أشارت المصادر التاريخية الى عدد من الروايات التي أشارت الى خروج السيدة فاطمة 3 الى زيارة قبور الشهداء، ومن بينهم حمزة بن عبدالمطلب والبكاء عندهم،وذلك بعد أستشهاد رسول الله 6، ومن بين أبرز الروايات مايأتي.
اولاً: زيارة السيدة فاطمة 3 قبر حمزة بن عبدالمطلب.
روى علي بن الحسين [ الحسن ] ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسين الكوفيّ ، قال : حدّثنا محمّد بن عليّ بن زكريّا ، عن عبد الله بن الضحّاك ، عن هشام بن محمّد ، عن عبد الرّحمان ، عن عاصم بن عمر ، عن محمود بن لبيد قال : لمّا قبض رسول الله 6 كانت فاطمة 3 تأتى قبور الشّهداء، وتأتي قبر حمزة وتبكي هناك ، فلمّا كان في بعض الأيّام أتيت قبر حمزة ( رضى الله عنه ) فوجدتها ( صلوات الله عليها ) تبكى هناك فأمهلتها حتى سكتت فأتيتها وسلّمت عليها وقلت لها : يا سيّدة النّسوان والله قد قطعت أنياط قلبي من بكائك ، فقالت : يا أبا عمر يحقّ لي البكاء فلقد أصبت بخير الآباء رسول الله 6 واشوقاه إلى رسول الله ثُمَ أنشأت 3 تقول :
إذا مات يوما ميّت قلّ ذكره * وذكر أبي [ مذ ] مات والله أكثر
قلت : يا سيّدتى أنى سائلك عن مسألة تلجلج في صدري . قالت : سل ، قلت : هل نصّ رسول الله 6 قبل وفاته على عليّ بالإمامة ؟ قالت : وا عجباه أنسيتم يوم غدير خم ؟ قلت : قد كان ذلك ولكن أخبريني بما أسرّ إليك . قالت : أشهد الله تعالى لقد سمعته يقول : عليّ خير من أخلفه فيكم ، وهو الإمام والخليفة بعدي وسبطي [ سبطاي ] وتسعة من صلب الحسين أئمّة أبرار ، لئن اتّبعتموهم وجدتموهم هادين مهديّين ، ولئن خالفتموهم ليكون الاختلاف فيكم إلى يوم القيامة ، قلت : يا سيّدتى فما باله قعد عن حقّه ؟ قالت : يا أبا عمر لقد قال رسول الله 6 : مثل الإمام مثل الكعبة إذ تؤتى ولا يأتي – أو قالت : مثل عليّ – ثُمَ قالت : أما والله لو تركوا الحقّ على أهله وأتبعوا عترة نبيّه لما اختلف في الله تعالى اثنان ، ولورثها سلف عن سلف وخلف عن خلف حتّى يقوم قائمنا التّاسع من ولد الحسين ، ولكن قدّموا من أخّره [ الله ] و أخّروا من قدّمه الله حتّى إذا ألحد المبعوث وأوذعوه الحدث المحدوث واختاروا بشهوتهم وعملوا بآرائهم تبّاً لهم أولم يسمعوا الله [ تعالى ] يقول: (( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كان لَهُمْ الْخِيَرَةُ)) ([1]).؟ بل سمعوا ولكنّهم كما قال الله : ( (فَأنهَا لاَ تَعْمَى الابْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ))، ([2]). هيهات بسطوا في الدّنيا آمالهم ونسوا آجالهم ، ( (فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ )) ([3]) أعوذ بك يا ربّ من الجور بعد الكور )). ([4]).
إن هذا النص يستلزم منا دراسته من خلال المحاور الاتية:
اولاً: السند.
1-علي بن الحسين.
مجهول.
2-محمد بن الحسين الكوفي.
مجهول.
3- محمّد بن عليّ بن زكريّا .
مجهول.
4- عبد الله بن الضحّاك.
مجهول.
5-هشام بن محمد .
أختلفت المصادر في التوثيق من عدمه لهشام بن محمد ،وهذا راجع الى مصدرية المدراس الفكرية التي تعاطت مع هذه الشخصية ،فنجد مدرسة الصحابة اتخذت مسار عدم التوثيق،فقال العقيلي : هو صاحب سمر ونسب ما ظننت أن أحدا يحدث عنه. ([5]).وقال عنه ابن حبان :هو من أهل الكوفة ، يروى عن أبيه ومعروف مولى سليمان والعراقيين العجائب والاخبار التي لا أصول لها ، وكان غاليا في التشيع ، أخباره في الأغلوطات أشهر من أن يحتاج إلى الاغراق في وصفها ([6]).بينما الذهبي نجده قد جمع عدد من الطعون فيه فروى عدد من الاقوال منها قول أحمد بن حنبل الذي قال عنه : أنما كان صاحب سمر ونسب ، ما ظننت أن أحدا يحدث عنه . وقول الدار قطني الذي ذهب في القول انه متروك . وقول ابن عساكر القائل انه : رافضي ، ليس بثقة . ([7]).
اما مصادر مدرسة أهل البيت : ، فنجدها أشارت الى أنه هو هشام بن محمد بن السائب العالم بالأيام ، المشهور بالفضل والعلم ، وكان يختص بمذهبنا . كان أبو عبد الله 7 يقربه ويدنيه ويبسطه ([8]).ويلاحظ على هذه الترجمة أن فيها لوازم القول في الوثاقة اذ ليس من المعقول أن يكون من أهل العلم والفضل والمكانة التي قربته من الإمام الصادق 7 وهو ليس من الثقات.
6- عبد الرّحمن.
مجهول.
7- عاصم ابن عمر .
عاصم بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي .
تشير المصادر الى شخصيتين تحت هذا الاسم:
الأولى: عاصم بن عمر بن الخطاب الذي ولد قبل وفاة رسول الله6 بسنتين ([9]).
الثانية :عاصم بن عمر بن قتادة.والشخصية الأولى مستبعدة كونه ولد قبل رحيل النبي 6 بسنتين.لذا نرجح الشخصية الثانية عاصم بن بن عمر بن قتادة الذي بدورة يروي عن محمود بن لبيد. ([10]). قال عنه : يحيى بن معين ثقة ، وقال : عبد الرحمن قال سئل أبو زرعة عن عاصم ابن عمر بن قتادة فقال مدني ثقة . ([11]).وقال إسحاق بن منصور عن النسائي : ثقة . وذكره ابن حبان في كتاب ” الثقات وقال محمد بن سعد : ثقة كثير الحديث . ([12]).
8-محمود بن لبيد.
محمود بن لبيد بن رافع بن امرئ القيس بن زيد الأنصاري من بنى عبد الأشهل ولد على عهد رسول الله 6.قال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث،([13]). وقال عنه العجلي : محمود بن لبيد مدني تابعي ثقة . ([14]).
ونحن إمام هذه السلسلة التي جمعت بين المجاهيل وبين بعض الضعفاء نرجح عدم صحة هذا السند.
ثانياً:لمتن.
ومن أبرز الملاحظات التي تسجل على هذا النص كما يأتي.
1-إن النص يصور الحديث بين محمود بن لبيد والسيدة فاطمة 3، من الأمور الطبيعية التي تكثف في عدد من الرسائل التي يرسلها النص، أنها امراة عادية تستطيع الحديث مع اي شخص وفي آي وقت.
2-إن العفة التي عرفت بها السيدة فاطمة 3 في جميع مراحل سيرتها المقدسة ،تدعونا الى الوقوف كثيراً من أجل التأمل في هذا الحدث المهم.
3-لم نجد السيدة فاطمة 3 في سيرتها أن خرجت لوحدها في اي شأن من شؤون حياتها الخاصة او العامة.
4-إن النص غيب تاريخ ومكان اللقاء بصورة دقيقة بين محمود بن ليبد والسيدة فاطمة 3.
5-إن النص يصور بكاء السيدة فاطمة 3 بصورة مكثوفة لجميع الحاضرين في ذلك المكان ، ومن لوازم ذلك البكاء أنها 3، كانت بدون خمار او كان بكائها بصوت مرتفع ،وكلا الفرضين ليس له صحة ،وامر لا يمكن قبوله.
6-إن النص يشير الى أنشاد السيدة فاطمة 3 بعض الأبيات الشعرية ،وهذا خلاف للاداب التي عرفت بها (سلام الله عليها).بل لايمكن تعقل صدور ذلك منها .
7-إن النص يصور محمود بن لبيد الباحث عن حقيقة الإمام بعد الرسول 6، بالشخص الجاهل والبعيد عن حقائق الأمور التي كانت منتشرة وشائعة بين المسلمين ،فضلاً عن ذلك أن الاجدر به الذهاب الى الإمام علي بن ابي طالب 7ليقف على الأدلة.
8-إن الحديث الذي استشهدت به 3 من أجل اثبات إمامة الإمام علي بن ابي طالب ،7،لم يرد في المصادر المتقدمة سواء كان بهذه الصيغة أم بصيغة اخرى قريبة منها.
9-أشارت السيدة فاطمة 3 الى دليل إمامة الإمام علي بن ابي طالب 7،في الغدير فقط،من دون التعرض الى ادلة اخرى ،بل أن محمود بن لبيد سلم بذلك ،وكان القضية معروفة لديه وهذا يدعوا الى الاستفهام في طرح هكذا أمر ؟.وقد سلم بها بصورة مباشرة.
10-سأل محمود بن لبيد السيدة فاطمة 3 عن خلفيات قعود الإمام علي بن ابي طالب 7 عن المطالبية بحقه الشرعي،ولم منها 3 أي جواب وأنما أشارت إلى نتائج مخالفة وخذلان الأمة عن قادتها الربانين.
11-أن ملابسات النص تشير الى وجود نقص واضح في المعاني الدلالية واللفضية ،فضلاً عن عدم اكتمال الصورة ،الأمر الذي يشعر بوجود نقص في الرواية.
12- من المفارقات المهمة في هذه الرواية أن المصدرية لها مصدرية شيعية وأن الراوي الأول ترجمت له مصادر مدرسة الصحابة ،على عكس مصادر مدرسة أهل البيت (علهم السلام) لم يترجموا له مطلقاً،وهذا امر يدوعوا إلى التوقف كثيراً.
ومن خلال دراسة السند والمتن نرجح عدم صحة الرواية وذلك للملاحظات التي سجلت على ثنائية الرواية المتمثلة في السند والمتن.
[1] -سورة القصص الآية 68.
[2] -سورة الحج ،الالآية 46.
[3] -سورة محمد ، الالآية 8.
[4] -الخزاز ، كفالآيةالاثر،197./ البحراني ،كثف المهم،188/ المجلسي،بحار الأنوار،353،36 / وورد بدون سند عند النباطي ،الصراط المستقيم،122،2
[5] – العقيلي ، ضعفاء العقيلي ،239،2.
[6] – المجروحين،91،3
[7] – ميزان الاعتدال،304،4.
[8] – النجاشي،رجال النجاشي،434/الحلي،خلاصة الأقوال،289/ابن داود ،رجال ابن داود ،201/التفرشي ،نقد الرجال،75،4/الأردبيلي،جامع الرواة،318،3.
[9] – ابن عبد البر،الاستيعاب ،782،2.
[10] – ابن عبد البر،الاستيعاب ،99،1.
[11] – الرازي ،الجرح والتعديل ،346،6/ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق،279،25.
[12] -.المزي ،تهذيب الكمال،530،13.
[13] – الطبقات ،77،5/الأنصاري،خلاصة تذهيب تهذيب الكمال،371.
[14] – معرفة الثقات ،266،2