الناس إلي ما حاشا فاطمة ولا غيرها ([5]).

عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وفاطمة سيدة نسائهم إلا ما كان لمريم بنت عمران ([6]).

و عن جميع بن عمير التيمي – رحمه الله -: قال: دخلتُ مع عمتي على عائشة، فَسُئلتْ أيُّ الناس كان أحبَّ إلى رسولِ الله r؟ قالت: فاطمة  قيل: من الرجال؟ قالت: زوجُها، إنْ كان ما علمتُ صَوَّاما قَوَّاما ([7]).

و عن حذيفة t أتاني ملك فسلم علي نزل من السماء لم ينزل قبلها فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ([8]). ‌

و عن فاطمة رضي الله عنها أن النبي r قال: يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ([9]). ‌

 

المبحث الثاني – هجرة السيدة فاطمة عليها السلام إلى المدينة :

لمَّا كانت المعاناة التي عاناها المسلمين في مكة كبيرة فقد جاء أمر الله بالهجرة، وكانت أشد معاناة هي معاناة بيت النبوة.

وهذه صورة من المعاناة التي شهدها النبي محمد r من كفار قريش، وما عاناه بيت النبوة آن ذاك: فعن عمرو بن ميمون قال حدثنا عبد الله في بيت المال قال:  كان رسول الله r يصلي عند البيت وملأ من قريش جلوس وقد نحروا جزوراً فقال بعضهم أيكم يأخذ هذا الفرث بدمه ثم يمهله حتى يضع وجهه ساجدا فيضعه يعني على ظهره قال عبد الله فانبعث أشقاها فأخذ الفرث فذهب به ثم أمهله فلما خرَّ ساجداً وضعه على ظهره فأخبرت فاطمة بنت رسول الله r وهي جارية فجاءت تسعى فأخذته من ظهره فلما فرغ من صلاته قال اللهم عليك بقريش ثلاث مرات اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط حتى عد سبعة من قريش قال عبد الله فوالذي أنزل عليه الكتاب لقد رأيتهم صرعى يوم بدر في قليب واحد ([10]).

قال ابن هشام ‏في السيرة: وكان العباس بن عبد المطلب حمل فاطمة وأم كلثوم، ابنتي رسول الله r من مكة يريد بهما المدينة، فنخس بهما الحويرث بن نقيذ، ورمى بهما إلى الأرض ([11])‏.

وكان ممن يؤذي النبي r بمكة ([12])، فكانت له قينتان كانتا تغنيان بهجاء رسول الله r، فأمر رسول الله r بقتلهما معه، وكان علي بن أبي طالب t أحق الصحابة بقتله فقتله  ([13]).

المبحث الثالث – زواج فاطمة الزهراء عليها السلام من علي ابن أبي طالب t :

تزوجها الإمام علي بن أبي طالب t في ذي القعدة أو قبيله من سنة اثنتين بعد وقعة بدر وقال ابن عبد البر دخل بها بعد وقعة أحد ([14]).

ذكر المسبحي أن فاطمة تزوج بها علي بعد عرس عائشة بأربعة أشهر ونصف ولفاطمة يومئذ خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف ([15]).

خطبتها:

عن بريدة t قال: خطب أبي بكر وعمر فاطمة فقال رسول الله r إنها صغيرة ثم خطبها علي فزوجها منه ([16]). رواه النسائي

مهرها وجهازها :

عن جعفر بن سعد عن أبيه أن علياً قال لما خطبت فاطمة قال النبي r هل لك من مهر قلت عندي راحلتي ودرعي فبعتهما بأربعمائة وقال أكثروا من الطيب لفاطمة فإنها امرأة من النساء ([17]).

عن بن عباس قال لما تزوج علي t فاطمة قال له رسول الله r أعطها شيئاً قال ماعندي شيء قال أين درعك الحطمية ([18]).

عن علي t قال: جهز رسول الله r فاطمة رضي الله عنها في خميل وقربة ووسادة من آدم حشوها ليف قال معاوية اذخر قال أبي والخميلة القطيفة المخملة([19]).

عن علي t: أن رسول الله r لما زوجه فاطمة بعث معها بخميلة

ووسادة من آدم حشوها ليف ورحيين وسقاء وجرتين([20]).

عن بن بريدة عن أبيه قال: لما خطب علي فاطمة رضي الله عنهما قال قال رسول الله r: أنه لا بد للعرس من وليمة قال فقال سعد على كبش وقال فلان على كذا وكذا من ذرة ([21]).

المبحث الرابع – من صور الزهد في حياة السيدة فاطمة الزهراءعليها السلام :

لقد كانت صابرة دينة خيرة صينة قانعة شاكرة لله ([22])، فقد عاشت حياة الزهد والتقشف.

فكانت السيِّدةُ البَتول من ناسكات الأصفياء، وصفيَّات الأتقياء رضي الله تعالى عنها ([23]).

فعن أبي سعيد الخدري t: أن علي بن أبي طالب t وجد ديناراً فأتى به فاطمة فسألت عنه رسول الله r وسلم فقال هو رزق الله عز وجل فأكل منه رسول الله r وأكل علي وفاطمة فلما كان بعد ذلك أتته امرأة تنشد الدينار فقال رسول الله r يا علي أدِّ الدينار ([24]).

وعن علي t: أن فاطمة شكت إلى النبي r أثر العجين في يديها فأتى النبي r سبى فأتته تسأله خادما فلم تجده فرجعت قال فأتانا وقد أخذنا مضاجعنا قال فذهبت لأقوم فقال مكانكما فجاء حتى جلس حتى وجدت برد قدميه فقال ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم إذا أخذتما مضجعكما سبحتما الله ثلاثا وثلاثين وحمدتماه ثلاثا وثلاثين وكبرتماه أربعا وثلاثين ([25]).

 

المبحث الخامس : الحياة الاسرية للصديقة الطاهرة

بَيْتُ فَاطِمَة (عليها السلام)

إن الحضارة – اليوم – بدأت تشعر بضرورة احترام بعض المساكن والمباني والأراضي، وذلك بعد أن شعرت باحترام الفضيلة وأهلها، والتقدير عن الشرف والعلم والقيم.

وعلى هذا الأساس أحدثت الحضارة قانوناً بل قوانين بهذا الشأن، ورعاية لهذا الأمر، فالصيانة الدبلوماسية التي منحها القانون لمباني السفارات والهيئات الدبلوماسية وهكذا القوانين التي تفرض احترام الجامعات والمعاهد العلمية والمساجد والمعابد تقديراً للعلم والدين والثقافة هي من نتائج الشعور بهذا المعنى.

ولكن هذه الحقيقة كانت ثابتة عند الله تعالى، وعند أوليائه من أهل السماوات والأرض منذ الأزل، وانطلاقاً من هذه الحقيقة نجد الأحكام الواردة حول احترام المساجد وخاصة المسجد الحرام، وتحريم الدخول فيه على بعض الأفراد كالمشركين أو المجنب أو الحائض، وتحريم تنجيسها، أو إتيان ما ينافي قدسيتها واحترامها، أو الصيد في الحرم (وهو المناطق المحيطة بمكة من جميع الجوانب، حسب حدود معينة مذكورة في كتب الفقه).

بعد ذكر هذه المقدمة اعلم أن البيت الذي كانت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) تسكن وتعيش فيه كان محاطاً بالقداسة والروحانية والنور، كان ذلك البيت مبنياً بمواد الاحترام والتقدير، والتجليل والتبجيل، يعرف حق ذلك البيت كل من يعرف حق فاطمة وأبيها، وبعلها وبنيها.

وقد روى شيخنا المجلسي (عليه الرحمة) عن أنس بن مالك وعن بريدة قال: قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله): في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبّح له بالغدو والآصال. فقام رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول الله؟ فقال: بيوت الأنبياء. فقام إليه أبو بكر، فقال: يا رسول الله! هذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة، قال: نعم، من أفضلها!!

وعن ابن عباس قال: كنت في مسجد رسول الله، وقد قرأ القارئ: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه..) فقلت: يا رسول الله! ما البيوت؟ فقال: بيوت الأنبياء. وأومأ بيده إلى منزل فاطمة!

وفي الكافي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) يريد فاطمة (عليها السلام) وأنا معه، فلما انتهينا إلى الباب وضع يده عليه فدفعه، ثم قال: السلام عليكم. فقالت فاطمة (عليها السلام): عليك السلام يا رسول الله، قال: أأدخل؟ قالت: أدخل يا رسول الله قال: أدخل أنا ومن معي؟ فقالت: يا رسول الله ليس علي قناع، فقال: يا فاطمة خذي فضل ملحفتك، فقنّعي به رأسك. ففعلت. ثم قال: السلام عليكم. فقالت: وعليك السلام يا رسول الله قال: أأدخل؟ قالت: نعم يا رسول الله قال: أنا ومَن معي؟ قالت: أنت ومَن معك.. إلخ

 

حيَاتُهَا الزّوْجيّة

انتقلت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى البيت الزوجي، وكان انتقالها من بيت الرسالة والنبوة إلى دار الإمامة والوصاية والخلافة والولاية، وحصل تطور في سعادة حياتها، فبعد أن كانت تعيش تحت شعاع النبوة صارت تعيش قرينة الإمام.

كانت حياتها في البيت الزوجي تزداد إشراقاً وجمالاً إذ كانت تعيش في جوٍّ تكتنفه القداسة والنزاهة، وتحيط به عظمة الزهد وبساطة العيش، وكانت تعين زوجها على أمر دينه وآخرته، وتتجاوب معه في اتجاهاته الدينية، وتتعاون معه في جهوده وجهاده.

وما أحلى الحياة الزوجية إذا حصل الانسجام بين الزوجين في الاتجاه والمبدأ ونوعية التفكير، مبنياً على أساس التقدير والاحترام من الجانبين.

وليس ذلك بعجيب، فإن السيدة فاطمة الزهراء تعرف لزوجها مكانته العظمى ومنزلته العليا عند الله تعالى، وتحترمه كما تحترم المرأة المسلمة إمامها، بل أكثر وأكثر، فإن السيدة فاطمة كانت عارفة بحق علي حق معرفته، وتقدره حق قدره، وتطيعه كما ينبغي، لأنه أعز الخلق إلى رسول الله.

لأنه صاحب الولاية العظمى، والخلافة الكبرى والإمامة المطلقة.

لأنه أخو رسول الله وخليفته، ووارثه ووصيه.

لأنه صاحب المواهب الجليلة، والسوابق العظيمة.

وهكذا كان علي (عليه السلام) يحترم السيدة فاطمة الزهراء احتراماً لائقاً بها، لا لأنها زوجته فقط:

بل لأنها أحب الخلق إلى رسول الله.

لأنها سيدة نساء العالمين.

لأن نورها من نور رسول الله.

لأنها من الذين بهم فتح الله كتاب الإيجاد والوجود، لأنها كتلة من العظمة.

لأنها مجموعة من الفضائل متوفرة في امرأة واحدة لاستحقت التقدير والتعظيم.

فكيف بفاطمة الزهراء، وقد اجتمعت فيها من المزايا والمواهب والفضائل والمكارم ما لم تجتمع في أية امرأة في العالم كله، من حيث النسب الشريف الأرفع، والروحانية والقدسية، من حيث بدء الخلقة ومنشأ إيجادها وكرامتها عند الله، وعبادتها وعلمها وديانتها، وزهدها وتقواها وطهارتها ونفسيتها وشخصيتها، وغير ذلك من مئات المزايا مما يطول الكلام بذكرها.

بعد ما قصصنا ولم نقصص عليك يمكن لك أن تدرك الجوّ الذي كان الزوجان السعيدان يعيشانه، والحياة الطيبة السعيدة الحلوة (بجميع معنى الكلمة) التي كانا يتمتعان بها:

حياة لا يعكِّرها الفقر، ولا تغيّرها الفاقة، ولا تضطرب بالحوادث.

حياة يهب عليها نسيم الحب والوئام، وتزينها العاطفة بجمالها المدهش.

وفي البحار عن المناقب قال علي (عليه السلام): فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، لقد كنت انظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان.

وفي تفسير العياشي عن الإمام الباقر (عليه السلام): أن فاطمة (عليها السلام) ضمنت لعلي (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز، وقمَّ البيت، وضمن لها علي (عليه السلام) ما كان خلف الباب: نقل الحطب وأن يجيء بالطعام.

لم يُعلم بالضبط مدة إقامة الإمام والسيدة فاطمة (عليهما السلام) في دار حارثة بن النعمان، إلاّ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنى لها بيتاً ملاصقاً لمسجده، له باب شارع إلى المسجد، كبقية الحجرات التي بناها لزوجاته، وانتقلت السيدة إلى ذلك البيت الجديد الملاصق لبيت الله، المجاور لبيت رسول الله (صلى الله عليه وآله).

 

المبحث السادس: الاحاديث الواردة عن الرسول محمد ص بشان فاطمة الزهراء ع

ورد في الترمذي في سننه من كتاب الفضائل عَنْ حُذَيْفَةَ, قَالَ:

((سَأَلَتْنِي أُمِّي مَتَى عَهْدُكَ (تَعْنِي بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)؟ فَقُلْتُ: مَا لِي بِهِ عَهْدٌ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا فَنَالَتْ مِنِّي, فَقُلْتُ لَهَا: دَعِينِي آتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَأُصَلِّيَ مَعَهُ الْمَغْرِبَ, وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي وَلَكِ, فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ, فَصَلَّى حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ, ثُمَّ انْفَتَلَ فَتَبِعْتُهُ فَسَمِعَ صَوْتِي, فَقَالَ: مَنْ هَذَا، حُذَيْفَةُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ, قَالَ: مَا حَاجَتُكَ, غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَلِأُمِّكَ؟ قَالَ: إِنَّ هَذَا مَلَكٌ, لَمْ يَنْزِلْ الْأَرْضَ قَطُّ قَبْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ, اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ, وَيُبَشِّرَنِي بِأَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ, وَأَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

من هو الإنسان العظيم؟ الذي له عند الله مكان عظيم, قال تعالى:

﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾

[سورة القمر الآية: 54-55]

إن كان لك عند الله مقعد صدق، فهذه هي الجنة، وهذا هو الفوز العظيم، وهذا هو الفلاح، وهذا هو النجاح، وهذا هو التفوق، وهذه هي السعادة، أن تكون لك حظوة عند الله .

وفي الحديث الصحيح عند الترمذي, عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَا امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

قال كتاب السيرة فيما نُقل:

((إن هذه السيدة الجليلة كانت كثيرة الشبه بأبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم))

يعني أكثر بناته شبهاً به السيدة فاطمة رضي الله عنها .

وعَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ, عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا, أَنَّهَا قَالَتْ:

((مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلًّا, وَقَالَ الْحَسَنُ حَدِيثًا وَكَلَامًا, وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَسَنُ السَّمْتَ وَالْهَدْيَ وَالدَّلَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَاطِمَةَ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهَا, كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ, قَامَ إِلَيْهَا, فَأَخَذَ بِيَدِهَا, وَقَبَّلَهَا, وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ, وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا, قَامَتْ إِلَيْهِ, فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ, فَقَبَّلَتْهُ, وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا))

[أخرجه أبو داود في سننه]

بربكم أنتم آباء، أحياناً تأتيكم بناتكم زائرات، تدخل البنت أهلاً أبي، الأب جالس مرتاح ولا يتحرك:

((كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ, قَامَ إِلَيْهَا, فَأَخَذَ بِيَدِهَا, وَقَبَّلَهَا, وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ))

طبقوا هذا:

((كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ, قَامَ إِلَيْهَا, فَأَخَذَ بِيَدِهَا, وَقَبَّلَهَا, وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ, وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا, قَامَتْ إِلَيْهِ, فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ, فَقَبَّلَتْهُ, وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا))

الحياة كلها مودة، أجمل ما في الحياة المودة والحب، والاحترام المتبادل، والوفاء، والتضحية، فالإنسان حين يعيش حياة الود، حياة الحب، حياة الكرم، هذا إنسان سعيد .

مرة رأى أخ بيتاً مناسباً, فقال: ممكن أن نرى البيت يا أستاذ، قلت: لا مانع، فذهبنا نرى البيت, دخلنا إلى غرفة, وجدنا صبيًا في الخامسة عشر مضطجعًا على قفاه، ورجل فوق رجل, يشاهد مسلسلا، ولم يتحرك، ولم يغير مجلسه، ولم ينظر إلينا، هذه التربية، هذه تربية المسلسلات .

أما تربية سيد الأنام:

((كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ, قَامَ إِلَيْهَا, فَأَخَذَ بِيَدِهَا, وَقَبَّلَهَا, وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ, وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا, قَامَتْ إِلَيْهِ, فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ, فَقَبَّلَتْهُ, وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا))

لقد كان لفاطمة رضي الله عنها, ولزوجها علي كرم الله وجهه, وابنيها الحسن والحسين مكانة عظيمة .
ففي سنن الترمذي, عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَبِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ, فَدَعَا فَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ, وَعَلِيٌّ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَجَلَّلَهُ بِكِسَاءٍ, ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي, فَأَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ, وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا, قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَأَنَا مَعَهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتِ عَلَى مَكَانِكِ, وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ))

أخواننا الكرام، صدقوا أن الله جل جلاله إذا حباك بأهل صالحين، أهل أعفة، أتقياء، أنقياء, فهذه نعمة لا تعدلها نعمة .

أنا أقول لكم: كثير هم الرجال الذين يكفرون نعمة الزوجة الصالحة، زوجة عفيفة، قنوعة، تخدم زوجها، يبحث عن بعض الأخطاء، ويكبرها، وينشئ مشكلة، هذا إنسان جاهل، وكثيرات هن الزوجات اللواتي حباهن الله بأزواج صالحين، مستقيمين، تبحث عن بعض نقاط الضعف فتكبرها، المرأة أحياناً تكفر بنعمة الزوج، والزوجة أحياناً يكفر بنعمة الزوجة الصالحة، فهناك زوج صالح، وهناك زوجة صالحة .

مرة ملِك من ملوك قرطبة, وهو ابن عباد، كان يمشي في حديقته، فرأى بركة ماء، وقد هبت الريح على صفحة الماء, فجعلت منها كالزرد، فقال:

نسج الريح على الماء زرد ……………………….

ولم يستطع أن يكمل البيت، وكانت وراءه جارية، قالت له:

…………………….. يا له درعاً منيــعاً لو جمد

فأُعجِب بهذه الجارية، وتزوجها، وجعلها السيدة الأولى، وأكرمها إكراماً ما بعده إكرام ، اشتهت مرةً حياة الفقر، كيف كانت تدوس في الطين؟ فطلبت منه أن تعيش يوماً واحدًا حياتها السابقة، فجاء بالمسك، والعنبر، وماء الورد, فجبلها وجعلها طيناً، وقال: دوسي فيه, هذا هو الطين, ثم جاء ابن تاشفين من شمال أفريقيا, قضى على ملوك طوائف، وأودعه في السجن، وافتقر، فكانت هذه الجارية زوجته, تقول له مرةً: لم أر منك خيراً قط، قال لها: ولا يوم الطين؟ فاستحيت .
لماذا ذكر السيدة فاطمة يملأ القلوب سعادة؟ من وفائها، من تواضعها, من حرصها على سعادة زوجها، من حرصها على راحته، من حرصها على عدم الضغط عليه .

الآن تضغط الزوجة، تضغط حتى يأكل زوجها الحرام، ويسرق حتى يخلص من شكواها .

قال رجل لامرأته: لقد هلكت من كثرة شكواك وهمومك، فقالت له: إذًا: يوم أشكو به, ويوم أريحك، فكانت في يوم راحته, تقول له: غدا أوجع رأسك، فالإنسان بكماله، فالإنسان بأخلاقه، الإنسان بمحبته .

الآن: كم من إنسان تموت زوجته، إذا فكر في الزواج, قامت بناته عليه بالنكير، السيدة فاطمة لما توفيت أمها السيدة خديجة, رأت أن أباها بحاجة إلى زوجة، فلما تزوج فرحت ، وكانت أكبر معين .

تقول البنت: نحن نخدمك، هم لا يفهمون، الإنسان بحاجة إلى امرأة، وليس إلى بنت، هناك خصوصيات للإنسان لا تحلها البنت، فلذلك البنت الوفية لا تقف حجر عثرة أمام زواج والدها إذا كان بحاجة إلى زوجة .

 

المبحث السابع : علاقة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام مع زوجات ابيها

 

لما تقدمت خولة بنت الحكيم, تخطب للنبي صلى الله عليه وسلم لتزوجه, لم تكن لفاطمة وأخوتها من معارضة، بل كن جميعاً راغبات راضيات عن زواج أبيهن، الذي أضناه الحزن على فراق أمهن خديجة، ولما جاءت خولة, قالت:

((أفلا أخطب عليك؟ قال صلى الله عليه وسلم: بلى، ثم قال: فإنكن معشر النساء أرفق بذلك))

خطبت خولة عليه سودة بنت زمعة، وعائشة بنت أبي بكر، فتزوجهما، فبنى بسودة بمكة، ثم بعائشة بالمدينة .

الآن في التعبير الدارج بنت الحماة مخيفة، حماية ثانية، السيدة فاطمة كانت من أرفق النساء بزوجات أبيها، إذا العلاقة طيبة بين البنت وزوجة والدها، هذا شيء مثالي .

فعاشت فاطمة مع زوجتي أبيها بكل حب وحسن عشرة، بل كان يزيد في سرورها رؤية أبيها سعيداً في زواجه هذا .

الآن بنت الزوج دائماً ضد خالتها، امرأة أبيها، ضدها على طول مهما فعلت، فكانت فاطمة رضي الله عنها تتظافر مع عائشة في الأمور التي كانت تراها فيها محقة, وهي أكبر عون لزوجة أبيها .
أعرف أن زوجة الأب لا يحبها أولاد الأب، أحد أخواننا ذكره الله بخير, قال: لي خالة, إذا ذكرتُ اسمها ثلاث مرات, أبكي من محبتي لها، عاملتنا معاملة أحن من أمنا .

لمَ هذه القاعدة الثابتة: أن امرأة الأب ضد أولاد زوجها؟ الإيمان يصنع المعجزات، فإذا كانت المرأة مؤمنة, فلا تعامل أولاد زوجها إلا كأولادها، فالسيدة فاطمة لم تكن كبقية النساء بهذه العداوة الثابتة مع زوجة أبيها، بل على العكس، كانت تتعاون مع السيدة عائشة إن كانت محقة في تعاونها.
أما موقفها من أزواج أبيها, فقد كانت أكثر انسجاماً، واحتراماً، وتوقيراً، ولا شك أنها في ذلك تقوم بواجبها تجاه حق أبيها .

إذا كان الأب متزوجًا، وكل يوم عنده مشكلة لا يرتاح، أما عنده ابنته من زوجته السابقة في البيت فلا مشكلة، فيه انسجام، فيه مودة، وفيه تعاون, كل يوم حياة لا تُطاق، فالقاعدة الأساسية: ما الذي يسعد أباها؟ أن يدخل البيت مرتاحًا، فما كانت تختلق مشكلة إطلاقاً، بل كانت أكبر معوان لزوجات أبيها .

موقفها دائماً كان توقير زوجاته، والإحسان إليهن، والتأدب معهن، ولم يكن منها رضي الله عنها أي تصرف يثير غضب إحداهن، فقد كانت أكبر تعقلاً لما يحصل لبنات جنسها.

سمعت من يومين قصة امرأة لا تنجب، وزوجها جيد جداً، وهو متألم بعدم إنجابها، ويتمنى الولد، ولكن بمحبته لها, فهو ساكت، خرجت وخطبت له، وفاجأته بزوجة جيدة، هي خطبتها، قال: والله عشنا معاً أكثر من خمسة عشر عامًا، لم تحدث مشكلة في البيت, عقل راجح، زوج وفيّ، زوج جيد، فالحياة إذا بنيت على الإيمان شيء رائع .

امرأة صالحة جداً، تزوجها رجل، قال لها: بزماني كنت أفكر في الزواج من امرأة، ثم تركت الزواج منها، قالت لي: إذا تزوجتني, أسلم وأتزوج، وأحفظ القرآن، فلما علمت زوجته الدينة أن هذه المرأة إذا تزوجها تسلم، وتتحجب، وتحفظ القرآن, قالت: بالله عليك تزوجها اليوم ، وجاء بها إلى البيت .

المرأة إذا كان دينها أصليًا, إذا كان دينها نابعاً منها، ليس ضغطاً، ليس قهراً، إذا كان دينها نابعاً منها, تفعل المعجزات، تفعل الأعاجيب, لأنها رأت أن هذه المرأة إذا تزوجها زوجها, دخلت بالإسلام، وتحجبت، وحفظت كتاب الله، هذا كسب كبير جداً .

المبحث الثامن : بيت فاطمة الزهراء ع

قال: لم تكن حياة فاطمة في بيت زوجها مترفة، ولا ناعمة، شأنها في ذلك, شأن حياتها عند أبيها قبل زواجها، حياة خشنة، والحياة الناعمة لا تصنع الرجال، ولا تصنع البطلات.

سيدنا علي, حينا شُغل بالجهاد مع رسول الله, شُغل عن جمع المال، والاتجار به، لو سخر وقته في التجارة لصار مليونيرًا، قدرات عند الإنسان عالية، هو صرفها في معرفة الله، وفي نشر الحق .

التاجر أحياناً من الصباح, وحتى منتصف الليل, يفكر في التجارة, سوف يتابع أموره ويربح، أما إنسان آخر, جاهد نفسه وهواه، طلب العلم، هذا كله يحتاج إلى وقت .

فانصرف هذا الصحابي الجليل, ابن عم النبي, إلى نصرة صلى الله عليه وسلم، ونشر التوحيد بين الناشئين، فشغله ذلك عن سبيل الثراء, الذي كان أشراف قريش, قد وجهوا شبابهم إليه، فلا عجب إن رأينا هذا الصحابي الجليل, لا يملك مهراً لزوجته سوى درعه، وحال سيدنا علي قبل الزواج, لم يكن خافياً على السيدة فاطمة، الآن إذا خطب إنسان، وليس معه شيء، طولب بكل شيء، طيب لماذا قبلتم؟ .

فكان حال سيدنا علي واضحًا للسيدة فاطمة، وكانت تعلم أن علياً لم يكن ثرياً، فلذلك لم تفاجأ بالجهاز التي جُهزت به، كان مؤلفاً من خميلة ووسادة, حُشيت ليفاً، وإناء وسقاءين .
الآن تريد غرفة النوم كذا، الجلوس كذا، الثريات كريستال، طلبات مهرها عجيبة, وتلك الصحابية خميلة ووسادة, حُشيت ليفاً، وإناء وسقاءين، وشيء من العطر، وهي في هذا راضية كل الرضا، لأن هذا الزواج كان برضا أبيها، لذلك كانت فاطمة سعيدة كل السعادة في بيت زوجها علي رضي الله عنه على ما كانت عليه من شظف العيش .

كان علي رضي الله عنه, كلما عاد إلى بيته, يرى فاطمة متعبة راضية, فيساعدها في بعض أعمال البيت القاسية في كل وقت, مكنته الظروف من ذلك، حيث كان غير قادر على أن يستأجر لها خادماً، أو أن يشتري لها أمة, تقوم عنها بأعباء البيت، فكان هو يخفف عنها بعض عناء البيت .

فجاء عليٌّ مرةً فرآها، وهي تسقي من البئر, حتى اشتكت صدرها، فقال رضي الله عنه:

((قد جاء الله بسبي، فاذهبي إلى رسول الله فاستخدمي، -أي ائتي بخادمة- .
فقالت: وأنا والله قد طحنت, حتى مَجَلَتْ يداي, فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما جاء بك أي بنية؟ استحييت, قالت: جئت لأسلم عليك، واستحييت أن أسأله، ورجعت فأتيناه جميعاً .
جاءت بسيدنا علي، فذكر علي حالها، -أن ابنتكم يا سيدي متعبة العمل شاق، جسمها ضعيف، فهل من خادمة؟- فقال صلى الله عليه وسلم: لا والله لا أعطيكما, وأدع أهل الصفة, تتلوى بطونهم، ولا أجد ما أنفق عليهم))

النبي عد المؤمنين أسرة واحدة، ما أعطى ابنته خادمة، وهناك فقراء, يتلوون من الجوع .

والحديث في صحيح البخاري, عَنْ عَلِيٍّ:

((أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلَام, أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنْ الرَّحَى, وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ, فَلَمْ تُصَادِفْهُ, فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ, فَلَمَّا جَاءَ, أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ, قَالَ: فَجَاءَنَا, وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا, فَذَهَبْنَا نَقُومُ, فَقَالَ: عَلَى مَكَانِكُمَا, فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا, حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي, فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا, إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا, أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا؟ فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ, وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ, وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ, فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ))

وفي رواية أحمد:

(( فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا تَرَكْتُهَا بَعْدَمَا سَمِعْتُهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ رَجُلٌ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟))

 

المبحث التاسع: فضائلها القدسية عليها السلام

حينما تشرق الروح ويزهر الايمان وتتوهج العقيدة يسمو الانسان ويتعالى فإذا اضفت الى ذلك اللّمسات السماوية في كيانه والعنايات الالهية المتجلية فيه صار هذا الإنسان عنواناً آخر أو قل مخلوقاً آخر لايستطيع الانسان العادي أن يتوفر على ابعاده و كذلك كانت الزهراء روحي فداها حوراءٌ إنسية فلنتعرف على معالم شخصيتها من لسان أبيها صلى الله عليه وآله وسلم  وأهل بيتها وأبنائها صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين.

عن ابن عباس قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم    يكثر من تقبيل
فاطمةعليها السلام  فقالت له عائشة أنك تكثر من تقبيل فاطمة، فقال ان جبريل ليلة أسرى بي ادخلني الجنة فأطعمني من جميع ثمارها فصار
ماء في صلبي فحملت خديجة بفاطمة فاءذا اشتقت لتلك الثمار قبلت فاطمة فاصبت من رائحتها جميع تلك الثمار التي أكلتها قال: خرجه
أبو الفضل بن خيرون). ([26])

وفي ذخائر العقبى ذكر حديثاً عن أسماء في ولادة فاطمة بالحسن عليهما السلام قالت أسماء: فقلت: يا رسول الله اني لم أر لها دماً في حيض ولا في نفاس، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أما علمت ان ابنتي طاهرة مطهرة لايرى لها دم في طمث ولا ولادة. ([27])

قال السيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى:}سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام{ ([28]) قال: واخرج الطبراني عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لما أسري بي الى السماء أُدخلت الجنة فوقفت على شجرة من أشجار الجنة لم أرَ في الجنة أحسن منها ولا أبيض ورقاً ولا أطيب ثمرة فتناولت ثمرة من ثمرتها فأكلتها فصارت نطفة في صلبي فلما هبطت الى الارض واقعت خديجة فحملت بفاطمة فإذا أنا اشتقت الى ريح الجنة شممت ريح فاطمة.

روى القندوزي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (انما سميت فاطمة البتول لانها تبتلت من الحيض والنفاس). ([29])

وكذلك روى ذلك الحضرمي([30]).

وعن الخطيب البغدادي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ابنتي فاطمة حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث). ([31])

روى الملا في سيرته ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أتاني جبريل بتفاحة من الجنة فأكلتها وواقعت خديجة فحملت بفاطمة فقالت: اني حملت حملاً خفيفاً فإذا خرجت حدثني الذي في بطني). ([32])

وقد ورد في أحاديثنا أنها سلام الله عليها سميت بالمحدَّثة لان الملائكة كانت تحدثها وجبرئيل فيهم من دون المعاينة.([33] )

ودخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على خديجة مرة وهي تحدث فاطمة في بطنها فقال لها: يا خديجة من تحدثين قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني فقال: يا خديجة هذا جبرئيل يبشرني انها أنثى وانها النسلة الطاهرة الميمونة، وان الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها وسيجعل من نسلها أئمة ويجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه.([34] )

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (عن ملك هبط للارض و بشرني ان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وان فاطمة سيدة نساء أهل الجنة). ([35])

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (خير نساء العالمين أربع مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية بنت مزاحم). ([36])

بل ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم  فضلها على سائر نساء العالمين في الدنيا والآخرة روت عائشة وغيرها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم  انه قال: (يا فاطمة أَبشري فان الله تعالى اصطفاك على نساء العالمين وعلى نساء الاسلام وهو خير دين). ([37])

ودخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم  على فاطمة سلام الله عليها يوماً فقال: (كيف تجدينك يا بنيّه قالت اني لوجعة وانه ليزيدني انه مالي طعام آكله قال يا بنية أما ترضين انك سيدة نساء العالمين قالت يا أبة فأين مريم بنت عمران؟ قال تلك سيدة نساء عالمها وانك سيدة نساء عالمك أمَ والله زوجتك سيداً في الدنيا والآخرة). ([38])

سأل بزل الهروي الحسين بن روح رحمه الله فقال: كم بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أربع فقال أيتهن أفضل؟ فقال فاطمة قال ولِمَ صارت أفضل وكانت أصغرهن سناً وأقلهن صحبةً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  قال: لخصلتين خصها الله بهما: أنها ورثت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  ونسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  منها ولم يخصها بذلك الا بفضل وإخلاص عرفه من نيتها.([39])

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ان الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها) ([40])

قيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عن فاطمة: يا رسول الله أهي سيدة نساء عالمها فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (ذاك لمريم بنت عمران أما إبنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين). ([41])

وعن الامام الصادق عليه السلام: (لولا ان الله خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفوٌ على الأرض). ([42])

عن الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى }مرج البحرين يلتقيا ن{ ([43]) قال: علي وفاطمة بحران عميقان لايبغي أحدهما على صاحبه … }يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان{ ([44]): الحسن والحسين عليهما السلام.([45])

سُئل الامام الصادق عليه السلام عن سبب تسمية فاطمة بالزهراء فقال: (لانها اذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض). ([46])

روى الحاكم في مستدركه عن علي عليه السلام: قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من وراء الحجاب يا أهل الجمع غضوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم حتى تمر. ([47])

وروي أنها عليها السلام ربما اشتغلت بصلاتها وعبادتها فربما بكي ولدها فرأى المهد يتحرك وكأن ملك يحرّكه. ([48])

وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده بسنده عن أم سلمى قالت: اشتكت فاطمة سلام الله عليها شكواها التي قبضت فيها فكنت أمرضها فأصبحت يوماً كأمثل ما رأيتها في شكواها تلك قالت: وخرج عليّ عليه السلام لبعض حاجته ـ فقالت يا أمه اسكبي لي غسلاً فسكبت لها غسلاً فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل ثم قالت: يا امه اعطيني ثيابي الجدد فاعطيتها فلبستها ثم قالت: يا امه قدمي لي فراشي وسط البيت ففعلت واضطجعت واستقبلت القبلة وجعلت يدها تحت خدها ثم قالت: يا أمه اني مقبوضة الان وقد تطهرت فلا يكشفني أحد فقبضت مكانها. ([49])

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ابنتي فاطمة حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث وانما سمّاها فاطمة لان الله فطمها ومحبيها عن النار). ([50])

 

الخاتمة

المنهج التربوي لأهل البيت ( عليهم السلام ) متداخلٌ مع بقيّة المناهج التي تُكوّن مجتمعةً منهج الإسلام الشامل والكامل للكون والحياة والمجتمع والإنسان، فلا فصل بين المنهج التربوي وبقيّة المناهج، ولا تصادم ولا تضادّ ولا تناقض؛ لأنّ الهدف الأساسي لأهل البيت ( عليهم السلام ) هو إنجاح مسيرة التربية وإشاعة الأخلاق الفاضلة وتقريرها في واقع الحياة، كما قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ): ( إنّما بعثت لأُتمّم مكارم الأخلاق )(1).

وبهذا يكون كلّ ما جاء به الإسلام في القرآن والسنّة يُراد به إتمام مكارم الأخلاق، فالعقيدة بجميع إبعادها تخلُق الأجواء الصالحة لتتحرّك فيها خُطوات

إصلاح النفس والمجتمع، والمحافظة على سلامة الإنسان السلوكيّة وصحّته النفسيّة والروحيّة، والإيمان بالله تعالى وباليوم الآخر يُحرّر الإنسان من الانسياق وراء الشَهَوَات بلا قيود ولا حدود، والخوف مِن أهوال يوم القيامة يمنع الإنسان من مُمارسة ألوان الفِسق والانحراف.

ومنهج العبادات يعمل على تعميق الإيمان بالله ويجعل الرقابة الإلهيّة حقيقة تسري في جميع جوانح الإنسان، والعبادات بكلّ ألوانها تغرس في نفسه المُثُل المعنويّة التي يتعالى بها على جميع ألوان الانحراف والانحطاط، فالصلاة تمنح الإنسان الطمأنينة وتنهاه عن الفحشاء والمنكر وتُبعده عن جميع الآثام والانحرافات، والمداومة على الصلاة المندوبة كفيلةٌ بإيصاله إلى السموّ والتكامل الروحي والخلُقي.

والصوم يعمّق التقوى في ذات الإنسان، ويُقيّد الغرائز والشهَوَات، ويهذّب سُلوك الإنسان ويحصّنه من تلويث خُلُقه، قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ): ( إنّ الصيام ليس مِن الطعام والشراب وحدَه، إنّ مريم ( عليها السلام ) قالت: ( …إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ….) أي صمْتاً، فاحفظوا ألسنَتَكم وغضّوا أبصاركم ولا تحاسدوا ولا تنازعوا )(1). وهو أحدُ العبادات التي تُساعد على التكافل والتراحم، والتي تُساعد على تعميق العلاقات الإنسانيّة التي يتحرّك من خلالها الإنسان مطمئنّاً يشعر بالإخاء والتآزر والتعاطف.

والحجّ عبادةٌ لها آثارها الايجابيّة على سلامة الإنسان السلوكيّة والنفسيّة والروحيّة، وهو يمنح الإنسان فرصة جديدة لتجاوز الانحرافات والآثام السابقة، والبِدء بحياة جديدة تغمرها الاستقامة والخلُق الرفيع، قال الإمام عليّ بن الحسين ( عليه السلام ): ( حجّوا واعتمروا تصحّ أبدانكم وتتّسع أرزاقكم، وتكفون مؤونات عيالكم … الحاجّ مغفورٌ له وموجَبٌ له الجنّة، ومستأنفٌ له العمل، ومحفوظ في أهلِه وماله )(1).

والعبادات الماليّة كالزكاة والخُمس تخلُق التوازن بين الطبَقَات وتعمّق الأواصر الاجتماعيّة كالتآلف والتآزر والتعاون، وتُهيِّء الأجواء التربويّة والنفسيّة المانعة من الانحراف بسبب الفقر والحِرمان، والمانِعة من الأمراض النفسيّة الناجمة مِن عدم إشباع الحاجات الأساسيّة للإنسان. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجمع الطاقات لتنطلق في الإصلاح والتغيير، وقلع جذور الفساد والانحراف وإشاعة الأخلاق الكريمة والصفات النبيلة، فيتَكَافل الجميع في المسؤوليّة التربويّة، فيكون الفرد رقيباً على ممارسات المجتمع، ويكون المجتمع رقيباً على ممارسات الفرد، وبهذه المسؤوليّة تتحقّق خُطُوات المنهج التربوي في الواقع بأسرع الأوقات، وبأقلّها عناءً وكُلفة.

والمنهج الاجتماعي له الدور الكبير في إنجاح سير وحركة المنهج التربوي، فقد وضع أهل البيت ( عليهم السلام ) برنامجاً واقعيّاً في العلاقات داخل الأُسرة، فلِكلّ فردٍ مِن أفرادها حقوقٌ وواجبات يتربّى مِن خلالها الإنسان على الأخلاق الكريمة ليكون عنصراً فعّالاً في المجتمع، يأمن مِن خلالها المجتمع من ممارسة الانحراف والانحطاط والرذيلة والجريمة.

والمنهج الاقتصادي يُهيِّء الأجواء المناسبة لإنجاح المنهج التربوي، ويمنع مِن الانحراف الأخلاقي الناجم عن الفقر والحرمان والاستغلال والظلم الاقتصادي، ويُوازن بين الطبقات ليحقّق التآلف ويمنع من الفقر ومِن الثراء الفاحش اللذَين

يُشكّلان أساس بعض الانحرافات الخلُقيّة.

والمنهج السياسي له دورٌ ملموس في بناء المُحتوى الداخلي للإنسان وتهذيب سلوكه الاجتماعي، والمنع من جميع ألوان الانحراف والانحطاط، والمنهج السياسي القائم على أساس الإمامة الصالحة يُحقّق الغاية الأساسيّة وهي إتمام مكارم الأخلاق، بتهيئة أجوائها المناسبة في الواقع.

قال الإمام عليّ بن موسى الرضا ( عليه السلام ): ( إنّ الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعزّ المؤمنين …. بالإمام تمام الصلاة، والزكاة، والصيام، والحجّ، والجهاد، وتوفير الفيء والصدَقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنْع الثغور والأطراف …. ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة ….. الإمام المطهَّر مِن الذنوب والمبرَّأ من العيوب )(1).

وفي حديثٍ آخر قال ( عليه السلام ): ( … يحقن الله عزّ وجلّ به الدماء، ويُصلح به ذات البين، ويَلمّ به الشعث، ويشعَب به الصدْع، ويكسو به العاري، ويُشبع به الجائع، ويُؤمن به الخائف، ويَرحم به العباد )(2).

واشتراط العصمة في مَن يلي رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )، واشتراط العدالة في الفقيه النائب عن الإمام المهدي ( عج ) ضمان لنجاح حركة التربية وتطبيق قواعد المنهج التربوي وبقيّة المناهج الإسلاميّة.

وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربّ العالمين.

مصادر البحث :

مصادر المذهب الشيعي الجعفري

1- منتهى الامال في تواريخ النبي       المحدث الكبير الشيخ
والآل ج1                    عباس القمي

2- بحار الانوار ج43        المجلسي

3- الدر المنثور              السيوطي

4- ذخائر العقبى             المحب الطبري

5- الصواعق المحرقة         ابن حجر العسقلاني

6- صحيح الترمذي ج2      الترمذي/ ابو عيسى محمد بن عيسى

7- صحيح ابوداود ج6 وج33 ابوداود/ سليمان بن الاشعث الأزدي

8- حلية الاولياء ج 2 و ج4  الحافظ ابي نعيم الأصبهاني

9- فضائل الخمسة من الصحاح الستة  العلامة السيد مرتضى      ج3    الفيروز آبادي

10- سنن البيهقي ج1        أبوبكر البيهقي

11- المستدرك على الصحيحين ج3    الحاكم النيشابوري

12- كشف الغمة في معرفة الأئمة    الاربلي

ج1، 2

13- الاستيعاب ج2         ابن عبدالبر

14- جامع الاصول في احاديث      ابن الاثير

الرسول

15- الخصال للصدوق ج2  ابن بابويه

16- تاريخ بغداد ج1 و4و5و7 و11و12   للخطيب البغدادي

17  – ينابيع المودة     القندوزي البلخي

18- مودة القربى            الحضرمي

19- امالي الصدوق         ابن بابويه

20- امالي الطوسي ج1     الشيخ الطوسي

21- كنز العمال ج6 و 7   المتقي الهندي

22- أسد الغابة ج5         ابن الأثير

23- مسند الامام احمد بن حنبل      أحمد بن حنبل

ج2 و4 و5 و6 و7

24- صحيح البخاري ج5    محمد بن اسماعيل البخاري

25- صحيح مسلم ج4      مسلم بن الحجاج

26- مناقب آل أبي طالب ج2 و3    ابن شهراشوب

27- تفسير الميزان ج18 و20 السيد الطباطبائي قدس سره

 

مصادر اهل السنة والجماعة

1- فضل أهل البيت وعلو مكانتهم – الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر.

2- أسد الغابة – ابن الأثير الجزري.

3- الإصابة في تمييز الصحابة – ابن حجر العسقلاني.

4- سير أعلام النبلاء – الحافظ محمد بن أحمد الذهبي أبو عبد الله، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، محمد نعيم العرقسوسي.

5- صفوة الصفوة – عبد الرحمن أبو الفرج ابن الجوزي.

6- التاريخ الصغير للبخاري – مراجعة محمود زايد.

7- التاريخ الكبير للبخاري – مراجعة السيد هاشم الندوي.

8- صحيح البخاري – لإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري.

9- صحيح مسلم  – لإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري.

10 – سنن أبي دواد – تحقيق محمد ناصر الدين الألباني.

11- جامع الترمذي – تحقيق محمد ناصر الدين الألباني.

12- جامع الأصول في أحاديث الرسول – ابن الأثير الجزري – تحقيق عبد القادر الأرناؤوط.

13- مسند الإمام أحمد – تحقيق شعيب الأرنؤوط.

14- سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – د.علي محمد الصلابي.

15- خامس الخلفاء الراشدين (الحسن بن علي t) شخصيته وعصره – د.علي محمد الصلابي.

16- حلية الأولياء – الحافظ أبي نعيم الأصبهاني.

17- مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي – تحقيق محمد ناصر الدين الألباني.

18- صحيح الجامع للسيوطي – تحقيق محمد ناصر الدين الألباني.

19 – سنن أبن ماجة – تحقيق محمد ناصر الدين الألباني.

20 – البداية والنهاية – الحافظ ابن كثير.

([1]) سورة الأحزاب، الآية رقم: (33).

(2) تحقيق الألباني: حديث صحيح، انظر الحديث رقم (3205) جامع الترمذي.

(3) التاريخ الكبير للبخاري انظر الحديث رقم (728).

([4]) تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح انظر الحديث رقم (2668)في مسند الإمام أحمد .

(2) تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة فمن رجال مسلم، انظر الحديث رقم (5707) مسند الإمام أحمد.

(3) تعليق شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد انظر الحديث رقم (11636) في مسند الإمام أحمد .

([7]) انظر الحديث رقم (6671) في جامع الأصول في أحاديث الرسول، بتحقيق عبد القادر الأرناؤوط: أخرجه الترمذي حديث رقم (3873) في المناقب، باب مناقب فاطمة بنت محمد رواه الحاكم وصححه وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب.

(2) تحقيق الألباني: حديث صحيح، انظر حديث رقم (79) في صحيح الجامع.

(3) تحقيق الألباني: حديث صحيح، انظر حديث رقم (7961) في صحيح الجامع .‌

([10]) تحقيق الألباني: حديث صحيح، انظر الحديث رقم (307) سنن النسائي.

([11]) سيرة ابن هشام (5/71).

([12]) نفس المصدر السابق.

([13]) انظر المصدر السابق (4/52).

([14]) سير أعلام النبلاء (2/119).

([15]) ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (2/128).

([16]) تحقيق الألباني: حديث صحيح، انظر الحديث رقم (6095) مشكاة المصابيح كتاب مناقب علي t.

 

([17]) تاريخ البخاري الكبير، انظر الحديث رقم (1961).

(2) تحقيق الألباني: حديث صحيح، انظر الحديث رقم (2125) سنن أبي داود.

([19]) تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي، انظر الحديث رقم (853) في مسند الإمام أحمد.

([20]) تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي، انظر الحديث رقم (819) في مسند أحمد.

([21]) تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده محتمل للتحسين، انظر الحديث رقم (23085) في مسند الإمام أحمد.

([22]) سير أعلام النبلاء (2/119).

([23]) أبو نعيم في حلية الأولياء (2/39).

([24]) تحقيق الألباني: حديث حسن، انظر الحديث رقم (1714) سنن أبي داود.

([25]) تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين، انظر الحديث رقم (740) في مسند الإمام أحمد.

[26] – ذخائر العقبى ص 36.

[27] – ذخائر العقبى ص44.

[28]– سورة الاسراء آية 1.

[29] – ينابيع المودة ص260 طبعة اسلامبول.

[30] – مودة القربى ص103 طبعة لاهور.

[31] – كنز العمال ج13 ص94 ورواه أيضاً الخطيب في تاريخ بغداد ج13 ص33.

[32] – ذخائر العقبى ص44.

[33] – كشف الغمة ج2 ص463.

[34] – ينابيع المودة للقندوزي البلخي ص198 والصدوق في أماليه عن الصادق
عليه السلام ص475.

[35] – أمالي الطوسي ج1 ص83.

[36] – البحار ج43 ص36.

[37] – البحار ج43 ص36.

[38] – حلية الأولياء ج2 ص42، البحار ج43 ص37.

[39] – البحار ح43 ص37.

[40] – كنز العمال ج6 ص219، وكشف الغمة ج2 ص467.

[41] – البحار ج43 ص24.

[42] – البحار ج43 ص97.

[43] – سورة الرحمن آية 19.

[44] – سورة الرحمن آية 22.

[45] – البحار ج43 ص32.

[46] – البحار ج43 ص12.

[47] – المستدرك ج3 ص53، ورواه ابن الأثير في اسد الغابة ج5 ص523 والمحب الطبري في ذخائر العقبى ص48 وغيرهم.

[48] – البحار ج43 ص45.

[49] – مسند الامام أحمد ج6 ص461، والمحب الطبري في الذخائر ص53 رواه عن ام سلمة وابن الاثير في اسد الغابة عن ام سلمى ج5 ص590.

[50] – الخطيب البغدادي في تاريخه ج12 ص331، وابن حجر في صواعقه ص96.