تعد بعدية العلاقة الثنائية بين السيدة فاطمة 3 والشيخين من اهم المفاصل السياسية في سيرة الجميع، وقد أحتلت هذه الجزئية اهمية كبيرة في المرويات ، انعكاساً من طبيعة المسارت الفكرية والسياسية ،التي أخذت تتسع كلما يتقدم التاريخ ،في قراءات مفهومية متعددة ، والراحج ان عدداً منها كان قائماً على اساس منهج تبريري في كثير من الاحيان ، ونحن في هذه الجزئية ليس بصدد البحث عن تلك المعطيات ،بل غاية ما سندرس النصوص ،التي تتبنى رضى السيدة فاطمة 3 على الشيخين ،لذا سوف نشير الى تلك المرويات ثم نناقشها،ومن اهم تلك المرويات الاتي.
الاولى : روى عامر الشعبي قال: (( جاء أبو بكر إلى فاطمة حين مرضت ، فاستأذن فقال علي : هذا أبو بكر على الباب، فإن شئت أن تأذني له قالت: وذلك أحب إليك قال نعم: فدخل عليها واعتذر إليها وكلمها فرضيت عنه)) . ([1]).
يعد هذا النص من النصوص المتفردة من قبل ابن سعد ، وقد روى الذهبي رواية قريبة من هذه الالفاظ ،جاء فيها : ((الشعبي ، قال : جاء أبو بكر إلى فاطمة حين مرضت ، فاستأذن . فأذنت له . فاعتذر إليها ، وكلمها فرضيت عنه)). . ([2]).ويلاحظ على النصين الاتفاق على المخرجات الاساسية والمتمثل في رضى السيدة فاطمة 3 عن الشيخين.والمهم في هذا البحث في صحة هذه الرواية ،وقد درس التبريزي هذه الرواية فأشار ما نصه: ( والخبر مرسل من هذا الوجه ، ومع ذلك فيه ضعف لأنه معارض للصحيح وقد أخرج البخاري ومسلم بإسناد صحيح متصل من حديث عائشة إن فاطمة الزهراء غضبت على أبي بكر إلى أن ماتت ولم ترض عنه – وقد ثبت بالأصول أن الحديث الصحيح لا تؤثر فيه مخالفة الضعيف) . ([3]).
الثانية :روى ابن حجر : : (( أن أبا بكر عاد فاطمة فقال: لها علي هذا أبو بكر يستأذن عليك قالت: أتحب ان آذن له قال: نعم فاذنت له، فدخل عليها فترضاها حتى رضيت)). . ([4]).وفي ذات السياق يرى ايضاً ان هذه الرواية مرسلة وذلك بقوله : (( وهو وإن كان مرسلا، فإسناده إلى الشعبي صحيح وبه يزول الاشكال في جواز تمادي فاطمة3 على هجر أبي بكر وقد قال : بعض الأئمة انما كانت هجرتها انقباضا عن لقائه والاجتماع به وليس ذلك من الهجران المحرم لان شرطه أن يلتقيا فيعرض)). . ([5]).
ونستطيع مناقشة هذا المسار من المرويات على عده محاور ابرزها الآتي.
اولاً: أشارت الروايات التاريخية الى عدد من المرويات التي شكلت مفصلية تمثل مسار الروايات التي تعرض ما تقدم من الروايات التي تتبنى رضى السيدة فاطمة 3،ونحن هنا سنشير الى طائفة من الروايات التي تعارض ذلك والتي منها الاتي:
الاولى : روى ابن قتيبة : (( استضعفوني وكادوا يقتلونني . فقال عمر لأبي بكر : انطلق بنا إلى فاطمة فانا قد أغضبناها ، فانطلقا جميعا فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما فأتيا عليا فكلماه فأدخلهما عليها فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحايط ، فسلما عليها ، فلم ترد عليهما السلام فتكلم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله والله إن قرابة رسول الله أحب إلى أن أصل من قرابتي وإنك لأحب إلى من عائشة ابنتي ، ولوددت يوم مات أبوك أني مت ولا أبقي بعده ، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك ، وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله إلا إني سمعت رسول الله 6 يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركناه فهو صدقة، فقالت :أرأيتكما إن حدثتكما حديثا من رسول الله 6 أتعرفانه وتعقلانه ؟ قالا : نعم ، فقالت: نشدتكما بالله ألم تسمعا من رسول الله 6 يقول : رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي ، ومن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضا فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ؟ قالا : نعم ، سمعناه من رسول الله 6 قالت : فاني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني ، وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي 6 لأشكونكما إليه ، قال أبو بكر : عائذا بالله من سخطه و سخطك يا فاطمة ، ثم انتخب أبو بكر باكيا يكاد نفسه أن تزهق وهي تقول : والله لأدعون الله عليك في كل صلاة اصليها . ثم خرج باكيا…)) . ([6]).
الثانية :روي ان السيدة عائشة قالت : (( ان فاطمة 3 ابنة رسول الله 6 سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله 6، ان يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله6 مما أفاء الله عليه فقال :لها أبو بكر ان رسول الله6 قال: لا نورث ما تركنا صدقة فغضبت فاطمة بنت رسول الله 6 ، فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله 6 ستة أشهر)).([7]).
الثالثة: قال ابن ابي الحديد : (( والصحيح عندي أنها ماتت وهي واجدة على أبى بكر وعمر ، وأنها أوصت ألا يصليا عليها ، وذلك عند أصحابنا من الأمور المغفورة لهما . وكان الأولى بهما إ كرامها واحترام منزلها لكنهما خافا الفرقة ، وأشفقا من الفتنة ، ففعلا ما هو الأصلح بحسب ظنهما )). ([8]).
الرابعة :روي عن السيدة عائشة قالت : (( أن فاطمة 3 ، أرسلت إلى أبي بكر تسأله عن ميراثها من رسول الله 6 ، وهي حينئذ تطلب ما كان لرسول الله 6 بالمدينة ، وفدك ، وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إن رسول الله 6 قال : لا نورث ما تركناه صدقة ، إنما يأكل آل محمد من هذا المال ، وإني والله لا أغير شيئا من صدقات رسول الله 6 عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله 6 ، ولأعلمن فيها بما عمل فيها رسول الله 6 ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا ، فوجدت من ذلك على أبي بكر وهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد أبيها ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها علي 7 ليلا ولم ويؤذن بها أبا بكر )) . ([9]).
الخامسة: روي عن السيدة عائشة : (( ان فاطمة والعباس (رضي الله عنهما) أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله 6وهما حينئذ يطلبان ارضه من فدك وسهمه من خيبر فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول الله 6 يقول: لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال والله انى لا ادع أمرا رأيت رسول الله6 يصنعه بعد الا صنعته قال :فغضبت فاطمة (رضي الله عنها) وهجرته فلم تكلمه حتى ماتت فدفنها علي (رضي الله عنه) ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر رضي الله عنه)). ([10]).
السادسة :روي عن السيدة عن عائشة قالت : ((… أن فاطمة بنت رسول الله6 أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله6 ،مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال : أبو بكر إن رسول الله 6، قال: إنا لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد6 في هذا المال وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله 6عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم( ، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله 6، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك وهجرته فلم تكلمه حتى توفيت بعد رسول الله 6 بستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها)) ([11]).
السابعة :روى الحلبي : ((وفي لفظ أنها( رضي الله تعالى عنها) قالت :له من يرثك قال أهلي وولدي فقالت فمالي لا أرث أبي فقال :لها سمعت رسول الله 6 يقول :لا نورث فغضبت (رضي الله تعالى عنها) من أبي بكر (رضي الله تعالى عنه) وهجرته إلى أن ماتت أي فإنها عاشت بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم ستة اشهر) على ما تقدم ومعنى هجرانها لأبي بكر( رضي الله تعالى عنه) أنها لم تطلب منه حاجة ولم تضطر إلى لقائه إذ لم ينقل أنها (رضي الله تعالى عنه) لقيته ولم تسلم عليه ولا كلمته)). ([12]).
الثانية: لم تختلف الروايات التاريخية في حقيقة دفن السيدة فاطمة 3 ليلاً ،وقد جاءت باسانيد مختلفة ومما رواها ابن عباس والحسن وغيرهم ، ومن ابرز تلك العبارات التي جاءت في المصادر : ((ان فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم دفنت ليلا)). ([13])..ومن دون شك ان دفن السيدة فاطمة 3 ليلاً جاء ليرسل رسائل رفض وعدم رضى عن شخصيات الحكومة الجديدة ، وخصوصاً الشيخيين اللذين حاولا نبش قبرها الشريف بقصد الصلاة عليه. ([14]).بل نجد روايات صرحت بعدم الاذن لابي بكر في الحضور فضلاً عن الصلاة عليها وما جاء في هذا المعنى مارواه البخاري ومسلم النيسابوري وابن حبان والطبراني والعيني ،: ((فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها)). ([15]).
وقد بينت بعض المصادر الشعية سبب دفن السيدة فاطمة 3 ليلاً ماروي عن الأصبغ بن نباتة قال : (( سئل أمير المؤمنين 7 عن علة دفن فاطمة بنت رسول الله 6 فقال 7: انها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها وحرام على من يتولاهم ان يصلى على أحد من ولدها )) ([16]).وقد بين بعض الباحثين عن النتائج الايجابية من وراء عدم مشاركة الشيخيين في تشيع السيدة فاطمة 3 في حال العلم بذلك ، والتي منها.
1-ان مشاركة ابي بكر وعمر في جنازتها سيغطي على اساءتهما للزهراء 3، وهي 3 كانت تريد بهذا الموقف ان تظهر عدم رضاها.
2-يحتمل وقوع مواجهة دموية بين انصار الإمام علي 7وانصار الخلافة الذين كانوا يرومون فرض سيطرتهم بكل الوسائل.
3-إن وجود ابي بكر في التشيع سوف يوفر ارضية مناسبة للمواجهة بينه وبين الإمام 7 من اجل الصلاة عليها.وقد روى ابو القاسم الكوفي عن عزم عمر بن الخطاب لنبش قبرها 3 وهذا نصه : (( اطلبوا قبرها حتى ننبشها ونصلي عليها فطلبوه فلم يجدوه ولم يعرفوا لها قبرا)) ([17]).
4-ان مشاركة الشيخيين في التشيع لازمه معرفة القبر الشريف ،ولعلهما يستغلان ذلك لمصالحهما الذاتية . ([18]).
الثالثة:المشهور في المصادر ان الإمام علي بن ابي طالب7 هو من صلى على السيدة فاطمة 3 وليس ابا بكر، ([19]).بل ذهب البلاذري الى جهل الشيخيين بموتها وذلك بقوله : (( ولم يعلم أبو بكر ، وعمر بموتها )) ([20]).وقد روى الجواهري وابن ابي الحديد ان السيدة فاطمة 3 في هذا السياق مانصه : ((فلما حضرتها الوفاة أوصت ألا يصلي ( ابو بكر )عليها ، فدفنت ليلا)). ([21]).
وعلى الرغم مما تقدم نجد روايات تروي صلاة ابي بكر على السيدة فاطمة 3،وممن روى ذلك ابن سعد عن الشعبي بقوله : (( صلى عليها أبو بكر رضي الله تعالى عنه )) ([22]).
وعند المقارنه بين الذي ذهب الى عدم صلاة ابي بكر على السيدة فاطمة 3، والقول القائل بالصلاة عليها،نجد الفوارق واضحة خصوصاً من ناحية المصدرية.لذا نرجح القول الاول انطلاقاً من هذا الفارق المشار اليه.
الرابعة:ان الظلم الذي لحق بالسيدة فاطمة 3 من جراء سياسة الشيخيين ،على الصعيد المادي والمتمثل في مصادرة الحقوق الاقتصادية والتي تعد فدك من ابرزها([23]). .او على الصعيد الجسدي من جراء الاعتداء علها بمختلف الالوان والاساليب([24])..فظلاً عن تعرضها الى اسقاط جنينها المعروف بالمحسن ([25]).والاهم ذلك كله الاستمرار في أغتصاب الخلافة الالهية وحرفها عن مسارها الحقيقي ومنها وريثها الطبيعي من استلام ذلك المنصب .
ومن خلال ما تقدم من محاور تم فيها استعراض عدد من الجوانب المهمة نرجح عدم رضى السيدة فاطمة 3 علي ابي بكر،وعدم صحة صلاته عليها 3 بعد استشهادها.
[1] – ابن سعد ،الطبقات ،27،8.
[2] – سير اعلام النبلاء ،129،2.
[3] – الاكمال ،207.
[4] – فتح الباري ،139،6.
[5] – فتح الباري ،139،6.
[6] – الإمامة والسياسة، 20،1/وينظر كذلك المجلسي ،بحارالأنوار،358،28.
[7] – البخاري ،صحيح ،42،4/ابن حجر الهيثمي ،فتح الباري ،140،6/العيني ، عمدة القاري،19،15/المتقي الهندي ،كنزالعمال ،242،7.
[8] – ابن ابي الحديد ،شرح نهج البلاغة،50،6.
[9] – الجوهري ،السقيفة ،107.
[10] – البخاري ،صحيح ،3،8/البيهقي ،السنن ،300،6/الطبراني ،مسند الشاميين،198،4/ابن ابي الحديد،شرح نهج البلاغة،218،16.
[11] – .ابن سعد ، الطبقات ، 315،5/البخاري ،صحيح ،83،5/ مسلم النيسابوري ، 153،5/ابن شبة ،تاريخ المدينة ،196،1/الجوهري ،السقيفة ، 107/ابن البطريق ، عمده عيون صحاح الاخبار، 390 /ابن حبان ،صحيح ،573،14/ابن طاووس ،الطرائف ،259/الشيرازي ، كتاب الاربعين،522/المجلسي ،بحار الأنوار،29،111.
[12] – السيرة الحلبية ،486،3.
[13] -ابن ابي شيبة / المصنف ،229،3/الضحاك ، الاحاد والمثاني ،355،5/ البيهقي ، السنن،31،4/ابن عبد البر،الاستذكار ،56،3/ابن حجر، فتح الباري، 278،7.
[14] – الطبري الشيعي ،دلائل الشيعة،135/عبدالوهاب ،عيون المعجزات ،48/المجلسي ،بحار الأنوار،349،30.
[15] – صحيح ،83،5/صحيح،154،5/ابن حبان ،صحيح ،475،15/الطبراني ،مسند الشاميين ،198،4/العيني ،عمدة القاري ،258،17
[16] – الصدوق ، الامالي ، 755/ الفتال النيسابوري ،روضة الواعظين ،153/ابن شهراشوب / مناقب ،138،3/المجلسي ،بحارالأنوار،630،31
[17] – الاستغاثة ،11،1.
[18] – القزويني ، على باب فاطمة ،41-43.
[19] – البخاري ،صحيح ،83،5/مسلم النيسابوري ،صحيح،154،5/ابن حبان ،صحيح ،475،15/الطبراني ،مسند الشاميين ،198،4/العيني ،عمدة القاري ،258،17.
[20] – انساب الاشراف ،405،1.
[21] – السقيفة ،104/ شرح نهج البلاغة ،214،16.
[22] – الطبقات ،29،8/ ابن الجوزي ، المنتظم ،95،4/الطبري، ذخائر العقبى ،54.
[23] – الصدر ، فدك في التاريخ 21-132 / الزيدي ، فدك حتى نهاية العصر العباسي ،86-116.
[24] – الدوخي ،ظلامة الزهراء ،109-129/غلامي ،احراق بيت فاطمة ،63-123/مهدي ، الهجوم على بيت فاطمة ، 97 -137
[25] – القزويني ، على باب فاطمة ،99-108/الحسيني ،ماذا جرى على بيت السيدة فاطمة ،61-65/الجزائري ، ظلامات الصديقة ،29-41