فاطمة على لسان الإمام الحسين عليه السلام
أولاً: الرواية الشريفة:
عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله: فَاطِمَةُ بَهْجَةُ قَلْبِي وَابْنَاهَا ثَمَرَةُ فُؤَادِي وَبَعْلُهَا نُورُ بَصَرِي وَالأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِهَا أُمَنَاءُ رَبِّي وَحَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ مَنِ اعْتَصَمَ بِهِمْ نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُمْ هَوَى»(1)
ثانياً: عطاء الرواية
يظهر من الرواية ما يلي:
أ: أشارت الرواية إلى مقام فاطمة عليها السلام ومنزلتها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقوله «فاطمة بهجة قلبي» يظهر منه:
– إنّها تدخل السرور بوجودها وسيرتها وخلقها على قلب أبيها صلى الله عليه وآله وسلم، ولو كانت السيدة عليها السلام على غير ذلك لما صرح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك لأنّه لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى، فلا يتأثر بصلة الرحمن والنسب، بل قد يعادي من يخالف الشرع حتى لو كان من أرحامه كما حصل مع أبي لهب.
– أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى موقعها من قلبه صلى الله عليه وآله وسلم لتنال احترام الأُمَّة، ولكي يمهد لها في أداء دورها.
– قوله «فاطمة بهجة قلبي» يُفيد الإطلاق، فلم يحدد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّ فاطمة عليها السلام تدخل البهجة على قلب أبيها في حياته فقط، بل هو تصريح بأنّها ستبقى كذلك حتى بعد وفاته، إذ إننا نعلم أنّ الأعمال تعرض على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في وقوله تعالى: {وقَلِ اعمْلَوا فَسيَرَىَ اللهُ عمَلَكُم ورَسَوُلُه واَلمْؤُمْنِوُن.َ..}(2).
عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام في قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ {وقُل اعمْلَوا فَسيَرَىَ اللهُ عمَلَكُم ورَسَوُلُه واَلمْؤُمْنِوُن.َ..} قَالَ: «إِنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُعْرَضُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله كُلَّ صَبَاحٍ أَبْرَارَهَا وَفُجَّارَهَا فَاحْذَرُوا»(3)
عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ إِنَّ أَبَا الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَعْمَالُ أُمَّتِهِ كُلَّ خَمِيسٍ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عليه السلام: «لَيْسَ هُوَ هَكَذَا وَلَكِنْ رَسُولُ اللهِ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَعْمَالُ هَذِهِ الأُمَّةِ كُلَّ صَبَاحٍ أَبْرَارُهَا وَفُجَّارُهَا فَاحْذَرُوا وَهُوَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ {اعمْلَوا فَسيَرَىَ اللهُ عمَلَكُم ورَسَوُلُه واَلمْؤُمْنِوُن.َ..}»(4)
فسيرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلام أعمال فاطمة بعد وفاته لاسيما موقفها المؤيد للوصي والإمام من بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا مما يدخل السرور على قلبه صلى الله عليه وآله وسلم.
ب: أشار النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى موقع الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام بقوله «وبعلها نور بصري» ويظهر من هذا القول ما يلي:
– إنّ الإمام كفوء لفاطمة عليهما السلام ولابد أن تكون له هذا المنزلة وإلاّ لا يصلح أن يكون زوجاً لفاطمة عليها السلام.
– إنّ الإمام أكثر من أنْ يكون رجلاً صالحاً، أو عبداً تقياً، أو مجاهداً باسلاً فهذا مما ينطبق على غيره أيضاً، ولذا أفرد له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه المنزلة ليبين للأُمّة موقعه.
ج: ذكر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّ أولاد فاطمة التي هي بجهة قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي الذي هو نور بصره لابد أن يكونوا ذا شأن فلذا ذكر أنَّهم أُمناء الرب جل وعلا.
د: قوله «أُمناء ربي وحبله الممدود بينه وبين خلقه، من اعتصم به نجا ومن تخلف عنه هوى» يظهر منه ما يلي:
– إنّ الأئمة من ذرية (علي وفاطمة عليهما السلام) حاملون للأمانة الإلهية التي حباهم الله تعالى بها، فهم حجج الله تعالى وخزان علمه ووسيلة فيضه دون أن يقصروا في هذه الوظائف الإلهية في حياتهم وحتى وفاتهم عليهم السلام هم العدل الثاني للقرآن الكريم، وهم الثقل الأصغر بعد الثقل الأكبر القرآن الكريم فلذا ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «… إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللهِ وَأَهْلَ بَيْتِي فَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ كَهَاتَيْنِ، وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ الْمُسَبِّحَتَيْنِ، وَلاَ أَقُولُ كَهَاتَيْنِ، وَأَشَارَ بِالْمُسَبِّحَةِ وَالْوُسْطَى، لأَنَّ إِحْدَاهُمَا قُدَّامَ الأُخْرَى، فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لا تَضِلُّوا وَلاَ تُقَدِّمُوهُمْ فَتَهْلِكُوا وَلاَ تَخَلَّفُوا عَنْهُمْ فَتَفَرَّقُوا وَلاَ تُعَلِّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُم…»(5)
وقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله: «كَأَنِّي قَدْ دُعِيتُ فَأَجَبْتُ وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا»(6)
– إنّ مؤهلات هذا الحبل أنّه معصوم بذاته وعاصم لغيره ممن يتمسك به، فهو غني عن الأُمَّة بعلمه وفضائله وكمالاته وإلا لما كان له قابلية إعطاء النجاة لغيره.
– لما كان هذا الحبل الممدود من السماء للخلق هو الحق فكل ما سواه باطل، وكل من تمسك بغيره هلك وهوى.
الهوامش:
1- مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام: ص 77.
2- سورة التوبة، الآية: 105.
3- بصائر الدرجات: ج 1، ص 424.
4- بصائر الدرجات: ج 1، ص 425.
5- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج 2، ص 616.
6- عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2، ص 31.
المصدر: كتاب فاطمة عليها السلام في نظر أهل البيت(ع)، الشيخ علي الفتلاوي.