مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
سر تسميتها(ع) بالبتول/المصدر: موقع الميزان
+ = -
سر تسميتها(ع) بالبتول
جرت عادة الباحثين والكاتبين حول حياة السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها عند التعرض لاسمها المبارك (البتول) البحث حول قانون العلية والمعلولية كقانون وسنة ربانية جعلها البارئ عز وجل منذ الخلقة الأولى، فنجد أنه لا يوجد معلول دون علة مؤثرة فيه أو لا توجد أسباب إلا ولها مسبب حقيقي، وبعبارة أخرى لا يوجد أي شيء دون أن تكون له علة مؤثرة فيه، وعلى هذا الأساس نجد أن الكثير قد طعنوا في اسمها الذي نحن بصدد الوقوف معه في هذه الصفحات حيث يقتضي اسم البتول مخالفة قانون العلية كل ذلك لما لهذا الاسم (البتول) من معنى مؤثر وفاعل على طبيعة الحياة البشرية، ولو أن هؤلاء الذين وقفوا موقف التعنت لهذه الكرامة ولهذا المقام السامي وتأملوا في مراجعة القوانين الكونية والسنن الإلهية لوجدوا أن هناك الكثير من هذه القوانين قد خرقت وبتأييد من الله تعالى وهذا ما نجده من خلال مراجعة القرآن الكريم باعتباره المصدر الأول للتشريع الإسلامي ولقضايا المهمة التي ربما لا يوجد لها حل «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ» أي لا يوجد شيء من الأمور التي تعرض لنا في الحياة إلا وله أساس ومعرفة وبيان من القرآن الكريم، أما من الذي يستطيع إدراك هذا البيان ومعرفته المعرفة الحقة فهذا ما نراه واضحا بالرسول  والأئمة من بعده: ثم من بعد ذلك نرجع إلى الذين أوصى بهم الأئمة بالعودة إليهم بعد غيبة القائم عجل الله تعالى فرجه “وأما الحوادث الواقعة في زمن الغيبة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم”، إذن لا بد بالنتيجة النهائية أن نرجع إلى القرآن الكريم ونرى هل أن هناك قوانين شذ عنها الكثير من الناس وحسب ما ارتضاه الله تبارك وتعالى؟ (نعم) بهذا القول سوف يجيبنا القرآن الكريم فثمة هناك شواهد واضحة البرهان جلية البيان، صريحة في معناها متقدة في مغزاها أثبتت من خلال واقعيتها مدى صحة مدركيتها فهذه النار التي جعلت لإبراهيم بردا وسلاما وخالفت قوانين الطبيعة في سلوكها وخاصيتها المحرقة وهذه شجرة من يقطين أنبتت ليونس بعد أن نبذه الحوت بالعراء وهو سقيم، مع العلم بأن حبة اليقطين تحتاج إلى مدة غير قصيرة، حتى تنبت وتورق وتستر بورقها جسم إنسان أو غير إنسان، وهكذا نجد في شذوذ الكثير من المسائل عن القوانين والسنن الإلهية، فهذه مريم مخالفة في ولادة عيسى من غير أب مسألة قانون التناسل البشري الطبيعي، وكذلك هناك طوائف عديدة وأمثلة واضحة تدل دلالة صريحة على أنه هناك الكثير من القوانين قد خرقت بقدرة الله تعالى باعتباره هو مسبب الأسباب الطبيعي بل هو الجاعل لهذه السنن القدرة بهذه الكيفية كل هذا المقال الذي قلنا به وبينا الشيء اليسير منه لكي نرجع إلى قضية فاطمة سلام الله عليها في كونها بتول منقطعة عن الحيض، فهل هذا اختلاف وتغير في قانون الطبيعة أم هي كرامة من الله تعالى لها؟ وهل لهذه المسألة وجه يخرج عنه المتحير فكره إلى الصحيح من البيان؟ نعم نقول في فاطمة  كانت بتول بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى وسبق أن قلنا أن هذه المسألة لم تكن الفريدة من نوعها، بل توجد شواهد قرآنية عليها ومن خلال أبسط استقراء للقرآن الكريم نرى هذا الشيء الواضح.
أما بيان البتول والوقوف عليها، وبيان الوجه في ذلك فهذا ما سيظهر لنا من خلال مراجعة كتب اللغة والحديث والتاريخ لنرى كيف كانت فاطمة سلام الله عليها بتول بكل ما تحمل هذه الكلمة من مدلولات واضحة.
أما بيان معنى هذه الكلمة من خلال مراجعة كتب اللغة فيظهر من خلال هذه الكتب أنه سئل أحمد بن يحيى عن فاطمة رضوان الله عليها بنت سيدنا رسول الله: لم قيل لها: البتول؟ فقال: لانقطاعها عن نساء أهل زمانها ونساء الأمة عفافا وفضلا ودينا وحسبا. وقيل: لانقطاعها عن الدنيا إلى الله عز وجل…
وقيل : تبتيل خلقها انفراد كل شئ عنها بحسنه لا يتكل بعضه على بعض. قال ابن الأعرابي: المبتلة من النساء: الحسنة الخلق، لا يقصر شيء عن شيء، لا تكون حسنة العين سمجة الأنف، ولا حسنة الأنف سمجة العين، ولكن تكون تامة.
وقال ابن الأثير: وامرأة بتول: منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم، وبها سميت مريم أم المسيح. وسميت فاطمة “البتول” لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسبا. وقيل: لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى.
وقال الطريحي: والبتول فاطمة الزهراء بنت رسول الله، قيل: سميت بذلك لانقطاعها إلى الله وعن نساء زمانها فضلا، وعن نساء الأمة فضلا وحسبا ودينا .
وورد عن النبي(ص) أنه قال: “سميت فاطمة بتولا لأنها تبتلت وتقطعت عما هو معتاد العورات في كل شهر، ولأنها ترجع كل ليلة بكرا. وسميت مريم بتولا لأنها ولدت عيسى بكرا”.
وعنه: “وإنما سميت فاطمة “البتول” لأنها تبتلت من الحيض والنفاس”…
وعن علي  قال: “إن النبي  سئل: ما البتول؟ فإنا سمعناك يا رسول الله تقول: إن مريم بتول، وفاطمة بتول؟ فقال: البتول التي لن تر حمرة قط، أي لم تحض، فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء”.
وعن عائشة قال: إذا أقبلت فاطمة كانت مشيتها مشية رسول الله، وكانت لا تحيض قط، لأنها خلقت من تفاحة الجنة، ولقد وضعت الحسن بعد العصر، وطهرت من نفاسها، فاغتسلت وصلت المغرب… وقال رسول الله: “إن ابنتي فاطمة حوراء، إذ لم تحض ولم تطمث”.
وروى الحافظ أبو بكر الشافعي عن ابن عباس قال: قال رسول الله: “ابنتي حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث… الخ.
وروى ابن عساكر عن أنس بن مالك عن أم سليم قالت: لم تر فاطمة دما في حيض ولا في نفاس.
وروى الطبري عن أسماء بنت عميس قالت: قبلت: (أي ولدت) فاطمة بالحسن فلم أر لها دما في حيض ولا نفاس، فقال النبي: “أما علمت أن ابنتي طاهرة، لا يرى لها دم في طمث ولا ولادة”.
وعن أبي عبد الله  قال: حرم الله النساء على علي ما دامت فاطمة حية، لأنها طاهرة لا تحيض”.
وفي كتاب “مولد فاطمة عليها السلام” لابن بابويه، يرفعه إلى أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله وقد كنت شهدت فاطمة إن فاطمة خلقت حورية في صورة إنسية.
وعن أبي جعفر، عن آبائه: قال: “إنما سميت فاطمة بنت محمد “الطاهرة” لطهارتها من كل دنس، وطهارتها من كل رفث، وما رأت قط يوما حمرة ولا نفاسا”.
أقول: يظهر من التأمل في كلمات أصحاب الصحاح من أهل اللغة والبيان أنهم حملوا معنى الانقطاع بالنسبة للفظ البتول محملا جيدا وفسروه بأنه انقطاع عن نساء زمان فاطمة من ناحية العفة والفضل والدين والحسب، وكذلك حملوه على الزهد عن الدنيا وانقطاعها سلام الله عليها عن الدنيا وهذه المعاني التي حملوا اسم البتول عليها وإن كانت جيدة ومفيدة وواضح من خلال السليقة العربية ومفاهيمها إلا واقع الحال والمقام لا يساعد على هذا الحمل ولا يظهر فيه نتيجة وجود مرجحات وشواهد وقرائن واضحة لمن أراد استقصاءها في معنى اسم البتول، وخير شاهد على هذه القرائن هو ما قدمناه من الروايات الواردة في المقام من الخاصة والعامة، فهي أفضل دليل على أن المراد من كلمة واسم البتول هو ما أطلقت وبينت الروايات الشريفة، فالمقول الذي نقول به ونرجحه على كلمات أهل اللغة في معنى البتول في أنه هذا الاسم ظاهر في التي لم تر حمرة قط ولم تحض أبدا وهو الذي يساعد عليه المقام فتأمل في هذه الروايات المباركة.
أما ما يظهر من كلمات بعض الذين وقفوا موقف المتحير ولا يجد أي طريق لحل هذه المعضلة والتي حسب آرائهم أنها مخالفة لنظام العلل والمعاليل والأسباب، وأن قضية أن فاطمة سلام الله عليها لا ترى الدم ولا الحيض وأمثال هذه القذارة، فحسب قولهم أنها مخالفة لحديث الإمام الصادق  حيث قال: “أبى الله أن يجري الأشياء إلا بأسبابها فجعل لكل شيء سببا” وذلك من جهة خروجها عن هذا النظام الأكمل في الطبيعة فنقول: قد تبين الحال من خلال مراجعة القرآن الكريم وأن الكثير من الشواهد القرآنية تدل دلالة قطعية على أن الله تعالى قد تصرف في ملكه وقهر الكثير من القواعد المطردة في الطبيعة الكونية “ذلت لقدرتك الصعاب وتسببت بلطفك الأسباب ” “ويا مسبب الأسباب من غير سبب”.
وقد علق المحقق الهمداني على هذه المسألة ببيان واضح ذو فائدة جلية ومضامين عالية وغير مخالفة لما هو الأساس من هذه المسألة حيث قال: توجد في القرآن الكريم طائفة من القصص والوقائع والحوادث لا يساعد عليها جريان العادة المشهورة في عالم الطبيعة على نظام العلة والمعلول المعهودة، كحمل مريم سلام الله عليها، فإنها مع أنه لم تمسسها بشر حملت بولدها عيسى، وكحمل سارة بإسحاق  مع أنها كانت عجوزا، وكحمل امرأة زكريا بيحيى مع أنها كانت عاقرا، وأمثال ذلك في المعجزات وخوارق العادات التي يثبتها القرآن لعدة من الأنبياء الكرام كمعجزات نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وداود وسليمان وموسى وعيسى ومحمد(ص)، فإن كل ذلك أمور خارقة للعادة.
فبعد هذا البيان يظهر للقارئ الكريم بطلان ما يقال: إن الحيض في النساء من لوازم الخلقة، فخلو المرأة عنه نقص، وإن العادة الشهرية علامة وسبب للولادة، لأنا نقول: ليس الخروج من مضايق الطبيعة نقصا بل ربما يكون كرامة يا لها من كرامة! على أن الحيض بنفسه قذارة ورجس، كما قال الله عز وجل «قُلْ هُوَ أَذًى» أي قذارة يتأذى منها، فإن المرأة حين حدثت لها العادة الشهرية تنفعل وتخجل وتنكسر ولا ترضى أن تصرح بها لكل أحد وإن كان أمس الناس إليها من الرجال والنساء، وقد تحدث فيها ضعف، ومن ذلك سقطت عنها في هذه الأيام الصلاة والصوم، وحرم عليها اللبث في المساجد، وغير ذلك من الأحكام المذكورة في كتب الفقه، حتى حين حاضت صارت ناقصة الإيمان كما نبه عليه الإمام علي(ع) بقوله: “فأما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن”.
فعلى هذا: إن الله عز وجل تفضل على سيدة النساء فاطمة البتول العذراء سلام الله عليها بالولادة الكاملة من دون رؤية هذه القذارة. وهذه فضيلة سامية لها، وتطهير زائد في ذاتها سلام الله عليها.
وإن الله عز وجل لا يرضى أن تتلوث سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين بهذه القذارة أو غيرها ظاهرة كانت أو باطنة، كما قال في حقها: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»، وعن النبي: يا حميراء، إن فاطمة ليست كنساء الآدميين، لا تعتل كما يعتللن.

المصدر: موقع الميزان دوت نت.