مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
من بحوث المسابقة الاولى (المرأة الفاطمية في ظل تحديات العولـمـة)الدكتورة حنان عباس خير الله كلية التربية /جامعة ذ ي قار
+ = -

جامعة ذي قار /كلية التربية للعلوم الانسانية

 المرأة الفاطمية في ظل تحديات العولـمـة  الدكتورة حنان عباس خير الله/كلية التربية /ذي قار

المقدمة

    أن المرأة الفاطمية لها صفات وملكات خاصة ، تتشكل منها شخصيتها المتميزة المأخوذة من أعظم شخصية نسائية على مر التاريخ ، استنادا الى تاريخها الذي دوّنه المخالفون قبل المؤيدين ، فيكفي أن تكون فاطمة الزهراء (ع) سليلة المجد المحمدي ، وهي (أم أبيها) ، باختيار النبي (ص) لها هذا اللقب الذي لم تحظ به امرأة أخرى.

لذلك فإن فاطمة الزهراء (ع) تميزت ، ولادةً ونشأةً وحضورا ، وأدبا وبلاغة ، لاسيما أنها عاشت في بيئة ثقافية دينية اخلاقية سياسية عبقرية بنت أعظم دولة للمسلمين على مر التاريخ ، ولهذا فهي (ع) ذات صفات خاصة منذ نشأتها ، من هنا فهي نموذج المرأة التي تستطيع أن تواجه مغريات العولمة بقلب مؤمن وإرادة جبارة كونها تتخذ من الزهراء (ع) نموذجا لها .

    ان العولمة سمة واقعنا المعاصر الذي تتشابك فيه الظواهر وتتعقد وتتصل بعضها ببعض بشكل يصعب معه فصلها عن بعضها البعض. وتطرح العولمة مجموعة من التحديات في وجه الأمة الإسلامية وفي وجه الفرد المسلم سواء أكان رجلا أم امرأة ، لذا علينا أن نكون على وعي بهذه التحديات حتى نتمكن من التعامل معها بإيجابية تمنحنا القدرة ليس على البقاء فقط في عالم لا يقبل بالضعاف ، ولكن يؤهلنا لأن نقوم بدور إيجابي في صياغة مفردات العالم الجديد من أجل أن تبقى أمتنا موحدة وقادرة على المبادرة الحضارية الإسلامية المتميزة.

   وبهذا مشكلة كبيرة تتعلق بالمرأة وظروف العولمة الراهنة التي يعيشها المجتمع ، لاسيما في مجال الفساد ، وأهمية مشاركة المرأة في القضاء عليه من خلال تحصينها بالقيم وبالنموذج الفاطمي الذي يقيها من الضعف او الانزلاق في السوء ، فينبغي تلافيها ، والحد من مضاعفاتها ومساوئها ، وهذه ممكن التحقيق من لدن المرأة الفاطمية المحصنة بالنموذج الخالد لشخصية فاطمة الزهراء (ع)، فهذه الشخصية بمقدورها أن تمنح المرأة المسلمة ثقة عالية بالنفس ومقاومة معنوية وفكرية ، ومضامين انسانية ، تجعلها في صدارة النساء اللواتي يتصدين للإغراء العولمي المزيف والمخادع في آن واحد ، فالمهم لدى المرأة الفاطمية ، أنها تكون نموذجا فريدا يتخذ من الزهراء (عليها السلام) قدوة وأسوة .

    ومن خلال هذا البحث سنتطرق الى تحديد المعوقات أو التحديات الأساسية التي تواجه المرأة ثم ما هي الحلول التي ينبغي أن تسلكها لتواجه هذه التحديات من أجل أن يكون لها دور فاعل ، كما سيتم بيان ماهية العولمة التي انتشرت في العالم ومن ضمنها عالمنا العربي والإسلامي ، وتحليل الاطار المفاهيمي للعولمة بهدف الكشف عن دلالاتها ومضامينها ، من اجل الوقوف في وجه عولمة المرأة ، فهي الجانب الاجتماعي المقصود من العولمة . كما سيتم بيان الطرق والأساليب التي يجب اتباعها لمجابهة مخاطر العولمة وأثارها السلبية على المجتمع .

اولا : التحديات التي تواجهها المرأة

إن الحديث عن المرأة هو حديث يتعلق بأهم أركان المجتمع البشري إذ أنها نصفه وتلد نصفه الآخر الذي هو الرجل ، فتكون بذلك هي المجتمع كله ، هي الدرة المصونة واللؤلؤة المكنونة ، جعل لها الإسلام حق البر والرحمة أماً وفضلها بثلاثة حقوق وجعل لها حق المعاشرة زوجة ، وحق التربية والشفقة بنتاً وأختاً.

لذا فان المرأة التي تريد أن تتخذ من سيدة نساء العالمين (ع) مثالا ونموذجا لها ، ينبغي أولا أن تعرف تأريخ هذه الشخصية الجليلة ، وقدراتها الفذة في مواجهة مصاعب الحياة ، لاسيما ما يتعلق بالظلم السياسي الذي ألحق بها بعد رحيل أشرف الأنبياء نبينا محمد (ص)، وانقلاب السلطة رأسا على عقب ، وتنكرها لحقوق هذه المرأة العملاقة التي واجهت حشود الظلم بأقصى درجات الصبر ، من هنا فهي نموذج فريد لا يمكن أن يتكرر ، والمرأة التي تقرر اتخاذها نموذجا سوف تحقق ما لم تحققه امرأة لاسيما في زمن العولمة الغربية الذي اساءت للنساء عن قصد مع سبق الاصرار ، لذا ثمة اشتراطات ينبغي التمسك بها من لدن المرأة الفاطمية.

فاذا ارادت بنات حواء تحقيق هذا الطموح ، ما عليهنّ إلا التفكير بالقاعدة الرصينة التي ينطلقن منها ، فالقضية ليست مجرد مطلب بسيط ، إنما هي مصيرية تتعلق بالوضع المعيشي وايضاً بالنهج التربوي وآثاره المستقبلية وبقدرة المرأة على التعامل مع مشكلات العولمة واغراءاتها ، فنحن أمام مطالب بفرص عمل لنسوة وحتى فتيات معيلات لأسرهن ، يكافحن العوز وينشدن الكرامة ، فهل بالإمكان تحقق ذلك وسط مشكلات حياتية متفاقمة ، نعم تقع على المرأة الفاطمية مسؤوليات جسيمة ، تتوزع على الاصلاح من جهة وهو يتركز على النشاط الأسري والبناء التربوي ، أما الشق الثاني فيتعلق بدور المرأة الفاطمية بالقضاء على الفساد بكل أنواعه ، وكل امرأة من موقعها العملي والوظيفي ، فإذا كانت ادارية يمكنها رصد الفساد ، او معلمة يمكنها مكافحة العنف ضد الطلبة ، او في اي مجال من مجالات الحياة ، من المهم ان تكون المرأة الفاطمية فاعلة في جميع المجلات بثقة وإصرار مع الالتزام بالضوابط والقواعد والمبادئ المتعارفة التي وضعها الاسلام حماية للمرأة وللمجتمع في الوقت نفسه.

تواجه المرأة المسلمة العديد من التحديات الحضارية في الوقت الحاضر ، ما أحرانا أن نتصدى لهذه التحديات ، وأن نواجهها بعقد المؤتمرات والندوات التي تستهدف وضعها في دائرة الضوء ومناقشتها وتفنيدها وتشخيصها ، ومن ثم يمكن تقديم العلاج المناسب لها. وأول هذه التحديات ، يتصل بالعولمة ، وتعنى احتواء المرأة المسلمة وتهيئتها لأن تبتلع كل ما يقدم لها من المجتمع الدولي المهيمن على العالم.

 هذا الحرص على الهيمنة ظل يتردد دائما على ألسنة رؤساء أمريكا ، فالرئيسان كلينتون ومن بعده بوش يصرحان أنه لا تراجع عن حكم العالم ، وفيما يتعلق بأمور المرأة والتحديات التي تواجهها في ظل هذا التصور الأمريكي للعولمة ، تأتي العولمة لتقول لنا: إن المرأة يجب أن تتساوى مع الرجل تماما ، ولئن كانت المساواة مبدأً إسلامياً أصيلاً نجده مسطورا في القرآن والسنة النبوية في كثير من المواضع ، ونجد أن المسلمين نفذوا هذا المبدأ الإسلامي ومارسوه في حياتهم العملية منذ أن أعلنه الإسلام في قوله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ)([1])   ، أو بعد أن أعلنه رسولنا الكريم صلى الله عليه واله وسلم في قوله: “النساء شقائق الرجال”رواه الترمذي([2]) .

 وظلت هذه التوجيهات النبوية سارية طوال حياة النبي صلى الله عليه واله وسلم حتى أنه في حجة الوداع قال: “اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم”([3])   ،  لذا فإن دعوة العولمة ومطالبتها بأن تمكن المرأة من الحياة الكريمة ، فإننا نقول لها مرحبا ، فالمرأة في الإسلام وفي مجتمعاتنا العربية والإسلامية ، تتحمل متاعب وأعباء كثيرة في بيتها ، حيث تمارس وظيفة حمل الأجنة وتربية النشء ، وبذلك فهي مؤهلة لتؤدى عملاً لا يقدر عليه سواها ، لذا خصها الإسلام وحدها بحق حضانة الأطفال.

     وإذا جاءت العولمة لتدفعنا بكل السبل إلى أن يشيع الانحلال في المجتمع ، وتسمح للمرأة بحرية ممارسة الجنس بدون زواج ، قلنا لها: لا، لن نفرط في مؤسسة الأسرة التي حرص الإسلام على جعلها الخلية الأساسية للمجتمع .

 ومع ذلك فدعاة العولمة لا يهدؤون ، ونراهم يتخذون منابر الأمم المتحدة من جديد لعرض مفاهيم يريدون أن نعيش فيها  ، لذا لا بد ان تكون قوى المجتمع المدني في صدارة من يتصدون لحملات العولمة الجامحة وعلى أساس قوله تعالى: (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً)([4]) .

        إننا لا ننكر أن بعض العادات في كثير من مجتمعاتنا لا تسير على نحو ما شرعه الله ، وهى عادات ظالمة تمثل نوعا آخر من التحديات التي تواجهها المرأة ، مثل: عدم توريث النساء ، وبالذات في الأرض الزراعية مما يمثل مخالفة للقواعد الشرعية التي وردت في القرآن الكريم في قوله تعالى: (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ)([5])  ، أو حرمان المرأة من التعليم حتى لا تخرج من البيت ، أو عدم التعاون في أداء شؤون المنزل من قبل الزوج مع زوجته ، وهى للأسف من العادات التي بدأت تترسخ حديثا في مجتمعاتنا! وخلافا لما كان نبينا صلى الله عليه واله وسلم يفعله في منزله ، أو مازلنا نطالعه في قوانيننا من التمييز ضد المرأة لنقل جنسيتها إلى أبنائها أسوة بالرجل ، أو اشتراط أن تقع جريمة الزنا في بيت الزوجية بالنسبة للرجل دون المرأة ، أو تخفيف عقوبة الرجل الزاني عن المرأة الزانية.

كذلك نرفض ما تقوم به وسائل الإعلام من اعتبار المرأة سلعة ، أو اعتبارها أداة لترويج السلع ، لكشف عوراتها واتخاذها أداة لإشاعة الانحلال في مجتمعاتنا الإسلامية ، وبث قيم وافدة تخالف الدين ، كزنا المحارم والاختلاط المتفلت من ضوابط الدين إلى غير ذلك من الأمور. إننا نؤمن أن طريق الهداية هو ما يأمرنا به ديننا وتراثنا وسنة نبينا صلى الله عليه واله وسلم ، فالقرآن الكريم يقول : (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً)([6])  .

     أما التحدي الثاني: الخطير ، فهو تحدي الجهل والتخلف ، فالمرأة في كثير من مجتمعاتنا الريفية تحرم من التعليم لأسباب تافهة ، كالرغبة في تزويجها مبكرا ، أو مساعدة أسرتها في البيت ، أو الخوف من تعرضها للانحلال ، وهذا كله أدى إلى عدم حصول المرأة على حقها في التعليم ، مما جعلها تتخلف عن الرجل.

      والتحدي الثالث: هو تحدي التمييز ضدها في الميراث –  أو إجبارها على الزواج ممن لا تريد، خلافا لما تقرره الشريعة الإسلامية من أحكام ، فهذا التحدي يتصل بوضع متدني في بعض المجتمعات الإسلامية نتيجة لعدم تطبيق الشريعة الإسلامية .

 ومن هذه التحديات كذلك التحديات المتصلة بسوء استخدام حق الطلاق ، أو تعليق الزوجة وعدم الإنفاق عليها وهكذا. إن التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة في عالمنا المعاصر كثيرة ، وأخطرها هو محاولة الانقضاض عليها وتصفيتها بإشاعة الانحلال والتفسخ في حياة الأمة ، وهو تحدً كبير علينا بذل أقصى الجهود لمحاربته. وقد تمثلت التحديات بما يأتي:

  • التحديات الاجتماعية العائلية

     دون حاجة إلى الاستدلال نجد اليوم تخطيطًا عالميًا لمحو الدور العائلي للمرأة من خلال المناداة بشعارات التحرير والتطوير وضرورة تغيير تعريف العائلة ودورها الاجتماعي ، وتغيير نوعية العلاقة بين المرأة والرجل في المحيط العائلي إلى ما يتصورونه من المساواة في جميع الأحوال وبالمقياس المادي الحسابي دون أي لحاظ للاعتبارات الأخرى وكأن المساواة هي القيمة العليا التي لا تتعارض معها أية قيمة أخرى. وحتى عندما كنا نقترح في بعض المؤتمرات الدولية أن نقيدها بالعدالة أو الإنصاف كان المخططون يرفضون ذلك بكل إصرار معتبرين ذلك ذريعة لظلم المرأة باسم العدالة.
أما الحقيقة القرآنية فهي تؤكد ما يلي([7]):

أولاً: إن البناء العائلي بمفهومه المتداول بين الأديان والمجتمعات هو لبنة البناء الاجتماعي ولايمكن تصور قيام مجتمع إنساني إلا عبر تصور اللبنة العائلية ، بها بدأت المسيرة الإنسانية وبها تستمر ، وعلى أساس منها وافتراضها يأتي التشريع الاجتماعي ويقوم البناء التنظيمي ، ويجب أن يحافظ المجتمع عليها وينمّيها ويسدّ كل سبل الاشباع الغريزي من خلالها:  
﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ﴾([8]). ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾([9]).  

ثانيًا: إن المرأة تشكل حجر الزاوية في البناء العائلي ، وإن الجنة تحت أقدام الأمهات وإنها يجب أن تقوم بالدور العاطفي الكبير لتربية الأبناء ، وتحويل البيت إلى جنةٍ لزوجها وأطفالها : جنة الرحمة والسكينة والعفاف.

ثالثًا: إن المسؤوليات توزع بين أعضاء العائلة تبعًا لمقتضيات العدالة الإنسانية. والدور الإنساني لكل عضو وفقًا لتصور وقيم مذهبية تنسجم مع مجمل النظرية الاجتماعية الإسلامية. وهذه المسؤوليات هي تارة اقتصادية وأخرى تربوية وثالثة قيادية. وعليه فإن على المرأة المسلمة دائمًا وفي كل عصر أن تستعيد القيم العائلية ، وتنميها وتفضلها على أية قيم أخرى حتى توفّر أرضية التنمية الإنسانية المستدامة.
2-التحديات الثقافية

    ونظرًا للتعريف الجامع للثقافة والذي يعني التهذيب العلمي والأخلاقي والفكري ، وبملاحظة الطبيعة الأنثوية لها والقدرة التي تمتلكها في المجال الإنساني باعتبارها إنسانًا يستطيع أن يتكامل على خط الفطرة ويملأ الجو الاجتماعي بالعاطفة الإيمانية ، والتقوى والعفّة ، بل وينتقل بالإيمان العقلي إلى الوجدان بل الوجود الانساني كله تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾([10]). فإن المرأة لها تأثيرها الكبير في المجال الثقافي.

     هذا من جانب ومن جانب آخر تمتلك المرأة القدرة الأخرى التي يمكنها بها أن تخرج هي وتخرج المجتمع عن خط الفطرة إلى خط الفسق والانحراف والتمزق ، ومن هنا عادت غرضًا لأعداء الأمة والطامعين في سلبها شخصيتها المتماسكة ، واستغلالها لتحقيق مآربهم المشؤومة . وعليه فإن على المرأة المسلمة أن تعد العدة لتكاملها العلمي والفكري والأخلاقي وبالتالي التأثير على مجمل المسيرة الاجتماعية التأثير الإيجابي المطلوب([11]) ، لتعود مثلا يحتذى به: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ﴾([12]) ، وذلك عبر الذوبان في الحبّ الإلهي والتخلّص من فرعون الذات واللذات وطلب الاستظلال بظل العندية الإلهية فعادت هذه المرأة الطاهرة مثلاً لكل الذين آمنوا عبر التاريخ كله.

    ولأمر ما نجد القرآن الكريم يؤكد على تساوي الجنسين في عملية التكامل ، وفي مواضع عديدة اذ يقول تعالى: ﴿ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى ﴾([13]) ﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ﴾([14]) ﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾([15]) ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾([16]).إن هذا الإصرار وهذا التكرار إنما هو لتقرير حقيقة المساواة على طريق التكامل الإنساني ونفي أي تمايز إنساني بين الرجل و المرأة وتأكيد دورهما المشترك في عملية البناء. فالمرأة المسلمة مدعوة لاتخاذ دورها الثقافي المناسب وإثراء الفكر الإسلامي بكل ما يؤهلّه لصنع أمة صاعدة.

3-التحديات السياسية والاقتصادية

     رغم القدرات التي تمتعت بها المرأة عبر التاريخ في المجالات السياسية والاقتصادية – وقد حدثنا القرآن عن بعض منها موضحًا العبرة فيها – إلا أن المرأة ظلت والى عهدٍ قريب جدًا على المستوى العالمي محرومة من التمتع بحقوقها الانسانية الاجتماعية بفعل ظروف خاصة بها بل ظلت محرومة حتى في ظل السيطرة الإسلامية ـ  رغم أن الإسلام منحها حقوقها الاقتصادية كاملة وأوكل اليها كما أوكلَ إلى الرجل مسألة الولاية المتبادلة: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ﴾، ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾. وتحملت إلى جانب أخيها الرجل مسؤولية الخلافة الإنسانية منذ البدء حيث آدم وحواء (عليهما السلام) ، إلا أنها بقيت بعيدة عن القرار السياسي بفعل بعض الموروثات وربما بعض الاستدلالات الناقصة في رأينا ،  وإن عليها اليوم أن تستفيد من حقها الطبيعي في المشاركة في البناء السياسي والاقتصادي للمجتمع بما لايتنافي مع وظائفها الاجتماعية الأخرى ، ولايخدش جانب العفة الاجتماعية([17]).
     إن الأمة الإسلامية اليوم محرومة من كثير من الطاقات النسائية التي تستطيع صنع المستقبل الرائع ، وأن عليها أن تواجه تحدي الإقصاء السياسي والاقتصادي وتدخل إلى الساحة والمعترك بكل قوة ونشاط لتتحمل مسؤولياتها قبل أن تتجه بروح استيفاء حقوقها المشروعة.
ما الذي يمنع المرأة المسلمة المفكرة أن تساهم في صنع القرار السياسي ، وما الذي يمنعها من صياغة السوق الاقتصادية ودفع عملية الإنتاج إلى الأمام؟إن تاريخنا الإسلامي يزخر بالنساء اللواتي صنعن التاريخ وكفى المرأة فخرًا أنها ساهمت في توفير الجو الصالح لانطلاقة الرسالة من مكة ولولاها لما أمكن لنبتة الإسلام أن تنمو و تترعرع.إن القرآن ليحدثنا عن بلقيس ملكة سبأ وحكمتها وتشاورها وقرارها الحكيم ، وقد كانت المرأة الطليعة في صنع التغيير السياسي الكبير في إيران. فالمرأة المسلمة إذن يجب أن تساهم في صنع البناء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمجتمع إلى جنب أخيها الرجل وتتحمل عبء الولاية المتبادلة لتحقيق هدف الخلافة الانسانية.

ثانيا : التحديات التي تواجه المرأة المسلمة المعاصرة: 

   إن المستقصي لطبيعة التحديات التي تواجه المرأة المسلمة المعاصرة الآن ، يجد أنها لا تخرج عن  تحديات داخلية تتمثل في الآتي:

أ‌- العادات والتقاليد الموروثة التي أسهمت في عدم تفوقها أو أدت إلى تراجعها مما جاء الإسلام بنبذه والتصدي له مثل: مصادرة حقوقها في اختيار الزوج الصالح ، والنظرة إليها بالدونية.
ب- الأوهام التي كبلت انطلاقتها فيما يمكن أن تكون نافعة فيه لها ولأخواتها المسلمات مثل: الشعور بالفشل قبل التجربة ، والشعور بكراهية الرجل للمرأة.

ج- سيطرة جملة من الخرافات والشعوذة على تحركات المرأة ، خوفاً من الحسد أو العين أو السحر، مما دفن مواهبها وإبداعاتها في مهدها ، وأصبحت تعيش حالة من الرعب خوفاً من القادم المجهول ، مما جعل جمله من النساء يعشن فترات من حياتهن ينتقلن بين العيادات النفسية ، ودور الرقية الشرعية ، وأخيراً حطت الرحال بعضهن بين أيدي السحرة والمشعوذين ، وهي من قبل ومن بعد في سلامة وعافية حقيقية.

د- اليأس والقنوط والتذمر ، والنظر إلى الحياة بعيداً عن التفاؤل .

و- دواعي الشهوات والملذات والمتع الجسدية التي أحدثها الفراغ  ، وكسرة قناة الطموح ، وبددت عزائم التفوق ، حتى غدت أخوات لسن بالقليل يعشن على هامش الحياة الجادة ، يتقلبن من موضة إلى أخرى ، وينتقلن من مشهد إلى آخر ، ومن أغنية إلى أخرى ، هجرن القرآن الكريم ، وأعرضن عن التسبيح والتهليل ، ورضين بالدون في معاشهن ومعادهن. 

ثالثا : العالمية أو العولمة: 

إن المرأة المسلمة المعاصرة بثاقب فطرتها ، وقوة رصدها للأحداث ، والجديد في وسائل العدو ، وقفت بنفسها على الغول الجديد الداهم على المجتمعات والشعوب. إنها العولمة التي تعني التراكمات البشرية في جميع نشاطات الحياة الزاحفة نحو الآخرين ، بحيث لا تترك أحداً إلا نالت منه.
أيتها المسلمة المعاصرة إن العولمة تكاد تصبح حتمية الزحف من الأقوياء إلى الضعفاء تحقق سيطرتها الثقافية والاجتماعية والسياسية وفي الحقيقة أن طابع العولمة الآن هو أمركة للشعوب المغلوبة([18]). فلم يعد هناك خصوصية ثقافية للدول والشعوب بل فتح الفضاء أمام القنوات الفضائية ، والاتصالات التقنية مما سهل صياغة توجهات الشعوب بما يخدم الأمركة غير أن الله لا يقدر الشر المحض فإنه من وسائل العدو يمكن غزوة بها في عقر داره. ولعل من أهم واجبات المرأة المسلمة الآن تجاه العولمة الآتي([19]):

1-الوقوف صفاً واحداً أمام هذا الطوفان الأمريكي الزاحف على المجتمع بعامة والمرأة بخاصة.
2- تحصين المجتمع ضد ثقافة العولمة الغربية بسد العقيدة الصحيحة ، وتزكيته بالعبادة الصائبة لله وحدة جل وعلا.

3-المبادرة إلى الدفاع عن الفضيلة وإن تراجع جملة من المناصرين للمرأة من الرجال.

4- الدفع بقوة بالثقافة الإسلامية عقيدة وشريعة وعبادة إلى معاقل الغرب والشرق بكل وسيلة تستطيعها المرأة الآن. 

5- الإفادة من إيجابيات العولمة فيما يقره الشرع المطهر فالحكمة ضالة المؤمن.
وإني على ثقة تامة أن المرأة المسلمة المعاصرة قادرة على ذلك وزيادة.

رابعا : دور المرأة  في تعضيد الممانعة للغزو الثقافي

    للرموز التاريخية دورا هاما ومحوريا في تجسيد القيم التي تنتمي لها الأمة ومثالا حيا لها على صفحة الحياة. ان القيمة المعنوية التي يمكن للأمة إستغلالها من الرمز تكمن بالدرجة الأولى في أسلوب الأقتداء التي تنظر بها اليه. إن أهم كارثة تعرضت لها الأمة تكمن في سكونية المنهج الذي أتخذته في التعامل مع رموزها لإتسامه بحالة من التهويل والتقديس المعطل للقراءة الثاقبة والمتأنية للرمز. لقد دفعت الأمة من خلال هذه المنهجية الجامدة ثمنا باهظا بتوسيع الهوة مع قيمها ومبادئها من خلال تغريب صلتها وأرتباطها برموزها. إن مرورا سريعا على كتب التاريخ والتراث كفيلا بأستقراء هذا المنهج السكوني المتبع في تدوين سيرة هذه الرموز وأسلوب عرضها للأجيال المتعاقبة. ولعل أهم سمة تميز بها منهج دراسة الرموز هو تسييج الرمز بهالة تهويلية تعظيمية تجعل من الدارس والمحقق الذي يرنو لتقويض هذه الرؤية في مأزق وكأنه يلج الى حقل ألغام. إن الغلو والتكفير المتعاظم الذي تتسم به هذه المنهجية تجعل من الدارس يتهيب التصدي لدراسة الرموز بروح موضوعية ومنهج متحرك لعرض مشروع تجديدي تنويري. يجعل فيه من الرمز قيم متحركة وحلول ناجعة لقضايا الأمة العالقة والمتعاظمة. 

    وفي خضم الجدل الدائر حول الترسبات الفكرية والأجتماعية الذي تتركه موجة الغزو الثقافي يبرز مفهوم تجديد التراث وإعادة عرض الرمز كأحد أهم الأدوات المقترحه في تعضيد الممانعة للثقافة الوافدة . والعقبة التي بأزالتها يفتح الطريق نحو تفعيل هذا المشروع التجديدي تكمن بشكل أساس في مدى النجاح الذي يحققه رواد هذه الحركة لتقويض أركان المنهج السكوني السالف الذكر. ولأهمية الرمز النسائي ودوره الحيوي في إنتشال المرأة المسلمة والعربية من براثن الأرتباط بالرموز المصطنعة التي تقدمها المدارس السلفية الجامدة والأستهلاكية المنحلة ، أصبح من الضروري إعادة دراسة الرموز النسوية خصوصا السيدة فاطمة الزهراء (ع) والصحابيات الجليلات من إمهات المؤمنين وغيرهن .
إن التضليل الذي تتبناه المدارس الليبرالية الغربية من إطروحات حرية المرأة ومساواتها لها التأثير السحري في جذب قلوب النساء وشغفها بأحلام وردية عن حياة فيها المرأة تعيش كيان مطلق من الحرية والعدالة . حجر الزاوية في إعادة قراءة الرمز النسائي يكمن في القدرة على عرض مشروع نسوي إسلامي متكامل النسق ومنافس للأطروحة الليبرالية. مشروع الرمز النسوي الأسلامي ، لابد أن يعالج بروح عصرية دون المساس بأصالة القضايا المعالجة و بطبيعة تطبيقيه يبرز نماذج أصيله ومتجذرة في ثقافتنا الذاتية لمسائل حرية المرأة ومساواتها و صلتها بنظرة الأسلام الأنسانية للمرأة و فض النزاع والتزاحم لأدوار المرأة كزوجة ومفكره ومصلحة وقائدة اجتماعية دون المساس بأحدهم  أو مغالبة أحدهم على الآخر.

1- وضعية المرأة في زمن العولمة:

“ليست العولمة بالنسبة للنساء في كل أنحاء العالم عملية تجريدية على مسرح مرتفع ، انها حاضرة وملموسة”([20]).

   تلخص الكاتبة الألمانية كريستا فيشتريش مأساة المرأة زمن العولمة كما يلي:

– زيادة التشغيل الهش ضمن علاقات إنتاج منخفضة الأجر وتحولها إلى أداة للخدمة في جميع أنحاء العالم.

– معايشة عالم استهلاك مفرط وعدم القدرة على تلبية الحاجيات.

– تنامي الواجبات الاجتماعية والبحث عن هوية جديدة ضمن إطار اجتماعي تزداد فيه الفوارق

– التعرض إلى أشكال من العنف المرتبط بالجنس وتزايد المنافسة والطلب عليهن من طرف الشركات.

– استعمال جسد المرأة وصورتها في الدعاية والإشهار في ترويج وتسويق المنتجات الرأسمالية.

– تشغيل المرأة يتم بشكل نمطي وفي أوقات الحاجة وحسب المزاج .

– عودة محافظة إلى الوراء بإسنادها الأدوار التقليدية والمطالبة بتكثيف الرقابة الأبوية.

ما تدفعه المرأة من ثمن هو ظروف عمل بائسة ورتيبة تفقدها الطاقة والصحة مع غياب الرعاية الاجتماعية وتتمتع بحقوق ضئيلة وأجر لا يضمن عيش كريم وتدخلها في تبعية جديدة وابتزاز المؤجر.

إن ما يطلبه السوق العالمية من المرأة هو فقط أن تكون “رخيصة ونشطة ومرنة” لكي تحصل على مركز عمل في قطاع الخدمات ولكن الغرض الحقيقي هو انجاز خطة تكاملية نيوليبرالية تكسب النساء ككتلة سوق لا غير وتسطو على مكانتها القديمة وتقوم بتحويلها السريع نحو عالم الإنتاج والتبادل والاستهلاك.

     إن العولمة تقذف بالمرأة إلى الخارج وبسرعة دون ضمانات وبلا رحمة ولا شفقة والمهم هو الاستفادة منها وتوظيفها في جعل الاقتصاد يزدهر والاستمتاع بمحاسنها في أروقة عروض الأزياء بدل الاكتفاء بدورها التقليدي وتحميلها مسؤولية اجتماعية والمحافظة على قيمتها ضمن ملامحها التربوية القديمة([21]).

    إن “المرأة المعولمة” تبحث عن هوية جديدة لها ضمن عالم ذكوري أشد ضراوة وتستخدم كاحتياطي متحفز بالنسبة إلى منطق رأسمال وتتجاذبها آليات الإنتاج والاستعراض والترويج والاستهلاك. لقد عاد التقسيم القديم في العمل بين مهن للرجال ومهن للنساء ولكن ضمن منظور معولم جديد حيث تقوم المرأة بكل شيء ويجلس الرجل في مقعد الإشراف واتخاذ القرار بالطرد التعسفي وحصاد المحصول وجني الأرباح والمتع. لقد ارتفعت نسب تشغيل النساء في المصانع ومراكز التركيب والتوظيف إلى معدلات ضخمة ووجدت مهن نموذجية للنساء ونظر إليهن كجهاز تسخين نمو الاقتصاد إلى درجة أن البعض بدأ يتحدث عن تأنيث التشغيل لكونهن يمتلكن أصابع حاذقة([22]).

“هكذا تتحول النساء إلى عاملات مؤقتات أو ثانويات لأسواق بعيدة دون حقوق”([23]). فهل ترضى الشرائع والأديان بهذا الجرم الذي اقترفته العولمة بحق النساء؟

2- المرأة والمساواة في الإسلام:

    يعتقد البعض خطآ ، ذكورا وإناثا، أن القول بالمساواة بين الجنسين يؤدي إلى الإخلال بقواعد الإيمان وأن الانتماء إلى الإسلام على أي جهة كانت لا يؤدي بالضرورة إلى تبني خيار المساواة وينطلق أصحاب هذا الرأي من فكرة خاطئة عن نظرة الأديان إلى المرأة ويستندون إلى تصورات تقليدية من الإسلام تقلل من دور الأنثى وتجعله في مكانة منقوصة بالمقارنة مع الذكر. وهذا كله جهل في جهل لأن التعامل المستنير مع الإسلام والنظر إليه بتبصر وعقلانية يؤدي إلى استنتاج معاكس ويفضى إلى القول بأن مكانة المرأة مرموقة في حضارة اقرأ ودورها طليعي وحيوي وعلاقتها بالرجل هي علاقة ندية سوية وتشاركية تفاعلية. إن النساء شقائق الرجال في الإسلام وتركيز البعض على نصيب الضعف في الميراث ومسألة القوامة يحتاج إلى تدبر وتأويل. لاسيما وأن حقوق النساء بما في ذلك المساواة جزء من حقوق الإنسان في الإسلام. ماهي المسلمات الذهنية عن الناس في حضارة اقرأ التي دفعتهم إلى تبني نظرة نفعية أداتية للمرأة؟ ما سبب تشكل الصورة الزائفة للإسلام عن المرأة؟ هل أن السبب هو التقاليد الفلسفية الماورائية الموروثة عن الإغريق والشرقيين أم أن الفتاوي الفقهية الظنية والتآويل الحرفية هي التي تقف وراء ذلك؟ كيف السبيل إلى نحت صورة ايجابية مساواتية في الإسلام”([24]) .

     هكذا يدعو الثعالبي إلى تحرير “المرأة المسلمة” ويرفض الانزواء وشرط انفرادها بصحبة أحد المحارم ويحمل على منطق الوكالة والوصاية القانونية التي يمارسها عليها الرجل ويتناقض مع وجوب الستر والإخفاء والحجب تفاديا للفتنة والشذوذ وسوء الآداب ويربط ذلك بالكشف عن الوجه وحسن تربيتها وإعدادها إذ يصرح حول هذا الموضوع:”لو كان التعليم الإجباري واقعا مكتسبا لتمتعت المرأة بكامل حقوقها ولأدركت  أن من واجبها رعاية مصالحها ومصالح أبنائها والتفكير في مستقبلهم ومراقبة تعليمهم وتربيتهم وأنه من الضروري أن تتمتع بحقها في احتلال مكانتها في البيت وأن تأخذ نصيبها من حقها في الحياة ونور الشمس على قدم المساواة مع الرجل”([25]).

    فهل يجوز لنا القول بأن الحجاب بالنسبة إلى المرأة هو مسألة شخصية وهو رمز ثقافي يرتبط بالهوية وليست له أية إيحاءات دينية؟ وألا ينبغي أن نرفض نزعه بالقوة وفرضه بالقوة كما يحدث اليوم؟ وهل من المشروع التأويل بأن الإسلام ينتصر إلى فكرة المساواة الاجتماعية والقانونية بين الذكر والأنثى في إطار التكامل والتساكن القائم بينهما؟ إلى أي مدى يكون مشروع قيام حركة نسوية إسلامية أمرا ممكنا؟

   يؤكد خليل عبد الكريم هذه الفكرة بقوله:”إن المرأة مخلوق سوى كالرجل لها كافة الجوانب مثله تماما: العاطفية الوجدانية والعقلية والنفسية والروحية..الخ، ومن حقها أن تعيش حياتها كالرجل مع مراعاة الفروق البيولوجية بينهما ولا يتصور أن مجتمعا يخالف ذلك يكون مجتمعا صحيحا”([26]).

   إن المرأة في الإسلام موضع تبجيل واحترام يصل إلى حد تمتعها بحق الدلال وإظهار الحسن والجمال ولكنها في الآن نفسه تقف جنبا إلى جنب مع الرجل في طلب العلم وفي ممارسة العمل وفي زمن الحرب والدفاع عن الأوطان ووقت السلم وتنمية المجتمعات وترافقه في السراء والضراء.

إن الأخطاء التي وقع فيها المفسرون والتي جعلتهم يشكلون صورة دونية عن المرأة في الإسلام هي:

– المماثلة بين وضع المرأة بالنسبة للرجل ووضع العبد المملوك بالنسبة إلى سيده.

– المشاكلة بين نساء الدنيا ونساء الجنة كما يرسمهن القرآن والأحاديث في صورة حسية ودنيوية.

– الحكم عليها من منظور المجتمع البطريوركي ومكانتها من جهة منظومة القرابة بمركز السلطة .

فمتى نتوقف عن اعتبار وظيفة المرأة هو مجرد إرضاء رغبات الزوج وخدمة أولي الأمر في المجتمع ؟ وألا ينبغي أن نؤهلها لكي تكون قادرة على الرفض والمقاومة وزعزعة أركان التصورات التقليدية والمجتمع البطريوركي؟

    هناك فرق شاسع بين تكريم المرأة في النصوص الأصلية ومنزلتها في عهد التأسيس وبين تحقير المرأة من طرف بعض الفقهاء والتقليديين ووضعها القانوني والاجتماعي المتدني في عصور الانحطاط ، لأننا نعتقد أن مشكلة المرأة في الوطن العربي هي جزء من مشكلة هذا الوطن كله والذي يتناول مشكلة المرأة بالحديث أو حتى بالبحث والتمحيص لا يكون في تناوله بعيدا عن الأزمات التي تحيط بهذا الوطن حتى وان حاول أن يبدو موضوعيا أو محايدا”([27]).

التوصيات

– كشف زيغ التيار النسوي العلماني التغريبي في العالم الإسلامي والعربي ، وأنه جزء من تيار الزندقة المعاصر ، والمدعوم من هيئات مشبوهة خارجية . 

– قيام الجهات الخيرية الإسلامية ـ والأقسام النسائية فيها على وجه الخصوص ـ بتحمل مسؤولياتها ، والتنسيق فيما بينها ، للقيام بالحملات الدعوية التثقيفية لمختلف شرائح المجتمع ، وإصدار وثيقة للأسرة المسلمة ، تؤصَّل فيها الرؤية الشرعية ، حول المرأة وحقوقها الأساسية في الإسلام.

– عمل رصد إعلامي جاد لكل فعاليات المؤتمرات الدولية والإقليمية ، ومتابعة الخطوات الفعلية لتنفيذ توصيات المؤتمرات السابقة ، التي ناقشت قضايا المرأة ، وإصدار ملاحق صحفية ؛ لبيان الموقف الشرعي من هذه المؤتمرات وتوصياتها.

– ممارسة ضغوط قوية على وسائل الإعلام المختلفة ، التي تقوم بالترويج والتغطية السيئة لهذه المؤتمرات ، لتكف عن ذلك.

– ضرورة إعادة النظر في خطط تعليم المرأة ، بحيث تتفق مع طبيعة المرأة من ناحية ، وظروف المجتمع واحتياجات التنمية من ناحية أخرى.

– تكوين هيئات عليا للنظر في كل ما يتعلق بالأسرة من النواحي النفسية ، والثقافية ، والصحية ، وتفعيل دور الوزارات التي تعنى بالشئون الاجتماعية ، للقيام بدور فاعل للاستجابة لمتطلبات الأسرة المسلمة.

– نشر موقف الإسلام من المرأة والأسرة عالميا ، وذلك من خلال مبادرات إسلامية لعقد مؤتمرات عالمية عن قضايا المرأة ، والأسرة ، وحقوق الإنسان ، من منظور شرعي.

– ضرورة العمل على إيجاد مؤسسات نسائية متخصصة ، (شرعيًا ـ علميًا ـ تربويًا ـ اجتماعيًا ـ اقتصاديًا)، من شأنها أن تسهم إسهاما جليا في توفير الحصانة الشرعية والفكرية ، وفي البناء الدعوي والتربوي للمرأة المسلمة ، لتكون قادرة على مواجهة هذا التيار التغريبي الهادر.

– التحذير من مخاطر الغزو الثقافي والإعلامي للحضارة الغربية ، التي تتميز أسرها بالتفكك، والتشتت ، وغياب الروابط الدينية والأخلاقية والتربوية فيما بين أفرادها، في مختلف وسائل الإعلام.

– وجوب قيام وسائل الإعلام المختلفة المسموعة ، والمرئية ، والمقروءة ، ثم المساجد ، ودور القرآن ، والمدارس ، بالإضافة إلى الجمعيات ، والنوادي الثقافية ، والتربوية ، والدعوية ، و المراكز الشبانية بالتوعية بأهمية الأسرة في المجتمع ودورها العظيم.

– الرد العقلاني الموضوعي على الترهات التي يروجها الغرب ، وتوجيه الأسرة العربية العملي لمواجهاتها ، بدءًا من إنكار أكاذيبهم ، والاستعداد لمقاومتها.

[1]– سورة البقرة اية :228 .

[2] – محمد بن عيسى ت 279ه ، سنن الترمذي ، تحقيق عبدالوهاب عبد اللطيف ، (ط2، دار الفكر، بيروت، 1983) .

[3]– المصدر نفسه .

[4]– سورة النساء اية : 27 .

[5]– النساء اية: 32 .

[6] – سورة الاسراء اية : .

[7] – علي عقلة عرسان،” العولمة والثقافة “،  الفكر السياسي، العددان (4 – 5) ص225 .

[8] – سورة الفرقان اية :54 .

[9] – سورة الروم اية 21 .

[10] – سورة الحديد اية :16 .

[11] – عمر جاه ، العولمة والتغيرات الاجتماعية ، مجلة اسلامية المعرفة ، العددان 37-38 ، ص2-8 .

[12] – سورة التحريم اية:11 .

[13] – سورة ال عمران اية :195 .

[14] – سورة النساء اية :124 .

[15] – سورة الحديد اية :12 .

[16] – سورة الاحزاب اية:35 .

[17] – محمد أحمد السامرائي ، ” العولمة السياسية ومخاطرها على الوطن العربي “، الفكر السياسي، العدد (14) ص116 .

[18] – صادق جلال العظم ، ما هي العولمة ، ما العولمة ، ط1 ، دار الفكر ، د.ت ، ص 54 -55 .

[19] – محمد إبراهيم المبروك وآخرون ، الإسلام والعولمة، الدار القومية العربية، القاهرة 1999.

[20]– كريستا فيشتريش ، المرأة والعولمة ، ترجمة سالمة صالح ، منشورات الجمل ، كولونيا،2002 ،ص6.

[21] – نعيمة شومان ، العولـمة بين النظم التكنولوجية الحديثة، ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت ،  1998.

[22] – المصدر نفسه .

[23] – كريستا فيشتريش ، المصدر السابق ، ص35 .

[24] -عبد العزيز الثعالبي ، روح التحرر في القرآن ، ترجمة حمادي الساحلي ، دار الغرب الإسلامي ، ط1، 1985، ص32 .

[25] – المصدر نفسه .

[26]– خليل عبد الكريم ، الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية، نحو فكر إسلامي جديد ، دار مصر المحروسة ، القاهرة 2004، ص232.

[27] – خليل عبد الكريم، المصدر السابق ، ص195 .