مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
لا إفراط ولا تفريط.. الزهراء نموذجا!
+ = -

الحاج محمد والدكتور علي صديقان وجاران منذ زمن.. على الرغم من تلاصق داريهما إلا انه بينهما فرق شاسع في الافكار والمعتقدات ..الحاج محمد يعتقد انه من التدين أن لا تخرج البنت من البيت أبدا.. فلا حاجة لذهابها الى المدرسة.. ولا يحق لها ابداء رأيها في أي موضوع يطرح.. الرجل فقط من يحق له التكلم وهو صاحب القرار الاول والاخير.. لذلك ابنته “فاطمة” لم تكمل دراستها الابتدائية.. ولا قرار لها بين اخوتها.. وهي حبيسة الدار لا تخرج حتى لزيارة مراقد اهل البيت إلا في السنة مرة، بحجة الازدحام وحسب اعتقاده أن الدين يكره خروج المرأة.

اما الدكتور علي فعكسه تماما.. يعتقد ان الدين يكون في القلب فهذا هو المهم.. ابنته ” نور” غير محجبة بحجة انه احسن تربيتها، لذلك هي قادرة على صون نفسها بشكل جيد.. الحجاب يقيد انشطتها.. ولا ينزعج من صوت ابنته المرتفع في كل مكان.. فيقول لتأخذ حقها حتى ولو بالصوت العالي.

في احدى الليالي كان الدكتور علي مارا على مسجد في منطقتهم، لاحظ وجود اعلان لمجلس بذكرى استشهاد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، وعلى غير عادته قرر الدخول والاستماع، فهو يرى انه لا داعي لهذه المجالس طوال السنة، في محرم تقام مجالس العزاء وهذا يكفي..

دخل فوجد الحاج محمد بصفته رجلا متدينا جالسا ومتأهبا لمجلس العزاء، جلس بجواره وبدأ بالتحدث حول اعمالهما، حتى صعد الخطيب على المنبر ورفع الحضور اصواتهم بالصلوات على محمد وآل محمد ثم ساد الصمت في المجلس.

بدأ الخطيب يقرأ ابياتا من الشعر وينعى فيها مصاب مولاتنا سلام الله عليها ووصل الى:

لـكنها لاذتْ وراءَ البــــــــابِ

رعايةً للسترِ والحجـــــــــابِ

فمُذ رَأَوها عصروها عـــصــرة

كادت بنفسي أن تموتَ حسرة

والكل يضج بالبكاء.. دخل الدكتور علي في دوامة سوداء فلا يرى شيئا أمامه.. أمواج الافكار ترتطم يمينا ويسارا داخل عقله.. اي دين كنت اعتقد به! كيف ادعي اني شيعي ومحب للزهراء عليها السلام.. وانا لا أرى للحجاب قيمة! وهذه بضعة رسول الله ضحت بجنينها وضلعها وحياتها فقط رعاية للحجاب! والدموع تنهمر من عينيه حسرة لجهله بما ضحت من اجله سيدة الوجود.

انهى الخطيب ابيات النعي.. وبدأ يطرح على الحضور بحثه الذي كان محوره الاساسي ذكر مواقف السيدة فاطمة في الحفاظ على الدين ونصرة الامام علي (عليه السلام) ..فبدأ يذكر مقتطفات من خطبتها سلام الله عليها عندما وقفت امام طواغيت ذلك الزمن لتطالب بحقها.. وبكل صلابة قائلة: أيها الناس اعلموا أني فاطمة وأبي محمد صلى الله عليه وآله أقول عودا وبدا ولا أقول ما أقول غلطا ولا أفعل ما أفعل شططا ((لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)) فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم ولنعم المعزى إليه (ص) فبلغ الرسالة صادعا بالنذارة مائلا عن مدرجة المشركين .

بينما الخطيب مسترسل بعرض بلاغة خطبة السيدة فاطمة (عليها السلام) انتبه الحاج محمد الى خطأه الذي ارتكبه بحق ابنته.. كيف كان يربيها على اساس: كوني كفاطمة لا تخرج من البيت..

ها هي سيدة النساء تخرج لتطالب بحقها بكامل عفتها وحشمتها وبقمة البلاغة والعلم والمعرفة تتكلم.. ويتساءل: اذا تعرضت ابنتي لنقاش ما كيف ستجيب وهي لم تتثقف بشيء ديني او دنيوي؟! أهكذا كانت الزهراء؟.

ثم ازاح الافكار قليلا ليصغي الى الخطيب فهو يريد فهم المزيد علّه يستطيع ان يعالج اخطاءه، فوجد الخطيب يذكر أن الامام علي (عليه السلام) كان يأخذ الزهراء معه الى بيوت اهل المدينة، ليذكرهم بوصية رسول الله (ص)! حيث كانت سيدتنا توضح دور المرأة في الدفاع عن دينها ونصرة الحق… هنا عرف الحاج محمد ان مكان المرأة ودورها لا يقتصر على البيت… فهي تناصف الرجل في نصرة الدين .

انتهى مجلس العزاء وعاد كل من الحاج محمد والدكتور علي الى البيت، يحملان افكار الدين الصحيحة.. حيث الطريق السليم هو اتباع محمد وآله واتخاذهم قدوة .