مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
ثمرة الجنان الزهراء (ع) وأبعاد التكوين/العلامة السيد منير الخباز
+ = -

ثمرة الجنان الزهراء (ع) وأبعاد التكوين
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾
صدق الله العلي العظيم
تفاحة   من   سدرة   المنتهى تكوّنت   من   الشذى   والبها
ذابت بصلب المصطفى فازدهى وأشرقت   من   نوره   الزهراءُ
من  تربة الأرض وماء الجنانْ تورّدت   في   وجهها  وجنتانْ
لو   كان  إنسانٌ  له  معنيانْ فإنها     الإنسيةُ     الحوراءُ
انطلاقًا مما تعرّض إليه أغلب المؤرخين في شأن السيدة الزهراء من أن ولادتها ونطفتها تكوّنت من ثمار الجنة.. نزل جبرئيل على النبي المصطفى بتفاحةٍ أو ثمرةٍ من ثمار الجنة، وتناولها الرسول ، والتقى بخديجة بنت خويلد «رضي الله تعالى عنها»، فحملت بالسيدة الزهراء ، وكان الرسول يقول: ”إذا أردت أن أشمَّ رائحة الجنة شممتُ ابنتي فاطمة“، كانت إذا أقبلت قام إليها وقبّل ما بين عينيها وقال: ”إنّي أشم منها رائحة الجنة“. حديثنا انطلاقًا من هذه الصفة الكمالية التي تمثلت في السيدة الزهراء في نقطتين:
في حقيقة هذا الكمال الذي اتسمت به الزهراء .
وفي أهمية الثقافة الجنسية من أجل تحصيل الولد المتكامل.
النقطة الأولى: أسرار تكوين الزهراء .

المؤرخون يذكرون أن الزهراء تخلّقت نطفتها وتكوّنت نطفتها من ثمرة الجنة أو من تفاحةٍ من الجنة، السؤال المطروح: ما هو وجه الربط بين الثمرة وبين الكمالات التي تمتّعت بها شخصية السيدة الزهراء ؟ هذا المخلوق الذي كان طاهر الصفات، طاهر السلوك، عاشقًا لله، فانيًا في ذات الله، عاش عشرين سنة أو أقل أو أكثر، لم يعشها إلا مع الفضيلة ومع الطهر ومع النقاء ومع الارتباط بالله عز وجل، ما هو وجه الربط بين كون الثمرة من الجنة وبين ولادة هذه الشخصية المعصومة الطاهرة الجوهرة القدسية التي كانت حلقة واصلة بين نور النبوة ونور الإمامة فاطمة الزهراء ؟ لكي نعرف وجه الربط بينهما لا بد أن نتعرض هنا لدليلين: الدليل الفلسفي، والدليل العلمي.
الدليل الأول: الدليل الفلسفي.

ذكرنا عدة مرات – وأنتم سمعتم ذلك – أن النظرية الصحيحة عند الفلاسفة أن الروح نتيجة حركة المادة، الروح لم تأت عن فراغ، روح الإنسان لم تأت من الهواء ولا من الفضاء، النفس البشرية تولّدت نتيجة حركة المادة، نتيجة حركة النطفة، هذا ما عبّر عنه صدر المتأهلين الشيرازي بالحركة الجوهرية في صميم المادة، وعبّر عنه الملا هادي السبزواري في منظومته في الفلسفة:
كمال    أول   لجسم   آلي
النفس في الحدوث جسمانية   نفسٌ  ترى  بالدرك  والأفعالِ
وفي   البقا  تكون  روحانية
ما معنى هذا الكلام؟ ذكرنا سابقًا أن النطفة عندما تلتصق بجدار الرحم، هذه النطفة تتحرك، لا تبقى واقفة، ليست حركة مكانية، وليست حركة زمانية، وإنما حركة جوهرية، النطفة في صميم ذاتها ونواتها تتحرك حركة ذات بعدين: بعد مادي وبعد تجريدي، تتحرك من ناحية البعد المادي فتنتقل من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى العظام إلى الجسد المتكامل، هذه حركة في البعد المادي، ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾، النطفة تتحرك في البعد المادي من حيوان منوي إلى أن تصبح جسدًا متكاملًا، هذه حركة في البعد المادي.
وهناك حركة في البعد التجريدي، كانت النطفة تملك طاقة من طاقات الحياة، حينما كانت حيوانًا منويًا ملتصقًا بجدار الرحم، كانت تمتلك طاقة من طاقات الحياة، وهي ما يعبّر عنها بالحياة الطفيلية، ثم انتقلت لطاقة أخرى عبر الحركة، نتيجة الحركة انتقلت من حياة طفيلية إلى حياة نباتية، حياة النمو، حياة التكامل، ثم انتقلت إلى حياة ثالثة، وهي الحياة الحيوانية، حياة الإحساس، حياة الحركة داخل الرحم، ثم انتقلت إلى حياة بشرية، وهي حياة العقل والانتقال من المعلومات إلى المجهولات، هذا هو المائز بين البشر وغيره، انتقال العقل من المعلومات إلى المجهولات.
هذا التدرج من حياة طفيلية إلى حياة نباتية إلى حياة حيوانية إلى حياة إنسانية يسمى بحركة جوهرية للنطفة في نواتها ولكن من ناحية وفي إطار البعد التجريدي، إلى أن تصبح عقلًا مفكّرًا، عقلًا محلّلًا، هذه النطفة. إذن، روح الإنسان تكونت عبر حركة المادة، فحركة المادة دخيل في تكوين روح الإنسان.
بناء على هذه النظرية، إذا كانت الروح والنفس البشرية تتولد نتيجة حركة النطفة، إذن فأوصاف النطفة مؤثرة على أوصاف الروح، أي وصف تتصف به النطفة وقت تكونها مؤثر على مستقبل الشخص، أي وصف، أي سمة تتسم بها النطفة عند صيرورتها مؤثر على شخصية الشخص، مؤثر على كيان الشخص، مؤثر على مستقبل الشخص، ما دامت الروح البشرية وليدة حركة النطفة فأوصاف النطفة تنعكس على أوصاف شخصية الإنسان، أوصاف النطفة تنعكس على مستقبل الإنسان شاء أم أبى، فإن روحه هي نتيجة حركة النطفة، وهي نتيجة تنقل النطفة في البعدين اللذين ذكرناهما: البعد المادي، والبعد التجريدي.
إذن، أي غرابة؟! عندما نسمع أن تلك الشخصية الطاهرة القدسية فاطمة الزهراء بما لها من صفات – من عصمة، من اصطفاء، من طهارة – تكونت من ثمرة من الجنة، من تفاحة من الجنة، ما دامت الروح وليدة حركة النطفة فإذا كانت النطفة نطفة مصفاة طاهرة متخلقة من ثمار الجنة وتفاح الجنة فأي روح ستصنعها هذه النطفة؟! أي نفس ستتولد نتيجة هذه النطفة؟! أي شخصية ستتكون نتيجة حركة هذه النطفة؟! نطفة من ثمار الجنة، وصلب هو صلب العبادة والطهارة، صلب المصطفى رسول الله ، ورحم هو رحم النقاء، رحم الطهارة، رحم المجاهدة خديجة بنت خويلد، فأي روح ستتكون من هذا الصلب ومن هذا الرحم ومن هذه الثمرة القدسية تفاحة الجنة؟! إنها فاطمة الزهراء .
الدليل الثاني: الدليل العلمي.

نحن لا نبتعد في عالم الخيال، ولا نجنّح في عالم المعاني والألفاظ، من دون أن نستند إلى ركائز علمية، ومن دون أن نستند إلى مستندات تجريبية حسية أثبتها العلم ونطقت به التجربة. ارجعوا إلى علماء هندسة الجينات، هندسة الجينوم البشري، ماذا يقولون؟ يقولون: شخصية الإنسان، كيان الإنسان يتأثر بعاملين: عامل داخلي، وهو العامل الوراثي، وعامل خارجي، وهو الظروف والملابسات التي تصحب النطفة وقت تكونها، وقت التصاقها بجدار الرحم، الظروف والملابسات التي تكون حين التصاق النطفة بجدار الرحم مؤثرة في كيان الإنسان وفي شخصية الإنسان.
العامل الأول: العامل الوراثي.

القرآن نطق به قبل أن ينطق به العلم، على مستوى الأشرار يقول القرآن: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾، العامل الوراثي يؤثر أثره، وعلى مستوى الأخيار القرآن الكريم يقول: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ من هم هؤلاء؟ ربما يظن إنسان أن هؤلاء عوائل متفرقة، لا، كلهم عائلة واحدة، القرآن يوضّح العامل الوراثي، يقول: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾، هؤلاء توارثوا الفضل، توارثوا الكمال، العامل الوراثي أثّر أثره.
إذن، العامل الوراثي وإن كان – كما يذكر علماء الكلام – عاملًا اقتضائيًا، ليس على نحو العلية التامة، أي أن من انحدر من عائلة طاهرة كان في قلبه ميلٌ اقتضائيٌ للطهارة، لا أنه حتمًا يكون طاهرًا، ميل اقتضائي لا على نحو العلية التامة، المهم أن العامل الوراثي يؤثر أثره في أن تكون هذه الشخصية أرضية معدّة للطهارة، معدة للنقاء، معدة لاستقبال الكمال، كما انحدرت السيدة الزهراء من هذا الصلب الطاهر، من محمد ، إلى أن أصبحت السيدة الزهراء.
العامل الآخر: العامل الخارجي.

عندما تكوّنت الظروف في أي ظروف تكونت؟ في أي ملابسات تكونت؟ كثير منا ربما يظن أنه كيفما كان حصلت النطفة لا أثر لذلك! لا، العلماء يؤكدون أن قلق المرأة، القلق الذي يساور المرأة في حال لقاء الرجل بها، عندما تتكون النطفة في رحمها وهي قلقة، يقولون: هذا القلق ينسحب على الجنين حتمًا، يصبح الجنين شخصية مذبذبة لا قرار لها، لأن الأم حين استقبلت النطفة كانت تعيش قلقًا واضطرابًا، الاضطراب النفسي يؤثر أثره لأنه من الظروف والملابسات التي تحف بهذه المرأة وقت انعقاد النطفة.
إذن فبالنتيجة: شخصية الإنسان تتأثر بعاملين: عامل داخلي، وهو العامل الوراثي، وعامل خارجي، وهو الظروف والملابسات التي تحف انعقاد النطفة، فكيف بنطفةٍ جاءت على يد جبرئيل، واستقرت في صلب المصطفى الذي يعيش طاقةً لا حدّ لها من الصمود والثبات وقوة الإرادة، واستقرت في رحم امرأة لا تعرف إلا البذل والعطاء والتضحية والجهاد، ألا وهي خديجة بنت خويلد، هذه الظروف كلها كوّنت شخصية صامدة لا تتزلزل ولا تبتعد عن خطها ومشروعها في تحرير الأمة وإعطائها حقها من الخلافة الراشدة، ألا وهي شخصية السيدة الزهراء .
النقطة الثانية: أهمية الثقافة الجنسية.

نشير هنا إلى أمرين:
الأمر الأول: أهمية الثقافة الجنسية في تكوين الأسرة الصالحة.

ربما كثير من الإخوة – مع الأسف – يقول: أنا لا أحتاج إلى الثقافة الجنسية، لا أحتاج إلى أن أقرأ كتبًا تتحدث عن الثقافة الجنسية، ولا أحتاج أن أقرأ الصفحة الإسلامية التي تتحدث عن الثقافة الجنسية؛ لأن المسألة مسألة لذة وإشباع شهوة، فكيفما حصل وكيفما اتفق! وهذا الإنسان يسترسل مع نزواته ويسترسل مع شهواته ويسترسل مع نداء الجنس وغريزة الجنس من دون أن يكون له هناك مخطَّط مدروس في كيفية ثقافته الجنسية وكيفية سلوكه في هذا الإطار وفي هذا المجال.
الاسترسال مع الغريزة، والاسترسال مع النزعة والشهوة، من دون أن يكون لك إطار محدد في هذا السلوك، وفي هذا المجال، خطأٌ كبيرٌ. كثير من الناس يظن أن الثقافة الجنسية بمعنى أن تتعلم الطريقة الأفضل لإشباع اللذة، الطريقة الأفضل للقاء بالمرأة، الطريقة الأفضل لإشباع الغريزة! لا، ليست أهمية الثقافة الجنسية في أنك تتعلم الطريقة الأفضل للقاء المرأة، أهمية الثقافة الجنسية في أنها تخطيطٌ لمستقبل أولادك، الثقافة الجنسية جزءٌ من التخطيط لمستقبل أولادك وأجيالك، لا تظن أن المسألة مسألة لذة، لا تظن أن المسألة لقاء جاء بالصدفة فلينتج ما ينتج! لا، المسألة مسألة أجيال، المسألة مسألة أولاد.
أنت الآن بمجرد أن يولَد لك ولدٌ تضع لك خطة مدروسة في التعامل مع هذا الولد، على مستوى التربية وعلى مستوى التعليم، وتظن أنك إذا جعلت لك خطة مدروسة في التعامل مع هذا الولد على مستوى التربية وعلى مستوى التعليم فقد خطّطت لمستقبله، وأنتجت إنسانًا فاضلًا! لا، التخطيط لمستقبل الطفل لا يبدأ بعد الولادة، بل يبدأ قبل الولادة، التخطيط لمستقبل الطفل لا يكون إذا وُلِد كيف نتعامل معه، كأن المسألة مسألة ردة فعل وليست مسألة فعل، إذا جاء الولد كيف نتعامل معه؟ الآن نقرأ كتب التربية، نقرأ كتب التعليم، حتى نعرف كيف نتعامل مع هذا الجيل، ونخلق منه جيلًا فاضلًا.
لا، التخطيط لمستقبل الطفل يجب أن يبدأ من حين اختيار الزوجة، وأنت تختار زوجتك فأنت تختار طفلك، أنت تختار زوجتك أنت تختار أجيالك، أنت تختار زوجتك أنت تختار الأسرة والشجرة المنحدرة من صلبك، ولذلك ورد عن النبي المصطفى محمد : ”اختاروا لنطفكم؛ فإنَّ العرق دسّاس“، وورد عنه : ”إياكم وخضراء الدمن! قيل: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء“، وورد عنه : ”لا تسترضعوا الحمقاء ولا الشعماء؛ فإن اللبن يعدي“، حتى الرضاع يؤثر على مستقبل هذا الطفل.
إذن فبالنتيجة: التخطيط لمستقبل الأولاد ليس ردة فعل، إذا وُلِد الولد خطّطنا له! التخطيط لمستقبل الولد فعلٌ، نحن نصنعه، نحن ننشئه، يبدأ هذا التخطيط من حين الخطبة، من أول يوم للخطبة، تخطب المرأة ذات الخلق والدين التي تكون مصدرًا لأسرتك المتدينة المتخلقة بالأخلاق الفاضلة. كثير من شبابنا بمجرد أن تبدأ العلاقة مع المرأة، صار عقد بينه وبين المرأة، عقد عليها، يبحر في العلاقة العاطفية، ويسترسل في العلاقة الغريزية، ولا يكون له مخطَّط مدروس ومعلوم، كيف يتعامل مع هذه المرأة من زاوية الإطار الجنسي، يسترسل، يذهب كيفما شاءت عواطفه، كيفما شاءت مشاعره، كيفما شاءت غريزته، من دون أن يكون له خطة هناك. لا بد أن تخطط من الآن – وقبل أن تلتقي بالمرأة – مستقبل الأجيال والأولاد التي ستنتجها هذه المرأة، والتخطيط لمستقبلهم بالثقافة الجنسية.
الأمر الثاني: أهمية استقاء الثقافة الجنسية من الروايات الشريفة.

الثقافة الجنسية لا تنحصر بأن تقرأ كتب صبري قباني أو غيره مثلًا من العلماء الذين تحدثوا في هذا المجال، كثير منا يظن أن الفكر الإسلامي فكرٌ فقيرٌ في الثقافة الجنسية، أن النصوص والروايات فيها فراغ هائل من ناحية الثقافة الجنسية، فيركز على استيراد ثقافته الجنسية ومفاهيمه في هذا المجال من القنوات الفضائية، أو – والعياذ بالله – من الأفلام الجنسية، أو من الكتب التي تتحدث عن الثقافة في هذا المجال. لا يا أخي، اقرأ روايات أهل البيت، اطلع على ما يقوله الآخرون، لا بأس، ولكن اقرأ النصوص الصحيحة الواردة عن أهل البيت في مجال الثقافة الجنسية، ولا تضرب بذلك عرض الحائط؛ فإنه مهمٌ في تكوين مستقبل أطفالك وأجيالك، وفي تكوين شخصيتك. أقرأ بعض الروايات للإلفات إلى أهمية هذا المجال.
لاحظوا أن الإسلام كما يهتم بالطفل بعد ولادته، كما في هذه الرواية المعتبرة عن أبي أيوب عن ابن راشد عن أبيه قال: سمعت أبا عبد الله – الإمام الصادق – يقول: ”لا يجامع الرجلُ امرأته ولا جاريته وفي البيت صبيٌّ؛ فإن ذلك مما يورث الزنا“، هذا تعاملٌ مع الطفل بعد ولادته، والمقصود بالبيت: الغرفة. وورد أيضًا عن الحسين بن زيد عن أبيه عن أبي عبد الله قال: قال رسول الله : ”والذي نفسي بيده لو أن رجلًا غشي امرأته وفي البيت صبيٌّ مستيقظٌ يراهما أو يسمع كلامهما أو نفسهما“ حتى النفس، نفس الزوجين في هذا الوقت نفسٌ يؤثر على سمع هذا الطفل وهذا الصبي، ”أو نفسهما ما أفلح أبدًا“ هذا الصبي لا يفلح، ”إن كان غلامًا كان زانيًا، وإن كان جارية كانت زانية“، ”وكان علي بن الحسين – الإمام السجاد – إذا أراد أن يغشى أهله أغلق الباب وأرخى الستور وأخرج الخدم“.
إذن فبالنتيجة: الإسلام يركّز على صيانة الطفل، أن يصان هذا الطفل منذ صغره عن الميول الشهوية، والميول الشيطانية، تصان نفسه منذ صغره، ألا تمر عليها هذه الميول التي تؤثر على شخصيته في المستقبل.
في وصية النبي لعلي : ”يا علي، لا تجامع امرأتك بعد الظهر؛ فإنه إن قضي بينكما ولدٌ في ذلك الوقت يكون أحول“، المصطفى كما يخبر عن الجنة والنار ونصدقه، فإذا أخبرنا عن القضايا الطبيعية لم لا نصدّقه؟! ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾، لا مجال للتفكيك في التصديق، ونقول: نحن نصدق الرسول إذا أخبرنا بما يقع في عالم القيامة وفي عالم البرزخ، أما إذا قال ماذا يحصل للجنين فهذا ليس شغله ولا اختصاصه! كما كان إخباره صادقًا عن قضايا الغيب فإخباره صادقٌ عن قضايا الطبيعة.
”يا علي، لا تجامع امرأتك في ليلة الفطر؛ فإنه إن قضي بينكما ولد لم يكن إلا كثير الشر. يا علي، لا تجامع امرأتك في ليلة الأضحى؛ فإنه إن قضي بينكما ولد يكون له ستة أصابع أو أربعة أصابع“ يعني مشوّه الخلقة، إلى آخر الرواية، ثم ”يا علي، لا تجامع امرأتك في النصف من شعبان؛ فإنه إن قضي بينكما ولدٌ يكون مشؤومًا ذا شامةٍ في وجهه“. صحيحة أخرى عن النبي : ”يا علي، لا تجامع امرأتك بشهوة امرأة أخرى“ يعني نظر إلى امرأة فأعجبته، فاشتهى أن يلتقي بالمرأة الثانية، ثم جاء بالتقى بزوجته بشهوة المرأة الأخرى، ”يا علي، لا تجامع امرأتك بشهوة امرأة غيرها؛ فإنّي أخشى إن قضي بينكما ولد أن يكون مخنّثًا“.
لاحظ التعبيرات عند النبي ، في تلك الروايات قال: إن قضي بينكما ولد يكون أحول، ما قال: أخشى، أي أن التأثير قوي في ذلك الفرض، هنا ما قال: يكون، بل قال: أخشى، يعني هناك اقتضاء وليس تأثيرًا بالغًا من القوة، قال: أخشى. جميع هذه الآداب المذكورة، بعد ذلك يقول: ”يا علي، احفظ وصيتي كما حفظتها من جبرئيل“، الإمام الصادق عندما يتعرض لوصايا النبي يقول: ”فمن خالف رسول الله فيما ذكر فلا يلومن إلا نفسه“، أي: من ابتلي بالعيوب والآفات التي نصّ عليها الرسول المصطفى في إرشاداته وتوصياته فلا يلومن إلا نفسه، هو يقع موقع اللوم، وموقع العتاب من نفسه؛ لأنه لم يجرِ على وفق وصايا النبي ، هذا ما أردنا التنبيه عليه.
وبمناسبة وفاة الزهراء في هذه الأيام، ومولد الزهراء أيضًا سيأتي في العشرين من جمادى الثانية، تعرضنا لهذه الفضيلة وهذه المنقبة المرتبطة بشخصية الزهراء ، ونختم هذا المجلس بقراءة بعض الأبيات في مديح الزهراء والتوسل بها.