ومن الشواهد التاريخية المهمة التي روتها المصادر ، ماروي عن علي بن الحسين 3 انه قال : حدثتني أسماء بنت عميس قالت : (( كنت عند فاطمة 3 ، اذ دخل رسول عليها رسول الله 6 وفي عنقها قلادة من ذهب كان اشتراها لها علي بن أبي طالب 7 من فئ فقال لها رسول الله 6 : يا فاطمة لا يقول الناس: ان فاطمة بنت محمد تلبس لبس الجبابرة ، فقطعتها وباعتها ، واشترت بها رقبة ، فأعتقتها ، فسر بذلك رسول 6 )) ([1]).
وعندما نقف مع هذا النص نسجل عدد من الملاحظات ابرزها الآتي .
اولاً : السنــــد:
نلاحظ ان الرواية تصنف من الروايات المرسلة كما سوف يتضح في النقطة الرابعة من الملاحظات التي سُجلت على دراسة المتن، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها من هذه الجهة وتكون ساقطة الحجية.
ثانياً: المتـــــن.
وابرز ما نسجلة من ملاحظات على هذه الرواية الاتي.
1-يعتبر الراوي الاول لهذه الرواية الصدوق وهي من المرويات الشيعية ، نعم رواها القندوي في ينابيع المودة فقط ، وهو يصنف من مدرسة اهل السنة الذي تفرد في نقله.
2-لم يثبت في التاريخ الإسلامي ان احداً من ائمة اهل البيت : قد روى عن غير ابائهم :.
3-لو تزلنا عن الملاحظة الثانية نستطيع القول ان الإمام علي بن الحسين 7عاصر اباه 7 ويستطيع الرجوع اليه ليروي هذه الرواية ،وبما ان النقل التاريخي لم يرو ذلك ،الامر الذي يضعف التسليم في صحة هذه الرواية.
4- ان الراوي الأول للرواية هي أسماء بنت عميس ، والملاحظ ان المصادر ، قد اختلفت في تاريخ وفاتها الى عدة اقول، الأول : ان وفاتها كان في سنة ثمان وثلاثين للهجرة([2]) ، والثاني : عبرت عنه الروايات انها ماتت بعد علي 7 ([3]) ، والثالث: قيل ماتت في سنة ستين للهجرة([4]) . وعلى فرض صحة القول الاول ، فلا يمكن قبول ذلك لان التاريخ الاول يوافق تاريخ ولادة الإمام علي بن الحسين 8 ([5]) وعلى فرض صحة القول الثاني كذلك لايمكن التسليم بالصحة لان الإمام علي بن الحسين 8 ما زال صغيراً ،لان ولادته كانت سنة سنة ثمان وثلاثين من الهجرة،([6]) فلا يستطيع ان يروي عنها .اما القول الثالث فنحن لانعتقد بصحتها فلا يكون له قيمة علمية حينئذ لانه تفرد من قبل الصفدي اذ لم نجد من يروي هذا القول غيرة .
5-وجود روايات معارضة للرواية محل الدراسة ومن اشهر تلك الروايات الآتي:
أ- روي عن الإمام علي 7 قال: (( ان النبي 6 دخل على ابنته فاطمة فإذا في عنقها قلادة فأعرض عنها فقطعتها فرمت بها ، فقال رسول الله : أنت مني يا فاطمة ، ثم جاءها سائل فناولته القلادة )).([7]).
ب-ماروى عن الإمام موسى بن جعفر 8 ، قال : إن رسول الله 6 دخل على ابنته فاطمة وفي عنقها قلادة فأعرض عنها ، فقطعها ورمت بها فقال لها رسول الله 6 : أنت مني يا فاطمة ، ثم جاء سائل فناولته القلادة )).([8]).
ت-روي عن السيدة اسماء بنت عميس: (( انها كانت عند فاطمة إذ دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وفى عنقها قلادة من ذهب أتى بها علي ابن أبي طالب 7 من سهم صار إليه فقال لها يا بنية لا تغتري بقول الناس فاطمة بنت محمد وعليك لباس الجبابرة فقطعتها لساعتها وباعتها ليومها واشترت بالثمن رقبة مؤمنة فأعتقتها فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر ،بعتقها وبارك عليها)).([9]).
6- ان اخلاق الإمام علي 7 والسيدة فاطمة 3 ، وتقواهما وشعورهما بالفقراء ، يجعلنا نستبعد قيامهما بذلك خصوصاً اذا علمنا ان سعر القلادة يوازي سعر شراء عبد يعتق في سبيل الله كما تشير الى ذلك الرواية.
7- ان النص يصور عدم رضا رسول الله 6 على هذا الفعل ، وفي ذلك رسالة نقد للإمام 7 والسيدة فاطمة 3 بسبب شراء القلادة ، وهذا لايمكن قبوله لان الإمام 7 نفس رسول الله 6 والسيدة فاطمة 3 هي روح النبي وبضعته ، فلا يمكن صدور هذا الامر او غيره منها .
8- ان المجتمع الإسلامي والعربي في ذلك الوقت كان متعارفاً على لبس الذهب للنساء بل وللرجال كذلك ، ولا يعد ذلك عيباً او من يرتديه يعد من الجبابرة .
9-ان موقف السيدة فاطمة 3 من بيع القلادة ، وسرور رسول الله6 ، يثبت سلبية موقفها 3 وهذا لا يمكن قبوله ، لثبوت عصمتها 3 .
10-لم تشير المصادر التاريخية الى امتلاك السيدة فاطمة 3 يوماً اي قطعة من الذهب .
وعلى ضوء ما تقدم من هذه الملاحظات نرجح عدم صحة هذا النص .
([1])الصدوق ، عيون أخبار الرضا ، 2، 48/القندوزي ، ينابيع المودة ،139،2/ المجلسي ، بحار الأنوار ، 43 – 72 .
([2])الصفدي ، الوافي بالوفيات ، 9، 33 ؛ ابن تغري بردي / النجوم الزاهرة ، 1، 117 .
([3])ابن حجر الهيثمي،تقريب التهذيب ، 629،2 ،لسان الميزان ،522،7/الصالحي،سبيل الهدى والرشاد،52،2
([4])الصفدي ،الوافي بالوفيات ،34،9
([5])الخصيبي ،الهداية الكبرى ،213/الطبرسي ،تاج المواليد ،36/ ابن الخشاب البغدادي ،تاريخ مواليد الائمة ،22
([6])الكليني ،الكافي ،466،1/ابن الخشاب ، تاريخ مواليد الائمة ،22/المجلسي ،بحار الأنوار،8،46.
([7])ابن شهر اشوب ، مناقب ،121،3.
([8])الطبرسي ، مكارم الأخلاق ، 95 / المجلسي ، بحار الأنوار ، 43 ، 84 .
([9])الطبراني ، ذخائر العقبى ، 51 /القندوزي ، ينابيع المودة ،2، 239 .