مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
مَظْلُومِيَّةُ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ (ع) ثَابِتَةٌ فِي مَصَادِرِ الفَرِيقَيْنِ.
+ = -

مِنْ الأُمُورِ الوَاضِحَةِ وَالثَّابِتَةِ فِي مَصَادِرِ الفَرِيقَيْنِ هِيَ تِلْكَ المَظْلُوميَّةُ الكُبْرَى الَّتِي تَعَرَّضَتْ لَهَا بَضْعَةُ المُصْطَفَى فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) مِنْ قِبَلِ تَيَّارِ السَّقِيفَةِ، حَتَّى صَرَّحَ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِشِكْلٍ وَاضِحٍ وَصَرِيحٍ بِأَنَّ الزَّهْرَاءَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) قَدْ غَضِبَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى مَاتَتْ.

أَخْرَجَ البُخَارِيُّ [ ج4 ص 42 ]: عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتْ أبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ (ص) أنْ يُقَسِّمَ لَهَا مِيرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ (ص) مِمَّا أفاءَ اللهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: إنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) قَالَ: لَا نُوَرِّثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةً، فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ (ص) فَهَجَرَتْ أبَا بَكْرٍ فَلَمْ تَزْلْ مُهَاجِرَتَهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ. انْتَهَى.

وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهَا هَجَرَتْ الشَّيْخَيْنِ مَعًا وَلَمْ تُكَلِّمْهُمَا.

جَاءَ فِي صَحِيحِ التِّرْمِذِيِّ: أَنَّ فَاطِمَةَ جَاءَتْ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ تَسْأَلُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ (ص)، فَقَالَا: سَمِعْنَا رَسُولَ اللهِ (ص) يَقُولُ: إِنَّي لَا أُوَرِّثُ. قَالَتْ: وَاللهِ لَا أُكَلِّمُكُمَا أَبَدًا، فَمَاتَتْ، وَلَمْ تُكَلِّمْهُمَا. الرَّاوِي: أَبُو هُرَيْرَةَ – خُلَاصَةُ الدَّرَجَةِ: صَحِيحُ – المُحَدِّث: الأَلْبَانِيِّ – المُصْدَرُ: صَحِيحُ التَّرْمِذِيِّ، – الصَّفْحَةُ أَوْ الرَّقْمُ: 16.

وَدَعْوَى أَنَّ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) رَضِيَتْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِيمَا يَرْوِيهِ البَيهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ مُرْسَلِ الشُّعْبِيِّ مَرْدُودَةٌ; لِأَنَّ المُرْسَلَ هُوَ فِي الأَصْلِ قَدْ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي حُجِّيَّتِه اخْتِلَافًا شَدِيدًا، وَالأَكْثَرُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الإحْتِجَاجِ بِهِ، فَكَيْفَ بِمَا نَصَّ العُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى أَنَّ مَرَاسِيلَهُ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ أَوْ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ.

جَاءَ فِي التَّمْهِيدِ – لِابْنِ عَبْدِ البَرِّ – ج 22: 320 – مَا نَصُّهُ: “ومَرَاسِيلُ الشَّعْبِيِّ لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ بِشَيْءٍ”. انْتَهَى.

وَجَاءَ عَنْ القَسطَلَانِي – إِرْشَادُ السَّارِيِ 6: 475 – مَا نَصُّهُ: “وَأَمَّا مَرَاسِيلُ الشُّعْبِيِّ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا لَا سِيَّمَا مَا عَارَضَهُ الصَّحِيحُ”. انْتَهَى.

وَهُنَا فِي مَوْرِدِنَا قَدْ عَارَضَ مُرْسَلَ الشُّعْبِيِّ الظَّاهِرُ مِنْ صَحِيحِ البُخَارِيِّ النَّافِي لِرِضَى الزَّهْرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُطْلَقًا حَتَّى المَمَاتِ.

 تَقُولُ: وَلَكِنَّ العَجلِيَّ قَالَ فِي كِتَابِهِ (الثُّقَات): “وَمُرْسَلُ الشُّعْبِيِّ صَحِيحٌ لَا يَكَادُ يُرْسِلُ إِلَّا صَحِيحًا صَحِيحًا.

  نَقُولُ: وَمَنْ هُوَ العَجلِيُّ حَتَّى يُحْتَجَّ بِهِ.. فَهُوَ لَا يُعْتَدُ بِتَوْثِيقَاتِهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْفُسِهِمْ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ.

قَالَ الأَلْبَانِيُّ فِي إروَاءِ الغَلِيلِ – ج 5 – ص 288 – 289:

“وَثَّقَهُ العَجلِيُّ”! قُلْتُ: وَهُوَ مِنْ المَعْرُوفِينَ بِالتَّسَاهُلِ فِي التَّوْثِيقِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَبَنَّ الحَافِظُ تَوْثِيقَهُ . انْتَهَى.

وَالمُرَادُ بِالحَافِظِ ابْنُ حَجَرٍ.

وَجَاءَ فِي “تَمَامِ المِنَّةِ”- لِلأَلْبَانِيِّ أَيْضًا – ص 400 – 401:

” وَقَدْ وَثَّقَهُ العَجلِيُّ”. قُلْتُ: تَوْثِيقُ العَجلِيُّ فِي مَنْزِلَةِ تَوْثِيقِ ابْنِ حَبَّانَ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْتَمِدْهُ هَهُنَا الذَّهَبِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ المُحَقِّقِينَ”. انْتَهَى.

فَهَذِهِ شَهَادَةُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ المُتَقَدِّمِينَ وَالمُتَأَخِّرِينَ: ابْنُ حَجَرٍ وَالذَّهَبِيُّ وَالأَلْبَانِيُّ عَلَى عَدَمِ الأَخْذِ بِتَوْثِيقَاتِ العَجلِيِّ، فَكَيْفَ يَكُونُ كَلَامُهُ مَقْبُولًا عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِ السُّنَّةِ؟!!!

وَلَوْ سَلَّمَنَا الأَخْذَ بِقَوْلِهِ فِي خُصُوصِ مَرَاسِيلِ الشُّعْبِيِّ فَسَيَكُونُ عِنْدَنَا تَعَارُضٌ مُسْتَقِرٌّ بَيْنَ الأَقْوَالِ فِي مَرَاسِيلِ الشُّعْبِيِّ، فَوَاحِدٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: هِيَ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا (كَابْنِ عَبْدِ البَرِّ والقَسطَلَانِي(، وَآخَرُ يَقُولُ: هِيَ حُجَّةٌ (كَالعَجلِيِّ)، وَعِنْدَ التَّعَارُضِ بَيْنَ السَّلْبِ وَالإِيجَابِ فِي الأَقْوَالِ يُصَارُ إِلَى التَّسَاقُطِ،  وَيَبْقَى حَدِيثُ البُخَارِيِّ عَلَى ظَاهِرِهِ لَا مَعَارِضَ لَهُ، وَظَاهِرُهُ يُفِيدُ غَضَبَ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعَدَمَ رِضَاهَا عَنْهُ حَتَّى المَمَاتِ.

قَالَ الخَطِيبُ التَّبرِيزِيُّ فِي كِتَابِهِ “الإِكْمَالِ فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ” عِنْدَ تَرْجُمَتِهِ للشُّعْبيِّ، ص 207:” وَمِنْ مَرَاسِيلِهِ: مَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ (8 / 27) والبَيهَقِي (6 / 301)، وَعَنْهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي )تَارِيخهِ) (6 / 338)، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ حِينَ مَرِضَتْ، فَاسْتَأْذَنَ فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذَا أَبُو بَكْرٍ عَلَى البَابِ، فَإِنْ شِئْتِ أَنْ تَأْذَنِي لَهُ؟ قَالَتْ: وَذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَدَخَلَ عَلَيْهَا وَاعْتَذَرَ إِلَيْهَا وَكَلَّمَهَا فَرْضِيَتْ عَنْهُ.

وَالخَبَرُ مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فِيهِ ضَعْفٌ لِأَنَّهُ مُعَارِضٌ للصَّحِيحِ، وَقَدْ أُخْرَجَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مُتَّصِلٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ إِنَّ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءَ غَضِبَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ إِلَى أَنْ مَاتَتْ وَلَمْ تَرْضَ عَنْهُ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالأُصُولِ أَنَّ الحَدِيثَ الصَّحِيحَ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ مُخَالَفَةُ الضَّعِيفِ”. انْتَهَى.

وَأَمَّا بَقِيَّةُ المَظَالِمِ مِنْ الهُجُومِ عَلَى بَيْتِهَا وَحَرْقِ دَارِهَا وَإِسْقَاطِ جَنِينِهَا وَكَسْرِ ضِلْعِهَا فَهِيَ ثَابِتَةٌ بِمَصَادِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْفُسِهِمْ أَيْضًا:

أَ – حَادِثَةُ الهُجُومِ عَلَى بَيْتِ عَلِيٍّ وَالزَّهْرَاءِ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ): رَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ – بِإسْنَادٍ جَيِّدٍ – عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ رِجَالًا مِنْ المُهَاجِرِينَ غَضِبُوا فِي بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ، مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ، فَدَخَلَا بَيتَ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَمَعَهُمَا السِّلَاحُ، فَجَاءَهُمَا عَمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فِي عِصَابَةٍ مِنْ المُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فِيهِمْ أَسيدُ بْنُ حضير، وَسَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقشٍ الأشهليان وَثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ الخَزْرَجِي، فَكَلَّمُوهُمَا حَتَّى أَخَذَ أَحَدُهُمْ سَيْفَ الزُّبَيْرِ فَضَرَبَ بِهِ الحَجَرَ حَتَّى كَسَرَهُ… (الرِّوَايَة).. انْظُرْ (سُبُلَ الهُدَى وَالرَّشَادِ 12: 317، الرِّيَاضُ النَّضِرَةُ 1: 317، تَارِيخُ الخَمِيسِ: 2: 169).

وَعَنْ الخَطِيبِ التَّبرِيزِي فِي “الإِكْمَالُ فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ “ص4 قَالَ: وَزَادَ ابْنُ أَبِي الحَدِيدِ مِنْ شَرْحِهِ: فَصَاحَتْ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ وَنَاشَدَتْهُمْ اللهَ، فَأَخَذُوا سَيْفَيْ عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ فَضَرَبُوا بِهِمَا الجِدَارَ حَتَّى كَسَرُوهُمَا. قَالَ التَّبرِيزِي: وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شِيْبَةَ وَابْنِ جَرِيرٍ وَالطَّبَرِيِّ يَأْتِي فِي تَرْجُمَةِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. (شَرْحُ النَّهْجِ لِابْنِ أَبِي الحَدِيدِ 2: 50).

وَعِنْدَ العَوْدَةِ إِلَى تَرْجَمَةِ زَيْدِ بْنِ أُسْلَمَ مِنْ “الإِكْمَالِ” ص 195 تَجِدُهُ يَذْكُرُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ: “قَالَ مَالِكٌ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أُسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ يُحَبِّذُ لِسَانَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: (إِنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي المَوَارِدَ (وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: (هَاه إِنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي المَوَارِدَ)، وَالخَبَرُ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي (المَوْطأ 2: 988، كِتَابُ الأَحْكَامِ)، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي (المُصَنَّفِ، 14: 568، 9: 66)، وَأَبُو يَعْلَى فِي المَسْنَدِ 1: 36 “). انْتَهَى.

وَهَذَا الخَبَرُ الصَّحِيحُ الَّذِي ذَكَرَهُ الخَطِيبُ التَّبرِيزِي وَعَدَّهُ شَاهِدًا لِمَا رَوَاهُ ابْنُ عُقْبَةَ، وَزَادَ فِيهِ ابْنُ أَبِي الحَدِيدِ المُعْتزِلِي بِعِبَارَةٍ صَرِيحَةٍ لَيْسَ هُوَ إِلَّا اللِّسَانُ الثَّانِي لَمَّا رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ – بِسَنَدٍ حَسَنٍ – أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: ((أَمَّا أَنَّي لَا آسَى عَلَى شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا عَلَى ثَلَاثَةٍ فَعْلَتُهُنَّ، وَوَدِدْتُ أَنَّي لَمْ أَفْعَلْهُنَّ (ثُمَّ ذَكَرَ) فَوَدِدْتُ أَنَّي لَمْ أَكْشِفْ عَنْ بَيْتِ فَاطِمَةَ وَتَرَكْتُهُ وَلَوْ أُغْلَقَ عَلَى حَرْب)).

أَنْظُرُ: (المُعْجَمُ الكَبِيرُ للطبراني 1: 62، الأَحَادِيثُ المُخْتَارَةُ 1: 89 وَقَالَ عَنْهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ، كَنْزُ العُمَّالِ 5: 632 يَنْقُلُهُ عَنْ ابْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي كِتَابِ “الأَمْوَالِ” وخَيثَمةَ بْنِ سُلَيْمَانَ الأطرَابلسِي فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، وَعَنْ الطَّبرَانيِّ فِي الكَبِيرِ وَابْنِ عَسَاكِرَ وَعَنْ الضِّيَاءِ المُقَدَّسِ صَاحِبِ المُخْتَارَةِ تَارِيخُ دِمَشْقَ 3: 422. تَارِيخُ الإِسْلَامِ للذَّهَبيِّ 3: 117، 118 جَامِعُ المَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ لِابْنِ كَثِيرٍ 65:17).

وَأَيْضًا رَوَى الحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ كَانَ مَعَ عُمَرَ وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمَةَ كَانَ مَعَهُمْ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَسَرَ سَيْفَ الزُّبَيْرِ.

انْظُرْ: (المُسْتَدرَكَ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ 3: 660 وَقَالَ الحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ كَمَا فِي تَلْخِيصِ المُسْتَدرَكِ، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ لِابْنِ كَثِير 5: 270 قَالَ عَنْهُ: إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ 4 :496  وَالسُّنَنُ الكُبْرَى للبَيْهَقِي 8: 152، وَتَارِيخُ الإِسْلَامِ للذَّهَبِي3: 13. وَشَرْحُ نَهْجِ البَلَاغَةِ للمُعتَزِلِي 6: 48 يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الجَوْهَرِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ).

بِ – التَّهْدِيدُ بِالإِحْرَاقِ. بَلْ حُصُولُ الإِحْرَاقِ بِالفِعْلِ.

وَأَمَّا حَادِثَةُ التَّهْدِيدِ بِإِحْرَاقِ بَيتِ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) بِسَبَبِ تَخَلُّفِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ، بَلْ حُصُولُ الإِحْرَاقِ بِالفِعْلِ، فَقَدْ رَوْاهَا سَدَنَةُ التَّارِيخِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَمْثَالُ الطَّبَرِيِّ والبلَاذرِيِّ والمَسْعُودِيِّ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ والشَّهْرِستَانِي وَابْنِ عَبْدِ رَبُّه الأَنْدُلُسِيِّ وَأَبِي الفِدَاءِ وَابْنِ قُتَيْبَةَ وَغَيْرِهِمْ، وَإِلَيْكَ النُّصُوصُ:

1 – رَوَى الطَّبَرِيُّ – الَّذِي وَصَفَهُ ابْنُ الأثِيرِ فِي كَامِلِهِ 1: 7 بِأَنَّهُ الإِمَامُ المُتْقِنُ حَقًّا الجَامِعُ عِلْمًا وَصِحَّةً وَاعْتِقَادًا وَصِدْقًا – بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثُقَاتٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ كُلَيبٍ قَالَ: أَتَى عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ مَنْزِلَ عَلِيٍّ وَفِيهِ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَرِجَالٌ مِنْ المُهَاجِرِينَ فَقَالَ: وَاللهِ لَأَحْرِقَنَّ عَلَيْكُمْ أَوْ لِتَخْرُجَنَّ إِلَى البَيْعَةِ. (المَصْدَرُ 2: 443 طَبْعَةُ مُؤَسَّسَةِ الأعلَمِي، وَقَدْ ذَكَرَ فِي صَدْرِ الطَّبْعَةِ أَنَّ هَذِهِ الطَّبْعَةَ قُوبِلَتْ عَلَى النِّسْخَةِ المَطْبُوعَةِ بِمَطْبَعَةِ بْرَيْل بِمَدِينَةِ لنْدن فِي سَنَةِ 1879 م).

2 – رَوَى البلَاذرِيُّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثُقَاتٌ عَنْ ابْنِ عوان أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَرْسَلَ إِلَى عَلِيٍّ يُرِيدُ البَيْعَةَ، فَلَمْ يُبَايِعْ، فَجَاءَ عُمَرُ وَمَعَهُ فَتِيلَةٌ (قَبَسَ خِ) فَتَلَقَّتْهُ فَاطِمَةُ عَلَى البَابِ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا بْنَ الخَطَّابِ! أَتُرَاكَ مُحْرِقًا عَلَيَّ بَابِي؟! قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ أَقْوَى فِيمَا جَاءَ بِهِ أَبُوكِ (أنْسَابُ الأَشْرَافِ 2: 268 ط دَارُ الفِكْرِ).

3 – وَعَنْ المَسعُودِيِّ فِي (مُرُوجِ الذَّهَبِ)، قَالَ: حَدَّثَ النَّوفَلِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي الأَخْبَارِ، عَنْ ابْنِ عَائِشَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يَعْذِرُ أَخَاهُ إِذَا جَرَى ذِكْرُ بَنِي هَاشِمٍ وَحَصْرُهُ إِيَّاهُمْ فِي الشِّعْبِ وَجَمْعُهُ لَهُمْ الحَطَبَ لتَحْرِيقِهِمْ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ إِرْهَابَهُمْ لِيَدْخُلُوا فِي طَاعَتِهِ إِذْ هُمْ أَبَوَا البَيْعَةَ فِيمَا سَلَفَ.

قَالَ المَسْعُودِيُّ: وَهَذَا خَبَرٌ لَا يُحْتَمَلُ ذِكْرُهُ هُنَا، وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى ذِكْرِهِ فِي كِتَابِنَا فِي مَنَاقِبِ أَهْلِ البَيْتِ وَأَخْبَارِهِمْ المُتَرْجَمِ بِكُتُبِ “حَدَائِقِ الأَذْهَانِ”. (المَصْدَرُ 3: 87(.

4 – رَوَى عُثمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثُقَاتٌ عَنْ أَسْلَمَ: أنَّهُ حِينَ بُويِعَ لِأَبِي بَكْرٍ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وَكَانَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ يَدْخُلُونَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَيُشَاوِرُونَهَا وَيَرْتَجِعُونَ فِي أَمْرِهِمْ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ خَرَجَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ فَقَالَ: يَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وَاللهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أحْبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَبِيكِ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ أحْبُّ إِلَيْنَا بَعْدَ أَبِيكِ مِنْكِ، وأيْمُ اللهِ مَا ذَاكَ بِمَانِعِي إِنْ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ عِنْدَكِ، إِنْ أَمَرْتُهُمْ أَنْ يُحْرَقَ عَلَيْهِمْ البَيْتُ (الرِّوَايَةَ ) (المُصَنِّفُ 8: 572).

وَلَسْنَا هُنَا فِي مَقَامِ مُنَاقَشَةِ دَعْوَى المَحَبَّةِ هَذِهِ، وَكَيْفَ تَرَاهَا اتَّفَقْتَ مَعَ الحِلْفِ وَالعَزْمِ عَلَى إِحْرَاقِ الدَّارِ بِمَنْ فِيهَا!!

وَأَيْضًا لَسْنَا فِي مَقَامِ المُسَوِّغِ الشَّرْعِيِّ بِاخْتِيَارِ فِعْلِ الإِحْرَاقِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الأَفْعَالِ كَالاِعْتِقَالِ والمُحَاجَجَةِ أَوْ الحَبْسِ.

إِنَّنَا لَسْنَا فِي صَدَدِ ذَلِكَ كُلِّهُ، وَإِنَّمَا نَحْنُ فَقَطْ بِصَدَدِ إِثْبَاتِ الإعْتِرَافِ بِصُدُورِ هَذَا المَضْمُونِ مِنْ الجِنَايَةِ فِي حَقِّ الزَّهْرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) مِنْ قِبَلِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ وَبِتَوْجِيهٍ مِنْ الخَلِيفَةِ أَبِي بَكْرٍ.

5 – وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ رَبُّه الأَنْدُلُسِيُّ فِي كِتَابِهِ “العَقْدِ أَلْفَرِيدِ” قَالَ: الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَلَى بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ: عَلِيٌّ وَالعَبَّاسُ وَالزُّبَيْرُ فَقَعَدُوا فِي بَيتِ فَاطِمَةَ، حَتَّى بَعَثَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ لِيُخْرِجَهُمْ مِنْ بَيتِ فَاطِمَةَ وَقَالَ لَهُ: إِنْ أَبَوا فَقَاتِلْهُمْ. فَأَقْبَلَ يَقْبَسُ مِنْ نَارٍ عَلَى أَنَّ يُضْرِمَ عَلَيْهِمْ الدَّارَ فَلَقِيَتْهُ فَاطِمَةُ فَقَالَتْ: يَا بْنَ الخَطَّابِ! أَجِئْتَ لِتُحْرِقَ دَارَنَا؟! قَالَ: نَعَمْ. (المَصْدَرُ 4: 242 ط دَارُ الكِتَابِ العَرَبِيِّ) و(4: 259 ط مَكْتَبَةُ النَّهْضَةِ المِصْرِيَّةِ). وَأَيْضًا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الفِدَاءِ فِي (تَارِيخِهِ 1: 156 (وَمِنْ المُعَاصِرِينَ عُمَرُ رِضَا كَحَالَة فِي (أَعْلَامِ النِّسَاءِ 4: 115 – 116). وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ البَكَرِيُّ فِي (حَيَاةِ الخَلِيفَةِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ: 118).

ج – الرِّوَايَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى كَسْرِ الضِّلْعِ:

رَوَى الحَموينِي الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ الأَكْرَمِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ، قَالَ: ((… وَأَمَّا ابْنَتِي فَاطِمَةُ فَإِنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالَمِينَ، مِنْ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَهِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي، وَهِيَ نُورُ عَيْنِي، وَهِيَ ثَمَرَةُ فُؤَادِي… وَإِنَّي لَمَّا رَأَيْتُهَا ذَكَرْتُ مَا يُصْنَعُ بِهَا بَعْدِي، كَأنِّي بِهَا وَقَدْ دَخَلَ الذِّلُّ بَيْتَهَا، وَانْتُهِكَتْ حُرْمَتُهَا، وَغُصِبَ حَقُّهَا، وَمُنِعَتْ إِرْثَهَا، وَكُسِرَ جَنْبُهَا، وَأَسْقَطَتْ جَنِينَهَا… (الرِّوَايَةُ) (فَرَائِدُ السِّمطَينِ 2: 36) وَرَوْاهَا أَيْضًا بِسَنَدٍ مُعْتَبَرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الشَّيْخُ الصَّدُوقُ فِي أمَاليِّهِ: 99 101).

   نَقُولُ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي رَوْاهَا أَحَدُ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ، تَكْفِينَا فِي المَقَامِ فِي إِثْبَاتِ وُقُوعِ حَادِثَةِ كَسْرِ الضِّلْعِ إِذَا ضَمَمْنَا إِلَى ذَلِكَ تَوَاتُرَ ذِكْرِهَا فِي كُتُبِ الشِّيعَةِ. وَفِي هَذَا المَعْنَى يَقُولُ العَلَّامَةُ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ حُسَيْنٌ كَاشِفُ الغِطَاءِ: ((طَفَحَتْ وَاسْتَفَاضَتْ كُتُبُ الشِّيعَةِ مِنْ صَدْرِ الإِسْلَامِ وَالقَرْنِ الأَوَّلِ، مِثْلُ كِتَابِ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ، وَمِنْ بَعْدِهِ إِلَى القَرْنِ الحَادِيِ عَشَرَ وَمَا بَعْدَهُ، بَلْ وَإِلَى يَوْمِنَا هَذَا، كُلُّ كُتُبِ الشِّيعَةِ الَّتِي عُنِيَتْ بِأَحْوَالِ الأَئِمَّةِ، وَأَبِيهِمْ الآيَةِ الكُبْرَى، وَأُمِّهِمْ الصَّدِيقَةِ الزَّهْرَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَكُلُّ مَنْ تَرْجَمَ لَهُمْ، وَأَلَّفَ كِتَابًا فِيهِمْ، وَأَطْبَقَتْ كَلِمَتُهُمْ تَقْرِيبًا، أَوْ تَحْقِيقًا فِي ذِكْرِ مَصَائِبِ تِلْكَ البَضْعَةِ الطَّاهِرَةِ: أَنَّهَا بَعْدَ رِحْلَةِ أَبِيهَا المُصْطَفَى ضَرَبَ الظَّالِمُونَ وَجْهَهَا، وَلَطَمُوا خَدَّهَا، حَتَّى احْمَرَّتْ عَيْنُهَا، وَتَنَاثَرَ قُرْطُهَا، وَعُصِرَتْ بِالْبَابِ حَتَّى كُسِرَ ضِلْعُهَا، وَأَسْقَطَتْ جَنِينَهَا، وَمَاتَتْ عَضُدُهَا، هَذِهِ القَضَايَا والرَّزَايَا وَنَظَّمُوهَا فِي أَشْعَارِهِمْ، ومَرَاثِيهِم، وَأَرْسَلُوهَا إِرْسَالَ المُسْلِمَاتِ مِنْ الكُمَيْتِ، وَالسَّيِّدِ الحِمَيْرِي، ودِعْبِلٍ الخُزَاعِي، والنُّمَيرِي، وَالسَّلَامِي، وَدِيكِ الْجِنِّ، وَمِنْ بَعْدِهِمْ، وَمِنْ قَبْلِهِمْ إِلَى هَذَا العَصْرِ…)) (انْظُرْ: جَنَّةَ المَأْوَى 78 81).

وَعَنْ هَذِهِ الضَّابِطةِ يَقُولُ العَلَّامَةُ المُظَفَّرُ: يَكْفِي فِي ثُبُوتِ قِصَّةِ الإِحْرَاقِ رِوَايَةُ جُمْلَةٍ مِنْ عُلمَائِهِم لَهُ، بَلْ رِوَايَةُ الوَاحِدِ مِنْهُمْ لَهُ، لَا سِيَّمَا مَعَ تَوَاتُرِهِ عِنْدَ الشِّيعَةِ. (انْظُرْ: دَلَائِلَ الصِّدْقِ ج3 قسم1).

وَبِمَا أَفَادَهُ العَلَّامَةُ المُظَفَّرُ (قُدِّسَ سِرُّهُ) يُمْكِنُ إِثْبَاتُ هَذِهِ المَظلُومِيَّةِ أَيْضًا – وَنَقْصِدُ بِهَا إِسْقَاطَ الجَنِينِ -، أَيْ فِي كِفَايَةِ رِوَايَةِ جُمْلَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ لِلحَادِثَةِ، بَلْ فِي رِوَايَةِ الوَاحِدِ مِنْهُمْ لَهَا مَعَ تَوَاتُرِ أَوْ تَضَافُرِ هَذَا الأَمْرِ عِنْدَ الشِّيعَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ الشَّيْخِ كَاشِفِ الغِطَاءِ ذِكْرُهُ لِتَطَابُقِ الكَلِمَةِ عِنْدَ الشِّيعَةِ عَلَى مَظلُومِيَّةِ الزَّهْرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) بِتَفَاصِيلِهَا الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي كَلَامِهِ،  بَلْ نَجِدُ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ يَنْقُلُ هَذَا التَّطَابُقَ عِنْدَ الشِّيعَةِ وَلَيْسَ إِلَى دَعْوَى عَالِمٍ أَوْ فَرْدٍ مَعَيَّنٍ مِنْ عُلَمَائِهِم: يَقُولُ المَقْدِسِيُّ: ((وُوِلِدَ مُحْسِنًا، وَهُوَ الَّذِي تَزْعُمُ الشِّيعَةُ أنَّهَا أَسْقَطَتْهُ مِنْ ضَرْبَةِ عُمَرَ))

د – مَظلُومِيَّتَها بِإِسْقَاطِ جَنِينِهَا نَتِيجَةَ الإعْتِدَاءِ عَلَى بَيْتِهَا:

الرِّوَايَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى إِسْقَاطِ الجَنِينِ:

1 – ذَكَرَ الشَّهرِستَانيٌّ فِي (المِلَلِ وَالنِّحَلِ)، والصَّفديُّ فِي (الوَافِي بِالوَفِيَّاتِ) عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ النِّظَّامِ – وَهُوَ شَيْخُ الجَاحِظِ – قَوْلُهُ: أَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ بَطْنَ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) يَوْمَ البَيْعَةِ حَتَّى أَلْقَتْ المُحْسِنَ مِنْ بَطْنِهَا، وَكَانَ يَصِيحُ: أَحْرِقُوهَا بِمَنْ فِيهَا، وَمَا كَانَ فِي الدَّارِ غَيْرُ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ (انْظُرْ: المِلَلَ وَالنِّحَلَ 1: 77، الوَافِي بِالوَفِيَّاتِ 6: 17).

2 – ذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ (المَعَارِفِ) – عَلَى مَا حَكَى عَنْهُ الحَافِظُ السَّرويُّ المَعْرُوفُ بِابْنِ شَهْرِ آشُوب فِي كِتَابِهِ (مَناقِبُ آلِ أَبِي طَالِبٍ 133:3)، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الحَافِظُ الكَنجِي الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ (كِفَايَةِ الطَّالِبِ 423): ((وَأَوْلَادُهَا الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ وَالمُحْسِنُ سَقَطَ))، وَقَالَ: ((إنَّ مُحْسِنًا فَسَدَ مِنْ زَخْمِ قُنْفُذَ العَدْوَى)).. إِلَّا أَنَّ الطَّبْعَةَ المُتَدَاوِلَةَ لِلمَعَارِفِ قَدْ حُذِفَ فِيهَا هَذَا المَقْطَعُ، وَيَكْفِينَا بِمُرَاجَعَةِ هَذَيْنِ المَصْدَرَيْنِ الشِّيعِيِّ وَالْسُّنِّيِّ فِيمَا نَقْلَاهُ عَنْ ابْنِ قُتَيْبَةَ لِنُدْرِكَ تَلَاعُبَ الأَيْدِي فِي كِتَابِ ((المَعَارِفِ)).

3  – جَاءَ فِي كِتَابِ (فَرَائِدِ السِّمطَيْنِ) للْحموِينيِّ الشَّافِعِيِّ – وَالَّذِي يَصِفُهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي المُعْجَمِ المُخْتَصِّ بِالمُحَدِّثِينَ، تَحْتَ رَقْمِ 73، بِالإِمَامِ الكَبِيرِ المُحَدَّثِ شَيْخِ المَشَايِخِ – بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ الأَكْرَمِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ، قَالَ: ((… وَأَمَّا ابْنَتِي فَاطِمَةُ فَإِنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالَمِينَ مِنْ الأَوَّلَيْنِ وَالآخِرِينَ، وَهِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي، وَهِيَ نُورُ عَيْنِي، وَهِيَ ثَمَرَةُ فُؤَادِي… وَإِنَّي لَمَّا رَأَيْتُهَا ذَكَرْتُ مَا يُصْنَعُ بِهَا بَعْدِي، كَأنِّي بِهَا وَقَدْ دَخَلَ الذِّلُّ بَيْتَهَا، وَانْتُهِكَتْ حُرْمَتُهَا، وَغُصِبَ حَقُّهَا، وَمُنِعَتْ إِرْثَهَا، وَكُسِرَ جَنْبُهَا، وَأَسْقَطَتْ جَنِينَهَا… (الرِّوَايَةُ) (فَرَائِدُ السِّمطَيْنِ 2: 36) وَرَوْاهَا أَيْضًا بِسَنَدٍ مُعْتَبَرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الشَّيْخُ الصَّدُوقُ فِي أمَاليِّهِ: 99 101).

4  – وَمِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ مَنْ ذَكَرَ أنَّ للزَّهرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) وَلَدًا اسْمُهُ (مُحْسِنٌ) وَقَدْ أُسْقِطَ. نَذْكُرُ:

الحَافِظُ جَمَالُ الدِّينِ الْمزي (نَ 742 هُ) قَالَ فِي كِتَابِهِ (تَهْذِيبِ الكَمَالِ 20: 472)، قَالَ: ((كَانَ لِعَلِيٍّ مِنْ الوَلَدِ الذُّكُورِ وَالَّذِينَ لَمْ يَعْقِبُوا مُحْسِنَ دَرَجٍ سَقَطًا)).

الصَّلَاحُ الصَّفديُّ (ت 764 هُ) قَالَ فِي (الوَافِي بِالوَفِيَّاتِ 21: 281)) :(وَالمُحْسِنُ طُرِحَ)) حَكَى ذَلِكَ عَنْ شَيْخِهِ الذَّهَبِيِّ فِي كِتَابِهِ (فَتْحِ المُطَالِبِ فِي فَضْلِ عَلِيِّ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ).

الصَّفورِيُّ الشَّافِعِيُّ (ت 894 هُ) قَالَ فِي (نُزْهَةِ المَجَالِسِ2: 229): ((وَكَانَ الحَسَنُ أَوَّلَ أَوْلَادِ فَاطِمَةَ الخَمْسَةِ: الحَسَنِ، وَالحُسَيْنِ، وَالمُحْسِنِ كَانَ سِقْطًا، وَزَيْنَبَ الكُبْرَى، وَزَيْنَبَ الصُّغْرَى)). وَقَالَ فِي كِتَابِهِ الآخَرِ: (المَحَاسِنُ المُجْتَمِعَةُ فِي الخُلَفَاءِ الأَرْبَعَةِ ص164): ((مِنْ كِتَابِ الإسْتِيعَابِ لِابْنِ عَبْدِ البَرِّ قَالَ: وَأَسْقَطَتْ فَاطِمَةُ سِقْطًا سَمَّاهُ عَلِيٌّ مُحْسِنًا)).

نَقُولُ: وَهَذَا لَيْسَ فِي الإسْتِيعَابِ المَطْبُوعِ، فَلَاحِظْ التَّحْرِيفَ فِي هَذِهِ القَضِيَّةِ لِتَعْرِفَ شِدَّةَ انْحِسَارِهَا فِي كُتُبِ القَوْمِ اليَوْمَ.

الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الصَّبَّانُ الشَّافِعِيُّ (ت 1206 هُ) قَالَ فِي كِتَابِهِ (إِسْعَافِ الرَّاغِبِينَ / بِهَامِشِ مَشَارِقِ الأَنْوَارِ للحَمزَاوِي ص81): ((فَأمَّا مُحْسِنٌ فَأُدْرجَ سِقْطًا)).

وَيُمْكِنُ مُتَابَعَةُ بَقِيَّةِ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ ذَكَرُوا أَنَّ للزَّهرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) وَلَدًا اسَمُهُ (المُحْسِنُ (وَقَدْ مَاتَ سِقْطًا فِي كِتَابِ (المُحْسِنِ السِّبْطِ مَوْلُودٌ أَمْ سَقَطَ) لِلسَّيِّدِ مَهْدِي الخِرْسَان… وَبِضَمِّ هَذِهِ الأَقْوَالِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ يَظْهَرُ الصُّبْحُ لذِي عَيْنَيْنِ.

اَللَّهُمَّ ارْزُقْنَا شَفَاعَةَ الزَّهْرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) يَوْمَ الوُرُودِ يَوْمَ تَقْدُمُ عَلَيْكَ لِتَشْكُوَ لَكَ مَا فَعَلَتْهُ الأُمَّةُ بِهَا بَعْدَ رَحِيلِ أَبِيهَا المُصْطَفَى (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)، فَيَأْتِي النِّدَاءُ: اشْفَعِي تُشَفَّعِي يَا ابْنَةَ مُحَمَّدٍ، فَتُقْدِمُ الزَّهْرَاءُ إِلَى سَاحَةِ الحَشْرِ لِتَلْتَقِطَ شِيعَتَهَا كَمَا يَلْتَقِطُ الطَّيْرُ الحَبَّ.

اَللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ تِلْكَ الحُظْوَةَ مِنْ ابْنَةِ المُصْطَفَى… إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ.