حدثنا محمد بن نصير الأصبهاني ، حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ، حدثنا سفيان الثوري ، عن عبدة بن أبي لبابة ، عن سويد بن غفلة قال : (( أصابت عليا( رضي الله عنه) فاقة ، فقال لفاطمة (رضي الله عنها) : لو أتيت رسول الله6 فسألتيه وكان عند أم أيمن (رضي الله عنها) ، فدقت الباب ، فقال النبي6 لأم أيمن : إن هذا لدق فاطمة ، ولقد أتتنا في ساعة ما عودتنا أن تأتينا في مثلها فقومي فافتحي لها الباب ، قالت : ففتحت لها الباب فقال : يا فاطمة لقد أتيتنا في ساعة ما عودتنا أن تأتينا في مثلها ، فقالت : يا رسول الله هذه الملائكة طعامها التسبيح والتحميد والتمجيد ، فما طعامنا ؟ قال : والذي بعثني بالحق ما اقتبس في آل محمد نار منذ ثلاثين يوما ، وقد أتانا أعنز فإن شئت أمرت لك بخمسة أعنز وإن شئت علمتك خمس كلمات علمنيهن جبريل 7 آنفا . قالت : بل علمني الخمس كلمات التي علمكهن لأن جبريل عليه السلام . قال : قولي يا أول الأولين يا آخر الآخرين ذا القوة المتين ويا راحم المساكين ويا أرحم الراحمين . قال فانصرفت حتى دخلت على علي( رضي الله عنهما) فقالت : ذهبت من عندك إلى الدنيا وأتيتك بالآخرة ، قال : خيرا يأتيك ، خيرا يأتيك )) ([1]).
إن هذا النص يستلزم منا دراسته عبر محورين مهمين هما.
اولاً: السنـــــــــــد.
1-محمد بن نصير الاصبهاني.
لم نعثر له على ترجمة.
2-اسماعيل بن عمرو البجلي.
قال ابن حبان عنه: ((وغرائب حديث إسماعيل تكثر)) ([2]).وقال عنه ابن ابي حاتم قدم اصبهان وروى عن سفيان الثوري والحسن وعلي ابني صالح وقيس بن الربيع روى عنه أحمد بن محمد بن عمر بن يونس اليمامي ، سألت أبي عنه فقال هو ضعيف الحديث . ([3]) . وروى المزي انه منكر الحديث . ([4]).وقال الذهبي ضعفه ابن عدي وجماعة . ([5]).
3-سفيان الثوري.
قال عنه ابن سعد :هو سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب ولد سفيان سنة سبع وتسعين في خلافة سليمان بن عبد الملك وكان ثقة مأمونا ثبتا كثير الحديث حجة وأجمعوا لنا على أنه توفي بالبصرة وهو مستخف في شعبان سنة إحدى وستين ومائة في خلافة المهدي. ([6]) . وقال عنه العجلي يكنى أبا عبد الله ثقة كوفي رجل صالح زاهد عابد ثبت في الحديث فقيه صاحب سنة واتباع. ([7]).
4- عبدة بن أبي لبابة.
قال عنه العجلي : كوفي ثقة. ([8]). ووثقة ابو حاتم الرازي كذلك بقوله : ثقة. ([9]). وقال الذهبي : مولى قريش تابعي جليل فاضل ورع ([10]).
5-سويد بن غفلة.
لقد ترجم لسويد بن غفلة مصادر رجال المدرستين الشيعية والسنية فاما الاولى : قال عنه الحلي انه من أولياء أمير المؤمنين 7 . ([11]) واتفق معه التفرشي في هذا المعنى من كونه من اولياء امير المؤمنين واضاف ان الشيخ الطوسي عده من أصحاب علي والحسن 8 . ([12]) ومن خلال هذه الترجمة وغيرها من الترجمات التي اشتركت في هذه المعاني لم نجد اي أشارت تشير الى التوثيق من عدمه . على عكس المدرسة الثانية : التي فصلت في كثير من الجوانب ولكن ما يهمنا نحن في هذا الصدد الوقوف على البعدية التوثيقية فقط وابرز من قال بوثاقته الذهبي بعد ان ترجم له بقوله : سويد بن غفلة أبو أمية الجعفي ولد عام الفيل وقدم المدينة حين دفنوا النبي6 سمع أبا بكر ثقة إمام زاهد قوام توفي 81 من الهجرة . ([13]). وترجم له الذهبي في غير مصنف غير ما تقدم قائلاً : وشهد اليرموك ، وحدث عن أبي بكر وعمر وعلي( رضي الله عنهم) ، وكان ثقة نبيلاً عابداً زاهداً قانعاً باليسير كبير الشأن (رحمه الله) مات سنة إحدى وثمانين ،([14]). بينما قال عنه ابن حجر: وكان موصوفا بالزهد والتواضع وكان يؤم قومه قائما وهو بن مائة وعشرين سنة. ([15]). وقد اتفق العجلي والرازي على وثاقته فقال الاول : سويد بن غفلة الجعفي كوفي تابعي ثقة وكان جاهليا يكنى أبا أمية. ([16]). بينما الثاني قال عنه :سويد بن غفلة : ثقة ([17]).
ومن هنا يتضح الفرق في متبنيات المدرسيتن فالاولى تشير الى الصحبة فقط والثانية توثق وبشكل صريح ومن هنا فلا نشك نحن بوثاقه هذا التابعي الجليل.ومما تقدم تبين إن هذه الرواية فيها ضعف في اسناد رواتها وتحديداً في اسماعيل بن عمرو البجلي فظلاً عن التفرد في الرواية وعدم مشهوريتها في المصادر وانطلاقاً من ذلك نتبنى سقوط حجية السند.
ثانياً: المتـــــــــــن.
نسجل على السند عدد من الملاحظات ابرزها الاتي.
1-تصنف هذه الرواية من المرويات السنية التي روتها مصادرهم مصادر مدرسة الخلفاء ، ولم تروَ في مصادر مدرسة اهل البيت : ومن الملفت في هذا المسار ان العلامة المجلسي لم يروي هذه الرواية في بحار الانوار رغم أنه يروي المرويات السنية في كتابة المتقدم في المصارد الشيعية.
2-يلاحظ على مصدرية هذه الرواية انها لم تروَ في ما يعرف في الصحاح الستة او التسعة او غيرها بل نجد كتاب الحيوان للدميري روى هذه الرواية وهو من المصادر البعيدة عن مسارها الصحيح .
3- يعتبر الطبراني أول من روى هذه الرواية في كتابة الدعاء وهو من علماء القرن الرابع الهجري ، ثم ظهرت في المصادر السنية في كتاب نظم السبطين للزرندي وهو من علماء القرن الثامن الهجري ثم رواها في سياق مصادر الحديث المتقي الهندي في كتاب كنز العمال وهو من علماء القرن العاشر الميلادي ، وهذا التتبع التاريخي لعصر ومصدر الرواية نسجل عليه قلة الرواية في المصارد والفوارق التاريخية الطويلة بين مصدر وأخر ،الامر الذي يجعلنا الحكم عليها أنها ظهرت وانتقلت في مصادر محدودة ، ولم ترتقي الى مستوى الشهرة والانتشار في المصارد الحديثية، بل لعل الطبراني لم يروي روايته الأ في كتابة الدعاء، فلم نجد من خلال التتبع انه رواها في مؤلفاته الأخرى، والراحج ان الرواية جاءت في كتابه هذا الموسوم بــ (الدعاء) لورود الدعاء المروي في النص.
4-يعتبر سويد بن غفلة الراوي الاول لهذه الرواية والتي تفرد بها إذ لم تروي المصارد أي راوِ أخر روى هذه الرواية غيرة.
5-لم يحدد النص تاريخ معين لهذه الفاقة التي كان كانت في بيت السيدة فاطمة والإمام علي 8، وهذا لايمكن تصورة الا في السنوات الاولى من زواجهما مع فرض قبول هذه الرواية وهذا غير مقبول إذ ليس من المنطقي ان لا يكون مصدر رزق للإمام علي 7 من جهة ومن جهة اخرى ان التصدي لتوفير المعيشة واجب شرعي عليه 7 وهو متكفل بذلك من دون شك.
6- ان النص غيب بصورة مطلقة المصدر الذي أخذ منه الرواي سويد بن غفلة هذه الرواية ،فشخصيات الرواية اربعة وهم رسول الله 6 والإمام علي والسيدة فاطمة 8 وام ايمن ولم نجد ما يشير الى انه روى عن اي منهم ، الامر الذي يدفعنا بالحكم انها من المرويات المرسلة.
7-النص يؤكد ان النبي 6 كان في بيت ام ايمن ، فتوجهت السيدة فاطمة 3 اليه بطلب من الإمام علي 7 ،وهذه الاشارت تثير عدد من الاستفهامات منها لماذا رسول الله 6 في بيت ام ايمن ؟ ولماذا ارسل الإمام السيدة فاطمة 3 للطلب ولم يتوجه بنفسه للطلب ؟ولماذا توجهت السيدة فاطمة 3 في هذا الوقت غير المألوف ؟.ومن اين علم الإمام 7 بمكان رسول الله 6؟.
إن هذه الاستفهامات موضوعية ومهمة ويبدو من لوازمها العقلية رسم صورة سلبية لشخصيات هذه الجزئية من هذا الحدث مثل الضعف والاتكال في شخصية الإمام علي 7 كونه ارسل السيدة فاطمة 3 ولم يذهب بنفسه .والرسول 6 في بيت ليس بيته وفي وقت ليس وقت زيارة مناسبة بقرينة قوله 6: لام ايمن بعد طرق باب البيت :لقد أتتنا في ساعة ما عودتنا أن تأتينا في مثلها فظلا عن الاضطراب في شخصية السيد فاطمة 3 والبحث عن النعيم الدنيوي الزائل.
8-قد يكون للسيدة فاطمة 3 سلوكيات خاصة تعرف من خلالها ومن طرق الباب في طريقة معينة ،ولكن لم نجد في المصادر التاريخية اي اشارة تشير الى وجود هذا المعنى في سيرتها الامر الذي يجعلنا الشك في هذه الإشارة التي تفرد بها هذه النص.
9-عبرت السيدة فاطمة 3 في النص بقولها: ( يا رسول الله هذه الملائكة طعامها التسبيح والتحميد والتمجيد) وهذا من التعابير الغريبة التي تحكم على صاحبها بالجهل المعرفي كون الملائكة لا تاكل مطلقاً لانها مخلوقات نورانية خاصة ، وهذا المسار من الحكم لا ينطبق على سيدة النساء التي دلت النصوص على علمها ،بل ان هذه الجزئية لا تليق بابسط مسلم عاش في بيئىة فكرية بسيطة فكيف بها وهي التي عاشت في بيت النبوة والإمامة.
10- يفهم من النص ان الغائم التي وصلت الى النبي 6 من جنس واحد وهو العنز بقرينة قوله 6 : (وقد أتانا أعنز فإن شئت أمرت لك بخمسة أعنز) وفسر الفراهيدي العنز : بقوله : العنز : الأنثى من المعز ومن الأوعال والظباء . ([18]).وقال الجواهري هذا المعنى بقوله : العنز : الماعزة ، وهي الأنثى من المعز . وكذلك العنز من الظباء والأوعال . ([19]).ومما تقدم يتضح ان جميع الغنائم هي من الماعز وهذا مما لا يستقيم تأريخياً أذ لم نجد الغنائم التي حصل عليها المسليمن من جنس معين كا الماعز او غيرة. ([20]).
11-من المفارقات المهمة في الرواية ان الرسول 6 علم السيدة فاطمة 3 الدعاء ولم يبين الاسرار والاثار المترتبة من الدعاء على الداعي.
12-لقد اشرنا في النقطة الثانية ان ابن سويد روى تفاصيل النص وبصورة دقيقة ونجد في بعضها خصوصيات ليس من المستحسن خروجها الى عامة الناس كما جاء في نهاية الرواية. على لسان السيدة فاطمة 3 قالت 🙁 فانصرفت حتى دخلت على علي( رضي الله عنهما) فقالت : ذهبت من عندك إلى الدنيا وأتيتك بالآخرة).
13- نجد في النص أشارة مهمة من رسول الله 6
بقوله : (والذي بعثني بالحق ما اقتبس في آل محمد نار منذ ثلاثين يوما) وهذا مبالغ فيه كثيراً بل لا يعقل لان جميع مستلزمات تحضير الطعام تحتاج الى النار .
14-نلاحظ ان البعدية العددية في رقم ( خمسة ) المشار اليها في النص لم تأتِ من في مسار الصدفة بل في مجال القصدية المخطط لها في ماورائية النص.
15- ان النص لا يخلو من نقد موجهه من قبل السيدة فاطمة 3 الى الإمام علي 7 بقرينة قولها : ذهبت من عندك إلى الدنيا وأتيتك بالآخرة.وهذه الإشارة تجعل منهما في صورة متساوية مع عامة الناس الذين يفكرون في شوؤن الدينا وهم اجل واسمى من ذلك.
16-اعتقد ان النص أفرغ الابعاد الروحية والفكرية وقد رسم معالم سلبية في شخصية السيدة فاطمة 3 والإمام علي 7 وجعل منهم شخصيات دنيوية وهذا من ابرز ما يهدف اليه النص.
ومما تقدم من ملاحظات سجلت على السند والمتن نرجح عدم صحة هذه الرواية .
[1] – الطبراني ، الدعاء ،319/الزرندي ، نظم درر السمطين،190/الدميري ، حياة الحيوان ،218،2 /المتقي الهندي ، كنز العمال ،669.
[2] – طبقات المحدثين ،71،2.
[3] – الجرح والتعديل ،190،2.
[4] – تهذيب الكمال ،436،19.
[5] – المغني ،127،1.
[6] – الطبقات ،371،6.
[7] – معرفة الثقات ،407،1.
[8] – معرفة الثقات ،108،2
[9] – التعديل والجرح ،105،3
[10] – الكاشف ،677،1.
[11] – خلاصة الاقول، 163.
[12] – التفرشي ، نقد الرجال ،380،2.
[13] – الكشاف ،473،1.
[14] – تذكرة الحفاظ ،53،1.
[15] – ابن حجز،الاصابة،221،3.
[16] – معرفة الثقات ،443،1.
[17] – الجرح والتعديل ،234،4.
[18] – العين،356،1.
[19] – الصحاح ،887،3.
[20] – العقيلي ،شخصية الرسول .733-834