مركز الدراسات الفاطمية
مركز الدراسات الفاطمية
الزهراء عليها السلام تتحدى انقلاب السقيفة   بقلم: السيد عبد الستار الجابري  
+ = -

خرجت الزهراء عليها السلام من دارها تحوطها نساؤها ودخلت المسجد النبوي وأنيطت دونها ملاءة وجرى السجال على أشده بين السيدة الزهراء عليها السلام وأبي بكر ولم تجعل الزهراء عليها السلام محور الصراع الدائر قضائياً، لأن أبا بكر خصم الزهراء عليها السلام، والخصم لا يصلح أن يكون قاضياً، ولأن أساس القضية هو الصراع السياسي لا الحق المالي وإن كان ثابتاً لها عليها السـلام ولكن كان مفتاح الصراع المطالبة بحقوقها المالية.
ضَمنت الزهراء عليها السلام حديثها الإشادة بأمير المؤمنين عليه السلام وخصائصه السامية وسلبيات العرب قبل الإسلام وعرضت بخصومها الذين غصبوا الحق من أهله، وأشارت إلى مؤامراتهم التي حاولوا فيها القضاء على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام.

حاول أبو بكر السيطرة على مسار الأحداث لئلا تستطيع الزهراء عليها السلام كسب الأنصار إلى جنب أمير المؤمنين عليه السلام فأدار دفة الصراع إلى فدك وادعى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال إن الأنبياء لا يورثون، فكذبته الزهراء عليها السلام وحاولت العودة إلى الصراع السياسي بينما كان أبو بكر يبذل قصارى جهده لمنع الزهراء عليها السـلام من السير قدما في تأكيدها انحصار حق تولي الحكم بأمير المؤمنين عليه السلام واستمر السجال طويلاً ولم تلحظ الزهراء عليها السلام استجابة من الحاضرين تؤيد مطاليبها، بل وصل التهديد إلى مسامعها الشريفة، حيث صرح أبو بكر بعد أن رأى إنه لم يبق في كنانته سهم انه لم يقم بمصادرة الأموال والتصدي للحكم برأيه فقط بل كان ذلك ما أجمع عليه الحاضرون في المسجد، ولم تسمع الزهراء عليها السلام منهم انكاراً لدعواه، وحاولت بعض نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوقوف إلى جنب الزهراء عليها السـلام فتصدت لهن عائشة بقوة مؤيدة مدعيات أبيها. (راجع: معاني الأخبار ص 354 باب معاني قول فاطمة عليها السلام لنساء المهاجرين والأنصار في علتها ح 1، السقيفة وفدك ص 120، الاحتجاج ،ج 1 ص 131، 147).

 الهجوم الأول على دار فاطمة عليها السلام 
عادت الزهراء عليها السـلام بعد الجولة الأولى من الصراع، واستعدت للجولة التالية، إلا أن القوم بدأوا المرحلة الثانية من مراحل خطة إلجاء أمير المؤمنين عليه السلام إلى المبايعة أبي بكر، حيث قاد عمر فصيلاً من القرشيين ومن في فلكهم وهدد باقتحام الدار ومهـاجمة من فيها إن لم يغادرها المعتصمون من بني هاشم ومن لاذ بهم.
وخشى المعتصمون أن تنتهك بسببهم حرمة دار الزهراء عليها السلام فاضطروا للخروج، وكان من بين المعتصمين الزبير الذي جرد سيفه للهجوم على القرشيين إلا أنهم ضربوه بحجر على ظهره فوقع بسـبب الضربة على وجهه وندر السيف من يده فأخذه القوم وأجبروه على مبايعة أبي بكر.

 أمير المؤمنين عليه السلام في المواجهة  
أصبح مسير الأحداث بعد الهجوم على دار الزهراء عليها السلام يزداد خطورة لذا قرر أمير المؤمنين عليه السلام القيام بالتحرك المضاد، وكانت الخطوة الأولى تقتضي تعبئة المؤيدين للقيام بعد ذلك بالعمل العسكري، فكان عليه السلام في سبيل تحقيق هذه الخطوة يحمل الزهراء والحسنين عليهم السلام ليلاً إلى مجالس المهاجرين والأنصار يدعوهم إلى نصرته، إلا أنه لم يستجب لندائهم إلا عدد قليل جداً وهؤلاء إن وفوا بوعدهم فعددهم كاف لإعلان الثورة المسلحة.
وللاطمئنان من صدقهم طلب منهم أمير المؤمنين عليه السلام أن يغدوا إليه محلقي الرؤوس عند أحجار الزيت لإعلان الثورة فلم يأته سوى الأركان الأربعة أبو ذر والمقداد وعمار وسلمان رضوان الله عليهم ورأى عليه السلام أن هذا العدد غير كاف للقيام بالثورة فعاد إلى داره.
على الرغم من عدم استجابة الأمة لأمير المؤمنين والزهراء والحسنين صلوات الله عليهم إلا أن حركتهم تلك أسهمت إسهاماً كبيراً في بث الروح من جديد في وجدان الأمة الذي كادت أن تميته بيعة السقيفة وكان ذلك الأثر واضحاً بين الأنصار.

وتتميماً لدور الزهراء عليها السلام في خوض غمار الصراع السياسي حضرت إلى المسجد النبوي مرة أخرى وألقت على مسامع الناس خطاباً دعتهم فيه إلى العودة إلى جادة الصواب ووضع الأمور في مواضعها ثم عادت أدراجها إلى بيتها،وفي هذه المرة أخذ الأنصار يهمهمون، ولم يخف على أبي بكر سر هذه الهمهمة إذ أن شركاءه كانوا قد نقلوا إليه النشاط التعبوي الذي يقوم به أمير المؤمنين عليه السـلام ليلاً، فما إن عادت الزهراء عليها السلام أدراجها حتى قام أبو بكـر خطيباً مندداً بالأنصار ومهدداً إياهم ومعرضاً بالزهراء وأمير المؤمنين عليهما السلام.
ولم يكتف بذلك بل ضَمن خطابه شراء الذمم بالأموال وهدد من لم يستجب بقطع عطائه من بيت المال وأثبت ذلك عملياً حيث أمر الجالسين بالذهاب لاستلام أعطياتهم، وفي أثناء خطابه اعترضت السيدة أم سلمة رضوان الله عليها على تعريض أبي بكر بالزهراء عليها السلام فأمر أبو بكر بقطع عطائها من بيت المال سنة كاملة. (راجع: دلائل الإمامة ص 122، السقيفة وفدك ص 104، بحار الأنوار ج 92ص 326، فدك في التاريخ ص 67، 117، مواقف الشيعة ج 1ص 476، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص 214، اللمعة البيضاء ص44).

 الهجوم الثاني على دار فاطمة عليها السلام  
أحس القوم أن أمير المؤمنين والزهراء عليهما السلام أصبحا يشكلان تهديداً جدياً للحكم القائم وبدت آثار نشاطهما التعبوي تلوح في الأفق، إذ هذه الاستجابة الضعيفة من الأنصار والتفاني العظيم من خيار الصحابة لن يمر عليه زمن طويل حتى تكون إلى جنب أمير المؤمنين عليه السلام قوة عسكرية يتمكن بها من الإطاحة بالنظام القائم، فعقدت قيادات السلطة اجتماعاً بحثوا فيه كيفية التعامل مع معطيات الأحداث الجديدة وقرروا القيام بإجرائين سريعين:
1 ـ الهجوم على دار أمير المؤمنين عليه السلام وإجباره على البيعة وقتله إن لم يستجب.
2 ـ إنفاذ بعث أسامة وإجبار من يشك في أن له ميلاً لأمير المؤمنين عليه السلام من الأنصار في هذا البعث لتفريغ المدينة منهم.
ونفذت السلطة الخطة وأرسلوا قنفذاً يدعو أمير المؤمنين عليه السلام للبيعة فرفض الاستجابة لهم وتكرر ذلك ثلاث مرات.
فحمل عمر الحطب وأخذ معه قوة عسكرية كبيرة وأحرق باب دار الزهراء عليها السلام فوقفت عليها السلام وراء الباب تحـرج عليهم الدخول عنوة إلى الدار التي لم يكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يدخلها الا مستأذناً.
ولم يعبأ المهاجمون بوجود الزهراء صلوات الله عليها خلف الباب بل دفع عمر البـاب وعصرها خلف الباب وضغط الباب بقوة حتى تكسرت أضلاعها وأنّتْ عليها السلام لشدة الألم وأسقطت جنينها فوقعت إلى الأرض مغشياً عليها.
وسمع أمير المؤمنين عليه السلام أنينها فـثار إلى سيفه في الوقت الذي اقتحم المهاجمون دار فاطمة عليها السلام وكاثروا أمير المؤمنين عليه السلام وسـارعوا إلى سيفه لئلا يقع في يده واقتادوه يجرونه إلى الخارج وهو يمتنع عليهم وتكاثروا عليه وجروه حتى أخرجوه من داره عنوة.

 أمير المؤمنين عليه السلام في المسجد النبوي 
وفي المسجد النبوي جرت مجادلات كثيرة بين أمير المؤمنين عليه السلام وأبي بكر، ووقف إلى جنب أبي بكر عمر وأبو عبيدة في محاولة منهم لدعـم حجة أبي بكر، ولكنهم عجزوا عن إقامة الحجة على أمير المؤمنين عليه السلام بل عجزوا عن مقاومة حجته بالحجة فهددوه بالقتل إن لم يبايع فلم يبايع عليه السلام.
وكان القوم يحاولون إكراه أمير المؤمنين عليه السلام على البيعة وهو يرفض وبدأوا يهيئون الأجواء لقتله وفي هذه الأثناء أفاقت السيدة فاطمة عليها السـلام من غشيتها وسألت عن أمير المؤمنين عليه السلام فأخبروها الخبر وكانت عليهـا السلام تدرك أهداف اقتياد أمير المؤمنين عليـه السـلام فخرجت من دارها وهي تتجرع الآم الإسقاط وكسر الضلع لمنع القوم من الوصول إلى مآربهم.

فرآها أحد زعامات التحرك القرشي وعرف أنها ان وصلت إلى قرب أمير المؤمنين عليه السلام فإنهم لن يستطيعوا الوصول إلى غايتهم فنهض إليها وأمرها بالرجوع إلى دارها فأبت فرفع يده وصفع وجهها الطاهر صفعة تناثر لها قرطها واحمرت لها عينها وبقيت محمرة العين حتى وفاتها وكرر أمره لها بالرجوع فأبت فأمر قنفذاً والأوباش بإرجاعها عنوة وتسارع إليها الأوغاد يضربونها بما نالته أيدهم، فبعض بنعل سـيفه وبعض بالسـوط وهي تتجرع الألم وتمضي إلى الأمام لمنع القوم من الوصول إلى ما يريدون من أمير المؤمنين عليه السلام وكانت الأحداث تجري على مرأى من أبي بكر الذي شاهد تحركاً استنكارياً عنيفاً بين الأنصار، فخشي انقلاب الأمر عليه فأصدر أمره بالكف عن أمير المؤمنين عليه السلام وقال إنه ما دامت الزهراء عليها السلام إلى جنبه فانه لا يكرهه على ما لا يريد،وفي الحقيقة لم يكن ذلك إلا تسكيناً لثورة الأنصار وخوفاً من انقلاب الأمر عليه وإلا فإن الزهراء عليها السلام كانت إلى جنب أمير المؤمنين عليه السلام منذ اللحظة الأولى. (راجع: الأمالي للشيخ الصدوق ص 174 ح178 / 2، المصنف – ابن أبي شيبة الكوفي ج8 ص572، شرح نهج البلاغة ج2 ص47، ج14 ص193، كنز العمال ج5 ص651،189، تاريخ الطبري ج2 ص443
وعاد أهل البيت النبوي صلوات الله عليهم إلى دارهم بعد أن يأس المتآمرون من الوصول إلى ما يريدونـه منهم وبعد أن تجرعوا من الآلام ما عرضـوا به ابدانهم الطاهرة إلى ألوان العذاب حفاظاً على شريعة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم من أن تتلاعب بها أيادي أوباش العرب.