تسبيح الزهراء (عليها السلام) بين الآثار وشرح الأذكار….م.حوراء خضير عبيس
الملخص:
فاطمة الزهراء( عليها السلام ) شخصية إنسانية تحمل طابع المرأة لتكون أية على قدرة الله البالغة واقتداره البديع العجيب فأن الله تعالى خلق محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) ليكون آية قدرة في الأنبياء ثم خلق منه بضعته وأبنته الزهراء لتكون علامة وآية على قدرة الله في أبداع مخلوقه من الفضائل والمواهب ، فلقد أعطى الله تعالى إلى فاطمة الزهراء (عليها السلام )أوفر حظ من العظمة وأوفى نصيب من الجلالة بحيث لا يمكن لأي أمرأة ان تبلغ تلك المنزلة فهي من فصيلة أولياء الله الذين اعترفت لهم السماء بالعظمة قبل أن يعرفهم أهل الأرض ونزلت في حقهم آيات محكمات في الذكر الحكيم تتلى أناء الليل وأطراف النهار منذ نزولها الى يومنا هذا وإلى أن تقوم الساعة .
لذا جاء بحثي الذي لم يفِ السيدة البتول ( عليها السلام) جزءاً من حقها علينا ، مقسماً على مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة .
اما المبحث الأول: فقد تناولت فيه شذرات من حياتها العطرة على شكل نقاط:
١- أسمائها وكناها والقابها ( عليها السلام )
٢-ولادتها
٣- زواجها
٤-اولادها
٥- استشهادها .
أما المبحث الثاني: قسم الى محورين:
الاول : فضل تسبيح الزهراء( عليها السلام )
الثاني : شروط تسبيح فاطمة ( عليها السلام ).
أما المبحث الثالث : قسم الى محورين:
الاول : آثار تسبيح الزهراء ( عليها السلام)
الثاني : شرح أذكار تسبيح الزهراء (عليها السلام ).
ثم جاءت الخاتمة بأبرز النتائج التي توصلت اليها .
اللهم ارزقنا نية خالصة تقبل بها عملنا ، وحباً صادقاً للعترة الطاهرة يوصلنا الى رضاك عنا ، فما كان من صواب فبفضل الله علينا ، وما كان من خطأ فمن الشيطان ونفسي ، ونسألك من العلم ما نفع ، وان ترشدنا للصواب اينما وقع وللنور اينما سطع .
المقدمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
أبتدء بحمد من هو أولى بالحمد والطوْل والمجد ، الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدّم ،من عُموم نِعَم ابتدأها ،وسبوغ الاء أسداها ، وإحسان منن أولاها ، وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسوله ، اختاره قبل أن يجتبله ، واصطفاه قبل أن يبتعثه ، وسمّاه قبل أن يستجيبه ، صلى الله عليه أمينه على الوحي ، وخيرته من الخلق ، ورضّيه عليه السلام ورحمة الله وبركاته ، وأشهد أنّ علياً أمير المؤمنين وصيّه وخليفته على الخلق ، وحجة الله على عباده ، اللهم صلِّ عليه وعلى السيدة المظلومة المضطهدة الشهيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، المجهولة قدرها ، والمغصوبة حقها ، والمظلومة بعلها ، وصلِ على أولادهم الأئمة الطيبين الطاهرين المعصومين ، لا سيما بقية الله في الأرضين _ عجل الله تعالى له الفرج _ ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين ، آمين يارب العالمين .
فإن من إكرام الله تعالى لهذه الأمة ان جعل منها نبياً قد اصطفاه من بين سائر البشر ليكون للعالمين بشيراً نذيراً ، وقد اختار معه من المؤمنين عندما قال ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)[1].
اختار من المؤمنين العترة الطاهرة عن الرجس عندما قال : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[2] الذين أوصى النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) بهم وحث على حبهم وتوعد بالنار من ينصب العداء لهم أو يبغضهم لما لهم من مزيد فضل وعظيم إكرام .
لذا اخترت السيدة فاطمة العابدة الزاهدة لأسلط الضوء على تسبيحها وآثاره لأن الحديث عنها حديث يطول لأن الأفكار تتزاحم والعبارات لا تجد مكاناً لها لأنها تعجز عن إعطاء المكانة المناسبة ، ولكن يكفي أن نقول بأنها ( عليها السلام ) بضعة المصطفى محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) لذا ركزت على جانب تسبيحها وآثاره وفضله .
المبحث الأول : شذرات ثمينة من السيرة العطرة
١-أسمائها وكناها والقابها (عليها السلام ) :
فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ،وبضعة المصطفى ،وأم أبيها ،وزوجة سيد الموحدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وأم سيديّ شباب أهل الجنة والتسعة المعصومين من ذرية الحسين ( عليه السلام ) .
وقد ذكر الأمام الصادق (عليه السلام ) تسعة أسماء لأمّه فاطمة( عليها السلام ) وهي : ” فاطمة ،والصديقة ،والمباركة ، والطاهرة ، والزكية ، والراضية ، والمرضية ، والمحدثة ، والزهراء” [3].
وهناك أسماء أخرى وردت في روايات أخرى وهي : “الحرّة ، والسيدة ، والعذراء ، والحوراء ، ومريم الكبرى ، والبتول “[4] .
أما كناها فقد كانت تكنى بأم أبيها ، وأم السبطين ، وأم الحسن ، وأم الحسين ، وأم الأئمة وغيرها[5] .
وأشهر القابها : “سيدة نساء العالمين[6] ، سيدة نساء المؤمنين [7]، وسيدة نساء هذه
الأمة ، وسيدة نساء أهل الجنة[8]“.
وكانت الزهراء ( عليها السلام ) المثل الأعلى للنساء في جميع صفات الكمال ، وفي كل الفضائل الأنسانية ، ومن هنا وصفها الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) مراراً بالحورية ، وسميت بالزهراء لجمال هيئتها والنور الساطع من طلعتها .
سئل الصادق ( عليه السلام ) عن سبب تسمية أمه فاطمة بالزهراء ، فقال : ” لأنها كانت اذا قامت في محرابها يزهر نورها لأهل السماء ، كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض[9]” .
وعن الامام العسكري ( عليه السلام ) قال : ” كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) في أول النهار كالشمس الضاحية ، وعند الزوال كالقمر المنير ، وعند غروب الشمس كالكوكب الدريّ ” [10].
٢-ولادتها :
المشهور بين علماء الأمامية أن ان الصديقة فاطمة ولدت في يوم الجمعة العشرين من جمادى الاخرة من السنة الخامسة بعد البعثة النبوية المباركة ، وبعد الأسرار بثلاث سنين [11].
قال الشيخ المظفر في دلائل الصدق : ولدت بعد البعثة بأجماعنا ،واختاره الحاكم في المستدرك ، فأنه عنون بقوله : ( ذكر ما ثبت عندنا من أعقاب فاطمة وولادتها )، ثم روى أنها ولدت سنة أحدى وأربعين من مولد رسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) ولم يتعقبه الذهبي ) [12].
وذكر أكثر علماء العامة : أنها ( عليها السلام ) ولدت قبل البعثة ، واختلفوا في تاريخ الولادة : فقيل ولدت وقريش تبني البيت الحرام، قبل النبوة بخمس سنين ، ورسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) ابن خمس وثلاثين سنة [13].
وقيل : قبل المبعث بسبع سنين وستة أشهر[14]،وقيل : بعد المبعث بسنة واحدة[15].
٣– زواجها ( عليها السلام ) :
أما زواجها فقد وردت فيه عدة روايات ، منها رواية جابر (رضوان الله عليه ) قال : لما أراد رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) أن يزوج فاطمة علياً ،قال له : ” اخرج يا ابا الحسن الى المسجد ، فأني خارج في أثرك ،ومزوجك بحضرة الناس ،وذاكر من فضلك ما تقر به عينك “.
قال : ” فخرجت من عند رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) وأنا ممتلئ فرحاً وسروراً ،فاستقبلني أبو بكر وعمر فقالا : ما وراءك يا ابا الحسن ؟ فقلت : يزوجني رسول الله فاطمة ، وأخبرني أن الله زوجنيها ، وهذا رسول الله خارج في أثري ليذكر ذلك بحضرة الناس ،فدخلا معي المسجد ،فوالله ما توسطناه حتى لحق بنا رسول الله ، وأن وجهه ليتهلل فرحاً وسروراً.
فقال ( صلى الله عليه واله وسلم ) : أين بلال ؟ فقال بلال : لبيك وسعديك يا رسول الله !فقال ( صلى الله عليه واله وسلم ) : وأين مقداد؟ ، فلبّاه وقال : لبيك يا رسول الله ! فقال ( صلى الله عليه واله وسلم ) : وأين سلمان ؟ فلبّاه وقال: لبيك يا رسول الله!
فلما مثلوا بين يديه قال ( صلى الله عليه واله وسلم ) : أنطلقوا بأجمعكم الى جنبات المدينة ، واجمعوا المهاجرين والأنصار ، فانطلقوا لأمره ( صلى الله عليه واله وسلم ) فأقبل حتى جلس على أعلى درجة من المنبر ، فلما حشد المسجد بأهله قام ( صلى الله عليه واله وسلم ) حامدا الله وأثنى عليه ثم قال : الحمد لله المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته،المطاع سلطانه ،المرهوب من عذابه وسطواته ، النافذ أمره في سمائه وأرضه ، الذي خلق الخلق بقدرته ،وميزهم بأحكامه ، واعزهم بدينه ، وأكرمهم بنبيهم محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) .
ان الله تبارك أسمه وتعالت عظمته جعل المصاهرة سببا لاحقا ، وأمرا مفترضاً ، اوشج به الارحام ، وألزم به الانام ،فقال عز من قال : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا)[16] ، فأمر الله تعالى يجري الى قضائه ، وقضاؤه يجري الى قدره ، ولكل قضاء قدر ، ولكل قدر أجل ، ولكل أجل كتاب (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ )[17] ، ثم أن الله تعالى أمرني أن ازوج فاطمة من علي بن أبي طالب ،فأشهدوا أني قد زوجته على أربعمائة مثقال فضة إن رضي بذلك علي ”
ثم دعا ( صلى الله عليه واله وسلم ) بطبق من بسر قال : “انتبهوا ” فانتبهنا ، ثم دخل علي ( عليه السلام ) فتبسم النبي ( صلى الله عليه واله وسلم) في وجهه ثم قال : ” أن الله عزوجل أمرني أن ازوجك فاطمة على أربعمائة مثقال فضة ، أرضيت بذلك ؟ قال علي ( عليه السلام ) : ” قد رضيت بذلك يا رسول الله ” فقال ( صلى الله عليه واله وسلم ) :” جمع الله شملكما ، وأعز جدكما ، وبارك عليكما ، واخرج منكما كثيراً طيباً “[18]
وضل أهل البيت ملتزمين بمهر جدتهم الزهراء ( عليها السلام ) ( الخمسمائة درهم ) .
وكان زواجهما ( عليهم السلام ) في الأول من شهر ذي الحجة في المدينة المنورة في السنة الثانية للهجرة .
٤– أولادها ( عليها السلام ) :
كان ثمرة زواج أمير المؤمنين من الصديقة فاطمة ان رزقا ولدين وهما الحسن والحسين ( عليهما السلام) سيدا شباب أهل الجنة، فقد ولد الحسن السبط ( عليه السلام ) في النصف من شهر رمضان المبارك عام ثلاثة من الهجرة ، وولد الحسين ( عليه السلام )في الثالث من شهر شعبان عام أربعة للهجرة .
وعند ولادة كل منهما استبشرت الصديقة فاطمة ( عليها السلام) ، وامير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ورسول الله( صلى الله عليه واله وسلم ) ،وبولادتهما أشرق بيت الزهراء وعلي ( عليهما السلام ) بكوكبين أنارا سماءه ، وزينا جدرانه ، وغمراه بهجة وسروراً .
وكان المولود الثالث زينب العقيلة ( عليها السلام) بطلة كربلاء ، وكان مولدها في السنة الخامسة من الهجرة ،ثم زينب الصغرى [19]،وهي المعروفة بأم كلثوم [20].
ثم أبنها الأخير الذي حملت به في زمان النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، وسمّاه قبل ان يولد محسناً، لكنه أُسقط قبل ولادته ( عليه السلام ) فاستشهد مظلوماً بعد استشهاد رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) بأيام على اثر ما جرى على أهل البيت ( عليهم السلام ) في حوادث السقيفة .
٥– استشهادها ( عليها السلام ) :
عن أم سلمة ، قالت : اشتكت فاطمة (عليها السلام ) في وجعها ، فخرج علي ( عليه السلام ) لبعض حاجته فقالت لي فاطمة ( عليها السلام) : ” يا أمّاه أسكبي لي غسلاً ” ، فسكبت لها غسلاً ، فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل ، ثم قالت : ” يا امّاه أعطيني ثيابي الجدد ” فأعطيتها فلبستها ، ثم قالت : ” يا امّاه قدّمي لي فراشي وسط البيت ” ففعلت ، فاضطجعت واستقبلت القبلة وجعلت يدها تحت خدّها ثمّ قالت: ” يا أمّاه إني مقبوضة الآن ، وقد طهرت فلا يكشفني أحد ” فقبضت مكانها [21].
وفي رواية أخرى انّه في اليوم الأخير من حياتها ( عليها السلام ) كان يبدو عليها الارتياح ، فقامت من فراشها ونادت اولادها فغسلت لهم ، ثم عانقتهم طويلاً وقبلتهم ، ثم أمرتهم بالخروج لزيارة قبر جدهم ( صلى الله عليه واله وسلم ) وكانت أسماء بنت عميس تتولى خدمتها وتمريضها ، فطلبت منها وبصوتٍ واهٍ ضعيف أن تهيأ لها ماء لتغتسل ، فبادرت أسماء الى إحضار الماء ، فاغتسلت ( عليها السلام ) ولبست أحسن الثياب ، وبدأ عليها الحبور ، فظنّت أسماء أنها تماثلت للشفاء ، ولكن سرعان ما عاودها القلق والاضطراب وتبددت ضنونها عندما طلبت منها ان تنقل لها الفراش الى وسط البيت ، فقامت أسماء وهي تتعثر بأذيالها ووضعت لها الفراش في وسط البيت ، وقد اثارتها الدهشة ، وكانت بادية على وجهها لشدة ما ساءها وانتابها من القلق الشديد عندما رأت السيدة الزهراء( عليها السلام ) قد اضطجعت على الفراش واستقبلت القبلة والتفتت الى أسماء ، وقالت : ” إنّي مقبوضة الآن وراحلة من هذه الدنيا الى جوار رب رحيم ولاحقه بأبي الرسول الكريم ( صلى الله عليه واله وسلم )[22] .
لما أرخى الليل سدوله ، وهدأت العيون ، ونامت الأبصار، قام أمير المؤمنين( عليه السلام ) وقد احمرت عيناه من البكاء ، فتوجه الى جثمان الصديقة فتولى غسلها بنفسه[23].
وقيل: أعانته أسماء بنت عميس بوصية من الزهراء ( عليها السلام ) [24].
، وقيل: أن أمير المؤمنين أمر الحسن والحسين ( عليهما السلام ) يدخلان الماء[25]
وكانت أسماء بنت عميس تصب الماء عليها[26].
ثم كفنها في سبعة أثواب وأدرجها في أكفانها وحنطها بفاضل حنوط رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) ثم صلى عليها وكبر خمساً، ودفنها في جوف الليل ، وعفى قبرها ، ورش عليها الماء ، ثم جلس عند قبرها باكياً حزيناً ، فاخذ العباس بيده وانصرف به[27].
ولم يحضر دفنها والصلاة عليها الاّ علي والحسنان وعمار بن ياسر والمقداد وعقيل والزبير وابو ذر وسلمان وبريدة ونفر من بني هاشم وخواص أصحاب الأمام علي ( عليه السلام ) [28].
اما تاريخ استشهادها فقد تعددت الروايات في تحديد تاريخ استشهاد الزهراء ( عليها السلام ) ، وخلاصتها انها استشهدت ( عليها السلام ) بعد أبيها ( صلى الله عليه واله وسلم ) بثلاثة أشهر ، وقيل بعده ( صلى الله عليه واله وسلم ) بثمانية أشهر ، أو بشهر ، او بخمسة وسبعين يوماً ، أو بستة أشهر[29].
المبحث الثاني: تسبيح الزهراء (عليها السلام )فضله وشروطه.
المحور الأول : فضل تسبيح الزهراء (عليها السلام):
كان الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم ) يتحف أهل بيته (عليهم السلام )، ويخصهم ببعض الأدعية والعبادات ، كما يتحف الملوك والسلاطين ذويهم بالمال والولايات .
ولعل السبب الذي من أجله كان يخصهم (صلى الله عليه واله وسلم ) بمثل هذه الأمور هو أهليتهم لها ، فالهدية يجب أن تكون مناسبة للمهدى إليه.
فقد علم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) ابن عمه جعفر بن أبي طالب (عليه السلام ) الصلاة المعروفة بأسمة ، وعلم أبنته فاطمة (عليها السلام) التسبيح الذي يعرف بأسمها .
وللأئمة (عليهم السلام ) عناية كبيرة بهذا التسبيح ، وهو المقدم عندهم في التعقيب بعد كل فريضة ، بل وحتى بعد الصلاة المستحبة[30].
روى ابن الجوزي في هذا التسبيح عن الأمام علي (عليه السلام ): أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) لما زوجه فاطمة بعث معها بخميلة ، ووسادة ادم حشوها ليف ، ورحائين ، وسقاء ، وجرتين ، فقال علي لفاطمة ذات يوم : والله لقد سنوت[31]حتى اشتكيت صدري ، وقد جاء الله أباك بسببي فاذهبي فاستخدميه فقالت :
وأنا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي .
فأتت النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) فقال: ما جاء بكِ وما حاجتكِ أي بنية ؟
قالت: جئت لأسلم عليك ، واستحييت أن أسأله فرجعت
فقال : فقال : ما فعلتِ ؟
قالت استحييت أن أسأله.
فأتياه جميعاً فقال علي : يا رسول الله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري.
وقالت فاطمة : لقد طحنت حتى مجلت يداي ، وقد جاءك الله عزوجل بسببي وسعة فأخدمنا .
فقال (صلى الله عليه واله وسلم ) : لا أعطيكما وأدع أهل الصفوة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم ، ولكن أبيعهم وانفق عليهم أثمانهم .
فرجعا واتاهما النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) وقد دخلا في قطيفتهما ، إذا غطيا رأسيهما تكشف أقدامهما ، وإذا غطيا أقدامهما تكشف رؤوسهما ، فثارا .
فقال (صلى الله عليه واله وسلم ): مكانكما ، ثم قال : ألا أخبركما بخير مما سألتماني ! قالا : بلى .
قال: كلمات علمنيهن جبريل : تسبحان الله في دبر كل صلاة عشراً وتحمدان عشراً وتكبران عشراً.
وإذا أويتما الى فراشكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين وكبّرا أربعاً وثلاثين .
قال علي : فو الله ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ).[32]
وما جاء في فضل هذا التسبيح وعناية اهل البيت(عليهم السلام) به :
١- قال الأمام الصادق (عليه السلام ) لأبي هارون المكفوف : (يا أبا هارون إنا نأمر صبياننا بتسبيح الزهراء (عليها السلام ) كما نأمرهم بالصلاة فألزمه ، فإنه لا يلزمه عبد فيسقى).[33]
٢- قال الأمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام ) : (من سبح تسبيح الزهراء (عليها السلام ) ثم أستغفر كفّر له ، وهي مائة باللسان والف في الميزان وتطرد الشيطان وترضي الرحمن).[34]
٣- قال الأمام الصادق (عليه السلام ) 🙁 تسبيح فاطمة الزهراء(عليها السلام ) في كل يوم ، في دبر كل صلاة أحب إليَّ من ألف ركعة في كل يوم ).[35]
٤-قال الأمام الصادق (عليه السلام ) 🙁 من سبح تسبيح فاطمة (عليها السلام) قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له ، ويبدأ بالتكبير ).[36]
٥- قال الأمام الصادق(عليه السلام ) في قوله تعالى: ( والذاكرين الله كثيراً والذاكرات ) : (من بات على تسبيح فاطمة (عليها السلام) كان من الذاكرين لله كثيراً والذاكرات ).[37]
٦- قال الأمام الصادق(عليه السلام ): (من سبح الله في دبر الفريضة قبل أن يثني رجليه بتسبيح فاطمة (عليها السلام ) المائة ، واتبعها بلا اله الا الله مرة واحدة غفر له ).[38]
٧-قال الأمام الصادق(عليه السلام ) 🙁 من سبح تسبيح فاطمة (عليها السلام ) في دبر المكتوبة قبل أن يبسط رجليه أوجب الله له الجنة ).[39]
٨- وعن الصادق (عليه السلام ) قال في تفسير قوله تعالى (( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)).
من بات على تسبيح فاطمة (عليها السلام ) كان من الذاكرين لله كثيرا والذاكرات)[40]
وعن الأمام الباقر (عليه السلام ) قال: تسبيح فاطمة(عليها السلام ) من ذكر الله الكثير الذي قال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا).[41]
المحور الثاني: شروط تسبيح الزهراء (عليها السلام)
١-التوجه والخشوع في التسبيح:
الخشوع هو شرط مهم في جميع العبادات حتى المستحبة منها وفي تسبيح الزهراء بالطبع مؤكد، وبدون الخشوع يصبح التسبيح لقلقة لسان ولا يستفيد الشخص من بركاته لأن قلبه لا يتوجه إلى الله عز وجل ولا يحصل على الكمال ما دام قلبه مشغولاً عن ذكر الله.
يقول الإمام الخميني (قدس سره )عن الآداب القلبية لتسبيح فاطمة : “كما ذكرت في آداب التسبيحات الأربعة يجب في تسبيح فاطمة أيضاً التبتل والتضرّع والانقطاع والتذلل في القلب، ومع التكرار يتعوّد القلب على هذه الحال وإيصال الذكر من اللسان إلى القلب حتى يذوب القلب في الذكر والتوجه إلى اللَّه” [42]
٢-المباشرة بالتسبيح بعد الصلاة:
ومن شروط التسبيح الإتيان به مباشرة بعد الفراغ من الصلاة أي بعد التسليم مباشرة ولهذا أسرارٌ وفوائد أيضاً.
يقول الشيخ البهائي في هذا الشأن: «… وليكن جلوسك في التعقيب متصلاً بجلوسك في التشهد وعلى تلك الهيئة من الاستقبال، والتورُّك، واترك في أثنائه الكلام والتلفت ونحوهما، فقد روي «أن ما يضرّ بالصلاة يضرّ بالتعقيب»[43].
٣-الموالاة في التسبيح:
بمعنى عدم الفصل والقطع بين الأذكار، ففي الرواية عن الإمام الباقر «أنه كان يسبّح تسبيح فاطمة فيصله ولا يقطعه»[44]
٤-من شك في التسبيح يبني على الأقل إن لم يتجاوز المحل، فلو سها فزاد على عدد التكبير أو غيره رفع اليد عن الزائد وبنى على (34) أو (33)، والأولى على نقص واحدة ثم يكمل العدد بما في التكبير والتحميد دون التسبيح [45]، وقد قال الإمام الصادق : «إذا شككت في تسبيح فاطمة الزهراء فأعد»[46]
٥- يستحب التسبيح بالسبحة المتخذة من تربة الحسين
، فعن أبي عبد الله قال: «مَنْ أَدَارَ سُبْحَةً مِنْ تُرْبَةِ الْحُسَيْنِ
مَرَّةً وَاحِدَةً- بِالاسْتِغْفَارِ أَوْ غَيْرِهِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ سَبْعِينَ مَرَّةً- وَأَنَّ السُّجُودَ عَلَيْهَا يَخْرِقُ الْحُجُبَ السَّبْعَ.»[47]
وعنه قال: «السبحة التي من قبر الحسين تُسَبِّحُ بيد الرجل من غير تسبيح»[48]
المبحث الثالث : تسبيح الزهراء بين الآثار وشرح الأذكار
المحور الأول: آثار تسبيح الزهراء (عليها السلام)
تسبيح فاطمة الزهراء( سلام الله عليها ) من المستحبات المؤكدة التي أكدت عليها الشريعة المقدسة ، وهو ذو أهمية خاصة من قبل الأئمة ( عليهم السلام ) وفقهاء الشيعة.
حتى أن الرسول الأكرم ( صلى الله عليه واله وسلم ) أراد تعليم هذا التسبيح لفاطمة الزهراء (عليها السلام ) قال: ((يا فاطمة أعطيكِ ما هو خير لكِ من خادم ومن الدنيا وما فيها ))[49]
وقال الأمام الباقر ( عليه السلام ) : “”ما عُبِدَ الله بشيء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة، ولو كان شيئ أفضل منه لنحلهُ رسول الله( صلى الله عليه واله وسلم ) فاطمة ( عليها السلام )””[50].
مع أن هذا التسبيح يعتبر من العبادات السهلة والبسيطة ، إلا أن له آثار عديدة منها:
1- السعادة
يترتب على تسبيح فاطمة الزهراء(عليها السلام ) آثار وفوائد كثيرة من جملتها الابتعاد عن الشقاوة والوصول الى السعادة.
والبحث عن السعادة هو هم جميع الناس من جميع الفئات والشعوب ، فكل أنسان يبحث عن السعادة لكن بطريقته الخاصّة ووفقاً لمعاييره اذن الوصول الى السعادة من أهم المسائل التي تشغل بال بني البشر حيث ينظمون حياتهم وفق برامج خاصّة يصلون خلالها الى السعادة ويتجنبون الشقاوة ، لكن بما أن الأنسان خُلِقَ مختاراً يجب عليه أن يختار طريق السعادة على حريته ، على هذا يختار الانسان سبيله بعد أن يعلم طريق الخطأ والصواب إما سبيل الهداية والصراط المستقيم وإما طريق الشقاوة والسقوط في الهاوية [51].
((إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا))[52]
إذن هذه المسألة ( الشقاوة وسوء العاقبة ) يخاف منه البصير ، ويغفل عنه المغفل النائم ،فالمغفلون يقضون الايام في غفلة من هذا الأمر ولكن الفريق الأول فإنه يخاف سوء العاقبة والشقاء ، وينشغل دائماً بالدعاء والذكر خوفاً من الشقاء ويتضرع الى الله ويدعوه أن يرزقه السعادة .
المداومة على تسبيح فاطمة الزهراء( عليها السلام ) يوجب للإنسان السعادة وحسن العاقبة .
إذن من الجدير بنا حفظه والمداومة عليه وعدم تضييعه.
قال الإمام الصادق( عليه السلام ):
(( يا أبا هارون إنا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة ( عليها السلام ) كما نأمرهم بالصلاة، فإلزمه ، فإنه لم يلزمه عبد فشقى ))[53]
ونعلم من هذا الحديث أنه يجب على الوالدين تعويد أولادهم منذ الصغر على تسبيح فاطمة( عليها السلام ) كما يعودونهم على الصلاة.
2-طرد الشيطان ورضى الرحمن
الشيطان ألد أعداء الانسان منذ أن أقسم ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [54].
ولا ينجو منه الانسان إلا بالأخلاص والعمل الصالح.
بعض بني البشر مشغولون بالفرار الدائم عن الشيطان ، والشيطان مشغول بمطاردتهم دائماً فهم لا يتخلصون أبداً من الشيطان وربما تعبوا من الفرار واستسلموا أخيراً للشيطان وخدعه.
وفئة قليلة يحاولون طرد الشيطان من نفوسهم بالمداومة على الذكر والدعاء والعمل الصالح، ومن الطبيعي أنهم سيواجهون الصعوبات في هذه الحرب الشيطانية ، من يصل الى هذا المقام يكسب النفس المطمئنة ويصل الى السكينة والثبات (فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ)[55]
عندما يوفق الانسان في طرد الشيطان والمداومة على طاعة الله وعبادته والتسلح بسلاح الإخلاص [56]يكسب رضا الله سبحانه وتعالى لأن الشيطان ( لعنه الله ) ووساوسه مانع ضخم أمام الأنسان للوصول الى أعلى مدارج الكمال ، نعم رضا الله ورضوانه ينشدهما الصالحون ، وهما نهاية أمل العارفين ، والورود في سلك الصالحين والعارفين إحدى هذه الطرق ، والأذكار التي تساعد الانسان على طرد الشيطان هي المداومة على تسبيح فاطمة( عليها السلام ) .
قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) :
(( من سبّح تسبيح فاطمة عليها السلام، ثم استغفر ، غُفِرَ له، وهي مائة باللسان والف في الميزان ويطرد الشيطان ويرضي الرحمن )) [57]
وفي رواية معتبرة عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال :
(( إذا أوى أحدكم إلى فراشه ابتدره ملك كريم وشيطان مريد ، فيقول له الملك : اختم يومك بخير وافتح ليلك بخير ، ويقول له الشيطان : اختم يومك بأتم وافتح ليلك بإثم .
قال : فإن أطاع الملك الكريم وختم يومه بذكر الله وفتح ليله بذكر الله إذا أخذ مضجعه وكبر الله أربعاً وثلاثين مرّة وحمد الله ثلاثاً وثلاثين مرّة وسبح الله ثلاثاً وثلاثين مرّة زجر الملك الشيطان ، فتنحى عنه وكلأه الملك حتى ينتبه من رقدته ، فإذا انتبه ابتدره شيطانه فقال له مثل مقالته قبل أن يرقد ويقول له الملك مثل ما قال له قبل أن يرقد فأن ذكر الله عزوجل العبد بمثل ما ذكره أولاً طرد الملك شيطانه فتنحى وكتب الله عزوجل له بذلك قنوت ليلة))[58]
3-الشفاء من الامراض
تسبيح فاطمة (عليها السلام ) كما ورد في الأحاديث والروايات شفاء من بعض الأمراض البدنية ومن هذه الروايات :
أتى أحد أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) عنده وشكى من ضعف في سمعه ، فقال له الإمام ( عليه السلام ) :
(( عليك بتسبيح فاطمة ( عليها السلام ) ما يمنعك ولماذا أنت ساه عن تسبيح فاطمة عليها السلام )).
فقال له الرجل : جعلت فداك ، وما هو تسبيح فاطمة (عليها السلام )وكيف هو ؟
قال الإمام : ( ( ٣٤) مرة الله أكبر و ( ٣٣) مرة الحمد لله و(٣٣) مرة سبحان الله، فتلك مائة مرة )
قال ذلك الرجل : فما فعلت ذلك إلا يسراً حتى أذهب عنّي ما كنت أجده)) [59]
4- البراءة من النار والنفاق
كما ذكرنا سابقاً في حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام ) أن تسبيح فاطمة (عليها السلام ) من تأويلات الذكر الكثير الذي ذكره الله تعالى في القرآن الكريم:
(( تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام من الذكر الكثير الذي قال الله عزوجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا )) [60]
وقال رسول الله( صلى الله عليه واله وسلم ) :
(( من أكثر ذكر الله عزوجل أحبه الله ، ومن ذكر الله كثيراً كتبت له براءتان :
براءة من النار ، وبراءة من النفاق ))[61]
وعلى هذا ، من داوم على تسبيح فاطمة (عليها السلام ) ( بشرطها وشروطها ) كتب الله له البراءة من النار والنفاق .
5- المغفرة
أيضاً من آثار تسبيح فاطمة (عليها السلام ) المغفرة ، مغفرة الله سبحانه و تعالى طهارة من الذنوب والمعاصي وآثارها السيئة ، وخرق الحجب المظلمة والوصول الى الكمال ، لكن للأسف قليلون يعرفون معنى المغفرة وآثارها ؟ وكيف الحصول عليها ، وكيف تحلّ المغفرة الإلهية جميع المشاكل ؟ وترفع الحجب بين العبد وربه .
ولكن ما الفرق بين العفو والمغفرة ؟
قيل في الجواب عن هذا السؤال : انّ العفو الإلهي يعني غض النظر عن الأخطاء والعيوب والنقائص ومحو آثارها .
والغفران الإلهي يعني ما أفاض الله من الرحمة على الشخص الخاطئ والمذنب بعد غض النظر عن أخطاءه ، فالغفران فضل من الله لتتميم نقائص العبد ، وإيصاله الى الكمال المطلوب .
والغفران يأتي بعد العفو ، فالعفو ليس الاّ محواً للسيئات ولكن الغفران تطهير لسالك الحق من السيئات وتبديلها بالحسنات والدرجات .
والعفو الإلهي ينجي الأنسان من السقوط والهلاك ، وعفران الله يرفعه الى منازل المقربين .
اذن فلولا أن منّ الله على السالكين سبيل الرشد بالعفو والإغماض لغُلبوا هنا ، وانقلبوا صاغرين ، ولولا غفرانه تعالى لم يتيسر لهم البقاء والوصول إلى الكمال والقرب الإلهي .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) :
(( من سبح تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة ، غفر الله له )) [62]
وربما يعجب البعض من كثرة هذه الآثار المترتبة على عمل بسيط في الظاهر ، لكنه ينطوي على معانٍ عظيمة وأسرار التوحيد التي لا تخفى على أهل القلوب والعارفين الخلّص ، وإذا داوم عليه شخص بشرطها وشروطها سوف يستفيد من آثارها ان شاء الله.
المحور الثاني: شرح الأذكار في تسبيح الزهراء :
_الله أكبر
” الله أكبر ” يعني أنه أكبر وأجل من أن يدرك وصفه ، فعندما يسئل أحد ماذا يعني ” الله أكبر ” يقول : أي إنّ الله أكبر من كل شيئ ولكن هذا الجواب خاطئ.
فقد روي عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال :
(( قال رجل عنده : الله أكبر .
فقال : الله أكبر من أي شيئ؟
فقال : من كل شيئ!
فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : حدّدته.
فقال الرجل : وكيف أقول؟
فقال : الله أكبر من أن يوصف )).[63]
عندما نُكبّر من أعماق قلوبنا أي عندما ينطبق اللسان والقلب في التكبير ، نحسّ بالقدرة والثبات والاطمئنان لأننا نعلم أنّ جميع الجبابرة والطواغيت ذرّة ليس لها شأن أمام الله الكبير المتعال .
نعم ، فهو واضع السنن والقوانين التكوينية على وجه الأرض ، فلم يتحقّق النصر النهائي إلاّ في ظل تلك القوانين والسنن ، ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ )[64]
لكن المفروض على المكبّر أن يكبّرمن أعماق قلبه وإيمانه ، إذا كبّر الشخص وفي قلبه تعظيم وتكريم لغير الله لم يكن في تكبيره إلاّ كذّاباً ومحتالاً .
قال الإمام الصادق (عليه السلام ) :
(( فإذا كبّرت فاستصغر ما بين السموات العُلى والثرى دون كبريائه ، فإنّ الله تعالى إذا اطّلع على قلب العبد وهو يكبّر وفي قلبه عارض عن حقيقة تكبيره ، فقال : يا كذّاب أتخدعني ، وعزتي وجلالي لاحرمنّك حلاوة ذكري ، ولأحجبنّك عن قربي والمسرّة بمناجاتي ))[65]
_الحمد لله
الحمد يعني الشكر والمدح والثناء ، يقول الراغب الأصفهاني في مفرداته :
الحمد لله تعالى بمنزلة الثناء عليه أمام الفضيلة ، وهو أخصّ من المدح ، وأعمّ من الشكر ، فيمدح الشخص أمام أفعاله وصفاته الأختيارية وغير الأختيارية ولكن الحمد يُؤتى به امام الأختيارية فقط ، والشكر يُستعمل أمام بذل النعم فقط ، فكل شكر هو حمد ، وليس كل حمد شكر .
والحمد أيضاً مدح ، ولكن ليس كل مدح حمد [66].
عندما نقول في الصلاة : ( الحمد لله ربّ العالمين ) يعني جميع الحمد والثناء خاصّ لله ولا يستحق شيئ أو تخصّ غيره ، جميع الحمد لله سواء حَمَدَ الناس غيره أو حمدوا الله سبحانه ، فيجوز مدح الآخرين وشكرهم ولكن الحمد مخصوص لله تعالى ، لأنّ العبادة تخصّه سبحانه [67].
يقول العارف الكامل الشيخ الجليل ميرزا جواد ملكي التبريزي في شرح الحمد لله أي جنس الحمد :
وهو الثناء باللسان على الجميل الأختياري لله ، لأنّ كلّ جمال يوجد فهو أثر من آثار جماله ، وكلّ خير في العالم فهو من آثار فيضه ، وذكر أسم الله في المقام كأنّه إشارة إلى علّه اختصاص الحمد لله تعالى ، لأنّ الله اسم للذات المستجمع لجميع الكمالات والخيرات ، لأنّ كل الكمال والخير منه وله ، والظاهر أنّ المراد منه إنشاء الثناء بهذا اللفظ ، فيكون معناه أثني على الله بجميع الثنايا ، وأحمده بجميع المحامد كلّها ، والأخبار بمحموديّته تعالى واقعاً في جميع المحامد ، وإن لم يشعر الحامد به ، لأنّ قصد حامد زيد مثلاً في قبال احسانه حمده ، من جهة انّه منعم عليه ، والمنعم الحقيقي في جميع النعم هو الله ، كما في دعاء الصحيفة : ( وأنت من دونهم ولي الإعطاء ) فيرجع الحمد كلّه لله [68].
_سبحان الله
التسبيح يعني تنزيه الله سبحانه من كل صفة غير محمودة .
يقول الراغب الأصفهاني في مفرداته :
(السبح : المَرُّ السريع في الماء وفي الهواء ، يقال : سَبَحَ سَبْحاً وسِباحةً ، والتسبيح تنزيه الله تعالى ، وأصله المرُّ السريع في عبادة الله تعالى وجعل ذلك في جعل الخير كما جعل الإبعاد في الشر ، فقيل : أبعده الله )[69].
إذن يشمل التسبيح جميع الأذكار والعبادات كما يُسمّى ( الله أكبر ) و ( الحمد لله ) و(لا اله إلا الله ) تسبيحاً ، مثل تسبيح فاطمة (عليها السلام ) والتسبيحات الأربعة.
(سأل رجل عمر بن الخطاب: ماذا يعني ” سبحان الله ” ؟
فقال له : إنّ في هذا الحائط رجلاً كان إذا سئل أنبأ ، وإذا سكت ابتدأ ، فدخل الرجل ، فإذا هو علي بن أبي طالب( عليه السلام ) ، فقال : يا أبا الحسن ، ما تفسير “سبحان الله ” ؟
قال : هو تعظيم الله عزّ وجل وتنزيهه عمّا قال فيه كلّ مشرك ، فإذا قاله العبد صلّى الله كلّ ملك )[70]
نعم ، كيف لا نسبّح الله سبحانه و تعالى وهو يسبحه جميع من في السموات والارض.
(يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)[71].
( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ )[72].
قيل في أحوال الشيخ ملاّ محمد الكاشي استاذ الشيخ نجمي القوجاني وغيرهم من المشايخ أنه في كل ليلة عندما كان يصلِّ صلاة الليل كان يتغيّر حاله ويسمع منه أنين ويرتجف بدنه حتى يسمع صوت عظامه من خارج الغرفة .
أتاه يوماً بعد الدرس أحد طلابه وقال : هذا الشيخ يقول أنّه سمع البارحة من جميع أبواب وجدران المدرسة صوتاً يقول : سُبّوح قدّوس ، ربّنا وربُّ الملائكة والروح .
فقال الشيخ الكاشي : ليس عجيباً أن تردّد الأبواب والجدران الذكر معي ، لكن كيف استطاع هذا الشخص معرفة هذا السر .
وأخيراً سبحان الله، يعني تنزيه الربّ من النقص والعيب والظلم والشريك والأعمال الباطلة وكل رجسٍ يوجد عند الموجودات .[73]
الخاتمة :
بعد هذه الرحلة المباركة في رحاب تسبيح سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام )يمكننا بكثير من الأختصار أن نوجز بعض ما توصلنا اليه من نتائج:
١-فاطمة الزهراء( عليها السلام ) شخصية إنسانية تحمل طابع المرأة لتكون أية على قدرة الله البالغة واقتداره البديع العجيب .
٢-أن ما ذكرنا من سيرتها وفضل تسبيحها واثاره ما هو إلا قطرات من بحر محاسنها ، وشذرات من حلل مناقبها ، أهديها الى كل أمرأة تريد القدوة الصالحة ، والأسوة الناصحة ، والمثل الناصعة .
٣-ورد تسبيح فاطمة عليها السلام في كتاب الله تعالى حسبما أفادت به الأحاديث الشريفة الواردة عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
٤- تسبيح الزهراء (عليها السلام) ينطوي على معانٍ عظيمة وأسرار التوحيد التي لا تخفى على أهل القلوب والعارفين الخلّص ، وإذا داوم عليه شخص بشرطها وشروطها سوف يستفيد من آثارها ان شاء الله.
٥- يعتبر تسبيح الزهراء ( عليها السلام) من أفضل تعقيبات الصلاة ويستحسن المداومة عليه بعد الصلاة الواجبة وقبيل النوم وقبل زيارة الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ).
المصادر والمراجع :
خير ما نبتدأ به القران الكريم
السيرة الذاتية:
الأسم : حوراء خضير عبيس
المحافظة: النجف الاشرف
رقم الهاتف : 07810673997
التحصيل الدراسي: بكالوريوس في القران الكريم والتربية الإسلامية
العمل: كاتبة في مجلة رياض الزهراء(عليها السلام ) /العتبة العباسية المقدسة
[1]– سورة الفتح : ٢٩
[2]– الاحزاب : ٣٣
[3]– دلائل الأمامة: الطبري ، ٧٩ ، بحار الانوار: المجلسي ، ٤٣، ١٠
[4]– بحار الانوار: المجلسي ، ٤٣،١٦ ، المناقب : ابن شهر آشوب، ٣، ١٣٣
[5]– الاستيعاب : ابن عبد البر، ٤، ٣٨٠.
[6]– أحقاق الحق: القاضي التستري ، ١٠: ٢٦ ، المستدرك : الحاكم النيسابوري، ٣، ١٧٠، عوالم السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، الشيخ عبدالله ا البحراني الأصفهاني : ٨٨.
[7]– صحيح مسلم ، مسلم بن الحجاج النيسابوري : ٩٩٥ ، المستدرك : الحاكم النيسابوري، ٣ ، ١٧٠ .
[8]– صحيح البخاري ، محمد بن أسماعيل البخاري : ٧١٧ باب مناقب فاطمة عليها السلام ، كشف الغمة: بن أبي الفتح الإربلي، ١ ، ٤٥٣.
[9]كشف الغمة: ابن ابي الفتح الإربلي، ١، ٤٧١.
[10]– بحار الانوار: المجلسي ، ٤٣، ١٦ .
[11]– أنظر : الكافي : الكليني ، ١،٤٥٧ ، كشف الغمة: بن أبي الفتح الإربلي، ١ ، ٤٤٩ ، المناقب : ابن شهر آشوب، ٣ ، ٣٥٧ ، دلائل الامامة: الطبري ، ٧٩.
[12]– دلائل الصدق : المظفر ، ٢، ٢٩٠.
[13]– انظر : تذكرة الخواص ، سبط ابن الجوزي : ٢٧٥، ذخائر العقبى ، الطبري : ٥٣ ، الإصابة ، أحمد بن الحجر العسقلاني : ٤، ٣٧٧.
[14]– الثغور الباسمة : السيوطي ، ١٥٨.
[15]– المستدرك : الحاكم النيسابوري، ٣، ١٧٦ ، الاستيعاب ، ابن عبد البر : ٤ ، ٣٧٤.
[16]– سورة الفرقان: ٥٤
[17]– سورة الرعد : ٣٩
[18]ذخائر العقبى: الطبري ، ٣١، ينابيع المودة: القندوزي الحنفي : ٢٠٧
[19]-التتمة في تواريخ الأئمة ( عليهم السلام) : تاج الدين العاملي، ٥٧
[20]-معاني الأخبار: الشيخ الصدوق، ٢ ، ١٠٦.
[21]– بحار الانوار: المجلسي، ٤٣، ١٨٨.
[22]– المصدر نفسه، ٤٣، ١٨٧ باب ما وقع عليها (عليها السلام ) من ظلم .
[23]– علل الشرائع : الصدوق ، ١، ١٨٤.
[24]– السنن الكبرى: البيهقي ، ٣ ، ٣٩٦.
[25]– كشف الغمة: بن أبي الفتح الإربلي، ٢، ١٢٢.
[26]تذكرة الخواص : سبط ابن الجوزي ، ٣١٩.
[27]– بحار الأنوار: المجلسي ، ٧٩، ٢٨.
[28]– روضة الواعظين: الفتال النيسابوري، ١ ، ١٥٢.
[29]– أنظر : بحار الانوار: المجلسي، ٤٣، ٢١٥ وما بعده .
[30]– أعلام النساء ، علي محمد علي دخيل : ١١٥
[31]سنو الدلو : جرّها من البئر
[32]– صفة الصفوة ،أبو الفرج بن الجوزي :٢/٤.
[33]– ثواب الأعمال : الصدوق ،١٦٣ ، الكافي : الكليني ، ٣، ٣٤٣ ، الأمالي : الصدوق ، ٤٦٤.
[34]– ثواب الأعمال: الصدوق ، ١٦٣.
[35]– الكافي : الكليني، ٣ ، ٣٤٣ ، ثواب الأعمال، الصدوق : ١٩٦.
[36]– ثواب الأعمال، الصدوق : ١٦٤.
[37]– مجمع البيان ، الطبرسي : ٨، ٣٥٨.
[38]– المحاسن ، البرقي : ٣٠
[39]– فلاح السائل ، ابن طاووس: ١٥٢.
[40]– مجمع البيان، الطبرسي : ٨، ٥٦١، الاحزاب : ٣٥.
[41]– نفس المصدر، الاحزاب : ٤١.
[42]– الآداب المعنوية للصلاة ، الخميني : ٤٠٨.
[43]– مفتاح الفلاح ، البهائي : ٦٦ ، وسائل الشيعة ، محمد بن الحسن الحر العاملي: ٦، ٤٥٨.
[44]– روضة المتقين ، المجلسي : ٢، ٣٦٤.
[45]– تحرير الوسيلة ، الخميني : ١، ١٨٤.
[46]-الكافي ، الكليني : ٣، .٣٤٢
[47]– وسائل الشيعة، الحر العاملي: ٦، ٤٥٦.
[48]– المزار ، المفيد : ١٥١.
[49]– بحار الانوار، المجلسي : ٨٢، ٣٣٦.
[50]– الكافي ، الكليني: ٣، ٣٤٢.
[51]– آثار وأسرار تسبيح الزهراء عليها السلام، علي رضا رجالي : ٤٨_ ٤٩
[52]الانسان : ٣
[53]– الكافي ، الكليني: ٣، ٣٤٣.
[54]– ص: ٨٢_ ٨٣
[55]– طه: ١٢٣
[56]– قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( بالإخلاص يكون الخلاص ) ، جامع احاديث الشيعة، السيد البروجردي : ١ ، ٣٧٢.
[57]– وسائل الشيعة، الحر العاملي: ٤، ١٠٢٣.
[58]– بحار الانوار، المجلسي : ٧٦، ٢٠٩.
[59] بحار الانوار، المجلسي : ٨٥ ، ٣٣٤.
[60]– الأحزاب : ٤١.
[61]– الكافي ، الكليني: ٢ ، ٤٩٩.
[62] الكافي ، الكليني: ٣، ٣٤٣.
[63]– معاني الأخبار ، الشيخ الصدوق : ١١.
[64]– المنافقون : ٨
[65] مصباح الشريعة ، المنسوب للإمام الصادق عليه السلام: ٨٧.
[66]– المفردات ، الراغب الأصفهاني : ١٣٠.
[67] آثار وأسرار تسبيح الزهراء عليها السلام، علي رضا رجالي : ٥٩.
[68]– أسرار الصلاة ، ميرزا جواد مكي تبريزي : ٢٢٩_ ٢٣٠.
[69] – المفردات ، الراغب الأصفهاني: ٢٢٦.
[70]– معاني الأخبار، الصدوق : ٩
[71] الجمعة : ١.
[72]الإسراء : ٤٤
[73]– آثار وأسرار تسبيح الزهراء عليها السلام، علي رضا رجالي : ٦٣.