مركز الدراسات الفاطمية
البصرة – العراق
سلسلة حلقات نحو مجتمع فاطمي عفيف
مجموعة الدراسات المرسلة الى اللجنة التنسيقية
هلال فاطمية أستراليا – سدني
الحلقة الرابعة
القاب السيدة فاطمة (عليها السلام) في روايات أهل البيت (عليهم السلام)
ألقاب السيدة فاطمة ( عليها السلام):
لم تتفرد السيدة فاطمة ( عليها السلام) في محورية الألقاب و كونها ظاهرة اجتماعية ذات معاني ودلالات مختلفة عبر التاريخ البشري ، وقد جاءت منسجمة مع محورية اشتركت بها (عليها السلام ) مع أبناء مجتمعها عموماً ، وأهل بيتها على نحو الخصوص . وتكشف لنا هذه الجزئية كثير من المعاني المهمة في شخصية الملقب و المكنى. وما أبرز الدلالات التي تكشف لنا هذه المحورية ما يأتي([1]).
1-تكشف الألقاب للملقب جانب او عدد من الجوانب المتعلقة في الشخصية .
2-ترتبط الألقاب في المسيرة التاريخية للشخص والتي تعطينا رسماً واضحاً في كثير الأحيان بغض النظر عن ايجابية وسلبية تلك المسيرة.
3-تعكس لنا الألقاب عظمة الملقب والمكنى وسمو منزلته ومقامة في داخل المحيط الاجتماعي والفكري والسياسي.
4-إن تعدد الألقاب لأي شخصية ترسم لنا خارطة لمعرفة حجم رصيده المعرفي سواء كان ذلك الرصيد فكرياً او اجتماعيا أو سياسياً أو غير ذلك ،والسيدة فاطمة ( عليها السلام) غنية في رصيدها المعرفي .
أشارت المصادر إلى عدد ليس بالقليل من ألقاب السيدة فاطمة ( عليها السلام) ونحن سوف نقف على المشهور منها ،وعلينا التنويه إلى إن بعض الروايات عبرت بالأسماء وفي التطبيق العملي المفهومي هي ألقاب وليس أسماء ونحن سوف نبين الألقاب ومعانيها من خلال ما روي عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام) قال : (( لفاطمة (عليها السلام) تسعة أسماء عند الله عز وجل فاطمة والصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والراضية والمرضية والمحدثة والزهراء …)). ([2]). وسوف ندرس تلك الألقاب المباركة من خلال الأتي.
1-فاطمة:
ويرجع اسم فاطمة إلى الفعل الثلاثي ( فطمَ) والأُنثى فَطِيم وفَطِيمة . والجمع الفَطِيم مثل سَرِير وسُرُ، وفَطَمْت فلاناً عن عادته ، وأُصل الفَطْم القطع .وفاطِمةُ : من أسماء النساء .وفي التهذيب : وتسمى المرأَة فاطِمة وفِطاماً وفَطِيمة([3]) . ومن هنا نستنتج أن المعنى اللغوي هو المرأة المنقطعة. ولاحظنا في جميع المعاني اللغوية التي تم التعرض لها هنا أم لا تفسراً مشتركاً يتمثل في القطع ([4]) .واعتقد هذا المعنى يشترك مع التفسيرات الروائية لمعنى اسم فاطمة. ومن أشهر الروايات التي نقف عليها الأتي.
1- روي عن يونس بن ظبيان ، قال : ((قال أبو عبد الله الصادق ( عليه السلام ) : لفاطمة ( عليها السلام ) تسعة أسماء عند الله عز وجل : ثم قال : تدري لأي شئ سميت فاطمة ؟ قلت : أخبرني يا سيدي ، قال : فطمت من الشر ،…))([5]) .
2- روى يزيد بن عبد الملك عن أبي جعفر ( عليه السلام) قال : (( لما ولدت فاطمة (عليها السلام) أوحى الله عز وجل إلى ملك فانطق به لسان محمد فسماها فاطمة … قال أبو جعفر (عليه السلام) : والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق )) ([6]) .
3- روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) الليلة فاطمة والقدر الله فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر ، وإما سميت فاطمة لان الخلق فطموا عن معرفتها…)) ([7]).
4-روي عن الإمام جعفر بن محمد بن علي ، عن أبيه عليهما السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (( يا فاطمة أتدرين لم سميت فاطمة ؟ فقال علي ( عليه السلام) يا رسول الله لم سميت ؟ قال : لأنها فطمت هي وشيعتها من النار)) ([8]) .
2- الصديقة :
وهو من الألقاب التي تثبت مقام عظيم للسيدة فاطمة (عليها السلام) ، والتي تشترك به مع الأنبياء ( عليهم السلام) ، وعلينا معرفة المعنى اللغوي قبل الإشارة إلى الروايات التي تثبت هذا المقام .وترجع كلمة الصديقة إلى الفعل الثلاثي صدق : والصدق : نقيض الكذب و الصدق : الكامل من كل شيء .والصديق من يصدق بكل أمر الله والنبي – عليه السلام – لا يتخالجه شك في شيء ([9]).والرجل صديق والأنثى صديقة والجمع أصدقاء ، وقد يقال للواحد والجمع والمؤنث صديق. ([10]). وفي التنزيل : وأُمُّه صِدِّيقةٌ أي مبالغة في الصِّدْق. ([11]).ودون شك جميع هذه المعاني تنطبق على السيدة فاطمة ( عليها السلام) وهناك عدد من الروايات التي تشير إلى هذا المقام السامي لها (سلام الله عليها) ومما ورد في هذا الصدد الأتي.
أ- روي عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : إن فاطمة (عليها السلام) صديقة شهيدة …)). ([12]).
ب- روي عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : (( إن الله تبارك وتعالى أمهر فاطمة ( عليها السلام ) …، وهي الصديقة الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى )) ([13]).
3-المباركة:
ينبغي علينا في دراسة بعض الألقاب الخروج عن الفهم العام والتوجه نحو الساحة الفكرية العامة ، ومن هذا المنطلق سوف نقف مع هذا اللقب في الدراسة وهنا سوف نقف مع المعنى اللغوي لهذا اللقب ثم نستقرأ التطبيقات الروائية .قال ابن منظور : برك : البَرَكة : النَّماء والزيادة . والتَّبْريك : الدعاء للإِنسان أو غيره بالبركة . وبارك الله الشيءَ وبارك فيه وعليه : وضع فيه البَرَكَة . والعرب تقول باركَكَ الله وبارَكَ فيك ([14]).
لم تشير المصادر التاريخية إلى امرأة جمعت مصادر البركة في ذريتها مثل السيدة فاطمة ( عليها السلام) من حيث النوع والكم،فهي الوعاء الحاضن للإمامة الإلهية فكانت أم الأئمة ( عليهم السلام) ومصدر ذرية النبي (صلى الله عليه واله وسلم) الذي قال عنها: (( كل بنى أنثى فان عصبتهم لأبيهم ما خلا بنى فاطمة فإني أنا عصبتهم وأنا أبوهم)). ([15]).
وهذه الإشارة النبوية الشريفة نجد لها استدلالات قرآنية شريفة في قوله تعالى :(( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)). ([16]). وفي هذه الآية نجد أشارة صريحة وقطعية ومتفق عليها في جميع مصادر المسلمين في كون المقصود في أبنائنا هم الإمام الحسن والحسين ( عليهما السلام). بل نستطيع الاستدلال على هذا المتبنى الفكري من القرآن الكريم من جعل ابن البنت ابنا ومثال جعل النبي عيسى ( عليه السلام ) من ذريه النبي إبراهيم (عليه السلام) بقوله تعالى : (( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ)). ([17]).
ونستطيع كذلك إن نستدل بطريق تقريبي على إن السيدة فاطمة ( عليها السلام) هي المباركة من خلال قوله تعالى : ((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)) ([18]). ومن ابزر من فسر هذه الآية الطباطبائي بقوله : ((ان كثرة ذريته صلى الله عليه وآله وسلم هي المراده وحدها با لكوثر الذي أعطيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو المراد بها الخير الكثير وكثرة الذرية مراده في ضمن الخير الكثير ولولا ذلك لكان تحقيق الكلام بقوله : ” إن شانئك هو الأبتر ” خاليا عن الفائدة … ” إنا أعطيناك ” من الامتنان عليه صلى الله عليه وآله وسلم جئ بلفظ المتكلم مع الغير الدال على العظمة ، ولما فيه من تطييب نفسه الشريفة أكدت الجملة بأن وعبر بلفظ الإعطاء الظاهر في التمليك والجملة لا تخلو من دلالة على أن ولد فاطمة عليها السلام ذريته صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا في نفسه من ملاحم القرآن الكريم فقد كثر الله تعالى نسله بعده كثرة لا يعادلهم فيها أي نسل آخر مع ما نزل عليهم من النوائب وأفنى جموعهم …)).([19]).
وقال الرازي في تفسير الآية بقوله : ((والقول الثالث : الكوثر أولاده قالوا : لأن هذه السورة إنما نزلت رداً على من عابه (عليه السلام) بعدم الأولاد ، فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مر الزمان ، فانظر كم قتل من أهل البيت ، ثم العالم ممتلئ منهم ، ولم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به ، ثم أنظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام) والنفس الزكية وأمثالهم)) ([20]).
4-الطاهرة:
من الأسماء الجميلة والتي تدل على معنى يصبو إليه كل مؤمن هو الطهارة الباطنية والظاهرية ، حيث سميت به فاطمة (سلام الله عليها) ، وقد دلت عدة روايات مهمة … على مدى طهارتها عليها السلام هذا بالإضافة إلى الشواهد الأخرى التي أيدت هذه المسألة عنها ( عليها السلام ) من أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة بل هي المحور الذي يدور عليه أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وأفضل دليل على طهارتها هو آية التطهير ، فهي سلام الله عليها مطهرة نقية مبرأة من كل الأرجاس الظاهرية والباطنية ([21]).
ومن ابرز ما يمكن الاستدلال عليه في طهارة السيدة فاطمة ( عليها السلام) من كتاب الله المجيد قوله تعالى : ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)) ([22]).وقد اجمع جميع علماء المسلمين على إن السيدة فاطمة ( عليها السلام) من مصاديق هذه الآية المباركة وخير من درس الأقوال في هذه الآية الفضلي الذي ذهب إلى أكثر من ستة عشر قولاً وجميعها تشمل الطاهرة (عليها السلام) ([23]) .ونستطيع الإشارة إلى عدد منها إن المرويات التي تثبت طهارة السيدة فاطمة ( عليها السلام) منها:
1- روي عن الإمام محمد الباقر عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : إنما سميت فاطمة بنت محمد الطاهرة ، لطهارتها من كل دنس ، وطهارتها من كل رفث ، وما رأت قط يوما حمرة ولا نفاسا )). ([24]).
2- روي عن جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) قال : حرم الله النساء على علي ما دامت فاطمة حية لأنها طاهرة )). ([25]).
5-الزكية :
يرى بعض الباحثين بعدية العلاقة الترابطية بين هذه التسمية وبين بعض الأسماء الأخرى ترابط أو ترادف، فيرى الحيدري إن: (( الزكية أقرب للترادف مع صفة الطاهرة من ناحية السلامة النفسية ،غير إن الزكية أعم مورداً فهي تعني النمو والزيادة والتكامل النفسية والقلبية وبالتالي يمكن القول بأن الزكية هي الطاهرة القلب والنامية في الخير والكمال وأما الطاهرة فتعني الخلو من الذنب أو العيب وفي ذلك دلالة على العصمة)) ([26]). بينما يرى المسعودي خلاف هذا المتبنى بقوله: ((ومعنى هذا الاسم مماثل ومرادف للمباركة ، والذي يقتضي الحال أن الزكاة هي النمو والزيادة في الشئ على وجه ما بحيث يكون ذا أثر واضح نتيجة تلك الزيادة التي تطرأ عليه ، فالزهراء زكية من جهة أن الله تعالى قد جعل ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد ازدادت ونمت عن طريق الرحم الطاهر للزهراء (سلام الله عليها)، فلقد كثر وبانت ذرية الرسول من جهتها (سلام الله عليها) وهذا يقتضي أن تكون الزهراء هي المنبع الذي عن طريقه كثرة ذرية رسول الله ، فهي الزكية بكثرة بركتها على شيعتها … المباركة فإنه كما هي مباركة فهي زكية بسبب إخلاصها وحبها لله تعالى تفانيها في ذات الله)) ([27]).
6-الراضية:
كثيرة هي المقامات التي ينبغي على الفرد المؤمن السير نحوها للوصول إليها ومن بينها وأهمها مقام الرضا ونجد هناك بعض الإشارات القرآنية التي تشير إليه في قوله تعالى: (( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) ([28]). وقوله تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)) ([29]). ودون شك إن السيدة فاطمة ( عليها السلام) من ابرز مصاديق هذه الآيات الشريفة. وقد دلت الأخبار المروية عن أهل البيت ( عليهم السلام) تبين مقام الرضا ومما روي عن الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: الصبر والرضا عن الله عز وجل رأس طاعة الله ومن صبر ورضي عن الله فيما قضى عليه فيما أحب أو كره لم يقض الله عز وجل له فيما أحب أو كره إلا ما هو خير له )). ([30]). ومن ابرز مصاديق رضاها بعد استقراء سيرتها المقدسة نجد منها نجد الحيدري يشير إلى ما نصه : (( وهي الراضية بقضاء الله وقدره فيما جرى على أمها من عذابات نشر الدعوة الإسلامية ، والعزلة والموت في غربة شعب أبي طالب وكيف كانت تواسي ببراءتها بعض المؤمنين وما جرى على أبيها ( صلى الله عليه واله ) الذي ما أوذي نبي كما أوذي (صلى الله عليه واله) وما جرى على زوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) من سلب الحق الشرعي وتعديات وتصغير شأن وعليها نفسها من عذابات بدأت من شعب أبي طالب وهي لم تبلغ الخامسة من عمرها الشريف،ومروراً بنشر الدعوة الإسلامية وتجمل أعبائها منذ أن كانت طفلة والى أن حلت محل أمها لتكون أما لأبيها ، والى حادثة الدار والتهديد بحرقها إن كانت هي فيها،ففجعوها بطفلها السقط المسمى بالمحسن وبنفسها الشريفة)). ([31]).
7-المرضية:
وهو مقام من المقامات السامية التي وصلت لها السيدة فاطمة ( عليها السلام) وقد فسر الحيدري هذا المقام بوجوه عدة منها:
أ-هي مرضية عند الله تعالى فهي صاحبة المقام الرفيع.
ب-هي التي قرن الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه واله وسلم) رضاهما برضاها.
ت-هي مرضية بجعل الولي الأعظم وقائد دولة العدل الإلهي من ولدها وهو الإمام المهدي المنتظر عليه السلام.
ث-هي مرضية بالانتقام لها ولما جرى عليها وعلى أمها ( عليها السلام) وعلى أبيها (صلى الله عليه واله) وعلى زوجها ( عليه السلام) وولديها الحسن والحسين ( عليهما السلام) خصوصاً وعلى بقية ذريتها الطاهرة وسائر أبنائها على مر الدهور([32]).
8-المحدثة:
وهو مقام من المقامات السامية التي يخص بها المولى سبحانه وتعالى بعض عباده لوصولهم مرتبة من مراتب السير والسلوك، فأعلى مراتب العباد هم الأنبياء نزولاً إلى بعض العباد رجالا كانوا أو نساء وعلينا إن نقف في البداية على بيان المصطلح له قبل الشروع في دراسة الجزئيات الأخرى. وقد عرف الحيدري المحدث بقوله : (( المحدث بالفتح : بمعنى حديث الملائكة معه وكذلك المحدثة وهي صفةُ قلما اتصفت بها امرأة ،فالتحديث نوعُ من الوحي ولكنة ليس من وحي الاصطلاحي الخاص بالأنبياء ( عليهم السلام)، وأما المحدثة بالكسر : فهي القائمة بالتحديث مع شخصٍ ما …)) ([33]). ومن خلال هذا التعريف يتضح إن المتبنى حديث الشخص مع الملائكة اي المحدث بالفتح لان الثاني ليس من الكرامات بشيء. والتحديث ليس امرأ مجهولاً بين الأمم السابقة بل كان معروفاً ومن ابرز ما أشار لهم القرآن الكريم تحديث الملائكة للسيدة مريم ( عليهم السلام) وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى : (( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا )) ([34]). وفي قوله تعالى : ((وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ )). ([35]).وهذه الآيات تثبت تحديث الملائكة مع أناس ليسوا بأنبياء وليسوا برجال كذلك فالسيدة مريم (عليها السلام) من النساء ومما تقدم ينطبق هذا المنطلق الفكري على السيدة فاطمة ( عليها السلام) ويوجد عدد من الأقوال في بيان لقب المحدثة ويمكن تلخيص ذلك في وجهين هما.
أ-حديث السيدة فاطمة ( عليها السلام) مع امها السيدة خديجة ( عليها السلام) وهي جنين وقد روي في هذا الصدد ما نصه: (( فلما حملت ( السيدة خديجة ) بفاطمة كانت ( عليها السلام ) تحدثها من بطنها وتصبرها ، وكانت تكتم ذلك من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فدخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوما فسمع خديجة تحدث فاطمة ( عليها السلام ) ، فقال لها : يا خديجة ، من تحدثين ؟ قالت : الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني . قال : يا خديجة ، هذا جبرئيل يخبرني أنها أنثى ، وأنها النسلة الطاهرة الميمونة ، وإن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها ، وسيجعل من نسلها أئمة ، ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه . فلم تزل خديجة ( عليها السلام ) على ذلك إلى أن حضرت ولادتها…)) ([36]).
ب-روي عن إسحاق بن جعفر قال : سمعت أبا عبد الله (( ع )) يقول: (( إنما سميت فاطمة عليها السلام محدثه لان الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول : يا فاطمة الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا فاطمة إقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ، فتحدثهم ويحدثونها…)) ([37]).
وعلى ضوء ما تقدم يتضح إن المراد بالمحدثة المعنى الثاني وهو مقام من المقامات التي تميزت بها السيدة ( سلام الله عليها) لقلة من وصل الى هذا المقام من ناحية الارتباط بالملائكة ونوعية الجنس البشري.
9-الزهراء.
يعد لقب الزهراء من أشهر الألقاب على الإطلاق حتى أصبح من حيث الشهرة والانتشار يوازي الاسم المبارك للسيدة (سلام الله عليها) ، ومعنى هذا الاسم المبارك في اللغة المرأَةُ المُشْرِقَةُ الوَجَهِ والبَيْضَاءُ المُسْتَنِيرةُ المُشْرَبَةُ بحُمْرَةٍ ([38]).وبعد استقراء الروايات وقفنا عدد منها لمعرفة سبب أطلاق هذا الاسم المبارك على السيدة فاطمة ( عليها السلام) منها:
1-روي جابر عن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام) قال : قلت له لم سميت فاطمة الزهراء زهراء ؟ فقال :لان الله عز وجل خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرت الملائكة ساجدين…)) ([39]).
2- روي عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال : (( سألت أبا عبد الله ( عليه السلام) عن فاطمة لم سميت الزهراء ؟ فقال لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما تزهر نور الكواكب لأهل الأرض )).([40]).
3-روي عن أبي هاشم العسكري قال : (( سألت صاحب العسكر ( عليه السلام ) لم سميت
فاطمة الزهراء ؟ فقال : كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين من أول النهار كالشمس الضاحية
، وعند الزوال كالقمر المنير ، وعند الغروب غروب الشمس كالكوكب الدري)) ([41]).
[1] – للوقوف تفاصيل أكثر. ينظر ابن شهر أشوب ، المناقب ،133،3/ الزنجاني ، الموسوعة الكبرى، 319-326/ المسعودي ، الأسرار الفاطمية ، 387-427/ الحيدري ، التدابير النبوية ،246-260.
[2] – الصدوق ، علل الشرائع،178،1/ ابن الفتال ، روضة الواعظين،148/ الحلي ، المحتضر،243.
[3] – ابن منظور، لسان العرب،454،12
[4] – ابن منظور، لسان العرب،454،12
[5] – الصدوق، الامالي،688/ابن الفتال،روضة الواعظين، 148.
[6] – الصدوق، الامالي،688/ابن الفتال،روضة الواعظين، 148.
[7] – الكوفي ،تفسير فرات الكوفي ، 581/ المجلسي ، بحار الأنوار ،65،43.
[8] – الصدوق ، علل الشرائع ،179،1/ الطبري ( الشيعي) ، دلائل الإمامة،148/ ابن شهر أشوب ، مناقب ،110،3
[9] – الفراهيدي ، العين ،56،5 .
[10] – الجواهري، الصحاح،1056،4.
[11] – ابن منظور ، لسان العرب ،193،10
[12] – الكليني ، الكافي ،458،1/ الفيض الكاشاني ،الوافي ،745،3.
[13] – الطوسي، الامالي ،668/ المجلسي، بحار الأنوار،105،43.
[14] – لسان العرب ،396،10
[15] – الطبراني ، المعجم الكبير،44،3/ابن حجر الهيثمي ،مجمع الزوائد ،224،4/ السيوطي ، الجامع الصغير،278،2
[16] – سورة أل عمران ، الآية 61.
[17] – سورة الأنعام ،الآية 84_85
[18] – سورة الكوثر، الآية،1
[19] – الميزان،20،370-371
[20] – التفسير الكبير ،32،124.
[21] – المسعودي ، الأسرار الفاطمية ،406
[22] – سورة الأحزاب، الايه 33.
[23] – أهل البيت ، 5 وما بعدها.
[24] – المجلسي ، بحار الأنوار ،19،43.
[25] – ابن شهر أشوب ، مناقب ،110،3/ الحلي ، المحتضر ،240/ المجلسي ، بحار الأنوار ،16،43
[26] – التدابير النبوية ،253-254
[27] – الأسرار الفاطمية ،409
[28] – سورة التوبة ، الايه 100.
[29] – سورة البينة ، الايه 7-8.
[30] – الكليني ، الكافي ، 60،2/ الحر العاملي ، الوسائل ،251،3.
[31] – الكليني ، الكافي ، 60،2/ الحر العاملي ، الوسائل ،251،3.
[32] – التدابير النبوية ،258.
[33] – التدبير النبوية ،248.
[34] – سورة مريم ، الايه 16-17
[35] – سورة مريم ، الايه 42.
[36] – الصدوق ، الامالي،690/ ابن الفتال ، روضة الواعظين ،143/ المجلسي ، بحار الأنوار ،43،2
[37] – الزبيدي ، تاج العروس،468،6
[38] – سورة مريم ، الايه 16-17
[39] – الصدوق ، علل الشرائع ،180،1/الاربلي ، كشف الغمة ،92،2/ المجلسي، بحار الأنوار ،12،43.
[40] – الصدوق ،معاني الأخبار ،64/ ابن شاذان ، الفضائل ،9/ المجلسي ، بحار الأنوار ،43، 12.
[41] – ابن شهر أشوب ، مناقب، 181،3/ المجلسي ،بحار الأنوار ،43،16.