حب الخير للآخر ثوب يرفل به كل إنسان يتمتع بروحية سامية، تنقدح هذه الهمّة من عدة عوامل وأسباب وأهمها الابتعاد عن المحورية؛ تلك التي تدور حول الذات والهوى والدنيا والشيطان.
السيدة فاطمة الزهراءعليها السلام تمثّل الحق المطلق والانسان الكامل وقمة القمم في كل قيمة ومبدأ لأنَّ لها عصمة كبرى، ولذلك فهي تمثّل وتطبّق هذه الصفة بأجلى وأبهى صورة، فكيف تجسدت هذه الصفة فيها صلوات الله عليها، وماهي الثمار التي نجنيها نحن بالتحلّي بها أو محاولة الوصول لها؟
في كل مفاصل حياة السيدة الزهراء ومواقفها كانت فيها تؤثر الغير على نفسها، تداريهم، تساعدهم، وكذلك في دعائها كانت تدعو لغيرها قبل نفسها، ينقل عن الامام الحسن عليه السلام أنه سمعها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتدعو للناس وللمسلمين عامة، وعند الصباح قال لها: يا أماه أما تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟
فقالت: يا ابني الجار ثم الدار.
إنها كلمات بسيطة وقليلة لكنها تحوي الكثير من المعاني العالية التي من الصعوبة حملها وممارستها إلا ذوو النفس العظيمة.
حب الخير للآخر ليس سهلاً بل هو صعب جداً وقلّة من الناس تجدها كذلك، إنها صفة تحتاج إلى مراقبة دائمة وجهاد وتنازُل، فطبيعة الانسان ميالة لحب الدنيا “فآفة النفس الوله بالدنيا”، كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام، وهي تحب وتميل لاستئثار كل ما هو جميل وناجح ومميز لها وحدها دون الغير.
ومن هذه الصفة تتفرع صفات أخرى ومنها السعي لقضاء حاجات الناس ومعاونتهم بكل جهد ورغبة وهذا له دور أساسي في صياغة شخصية الانسان وبنائه بناءً سليماً، وهذه الصفة بلا شك كغيرها تُزرع من الطفولة وتنمو مع الوقت بالسقي الدائم والمتابعة المستمرة. فتعليم الطفل وتشجيعه على مشاركة ألعابه مع أقرانه تشكّل بداية للتنازل عنها مع الوقت لمن هو في حاجة لها، وخلاف ذلك تتحول النفس شيئا فشيئا إلى صنم.
هناك عدة ثمرات لقاعدة؛ الجار ثم الدار، ولا سيما في نقطة الدعاء ومنها:
_ هي صفة مفتاحية للكثير من الصفات التي تقربنا من الله عزوجل، ولا سيما إذا اقترنت بالاخلاص.
_ عندما تدعو للآخر سيقضي الله حاجتك أيضاً، كما يقول الحديث الوارد عن أبي عبد الله عليه السلام: “أوشك دعوة وأسرع إجابة دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب”.
وعن أبي جعفر عليه السلام: “أسرع الدعاء نجحا للإجابة دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب، يبدأ بالدعاء لأخيه فيقول له ملك موكل به: آمين ولك مثلاه”.
_ موجب لزيادة الرزق ودفع البلاءات: يقول أبي عبد الله صلوات الله عليه:
“دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب يدر الرزق ويدفع المكروه”.
_ اجتماعيا، الساعي لقضاء حوائج الناس والذي يقدّم رغباتهم واحتياجاتهم على احتياجاته الشخصية هو في الغالب شخص محبوب ومبارك وبالطبع سيأتي يوم ويرد الآخرين أو بعضهم له الجميل ولو بعد حين وسيقف معه الكثير في الشدائد.
_ نفسياً، كلما ابتعد الانسان عن دائرة الأنا والتفكير برغباتها التي لا تنتهي، واستبدل تلك الدائرة بدائرة التفكير وحمل همّ الآخرين، كان ذلك باعثاً للسكينة والسعادة وراحة البال.
وأخيراً، لتنمية هذه الصفة وجعلها مَلَكة، على الانسان أن تكون له خطوات وسعي في سبيل ذلك، عليه أن يعلم من أين يبدأ؟ كيف؟ ومع من، ولنا في الصديقة الطاهرة أسوة حسنة.فاطمة الزهراءالانسانالسلوكالخير والشرالايمان