تمر بنا الأيام الفاطمية ونحن نتطلع لما بين أيدينا من قدوات وأسوات عظيمة بكل صفاتها وأسمائها.. وترنو أبصارنا إلى تلك الشجرة اليانعة المثمرة بكل صنوف الخير.. منها انبثق خيرة ذراري رسول الله صلى الله عليه وآله.. حينها خسأ الذين شمتوا وقالوا عنه أبتر، فمنه وإليه وإلى زهرائه تنمى كل فروع العطاء والسؤدد والوفرة والخير العميم.
كيف ارتقت الزهراء عليها السلام هذا المرقى وهي على قلة سنوات عمرها الشريف؟
وكيف استطاعت أن تتبوأ هذا المقام الفريد حتى غدت سيدة نساء العالمين؟
وأي دور اضطلعت به الزهراء على مسرح الحياة حتى صارت سيدة المسرح بلا منازع؟
كل منا له دور ينبغي أن يؤديه على هذا المسرح، قد ينجح أحدنا وقد يخفق آخر، إلا أن الجميع بلا استثناء سيتركون بصماتهم تحكي عنهم وآثارهم تدل عليهم..
الزهراء سلام الله عليها امرأة عظيمة بكل المقاييس بل ليس هذا فحسب وإنما أيضا استثنائية والحديث عنها هو الآخر استثنائي لأنه حديث عن أعظم شخصية نسائية عرفها التأريخ.
فالزهراء شخصية متفردة بين النساء.. تميزت بعلو الهمة ورفعة المقام وعظيم السجايا والأخلاق الفاضلة، ما بوأها منزلة رفيعة تسمو على كل المنازل..
حسبها استحقاقها وبكل جدارة وبشهادة أبيها النبي الأكرم والذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، أن تكون سيدة نساء العالمين من الأولين والاخرين.
وحسبها أيضا من علّو مرتبتها السامية، وسمو درجتها العالية أنها عليها السلام كوثر البشارة في (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) ومشكاة نور الله في (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاة) وأم أبيها، وسيدة نساء أهل الجنة، بل سيدة نساء العالمين، وهي المرأة التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها.
وحسبها أيضا أنها مفترضة المودة في كتاب الله مع أبيها وبعلها وبنيها، فهل هناك منزلة أعظم من هذه المنزلة التي جعل الله مودتهم أجرا لرسالة نبيه وحبيبه المصطفى؟
فيا سوسنة خيرة الآباء.. ويا وليدة خيرة النساء.. يانفحة الجنة وفردوسها الأعلى.. ياعديلة مريم .. يافاطمة
وهل نزلت (هل أتى) إلا فيك وفي بعلك وٱبنيك؟!
أي مكرمة حبتك السماء بها يا ابنة المصطفى؟ وأي جائزة انالتك يد القدرة ياسيدة النساء؟
نذر لله نذرتموه ياسادتي وإذا بالسماء تثّمن نذركم فيهبط وحي الله على قلب رسول الله بالبشرى لكم وحسن مآب، الانسانية فيكم تجذرت وتبرعمت وتفرعت حتى غدت شجرة مونقة وارفة الظلال، أصلها ثابت وفرعها في السماء.
يابيت النبي ويادوحة الأسرة الهاشمية.. بكم فتح الله.. إذ منّ بكم علينا فتوجهنا صوب بيوتكم لأن بيوتكم خير البيوت ومنازلكم خير المنازل.. في بيوت أذن الله أن تُرفع ويذكر فيها ٱسمه.. وعندكم آيات الله تتلى آناء الليل وأطراف النهار.. وفي شأنكم توافق شأن السماء حتى هبطت من عليائها ‘هل أتى’.. فافتّر ثغر الأرض عن بسمة ساحرة تحكي للأجيال قصة الانسان.
ياسادة الكون ياآل محمد.. تبيتون جياعا وفيكم ريحانتا رسول الله يتقلبان كريشتين في مهب الريح.. تصبرون على سغب ثلاث ليال، فتكرمكم السماء بكرامة أبدية، تُتلى وترتّل على مسامع الدهر آيات بيّنات تحيل صحاري أيامنا واحات غنّاء مخضّرة، تعبق بشذى الرياحين والورود.
فيا أمنا الزهراء ياكبيرة القلب.. ويا عظيمة اليد ويا انحناءة السنابل في كل المواسم، وأنت تخبزين خمسة أرغفة لتطعمي أهل بيتك..
يأتي المسكين فتطعموه..
ويأتي اليتيم فتطعموه..
ويأتي الأسير فتطعموه..
ثم تبيتون جياعا _ لوجه الله _ لا تريدون جزاء منهم ولا شكورا..
فتنزل حظوة الشاهد العظيم في حقكم.. لتسقيكم وتقيكم، وتتلقاكم السماء بوابل عطائها نضرة وسرورا.. فتلك والله عقبى الذين آمنوا.
فهنيئا لكم _ ياسادتي _ تلك الدرجات العلى وهنيئا لكم بما قدمتم وآثرتم على أنفسكم.. وهنيئا لنا بكم لانتصار الانسان في باطنكم وظاهركم..