الرواية السابعة عشر
معصوبة الرأس
روي :((أن فاطمة 3 لا زالت بعد النبي معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن من المصيبة ،بموت النبي 6 وهي مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كئيبة حزينة باكية العين محترقة القلب يغشى عليها كل ساعة ،وحين تذكره وتذكر الساعات التي كان يدخل عليها، فيعظم حزنها وتنظر مرة إلى الحسن ومرة إلى الحسين وهما بين يديها 3 ، فتقول أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرة بعد مرة أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما، فلا يدعكما تمشيان على الأرض ؟ فأنا لله وأنا إليه راجعون، فقد والله جدكما وحبيب قلبي ولا أراه يفتح هذا الباب ابدا ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما ثُمَ مرضت مرضاً شديداً ، ومكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن توفيت( صلوات الله عليها)…)). ( ).
لابد أن نسجل عدد من الملاحظات على الرواية عبر الاتي.
اولاً: السنـــــد:
إن اهم ما يسجل على الرواية أنها من الروايات المرسلة اذ لم ترو بسند مطلقاً،الأمر الذي يجعل هذا النص ساقطاً في الاحتجاج به .
ثانياً: المتــــــن.
ابرز ما نشير اليه بعد دراسة المتن الاتي.
1-إن اقدم من روى هذا النص الفتال النيسابوري وهو من علماء مدرسة أهل البيت:،والمتوفى 508هــــ.
2-أختصت مدرسة أهل البيت : في رواية هذا النص فقط ،وعدم روايته من قبل مدرسة الخلفاء.
3-يصور النص حال السيدة فاطمة3 بصورة من البؤس واليأس من الحياة، وأنقطاعها الى ذلك طيلة حياتها بعد رسول الله 6.
4-إن النص يصور حال الغشية الدائمة التي تصيب السيدة فاطمة 3، في كل ساعة، وهذا الأمر لا يمكن تصوره مطلقاً.
5-النص يصور الحال الذي عاشته السيدة فاطمة3 من الحزن والبكاء الدائم الغشية التي تصاب بها ونحوذلك، السبب الحقيقي الذي اوصلها الى المرض ثُمَ الوفاة.
إن هذه النقاط الثلاثة الاخيرة التي تشير إلى اشكاليات في متن الرواية يمكن تعزيز ودعم ما تمت الإشارة اليه بعدد من المرويات ابرزها الاتي.
أ-روى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله 7 قال : قال أمير المؤمنين 7:(( أَمروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم فأن فاطمة 3 لما قبض أبوها 6 أسعدتها بنات هاشم فقالت : اتركن التعداد وعليكن بالدعاء)) .( ). وفسر الكاشاني ((الإسعاد)) المعاونة والنصرة و ((التعداد)) عد المفاخرة والمكارم وذكر ما لا فائدة فيه ، مما يشبه الشكوى وقد مضى حكم النائحة وكسبها في كتاب المعايش ( ).واكتفى السبزواري في بيان المراد بقولها 3 : (اتركن التعداد ) أي التهيئة المتعارفة بينهنّ للنياحة من إرسال الشعر ونحو ذلك ، أو تعداد ما لا فائدة فيه من المفاخر الدنيوية ( ). ويشر العاملي الى معنى هذا الحديث بقوله:((ونستوحي من هذا الحديث أن الزهراء 3 كانت متوازنة ابان وفاة أبيها ، رغم فداحة المصيبة…)). ( ).
ب- عن عمرو بن أبي المقدام ، قالت : سمعت أبا الحسن أو أبا جعفر8 يقولوا في هذه الآية : ((ولا يعصينك في معروف)) قال : أن رسول الله6 قال: لفاطمة 3 : إذا أنا مت فلا تخمشي علي وجها ، ولا ترخى علي شعرا ، ولا تنادي بالويل ، ولا تقيمي علي نائحة . ثُمَ قال : هذا المعروف الذي قال الله عز وجل في كتابه : ” ولا يعصينك في معروف )). ( ).
ت- روى سلمان الفارسي ( رضي الله عنه ) ، قال : (( دخلت على رسول الله 6 في مرضه الذي قبض… ودخلت فاطمة 3 ابنته فيمن دخل ، فلما رأت ما برسول الله 6 من الضعف خنقتها العبرة حتى فاض دمعها على خدها ، فأبصر ذلك رسول الله 6 فقال : ما يبكيك يا بنية ، أقر الله عينك ، ولا أبكاها ؟ قالت : وكيف لا أبكي ، وأنا أرى ما بك من الضعف . قال لها : يا فاطمة ، توكلي على الله واصبري كما صبر آباؤك من الأنبياء …)) ( ).
6- إن النص يصور حال السذاجة الفكرية التي عليها سيدة النساء 3،بسبب حال الحزن التي عليها.وهذا نجد مصاديقه في الحوارت الاجتماعية بينها 3،وبين ابنائها: .وهذا الأمر لايمكن قبوله فالسيدة فاطمة3 ،المرأة التي عرفت بالبلاغة والفصاحة،وهناك عدد من الشواهد التي تثبت ذلك ومن أبرزها الخطبة الفدكية الكبرى التي حملت عدد من المعاني والتي شكلت بدورها عبر التاريخ محطة من محطات الاهتمام من قبل الباحثين لينهلوا منها .
7-إن النص أشار الى اطلاق السيدة فاطمة3 لفظ ابوكما على ابنائها : ، أشار الى رسول الله 6.وفي ذات النص تطلق جدكما.وهذا يصور لنا حالة الاضطراب الفكري في داخل النص.فضلا عن ذلك لم يرو التاريخ أن السيدة فاطمة3 كانت تعبر عن رسول الله 6 في خطاباتها مع ولديها3 بابوكما.
8-إن الأحوال التي يسجلها النص على السيدة فاطمة3 تقدح في شخصيتها المقدسة ،وترسل رسائل عديدة أبرزها الجزع والقنوط من رحمة الله.
9-سجل النص أن تاريخ وفاة السيدة فاطمة3 كان بعد اربعين يوم من رحيل رسول الله6.وهذا خلاف المشهور والمتسالم عليه ،فالمشهور روى عدد من الروايات منها الاتي.
أ- ما روى عن أبي جعفر محمد بن علي أنها توفيت بعده بثلاثة اشهر. ( ).
ب- عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد 7 ، قال : ((… .وقبضت في جمادي الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه ، سنة إحدى عشرة من الهجرة …)). ( ).
وعلى ضوء الملاحظات التي تم تسجيلها على الرواية من ناحية الرواية السند والمتن ،نتبنى القول بعدم صحة هذه الرواية.